تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١٧

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١٧

المؤلف:

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٥

رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أشفق من سيئته ورجا حسنته فهو مؤمن» (١).

كتب إلى أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن أحمد بن العطار الهمداني قال : أنبأنا أبو المحاسن نصر بن المظفر البرمكي ، أنبأنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن مندة ، أنبأنا أبي قال : عصام بن حفص حدث عن سليمان بن عمرو ، عداده في أهل بلخ ، روى عنه يحيى بن الحسن البلخي.

٤٨٦ ـ عصام بن طليق الطفاوي (٢) :

من أهل البصرة ، سمع الحسن بن أبي الحسن البصري وشعيب بن العلاء وسليمان ابن مهران الأعمش ، روى عنه طالوت بن عباد والأسود بن عامر وسعد بن عبد ابن الحميد جعفر ، وانتقل من البصرة إلى بغداد وسكنها وحدث بها ، روى عنه من أهلها محمد بن بكار بن الريان وغيره ، وكان ضعيفا في الرواية.

أنبأنا عبد الوهاب بن علي عن محمد بن عبد الباقي أن أبا إسحاق البرمكي أخبره عن أبي الفتح (٣) محمد بن الحسين الأزدي ، أنبأنا أبو يعلى أحمد بن علي ، حدثنا محمد ابن بكار بن الريان ، حدثنا عصام بن طليق البصري ، حدثنا شعيب بن العلاء قال : سمعت أبا هريرة يقول : اعلموا ايها الناس! إن أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم كلاما فيما لا يعنيه ، هكذا رواه مرسلا وقد رفعه أبو هريرة.

أخبرناه أبو شجاع محمد بن أبي محمد المقرئ إذنا قال : أنبأنا أبو البركات الأنماطي قراءة عليه قال : أنبأنا قاضي القضاة أبو بكر محمد بن المظفر الشامي ، أنبأنا أحمد بن محمد العتيقي ، أنبأنا يوسف بن أحمد بن الرحيل بمكة ، حدثنا أبو جعفر بن عمر ، أنبأنا ابن موسى العقيلي ، حدثنا محمد بن العباس المؤدب ، حدثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر ، حدثنا عصام بن طليق عن شعيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم كلاما فيما لا يعنيه» (٤).

__________________

(١) انظر الحديث في : كنز العمال ٨٠١ ، ٨٠٢.

(٢) انظر : تهذيب التهذيب ٧ / ١٩٥.

(٣) في (ج) : «الشيخ».

(٤) انظر الحديث في : العلل المتناهية ٢ / ٢١٦. والترغيب والترهيب ٣ / ٥٤ ز. والعلل المتناهية ٢ / ٢١٦.

١٨١

أخبرنا محمد بن أبي سعيد الأديب بأصبهان ، أنبأنا ذاكر بن أحمد بن عمر أبو بكر ، أنبأنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي ، أنبأنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسن البلخي (١) بنيسابور ، أنبأنا محمد بن يعقوب بن يوسف الأصم قال : سمعت العباس بن محمد الدوري يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : عصام بن طليق ليس بشيء.

أخبرنا أبو سعد محمود بن أحمد القطان بأصبهان قال : أنبأنا أبو الفرج الثقفي قراءة عليه عن أبي عمرو بن أبي عبد الله بن مندة قال : كتب إلى أبو علي أحمد بن عبد الله قال: أنبأنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي قال : سئل أبو زرعة عن عصام بن طليق فقال : ضعيف الحديث.

أخبرنا يوسف بن المبارك الشافعي ، أنبأنا محمد بن عبد الملك المقرئ قراءة عليه عن أبي محمد الجوهري عن أبي الحسن الدارقطني قال : كتب إلى أبو حاتم محمد بن حبان ابن أحمد البستي قال : عصام بن طليق شيخ يروي عن الحسن ، روى عنه البصريون وأهل بغداد، انتقل من البصرة إلى بغداد وسكنها ، وكان ممن يأتي بالمعضلات عن أقوام ثبات.

٤٨٧ ـ عصام الحربي الزاهد :

أخبرنا أبو طاهر المبارك بن المبارك بن هبة الله العطار قراءة عليه ، أنبأنا أبو الغنائم محمد بن محمد بن أحمد بن المهتدي بالله قراءة عليه ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر ابن أحمد البرمكي ، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري قال : حدثنا أبو عيسى حمزة بن الحسين السمسار قال : أخبرني أحمد بن جعفر عن عصام الحربي قال : رأيت في المنام كأني قد دخلت في درب هشام فلقيني بشر بن الحارث ، فقلت : من أين يا أبا نصر (٢)؟ فقال : من عليين ، قلت : ما فعل أحمد بن حنبل؟ قال : تركت [الساعة](٣) أحمد بن حنبل وعبد الوهاب الوراق بين يدي الله عزوجل يأكلان ويشربان ويتنعمان ، قلت : فأنت؟ قال : علم الله تبارك وتعالى قلة رغبتي في

__________________

(١) في (ب) ، (ج) : «السلمى».

(٢) «يا أبا نصر» ساقطة من (ب).

(٣) ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصول.

١٨٢

الطعام فأباحني النظر إليه.

قرأت على محمد بن حامد المقرئ بأصبهان عن زاهر بن طاهر الشحامي أن أبا القاسم القشيري أخبره قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثني أبو زرعة الرازي ، حدثنا حمزة بن الحسين السمسار ، حدثنا أحمد بن جعفر عن عصام الحربي ، وكان مستجاب الدعوة فذكر الحكاية ، وقد ذكر الخطيب هذه الحكاية في ترجمة عبد الوهاب بن الحكم الوراق ورواها عن الخلال عن ابن شاهين عن حمزة السمسار وسماه عاصما والصحيح عصام.

٤٨٨ ـ عصم بن وهب ، أبو الشبل البرجمي الشاعر (١) :

كان من البراجم ، مولده بالكوفة ، ونشأ وتأدب بالبصرة ، وقدم سر من رأى أيام المتوكل ومدحه ، واستوطن سامرا ، وكان صاحب نادرة كثير الغزل باحثا يفق على المتوكل وخدمه وخص به وأثرى وأفاد نعمة طائلة ، روى عنه ميمون بن هارون الكاتب.

أنبأنا عبد الوهاب بن علي عن محمد بن عبد الباقي قال : أنبأنا علي بن المحسن بن علي التنوخي عن أبيه أن أبا الفرج علي بن الحسين الأصبهاني أخبره قال : ذكر لي عمي عن محمد بن المرزبان بن الفيروزان عن أبيه قال : لما مدح أبو الشبل المتوكل بقوله :

أقبلي فالخير مقبل

واتركي قول المعلل

وثقي بالنجح إذ أب

صرت وجه المتوكل

ملك ينصف با

طالتي فيك ويعدل

فهو الغاية والمأ

مول يرجوه المؤمل

أمر له بألف درهم لكل بيت ، وكانت ثلاثية بيتا ، فانصرف بثلاثين ألف درهم (٢).

٤٨٩ ـ عصمة بن المفضل الأواني :

أنبأنا ابن الجوزي عن أبي الفضل المهندس قال : أنبأنا أبو محمد عبد الملك بن محمد

__________________

(١) انظر : الأعلام ٥ / ٢٧ ز ومعجم الشعراء ٢٧٥.

(٢) في الأصل : «دراهم».

١٨٣

ابن الحسين البزوغاني إذنا قال : أنبأنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن فارس الكاغذي الشيرازي قراءة عليه ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن علي الرشيفي ، أنبأنا القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي قال : أنشدني الصعبي(١) أنشدني عصمة بن المفضل (٢) الأواني قال : أنشدني داود بن جهور (٣) المساهيرواني (٤) لنفسه :

يغرون بالدنيا وهم يرضعونها

وقد آذنتهم بالغرور وبالغدر

ألا رب محسود على نعمة الغنى

ولم أر محسودا على نعمة الفقر

٤٩٠ ـ عطاء بن أبي سعد بن عطاء بن أبي عياض الثعلبي الفقاعي ، أبو محمد الصوف (٥) :

من أهل هراة ، كان من خواص أصحاب عبد الله الأنصاري ومجدا في خدمته ، سمع منه الحديث ، وسمع بنيسابور أبوي الحسن أحمد بن محمد الشجاعي وعلي بن أحمد المديني وأبا علي نصر الله بن أحمد الخشنامي وفاطمة بنت أبي علي الدقاق ، وبالري أبا ثابت فاهودار بن أبي الفوارس بن أبي الحسن الرازي ، وقدم بغداد وسمع بها الشريف أبا نصر محمد بن محمد (٦) بن علي الزينبي وأبا القاسم علي بن أحمد بن البسري وأبا الفوارس طراد بن محمد الزينبي وأبا محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي وأبا يوسف عبد السلام بن يوسف القزويني وأبا القاسم عبد الواحد بن علي ابن فهد العلاف وأبا الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون وأبا طاهر أحمد بن الحسن الباقلاني وأبا الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبا عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد ابن طلحة النعالي وأبا الفضل عبد الله بن محمد بن زكريا وأبا تمام هبة [الله] (٧) بن محمد بن علي الهاشمي وأبا عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي وأبا بكر أحمد بن علي ابن الحسين الطريثيثي وأبا القاسم عبد الله بن عبد الصمد بن علي بن المأمون قدمها

__________________

(١) في (ج) : «القصيى».

(٢) في الأصول : «الفضل».

(٣) في (ب) : «بن جمهور».

(٤) في (ب) ، (ج) : «الساهيروانى».

(٥) انظر : الأنساب للسمعاني ١٠ / ٢٣٥.

(٦) في (ب) ، (ج) : «بن أبي محمد».

(٧) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

١٨٤

ثانيا وحدث بها ، سمع منه أبو نصر محمود بن الفضل الأصبهاني.

قرأت بخط أبي نصر الأصبهاني وأنبأنيه عنه ذاكر الحذاء قال : أنبأنا أبو محمد عطاء ابن أبي سعد الهروي بقراءتي عليه ببغداد في ربيع الأول سنة سبع وثمانين وأربعمائة وأنبأنا أبو حامد عبد الله بن مسلم بن ثابت البزاز قال : أنبأنا أبو المظفر محمد بن أحمد الهاشمي وأحمد بن عبد الباقي أبو المكارم قالوا جميعا أنبأنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس الذهبي ، حدثنا عبد الله ابن محمد بن عبد العزيز ، حدثنا محمد بن جعفر الوركاني ، حدثنا أيوب بن جابر عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير (١) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اتقوا النار ولو بشق تمرة» (٢).

أخبرني شهاب الحاتمي بهراة قال : سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول : عطاء بن أبي سعد الفقاعي الصوفي سمعت أن مولده في سنة أربع وأربعين وأربعمائة ، وتوفي تقديرا سنة خمس وثلاثين وخمسمائة.

٤٩١ ـ عطاء بن [عبد] (٣) المنعم بن عبد الله بن محمد الخاني ، أبو الغنائم ابن أبي الفتح :

من أهل أصبهان ، قدم بغداد طالبا للحج في شوال سنة ستين وخمسمائة وحدث بها عن أبي القاسم بن أبي نصر البرجي روى لنا عنه أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج الحصري.

أخبرنا ابن الحصري بمكة قال : أنبأنا أبو الغنائم عطاء بن [أبي الفتوح] (٤) عبد المنعم بن عبد الله بن محمد الخاني الأصبهاني قدم علينا بغداد حاجّا قال : أنبأنا أبو القاسم غانم بن أبي نصر البرجي قراءة عليه ، أنبأنا أبو علي بن شاذان إجازة ، أنبأنا أبو محمد الخراساني ، حدثنا الحسن بن مكرم ، حدثنا روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إذا ظهر على قوم

__________________

(١) في (ب) : «بنى بشر».

(٢) الحديث سبق تخريجه ، راجع الفهرس.

(٣) ما بين المعقوفتين سقط الأصول.

(٤) ما بين المعقوفتين سقط من الأصول.

١٨٥

أقام بالعرصة ثلاثا».

قرأت بخط القاضي أبي المحاسن عمر بن علي القرشي قال : سألته ـ يعني عطاء بن عبد المنعم ـ عن مولده ، فقال : في سنة ست وخمسمائة بأصبهان ، كان عطاء هذا حيّا في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.

٤٩٢ ـ عطاف بن محمد بن علي بن أحمد الآلسي (١) ، أبو سعيد الشاعر ، المعروف بالمؤيد (٢) :

ولد بآلس (٣) قرية بقرب الحديثة ، ونشأ بدجيل ، ودخل بغداد وصار جاويشا في أيام الإمام المسترشد بالله ، وقد هجاه ابن المفضل الشاعر بأبيات منها :

يختال في السيف المحلي والقنا

كطفان يخطر في سماط مطهر

كطفان : اسم مسخرة كان ببغداد.

ثم إن المؤيد عانى نظم الشعر فأكثر منه حتى عرف به ومدح وهجا ، وكان قد لجأ إلى خدمة السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه ، وتفسح في ذكر الإمام المقتفي وأصحابه بما لا ينبغي فقبض عليه وسجن.

قرأت في كتاب «خريدة القصر» لأبي عبد الله محمد بن محمد بن حامد الكاتب الأصبهاني بخطه وأجاز لي روايته عنه قال : المؤيد بن محمد الآلسي (٤) بغدادي الدار ، ترفع ذكره وأثرت حاله ونفق شعره وكان له قبول حسن ، واقتنى أملاكا وعقارا ، وكثر رياشه وحسن معاشه ، ثم عثر به الدهر عثرة ضعف منها انتعاشه ، وبقي في حبس المقتفي أكثر من عشر سنين إلى أن أخرج في زمان المستنجد سنة خمس وخمسين عند توليه من الحبس ، ولقيته حينئذ وقد غشي بصره من ظلمة المطمورة التي كان فيها محبوسا ، وكان زيه زي الأجناد ، سافر إلى الموصل ، وتوفي بعد ذلك بثلاث سنين ، وله ، شعر حسن غزل وأسلوب مطرب ونظم معجب ، وقد يقع له من المعاني المبكرة ما يندر ، فمن ذلك ما أنشدني له شمس الدولة علي ابن أخي الوزير عون الدين بن هبيرة

__________________

(١) في الأصول : «الآنسى».

(٢) انظر : الأعلام ٥ / ٣١.

(٣) في (ج) : «بالسن».

(٤) في الأصول : «الآنسى».

١٨٦

في صفة القلم :

ومثقف يغنى ويفنى دائما

في طوري الميعاد والإيعاد

وهبت له الآجام حين نشا بها

كرم السيول وهيبة الآساد

قال : وله هذه الأبيات السائرة التي يغني بها :

لعتبة من قلبي طريف وتالد

وعتبة لي حتى الممات حبيب

وعتبة أقصى منيتي وأعز من

علي وأشهى من إليه أتوب

غلامية الأعطاف تهتز للصبا

كما اهتز في ريح الشمال قضيب

تعلقتها طفلا صغيرا وناشئا

كبيرا وها رأسي بها سيشيب

وصيرتها ديني ودنياي لا أرى

سوى حبها إني إذا لمصيب

وقد أخلقت أيدي الحوادث جدتي

وثوب الهوى ضافي الدروع قشيب

سقى عهدها صوب العهاد بجوده

ملث كتيار الفرات سكوب

وليلتنا والغرب ملق جرانه

وعود الهوى داني القطوف رطيب

ونحن كأمثال الثريا يضمنا

رداء على ضيق المكان رحيب

وبت أدير الكأس حتى لثغرها

شبيهان طعم في المدام وطيب

إلى أن تقضي الليل وامتد فجره

وعاود قلبي للفراق وجيب

فيا ليت دهري كان ليلا جميعه

وإن لم يكن لي فيه منك نصيب

أحبك حتى يبعث الله خلقه

ولي منك في يوم الحساب حسيب

وألهج بالتذكار باسمك دائما

وإني إذا سميت لي لطروب

فلو كان ذنبي إن أديم لودكم

حياتي بذكراكم فلست أتوب

إذا حضرت هاجت وساوس مهجتي

وتزداد بي الأشواق حين تغيب

فوا أسفا لا في الدنو ولا النوى

أى عيشتي يا عتب منك يطيب

لقلبي من حبك نار وجنة

ولي منك داء قاتل وطبيب

فأنت التي لولاك ما بت ساهرا

ولا عاودتني زفرة ونحيب

قرأت على [أبي] عبد الله محمد بن سعيد الحافظ عن أبي المحاسن عمر بن علي القرشي قال : أنشدني محمد بن المؤيد الآلسي الشاعر قال : أنشدني أبي لنفسه من

١٨٧

قصيدة :

بعد الأحبة ميتة العشاق

سيان بعث للفتى وتلاقي

نفسي فداء مضربين وحسنهم

والشوق يزدحمان في الأسواق

رحلوا فأفنيت الدموع تحرقا

من بعدهم وعجبت إذ أنا باقي

وعلمت أن العود يقطر ماؤه

عند الوقود لفرقة الأوراق

لا ينكر البلوى سواد مفارقي

فالحرق يحكم صنعة الحراق

أنا شبت حتى ناظر ، وسواده

ومعصفرات نجيعة المهراق

أنشدني أبو الحسن علي بن عبيد الله القاضي من لفظه للمؤيد الآلسي :

لنا صديق يغر الأصدقاء ولا

نراه مذ كان في وداود له صدقا

كأنه البحر طول الدهر تركبه

وليس تأمن فيه الخوف والغرقا

قرأت بخط أبي شجاع محمد بن علي بن شعيب بن الدهان في تاريخ جمعه قال : توفي ثالث عشري رمضان من سنة سبع وخمسين وخمسمائة ، مات المؤيد الآلسي الشاعر بالموصل ، قال : وكان قبل موت المقتفي بسنة عرض المؤيد قصة فبرز عليها «يفرج عنه» كان هذا ضاحي نهار فأفرج عنه ، ومضى إلى بيته فاجتمع بزوجته ، وبرز [بعد] (١) العصر توقيع الخليفة ينكر الإفراج عنه ، وتقدم بالقبض على صاحب الخبر ، فإنه هو الذي عرض القصة ، وأعيد بعد العصر إلى الحبس ، فبعد موت الخليفة أفرج عن المؤيد ، وقد جاءه ولد ونشأ هذا الولد وقال شعرا جيدا ، وكان العلوق به في الساعة التي خرج فيها من الحبس. ذكر محمد بن المؤيد الآلسي أن أباه ولد في سنة أربع وتسعين وأربعمائة بآلوس.

٤٩٣ ـ عطية بن علي بن عطية بن علي بن الحسن بن يوسف القرشي (٢) الطبني القيرواني ، أبو الفضل ، المعروف بابن لاذخان.

من أهل المغرب ، جاور مع أبيه بمكة سنين فسمع الحديث من أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد الطبري ، ثم قدم بغداد مع والده واستوطنها ، وكان

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصول.

(٢) في الأصل : «المقزتى» وفي (ج) : المقرئ».

١٨٨

ينزل بباب المراتب ، وسمع بها من أبي محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج وغيره ، وشهد مع أبيه عند قاضي القضاة أبي الحسن علي بن محمد الدامغاني في رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة ، وكان أديبا يقول الشعر ، روي عنه أبو طاهر السلفي في مشيخته.

أخبرنا عيسى بن عبد العزيز الأندلسي قدم علينا القاهرة قال : أنبأنا أبو طاهر أحمد ابن محمد السلفي قال : أخبرني أبو الفضل عطية بن علي بن عطية بن علي بن الحسن ابن لاذخان الطبني القدسي ببغداد قال : أنبأنا أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد الطبري المقرئ بمكة ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد الرازي ، حدثنا محمد بن سليمان الصنعاني ، حدثنا جدي يحيى بن عبد الله بن كليب ، حدثنا أحمد بن يوسف الحذافي القاضي قال : قلنا لعبد الرزاق بن همام : أدركت همام بن منبه؟ قال : نعم ، أدركته شيخا فانيا فسمعته يقول : حدثني أبو هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «زر غبّا تزدد حبّا» (١).

قال الحذافي : قال ابن أبي الدغيس الدناري سمع عبد الرزاق هذا الحديث من همان ابن منبه وهو ابن ثمان سنين.

أخبرني شهاب الحاتمي بهراة قال : أنشدنا أبو سعد بن السمعاني قال : أنشدنا أبو الحسين عبيد الله بن علي بن المعمر الحسيني ، أنشدني أبو الفضل بن لاذخان لنفسه (٢) :

قالوا التحى وانكسفت شمسه

وما دروا عذر عذاريه

مرآة خديه جلاها الصبي

فبان فيها فيء صدغيه

قرأت في كتاب أبي الوفاء أحمد بن محمد بن الحصين الكاتب بخطه قال : أنشدنا العدل أبو الفضل عطية بن علي بن لاذخان لنفسه :

أشافيك أطلال عفت ورسوم

ونوى على غدر الزمان سليم

تباكت بها الأنواء واستضحك النوى

فأصبح فيها شقوة ونعيم

__________________

(١) الحديث سبق تخريجه ، راجع الفهرس.

(٢) في (ج) زيادة : «أنشدنا بقوله».

١٨٩

وقفنا بربع العامرية موهنا

وقد فاح نوار ورق نسيم

فلله دمع شتت البين شمله

وقلب أسير للغرام غريم

ولما التقينا للوداع وسلمت

بدور لها سجف القباب غيوم

وفيهن شكوى اللحظ مخطوفة الحشا

يكاد بأن ينقد حين تقوم

بكيت دما ثم انثنيت ومهجتي

بها من فراق الظاعنين كلوم

لحى الله قلبا لا يزال معذبا

تحكم فيه الحب وهو ظلوم

وليس عجيبا سقم جسمي وإنما

عجبت [لنفسي] (١) كيف تقيم (٢)

قال : وأنشدني لنفسه :

يا من تبرقع بالجمال

فغض من بدر التمام

يا من أباح لمهجتي

بصدوده نار الغرام

رفقا بقلب متيم

أوردته حوض الحمام

ألحاظ أبناء الملو

ك أشد من وقع السهام

كتب إلى حماد بن هبة الله الحراني وأحمد بن طارق الكركي وعلي بن المفضل المقدسي قالوا : سمعنا أبا طاهر أحمد بن محمد السلفي يقول : سمعت العدل أبا الفضل عطية بن علي بن عطية (٣) بن لاذخان الطبني المقدسي يقول : رأيت في المنام منشدا في محراب جامع المنصور ينشد أبياتا من الشعر لم أسمعها قط والناس يبكون ، فحفظتها عنه وهي :

يا نفس يا نفس يا حيفي وموبقتي

قطعت عمري بتعليل وتسويف

ما آن أن ترعوي ما آن أن تقفي

لا ترجعي لا بتحذير وتخويف

غدا ترى قلقي غدا ترى ندمي

غدا ترى طول تخجيلي وتعنيفي

أخبرنا الحاتمي بهراة قال : حدثنا أبو سعد بن السمعاني قال : عطية بن علي بن عطية القرشي يعرف بابن لاذخان مغربي الأصل ، انتقل إلى بغداد وسكنها ، وكان أحد الشهود المعدلين ، ظريفا كيسا فاضلا ، رقيق الطبع حسن الشعر ، رأيته ببغداد وما

__________________

(١) بياض في الأصل ، (ب).

(٢) هكذا في الأصول.

(٣) «بن عطية» ساقطة من (ج).

١٩٠

سمعت منه ، حدثني عنه علي بن محمد بن جعفر الشهرستاني ، ومضى في رسالة من الديوان إلى سمرقند إلى الخاقان محمد بن [سليمان] (١).

قرأت بخط المبارك بن كامل بن أبي غالب الخفاف قال : توفي أبو الفضل [يوم] (٢) السبت غرة صفر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة ، ودفن يوم الأحد بباب حرب.

٤٩٤ ـ عطية بن محمد بن صبر ، أبو عبد الله :

كان من الأدباء الفضلاء.

قال عبد الوهاب بن علي عن محمد بن عبد الباقي الشاهد قال : كتب إليّ أبو غالب محمد بن أحمد بن [بشر] (٣) الواسطي قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن علي بن نصر الكاتب قال : حدثني أبو عبد الله عطية بن صبر القاضي : كنت بأنطاكية فنزلت خانا ما رأيت مثله حسنا ، فلما احتجت إلى بيت الماء دخلت موضعا لم أر أحسن منه مطبقا مؤزرا بالبلاط الشامي ألوانا ، وفيه شيء كثير من الأترج والمركب وغير ذلك ، قال : فجلست أقضي (٤) الحاجة وسهوت أفكر في حسن الموضع ونظافته ، وإذا على الحائط مقابلتي (٥) سطران مكتوبان بلازورد ، فقرأتهما وهما :

يا جالسا متفكرا

لمن الولاية بالعراق

ارجم فديتك واقفا

قد لف ساقا فوق ساق

قال : فضحكت وأسرعت في الخروج ، وإذا (٦) في الدهليز رجل واقف (٧) وهو يدلك ساقيه بعضها ببعض ، فقلت : ادخل فقد قرأت البيتين وقبلت الوصية.

وبه قال : سمعت أبا الحسن محمد بن علي بن نصر الكاتب يقول كتب إليّ أبو عبد الله بن صبر القاضي صديقنا رحمه‌الله في كتاب وقد أفصلت أسفاري من البصرة وواسط والأهواز مترددا عن السلطان في رسائل :

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، (ب).

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، (ب).

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٤) في (ب) ، (ج) : «أيضا».

(٥) في (ج) : «مقابلي».

(٦) في (ج) : «وأنا».

(٧) في (ج) : «رأيت رجلا واقفا».

١٩١

أصبو إليك مع البعاد صبابة

أصلي بها كلهيب حر النار

وإذا تباعدت الديار فإنني

أرضى وأقنع منك بالأخبار

وإذا الديار دنت بعدت فكيف لي

بدنو قلبك مع دنو الدار

أنبأنا ذاكر بن كامل عن أبي غالب الذهلي قال : أنشدنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن الحسين بن داود النحوي بخال أمه عطية بن محمد بن صبر :

اقنع ودادك ممن أنت عاشقه

واعتز بالصبر إن أولاك هجرانا

واستشعر الناس ممن عز مطلبه

فكل شيء إذ أهونته هانا

٤٩٥ ـ عفان بن غالب بن أيوب بن خلف ، أبو محمد الأزدي :

من أهل سبتة من بلاد المغرب ، قدم بغداد طالبا للعلم وسمع بها الحديث من جماعة ، وكتب عنه في المذاكرة شيخه أبو بكر محمد بن بلتكين بن يحكم التركي ورفيقه أبو طاهر السلفي.

أخبرنا علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن النحوي وعبد الغفار بن شجاع المحلي بالقاهرة قالا : أنبأنا أبو طاهر أحمد [بن محمد] (١) السلفي يقول : سمعت عثمان بن غالب الأزدي المغربي ببغداد يقول عندنا بالمغرب ربما وجد [الكتاب بالعلو] (٢) عند رجل إلا أنه لا يكون عالما بما يرويه أو غير ثقة فيتركونه ويقرءونه [بالنزول] (٣) على فقيه ثقة ويعتدون به أخذ هذا المذهب خلفنا عن سلفنا علماء الغرب.

أنبأنا ذاكر بن كامل الحذاء عن أبي بكر محمد بن بلتكين بن يحكم قال : قال لي : أبو محمد عفان بن غالب بن أيوب بن خلف الأزدي السبتي من أعرف الناس بالتواريخ ، وجمع من كتب التواريخ ما لم يجمعه أحد ، وكان لا يعير كتابا ، ويكتب على كتبه [هذين البيتين] (٤).

إني حلفت يمينا غير كاذبة

ألّا أعير كتابي الدهر إنسانا

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، (ب).

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، (ب).

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، (ب).

(٤) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، (ب).

١٩٢

إلا برهن وأيمان مغلظة

كيلا يضيع كتابي أينما كانا

قرأت على المرتضى بن حاتم بمصر عن أبي طاهر السلفي ونقلته من خطه قال : سمعت أبا محمد عفان بن غالب الأزدي المغربي ببغداد وكان يسمع معنا ، كان له أنس بالكلام وكان الغالب عليه ، وسمع بقراءتي على جماعة من شيوخ بغداد ، ثم رأيته بالإسكندرية ، وسمع عليّ شيئا يسيرا ، وعلقت عنه فوائد ، وتوفي بسواكن وهو راجع من اليمن إلى ديار مصر في أوائل شهور سنة خمس وعشرين وخمسمائة [رحمه‌الله].

٤٩٦ ـ عفيف بن عبد الله الحبشي الخادم ، أبو الفضائل القائمي :

كان من خواص خدم الإمام القائم بأمر الله ، وكان جوادا يَقِظا (١) ، تام المروءة ، ظريفا لطيفا ، محبا للحديث ولطلبته ، وكانت داره مجمعا لأهل الفضل ، سمع الكثير من أبي محمد عبد الله بن محمد (٢) الصريفيني وأبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن النقور وأمثالهما ببغداد ، وسمع بالكوفة من أبي محمد يحيى بن محمد بن الأقساسي وغيره ، وحصل النسخ بالخطوط الملاح ، وكان فاضلا وجيها مقدما عزيز المكانة ، أرسله الإمام المقتدي بأمر الله مع الشيخ أبي إسحاق الشيرازي في رسالة إلى خراسان ، وحدث بنيسابور وببغداد أيضا ، سمع منه ببغداد أبو بكر ابن الخاضبة وأبو سعد بن أبي عمامة الواعظ وأبو الخير المبارك بن الحسين الغسال ، وروى عنه أبو القاسم بن السمرقندي.

أنبأنا أبو الفرج الحراني عن أبي الخير الغسال قال : أنبأنا الأجل جمال الدولة أبو الفضل عفيف بن عبد الله القائمي قراءة عليه في شعبان سنة تسع وستين وأربعمائة ، وأنبأنا عبد الوهاب بن علي الأمين وأحمد بن محمد بن البخيل وفرحة بنت قراطاش الطفري قراءة عليهم قالوا : أنبأنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي قراءة عليه ، أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين الجعفي ، حدثنا علي بن محمد بن هارون الجهري ، حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ، حدثنا سفيان يعني ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا

__________________

(١) في (ج) : «بالعطاء» وفي (ب) : «عطا».

(٢) «عبد الله بن محمد» ساقطة من (ب).

١٩٣

استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثا» (١).

أنبأنا عبد الوهاب الأمين عن أبي السعادات محمد بن أحمد بن مكي النديم قال : كنت صبيا ... مغنية (٢) تعرف باختيار بنت القاضي ، فمرضت والدتي فدخلت عليها أعودها وهي بدار بالمقتدنه (٣) ، فسألتها عن حوائجها فقالت لي : أريد كذا وكذا يا ولدي ما بقي في قلبي حسرة ، إلا كيف تخرج جنازتي من بيت دور الكراء بعد أن كان لنا الأملاك العزيزة القيمة ، فقلت لها : أنت تعلمين أني لا أملك إلا ستة عشر دينارا وهي معك ، فهل تعلمين أنه يحصل لنا بها عشر دينار؟ وخرجت من عندها بضيق الصدر واجتمعت باختيار ابنة القاضي وأخبرتها بحالي ، فقالت لي : غدا تحضر عند عفيف وسوف أسألك عن موجب انقباضك فأخبرني بالقصة وهو يسمع ، فقلت : نعم ، فلما حضرنا عنده رأينا انبساطه قال : يا أبا السعادات ما لك لا تنبسط على عادتك؟ فقصصت عليها القصة وقلت : هل سمع قط مريضة تشهت عوض التمرهندي والإجاص دارا؟ فضحك عفيف وسكت ، وانفصلنا آخر وقت ولم أر لما قلت أثرا (٤) ، فلما كان ثاني ذلك اليوم استحضرنا ، فقال : يا أبا السعادات أعد عليّ حديث أمك ، فأعدته عليه وقلت له : قلت لها لا أملك إلا ستة عشر دينارا في خريقة زرقاء معك ، فضحك وقال لفراش : امض إلى أمه وقل لها بهذه العلامة اعطيني الخرقة الزرقاء التي فيها الذهب ، فمضى الفراش وأتى بالخرقة فحلها بين يديه ، وكانت عادته أن لا يمس بيده ذهبا ، وكان يسمى القراضة الحيات ، فقلبها بمروحة في يده وأعطى اختيار بعضها ، وسلم إلى الفراش الباقي وقال : ابتع لنا به بقلا وريحانا ، ثم أمر بمد الطبق فأكل الحاضرون ولم آكل ، فقال : ما لك لا تؤاكل الجماعة؟ فقلت : قد أخذتم مالي وذخيرتي وتقولون : كل ، والله! ما أقدر على الأكل ولا على الشرب ، فجعل يضحك ويقول : بالله عليك كل ، وأنا أمتنع عليه ، فلما طال امتناعي ضرب بيده إلى ورائه مسنده وأخرج كتابا ورماه إليّ فوقفت عليه ، وإذا فيه : هذا ما اشترى أبو السعادات بن مكي بن فلانة بنت فلان جميع الدار الفلانية بثلاثمائة دينار ، وقد (٥)

__________________

(١) الحديث سبق تخريجه ، راجع الفهرس.

(٢) هكذا في الأصول.

(٣) هكذا في الأصول.

(٤) في (ج) : «أمرا».

(٥) في (ب) : «وقال».

١٩٤

أشهد فيه الشهود ، وهي الدار التي بها والدتي ، فطرت بجناح السرور ، فمن أعجب العجب أننا فارقناه أول الليل وباكرناه فكيف تهيأ ذلك في هذه المدة اليسيرة ، وكان هذا منه في حقي وأنا صبي لم أتعرف إلى الناس ولا اتصلت بخدمة الملوك.

قرأت في كتاب أبي الحسن محمد بن عبد الملك الهمداني قال : سمعت أن باغي المغنية جلست بين اثنين ببعضهما عفيف ثم قالت لي : يا سيدي أي شيء تحب أن أغني لك؟ فقال : غني :

أيا جبلي نعمان بالله خليا

نسيم الصبا يخلص إليّ نسيمها

قال ابن الهمذاني : وفي النصف من ذي القعدة سنة أربع وثمانين وأربعمائة توفي أبو الفضائل عفيف القائمي ودفن بالرصافة في الترب ، وكان يرجع إلى فتوة ومروة ومعروف ظاهر وذكاء ، وكان ملولا حتى قال ابن البياضي فيه :

فإن تك مثل ما زعموا ملولا

لمن يهوى سريع الانتقال

صبرت على ملالك لي بزعم

وقلت عسى يمل من الملال (١)

٤٩٧ ـ عفيف بن المبارك بن الحسين بن محمود الخياط ، أبو محمد الوراق :

من أهل الأزج ، وهو صهر الشيخ عبد القادر الجيلي وخال أولاده ، وكان شيخا صالحا يورق للناس بالأجرة ، وكان خطه حسنا ، سمع الحديث من أبي القاسم هبة الله ابن محمد بن الحصين وأبي غالب أحمد وأبي عبد الله يحيى ابني الحسن بن أحمد البناء وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبي منصور عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز وأبي نصر الحسن بن محمد بن إبراهيم اليونارتي (٢) وغيرهم.

حدث باليسير ، سمع منه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي ، فأخرج عنه حديثا في معجم شيوخه.

أخبرنا أبو الحسن بن القطيعي قال : أنبأنا عفيف بن المبارك بقراءتي عليه وأنبأنا إسماعيل بن علي القطان بقراءتي عليه قالا : أنبأنا أبو غالب أحمد بن الحسن بن أحمد ابن البناء قراءة عليه ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا الحسين بن صفوان ،

__________________

(١) في (ج) : «التلال».

(٢) في الأصل : «اليورنارتى».

١٩٥

حدثنا ابن أبي الدنيا ، حدثني أبو سلمة يحيى بن المغيرة المخزومي ، حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي‌الله‌عنها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول : من خلقك؟ فيقول : الله ، فيقول : من خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل : آمنت بالله ورسله! فإن ذلك يذهب عنه» (١).

قرأت بخط عفيف قال : لم أتحقق مولدي إلا أن غلبة ظني أنه سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.

قرأت بخط القاضي أبي المحاسن القرشي قال : توفي عفيف الوراق في يوم الاثنين ثامن عشري شعبان سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، ذكر غيره أنه دفن بباب حرب.

٤٩٨ ـ عقبة بن موسى البغدادي :

حدث عن أبي عبد الله محمد بن الفضل بن عطية المروزي ، روى عنه ابنه موسى.

أخبرنا يوسف بن المبارك بن كامل بن أبي غالب قال : أنبأنا أبو منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون قراءة عليه عن أبي محمد الحسن بن علي الجوهري قال : أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني إذنا قال : كتب إليّ أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي قال : حدثنا الحسن بن محمد بن أحمد نعم الصالح ، حدثنا محمد ابن الوليد البسري (٢) ، حدثنا موسى بن عقبة بن موسى البغدادي ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن الفضل بن عطية عن زياد بن علاقة عن عطية بن مالك قال : مررت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أسس مسجد قباء وليس معه إلا هؤلاء النفر الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان ، فقلت : يا رسول الله! إنك قد أسست هذا المسجد وليس معك إلا هؤلاء النفر الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان، فقال : «إن هؤلاء أولياء الخلافة بعدي» (٣).

وبه عن أبي حاتم بن حبان قال : سمعت الحنبلي يقول : سمعت أحمد بن زهير يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : الفضل بن عطية الخراساني ثقة ، وهو والد محمد بن الفضل ، ولم يكن محمد ثقة ، كان كذّابا.

__________________

(١) انظر الحديث في : أحمد ٢ / ٣٣١. ومجمع الزوائد ١ / ٤٣.

(٢) في (ب) : «السرى».

(٣) انظر الحديث في كنز العمال ٣٣٠٦٦ ، ٣٦٧١١.

١٩٦

٤٩٩ ـ عقيل بن الحسين بن جعفر بن أحمد بن جعفر بن محمد إسماعيل بن الهمذاني :

من أهل البندنيجين ، كان أديبا فاضلا ، شاعرا ذا ، حسن المعرفة بالعروض والقوافي، قدم بغداد وحدث بها بشيء عن ابن الخلوقي الخطيب عن المفيد بأحاديث الأشج ، روى عنه البركات بن السقطي في معجم شيوخه.

أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة قال : سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول : سمعت أبا البدر محمد بن علي بن حمد بن الهمذاني الضرير بقرميسين يقول : سمعت والدي يقول : سمعت عم والدي عقيل بن الحسين يقول : رأيت قس بن ساعدة في النوم على نهر بالبندنيجين وهو على جمل أورق كما يحكي يعظ الناس ، فتقدمت إليه وأخذت بزمام الجمل وقلت : يا قس سل ربك أن يغفر لي ، فقال : أنا فقير إلى ما سألت فاعمل لما أملت ، وباري القسم إن المنهج للفم ، توبوا إلى خير متاب ، تدخلوا الجنة بغير حساب.

٥٠٠ ـ عقيل بن طاهر بن علي بن طاهر بن علي بن يحيى بن طاهر بن محمد ابن عبد الرحمن بن نباتة الخطيب :

من أهل ميافارقين ، قدم بغداد ، وروى بها شيئا من خطب جده الأعلى عبد الرحيم عن جد أبيه أبي سالم طاهر بن علي بن يحيى عن جده يحيى ، سمع منه أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي علي السيدي في سنة ست وسبعين وخمسمائة (١).

٥٠١ ـ عقيل بن علي بن عقيل بن محمد بن عقيل ، أبو الحسن بن أبي الوفاء الفقيه الحنبلي (٢) :

من ساكني الظفرية ، تفقه على والده ، وتكلم في مجلس المناظرة ، وقرأ الأدب ، وقال الشعر الحسن ، وكتب خطا مليحا ، وسمع الحديث من أبوي الحسن هبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري وعلي بن الحسن بن أيوب البزاز وغيرهما ، وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن علي بن محمد بن الدامغاني في يوم السبت الخامس والعشرين من شوال سنة أربع وخمسمائة ، فقبل شهادته ، وتوفي شابا في حياة والده لم يبلغ الثلاثين ،

__________________

(١) في (ج) : «آخر الجزء الرابع بعد الخمسين والمائة من الأصل ، بسم الله الرحمن الرحيم».

(٢) انظر : شذرات الذهب ٤ / ٣٩.

١٩٧

وكثر المتفجعون عليه وصبر والده صبرا جميلا ولم يغير هيئته وصلى عليه بجنان ثابت وتكلم في الفقه.

أنبأنا أبو القاسم الأزجي عن أبي الوفاء بن عقيل قال : ثكلت (١) ولدين نجيبين أحدهما حفظ القرآن وتفقه ، ومات دون البلوغ ـ يشير إلى [ولده] (٢) أبي منصور ، والآخر مات وقد حفظ كتاب الله وخط خطا حسنا ـ يشار إليه ؛ فتفقه وناظر في الأصول والفروع ، وشهد بمجلس الحكم وحضر المواكب ، وجمع أخلاقا حسنة ودماثة وأدبا ، وقال شعرا جيدا ، فتعزيت بقصة عمرو بن عبد ود العامري الذي قتله علي رضي‌الله‌عنه فقالت أمه ترثيه:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

ما زلت أبكي عليه دائم الأبد

لكن قاتله من لا يقاد به

من كان يدعى أبوه بيضة البلد

فقلت : سبحان الله!

كذبت وبيت الله لو كنت صادقا

لما سبقتني بالعزاء النساء

كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا

لما سبقتني بالبكاء الحمائم

وكذلك أم عمرو كان يسليها ويعزيها جلالة القاتل والافتخار بأن (٣) ابنها مقتوله فهلا نظرت إلى قاتل ولدي وهو الأبدي الحكيم المالك للأعيان المربي بأنواع الدلال ، فهان القتل والمقتول بجلالة القاتل ، وقتله إحياء في المعنى إذ كان أماتهما على أحسن خاتمة ، الأول لم يجر عليه القلم ، والآخر وفقه للخير وختم له بلوائح وشواهد دلت على الخير ، وسألني رجل فقال : هل للطف بي علامة؟ فقلت : أخبرك بها عن ذوق كانت عادتي التنعم ففقدت ولدي فتبدلت خشن العيش ونفسي راضية.

قرأت في كتاب «الفنون» لأبي الوفاء بن عقيل بخطه قال : ولولدي عقيل كرم الله وجهه في إمامنا المستظهر بالله أمير المؤمنين :

شاقه والشوق من غيره

طلل عاف سوى أثره

__________________

(١) في (ج) ، (ب) : «تكلمت».

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٣) في الأصول : «أبان».

١٩٨

مقفر إلا معالمه

واكف بالودق من مطره

فانثنى والدمع منهمل

كانسلال السلك عن درره

طاويا كشحا على تعب

مشحنات لسن من وطره

رحلة الأحباب عن وطن

وحلول الشيب في شعره

شيم للدهر سالفة

مستبينات لمختبره

وقبول الدر مبسمها

أبلج يفتر عن خصره

رووه جيدا ناعمة

تستزيد الطرف من نظره

هز عطفيها الشباب كما

ماس غصن البان في شجره

ورثت من مقلتي رشا

نفثات السحر من نظره

ذات فرع فوق ملتمع

كدجى أبدى سنا قمره

وبنان زانه نزف

ذاده التسليم عن خفره

خصرها يشكو روادفها

كاشتكاء الصب من سهره

نصبت عيني لها غرضا

فهو مصمتي بمعتوره

وزهت تيها كأن لها

نسبا يزهو بمفتخره

أو أناخت في فناء ملك

دنت الأخطار عن خطره

ذلك المستظهر الندب الذي

ورث العلياء عن مضره

فسقى للدين مجتهدا

دائبا ينضني مطي فكره

ثم للمجد الصميم فقد ذل

ما يرقاه من وعره

عم بالإفضال نائله

فاستقام الجود من صغره

فأبية العيس بعملها

كل عاف ظل في سفره

ناويا لا يطبيه كرى

آملا جدواه في صدره

فاز إذ أضحى يعقوته (١)

نازلا يحتال في أثره

سحب الإحسان تمطره

غدقا ينصاغ في درره

يا ابن من حث الإله على ؛

ودهم في الغر من سوره

بك وجه الدهر مبتسم

مخفيا عنا شبار عبره

كل يوم أنت فيه لنا

عند سعد لاح في غرره

__________________

(١) هكذا في الأصول.

١٩٩

والتهاني أنت منشؤها

كيف يهدي الروض من زهره

فأبق للآمال بربعها

شجرا نعماؤك من ثمره

ما حدا حاد بملمعه

وشدا القمري في سحره

أنبأنا محمد بن أحمد بن صالح بن شافع الجيلي عن أبيه ونقلته من خط أبيه قال : قال لي والدي : دخلت على أبي الوفاء بن عقيل وهو عند ولده بعد ما مات وقبل الشروع في غسله وهو يروحه بمروحة ، فكأني لم أدر على أي شيء أحمل ذلك منه وما أقدمت على خطابه في مثل تلك الحال ، فابتدأني وقال لي : يا فلان ما هو إلا كما وقع لك ، ولكن هي جثة كريمة علي وإن عدم جوهرها ، فما دامت مائلة بين يدي فلا يطلب قلبي إلا بتعاهدها بما أقدر عليه من ذب الأذى عنها ، وإذا غابت عني فهي في استرعاء من هو خير لها مني ، قال وقال لي والدي : كان ابن عقيل يقول : لو لا أن القلوب توقن باجتماع ثان لتفطرت المرائر لفراق المحبوبين ، قال : وكان يقول : سبحان من يقبل أولادنا ونحبه.

أنبأنا أحمد بن (١) طارق قال : سمعت أحمد بن أبي نصر بن القناص يقول : سمعت والدي يقول : غسلت ابن عقيل ، فلما فرغت من غسله قلت لوالده : إن شئت أن تودعه! فجاء إليه وهو ملفوف في أكفانه لا يبين منه إلا وجهه فأكب عليه وقبله وقال له : يا بني استودعتك الله الذي لا يضيع ودائعه ، الرب خير لك من الأب! ثم مضى.

أنبأنا أبو الفرج ابن الجوزي قال : ولد عقيل بن علي بن عقيل في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان من سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ، وتوفي يوم الثلاثاء منتصف المحرم سنة عشر وخمسمائة ، ودفن في داره بالظفرية ، ثم لما توفي أبوه أخرج معه فدفنا بباب حرب في دكة الإمام أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنه.

٥٠٢ ـ عقيل بن محمد بن يحيى بن مواهب بن إسرائيل البرداني ، أبو الفتوح ابن أبي الفتح ، الخيار (٢) :

من أولاد المحدثين ، تقدم ذكر والده ، كان يسكن بقراح ظفر ، ثم انتقل إلى الكرخ ،

__________________

(١) «أحمد بن» ساقط من (ب).

(٢) في الأصل ، (ج) : «الخباز».

٢٠٠