تاريخ بغداد أو مدينة السّلام

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام

المؤلف:

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٠

كانت لقلبي أهواء مفرقة

فاستجمعت مذ رأتك العين أهواي

فصار يحسدني من كنت أحسده

فصرت مولى الورى مذ صرت مولاي

تركت للناس دنياهم ودينهم

شغلا بحبك (١) يا ديني ودنياي

أخبرني إسماعيل بن سليمان العسكري بدمشق قال : أنبأنا عبد الخالق بن أسد بن ثابت الحنفي قال : سمعت عبد الملك بن أبي نصر بن عمر الجيلي أبا المعالي من أهل جيلان ببغداد يقول : سمعت إمام الحرمين أبا مخلد الفزاري قال : كنت بمكة فرأيت شيخا من أهل العرب يطوف ويقول :

تمتع بالرقاد على شمال

فسوف يطول نومك باليمين

وتمنع من يحبك من تلاق

فأنت من الفراق على يقين

قال : وسمعت عبد الملك أيضا يقول : أملى عليّ بعض أهل الري بها وكتب لي بخطه:

يعد رفيع القوم من كان عاقلا

وإن لم يكن في قومه بحسيب

إذا حل (٢) أرضا عاش فيها بعقله

وما عاقل في بلدة بغريب

وأخبرني الحاتمي قال : سمعت ابن السمعاني يقول : عبد الملك بن أبي نصر الجيلي يعرف بشيخ المشايخ فقيه صالح ، عامل (٣) بعلمه ، كثير العبادة ، ليس له مأوى يسكنه ، يبيت أي موضع اتفق ، تارك للتكلف ، خشن العيش ، حسن الطريقة ، تفقه على أسعد الميهني ، وسمع القاضي أبا المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني ، علقت عنه مقطعات من الشعر ، وكان يحفظ منها كثيرا ، وكان يأوى المساجد في الخربات على شاطئ دجلة ، توفي في أحد الربيعين أو الجماديين من سنة خمس وأربعين وخمسمائة بفيد.

__________________

(١) في (ب) ، (ج) : «شغلا لحبك»

(٢) في الأصل : «إذا دخل»

(٣) في (ج) : «عالم بعلمه»

٨١

٦٧ ـ عبد الملك بن نصر الله بن جهيل ، أبو الحسين الفقيه الشافعي :

من أهل حلب ، كان فقيها فاضلا ، حسن المعرفة بمذهب الشافعي ، وكان زاهدا ورعا عابدا متدينا ساكنا ، كان يدرس بمدرسة الزجاجية (١) بحلب ، قدم بغداد حاجّا في شهر ربيع الأول من سنة تسع وثمانين وخمسمائة وحدث بها بأحاديث البينونية (٢) لأبي العباس السراج عن أبي بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني ، سمع منه وكتب عنه أبو عبد الله محمد بن أبي نصر بن جيل أمير الهمداني المقرئ نزيل بغداد ، وقد سمع منه بمكة شيخنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف اليمني نزيل مكة وروى عنه.

وبلغنا أنه توفي بحلب في التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة.

٦٨ ـ عبد الملك بن يزيد البغدادي :

والد محمد بن عبد الملك الذي تقدم ذكره ، وذكره أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري في ترجمة ولده محمد في كتاب «تاريخ الصوفية» من جمعه فقال : وأبوه عبد الملك بن يزيد من مشايخ الحديث ، حدث عنه حفص بن غياث وغيره.

٦٩ ـ عبد الملك بن يعيش بن عبد الله بن محمد بن علي ، أبو القاسم السمسار (٣) برحبة جامع القصر :

سمع أبا غالب أحمد بن الحسن بن البناء وأبا القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي وغيرهما ، وحدث باليسير ، سمع منه أحمد بن طارق أبو الرضا.

٧٠ ـ عبد الملك بن يوسف بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، أبو القاسم الوراق ، المعروف بالدحالي (٤) :

من أهل دار القز ، سمع أبا العباس أحمد بن الحسين بن قريش ، وحدث باليسير ،

__________________

(١) في الأصول : «الزجاجين».

(٢) في (ج) : «بأحاديث والده»

(٣) في (ج) : «السمار»

(٤) في الأصل : «الدجالى»

٨٢

وكان شيخا صالحا ، سمع منه الشريف أبو الحسن علي بن أحمد الزيدي ، وأبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي وشيخنا أبو بكر محمد بن المبارك بن مشّق البيع وأحمد ابن طارق بن سنان (١) الكركي ، وروى عنه.

أنبأنا ابن مشّق قال : أنبأنا عبد الملك بن يوسف الدحالي بقراءتي عليه أخبركم أحمد بن الحسين بن قريش ، أنبأنا أبو طالب محمد بن علي العشاري ، أنبأنا عمر بن أحمد بن شاهين ، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب الشيباني بدمشق ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق عن يزيد بن مرثد (٢) عن أبي رهم (٣) قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إذا رجع أحدكم من سفره فليرجع إلى أهله بهدية ولو لم (٤) يجد إلا أن يلقي في مخلاته حجرا أو حزمة حطب ، فإن ذلك مما يعجبهم» (٥).

ذكر عبد الملك أن مولده في سنة تسع وثمانين وأربعمائة ، وحدث في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين وخمسمائة فيكون وفاته بعد هذا التاريخ.

٧١ ـ عبد المنان بن هارون الزرندي :

حدث ببغداد عن أبي جزي نصر بن طريف الباهلي البصري ، روى عنه عبد الله ابن محمد بن أيوب المخرمي (٦).

أخبرنا محمد بن أبي السعادات قال : أنبأنا محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا أحمد بن علي ، أنبأنا هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري ، أنبأنا أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ، حدثنا عبد الله بن أيوب ، حدثنا عبد المنان بن هارون الزرندي ببغداد ، حدثنا نصر بن طريف عن قتادة عن أبي حسان

__________________

(١) في (ج) : «بن سمان».

(٢) في (ج) : «بن مزيد».

(٣) في (ج) : «أبى وهم».

(٤) في (ج) : «ولو من يجد».

(٥) انظر الحديث في : الكنى للدولابي ١ / ٢٨. وكنز العمال ١٧٥٠٨. والمجروحين ١ / ٢٥٩.

(٦) في الأصل : «المخزمى».

٨٣

الأعرج عن ناجية بن كعب عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلق [الله] (١) يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا ، وخلق فرعون في بطن أمه كافرا» (٢).

كتب إليّ أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن أحمد بن العطار الهمذاني قال : أنبأنا أبو المحاسن نصر بن المظفر البرمكي قراءة عليه ، أنبأنا أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن مندة ، أنبأنا أبي قال : عبد المنان بن هارون الزرندي حدث عن أبي جزي نصر بن طريف روى عنه عبد الله بن أيوب المخرمي.

٧٢ ـ عبد المنعم بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي ، أبو طاهر بن أبي الوفاء الصالحاني :

من أهل أصبهان ، من أولاد المحدثين ، تقدم ذكر والده. قدم بغداد وحدث بها عن أبي مطيع محمد بن عبد الواحد المصري ، سمع منه أبو بكر بن كامل وأخرج عنه حديثا في معجم شيوخه ، وكان صالحا حافظا للقرآن ، حج ثلاثين حجة ، وقد روى لنا عنه داود بن معمر بأصبهان.

قرأت في كتاب أبي بكر المبارك بن كامل بن أبي غالب الخفاف بخطه وأنبأنيه ابنه يوسف عنه قال : أنبأنا أبو طاهر عبد المنعم بن أحمد بن إبراهيم الصالحاني ببغداد وأنبأنا القاضي أبو الفتوح أحمد بن محفوظ بن مسعود بن محمد المديني قراءة عليه وأنا أسمع بمدينة جي قال : أنبأنا جدي مسعود بن محمد قراءة عليه قالا : أنبأنا محمد بن عبد الواحد المصري ، حدثنا أبو بكر بن مردويه ، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن القرشي الكوفي ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس الزهري ، حدثنا محمد بن كناسة عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي جحيفة (٣) قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والحسن بن علي يشبهه.

قرأت بخط أبي الفضل بن ناصر وأنبأنيه عنه عبد الوهاب الأمين قال : سألت أبا

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيادة من المصادر

(٢) انظر الحديث في : المعجم الكبير للطبراني ١٠ / ٢٧٦. وتاريخ أصبهان ٢ / ١٩٠. ومجمع الزوائد ٧ / ١٩٣.

(٣) في الأصول : «أبى حجيفة» تصحيف.

٨٤

طاهر عبد المنعم بن أبي الوفاء عن مولده فقال : في سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة في ذي الحجة.

٧٣ ـ عبد المنعم بن الحسين بن محمد البزاز :

ذكره أبو البركات هبة الله بن المبارك بن السقطي في معجم شيوخه ، وروى عنه حديثا سمعه منه عن أبي القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران سماعا.

٧٤ ـ عبد المنعم بن سعد بن عبد الوهاب بن عبيد الله بن فارس بن ملاعب ابن الذماك (١) ، أبو منصور الأزدي المعروف بزاهد آمد (٢) :

قدم بغداد في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وسمع بها الكثير من أبي القاسم علي ابن الحسين الربعي وأبي الحسين المبارك بن عبد الجبار الصّيرفيّ وأبي الحسن [علي] (٣) ابن محمد بن العلاف وأبي محمد جعفر بن محمد بن (٤) السراج وأمثالهم ، وحدث باليسير لنزول إسناده وتقدم وفاته ، روى عنه أبو سعد ابن السمعاني وعبد الخالق بن أسد بن ثابت الدمشقي.

أخبرنا إسماعيل بن سليمان العسكري بدمشق قال : أنبأنا عبد الخالق بن أسد بن ثابت الحنفي قال : حدثني أبو منصور عبد المنعم بن سعد بن عبد الوهاب إملاء ببغداد ، أنبأنا أبو القاسم علي بن الحسين الربعي ، أنبأنا محمد بن محمد بن مخلد ، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا أبو محمد يوسف بن أبي يوسف الأزدي ، حدثنا محمد ابن أبي بكر ، حدثنا زائدة عن أبي الزناد (٥) عن زياد النميري عن أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا دخل رجب قال : «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان» (٦).

__________________

(١) في الأصل : «الزناك».

(٢) في الأصل : «بالزاهد آمد».

(٣) ما بين المعقوفتين زيادة من العبر.

(٤) في العبر ٣ / ٣٥٥ : «بن أحمد بن حسين».

(٥) في (ج) : «عن أبى الزياد».

(٦) انظر الحديث في : مسند أحمد ١ / ٢٥٩. ومجمع الزوائد ٢ / ١٦٥ ، ٣ / ١٤٠. وكشف الخفا ١ / ٢١٣.

٨٥

وأخبرنا إسماعيل قال : أنبأنا عبد الخالق قال : حدثنا أبو منصور عبد المنعم بن سعد الآمدي ببغداد قال : رأيت في النوم بعد موت ابن جهير الوزير أبي القاسم علي كأني (١) نظمت بيتا في النوم وأنشدته ، فانتبهت بحيث حفظت البيت :

لآل جهير في الأنام صنائع

هي الآن في رأس الخلافة تاج

قال : فأضفت إليه في اليقظة أبياتا وهي :

إذا ما رضوا فالبؤس أم عقيمة

وإن سخطوا فالباترات نتاج

وإن يمم العافون (٢) سيب إلفهم

فما دون المنفسات رتاج

بحورهم (٣) من سلسبيل مطهر

وبحر (٤) سواهم علقم وأجاج

أخبرني شهاب الحاتمي بهراة قال : حدثنا أبو سعد ابن السمعاني من لفظه قال : عبد المنعم بن سعد بن عبد الوهاب رجل صالح يبيع الكتب والدفاتر ، سمع الكثير بنفسه من أصحاب أبي علي بن شاذان وأبي القاسم بن بشران ، وله أنسة بالحديث من كثرة ما سمع ومعرفة بالأدب.

كتبت عنه وقرأت بخط عبد المنعم بن سعد بن عبد الوهاب الآمدي قال : اتفق ولادتي بثغر آمد ثالث عشر ذي الحجة من سنة ستين وأربعمائة.

قرأت بخط أبي الفضل مسعود بن علي بن النادر العدل قال : مات أبو منصور عبد المنعم الآمدي في المحرم سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة ودفن بباب أبرز.

٧٥ ـ عبد المنعم بن عبد الله بن أحمد بن السيبي ، أبو سعد بن أبي محمد :

من بيت الحديث والرواية ، سمع عمه أبا عبد الله أحمد بن أحمد بن محمد بن علي ابن السيي ، وحدث باليسير ، سمع منه أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر

__________________

(١) في (ج) : «كأنى قد نظمت».

(٢) في الأصل ، (ب) : «وإن تمم العارفون».

(٣) في كل النسخ : «نحورهم».

(٤) في كل النسخ «ونحر».

٨٦

السمرقندي ، قال : أنبأنا أبو سعد (١) عبد المنعم بن عبد الله بن أحمد بن السيي بقراءتي عليه من أصل سماعه قلت له أخبركم أبو عبد الله أحمد بن أحمد بن محمد بن السيي قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن سفيان بن حماد القرشي بالكوفة ، حدثنا عبد الله بن زيدان ، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين ، حدثنا يحيى بن يعلى عن الأعمش عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن خباب قال : شكونا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا.

قرأت في كتاب أبي القاسم بن السمرقندي بخطه قال : توفي أبو سعد عبد المنعم بن عبد الله بن أحمد السيي أخو القاضي أبي الحسن في ليلة الأحد ودفن يوم الأحد عاشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة بقبر أحمد.

٧٦ ـ عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي الفراوي ، أبو المعالي بن أبي البركات بن أبي عبد الله (٢) :

من أهل نيسابور من بيت مشهور بالعدالة والرواية والعلم والفضل ، حدث هو وأبوه وجده وجد أبيه ، وكلهم ثقات أعيان ، سمع جده أبا عبد الله وأبا بكر عبد الغفار بن محمد الشيروي وهو آخر من حدث عنه وأبا نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري وأبا الفضل العباس بن أبي العباس [أحمد] الشقاني وغيرهم ، وقدم بغداد حاجّا في سنة ثمان وخمسمائة وحدث بها ، سمع منه شيوخنا أبو العباس بن البندنيجي الحافظ وأبو محمد بن الغزال الواعظ وأبو طالب الحقيقي والحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي وغيرهم ، وكان من أعيان الشهود المزكين بنيسابور.

أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الواعظ ببغداد وأبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي علي البوقاني بمصر قالا : أنبأنا عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي ـ قدم علينا بغداد ـ قال : أنبأنا أبو بكر الشيروي ، أنبأنا أبو سعيد الصّيرفيّ ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا سعيد بن بشير

__________________

(١) في (ج) : «أبو سعيد».

(٢) انظر : العبر في خبر من غبر ٤ / ٢٦٢

٨٧

المصري ، أنبأنا عبد الله بن حكيم الكناني ـ رجل من أهل اليمن من مواليهم ـ عن قيس بن كلاب الكلابي قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على ظهر الثنية ينادي الناس ثلاثا : «يا أيها الناس! إن الله قد حرم دماءكم وأموالكم وأولادكم كحرمة هذا اليوم من الشهر وكحرمة هذا الشهر (١) من السنة ، اللهم! هل بلغت! اللهم هل بلغت!» (٢).

سمعت أبا عبد الله محمد بن سعيد الحافظ يقول : سألت عبد المنعم بن الفراوي عن مولده فقال : ولدت في شهر ربيع الأول من سنة سبع وتسعين وأربعمائة.

أنبأنا أبو القاسم تميم بن أحمد بن البندنيجي ونقلته من خطه قال : مات أبو المعالي ابن الفراوي في شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة.

٧٧ ـ عبد المنعم بن عبد الرحيم بن إسماعيل بن أحمد بن محمد النيسابوري ، أبو البركات بن أبي القاسم (٣) بن أبي البركات بن أبي سعد الصوفي :

من أولاد المشايخ ، سمع في صباه من أبي زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي وحدث عنه بكتاب «صفة التصوف» ، لأبيه محمد بن طاهر بسماعه منه ، قرأه عليه شيخنا أبو البركات سعيد بن هبة الله بن علي بن هبة الله بن الصباغ في صفر سنة أربع وتسعين وخمسمائة ؛ وأظنه توفي في هذه السنة أو في التي بعدها وكان شابا ، وكان حافظا لكتاب الله تعالى ، كثير التلاوة له ، وكانت فيه سلامة ، رأيته كثيرا.

٧٨ ـ عبد المنعم بن عبد العزيز بن أبي بكر بن عبد المؤمن ، أبو الفضل القرشي العبدري المعروف بابن النطروني :

من أهل الاسكندرية ، قدم بغداد واستوطنها ، ومدح بها الإمام الناصر لدين الله بعدة قصائد (٤) ، وكان شاعرا مجيدا ، مليح الشعر ، فاضلا أديبا ، فقيها مالكيا (٥) ،

__________________

(١) في الأصل ، (ب) : «وكحرمة بعد الشهر».

(٢) انظر الحديث في : كنز العمال ١٢٣٥١ ، ١٢٩١٨. وجمع الجوامع ٢ / ٥٩١.

(٣) في الأصل ، (ب) : «أبو البركات بن قاسم».

(٤) في الأصل ، (ب) : «بعد قصائد» وفي (ج) : «بعدد قصائد».

(٥) في (ج) : «مالكا».

٨٨

مليح الشيبة (١) حسن السمت (٢) ، رتّب شيخا برباط العميد بالجانب الغربي وناظرا في أوقافه ، ثم نفذ رسولا من الديوان إلى يحيى بن عافية الميورقي (٣) المقيم ببلاد المغرب ، الداعي إلى الدولة العباسية ، فأقام هناك مدة طويلة وولده عبد العزيز ينوبه في الرباط ، قدم بغداد وقد حصل له مال طائل ، فرتّب ناظرا في المارستان العضدي ، فلم يزل على ذلك إلى حين وفاته ، اجتمعت به مرة واحدة في مجلس شيخنا أبي أحمد ابن سكينة وقد جاء زائرا ، وسمعت من لفظه شيئا من شعره ولم أجتمع به بعد ذلك.

أنشدني عبد العزيز بن عبد المنعم بن عبد العزيز بن النطروني من لفظه على باب منزله بالإسكندرية قال : أنشدني والدي لنفسه ببغداد :

باتت تصد عن النوى

وتقول كم تتغرب

إن الحياة مع القنا

عة والمقام لأطيب (٤)

فأجبتها يا هذه

غيري بقولك يخلب

إن الكريم مفارق

أوطانه إذ تجدب

والبدر حين يشينه

نقصانه يتغيب

لا يرتقى درج العلى

من لا يجد ويتعب

وأنشدني عبد العزيز بن عبد المنعم بن عبد العزيز العبدري بالإسكندرية قال : أنشدني والدي لنفسه ببغداد مادحا أمير المؤمنين الناصر لدين الله ويهنئه بسنة ثلاث وتسعين وخمسمائة :

يا ساحر الطرف ليلي ما له سحر

وقد أضر بجفني بعدك السهر

يكفيك مني إشارات بعين ضنى

لم يبق مني [به] عين ولا أثر

أعاذك الله من شر الهوى فلقد

أذكى على كبدي نارا لها شرر

غررت فيه بروحي بعد ما علمت

أن السلامة من أسبابه غرر

__________________

(١) في الأصل ، (ب) : «والشبيه»

(٢) في الأصل : «حسن الصمت»

(٣) في كل النسخ : «غانية الميروقى»

(٤) في (ج) : «الأطيب».

٨٩

وكان عذبا عذابي في بدايته

فصار في الصبر طعما دونه الصبر

ولست أدري وقد مثلت شخصك في

قلبي المشوق أشمس أنت أم قمر

ما صور الله هذا الحسن في بشر

وكان يمكن أن لا تعبد الصور

من لي برد غديات بذي سلم

حيث النسيم عليل والثرى عطر

والنور يضحك [في] وجه السحاب إذا

أبدى عبوسا وأبكى جفنه المطر

والورق يدرع الأوراق إن نظرت

سهام قطر بذاك القطر ينحدر

وللغصون مناجات إذا سمعت

من النسيم أحاديثا لها خطر

ما كنت أحسب أن العيش يخلف ما

قد كان من صفوه فيما مضى كدر

ولا تخيلت أن الساكنين ربى

نجد تغيرهم من بعدنا الغير

وفيت بالقول إذ وافيتهم نكثوا

وصنت عهدي إذ غادرتهم غدروا

ما حرموا غير وصلي في محرمهم

وحال في صفر ما بيننا سفر

واحر قلباه إن لم يدن لي وطن

عما قليل وإن لم يقض لي وطر

لو كنت [يا رب] تدري ما صنعت بنا

لكنت في عاجل الأحوال تعتذر

وأنت يا دهر لو أنصفت كنت على

مقدار جهدي من الآفات تقتصر

قف حيث أنت فإني بالإمام أبي العباس

ناصر دين الله أقتصر

خير الخلائف من آل النبي إذا

وعدوا وأطيبهم ذكرا إذا ذكروا

الواجب الأمر في نص الكتاب على

كل البرية إن غابوا وإن حضروا

والحائز الفخر إرثا كلما سردت

حساب أحسابها عدنان أو مضر

والواهب المال في أكياسه بدرا

والطاعن الخيل آلافا إذا بدروا

والمرسل الجيش في أرض العدى لجبا

عرمرما لا يقي من بأسه وزر

فوارسا من بني الأتراك ما تركوا

أمرا على خطر في الملك مذ خطروا

من كل أغلب مجدول العزيمة لا

يبقى إذا هاج في الهيجا ولا يذر

في متن أدهم جون كله طرزا

وظهر أشهب صاف كله غرر

إن قابلوا فتنوا أو قاتلوا قتلوا

أو أنشبوا ظفر في معرك ظفروا

مؤيدين بنصر الله إن وردوا

يوم الكريهة في درع وإن صدروا

٩٠

أما لك الأرض والأملاك قاطبة

ملكا مؤيده التأييد والظفر

يا من مقانبه الأولى ملائكة

ومن مناقبه الآيات والسور

إن الزمان الذي أصبحت صاحبه

قد مسني من يدي أحداثه ضرر

وإن تقبضه قهرا وتبسطه

أمرا وتزجره مهنا فيزدجر

هذا دراك وقد ناديت من كثب

بحيث يسمعني الأنباء والسير

وأنت أقرب من حبل الوريد إلى

الراجي وما أنت مما يدرك البصر

فانظر إليّ أمير المؤمنين ففي

فيها المآثر وازدانت بها العصر

وأبشر فإنك ركن الله أسكبه

في أرضه ليرى إتقانه البشر

توفي عبد المنعم بن النطروني في يوم الجمعة لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وستمائة ، ودفن من الغد بالشونيزية وقد قارب السبعين.

٧٩ ـ عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشيري ، أبو المظفر بن الأستاذ أبي القاسم الصوفي :

من أهل نيسابور ، سمع أباه وأبا سليمان سعيد بن محمد البحيري وأبا سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي وأبا سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ وأبوي بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي وأحمد بن الحسين بن علي البيهقي وأبا الوليد الحسن بن محمد الدربندي وغيرهم ، وسافر بعد وفاة والده إلى أخيه أبي نصر عبد الرحيم إلى الحج فحج ، وسمع ببغداد أبا الحسين أحمد بن محمد بن النقور وأبا منصور عبد الباقي ابن محمد بن غالب العطار وأبا نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي وأبا القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي وعلي بن أحمد بن [التستري (١)] ويوسف بن محمد المهرواني ، وبمكة أبا علي الحسن بن عبد الرحمن الشافعي وأبا القاسم سعد بن علي الزنجاني ، وبهمذان أبا الفتح عبدوس [بن عبد الله (٢)] بن محمد بن عبدوس (٣) ، ثم إنه عاد ثانيا إلى بغداد وحج وأقام مدة وعاد إلى نيسابور ، ثم ورد بغداد ثالثا في سنة عشر

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وأثبت من العبر ٣ / ٣٢٩.

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصول وأثبت من العبر ٣ / ٣٢٩.

(٣) «وبن محمد بن عبدوس» سقط من (ب).

٩١

وخمسمائة وأقام بها مدة وحدث بها بالكثير ؛ روى عنه من أهلها عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي وأبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام وعمر بن ظفر المغازلي وأبو بكر المبارك بن كامل بن أبي غالب الخفاف وسعد الله بن محمد بن [علي بن] (١) طاهر الدقاق المقرئ ، وعاد إلى نيسابور وبقي بها أكثر من عشرين سنة يحدث.

روى لنا عنه من أهل نيسابور أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي وزينب بنت عبد الرحمن (٢) بن أحمد الشعري.

أخبرنا أبو البقاء خالد بن محمد الخفاف ، أنبأنا عمر بن ظفر المغازلي ، أنبأنا أبو المظفر بن عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري في جمادى الأولى سنة عشر وخمسمائة وأنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل البزاز بهراة قال : أنبأنا أبو القاسم تميم بن أبي سعيد بن أبي العباس الجرجاني قالا : أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي ، أنبأنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان الحيري ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : إن أبا بكر الصديق قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به في صلاتي وفي بيتي ، قال : «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر [لي (٣)] مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» (٤).

أخبرني شهاب الحاتمي بهراة قال : حدثنا أبو سعد (٥) ابن السمعاني قال : عبد المنعم ابن عبد الكريم بن هوازن القشيري أبو المظفر آخر من بقي من أولاد أبيه ، شيخ

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(٢) في (ب) : «زينب بن عبد الرحمن».

(٣) ما بين المعقوفتين من طبقات القراء ١ / ٣٠٢.

(٤) انظر الحديث في : صحيح البخاري ١ / ٢١١ ، ٨ / ٨٩ ، ٩ / ١٤٤. وصحيح مسلم ٢٠٧٨.

وفتح الباري ٢ / ٣١٧ ، ١١ / ١٣١ ، ١٣ ، ٣٧٢.

(٥) في (ب) : «أبو سعيد»

٩٢

ظريف ، مرضي السيرة ، سليم الجانب ، ومشتغل بما يهمه ، نشأ طفلا في حجر أخيه أبي نصر ، منظورا من والده بالاهتمام الشفقة ، عقد له مجلس التذكير بالنوبة بمصر يوم السبت بمسجد عقيل ، فأقام عليه مدة حياة والده ، ثم خرج بعد وفاته في صحبة أخيه أبي نصر إلى الحج فحج معه ، ثم عاد قبله إلى نيسابور في صحبة عبد الرزاق بن حسان المنيعي فأقام مدة ، ثم خرج بعد ذلك ثانيا وحج وأقام مدة ببغداد وعاد إلى نيسابور ، وخرج إلى كرمان وعاد إلى نيسابور ولزم البيت ، واشتغل بالعبادة وكتابة المصاحف وكتب والده ، وكان لطيف المعاشرة ، ظريف المحاورة ، كريم الصحبة ، بذولا لما يملكه ، خرج له أخوه أبو نصر فوائد في عشرة أجزاء عن أربعين شيخا ، سمعت منه ، وكان حسن الإصغاء إلى من يقرأ عليه الحديث ، وكان رفيقنا أبو القاسم الدمشقي يفضله على الإمام محمد بن الفضل الفراوي في هذا المعنى ، وما كانت له أصول ، قرأنا عليه من نسخ غيره.

سألته عن مولده فقال : سنة خمس وأربعين وأربعمائة ، وتوفي بين العيدين سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة.

قرأت بخط عبد الوهاب الأنماطي : ذكر أبو المظفر عبد المنعم القشيري أن مولده في صفر سنة خمس وأربعين وأربعمائة.

٨٠ ـ عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد بن صدقة بن الخضر (١) بن كليب الحراني ، أبو الفرج بن أبي الفتح التاجر (٢) :

من ساكني درب الآجر بخرابة بن حوذة ، ولد ببغداد وبكربه (٣) في سماع الحديث وعمره ست سنين ، فأسمعه عمه أبو عبد الله محمد بن سعد من الشريف أبي طالب الحسين بن محمد بن علي الزينبي وأبي القاسم (٤) علي بن أحمد بن محمد بن بيان وأبي

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ٢ / ٣٩٤.

(٢) في وفيات الأعيان : «بن الحصين».

(٣) في (ج) : «بكروبه».

(٤) في الأصل : «الزينبي بن أبى القاسم».

٩٣

علي محمد بن سعيد بن نبهان وأبي عثمان إسماعيل بن محمد بن أحمد بن مسلمة الأصبهاني وأبي الخير المبارك بن الحسين بن أحمد الغسال المقرئ وأبي منصور محمد ابن أحمد بن طاهر بن حمد الخازن وأبي بكر أحمد بن علي بن بدران الحلواني وأبي العلاء صاعد بن سيار بن محمد الإسحاقي الهروي ، وكان آخر من حدث عن هؤلاء على وجه الأرض ، وكانت له إجازة من الشريف أبي العز محمد بن المختار بن المؤيد وأبي الغنائم محمد بن علي بن ميمون النّرسيّ وأبي الخطاب محمود (١) بن أحمد الكلوذاني وأبي البركات طلحة بن أحمد بن بادي (٢) العاقولي وأبي طاهر عبد الرحمن ابن أحمد بن عبد القادر بن يوسف وأبي العباس أحمد بن الحسين بن قريش وأبي عبد الله محمد بن عبد الباقي الدوري وعبد الوهاب بن أحمد بن الصحناي وعبد الكريم ابن هبة الله بن النحوي وأحمد بن عبد الباقي بن بشر العطار وعبد الله بن محمد بن جحشويه الآجري (٣) وأبي الفتح أحمد بن أحمد بن هبة الله العراقي وسعد الله بن علي بن الحسين بن أيوب البزاز وأبي بكر محمد بن مكي بن دوست العلاف وأبي المعالي هبة الله بن المبارك الدواني ويحيى بن عثمان بن الشواء وأبي طاهر حمزة بن محمد الروذراوري وجماعة غيرهم وتفرد بالرواية عن هؤلاء ببغداد.

وسمع منه شيوخنا أبو الفرج بن الجوزي وأبو محمد بن الأخضر وأبو الفتوح بن الخضري وأبو العباس بن البندنيجي وجماعة غيرهم ، ألحق الصغار بالكبار ، وصارت الرحلة إليه من جميع الأقطار ، ومات خلق ممن سمع منه وهو حي ، وكان بين سماعه وروايته إحدى وتسعون سنة ، ومتعه الله بسمعه وبصره وجوارحه وقوته وصحة ذهنه وكمال عقله وحسن صورته وحمرة وجهه كهيئة ألوان الشباب ، وكان الغرباء والطلاب يترددون إلى بابه كل يوم ، فيجلس لهم بلا ضجر ولا ملل ، وكتب أحاديث الحسن بن عرفة بخطه ـ وله سبع وتسعون سنة ـ خطا مليحا بلا ارتعاش يد ، وحدث

__________________

(١) في كل النسخ : «وأبى الخطاب محفوظ». في شذرات الذهب ٤ / ٣٤ : «طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد بن الحسين بن سليمان».

(٢) في (ج) : «الأخرى».

(٣) «عن سعد» ساقطة من (ج).

٩٤

به من لفظه في مجلس عام حضره خلق كثيرون في دار كثيرة ، وحضرت ذلك اليوم في آخر المجلس ، وسمعت بعضه من لفظه ، وكنت قد سمعت منه قبل ذلك مرتين ولله الحمد ، وكان رحمه‌الله من أعيان التجار ببغداد وأرباب الثروة الواسعة والتحمل الكثير ، وكان قد سافر كثيرا في طلب الكسب برا وبحرا ورأى العجائب ، ثم عاد في آخر عمره إلى بغداد وافتقر وتضعضع ولزم منزله إلى حين وفاته ، واحتاج إلى أن يأخذ من طلاب الحديث والأغنياء ما يرفق به ، وكان لا يروي أحاديث بن عرفة إلا بدينار ، وذلك من تحسين ولده له ، سمعت منه الكثير وقرأت عليه كثيرا بالسمع والإجازة ، وكنت كثير الملازمة له ، وكان صدوقا أمينا حسن الأخلاق ، مليح المجالسة ، دمثا ، من محاسن الزمان وبقية الناس.

أخبرنا عبد المنعم بن عبد الوهاب الحراني قراءة عليه غيرة مرة قال : أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان الكاتب قراءة عليه في شهر ربيع الآخر من سنة ست وخمسمائة أنبأنا أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز ، أنبأنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني المبارك بن سعيد أخو سفيان الثوري عن موسى الجهني عن مصعب بن سعد عن سعد (١) بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيمنع أحدكم أن يكبر في دبر كل صلاة عشرا ويسبح عشرا ويحمد عشرا ، فذاك في خمس صلوات خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان ، وإذا أوى إلى فراشه كبر أربعا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وسبح ثلاثا وثلاثين ، فتلك مائة باللسان وألف في الميزان ، قال : ثم قال : فأيكم يعمل في يومه ابن كليب وليلته ألفين وخمسمائة سيئة» (٢).

أخبرنا أبو الفرج بن كلب قراءة عليه ، أنبأنا أبو علي محمد بن سعيد بن نبهان الكاتب قراءة عليه في سنة تسع وخمسمائة أنبأ أبو على الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن

__________________

(١) انظر الحديث في : الجامع الكبير ٩١٥٣. وكنز العمال ٤٩٦٥.

(٢) انظر الحديث في : مسند أحمد ٢ / ٤١٣ ، وسنن الترمذي ٢٨٧٥. والسنن الكبرى للبيهقي ٢ / ٣٧٦.

٩٥

شاذان أنبأ أبو محمد دعلج بن أحمد بن دعلج حدثنا على بن عبد العزيز أنبأ أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قرأ على أبي فاتحة الكتاب فقال : «والذي نفسي بيده! ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان ولا في أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، أنبأنا أبو محمد دعلج بن أحمد بن دعلج ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، أنبأنا أبو عبيد القاسم بن سلام ، حدثنا إسماعيل الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ، إنها للسبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت» (١).

أخبرنا عبد المنعم بن عبد الوهاب التاجر قال : أنبأنا أبو علي بن نبهان قراءة عليه ، أنبأنا بشرى بن عبد الله الفاتني قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عبيد بن أحمد بن مخلد ، حدثنا أبو العباس أحمد بن مسروق ، حدثنا محمد بن الحسين ـ يعني البرجلاني ـ حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا مبارك بن سعيد بن مسروق الثوري عن عبد الملك بن عمير قال : وجدت في حكمة أبي فارس : رأيت الكرماء والعقلاء يبتغون إلى المعروف وصلة ، ورأيت المودة بين الصالحين سريعا اتصالها ، بطيئا انقطاعها ، ككوز الذهب سريع الإعادة (٢) إذا أصابه (٣) ثلم أو كسر ؛ ورأيت المودة بين الأشرار بطيئا اتصالها ، سريعا انقطاعها ، ككوز الفخار إن أصابه ثلم أو كسر فلا إعادة له ، ورأيت الكريم يحفظ الكريم على اللقيا الواحدة ومعرفة اليوم ، ورأيت اللئيم (٤) لا ينفع عنده معرفة إلا عن رغبة أو رهبة ، وقال الأول :

أصل الكريم إذا أراد وصالنا

وأصد عنه صدوده أحيانا

فإذا استمر على الجفاء تركته

ووجدت عنه مذهبا ومكانا

لا في القطيعة مفشيا أسراره

بل حافظ من ذاك ما (٦) استرعانا

إن اللئيم إذا تقطع (٥) وصله

من ذي المودة قال كان وكانا

__________________

(١) في الأصل : «الفضلاء».

(٢) في الأصل : «الإصابة».

(٣) في الأصل ، (ب) : «إن أصابه»

(٤) في الأصل ، (ب) : «ورأيت اليتيم».

(٥) في الأصل ، (ب) : «انقطع».

(٦) في الأصل : «من ذلك ما» وفي (ب) : «من ذلك استرعانا».

٩٦

حدثني إبراهيم بن علي الشاهد قال : سمعت الناس يحكون أن أبا الفرج بن كليب التاجر عمل دعوة ببعض بلاد خراسان في زمن الصيف وتكلف تكلفا كثيرا ، وكان من جملته أنه حمل أحمالا من عمل مصر فيها شروب وتلثيمات ، [و] (١) فرقها على الحاضرين ليتحققوا بها ، فلما انقضى المجلس وأعادوها فلم يقبلها وأقسم عليهم في قبولها ، وانفصلوا بها ، هناك لها قيمة كثيرة.

قال أنبأنا إبراهيم : فذكرت هذه الحكاية للشيخ أبي الفرج وسألته عن صحتها فرافع ، فألححت عليه فقال : قد كان ذلك.

سمعت أبا الفرج بن كليب تحلى للجماعة يوما فقال : وصلني خبر مرة عن مملوك لي غرق (٢) في البحر بما كان لي معه وكان مقداره ستة آلاف دينار أو أكثر فلم أتأثر لذلك لسعة حالي ، ولم يمت حتى طلب من الناس.

سألت عن مولده فقال : في صفر سنة خمسمائة ، وتوفي صبيحة يوم الاثنين السابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين وخمسمائة ، وحضرت الصّلاة عليه بالمدرسة النظامية ، ودفن بباب حرب.

٨١ ـ عبد المنعم بن علي بن نصر بن منصور بن الصيقل ، أبو محمد الفقيه الحنبلي (٣) :

من أهل حزان. قدم بغداد في صباه سنة ثمان وسبعين وخمسمائة طالبا للعلم ، فأقام بها مدة يتفقه على أبي الفتح بن المنى حتى حصل طرفا صالحا من المذهب والخلاف ، وسمع الحديث من أبي الفتح بن شاتيل وأبي السعادات بن زريق وغيرهما ثم عاد إلى

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل ، (ب).

(٢) في النسخ : «في عرق».

(٣) انظر : مرآة الزمان ٢ / ٥٢٥. وشذرات الذهب ٥ / ٣.

٩٧

حران ، وقدمها (١) علينا في سنة ست وتسعين ومعه ولده ، فكان يسمع معنا على مشايخنا ، ويكتب ويحصل ، ويناظر في مجالس الفقهاء وحلق المناظرين ، ويدرس ويعلم الطلبة ، واستوطن بغداد ، وكان يسكن بدرب نصير ، وسكن عندنا مدة بالظفرية ، وعقد مجلس الوعظ بمسجد ابن الواسطي ، ثم كثر الناس فانتقل إلى المسجد الكبير بشارع الظفرية ، ولما عاد إلى درب نصير صار يجلس في مسجد ابن حمدي عند مشرعة الصباغين ، وكان مليح الكلام في الوعظ رشيق الألفاظ حلو العبارة كتبنا عنه شيئا يسيرا وكان ثقة صدوقا متحريا حسن الطريقة ، متدينا متورعا (٢) نزها عفيفا عزيز النفس مع فقر شديد ، وله مصنفات حسنة وشعر جيد وكلام في الوعظ بديع ، وكان حسن الأخلاق ، لطيف الطبع ، متواضعا ، جميل الصحبة.

أخبرنا عبد المنعم بن علي الحراني ببغداد قال : أنبأنا عبيد الله بن عبد الله الدباس ، أنبأنا علي بن محمد بن العلاف ، أنبأنا علي بن أحمد بن عمر الحمامي ، أنبأنا محمد بن عبد الله الشافعي [الدباس] (٣) حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن سنين ، حدثنا عمران ابن أبي عمران الصوفي ، حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الشيخ (٤) عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتاني جبريل فقال : إن الله تعالى يقول لك : تدري كيف رفعت لك ذكرك! إذا ذكرت ذكرت معي» (٥).

توفي يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول من سنة إحدى وستمائة ونودي بالصلاة عليه في جميع البلد فاجتمع له الناس من الغد بجامع القصر وصلينا عليه وكان

__________________

(١) في الأصل : «وقدم بها».

(٢) في (ب) : «ورعا».

(٣) ما بين المعقوفتين سقط في الأصل ، (ب).

(٤) في الأصل ، (ب) : «أبى السمح».

(٥) انظر الحديث في : صحيح ابن حبان ١٧٧٢. وتفسير الطبري ٣٠ / ١٥١. ومجمع الزوائد ٨ / ٢٥٤. وتفسير ابن كثير ٨ / ٥٤٢.

٩٨

الجمع متوفرا ، ثم صلى عليه نوبة ثانية بالمدرسة النظامية ، ودفن بباب حرب ، وأظنه قارب الخمسين أو بلغها رحمة الله عليه.

٨٢ ـ عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن أحمد بن خضر بن مالك بن حسان الغساني ، أبو الفضل الجلياني الأندلسي (١) :

من أهل جليانة ـ قرية من قرى غرناطة من بلاد الأندلس ـ دخل الشام وسكنها مدة ، ثم قدم علينا بغداد حاجّا في صفر سنة إحدى وستمائة ونزل بالمدرسة النظامية ، وكتبنا عنه كثيرا من نظمه ، وكان أديبا فاضلا ، له شعر جيد مليح المعاني ، أكثره في الحكم والإلهيات وآداب النفوس والرياضيات ، وكان طبيبا حاذقا ، وله رياضيات ومعرفة بعلوم الباطن ، وكلام مليح على طريقة القوم ، وكان مليح السمت ، حسن الأخلاق ، لطيفا.

أنشدنا عبد المنعم بن عمر الجلياني لنفسه ببغداد في المدرسة النظامية لنفسه :

أقول لما رأيت الحب مدركه

صعب وفي القلب أشواق تحركه

يا ساكنين بأعلى الدار منزلة

وقد توعر مرباه ومسلكه

كيف السبيل لمثلي أن يزوركم

وقد حللتم مكانا ليس أدركه

نبهتم القلب كي يهوى فحين جلى

لقاؤكم غبتم والوجد ينهكه

فإن ظهرتم فبرأ القلب متجه

أو ما احتجابكم عنه سيهلكه

إذا بكى بدموع الهجر خلف جوى

فليس غير ابتسام الوصل يضحكه

لم تستجيزون التحاشي على شغفي

بكم وإخلاص حب لست أشركه

إن عاقني عن (٢) دخولي داركم جسدي

فها (٣) أنا عند (٤) باب الدار أتركه

__________________

(١) انظر : فقرات الوفيات ٢ / ٣٥. ومجمع البلدان ٣ / ١٣٠.

(٢) في الأصل : «عافكم دخولي»

(٣) في (ج) : «فما أنا عبد»

(٤) في كل النسخ : «عبد».

٩٩

وأنشدنا أيضا لنفسه :

أحباؤنا تبتعدون وأرتجي

دونكم والشوق يحرق أحشائي

دعوني إذا لم ترتضوني (١) مجالسا

على بابكم أبكي وأندب أهوائي

فإن قيل من هذا فقولوا (٢) خليعنا

شمنا مجنوننا (٣) فهي أسمائي

وما ذا عليكم إن رسمت بحبكم

فيرجع عما ظنه بعض أعدائي

إذا لم تروا ذينا سوى الهجر في الهوى

وإن كان في هجرانكم كل أدوائي

فقد قنعت نفسي بأن تتيقنوا

بأنكم كيف انقلبتم أحبائي

وأنشدنا عبد المنعم بن عمر الجلياني لنفسه :

قالوا نراك عن الأكابر تعرض

وسواك زوارا لهم يتعرض

قلت الزيارة للزمان إضاعة

وإذا مضى وقت فما يتعوض

إن كان لي يوما إليهم حاجة

فبقدر ما ضمن القضاء مقيض

سألت عبد المنعم عن مولده فقال : في يوم الثلاثاء سابع المحرم سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة بالأندلس ، وسألت ولده بدمشق عن وفاته فقال : توفي في الثاني والعشرين من ذي القعدة سنة اثنتين وستمائة بدمشق ودفن بباب الصغير.

٨٣ ـ عبد المنعم بن عيسى بن الحسن بن المظفر المقرئ الأنباري :

حدث بالنعمانية عن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن العلاف ، روى عنه القاضي أبو البركات محمد بن علي بن محمد الأنصاري قاضي أسيوط في مشيخته.

٨٤ ـ عبد المنعم بن محمد بن الحسين بن سليمان ، أبو محمد بن أبي نصر الفقيه الحنبلي (٤) :

من أهل باجسرى. قدم بغداد في صباه واستوطنها ، وقرأ بها الفقه على أبي الفتح بن

__________________

(١) في الأصل ، (ب) : «لم ترضونى».

(٢) في الأصل ، (ب) : «فقوا».

(٣) في (ج) : «محبوبنا».

(٤) انظر : شذرات الذهب ٥ / ٥١

١٠٠