تاريخ بغداد أو مدينة السّلام

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام

المؤلف:

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٠

فأمر المنصور عبد الملك بن حميد أن يقطعه خمسمائة جريب عامرة (١) وخمسمائة جريب (٢) غامرة (٣) ، فقال أبو دلامة : أما العامر (٤) فقد عرفته فما الغامر؟ قال : ما لا يدركه الماء إلا بمشقة ، ولا يسقى إلا بالمئونة والكلفة ، فقال أبو دلامة : أشهد أمير المؤمنين ومن حضر أني قد أقطعت عبد الملك بادية بني أسد كلها ، [فضحك المنصور وقال : اجعلها يا عبد الملك عامرة كلها] (٥) ، فقال أبو دلامة لأبي جعفر : تأذن (٦) لي في تقبيل يدك ، فلم يفعل ومنعه ، فقال : ما منعني (٧) شيئا أقل ضررا على عيالي من هذا.

ذكر هذا كله محمد بن عبدوس الجهشياري في «كتاب الوزراء» من جمعه.

١٨ ـ عبد الملك بن رافع بن محمد الهروي الشيباني ، أبو المعالي ، القاضي :

سمع أبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الصريفيني ، وحدث بيسير ، سمع منه أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خسرو البلخي وأبو بكر المبارك بن [كامل] (٨) الخفّاف وسعد الله بن محمد بن طاهر الدقاق.

وذكر ابن كامل فيما نقلته من خطه أنه مات ليلة الجمعة ثاني شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.

١٩ ـ عبد الملك بن روح بن أحمد بن محمد بن أحمد بن صالح الحديثي (٩) ، أبو المعالي بن قاضي القضاة أبي طاهر (١٠) :

__________________

(١) في كل النسخ : «غامرية». والتصحيح من الأغانى.

(٢) «جريب» سقطت من (ب).

(٣) في كل النسخ : «غامر».

(٤) في كل النسخ : «الغامر» والتصحيح من الأغانى.

(٥) ما بين المعقوفتين زيادة من الأغانى وتاريخ بغداد.

(٦) في (ب) : «فأذن لي» وفي كتاب الوزراء : «أتأذن لي».

(٧) في الأصل ، (ج) : «ما منعتني».

(٨) ما بين المعقوفتين زيادة من تذكرة الحفاظ (٤ / ١٢٩٧).

(٩) ـ انظر : معجم البلدان ٣ / ٢٣٦.

(١٠) في كل النسخ هكذا ، وفي معجم البلدان «أبى طالب».

٢١

تقدم ذكر (١) والده ، شهد عند أبيه في اليوم الثاني من ولايته لقضاء القضاة ، وهو يوم السبت الثاني والعشرون (٢) من ربيع الآخر من سنة ست وستين وخمسمائة ، ثم استنابه والده على الحكم والقضاء لحريم (٣) دار الخلافة ، فبقى على ذلك مدة ولاية أبيه ، وجرت أموره على السداد والاستقامة ، وكان حسن الطريقة ، جميل السيرة ، مرضي الأفعال ، زاهدا ، عابدا ، عفيفا ، نزها ، ورعا ، متدينا ، تاركا للتكلف ، متواضعا في جميع أحواله.

سمع الحديث من جده أبي نصر أحمد ، ومن أبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد ابن السلال الوراق ، وأبي القاسم علي بن عبد السيد بن محمد ابن الصباغ ، وأبي بكر أحمد بن علي بن عبد الواحد الدلال ، وأبي الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي ، وأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن نصر بن الزاغوني ، وأبي منصور أبو شبكين (٤) ابن عبد الله الرضواني ، وأبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ وأبي الفتح عبد الملك بن أبي القاسم بن أبي سهل الكروخي وغيرهم ، انتقى (٥) له الشريف أبو الحسن علي بن أحمد الزيدي جزء من مسموعاته ، وأسمعه منه (٦) ومعه صبيح الحبشي ، وروى عنه شيخنا عبد الملك بن أبي محمد البرداني.

أخبرني أبو عبد الله محمد بن سعيد الحافظ قال : أنبأنا عبد الملك بن أبي محمد بن أبي الغنائم بن البرداني الصوفي ، أنبأنا القاضي أبو المعالي عبد الملك بن روح بن الحديثي ببغداد ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن السلال ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سياوش.

وأنبأنا أبو كليد عبد الله بن مسلم بن ثابت البزاز ، أنبأنا أبو المكارم أحمد بن عبد

__________________

(١) في كل النسخ : «تقدم ذكره» تحريف.

(٢) هكذا في كل النسخ ، ومقتضى السياق يجب أن يكون الثاني عشر ، (راجع معجم البلدان (٣ / ٢٣٦).

(٣) في الأصل : «لجريم دار الخلافة» تصحيف.

(٤) هكذا في جميع النسخ.

(٥) في الأصل ، (ج) : «انتفا».

(٦) في الأصل ، (ب) : «وسمعه منه».

٢٢

الباقي بن منازل الشيباني وأبو يوسف بن المبارك بن كامل الخفاف ، أنبأنا أبو محمد المبارك بن أحمد بن بركة الكندي قالا : أنبأنا أبو الحسين عاصم (١) بن الحسن بن عاصم.

وأنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد الصوفي بهراة ، أنبأنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ابن محمد الشحامي ، أنبأنا أبو عمرو المسيب بن محمد الأرغياني (٢).

وأنبأنا أبو بكر أحمد بن سعيد الصوفي بأصبهان ، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الباغبان (٣) ، أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن [إسحاق بن محمد بن يحيى] (٤) ابن مندة (٥) ، قال ابن سياوش وعاصم والمسيب وابن مندة : أنبأنا أبو عمر عبد الواحد [ابن محمد] (٦) بن عبد الله بن مهدي الفارسي ، حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه (٧) حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا الثوري ، حدثنا الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من أيام أحب (٨) إلى الله فيهن العمل ـ أو قال : أفضل فيهن العمل ـ [من] (٩) أيام العشر» ، قيل : يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال : «ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بماله ونفسه فلا يرجع من ذلك بشيء» (١٠).

سمعت أبا الحسن علي بن أحمد بن محمد بن ملاعب القواس جارنا يقول : كان القاضي عبد الملك بن الحديثي يخرج من دار والده قاضي القضاة راكبا بالعمامة الكبيرة والقميص والطيلسان ، والوكلاء والركابية بين يدي فرسه إلى باب منزله ، فإذا

__________________

(١) «عاصم بن» ساقطة من (ج) ، وفي الأصل بياض مكان «عاصم».

(٢) في كل النسخ «الأرعيانى» تصحيف.

(٣) في الأصل : «الناغبان».

(٤) ما بين المعقوفتين من تذكرة الحفاظ ، ومكانه بياض في الأصل ، (ج).

(٥) في الأصل ، (ج) : «بن مسنده».

(٦) ما بين المعقوفتين زيادة من تذكرة الحفاظ.

(٧) في كل النسخ : «بن زنجرى» تصحيف.

(٨) في كل النسخ : «ما من أيام العمل أحب» وليست في البخاري.

(٩) ما بين المعقوفتين زيادة من البخاري.

(١٠) ـ انظر الحديث في : مسند أحمد (٢ / ١٦١). والمعجم الكبير للطبراني (٢ / ١٣).

٢٣

نزل ودخل داره ذهبت الجماعة ، وخرج هو من منزله ماشيا وعليه ثياب قصيرة مختصرة صغيرة الأكمام وعمامة لطيفة والمصلى على كتفه (١) ، حتى يأتي مسجده بالسوق فيقف على بابه ويؤذن بالصلاة ، ثم يدخل المسجد فيصلي التحية والسنّة ، ثم يخرج وقيم الصّلاة ويصلي بالناس إماما ، وكان يسحر الناس في ليالي شهر رمضان ، وكانت له معرفة حسنة بالمواقيت.

بلغنا أن القاضي عبد الملك بن الحديثي خرج إلى الحج في سنة تسع وستين وخمسمائة فحج وعاد إلى بغداد في سنة سبعين ، ودخلها في صفر وقد توفي والده قاضي القضاة ، [فعرض عليه منصب قضاء القضاة] (٢) فلم يجب واعتذر ، وتردد الكلام في ذلك أياما ، ومرض وتوفي في يوم الأحد الرابع والعشرين من صفر [من سنة سبعين] (٣) ودفن عند والده بحاج ظفر ـ رحمة الله عليهما.

٢٠ ـ عبد الملك بن شجاع بن إبراهيم بن عبد العزيز بن المرزبان (٤) البغويّ ، أبو محمد الشاهد المعروف بابن الخراساني :

نسيب أبي القاسم البغويّ المحدث ، كان من الشهود ببغداد ، ومن بيت (٥) الحديث والرواية ، ولم يبلغني له رواية ، كان مولده في سنة إحدى وستين ومائتين ، وتوفي ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رجب سنة تسع وأربعين وثلاثمائة.

ذكره القاضي أبو العباس أحمد بن بختيار بن الماندائي (٦) الواسطي في كتاب «تاريخ القضاة والحكام» من جمعه.

__________________

(١) في (ب) : «على كيفية» تحريف.

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة في المطبوعة.

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٤) في (ب) : «بن المرزمان».

(٥) في (ج) : «ومن ثبت الحديث». وفي (ب) : «من بيت الحديث».

(٦) في كل النسخ : «المانداى». والتصحيح من «المشتبه» (٢ / ٦٢٤).

٢٤

٢١ ـ عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، أبو عبد الرحمن الهاشمي (١) :

أخو عبد الله بن صالح الذي ذكره الخطيب في التاريخ ، كان من رجالات قريش وكفاتهم (٢) ، ولى المدينة والصوائف (٣) في أيام الرشيد ، ثم ولاه دمشق بعد السندي ابن شاهك ، ثم حبسه حبسة لوثوبه (٤) على الخلافة ، ثم أطلقه الأمين وولاه الشام والجزيرة ، روى عنه أبيه وعمه سليمان بن علي ومالك بن أنس الفقيه ، روى عنه ابنه علي وفليح بن سليمان وعبد الله بن عمرو الأسدي وعبد الملك بن قريب الأصمعي.

قال أبو بكر الصولي : كان عبد الملك أفصح الناس وأخطبهم ، ولم يكن في دهره مثله في فصاحته وصيانته وجلالته ، وله شعر ليس بالكثير ، وأخبار حسان.

قرأت على المتوكلي عن محمد بن عبيد الله أن (٥) علي بن أحمد أخبره عن أبي أحمد الفرضي عن الصولي قال : حدثنا الغلابي (٦) حدثنا عبد الله بن الضحاك عن الهيثم بن عدي قال : لما ولى الرشيد عبد الملك بن صالح المدينة ، فقيل ليحيى بن خالد : كيف ولاه (٧) المدينة من بين عماله (٨)؟ قال : أحب أن يباهى به (٩) قريشا ويعلمهم (١٠) أن في بني العباس مثله.

__________________

(١) انظر : النجوم الزاهرة (٢ / ٩٠) ، (١٥١). وتاريخ ابن خلدون (٣ / ٢٣٦). والكامل لابن الأثير (٦ / ٨٥). وفوات الوفيات (٢ / ٢٧). وزبدة الحلب (١ / ٦٤). ورغبة الآمل (٥ / ١٢٥). والأعلام (٤ / ٣٠٤).

وفي كل النسخ زيادة نصها : «أخو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو عبد الرحمن الهاشمي». سبق نظر.

(٢) في كل النسخ : «حالات قريش وكفانهم وما أثبتناه من المطبوعة.

(٣) في (ج) : «الطوائف» تصحيف.

(٤) في كل النسخ : «ثم حبسه حبسة وتوّبه». وما أثبتناه من المطبوعة.

(٥) في (ج) : «بن على».

(٦) في الأصل ، (ب) : «الغلانى» تصحيف.

(٧) في (ب) ، (ج) : «كيف ولاة»

(٨) في كل النسخ : «من بين أعماله» والتصحيح من الأعلام.

(٩) في (ب) ، (ج) : «أن يتباهى به».

(١٠) في (ج) : «وتعلمهم».

٢٥

قرأت على المتوكلي عن محمد بن عبيد الله قال : أنبأنا أبو نصر النديم قال : أنبأنا أبو عبد الله المرزباني (١) إذنا قال : أنبأنا هارون بن علي بن المنجم ، أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر ، أنبأنا أبي قال : حدثني رجل من قريش قال : سمعت يزيد بن عقال قال : أراد عبد الملك بن صالح أن يغتال (٢) ملك الروم الضواحي بمكيدة من مكايده ، وكان من دهاة بني هاشم ، فدخلت عليه وعنده رجال في صنيعته ، فتشاوروا في ذلك ، فأشاروا عليه أن يشرف بنفسه على الروم من الثغور ويمضي أمره وإرادته ، فقال : إن من (٣) حزم الوالي الشهم أن لا يتبذل مهابة نفسه وجلالة قدره فيما إن استكفاه رجلا من صنيعته كفاه إياه ، وقام به لما في ضبط صنيعته لما استكفاه وأسند إليه من رفيع الذكر وسناء الشرف ، وما عليه في تقصيره ووهنه في ذلك من شين العيب وصغير الوهن ، وإنما اصطنعت الولاة الرجال ليصرفوا به مهجهم في الحروب ومهابة أنفسهم وجلالة أقدارهم عن التبذل لرغبتهم ، وكذلك يجب على الوالي اللبيب الأريب (٤) أن يتخير الرجال لصنيعته لأن صنيعة الوالي جنته (٥) في حربه ووجهه (٦) في سلمه ، وقد تعرف الرعية الوالي وقلّته بصنيعته ، ثم تمثل :

وبعثت من ولد الأعز المعتب (٧)

صقرا يلوذ حمامة بالعوسج

فإذا طبخت (٨) بناره أنضجتها

وإذا طبخت بغيرها لم ينضج

وهو الهمام إذا أراد فريسة

لم ينجها منه صريخ الهجهج

وبه قال : أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر ، أنبأنا أبي قال : وحدثني يحيى بن أبي نصر ، حدثني إبراهيم بن السندي قال : أتيت عبد الملك مسلّما ، فشكى إليّ

__________________

(١) في الأصل ، (ب) : «الرزيانى» وفي (ج) : «الرزمانى» تحريف. والتصحيح من الأنساب.

(٢) في كل النسخ : «عبد الملك بن صالح بن بغتال».

(٣) في (ب) : «فقال : من حزم».

(٤) في (ب) : «الأريبان» تصحيف.

(٥) في (ج) : «سنة».

(٦) في كل النسخ : «وجهة».

(٧) في الأصل ، (ب) : «معتب».

(٨) في الأصل : «فإذا طحنت».

٢٦

السندي في أمر بلغه عنه ، فقلت : أصلح الله الأمير ، بلغك الكذب ، قال : يا إبراهيم! مثلي لا يتكلم في أمر بلغه حتى يحقه.

وبه قال : أنبأنا أبي قال : وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله الجندي أن رجالا من جملة العرب ذكروا كبر عبد الملك بن صالح ودهاءه وجلالته وبلاغته عند إسحاق بن سليمان بن علي ، فقال : ذاك (١) نجم رأى أنجما زهرا من أهل بيته ، فجرى في مجاريها ليدركها ، فلم يدركها واكتسى نورا من مجاريها ، ثم تمثل بقول زهير :

سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم (٢)

فلم يفعلوا ولم يلاموا ولم يألوا

قرأت على أبي الفرج (٣) عبد المنعم بن عبد الوهاب الحراني عن أبي علي محمد ابن سعيد الكاتب قال : أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد [بن إبراهيم] (٤) بن شاذان قراءة عليه ، حدثنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان ، حدثني حمزة بن نصير ، حدثني أبو بكر القلوسي ، حدثنا حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن أبيه عن جده قال : كنت بين يدي هارون الرشيد والناس يعزونه في ابن له توفي في الليل ويهنئونه في الآخر ولد في تلك الليلة ، فدخل عبد الملك بن صالح الهاشمي ، فقال له الفضل بن الربيع : عزّ أمير المؤمنين في ابن له وهنئه بآخر ولد فيها ، فقال عبد الملك بن صالح : يا أمير المؤمنين! سرك الله فيما ساءك ولا ساءك فيما سرك! وجعل هذه بهذه جزاء للشاكر وثوابا للصابر.

قرأت على عبد الرزاق بن عبد الوهاب عن أحمد بن محمد الأصبهاني قال : أنبأنا أبو صادق المديني ، أنبأنا أبو الحسن بن الطفال ، أنبأنا الحسن بن رشيق ، حدثنا يموت ابن المزرع ، حدثنا خالي عمرو بن بحر الجاحظ قال : قال لي عبد الرحمن مؤدب عبد الملك (٥) بن صالح قال : قال لي عبد الملك بعد أن خصني وصيرني وزيرا بدلا من

__________________

(١) «ذاك» ساقطة من (ج).

(٢) في كل النسخ : «يدركونهم» والتصحيح من ديوان زهير ص ١١٤.

(٣) زاد في الأصل ، (ب) : «عند عبد المنعم».

(٤) ما بين المعقوفتين زيادة من تذكرة الحفاظ.

(٥) في كل النسخ : «عبد الرحمن مؤدب ملك عبد الملك».

٢٧

قمامة (١) : «يا عبد الرحمن! لا تنظرني في وجهي فأنا أعلم بنفسي منك ، ولا تستقدمني (٢) على ما يقبح (٣) ، ودع عنك كيف أصبح الأمير وكيف أمسى الأمير ، واجعل مكان التقريظ في صواب الاستماع مني ، واعلم أن صواب الاستماع أحسن من صواب القول ، وإذا حدثتك حديثا (٤) فلا يفوتنك منه شيء ، وأرني فهمك في طرفك ، إني اتخذتك (٥) مؤدّبا بعد أن كنت معلما ، وجعلتك جليسا صعوبا بعد أن كنت مع الصبيان مباعدا ، ومتى لم تعرف نقصان ما خرجت منه لم تعرف رجحان ما صرت إليه».

أخبرنا أبو الكرم الهاشمي عن أبي بكر الحنبلي قال : أنبأنا علي بن أحمد إذنا عن الفرضي عن الصولي قال : حدثنا عون بن محمد الكندي ، حدثنا أحمد بن خالد القثمي عن جعفر بن محمد بن الحارث عن يزيد بن عقال قال : كان عبد الملك بن صالح واليا للرشيد على الشام فكان إذا وجّه سرية إلى أرض الروم أمر عليها أميرا شهما ، وقال له : إنك تضارب الله بخلقه ، فكن بمنزلة التاجر الكيس إن وجد ربحا وإلا احتفظ برأس المال ، وكن من احتيالك على عدوك أشد حذرا من احتيال عدوك عليك.

وبه : عن الصولي قال وجدت بخط إبراهيم بن شاهين قال : حدثني أبو حاتم السجستاني قال : قيل لعبد الملك بن صالح : إن أخاك عبد الله يزعم أنك حقود ، فقال :

إذا ما امرؤ لم يحقد الوتر لم يجد

لديه لذي النعمى جزاء ولا شكرا

وبه : عن الصولي قال حدثنا مسبح بن حاتم العيلي (٦) حدثنا يعقوب بن جعفر قال: لما دخل الرشيد منبج (٧) قال لعبد الملك : أهذا البلد منزلك ، قال : هو لك ، ولي

__________________

(١) في فوات الوفيات ٢ / ٢٩ : «ثمامة».

(٢) في (ب) : «لا تستقدنى» وفي (ج) : «لا تستعدنى».

(٣) في (ب) : «ما يفتح».

(٤) «حديثا» ليست في (ج).

(٥) في (ب) : «وإنى اتخذك».

(٦) هكذا في كل النسخ ، ولم نجده.

(٧) في (ج) : «فتخ».

٢٨

بك ، قال : كيف ثناؤك (١) به؟ قال : دون منازل (٢) أهلي ، عذبة الماء ، باردة الهواء ، قليلة الأدواء ؛ قال : كيف ليلها؟ قال : سحر كله ؛ قال : صدقت ، إنها لطيبة ، قال : بل طابت بك وبك كملت ، وأين بها عن الطيب ، وهي طينة حمراء وسنبلة صفراء وشجرة خضراء ، فيا فيح بين قيصوم وشيح ، فقال الرشيد لجعفر بن يحيى : هذا الكلام أحسن من الدّرّ المنظوم.

وبه : عن الصولي قال : حدثنا محمد بن الفضل ، حدثنا عمر بن شبة (٣) قال : دخل إبراهيم بن السندي على عبد الملك بن صالح يعوده وكان عبد الملك عدوا لأبيه السندي ، فقال له : قد عرفت ما بين الأمير وبين أبي ، وو الله ما نقص (٤) ذلك ودي ولا أثنى (٥) عنان نصيحتي ، فقال عبد الملك : إن إساءة أبيك لا تفسد عندنا إحسانك ، كما أن إحسانك لن يصلح عندنا إفساد أبيك.

وبه : عن الصولي قال : حدثنا محمد بن يزيد النحوي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن إسماعيل قال : وجّه عبد الملك بن صالح إلى الرشيد فاكهة في أطباق الخيزران وكتب إليه : أسعد الله أمير المؤمنين وأسعد به دخلت بستانا لي أفادنيه (٦) كرمك وعمرته لي نعمك ، وقد أينعت (٧) أشجاره وآتت ثماره ، فوجهت إلى أمير المؤمنين من كل شيء على الثقة والإمكان ، في أطباق القضبان ، ليصل إليّ من بركة دعائه مثل ما وصل إليّ من كثرة عطائه ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين! ما سمعت بأطباق القضبان ، فقال له الرشيد : يا أبله! إنه كنى عن الخيزران ، إذ كان اسما لأمنا.

أخبرنا أبو نصر محمد بن هبة الله الشيرازي بدمشق قال : أنبأنا أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي قال : قرأت بخط أبي الحسين الرازي ، أخبرني أحمد بن

__________________

(١) في (ب) : «تناوبك».

(٢) في (ب) : «منازلي».

(٣) في الأصل : «عمر بن شيبة».

(٤) في (ج) : «ما ينقص».

(٥) في (ب) ، (ج) : «ولا أنثنى».

(٦) في الأصل : «أفادنيه».

(٧) في الأصل : «وعمر لي نعمك وقد نبعث» وفي (ج) : «عمر لي نعمتك وقد نبعث».

٢٩

عيسى ، مساور بن شهاب قال : قال إسحاق بن سليمان : إن عبد الملك بن صالح [لما] (١) ودّعه الرشيد في وجهة إلى الشام ، قال له الرشيد : ألك حاجة؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين! بيني وبينك بيت يزيد ابن الدثنية (٢) حيث يقول :

فكوني على الواشين لداء شغبة

كما أن للواشي ألد شغوب

قرأت على محمد بن عبد الواحد عن محمد بن عبيد الله قال : أنبأنا أبو القاسم بن البسري إذنا عن أبي أحمد الفرضي عن الصولي قال : ثم إن الرشيد جعل ابنه القاسم في حجر عبد الملك بن صالح ، فقال عبد الملك يحضه على أن يوليه العهد بعد أخويه الأمين والمأمون وأن يجعله ثالثا لهما :

يا أيها الملك الذي

لو كان نجما (٣) كان سعدا (٤)

للقاسم اعقد بيعة

واقدح له في الملك زندا (٥)

الله فرد واحد

فاجعل ولاة العهد فردا

فجعله الرشيد ثالثا لهما.

أخبرنا عبد الوهاب بن علي الأمين قال : أخبرتنا فاطمة بنت أبي حكيم الخبري قالت : أنبأنا أبو منصور علي بن الحسن بن الفضل الكاتب ، حدثنا أبو عبد الله أحمد ابن محمد بن عبد الله بن خالد الكاتب ، أنبأنا أبو محمد علي بن عبد الله بن العباس الجوهري ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي ، حدثنا الزبير بن بكار قال : كان عبد الملك بن صالح نسيج وحده أدبا ولسانا.

وخبرني بعض أصحابنا قال : قال رجل للرشيد وعبد الملك يسايره : يا أمير المؤمنين! طأطئ من أشرافه (٦) واشدد من شكائمه وإلا أفسد عليك أقرب الناس

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٢) لم أقف على اسمه في المصادر المتاحة.

(٣) في الأصل : «لو كان لحما».

(٤) في الأصل : «كان بعدا».

(٥) في الأصل : «زبدا» وفي (ب) : «زهدا».

(٦) في كل النسخ : «من سرقة» والتصحيح من تاريخ الطبري ١٠ / ٩١

٣٠

إليك بحلاوة منطقه ، وزخرف مخرفته ، فقال [الرشيد لعبد الملك] (١) : ما يقول هذا؟ قال : يا أمير المؤمنين! مقال حاسد نعمة ودسيس منافق في تقدم (٢) منزلة (٣) وعلو مرتبة ، قال : صدقت يا أبا عبد الرحمن! انتقص القوم وفضلتهم (٤) ، [وتخلفوا وتقدمتهم ، حتى] (٥) برز شأوك وقصر عنه غيرك ، ففي صدورهم جمرات التأسف ، فقال عبد الملك : فلا أطفأها الله وأضرمها (٦) عليهم بالمزيد من رأي أمير المؤمنين.

قال الزبير : ثم وشى به بعد ذلك ، وتتابعت الأخبار فيه [بفساد نيته للرشيد] (٧) وكثر حاسدوه ، فدخل في بعض الأيام وقد امتلأ قلب الرشيد عليه [غيظا] (٨) ، فرأى منه انقباضا وعبوسا ، فقال الرشيد : أكفرا بالنعمة وغدرا بالإمام؟ فقال عبد الملك : قد بؤت إذا بأعباء الندم واستحلال النقم ، وما ذاك يا أمير المؤمنين إلا بغي (٩) حاسد نافس فيك وفي تقديم الولاية ومودة القرابة ، يا أمير المؤمنين! إنك خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أمته وأمينه على عترته ، لك عليها فرض الطاعة وأداء النصيحة ، ولها عليك العدل في حكمها والتثبت في حادثها ، فقال له الرشيد : أتضع لي من لسانك وترفع عليّ من جنانك ، بحيث يحفظ الله لي عليك ويأخذ لي به منك ، هذا قمامة كاتبك يخبرني بفساد نيتك وسوء سريرتك ، فاسمع كلام قمامة ، [فقال عبد الملك] (١٠) : فلعله أعطاك ما ليس في عقده ، ولعله لا يقدر أن (١١) يعضهني ولا يبهتني بما لم يعرفه مني ولم يصح له عني ، فأمر بإحضار قمامة فأحضر ، فقال الرشيد : تكلم بما

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوعة.

(٢) في (ب) ، والأصل : «في تقديم».

(٣) في (ب) : «منزله».

(٤) في (ب) ، (ج) : «وفضلهم».

(٥) ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ الطبري.

(٦) في كل النسخ : «أخربها» والتصحيح من تاريخ الطبري.

(٧) ما بين المعقوفتين زيادة من فوات الوفيات.

(٨) ما بين المعقوفتين زيادة من فوات الوفيات.

(٩) في (ب) : «بغى».

(١٠) ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ الطبري.

(١١) في (ج) زيادة : «بهضمنى ولا»

٣١

تعلم (١) غير هائب ولا خائف ، فقال : أقول إنه عازم على الغدر بك يا أمير المؤمنين والخلاف عليك ، فقال عبد الملك : وكيف لا يكذب عليّ من خلفي [من] (٢) يبهتني في وجهي ، فقال الرشيد : فهذا عبد الرحمن ابنك يقول بقول (٣) كاتبك ويخبر عن سوء ضميرك وفساد نيتك ، وأنت لو أردت أن تحتج بحجة لم تجد (٤) أعدل من هذين ، فبم تدفعهما عنك ، قال : يا أمير المؤمنين! عبد الرحمن بين مأمور أو عاق ، فإن كان مأمورا فمعذور ، وإن كان عاقا فهو عدو (٥) أخبر الله بعداوته وحذر منها ، فقال جل ثناؤه في محكم كتابه (٦) : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) فنهض الرشيد وهو يقول : أما أمرك فقد وضح ، ولكن لا أعجل حتى أعلم ما الذي يرضى الله فيك فإنه الحكم بيني وبينك ، فقال عبد الملك : رضيت بالله حكما وبأمير المؤمنين حاكما ، فإني أعلم أنه يؤثر كتاب الله جل ثناؤه على هواه وأمر الله على رضاه.

قال : فلما كان بعد ذلك جلس مجلسا آخر فسلم لما دخل ، فلم يرد عليه [الرشيد](٧) ، فقال عبد الملك : يا أمير المؤمنين! ليس هذا أحتج فيه فلا أجاذب (٨) منازعا وخصما ، قال : ولم؟ قال : لأن أوله جرى على غير السنّة ، فأنا أخاف آخره ، قال : وما ذاك؟ قال : لم ترد عليّ السلام ، فلم أنصف نصفة العوام ، قال : السلام عليك اقتداء بالسنّة وإيثارا للعدل واستعمالا للتحية ، ثم التفت نحو سليمان بن [أبي] (٩) جعفر وهو يخاطب بكلامه عبد الملك فقال :

__________________

(١) في (ج) نكلم ما تعلم».

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من الفوات.

(٣) في باب : «يقول قول»

(٤) في كل النسخ : «لم تجدل»

(٥) في كل النسخ : «فهو عاق».

(٦) «رسالته» وما أثبتناه من الفوات.

(٧) ما بين المعقوفتين فتبين زيادة من فوات الوفيات.

(٨) في كل النسخ : «فلا أحادث» والتصحيح من الطبري.

(٩) ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ الطبري (١٠ / ٩٠).

٣٢

أريد حباءه ويريد قتلي

عذيرك (١) من خليلك من مراد

أما والله لكأني أنظر إلى شؤبوبها قد همع ، وعارضها قد لمع ، وكأني بالوعيد قد أورى نارا تسطع ، فأقلع عن براجم (٢) بلا معاصم ، ورءوس بن غلاصم ، فمهلا مهلا ، فبي (٣) والله سهل لكم الوعر وصفا لكم الكدر ، وألقت إليكم الأمور أثناء (٤) أزمتها ، فنذار لكم نذار (٥) قبل حلول داهية ، خبوط (٦) باليد لبوط بالرجل ؛ فقال عبد الملك : قد أجملت يا أمير المؤمنين [أردت فذا] (٧) أم قوما؟ قال : بل فذا ، قال : اتق الله يا أمير المؤمنين! فيما ولاك ، وفي رعيته التي استرعاك ، ولا تجعل الكفر مكان (٨) الشكر ، ولا العقاب موضع الثواب ، فقد والله نخلت لك النصيحة ومحضت (٩) لك الطاعة ، وشددت أواخي ملكك بأثقل (١٠) من ركني يلملم ، وتركت عدوك سبيلا تتعاوره الأقدام (١١) فالله الله! في ذي رحمك أن تقطعه بعد أن بللته بظن ، قال الله تعالى : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) أو بغي باغ ينهش اللحم ويالغ الدم ، فقد ـ والله ـ سهلت لك الوعور ، وذللت لك الأمور ، وجمعت على طاعتك القلوب في الصدور ، فكم ليل تمام (١٢) فيك كابدته ، ومقام لك ضيق [قمته] (١٣) كنت فيه كما قال أخو بني جعفر بن كلاب [يعني لبيدا] (١٤) :

__________________

(١) في كل النسخ : «عذيري» والتصحيح من الكامل للمبرد.

(٢) في الأصل : «فمن تزاحم» وفي (ب) ، (ج) : «فمن يزاحم»

(٣) في كل النسخ : «في»

(٤) في كل النسخ : «أبناء»

(٥) في كل النسخ : «وتدار لكم تدار».

(٦) في كل النسخ : «خيوط».

(٧) ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوعة.

(٨) في الأصل : «بمكان الشكر»

(٩) في كل النسخ : «مخضت»

(١٠) في الأصل ، (ب) : «ما نقل». وفي (ج) : «ما يقل».

(١١) في كل النسخ : «بتعاور الأقدام» والتصحيح من العقد الفريد ٢ / ٢٣.

(١٢) في كل النسخ : «ليل نام».

(١٣) ما بين المعقوفتين زيادة من المراجع.

(١٤) ما بين المعقوفتين زيادة من الكامل لابن الأثير.

٣٣

ومقام ضيق فرجته

ببناني (١) ولساني وجدل

أو يقوم الفيل أو فيّاله

زل عن (٢) عن مثل مقامي وزحل

قال : فو الله لحار ـ يعني الرشيد حين سمع كلامه ، شكا وأقبل عليه بوجهه فقال : ما أظن إلا أن الأمر كما قلت يا أبا عبد الرحمن! أنت رجل محسد (٣) مكفر ، وأمير المؤمنين يعلم أنك على سريرة صالحة غير مدخولة ولا خسيسة ، ثم دعا عبد الملك بشربة ماء ، فقال الرشيد : ما شرابك يا أبا عبد الرحمن؟ قال : سحيق الطبرزد بماء الرمان ، فقال: بخ بخ ، عضوان لطيفان يذهبان الظمأ ويلذان المذاق ، فقال عبد الملك : صفتك يا أمير المؤمنين لهما ألذ من (٤) فعلهما.

كتب إلى أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الشافعي قال : قرئ على أبي الوفا حفاظ بن الحسن بن الحسين بن عبد العزيز بن أحمد قال : أنبأنا عبد الوهاب الميداني ، أنبأنا أبو سليمان بن زيد ، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن جعفر ، أنبأنا محمد بن جرير الطبري قال : ذكر أحمد [بن إبراهيم] (٥) بن إسماعيل أن (٦) عبد الملك بن صالح كان له ابن يقال له عبد الرحمن كان من رجال الناس ، وكان عبد الملك يكنى به ، وكان لابنه عبد الرحمن لسان على فأفأة (٧) فيه فنصب (٨) لأبيه (٩) عبد الملك وقمامة ، فسعيا به إلى الرشيد وقالا له إنه يطلب الخلافة ويطمع فيها ، فأخذه وحبسه عند الفضل بن الربيع ، وقال الرشيد : أما والله لو لا الإبقاء (١٠) على بني هاشم لضربت عنقك. فلم يزل محبوسا حتى توفي الرشيد ، فأطلقه محمد ، وعقد له محمد على

__________________

(١) في الأصل : (ج) : «ساتى» تصحيف.

(٢) في الأصل : «ومن» وفي (ب) ، (ج) : «وعن». والتصحيح من المراجع.

(٣) في (ب) : «محسر»

(٤) في كل النسخ : «الذين فعلهما»

(٥) ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ الطبري (١٠ / ٨٩).

(٦) في كل النسخ : «بنى إسماعيل بن عبد الملك».

(٧) في كل النسخ : «فاقاه» والتصحيح من الطبري (١٠ / ٨٩).

(٨) في (ب) ، (ج) : «فيصيب».

(٩) في (ج) : «لابنه»

(١٠) في كل النسخ : «الاتقاء» والتصحيح من الطبري

٣٤

الشام فكان مقيما بالرقة ، وجعل لمحمد عهد الله وميثاقه لئن قتل (١) وهو حي لا يعطي المأمون طاعته أبدا ، فمات قبل قتل محمد ، فدفن في [دار من] (٢) دور الإمارة. فلما خرج المأمون يريد الروم أرسل إلى ابن له : حوّل أباك من داري ، فنبشت عظامه وحوّل.

أخبرنا القاضي أبو نصر بن الشيرازي بدمشق قال : أنبأنا أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ قال : قرأت بخط أبي الحسين الرازي ، أخبرني أحمد بن عيسى ، حدثنا مساور بن شهاب قال : قال إسحاق بن سليمان : وفي سنة سبع وسبعين ومائة عزل هارون الرشيد السندي بن شاهك عن دمشق واستعمل مكانه عبد الملك بن صالح ، وفيها انقضى أمر أبي الهيدام (٣) وتوارى واستقام أمر دمشق ، ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائة وعلى كور دمشق عبد الملك بن صالح ؛ قال : فبلغ هارون الرشيد أنه يريد الخروج عليه بدمشق ، فعزله وأشخصه إلى العراق ، قال : وكتب إلى هارون الرشيد قبل أن أشخصه :

أخلّاي لي شجو وليس لكم شجو

وكل امرئ من شجو صاحبه خلو

من أي نواحي الأرض أبغي وصالكم

وأنتم أناس ما لمرضاتكم (٤) نحو

فلا حسن نأتي به تقبلونه

ولا إن أسأنا كان عندكم عفو

قال : فأوصلها إليه حسين الخادم ، فقال هارون : والله لئن كان قالها فقد أحسن وإن كان رواها فقد أحسن.

قرأت على محمد بن عبد الواحد عن أبي بكر الحنبلي قال : أنبأنا النديم عن المرزباني قال : أنبأنا هارون بن علي بن العجم ، أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر ، أنبأنا أبي قال : وحدثني رجل من الهاشميين أن عبد الملك بن صالح قدم مدينة السلام في خلافة الرشيد فرأى كثرة الناس بها فقال للسندي : يا أبا نصر! اسجن مشايخك

__________________

(١) في الأصل : «مل» تصحيف.

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ الطبري.

(٣) في كل النسخ : «الهندام» تصحيف.

(٤) في الأصل ، (ب) : «فالمرضى بكم»

٣٥

والتف (١) مركبك ، فو الله ما مررت في طريق من هذه المدينة إلا ظننت أن الناس نودي فيهم.

قرأت على المتوكلي عن (٢) الحنبلي قال : أنبأنا البندار عن عبيد الله بن محمد عن الصولي قال : ومن شعر عبد الملك بن صالح لما حبسه الرشيد ، ووجدته بخط عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات :

قل لأمير المؤمنين الذي

يشكره الصادر والوارد

يا واحد الأفلاك في فضله

ما لك مثلي في الورى واحد

إن كان لي ذنب ولا ذنب لي

حقا كما قد زعم الحاسد

فلا يضق عفوك عني وقد

فاز به المسلم والجاحد

وبه : عن الصولي قال : حدثنا محمد بن الفضل قال : أنشدنا علي بن محمد المتوكلي لعبد الملك بن صالح :

لئن ساءني حبسي لفقد أحبتي

وأني فيهم لا أمرّ ولا أحلي (٣)

لقد سرني عزي لترك لقائهم

وما أتشكى من حجابي ومن ذلي

ذكر أحمد بن طاهر أن الأمين لما خرج عبد الملك بن صالح من الحبس عقد له على الشام ، ودفع إليه قمامة وكان كاتبه فقتله في حمام ، ودفع إليه ابنه عبد الرحمن فهشم وجهه بعمود.

أنبأنا ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف قال : كتب إلى الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني أن رشأ بن نظيف أخبره قال : أنبأنا أبو الفتح إبراهيم بن علي ابن إبراهيم ، أنبأنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال : حدثني حسين بن فهم ، حدثنا محمد بن أيوب المنشي عن أبيه قال : قال إبراهيم بن المهدي سمعت عبد الملك بن صالح بعد إخراج المخلوع له من حبس الرشيد وقد ذكر ظلم الرشيد إياه وحبسه له على

__________________

(١) في (ج) : «اكنف»

(٢) في الأصل ، (ج) : «بن الحنبلي»

(٣) في الأصل : «أعلى»

٣٦

التهمة والحسد يقول : والله إن الملك لشيء ما نويته ولا تمنيته ، ولا قصدت إليه ولا ابتغيته ، ولو أردته لكان أسرع إليّ من السيل إلى الحدور ، ومن النار إلى يابس العرفج ، وإني لمأخوذ بما لم أجن ومسئول عما لا أعرف ، ولكنه حين رآني للملك قمنا (١) وللخلافة خطرا ، ورأى لي يدا تنالها إذا مدت ، وتبلغها إذا بسطت ، ونفسا تكمل بخصالها وتستحقها بخلالها وإن كنت لم أختر تلك الخصال ، ولم أترشح لها في سر ، ولا أشرت إليها في جهر ، ورآها تحن إليّ حنين الواله ، وتميل نحوي ميل الهلوك ، وحاذر أن ترغب إليّ خير مرغوب ، وتنزع إليّ خير منزوع ، عاقبني عقاب من قد سهر في طلبها وسهر في التماسها ، وتقدر لها بجهده وتهيأ لها بكل حيلته ، فإن كان حبسني على أني أصلح لها وتصلح [لي (٢)] ، وأليق بها وتليق بي ، فليس ذلك بذنب فأتوب منه ، ولا جرم فأرجع عنه ، ولا تطاولت لها فأحط نفسي ، ولا تصديتها فأحيد عنها ، فإن زعم أنه لا صرف لعقابه ولا نجاة من إغضابه إلا بأن أخرج له من الحلم والعلم ، وأتبرأ إليه من الحزم والعزم ، فكما لا يستطيع المضياع أن يكون حافظا ولم يملك العاجز أن يكون حازما ، كذلك العاقل لا يكون جاهلا ولا يكون الذكي بليدا ، وسواء عاقبني على شرفي وجمالي أو على محبة الناس إياي ، ولو أردتها لأعجلته عن التفكير وشغلته عن التدبير ، ولما كان من الخطاب إلا اليسير ، ومن بذل الجهد إلا القليل ، غير أني والله ـ والله شهيدي ـ أرى السلامة من تبعاتها غنما ، والخف من أوزارها حظا ـ والسلام على من اتبع الهدى.

قرأت على المتوكلي عن الحنبلي قال : أنبأنا البندار عن الفرضي عن الصولي قال : حدثنا الحسين بن الحسن الأزدي ، حدثنا أحمد بن خالد القثمي قال : قدم عبد الملك ابن صالح الرقة بعد خروجه من الحبس وقد ولاه الأمين الشام والجزيرة والعواصم فلقيه ولد ابنه فلم يرهم أدبا فقال : شوه لكم يا شر خلف من خير سلف! ابتز (٣) العز من أمية آباؤكم قهرا وقسرا فحصنوه وخلطوه ثم مضوا إلى رحمة الله ، وخلفوا

__________________

(١) في كل النسخ : «للملك يمنا» والتصحيح من تاريخ اليعقوبي (٢ / ٤٣٤).

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٣) في الأصل ، (ج) : «ابتنى»

٣٧

لكم أفرشة ممهدة وأهملتم وضيعتم إقبالا على الأشربة الخبيثة والملاهي الفاضحة ، لله در أخي قلب حين يقول :

إذا الحسب الرفيع تواكلته

ولاة السوء أو شك أن يضيعا

ورثنا المجد عن آباء صدق

أسأنا في ديارهم الصنيعا

وبه : عن الصولي قال : حدثنا الغلابي ، حدثنا يعقوب بن جعفر قال : قضى المهدي دين عبد الملك بن صالح وجلس له مجلسا قضى فيه حوائجه ، فلما خرج قال : ما أنا بشاعر ، وإن في قلبي لشيئا منه ، ثم قال :

يا أشرف الناس بيتا حين تنسبه

وأعرق الناس في جود وفي كرم

ما نازع البخل فيك الجود مذ خلقا

ولا ادعت «لا» نصيبا منك في نعم

ولا يسمعك فيما ناب من حدث

عن صوت ذي الحاجة للكروب من صمم

إذا رآك حليف العدم بشره

ضياء وجهك بالتشريد للعدم

أخبرنا أبو نصر بن الشيرازي بدمشق قال : أنبأنا أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي ، أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن ، أنبأنا أبو الحسن السيرافي ، أنبأنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أحمد بن عمران ، حدثنا موسى ، حدثنا خليفة قال : وفيها ـ يعني سنة ست وتسعين ومائة ـ مات عبد الملك بن صالح بن صالح بن علي بالرقة ، وذكر أبو حسان الزيادي أنه مات في جمادى الآخرة منها.

٢٢ ـ عبد الملك بن عبد الله بن أحمد بن رضوان ، أبو الحسين الكاتب :

من أهل [باب] (١) المراتب ، وهو أخو أبي نصر أحمد الذي تقدم ذكره ، [عيّن](٢) في الكتابة في ديوان الإنشاء في الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وأربعمائة ، وكان كاتبا حاذقا بليغا فاضلا ، سمع الحديث من أبي محمد الحسن ابن علي الجوهري وغيره وحدث باليسير ، روى عنه أبو المعمر الأنصاري وأبو طاهر السلفي في معجميهما.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيادة من معجم البلدان (٢ / ٢٢).

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من معجم البلدان (٢ / ٢٢).

٣٨

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الفارسي بمصر قال : أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي قال : أنبأنا أبو الحسين عبد الملك بن عبد الله بن أحمد بن رضوان بن محمد بن رضوان من رؤساء بغداد في داره بباب المراتب قال : أنبأنا أبو محمد الحسن ابن علي الجوهري وأنبأنا عبد الله بن أحمد ولاحق بن أبي الفضل قالا : أنبأنا هبة الله ابن محمد الكاتب ، أنبأنا الحسن بن علي الواعظ قالا : أنبأنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن شعبة (١) عن منصور عن هلال عن وهب بن الأجدع عن علي رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة» (٢).

قرأت في كتاب أبي علي بن البناء بخطه قال : ولد أبو الحسين عبد الملك بن رضوان في ليلة الاثنين الثاني عشر من رجب من سنة أربع وأربعين وأربعمائة.

أنبأنا ذاكر بن كامل عن أبي غالب شجاع بن فارس الذهلي قال : مات أبو الحسين عبد الملك بن عبد الله بن أحمد بن رضوان كاتب الخليفة على ديوان الرسائل في يوم السبت تاسع شوال سنة ست وخمسمائة ودفن من الغد بمقبرة باب حرب (٣).

٢٣ ـ عبد الملك بن عبد الله بن الحسين بن أيوب ، أبو منصور السيوري :

أديب شاعر ، ذكره السلفي في معجم شيوخه وقال : متأدب وله شعر جيد.

قرأت على أبي الحسن [بن] (٤) المقدسي بمصر عن أبي طاهر السلفي ونقلته من خطه قال : سمعت أبا منصور عبد الملك بن عبد الله بن الحسين بن أيوب بن السيوري ببغداد يقول : سمعت أبا المعالي أحمد بن علي بن قدامة قاضي الأنبار يقول : حضرت

__________________

(١) في كل النسخ : «وشعبة»

(٢) انظر الحديث في : صحيح ابن خزيمة (١٢٨٥). والأحاديث الصحيحة (٢٠٠) ، (٣١٤).

ومسند أحمد (١ / ١٢٩) ، (١٣٠).

(٣) في كل النسخ : «باب خرب».

(٤) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

٣٩

مجلس بعض (١) الأمراء ، فأحضرت الملاهي فامتنعت من الجلوس فألزمني الجلوس (٢) فأنشدته بديها :

قد شعب الأذهب في ميدانه

متعرما يمرح في عنانه

ولست يا مولاي من فرسانه

فنجّني منه ومن طغيانه

فضحك وأطلق سراحي.

قرأت بخط عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي قال : توفي أبو منصور عبد الملك بن عبد الله بن الحسين بن أيوب في يوم الأحد ثامن ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وخمسمائة وصليت عليه ، ودفن من يومه بالشونيزية.

٢٤ ـ عبد الملك بن عبد الله بن داود ، أبو القاسم :

من أهل المغرب ، من مدينة تسمى حمزة ، سمع ببغداد الشريف أبا نصر الزينبي وبالبصرة أبا علي [علي] (٣) بن أحمد التستري ، وبأصبهان أبا علي الحسن بن أحمد الحداد ، واستوطن بغداد (٤) إلى حين وفاته وحدث بها ، روى عنه (٥) أبو المعمر الأنصاري وأبو القاسم الدمشقي.

أخبرنا عمر بن عبد الرحمن الأنصاري بدمشق قال : أنبأنا أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ، أنبأنا عبد الملك بن داود أبو القاسم المغربي (٦) الحمزي الفقيه بقراءتي عليه ببغداد ، وأنبأنا عبد العزيز بن محمود بن الأخضر وأحمد بن البندنيجي ويوسف بن المبارك الشاهد والحسن بن محمد الهاشمي وعمر بن محمد بن أحمد المقرئ وعلي بن أبي الفرج بن أبي المعالي ومحمد بن محمد بن أبي حرب الكاتب وعبد الوهاب بن عبد الله الصولي وأبو سعد الأزجي ببغداد ، ونصر بن محمد بن علي

__________________

(١) زاد في كل النسخ «أحد».

(٢) في (ب) : «فألزمنى الحضور».

(٣) ما بين المعقوفتين زيادة من الأنساب.

(٤) في (ج) : «واستوطن ببغداد».

(٥) «روى عنه» سقط من (ج).

(٦) في كل النسخ «المعرى» تحريف

٤٠