تاريخ بغداد أو مدينة السّلام

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام

المؤلف:

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٠

ذكر أبو علي أحمد بن محمد بن البرداني ونقلته من خطه أن مولد عبد الوهاب بن أبي محمد التميمي في المحرم سنة أربع وثلاثين وأربعمائة.

قرأت في كتاب أبي غالب شجاع بن فارس الذهلي بخطه قال : مات أبو الفضل عبد الوهاب بن أبي محمد رزق الله بن أبي [الفرج] (١) عبد الوهاب التميمي في يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ، ودفن من الغد في مقبرة باب حرب.

٢٠٤ ـ عبد الوهاب بن رزق الله بن النفيس بن علي بن محمد بن محمد بن الخطيب ، أبو محمد بن أبي سعد :

من أهل الأنبار ، من بيت الرواية والعدالة ، تقدم ذكر والده. قدم بغداد وشهد بها عند قاضي القضاة روح بن أحمد بن الحديثي قبل ولايته لقاضي القضاة في يوم الجمعة لثلاث خلون من جمادى الأولى من سنة خمس وستين وخمسمائة ، فقبل شهادته وولاه قضاء الأنبار، فصار إليها.

وتوفي معتقلا بالديوان في ليلة الأحد الثالث والعشرين من شوال سنة خمس وخمسين وخمسمائة ، وحمل إلى الأنبار فدفن بها.

٢٠٥ ـ عبد الوهاب بن الصباح المدائني ، أبو القاسم الكاتب :

ذكره محمد بن داود بن الجراح الكاتب في كتاب «الورقة في أخبار شعراء المحدثين» من جمعه ، وقال : له أشعار جياد.

أنشدني عبد الله بن محمد بن أبي محمد البرداني قال : أنشدني أخي الفضل لعبد الوهاب بن الصباح :

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصول.

٢٠١

كانوا بعيدا فكنت آملهم

حتى إذا ما تقربوا هجروا

فالبعد منهم على رجائهم

أروح من هجرهم إذا حضروا

٢٠٦ ـ عبد الوهاب بن طالب بن أحمد بن يوسف بن عبد الله بن عنبسة بن كعب بن زيد بن تميم ، أبو القاسم التميمي المقرئ الفقيه :

من أهل باب الأزج. سافر إلى الشام وسكن دمشق ، وسمع بها الحديث ، وكان يصلي إماما في مسجد درب الريحان ، حدث بالإجازة عن الطناجيري ، سمع منه أبو محمد عبد الرحمن وأبو القاسم عبد الله ابنا أحمد بن صابر.

أخبرنا القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله بن الشيرازي بدمشق قال : أنبأنا أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي قال : أنبأنا أبو محمد بن صابر ، أنبأنا أبو القاسم عبد الوهاب بن طالب بن أحمد بن يوسف التميمي المقرئ الفقيه سنة ست وثمانين وأربعمائة بدرب الريحان ، أنبأنا أبو الفرج الحسين بن علي بن عبد الله الطناجيري إجازة ، أنبأنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين ، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، أنبأنا محمد بن يحيى بن أبي حزم القطعي والفضل بن يعقوب الجزري قالا : حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا برد بن سنان عن عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال : أكل أبو بكر بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خبزا ولحما ثم صلى ولم يتوضأ.

وأخبرنا (١) أبو نصر قال : أنبأنا أبو القاسم قال : قرأت بخط أبي عبد الله محمد بن علي بن قبيس : مات أبو القاسم عبد الوهاب بن غالب الأزجي المقرئ الحنبلي ليلة الثلاثاء ، ودفن يوم الثلاثاء الثامن عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وأربعمائة في مقبرة باب الصغير.

٢٠٧ ـ عبد الوهاب بن عبد الله بن عبد العزيز بن الواثق بالله :

حدث عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، سمع منه أبو الحسن

__________________

(١) «وأخبرنا» ساقطة من (ب).

٢٠٢

محمد بن أحمد بن طلحة وأحمد بن علي البانياسي المالكيان في صفر سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.

٢٠٨ ـ عبد الوهاب بن عبد الله بن عبد الوهاب بن أحمد بن حمزة السباك (١) ، أبو البدر بن أبي المظفر الصّفّار ، ابن أخي أزهر بن عبد الوهاب :

سمع بإفادة عمه من أبي الفتح بن البطي ، وكان يسكن بنهر القلاءين ، كتبنا عنه ولم يكن به بأس.

أخبرنا أبو البدر عبد الوهاب بن عبد الله الصّفّار بقراءتي عليه قال : أنبأنا محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا الحسين بن أيوب ، أنبأنا الحسن بن أحمد بن شاذان ، أنبأنا أحمد بن سليمان النجاد ، حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا عمار بن زربي (٢) المازني ، حدثنا بشر ابن منصور عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «التقى آدم وموسى عليهما‌السلام ، فقال له موسى : أنت آدم الذي خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وأدخلك جنته ، ثم أخرجتنا منها؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته ، وقربك نجيا ، وأنزل عليك التوراة ، فأسألك بالذي أعطاك ذلك : بكم تجده كتب عليّ قبل أن أخلق؟ قال : أجده كتب عليك في التوراة بألفي عام ؛ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فحج آدم موسى فحج آدم موسى فحج آدم موسى» (٣).

توفي أبو البدر الصفار في يوم الاثنين لثلاث خلون من ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وستمائة وقد ناهز السبعين أو بلغها.

٢٠٩ ـ عبد الوهاب بن عبد الله بن علي الكردلي ، أبو القاسم البقال :

من أهل النصرية. سمع أبا طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان فمن بعده ، وحدث باليسير ، روى عنه أبو البركات هبة الله بن المبارك بن موسى السقطي في معجم شيوخه.

__________________

(١) في (ب) : «السانى».

(٢) في الأصل : «رزى» وفي (ب) : «ررنى».

(٣) انظر الحديث في : صحيح البخاري ٦ / ١٢٠.

٢٠٣

قرأت في كتاب أبي غالب شجاع بن فارس الذهلي بخطه قال : مات عبد الوهاب ابن عبد الله الكردلي في آخر ذي الحجة لثلاث ليال بقين من سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.

٢١٠ ـ عبد الوهاب بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان :

كان والده وزيرا للمقتدر وقد تقدم ذكره (١) ، واستناب ابنه عبد الوهاب هذا في العرض على الخليفة والحضور في مكانه لما مرض في مستهل جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.

٢١١ ـ عبد الوهاب بن عبد الله بن هبة الله بن عبد الله بن الحسن القصّار ، أبو الحسن بن أبي محمد الصّوفي :

من أهل باب الأزج ، كان يسكن برباط الكاتبة برحبة الجامع. سمع أبا محمد محمد ابن أحمد بن عبد الكريم بن المادح وأبا المعالي عمر بن علي بن نصر الصّيرفيّ وغيرهما ، كتبت عنه ، وكان شيخا صالحا ، حسن الأخلاق ، محبا للرواية ، حسن الاستماع ، أضر في آخر عمره.

أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الله الصوفي بقراءتي عليه قال : أنبأنا محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم ، أنبأنا محمد بن محمد بن علي الهاشمي ، أنبأنا محمد بن عمر الوراق ، حدثنا أبو محمد بن صاعد ، حدثنا عبدة بن عبد الله الصّفّار ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا إسرائيل عن منصور قال : وحدثنا إسرائيل عن الأعمش ومنصور وحدثنا محمد بن عثمان بن كرامة وزهير بن محمد ـ واللفظ لابن كرامة ـ قالا : حدثنا محمد ابن عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن قيس عن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزاة أو في غار ـ وقال يحيى بن آدم : في غار ـ فأنزلت عليه (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) فإنا لنتلقاها من فيه إذ خرجت علينا حية فابتدرناها فسبقتنا فدخلت جحرها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وقيت شركم ووقيتم شرها» (٢).

__________________

(١) في الأصل : «وتقدم ذكر».

(٢) انظر الحديث في : صحيح البخاري ٣ / ١٧ ، ٤ / ١٥٧ ، ٦ / ٢٠٤ ، ٢٠٥. ومسند أحمد ـ

٢٠٤

توفي عبد الوهاب الصوفي في يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شهر رمضان سنة سبع عشرة وستمائة ، ودفن من الغد بباب حرب ، وكان مولده في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.

٢١٢ ـ عبد الوهاب بن عبد الباقي بن مدلل ، أبو الفرج الغزّال :

سمع الشريف أبا الفوارس طراد بن محمد بن علي الهاشمي وأبوي طاهر أحمد بن الحسن الكرجي وأحمد بن علي بن سوار المقرئ وغيرهم ، روى عنه ابن السمعاني.

كتب إليّ أبو الفتح الخطيب قال : أنبأنا أبو سعد بن السمعاني بقراءتي عليه قال : أنبأنا عبد الوهاب بن عبد الباقي الغزال بقراءتي عليه ، وأنبأنا أبو الكرم عبد السلام بن أحمد المقرئ قراءة عليه ، أنبأنا الحسين بن إبراهيم الدينوري قالا : أنبأنا طراد بن محمد ابن علي الزينبي ، أنبأنا محمد بن أحمد بن محمد بن رزقويه البزار ، أنبأنا محمد بن يحيى ابن عمر بن علي بن حرب ، حدثنا جدي علي بن حرب ، حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا كلام ابن أم مكتوم»(١).

أخبرني شهاب الحاتمي بهراة قال : حدثنا أبو سعد [ابن] (٢) السمعاني قال : عبد الوهاب بن عبد الباقي بن مدلل الغزال من أهل سوق الغزل ، شيخ بهي المنظر حسن الشيبة ، قرأت عليه وسألته عن مولده فقال : في محرم سنة تسع [و] سبعين وأربعمائة.

قرأت في كتاب «التأريخ» لأبي الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي بخطه قال : توفي شيخنا عبد الوهاب بن عبد الباقي بن مدلل الغزال ليلة الأربعاء سادس عشر رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، وصلى عليه من الغد بالمدرسة النظامية ، ودفن بمقبرة باب الدير ، سمعنا منه ، وكان شيخا خيرا مقلا وسماعه صحيح ، وكان من أهل السنّة.

__________________

ـ ١ / ٤٢٢ ، ٤٢٨. وفتح الباري ٤ / ٣٥ ، ٨ / ٦٨٥.

(١) انظر الحديث في : صحيح البخاري ١ / ١٦٠ ، ٣ / ٢٢٥ ، ٩ / ١٠٨. وصحيح مسلم ، كتاب الصيام ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٨. وفتح الباري ٢ / ٩٩ ، ١٠٤ ، ٥ / ٢٦٤.

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصول.

٢٠٥

٢١٣ ـ عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمد بن الإخوة ، أبو الحسن بن أبي القاسم الوكيل :

من ساكني درب المطبخ ، من أولاد المحدثين ، تقدم ذكر أبيه وجده. وكان يتوكل على أبواب القضاة ، ثم ترك ذلك وحج وانقطع في منزله. سمع أبا يعقوب يوسف بن عمر الحربي وأبا بكر محمد بن منصور بن إبراهيم القصري المقرئ وأبا العباس أحمد بن بنيمان المستعمل وغيرهم ، كتبت عنه ، وكان شيخا صالحا ، حسن الأخلاق.

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الوكيل ، أنبأنا أحمد بن بنيمان بن عمر ، أنبأنا ثابت ابن بندار ، أنبأنا أحمد بن علي التوزي ، أنبأنا إسماعيل بن سعيد المعدل ، حدثنا الحسين ابن القاسم أبو علي الكوكبي ، حدثنا أبو سلمة الواسطي قال : قال إسحاق الأزرق : كنا عند شريك بن عبد الله فجاءه ابن عمه أبو داود النخعي فجرى شيء من ذكر (١) علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقال أبو داود : نعم الرجل عليّ ، فقام إليه شريك فقال : ألمثل علي عليه‌السلام تقول هذا؟ قال أبو داود : يا جاهل! إن الله أثنى على نفسه فقال (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) وأثنى على عبده فقال (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ، فقال شريك : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً).

وبالإسناد قال : حدثنا أبو علي الكوكبي قال : حدثنا عسل ، أنبأنا المازني قال : قال الأصمعي : بينما أنا أطوف في طرقات البصرة وإذا أنا بكناس يكسح كنيفا وإذا هو يقول :

وإياك والسكنى بأرض مذلة

تعد مسيئا فيه إن كنت محسنا

فنفسك أكرمها وإن ضاق مسكن

عليك بها فاطلب لنفسك مسكنا

قال الأصمعي : فوقفت عليه (٢) وقلت : والله ما بقي من الهوان شيء إلا وقد أهنتها به ، فما الذي بلغت من كرامتها؟ فقال لي : كنس ألف كنيف أيسر [عليّ] (٣)

__________________

(١) في (ج) : «من ذكره».

(٢) «عليه» مكانها بياض في الأصول.

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، (ج).

٢٠٦

من القيام على باب سفلة (١) مثلك.

سألت عبد الوهاب بن الأخوة عن مولده فقال : في سنة ست وثلاثين وخمسمائة ، وتوفي ليل الخميس السابع والعشرين من رجب سنة خمس وستمائة ، وصلى عليه من الغد بالمدرسة النظامية ، ودفن بباب حرب.

٢١٤ ـ عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن محمد ، المعروف بابن الخيّام :

كتب إليّ أبو إسماعيل عبد الرحيم بن محمد بن أحمد الأصبهاني قال : أنبأنا أبو طاهر عبد الكريم بن عبد الرزاق الحسن آباذي قراءة عليه ، حدثنا مسعود بن ناصر السجزي ، أنبأنا أبو محمد عبد الوهاب بن عبد الرحمن البغدادي ـ يعرف بابن الخيّام (٢) ـ في عدة كثيرة قالوا : أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الزاهد ، أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي ، حدثني أبو سعيد الأشج ، حدثنا إبراهيم بن أعين العجلي (٣) قال : رأيت سفيان ـ يعني الثوري ـ في المنام ولحيته حمراء ، فقلت : يا أبا عبد الله! فديتك ما صنعت؟ قال : أنا مع السفرة ، قلت : من السفرة؟ قال : الكرام البررة.

٢١٥ ـ عبد الوهاب بن عبد الرحمن :

حدث عن أبي الحسن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن علي بن أحمد بن فراس العبقسي(٤) المكي ، روى عنه عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي في المائة له ، إن لم يكن الذي قبله فهو غيره.

أخبرنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل البزاز بهراة قال : أنبأنا جدي أبو نصر عبيد الله بن أبي عاصم الصوفي وأبو الفتح محمد بن إسماعيل الفامي وكرهزيار (٥) بنت أبي طاهر مضر بن إلياس التميمي قراءة عليهم قالوا : أنبأنا أبو

__________________

(١) في الأصل : «باب السفلة».

(٢) في (ج) : «بابن الخوام».

(٣) في النسخ : «الحلي».

(٤) في النسخ : «العنبسي» والتصحيح من العبر ٣ / ٨٩.

(٥) في (ب) : «كرحزمار».

٢٠٧

إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري قال : أنبأنا عبد الوهاب بن عبد الرحمن البغدادي ، أنبأنا ابن فراس بمكة ، حدثنا محمد بن إبراهيم الدبيلي ، حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، حدثنا إبراهيم بن عيينة ، حدثنا إسماعيل بن نافع المدني عن ثعلبة بن صالح عن سليمان ابن موسى عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا معاذ! اذهب فأرحل راحلتك» (١) ـ وذكر الحديث بتمامه.

٢١٦ ـ عبد الوهاب بن عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ، أبو عبد الله بن أبي محمد ، الفقيه الحنبلي (٢) :

من أهل باب الأزج. قرأ الفقه على والده حتى برع (٣) فيه ، ودرس بمدرسة والده وهو حيّ نيابة عنه في مستهل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، وقد نيف على العشرين من عمره ، ثم بعد وفاته مشتغل بالتدريس ، ولم يكن في أولاد أبيه أميز منه ، وكان فقيها فاضلا ، حسن الكلام في مسائل الخلاف ، له لسان فصيح في الوعظ ، وإيراد مليح مع عذوبة ألفاظ وحدة خاطر ، وكان ظريفا مليح النادرة ، ذا مزاح ودعابة وكياسة (٤) ، وكانت له مروءة وسخاوة ، وجعله الإمام الناصر لدين الله على المظالم ، فكان يوصل إليه حوائج الناس. أسمعه والده في صباه الحديث من أبي غالب أحمد بن الحسن بن البناء وأبي منصور عبد الرحمن بن محمد [بن] (٥) عبد الواحد القزاز وأبي الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم الصائغ وأبي الفضل محمد بن عمر الأرموي وغيرهم ، سمع منه أصحابنا ، ورأيته غير مرة ، ولم يتفق لي أن أسمع منه شيئا.

أخبرني عبد الرحمن بن عمر (٦) الواعظ قال : أنبأنا عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي قال : أنبأنا أبو غالب أحمد بن الحسن بن أحمد بن البناء ، أنبأنا أبو الحسين محمد ابن أحمد بن النّرسيّ ، أنبأنا علي بن عمر الحربي قال : قرئ على حامد بن محمد بن

__________________

(١) الحديث سبق تخريجه.

(٢) انظر : شذرات الذهب ٤ / ٣١٤. ومرآة الزمان ٨ / ٤٥٤.

(٣) في الأصل : «حتى نزع».

(٤) في (ب) ، (ج) : «وكناسة».

(٥) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٦) «بن عمر» ساقطة من (ج).

٢٠٨

شعيب البلخي ، حدثنا شريح بن يونس ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن حسين ، حدثني سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مثل الذي يتصدق ويرجع في صدقته مثل الكلب يقيء فيأكل قيئه»(١).

سألت أبا بكر عبد الرزاق بن عبد القادر الجيلي عن مولد أخيه عبد الوهاب ، فقال: في ثاني شعبان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.

قلت : وتوفي ليلة الأربعاء الخامس والعشرين من شوال سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ، وصلى عليه من الغد بمدرسة والده وحضر خلق كثير ، ودفن بمقبرة الحلبة عند عبد الدائم.

٢١٧ ـ عبد الوهاب بن عبد الكريم الطائع لله بن الفضل المطيع لله بن جعفر المقتدر بالله بن أحمد المعتضد بالله بن محمد الموفق بالله بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن محمد الهروي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، أبو الفتح بن أبي بكر (٢) :

ذكر هلال بن المحسن الكاتب ونقلته من خطه أنه توفي في ليلة الأربعاء الثامن عشر من شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وثلاثمائة ، ودفن في التربة التي بناها الطائع بالرصافة.

٢١٨ ـ عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد ، أبو القاسم بن أبي الفرج الأنصاري ، الواعظ (٣) :

من أهل دمشق ، أصله شيرازي ، كان شيخ الحنابلة بدمشق ، وله قبول بالبلد. قدم بغداد في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة رسولا من بوري بن طغتكين صاحب دمشق إلى الإمام المسترشد بالله أمير المؤمنين يستنجده على الفرنج ، وحضر ببغداد مجالس

__________________

(١) انظر الحديث في : سنن النسائي ٦ / ٢٦٦. وسنن ابن ماجة ٢٣٩١. ومسند أحمد ١ / ٣٤٩.

(٢) انظر : المنتظم ٧ / ١٣٩.

(٣) انظر : مرآة الزمان ٨ / ١٦٩. والعبر ٤ / ١٠٠. والذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٣٧.

٢٠٩

النظر وتكلم مع الفقهاء في الخلافيات ، وحدث عن والده بحديث منكر ، سمعه منه أبو بكر بن كامل.

أنبأنا يوسف بن المبارك بن كامل بن أبي غالب الخفاف عن أبيه قال : أنبأنا عبد الوهاب بن أبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي الحنبلي بقراءتي عليه في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة قال : سمعت والدي يقول : حدثنا أبو العباس أحمد بن قبيس المالكي ، أنبأنا علي بن أبي الحسن الصوفي ، حدثني أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، حدثني هنبل بن محمد السليحي ، حدثني أبو بكر رؤبة بن عياش (١) ، حدثني أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي حكيم الشامي قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خيركم من حفظ كتاب الله فعمل به وعلمه الناس ، وهو كلام الله منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، فمن قال مخلوق فهو كافر» (٢).

قرأت في كتاب الحافظ أبي القاسم عن ابن الحسن الدمشقي بخطه قال : عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد الحنبلي الواعظ مات ليلة الأحد السابع عشر من صفر سنة ست وثلاثين وخمسمائة ، ودفن يوم الأحد في مقبرة أبيه بباب الصغير وشهدت الصّلاة عليه.

٢١٩ ـ عبد الوهاب بن عبيد الله ، أبو القاسم البغدادي :

قرأت على محمد بن أحمد الأزجي عن أبي طالب محمد بن علي الشاهد قال : أنبأنا عبد المحسن بن محمد بن علي التاجر قال : أنبأنا أبو العيش محمد بن علي بن أبي العيش بطرابلس قال : أنبأنا حمزة بن عبد الله ، حدثنا أبو القاسم عبد الوهاب بن عبيد الله البغدادي ، حدثنا أبو الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون المقرئ قال : دخلت يوما من الأيام على الحسين بن خالويه بجلب بكرة ، فقال لي : كنت البارحة عند سيف الدولة وعنده ابن بنت حامد وكان من كبار المعتزلة ـ أعاذنا الله مما هم عليه ، فقال لي : يا ابن خالويه! ناظره في القرآن! فأخذ يحتج عليّ أنه مخلوق ، وأخذت أنا أحتج

__________________

(١) في (ج) : «رؤبة عن عباش».

(٢) الحديث سبق تخريجه ، راجع الفهرس

٢١٠

عليه أنه كلام الله غير مخلوق ، من القرآن ومن حديث رسول الله ولغة العرب ، إلى أن أدحضت حجته واستظهرت عليه وانصرفت إلى منزلي ، وقد ذهب من الليل نحو الثلث فنمت ، فإذا أنا بقائل يقول لي : لم لم تحتج بأول القصص؟ قال : فقلت : وأيش في أول القصص؟ قال : قال الله تبارك وتعالى : (طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِ) والتلاوة لا تكون خلقا ولا تكون إلا بالكلام ، قال أبو الطيب عبد المنعم : قلت له حدثني بهذه الرؤيا (١) : هذا وحي من الله عزوجل. وكان حمزة بن عبد الله قد لقي ابن خالويه غير أنه لم يسمع الرؤيا منه.

٢٢٠ ـ عبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب الهاشمي الكوفي :

قرأت في كتاب أبي بكر محمد بن علي بن عبد الملك بن شبانة الدينوري نزيل بغداد بخطه قال : سمعت الشريف عبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب الكوفي الهاشمي بمدينة السلام في نهر المعلى في يوم الاثنين التاسع من ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة يقول : أعجب ما رأيت ببيت الله الحرام فرسا كان لرجل علوي حسنى ، فكان في كل يوم جمعة لا ينضبط بأخيته حتى يجيء ويطوف بالبيت سبعا ويسعى بين الصفا والمروة سبعا ، فقلت له : أنت رأيته أو حدثت؟ قال : أنا رأيته في حياة الأمير أبي الفتوح.

٢٢١ ـ عبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد السّكّري البزاز ، المعروف بابن اللوح :

كان يسكن قريبا من باب النوبي. سمع أبا أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد بن الفرضي وأبا الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفّار وغيرهما ، روى عنه أبو القاسم بن السمرقندي.

أخبرنا الشريف عبد المولى بن أبي تمام الهاشمي بقراءتي عليه قال : حدثنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي إملاء ، حدثنا عبد الوهاب بن علي بن السّكّري ، أنبأنا هلال بن محمد بن جعفر الحفار ، أنبأنا الحسين بن يحيى بن عياش

__________________

(١) في (ج) : «الرواية».

٢١١

القطان ، حدثنا أبو الأشعث (١) أحمد بن المقدام ، حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أن رجلا أتى المسجد والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم الجمعة ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صليت يا فلان؟» قال : لا ، قال : «قم فاركع» (٢).

قرأت بخط أبي عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي قال : أخبرني ـ يعني عبد الوهاب بن علي السّكّري ـ أن مولده عشية عرفة من سنة إحدى وسبعين وأربعمائة ، ودفن في مقبرة باب حرب.

٢٢٢ ـ عبد الوهاب بن علي بن علي بن عبيد الله ، أبو أحمد بن أبي منصور الأمين ، المعروف بابن سكينة (٣) :

شيخ وقته في علو الإسناد والمعرفة ، والإنفاق والزهد والعبادة ، وحسن السمت ، وموافقة السنة وسلوك طريق السلف الصالح. بكر به والده فأسمعه في صباه من الحافظ أبي الفضل بن ناصر وقرأ به من أبوي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين وزاهر بن طاهر الشحامي وأبي [عبد الله] (٤) محمد بن حمويه الجويني وأخيه عبد الصمد وأبي غالب محمد بن الحسن الماوردي ، ثم صحب أبا سعد بن السمعاني وأبا القاسم ابن عساكر الحافظ الدمشقي وسمع بهما الكثير من أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ومن والده أبي منصور علي ومن جده لأمه أبي البركات إسماعيل بن أحمد النيسابوري وأبي القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي وأبي الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام وأبي سعد أحمد بن محمد الزوزني وأبي الفتح عبد الله بن محمد بن البيضاوي وأبي محمد يحيى بن علي بن محمد بن الطّراح وأبي الحسن محمد ابن أحمد بن توبة وأبي منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون وأبي البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي وبدر بن عبد الله الشيحي (٥)

__________________

(١) في (ب) : «أبو الأشعب».

(٢) انظر الحديث في : السنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٢٢١. والمعجم الكبير للطبراني ٧ / ١٩٤.

(٣) انظر : النجوم الزاهرة ٦ / ٢٠١. وشذرات الذهب ٥ / ٢٥.

(٤) ما بين المعقوفتين زيادة من العبر ٤ / ٨٣.

(٥) في (ج) : «السنجى».

٢١٢

وأبي منصور عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز وأبي البدر إبراهيم بن محمد ابن منصور الكرخي وأبي عبد الله الحسين وأبي محمد عبد الله ابني علي بن أحمد الخياط وأبي بكر أحمد بن علي بن عبد الواحد الدّلال وأبي المعالي عبد الخالق بن عبد الصمد بن علي بن البدن الصّفّار وأبي الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم الصائغ وأبي الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي والوزير أبي القاسم علي بن طراد الزينبي وأخيه نقيب النقباء أبي الحسن محمد وأبي بكر محمد بن حمد بن خلف البندنيجي وأخيه عمر بن حمد (١) وفاطمة بنت أبي حكيم الخبري ، وجماعة غيرهم.

وقرأ بنفسه كثيرا على أبي الفضل بن ناصر ولازمه مدة طويلة ، قرأ فيها كتبا كثيرة وأجزاء كثيرة ، وعلى أحمد بن أبي غالب بن الطلاية وأبي الفرج بن أحمد بن يوسف وأبي القاسم نصر بن نصر بن علي العكبري وأبي الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد الميهني والقاضي أبي الفضل محمد بن عمر الأرموي وأبي المظفر سعيد بن سهل الفلكي وأبي الفضل محمد بن يحيى بن بذال وأبي الحسن بن أحمد بن محمويه اليزدي وأبي العباس أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي المكي وأبي المظفر هبة الله بن الشبلي وأبي السعود المبارك بن خيرون بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون ، وخلق كثير غيرهم.

وكتب بخطه كثيرا من الحديث وغيره في صباه وبعد علو سنه ، وحصل الأصول والنسخ الملاح بالخطوط الحسنة ، وسمع بالكوفة من الشريف أبي البركات عمر بن إبراهيم العلوي وأبي الحسن محمد بن محمد بن غبرة (٢) الحارثي.

وقرأ القرآن بالروايات والطرق على أبي محمد عبد الله بن علي سبط أبي منصور الخياط وعلى الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمذاني وأبي الحسن علي بن أحمد بن محمويه (٣) اليزدي وغيرهم.

وقرأ المذهب والخلاف على أبي منصور سعيد بن محمد بن الرزاز وغيره. وقرأ

__________________

(١) في النسخ : «بن أحمد» وفي الأنساب : «بن محمد».

(٢) في الأصل : «بن عنزة» وفي (ج) : «بن عيزه» وفي (ب) بلا نقط.

(٣) في النسخ : «بن محمود».

٢١٣

الأدب على أبي محمد بن الخشاب ، وصحب جده أبا البركات إسماعيل شيخ الشيوخ فانتفع بصحبته ، ولبس منه الخرقة ، وتخلق بأخلاقه وتأدب بآدابه ، وأخذ علم الحديث ومعرفته من ابن ناصر ، وكان كثيرا يحكي عنه من الفوائد الحسنة والنكت الغريبة والمعاني الدقيقة ، ومد الله له في العمر حتى حدث بجميع مروياته مرارا ، وقصده طلاب العلم من سائر الأقطار ، وكانت أوقاته محفوظة ، وكلماته معدودة ، فلا تمضي له ساعة إلا في قراءة القرآن والذكر والتهجد وقراءة الناس ، وكان يمنع الناس من التحديث في مجلسه بلغو أو غيبة إنسان أو ذكر ما لا فائدة فيه ، وإذا قرئ (١) عليه الحديث منه أن يقام له ، [و] (٢) إذا حضر غيره أيضا فلا يقام (٣) له ، وكان كثير الحج والعمرة والمجاورة بمكة ، وكان دائما على سجادته على طهارة مستقبل القبلة ، يقرأ القرآن ليلا ونهارا ، والمصحف في يده ينظر فيه ، وإذا غلبه النوم نام على سجادته ، وما استيقظ إلا جدد وضوءا ، ولا يخرج من منزله إلا لحضور صلاة (٤) الجمعة أو العيد أو جنازة أو زيارة صالح حي أو ميت أو حضور مجلس ذكر ، ولم يكن يحضر دور أبناء الدنيا ولا أرباب المناصب في هناء ولا عزاء ، وكان مديما للصيام في أكثر أوقاته مع علو سنه ، وكان يستعمل السنة في جميع أحواله : في مدخله ومخرجه وملبسه ومأكله ومشربه ، ويحب الصالحين ، ويقتفي بسيرة السلف عقدا وفعلا ، ويعظم العلماء ، ويستفيد من الكبير والصغير ويتواضع لجميع الناس وفي سائر أحواله ، وكان دائما يقول : نسأل الله [أن](٥) يميتنا مسلمين! وإذا دعا له أحد بطول البقاء قال : أسأل الله الوفاة على الإسلام ، ويبكي. وكان ظاهر الخشوع عند الذكر ، غزير الدمعة عند قراءة القرآن والحديث وأخبار الصالحين.

وكان إذا أكثر من البكاء يعتذر إلى الحاضرين ويقول : قد كبر سني ورق عظمي فلا أملك دمعتي ـ نفيا لإظهار الخشوع وخوفا من الرياء وسترا لحاله ، وكان الله

__________________

(١) في (ج) : «قرأ».

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصول.

(٣) من هنا حتى ننبه عليه ساقط من (ج).

(٤) في الأصل ، (ب) : «الصلاة».

(٥) ما بين المعقوفتين ليست في الأصول.

٢١٤

سبحانه قد ألبسه رداء جميلا من البهاء وحسن الخلقة وقبول الصورة ونور الطاعة وجلالة العبادة ، فكانت له في القلوب منزلة عظيمة ، يحبه الكبير والصغير والرجال والنساء ، وكان الرجل إذا رآه انتفع برؤيته قبل سماع كلامه ، فإذا تكلم كان البهاء والنور على ألفاظه ، وتقبلها الأسماع والقلوب ، ولا يشبع جليسه من مجالسته ، ولقد طفت شرقا وغربا ، ورأيت الأئمة والعلماء والزهاد ، فما رأيت أكمل منه ولا أكثر عبادة ولا أحسن سمتا ، صحبته قريبا من عشرين سنة ليلا ونهارا ، وتأدبت به وخدمته ، وقرأت عليه القرآن بجميع مروياته وقراءاته ، وسمعت منه أكثر مروياته ، وقرأت عليه الكتب المطولات ، واستفدت منه كثيرا ، وكان ثقة صدوقا حجة (١) نبيلا ، ركنا من أركان الدين ، وعلما من أعلام المسلمين. سمع منه الشريف أبو الحسن علي بن أحمد الزيدي (٢) والقاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي والحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي وخلق من الأئمة الكبار ورووا عنه وهو حجة.

أخبرنا شيخنا السعيد أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي بن عبيد الله (٣) قراءة عليه وأنا أسمع قال : أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين بقراءة شيخنا أبي الفضل بن ناصر عليه وأنا أسمع في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وخمسمائة ، أنبأنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز قراءة عليه في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، حدثنا أبو بكر أحمد بن عبيد الله النّرسيّ ، أنبأنا روح بن عبادة ، حدثنا عثمان بن غياث ، حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «يمر الناس على جسر جهنم ، وعليه حسك وكلاليب وخطاطيف تخطف الناس يمينا وشمالا وبجنبتيه ملائكة يقولون : اللهم سلم سلم ، فمن الناس من يمر مثل البرق ، ومنهم من يمر مثل الريح ، ومنهم من يمر مثل الفرس المجري ، ومنهم من يسعى سعيا ، ومنهم من يحبو حبوا ، ومنهم من يزحف زحفا ؛ فأما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون ولا يحيون ،

__________________

(١) إلى هنا ينتهى السقط من (ج).

(٢) في (ب) : «الزندى».

(٣) في النسخ : «بن عبد الله».

٢١٥

وأما أناس فيؤخذون بذنوب وخطايا ؛ قال : فيحترقون فيكونون فحما ثم يؤذن في الشفاعة فيؤخذون ضبارات ضبارات فيقذفون على نهر من أنهار الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل» ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما رأيتم الصبغاء شجرة تنبت في الفيافي (١) ، فيكون آخر من يخرج من النار رجل يكون على شفتها فيقول : يا رب! اصرف وجهي عنها ، فيقول الله عزوجل : عهدك وذمتك لا تسألني غيرها ؛ قال : وعلى الصراط ثلاث شجرات ، فيقول : يا رب! حولني إلى هذه الشجرة آكل من ثمرها وأكون في ظلها ، قال : فيقول : عهدك وذمتك لا تسألني غيرها ؛ قال : ثم يرى أخرى أحسن منها فيقول : يا رب! حولني إلى هذه آكل من ثمرها وأكون في ظلها ؛ ثم يرى سواد الناس ويسمع كلامهم فيقول : يا رب! أدخلني الجنة! قال أبو نضرة : فاختلف أبو سعيد ورجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فيدخل الجنة فيعطي الدنيا ومثلها معها ، وقال الآخر : يدخل الجنة فيعطي الجنة وعشر أمثالها» (٢).

أخبرنا عبد الوهاب بقراءتي عليه قال : أنبأنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي النيسابوري قدم علينا في شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة قال : أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي ، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا خلف بن هشام وعبد الواحد بن غياث ومحمد بن عبيد بن حسّاب (٣) قالوا : أنبأنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة» (٤).

أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن أبي منصور الأمين بقراءتي عليه قال : أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين قراءة عليه ، أنبأنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي ، أنبأنا السّرّاج ، حدثنا قتيبة ، حدثنا سعيد ، حدثنا بكر بن نصر عن عمرو بن الحارث قال : بلغني أن رجلا كتب إلى

__________________

(١) في كنز العمال : «الغثاء».

(٢) انظر الحديث في : مسند أحمد ٣ / ٢٦. وإتحاف السادة المتقين ١٠ / ٤٨٢.

(٣) في الأصل : «بن خشاب» وفي (ج) : «بن حسان».

(٤) انظر الحديث في : صحيح البخاري ٣ / ١٣٥. وصحيح مسلم ، كتاب المسافاة ١٢. وفتح الباري ٥ / ٣.

٢١٦

ابن عمر يسأله عن العلم فكتب إليه أن العلم كبير يا ابن أخ ، ولكن إن استطعت أن تلقي الله عزوجل خفيف الظهر من دماء المسلمين كاف اللسان عن أعراضهم خامص البطن من أموالهم لازما لجماعتهم فافعل.

أخبرنا (١) عبد الوهاب الأمين بقراءتي عليه قال : أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري قال : أنشدنا أبو القاسم علي بن عبد الرحمن بن الحسن بن عليك قدم علينا قال : أنشدنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى السلمي ، أنشدني نصر بن أبي نصر البستي لعلي بن محمد بن بسّام :

أقصرت عن طلب البطالة والصبا

لما علاني للمشيب قناع

لله أيام الشباب ولهوه

لو أن أيام الشباب تباع

فدع الصبا يا قلب واسل عن الهوى

ما فيك بعد مشيبك استمتاع

وانظر إلى الدنيا بعين مودع

فلقد دنا سفر وحان وداع

والحادثات موكلات بالفتى

والمرء بعد الحادثات سماع

وسمعت أبا محمد بن الأخضر الحافظ غير مرة يقول : لم يبق ممن طلب الحديث ، وعني به غير عبد الوهاب بن سكينة. وسمعت عبد الرزاق بن عبد القادر الجيلي يقول : رأيت عبد الوهاب بن سكينة يجيء إلى ابن ناصر ليقرأ عليه ، وكان من ظراف طلبة (٢) الحديث ، وسمعت ابن الأخضر يقول : كان شيخنا ابن ناصر يجلس في داره على سرير لطيف ، فكل من حضر عنده يجلس تحت سريره كابن شافع والباقداري وأمثالهم ، وما رأيته أجلس معه أحدا على سريره إلا عبد الوهاب بن سكينة. ورأيت بخط الشيخ أبي محمد عبد الله بن علي بن أحمد المقرئ شيخ العراق على الكتب والمفردات التي قرأها عليه شيخنا عبد الوهاب : قرأ عليّ سيدنا ضياء الدين أبو أحمد عبد الوهاب ، وكان شيخنا لما قرأ عليه قارب العشرين من عمره ـ رحمة الله عليهما.

أنبأنا القاضي الفقيه يحيى بن القاسم التكريتي مدرس المدرسة النظامية قال في ذكر

__________________

(١) في (ج) زيادة : «شهاب الحاتمي بهراة».

(٢) في (ب) : «طلب».

٢١٧

مشايخه : أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي المعروف بابن سكينة كان رجلا عالما عاملا بمذهب الشافعي ، كثير المباحثة في مسائله ، دائم التكرار لكتاب التنبيه في الفقه حافظا له ، كثير الاشتغال بكتاب المهذب والوسيط في الفقه ، لا يضيع من وقته شيئا ، وكنا إذا دخلنا عليه يقول : لا تزيدوا (١) على «سلام عليكم» مسألة ، لكثرة حرصه على المباحثة في المسائل وتقرير أحكامها.

سمعت عبد الكريم بن المفضل اليزدي بأصبهان وكان ينوب في التدريس بالمدرسة النظامية بها عن ابن الخجندي. وحج في تلك السنة شيخ الشيوخ صدر الدين عبد الرحيم من بغداد ، فلما دخلنا المدينة اجتمعنا في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاء رجل مستفتيا إلى صدر الدين بن الخجندي فكتب فيها ، ثم التفت [الرجل] (٢) إليّ [وقال] (٣) : قد سهى صدر الدين في الفتيا فكتبها على غير الصواب ، فنبهه على ذلك حتى يصلحها ، ثم ناولنيها فإذا هي كما قال ، فقمت إلى صدر الدين وذكرت ذلك له ، فقال لي : ومن هذا الرجل؟ فقلت : لا أعرفه ، فسأل عنه شيخ الشيوخ [فقال] : ابن أختي عبد الوهاب وهو فقيه محدث ، فقام إليه صدر الدين واعتذر إليه.

سألت شيخنا عبد الوهاب بن علي عن مولده فقال : في ليل الجمعة رابع شعبان سنة تسع عشرة وخمسمائة ؛ وتوفي سحرة يوم الاثنين التاسع عشر من شهر ربيع الآخر من سنة سبع وستمائة ، وصلى عليه بجامع القصر وبعدة أمكنة بالجانب الغربي ، ودفن عند جده شيخ الشيوخ مقابل جامع المنصور ، وكان يوما مشهودا.

٢٢٣ ـ عبد الوهاب بن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ، أبو الفائز (٤) :

ابن أقضى القضاة أبي الحسن. من أهل البصرة ، سمع بها أبا الحسن علي بن القاسم ابن الحسن النّجّاد ، وقدم بغداد مع والده واستوطنها ، وشهد بها عند قاضي القضاة أبي عبد الله بن ماكولا في يوم الخميس لست خلون من شعبان سنة ثلاثين وأربعمائة

__________________

(١) في (ب) : «لا ترتدوا».

(٢) ما بين المعقوفتين ليست في الأصول.

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من لأصول.

(٤) انظر : المنتظم ٨ / ١٤٣.

٢١٨

فقبل شهادته ؛ وأدركه أجله شابا قبل والده.

قرأت في كتاب أبي الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون بخطه ، وأنبأنا نصر الله بن سلامة الهيتي قال : أنبأنا محمد بن ناصر قراءة عليه عن ابن خيرون قال : سنة إحدى وأربعين وأربعمائة أبو الفائز عبد الوهاب بن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشاهد يوم الأربعاء عاشر المحرم ـ يعني مات.

قرأت في كتاب عبد الرّزّاق بن أحمد بن البقّال بخطه قال : أنشدني أبو علي الحسن ابن علي المصري المؤدب يرثي عبد الوهاب بن علي البصري الماوردي :

هل عاقل يرجو دوام بقاء

بعد الذين مضوا من القرباء

أم هل يؤمل صفو عيش بعدهم

أني لهم من بعدهم بصفاء

أين الذين مضوا من الآباء

ثم الذين مضوا من الأبناء

أوليس فيهم عبرة لأولي النهى

والاعتبار شعار أهل الرأي

كم قد أباد الدهر من متجبر

ملك الملوك وزاد في العلواء

وبنى القصور وجد في بنيانها

حتى تناهت فوق كل بناء

واغتر بالجيش الكثير عديده

من كل حادثة وكل قضاء

لم تغن عنه جيوشه وبناؤه

شيئا لدفع الصولة الصماء

فاحتل بعد العز في دار البلى

في جيرة الأموات لا الأحياء

دع ذكر تشبيب بمن حل الثرى

وحواه لحد ضيق الأرجاء

وارث المنغص بالحياة وطيبها

ما آن أن يقضي له بفناء

[من أعجلته وفاته وشبابه

ما آن أن يقضي له بفناء] (١)

أعني فنا القاضي الأجل المكنى

بالفائز المدعو في الأسماء

إني رزئت فتى المكارم والعلى

والجود والأفضال والإعطاء

وأصبت بالطود المنيع المرتقي

مأوى لمن يخشى من الأعداء

غوث العناة يغيثهم بنواله

كرما لدى البأساء والضراء

__________________

(١) البيت ساقط من الأصل.

٢١٩

لو عشت ما قد عاش نوح بعده

أرجو له مثلا من النظراء

ما أن وجدت ولا رأيت مثاله

في صورة وملاحة وبهاء

٢٢٤ ـ عبد الوهاب بن عمرو (١) بن سعيد ، أبو أيوب النزلي المحرر (٢) :

من أهل عكبرا. حدث عن شريح بن يونس وعبد الله بن عبد الرحمن وأبي همام الوليد بن شجاع وأبي بكر محمد بن محمد السقطي وأبي موسى هارون بن عبد الله الحمّال (٣) ويعقوب بن إبراهيم الدورقي وعلي بن هشام الرقي والحسين بن الأسود العجلي ، روى عنه أبو طالب عبد الله بن محمد بن شهاب وعمر بن محمد بن رجاء العكبريان وأبو منصور محمد بن سعيد بن محمد الباوردي بمصر ، وذكر أنه كتب عنه بعكبرا.

أنبأنا الأعز بن علي بن المظفر قال : أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي قراءة عليه قال : قرئ على أبي القاسم بن البسري عن أبي عبد الله بن بطة وأنا أسمع قال : حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء ، حدثنا عبد الوهاب بن عمرو ، حدثنا أبو موسى هارون بن عبد الله ، حدثنا أبو النضر ، حدثنا بكر بن حبيش عن ليث بن أبي سليم عن زيد بن أرطاة عن أبي أمامة (٤) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما تقرب العبد بشيء أفضل من شيء خرج منه وهو القرآن» (٥).

حدثنا عبد العزيز بن محمود الحافظ من لفظه قال : أنبأنا أبو القاسم سعيد بن أحمد ابن الحسن الفقيه ، وأنبأنا عمر بن أحمد بن محمد العلوي وأحمد بن محمد الخازن وعبد الحق بن محمد الشاهد قالوا : أنبأنا محمد بن أحمد التيمي ، قالا : أنبأنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي ، أنبأنا أبو سهل محمود بن عمر العكبري ، حدثنا

__________________

(١) في الأصل ، (ج) : «بن عمر».

(٢) في (ب) : «المحور».

(٣) في (ج) : «الجمال».

(٤) في (ج) : «أبى أسامة».

(٥) انظر الحديث في : سنن الترمذي ٢٩١١. ومسند أحمد ٥ / ٢٦٨. والترغيب والترهيب ٢ / ٣٥٠

٢٢٠