جهاد الامام السجّاد

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

جهاد الامام السجّاد

المؤلف:

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-5985-22-6
الصفحات: ٣٥٧

عَلَنا وعلى رؤوس الأشهاد دليلا على انتصار الحسين عليه‌السلام وغلبته ، وهذا من أعظم العِبَر لمن اعتبر!

فكذلك تبلورت نتائج مخططات الإمام السجّاد عليه‌السلام في إحياء التشيع من جديد ، والتمهيد لقيام أولاده الأئمة عليهم‌السلام بالحركات التجديدية المتتالية.

٢٤١
٢٤٢

الخاتمة

نتائج البحث

٢٤٣
٢٤٤

وبعد هذا التجوال الذي قمنا به خلال مصادر حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، وأعماله وأفكاره ، وأدعيته وأحاديثه ، تمكّنا من جمع شتات المؤشّرات الى الأبعاد السياسيّة في حياة الإمام عليه‌السلام.

وبعد فرزنا لها في فصول الكتاب علمنا :

أن الإمام زين العابدين عليه‌السلام قد قام بأعمال سياسية كبيرة في سبيل الأهداف الكبيرة التي من أجلها شرّع الدين.

وإذا لاحظنا صعوبة المهمة التي قام بها في الظروف الحرجة والخطيرة التي عايشها ، وعلى طول المدّة حتى وفاته عليه‌السلام ، عرفنا عظمة تلك الجهود التي بذلها في خصوص هذا المجال وحده.

وهو عليه‌السلام ـ وإن لم يمدّ يدا الى السلاح الحديدي ـ إلاّ أنّه التزم النضال بكل الأسلحة الأخرى التي لا تقلّ أهميّة وخطورة عن السلاح الحديدي.

فشهر سلاح اللسان بالخطب والمواعظ ، وسلاح العلم بالتثقيف والإرشاد ، وسلاح الأخلاق بالتربية والتوجيه ، وسلاح الاقتصاد بالإعانات والإنفاق ، وسلاح العدالة بالإعتناق ، وسلاح الحضارة بالعرفان.

حتى وقف سدّا منيعا في وجه أخطر عمليّة تحريف تهدف إبادة الإسلام من جذوره ، في الحكم الأموي الجاهليّ.

وبقيت الخطوط الاخرى لسياسة الإمام عليه‌السلام غير معلنة ولا واضحة ، أو غير مشروحة ، حتى عصرنا الحاضر ، فلذلك وقع كثير من كتّاب العصر في وهم فظيع ،

٢٤٥

تجاه الموقف السياسي للإمام عليه‌السلام حتى نسبت إليه تهمة الانعزال عن السياسة ، بل ممالأة الظالمين ، مما لا يقبله أيّ شريف فضلا عمّن يعتقد في زين العابدين عليه‌السلام أنه إمام منصوب من قبل الله تعالى ، ليلي أمور المؤمنين!

إن الإمام عليه‌السلام كان مسؤولا ـ ومن خلال منصبه الإلهي ـ عن كل ما يجري في العالم الإسلامي ، وقد أنجز الإمام عليه‌السلام بتدابير دقيقة ما يلزم من دور قيادي ، وبكل سريّة وذكاء ، فشنّ على الطغاة الحاكمين ، وأمثالهم من الطامعين ، حربا شعواء ، لكنها باردة صامتة بيضاء في البداية ، أصبحت معلنة صبغتها دماء طاهرة من شيعته في النهاية.

ولم ينقض القرن الأوّل ، إلاّ أخذت آثار سياسية الإمام زين العابدين عليه‌السلام تبدو على الساحة ، بشكل أشعة تنتشر من أفق مظلم مائة عام من الانحراف والظلم والتعديّ على الإسلام بمصادره :

القرآن الذي منع تفسيره وتأويله من المصادر الموثوقة.

والحديث الذي منع تدوينه ونشره ، وأحرق كثير منه.

ورجاله الذين نفوا ، وأخرجوا من ديارهم ، أو قتّلوا تقتيلا.

ومكارمه وأخلاقه وفقهه وتراثه الذي طالته أيدي التزوير والدسّ والتحريف فشوّهت سمعته ، وسوّد وجه تاريخه.

لكن الإمام السجاد بمواقفه العظيمة ضمن خطط حكيمة ، تمكّن من الوقوف أمام كل هذه التحدّيات الرهيبة ، تلك المواقف التي قدم لها حياته الكريمة.

ولم تنقض فترة على وفاة الإمام عليه‌السلام حتى بدأ العدّ التنازلي للحكم الجاهلي ، وبدأ الحكّام الأمويون بالتراجع عن كثير من ملتزماتهم ، وتعنّتهم ، ولم تطل دولتهم بعيدا ، إلاّ انمحت آثارها حتى من عاصمتهم دمشق الشام.

وأما أهداف الإمام السجاد عليه‌السلام فقد تولاّها بعده ابنه الإمام الباقر محمّد بن عليّ ابن الحسين عليه‌السلام ، ثم من بعده الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام ، فاستفادا من وهن الأمويين في تلك الفترة ، وتمكّنا من تثبيت دعائم الإسلام والفكر الإمامي بأفضل ما بإمكانهما.

٢٤٦

فكوّنا أكبر جامعة علمية إسلامية ، تربى فيها آلاف من العلماء المبلّغين للإسلام بعد استيعاب معارفه ، على أيدي الإمامين العظيمين.

وقد تمكّن الإمامان من رفع الغشاوة عن كثير من الحقائق المطموسة تحت أكداس من غبار التهم والتشويه والتحريف في شؤون الإسلام ، وفي ما يرتبط بحقّ أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإمامة والحكم ، خاصة.

وعندما نرى تصدّي الحكّام ـ من أمويين وعباسيين ـ للإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام ومن كان على خطّهما ، نجد أن ما قاما به يعد فتحا عظيما في المعيار السياسي ، وإنجازا في قاموس الحركات الاجتماعية ، خاصة في تلك العصور المظلمة.

لقد قام الإمام الباقر والصادق عليهما‌السلام بتهيئة الكوادر الكفوءة ، وتعميق الثقافة الإسلامية في المجتمع الإسلامي ، وتسليح الأمة بالعلم ، وتثبيت قواعد العقيدة والإيمان ، لتكوين جيش عقائدي منيع ، لصدّ التيّارات الإلحادية المبثوثة بين الأمة ، والقضاء على الطلائع الملحدة المبعوثة من قبل الحكّام مثل علماء البلاط ووعّاظ السلاطين.

وبكل ذلك تميزت الآيديولوجية الإسلامية المتكاملة ، وعلى مذهب الشيعة ، المأخوذة من ينابيع الحقّ والصدق ، أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، والمعتمدة على أصفى المصادر الحقّة : القرآن الكريم ، والسنة الصحيحة الموثوقة ، والمتّخذة من العقل الراجح منارا لتمييز الحق ، على أساس من التقوى والورع والاجتهاد ، والإيمان.

فكان هذا العمل تحدّيا معلنا ضدّ الحكومات الفاسدة التي كانت تروّج للتيارات العقائدية الملحدة ، والخارجة عن إطار العقائد الإسلامية ، وتدعو الى حياة التفسّخ ، والترف ، واللهو ، والفساد (١)

كما استفاد ابنه العظيم زيد الشهيد عليه‌السلام من الأرضية التي مهّدها الإمام زين العابدين عليه‌السلام للثورة ، فكان عمله دعما لموقف الإمامين عليهما‌السلام في تنفيذ خطط الإمام

__________________

(١) إقرأ كتاب ( الأغاني ) للوقوف على جانب منقول من هذه الحياة العابثة التي عاشها الخلفاء! ولاحظ : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للندويّ.

٢٤٧

زين العابدين عليه‌السلام واستثمار جهوده ، والاستمرار بأهدافه (١).

إن تلك التدابير ، التي اتّبعها الإمام السجاد وابناه الإمام الباقر وزيد الشهيد ، وحفيده الإمام الصادق عليهما‌السلام ، وشيعتهم المجاهدون على خطّهم ، وتلك المواقف الجريئة التي اتخذوها من الحكّام الظالمين والحكومات الفاسدة ، من أجل العقيدة ، لا ولن تصدر ممن يركن الى الدعة والراحة ، أو أذهلته المصائب والفجائع.

بل ، إن ما قاموا به يعدّ في العرف السياسي ، أهمّ من حمل السلاح في مثل تلك المرحلة بالذات.

وأما مجموع ما انتجته تلك الجهود والتدابير ، فهو أكبر مما تؤثره البسالة والبطولة في ميادين الحروب.

وهو عمل لا يقوم به إلاّ أصحاب الرسالات من العلماء بالله الذين يفوق مدادهم فضلا وأثرا من دماء الشهداء.

وإن مَنْ يعرف أوليات النضال السياسيّ ، وبديهيات التحرك الاجتماعي ، وخصوصا عند المعارضة ، ليدرك أن سيرة الإمام زين العابدين عليه‌السلام السياسيّة التي عرضناها في فصول هذا الكتاب ، هي مشاعل تنير الدرب للسائرين على طريق الجهاد الشائك ، ممن يلتقي مع الإمام عليه‌السلام في تخليد الأهداف الإلهية السامية.

وأيّ مناضل يعرض عن كلّ هذه الجهود ، ولا يعدّها « جهادا سياسيا »؟!

والغريب ، أن أصحاب دعوى النضال والحركة ، في هذا العصر ـ وفيهم من اتّهم الإمام بالانعزال السياسي ـ يتبجّحون باسم النضال والمعارضة السياسية ، لمجرد إصدار بيان ، أو إعلان رفض ، ولو من بعد أميال عن مواقع الخطر ، ومواقف المواجهة!

ثمّ هم لا يعتبرون تلك التصريحات الخطيرة ، وتلك المواجهات والمواقف الحاسمة ، التي قام بها الإمام عليه‌السلام ، نضالا سياسيا؟!

وهم ، يقيمون الدنيا ، لو وقعت خدشة في إصبع لهم ، ويعتزّون بقطرة دم

__________________

(١) إقرأ عن زيد الشهيد عليه‌السلام بحار الأنوار ( ٤٦ : ١٦٨ ـ ٢٠٩ ) وعوالم العلوم الجزء (١٨).

٢٤٨

تراق منهم!

بينما لا يحسبون لذلك الجرح الذي اُثخن به الإمام عليه‌السلام في كربلاء ، وذلك النزيف من الدم والدمع الذي أريق منه على أثر وجوده في الساحة ، قيمة وأثرا؟!

مع أن الآلام التي تحمّلها الإمام عليه‌السلام في جهاده ، ومن خلال جهوده العظيمة ، والأخطار التي اقتحمها في سبيل إنجاح مخططه ، أكثر ألما ، وأعمق أثرا ، من جرح ظاهر يلتئم ، وقرح يندمل!

لكن الإمام السجّاد زين العابدين عليه‌السلام ظهر على الساحة ببطولة وشجاعة تختصّ به كإمام للأمّة ، فتحمّل آلام الجهاد وجروحه ، وصبر على آلام الجهود المضنية التي بذلها.

وانفرد في الساحة في تلك الفترة الحالكة ، كألمع قائد إلهيّ في مواجهة أحلك الظروف وأصعبها ، وأكثر الهجمات ضراوة ، وأكثر الحكومات حقدا وبعدا عن الإسلام ، وباسم الخلافة الإسلامية.

وخرج من ساحة النضال بأعمق الخطط وأدقّها ، وبأبهر النتائج وأخلدها.

وأما نحن ـ الشيعة في الوقت الحاضر ـ :

فإنا نواجه ـ اليوم ـ حملة شرسة من أعداء المذهب ، مدعومة بحملة ضارية من أعداء الإسلام.

ويشبه وضع التشيّع في هذا العصر ـ في كثير من الجهات ـ ما كان عليه في القرن الأول ، إذ يعايش أجواء سياسية ونفسية متماثلة.

فاليأس والقنوط يعمّان الجميع ، حتى العاملين في حقل الحركات الإسلامية ، والمنضوين تحت ألوية الأحزاب والمنظمات والمجالس والمكاتب.

والارتداد ، المتمّثل بابتعاد عامة الناس عن خطّ الإمامة والولاية ، وفي ظروف غيبة الإمام عليه‌السلام ، التي معها تزداد الحيرة وتتأكّد الشبهة.

وتعدّد الاتجهات والآراء والأهواء ، التي اقتطعت أشلاء الأمّة ، وفرّقتها أيدي سبأ.

٢٤٩

والحكومات الجائرة ، بما تمتلك من أجهزة القمع ، وأساليب الفتك والهتك ، والسجن والقتل ، وبأحدث أساليب التعذيب ، خصوصا تلك الحاملة لسيوف التكفير ومشانق الاتهام بالرّدة ، وبدعوى شعارات إسلامية مزيّفة.

والاختراق الثقافّي الهدّام ، لصفوف الأمة الإسلامية وعقولها ، وبوسائل الإعلام الحديثة ، المقروءة والمسموعة والمرئية ، وباستخدام الاثير والأشعة والأقمار الصناعية!

والغزو الفكري المخلخل للوجود الدينيّ من الداخل ، بالأفكار والشبهات المضلّلة ، والحملات الكاذبة ، الطائشة ضدّ المقدّسات الإسلامية ، التي تروّجها الدول الاستعمارية الحاقدة ، ويرمّز لها الحكّام العملاء في البلدان الإسلامية.

والتصرّفات العشوائية المشبوهة التي يقوم بها الضالّون من رجال الدين ، والبلاطيّون من وعّاظ السلاطين ، والمتزلّفون الى المناصب والأموال والفخفخة والعيش الرغيد في القصور ، والمتطفّلون على الموائد وفي السهرات ، والمتّكؤون على أرائك الحكم وأسرّة الإدارة ، والراكنون الى الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي ، وحكموا الناس بالجور.

وأصحاب الدعاوى الزائفة بالاجتهاد والمرجعيّة ، مع فقدان أوليات المعارف اللازمة ، والفراغ من الالتزام الصحيح باُصول العقيدة ، والانتماء المذهبي ، وإنما بالركون الى الحزبيّة الضيّقة ، وبدعوى الانطلاق لمسايرة الجيل المتطلّع وادّعاء مصادمة الواقع بالفتاوي التي لا أساس لها في الفقه ومصادره ، وبالأفكار المخالفة لضرورات الدين والمذهب ، باسم التجديد ، والتوعية ، والتوحيد ، والتأليف! وغير ذلك من العناوين العصريّة الغارّة لأفكار الشباب! وبالأموال التي توزّع بأرقام كبيرة ، من مصادر مجهولة! أو معلومة!!

إنّ كلّ هذه الحقائق الجارية في عصرنا ، تمثّل ـ بالضبط ـ الفصول التي عاصرها الإمام زين العابدين عليه‌السلام لكن بشكلها العصري.

لكنّ الحق الناصع وهو « الإسلام » المتأصّل في قلوب المؤمنين ، يتجلّى أكثر ممّا مضى بفضل الثقافة الواسعة حول المعارف الإسلامية ، وظهور حقائق القرآن والسنّة ،

٢٥٠

وفضل أهل البيت عليهم‌السلام ، ذلك الذي لم يعد اليوم مكتوما ولا ممنوعا.

وأساليب عمل الإمام السجّاد عليه‌السلام ، وجهاده وتعاليمه السياسيّة والاجتماعية ماثلة أمام من يطلب الحقّ!

فعلى كلّ من يريد النضال والحركة في سبيل الله ، أنّ يقتدي بإمامه ، ويجعل عمله مشعلا يهتدي بنور إرشاده ، ويسير على منهجه في النضال والتحرّك السياسيّ والاجتماعيّ ، فيكون على بصيرة من أمر دينه ، ويصل الى أفضل النتائج المتوخّاة في أمر دنياه.

والله المستعان

والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على رسوله المصطفى الأمين وآله الطاهرين

٢٥١
٢٥٢

الملاحق

الملحق الأوّل : رسالة الحقوق

الملحق الثاني : من تقاريظ الكتاب نثرا ونظما

المحلق الثالث : تقرير موجز عن المبارات الكتابية عن الإمام السجّاد عليه‌السلام

٢٥٣
٢٥٤

الملحق (١)

رسالة الحقوق

عن الإمام السجّاد عليه‌السلام

برواية أبي حمزة الثُمالي

بسم الله الرحمن الرحيم

توثيق الرسالة :

اتّفقت المصادر الحديثيّة ـ كافة ـ على نسبة هذا الكتاب الى الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام.

برواية أبي حمزة الثُمالي ثابت بن دينار الشهير بابن أبي صفيّة الأزدي الكوفي ، صاحب الدعاء المشهور باسمه الذي يتلى في اسحار شهر رمضان المبارك ، وقد توفّي عام (١٥٠) ، لقي من الائمة السجّاد والباقر والصادق والكاظم عليهم‌السلام.

قال النجاشي : كان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث وروى عنه العامّة (١).

وقد نسبه إليه النجاشي باسم « رسالة الحقوق » عن علي بن الحسين عليه‌السلام ، ثم أسند روايتها اليه (٢).

لكن المنقول عن الكليني أنّه أوردها في ما جمعه باسم « رسائل الأئمة عليهم‌السلام » مما يدلّ على كون الكتاب « رسالة » بعثها الإمام عليه‌السلام الى بعض أصحابه (٣) ، وبهذا جاء

__________________

(١) رجال النجاشي ( ص ١١٥ ) رقم ٢٩٦.

لكنهم انهالوا عليه قدحا وجرحا ، وبما انا لم نجد في ماروي عنه ، وبطريقه ما يقتضي ذمّه ، فضلا عن جرحه ، نعرف أنه لا سبب لموقفهم منه إلاّ التعصب المذهبي والطائفية البغيضة ، وإلاّ فالرجل كما وصفه النجاشيّ وغيره من علماء الرجال الإمامية ، وقد حرم العامّة أنفسهم من معارف أهل البيت عليهم السلام بمثل هذه المواقف الظالمة.

(٢) المصدر ( ص ١١٦ ).

(٣) نقله في مستدرك الوسائل ( ١١ / ١٦٩ ) عن فلاح السائل ابن طاوس ، وسيأتي.

٢٥٥

التصريح في بعض أسانيد الرسالة (١).

ولعل المرسل إليه هو أبو حمزة نفسه وبذلك يوجّه اختصاص روايتها به ، وانتهاء الأسانيد كلّها إليه.

مصادر الرسالة :

تعدّدت مصادر هذه الرسالة :

فأوردها من القدماء الشيخ الصدوق في العديد من كتبه : أعظمها كتاب من لا يحضره الفقيه ، الذي هو من الاُصول الحديثية الأربعة ، وأوردها في الخصال ، والأمالي.

والشيخ الصدوق أسند رواية الكتاب الى أبي حمزة الثمالي في الخصال والأمالي ، إلاّ أنه حذف الإسناد في الفقيه ، على دأبه فيه حيث أنه يحذف الأسانيد ويحيل على المشيخة التي أعدّها لذكرها ، فلا يعدّ الحديث ـ في هذا الفرض ـ مرسلا.

وقد أورد أسانيده الى أبي حمزة الثمالي في المشيخة وقال : وطرقي إليه كثيرة ولكنني اقتصرت على طريق واحد منها (٢).

وأما الكليني :

فالمنقول عن ابن طاوس في فلاح السائل من قوله : « روّينا بإسنادنا في كتاب ( الرسائل ) عن محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده الى مولانا زين العابدين عليه‌السلام » (٣) يدلّ على كون الحديث مسندا عند الكليني.

إلاّ أن كتاب ( الرسائل ) مفقود ، وابن طاوس نقل عنه هكذا بحذف الإسناد.

ومن المحتمل قويّا أن يكون الكليني قد رواه عن شيخه علي بن أبراهيم ، الذي يروي الرسالة كما في سند النجاشي ، كما سيأتي.

وقد أورد ابن شعبة الحرّاني الحسن بن علي بن الحسين أبو محمد هذه ( الرسالة ) في كتابه العظيم ( تحف العقول عن آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وهي مرسلة شأن كلّ ما

__________________

(١) الخصال ( ص ٥٦٤ ) رقم (١).

(٢) شرح مشيخة الفقيه ( ص ٣٦ ) من المطبوع مع الفقيه ، الجزء الرابع.

(٣) لاحظ مستدرك الوسائل ( ١١ / ١٦٩ ).

٢٥٦

في الكتاب.

إلاّ أن من المطمأن به كون رواياته في الأصل مسندة ، لأمرين :

الأول : لقوله في مقدّمة الكتاب : وأسقطت الأسانيد ، تخفيفا وإيجازا ، وإن كان أكثره لي سماعا ، ولأن أكثره آداب وحكم تشهد لأنفسها (١).

فقد حذف الأسانيد تخفيفا ، وهذا أمر متداول عند المؤلّفين ، بعد عصر التدوين ، لثبوت الأسانيد في مواضعها من الأصول المنقول منها ، وإن كانت المحافظة على الأسانيد وإثباتها أحوط ، لما يتعرّض له التراث من الآفات.

وكذلك حَذَفَ الأسانيد ، لأن الحاجة اليها إنما هي ماسّة في باب الأحكام ومسائل الشريعة ، وأمّا الآداب والحكم فلا تكون الأحاديث فيها إلاّ مرشدة الى ما يقتضيه العقل والحكمة والتدبير ، والمضامين تشهد بصحة الأحاديث من دون تأثير الاسانيد في ذلك.

فأحاديث الكتاب وإن كانت على ظاهر الإرسال إلاّ أنّها مسندة واقعا.

الثاني : إنّ أحاديث الكتاب مرويّة بأسانيدها في المصادر المتقدّمة ، ولا يرتاب الناظر الى كتاب ( تحف العقول ) في كون مؤلّفه على جانب كبير من العلم والمعرفة بالحديث وشؤونه ، مما يربأ به من إثبات ما لا سند له في كتابه مع تصريحه بنسبة ما أثبته الى الأئمة عليهم‌السلام ، ومن المعلوم أن النسبة لا يمكن الجزم بها إلاّ مع ثبوت الأسانيد.

وفي خصوص رواية ( رسالة الحقوق ) فإن ما أثبته من النصّ موافق لما نقله ابن طاوس عن ( رسائل ) الكليني (٢) وقد عرفت كون روايته مسندة.

وقد سماّها ابن شعبة بـ ( رسالة الحقوق ) (٣) وهو الاسم الذي ذكره النجاشي لها ، عندما أسند إليها ، كما مرّ.

__________________

(١) تحف العقول ( ص ٣ ).

(٢) لاحظ مستدرك الوسائل ( ١١ / ١٦٩ ).

(٣) تحف العقول ( ص ٢٥٥ ).

٢٥٧

مجموعة الأسانيد :

١ ـ سند الصدوق في الخصال :

قال الصدوق : حدّثنا علي بن أحمد بن موسى رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، قال : حدّثنا خيران بن داهر ، قال : حدّثني أحمد بن علي بن سليمان الجبلي ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي ، عن محمد بن فضيل ، عن أبي حمزة الثُمالي ، قال : هذه رسالة علي بن الحسين عليه‌السلام الى بعض أصحابه (١).

٢ ـ سند الصدوق في الأمالي :

قال الصدوق : حدّثنا علي بن أحمد بن موسى ، قال حدثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسدي ، قال : حدّثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا عبدالله بن أحمد ، قال : حدّثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : (٢)

٣ ـ سند النجاشي :

قال : أخبرنا أحمد بن علي ، قال : حدّثنا الحسن بن حمزة ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام (٣)

أما سند الصدوق في ( الفقيه ) :

فقد ذكر في موضع الحديث ما نصّه : روى إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار ، عن سيّد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال (٤)

ممّا يدل على كون سنده إليه هو سند الأمالي المنتهي الى إسماعيل بن الفضل ، لكنه

__________________

(١) الخصال ( ص ٥٦٤ ) رقم (١).

(٢) الأمالي للصدوق ( ص ٣٠٢ ) وهو تمام المجلس (٥٩) في ربيع الآخر سنة (٣٦٨).

(٣) رجال النجاشي ( ص ١١٦ ) رقم (٢٩٦).

(٤) من لا يحضره الفقيه ( ٢ / ٣٧٦ ).

٢٥٨

قال في المشيخة : « وما كان فيه : عن أبي حمزة الثُمالي ، فقد رويته عن أبي رضي‌الله‌عنه ، عن سعد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثًمالي ، ثابت بن دينار الثمالي (١).

وهذا السند يختلف عن أسانيد الصدوق السابقة ، فيظهر الاختلاف بين ما أثبته في الكتاب ، وبين السند المثبت في المشيخة.

ولو كان إرجاع الصدوق في المشيخة على طريقه الى ( إسماعيل بن الفضل ) وهو الهاشمي ، فقد قال : رويته عن جعفر بن محمد بن مسرور رضي‌الله‌عنه عن الحسين بن محمد أبن عامر ، عن عمّه عبدالله بن عامر ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبدالرحمان بن محمد ، عن الفضل بن إسماعيل بن الفضل ، عن أبيه إسماعيل بن الفضل الهاشمي (٢).

وهذا السند لا يجتمع مع أسانيده السابقة في شيء ، فالأمر كما قلنا مرتبك ، إلاّ أن يتدارك بما أفاده بقوله : « وطرقي إليه كثيرة ولكنني اقتصرت على طريق واحد منها » (٣) وجعل ذلك دالا على التزامه بنظرية « التعويض » بين الأسانيد.

وقد صرّح المجلسيّ الأول المولى محمد تقي في قول الصدوق في الفقيه « روى إسماعيل بن الفضل بإسناده » بقوله : « القويّ كالصحيح » (٤).

والظاهر حكمه على سند الصدوق في الأمالي المنتهي الى إسماعيل.

وقال النوري في سند النجاشي : إنّه أعلى وأصح من طريق الصدوق في الخصال الى محمد بن الفضيل (٥).

ويظهر من المشجّرة التي رتّبناها أن سند النجاشي ليس أعلى من سند الصدوق في الأمالي ، لاستواء عدد الرواة من كلّ منهما الى أبي حمزة.

مع أن النجاشي ليس سالما من النقد ، من جهة رواية ( إبراهيم بن هاشم ) مباشرة عن ( محمد بن الفضيل ) فان المعروف مكرّرا روايته عن البزنطي ، ورواية

__________________

(١) مشيخة الفقيه ( ص ٣٦ ) طبع مع الجزء الرابع من ( من لا يحضره الفقيه ).

(٢) مشيخة الفقيه ( ص ١٠٢ ).

(٣) مشيخة الفقيه ( ص ٣٦ ).

(٤) روضة المتقين ( ٥ / ٥٠٠ ).

(٥) مستدرك الوسائل ( ١١ / ١٦٩ ).

٢٥٩

البزنطي عن ( محمد بن الفضيل ) كما ورد في سند الصدوق في المشيخة الى أبي حمزة.

ومع ذلك فإن السيّد الإمام البروجردي قال في ( طبقات رجال النجاشي ) عند ذكر محمد بن الفضيل : « عن أبي حمزة ، عنه إبراهيم بن هاشم ، كانّه من السادسة » وعلّق : وروايته عن أبي حمزة محلّ ريب (١).

ومهما يكن ، فإن تعدّد الأسانيد والطرق الى أبي حمزة ، لم يدع مجالا للبحث السندي في هذا الكتاب ، خصوصا على المنهج المختار من عدم اللجوء الى المعالجات الرجاليّة إلاّ في مواقع استقرار التعارض بعدم المرجّحات ، والمفروض هنا عدم وجود ما يعارض مضامين هذه الرواية أصلا.

مضافا الى ما عرفت من أن أمثال هذه المضامين ، الدائرة حول الآداب والحكم ليست بحاجة الى الأسانيد ، لشهادة الوجدان بما فيها.

والأهم من كل ذلك تلقّى كبار المحدّثين لها بالقبول بإيرادها في كتبهم ، المؤلّفة للعمل ، خصوصا كتاب الفقيه الذي وضعه المؤلف على أن يكون حجّة بينه وبين الله تقدّس ذكره ، وأن جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع (٢) وهذا كاف في تجويز النسبة المعتبرة في الكتب.

__________________

(١) الموسوعة الرجالية (٦) رجال أسانيد فهرست الشيخ النجاشي ( ص ٦١٣ ) السطر الأول.

(٢) من لا يحضره الفقيه ( ١ / ٣ ).

٢٦٠