تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١٤

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١٤

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٠

١
٢

باب الهاء

٣

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ذكر من اسمه هارون

٧٣٤٦ ـ هارون بن موسى ، أبو عبد الله ـ وقيل : أبو موسى ـ القاري النّحويّ الأعور :

من أهل البصرة سمع طاوسا اليماني ، وشعيب بن الحبحاب ، وثابتا البناني ، وداود ابن أبي هند ، والزّبير بن الحريث ، وبديل بن ميسرة ، ويزيد الرقاشي ، وحميدا الطويل ، وأبّان بن تغلب. روى عنه شعبة ، وأبو عبيدة الحدّاد ، ومسلم بن إبراهيم ، وأبو الوليد الطيالسي ، وهدبة بن خالد ، وشيبان بن فرّوخ. وقدم بغداد وحدث بها ، فروى عنه من أهلها شبابة بن سوار ، ويونس بن محمّد المؤدّب وبشر بن محمّد السّكّري ، وعلي بن الجعد.

أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ، حدثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب الأصم ، حدثنا العبّاس بن محمّد بن حاتم الدّوريّ ، حدثنا يونس بن محمّد المؤدّب ، حدثنا هارون ـ يعني ابن موسى الأعور ـ عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن أبي الدرداء : أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ : والذكر والأنثى [النّجم ٤٥].

__________________

٧٣٤٦ ـ انظر : تهذيب الكمال ٦٥٣٠ (٣٠ / ١١٥). وتاريخ الدّوري : ٢ / ٦١٤ ، وتاريخ الدارمي ، الترجمة ٨٥٥ ، وابن الجنيد ، الترجمة ٢٧٧ ، وعلل أحمد : ١ / ٥٥١ ، ٣٧٤ ، و ٢ / ٣٤٢ ، وتاريخ البخاري الكبير : ٨٠ / الترجمة ٢٧٩٤ ، والكنى لمسلم ، الورقة ٦١ ، وسؤالات الآجري لأبي داود : ٣ / ٣١٦ ، والمعرفة ليعقوب : ٣ / ٢٦٤ ، والجرح والتعديل : ٩ / الترجمة ٣٩٤ ، وثقات ابن حبان : ٩ / ٢٣٧ ، وكشف الأستار : (٩٩٣) ، وعلل الدارقطني : ٣ / الورقة ٢١ ، وثقات ابن شاهين ، الترجمة ١٥١٦ ، ورجال صحيح مسلم لابن منجويه ، الورقة ١٩١ ، وموضح أوهام الجمع والتفريق : ١ / ١٩٦ ، ورجال البخاري للباجي : ٣ / ١١٧٦ ، والجمع لابن القيسراني : ٢ / ٥٥٠ ، والكاشف : ٣ / الترجمة ٦٠٢٢ ، وتذهيب التهذيب : ٤ / الورقة ١١٠ ، ونهاية السئول ، الورقة ٤٠٦ ، وتهذيب التهذيب : ١١ / ١٤ والتقريب : ٢ / ٣١٣ ، وخلاصة الخزرجي : ٣ / الترجمة ٧٦٣٨.

٤

أخبرنا الحسن بن أبي بكر وعثمان بن محمّد العلاف. قالا : أخبرنا محمّد بن عبد الله بن إبراهيم الشّافعيّ ، حدثنا محمّد بن يحيى بن سليمان ، حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا هارون الأعور وعثمان بن مطر عن ثابت عن شهر عن أم سلمة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ هذا الحرف : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ).

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا محمّد بن الحسن بن مقسم المقرئ ، حدثنا أبو شبيل يعني الواقدي ـ قال : سمعت أبا العبّاس الورّاق يقول : كان هارون يهوديا ، فطلب القراءة فصار رأسا.

حدثني الحسن بن محمّد الخلّال ، حدثنا سليمان بن أيّوب المعدل قال : سمعت عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال : سمعت أبي يقول : كان هارون الأعور يهوديا ، فأسلم وحسن إسلامه ، حفظ القرآن وضبطه ، وحفظ النحو ، فناظره إنسان يوما في مسألة فغلبه هارون ، فلم يدر المغلوب ما يصنع. فقال له : أنت كنت يهوديا فأسلمت! فقال له هارون : فبئسما صنعت؟! قال : فغلبه أيضا في هذا.

أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا هارون الأعور ، وكان شديد القول في القدر.

أخبرنا محمّد بن محمّد بن إبراهيم بن غيلان البزّاز ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ ، حدثنا أبو قبيصة محمّد بن عبد الرّحمن بن عمارة بن القعقاع بن شبرمة الضّبّيّ ، حدثنا سعيد بن محمّد الجرمي ، حدثنا أبو عبيدة الحدّاد ، حدثنا هارون الأعور ، وكان صدوقا حافظا.

أخبرنا محمّد بن عمر بن بكير المقرئ ، أخبرنا عثمان بن أحمد بن سمعان الرزاز ، حدثنا هيثم بن خلف الدّوريّ ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا شبابة قال : سمعت شعبة يقول : هارون النّحويّ من أصحاب القرآن.

أخبرنا محمّد بن عبد الواحد ، أخبرنا محمّد بن العبّاس ، أخبرنا أحمد بن سعيد بن مرابا ، حدثنا عبّاس بن محمّد قال : سمعت يحيى بن معين يقول : هارون الأعور ، هو هارون بن موسى ، وكان شعبة دلّهم عليه ببغداد.

أخبرني عبد الله بن يحيى السّكّري ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ ، حدثنا جعفر بن محمّد بن الأزهر ، حدثنا ابن الغلابي قال : قال أبو زكريّا : هارون الأعور ، وهو النّحويّ هو هارون بن موسى وقد دلهم عليه شعبة ببغداد.

٥

حدثنا الصوري قال : حدثنا الخصيب بن عبد الله القاضي ، أخبرنا عبد الكريم بن أحمد بن شعيب النّسائيّ ، حدثنا أبي قال : هارون بن موسى الأعور النّحويّ ، أبو عبد الله ـ وقيل : أبو موسى.

أخبرنا أبو عبيد الله بن عمر الواعظ ، حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن أحمد ـ هو أبو سعيد الإصطخري ـ قال : قرئ على العبّاس ـ وأنا أسمع ـ قال : سمعت يحيى بن معين يقول : هارون صاحب القراءة ثقة ، روى عنه حمّاد بن زيد.

وأخبرنا عبيد الله ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، حدثنا أبو حاتم السجستاني قال : سألت الأصمعي عن هارون بن موسى النّحويّ مولى العتيك ، وهو هارون الأعور فقال : كان ثقة مأمونا.

أخبرنا العتيقي ، أخبرنا محمّد بن عدي البصريّ ـ في كتابه ـ حدثنا أبو عبيد محمّد بن علي الآجري قال : سئل أبو داود عن هارون النّحويّ فقال : ثقة ، ولو كان لي عليه سلطان لضربته (١).

٧٣٤٧ ـ هارون أمير المؤمنين ، الرّشيد بن محمّد المهدي بن عبد الله المنصور ابن محمّد بن علي بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب ، أبو جعفر:

ولد بالري ، واستخلف بعد وفاة أخيه موسى الهادي.

أخبرنا عبد العزيز بن علي الأزجي ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد المفيد ، حدثنا أبو بشر محمّد بن أحمد بن حمّاد الأنصاريّ المعروف بالدولابي قال : سمعت أبا موسى العبّاسي يقول : حدثني عبد الله بن عيسى الأمويّ ، أخبرني إبراهيم بن المنذر قال : هارون الرّشيد أمه الخيزران الجرسية ، ولد بالري لثلاث بقين من ذي الحجة سنة خمسين ومائة.

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ ، أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاء ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمّد بن أبي الدنيا قال : حدثنا عبّاس ـ يعني ابن هشام ـ عن أبيه قال : استخلف الرّشيد هارون بن محمّد حيث مات أخوه موسى بن محمّد سنة سبعين ومائة. قال ابن أبي الدنيا : ولد هارون سنة تسع وأربعين ومائة.

__________________

(١) هكذا في الأصول.

٧٣٤٧ ـ انظر : المنتظم ٨ / ٣١٨ ـ ٣٢٨. والبداية والنهاية ١٠ / ٢١٣. والكامل لابن الأثير ٦ / ٦٩.وتاريخ الطّبرى ١٠ / ٤٧ ـ ٥٨. ومروج الذهب ٢ / ٢٠٧. والأعلام ٨ / ٦٢.

٦

وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ؛ وثلاثة أشهر ، وأياما. وكان هارون أبيض طويلا ، مسمنا جميلا ، قد وخطه الشيب ، ويكنى أبا جعفر ، وأمه أم ولد يقال لها الخيزران.

أخبرنا ابن رزق ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدثنا محمّد بن أحمد بن البراء قال: الرّشيد هارون بن المهدي وكنيته أبو جعفر ولد بالري ، وكان يحج سنة ، ويغزو سنة ، قال أبو الشغلي (١) :

فمن يطلب لقاءك أو يرده

فبالحرمين أو أقصى الثغور

ففي أرض العدو على طمر

وفي أرض البنية فوق طور

وما جاز الثغور سواك خلق

من المستخلفين على الأمور

أخبرنا الأزجي ، أخبرنا المفيد ، حدثنا أبو بشر محمّد بن أحمد بن حمّاد قال : أخبرني أبو موسى العبّاس عن عبد الله بن عيسى الأمويّ قال : أخبرني إبراهيم بن المنذر قال : استخلف هارون وبويع له يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة ، وهو ابن تسع عشرة سنة ، وشهرين ، وثلاث عشرة ليلة.

وقال أبو بشر : أخبرني جعفر بن علي الهاشميّ ، حدثنا أحمد بن محمّد بن أيّوب قال : بويع لأبي جعفر هارون الرّشيد بن محمّد المهدي بن أبي جعفر المنصور يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة ببغداد مدينة السلام.

أخبرني الأزهري ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة قال : الرّشيد يكنى أبا جعفر ؛ وبويع له سنة سبعين ومائة في اليوم الذي توفي فيه الهادي ، وولد المأمون في تلك الليلة ، فاجتمعت له البشارة بالخلافة والولد ، وكان يقال : ولد في هذه الليلة خليفة ، وولى خليفة ، ومات خليفة. وكان ينزل الخلد ، وحكى بعض أصحابه أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا ، إلا أن يعرض له علة ، وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم ، وكان إذا حج أحج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم ، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة ، والكسوة الظاهرة. وكان يقتفي أخلاق المنصور ويعمل بها إلا في العطايا

__________________

(١) في تاريخ الطّبري : «أبو المعالي (الكلابي)».

٧

والجوائز. فإنه كان أسنى الناس عطية ابتداء وسؤالا ، وكان لا يضيع عنده يد ولا عارفة. وكان لا يؤخر عطاء اليوم إلى عطاء غد ، وكان يحب الفقه والفقهاء ، ويميل إلى العلماء ، ويحب الشعر والشعراء ، ويعظم في صدره الأدب والأدباء ، وكان يكره المراء في الدين والجدال ، ويقول إنه لخليق أن لا ينتج خيرا ، وكان يصغى إلى المديح ويحبه ، ويجزل عليه العطاء ، ولا سيما إذا كان من شاعر فصيح مجيد.

أخبرنا علي بن الحسين ـ صاحب العبّاسي ـ أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل ، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال : سمعت علي بن عبد الله يقول : قال أبو معاوية الضّرير : حدثت هارون الرّشيد بهذا الحديث ، يعني قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ، ثم أقتل» فبكى هارون حتى انتحب ثم قال : يا أبا معاوية ترى لي أن أغزو؟ قلت : يا أمير المؤمنين مكانك في الإسلام أكبر ، ومقامك أعظم ، ولكن ترسل الجيوش. قال أبو معاوية : وما ذكرت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين يديه قط إلا قال : صلى الله على سيدي.

أخبرنا أبو بكر عبد الله بن علي بن حمويه بن أبزك الهمذانيّ ـ بها ـ أخبرنا أحمد ابن عبد الله الشّيرازيّ ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحد الخزاعيّ ، حدثنا أبو الحسين محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن عتاب البزّاز البخاريّ ، حدثنا أبو هارون سهل بن شاذويه بن الوزير البخاريّ قال : حدثني محمّد بن عيسى بن يزيد السّعديّ الطّرسوسيّ قال : سمعت خرزاذ القائد يقول : كنت عند الرّشيد ، فدخل أبو معاوية الضّرير وعنده رجل من وجوه قريش ، فجرى الحديث إلى أن خرج أبو معاوية إلى حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة : «أن موسى لقى آدم فقال : أنت آدم الذي أخرجتنا من الجنة!» (٢) وذكر الحديث.

فقال القرشيّ : أين لقى آدم موسى؟ قال : فغضب الرّشيد. وقال : النطع والسيف ، زنديق والله يطعن في حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فما زال أبو معاوية يسكنه ويقول : كانت منه بادرة ولم يفهم يا أمير المؤمنين ، حتى سكنه.

أخبرنا أبو العلاء محمّد بن علي بن يعقوب القاضي ، أخبرنا عبد الله بن محمّد المزني ـ بواسط ـ حدثنا أبو طاهر المزني عبد الله بن محمّد بن مرّة ـ بالبصرة ـ حدثنا

__________________

(٢) الحديث سبق تخريجه ، راجع الفهرس.

٨

حسن الأرزّيّ قال : سمعت علي بن المدينيّ يقول : سمعت أبا معاوية يقول : أكلت مع هارون الرّشيد ـ أمير المؤمنين ـ طعاما يوما من الأيام ، فصب على يدي رجل لا أعرفه ، فقال هارون الرّشيد : يا أبا معاوية تدري من يصب على يديك؟ قلت : لا! قال : أنا ، قلت : أنت يا أمير المؤمنين؟ قال : نعم إجلالا للعلم.

أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل ، أخبرنا إسماعيل بن سعيد ، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، أخبرني الربعي عن أبيه قال : كان الرّشيد يقول : إنا من أهل بيت عظمت رزيتهم ، وحسن بقيتهم ، رزئنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبقيت فينا خلافة الله.

أخبرني محمّد بن أبي علي الأصبهانيّ ، حدثنا محمّد بن أحمد بن إسحاق الشاهد ـ بالأهواز ـ حدثنا ابن منيع ، حدثنا يحيى بن أيّوب العابد قال : سمعت منصور بن عمار يقول : ما رأيت أغزر دمعا عند الذكر من ثلاثة : فضيل بن عياض ، وأبو عبد الرّحمن الزاهد ، وهارون الرّشيد.

أخبرنا الجوهريّ ، أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقرئ ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد العزيز ، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : لما لقى هارون الرّشيد فضيل بن عياض ، قال له الفضيل : يا حسن الوجه أنت المسئول عن هذه الأمة.

حدثنا ليث عن مجاهد (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) [لبقرة ١٦٦] قال : الوصل التي كانت بينهم في الدنيا ، قال : فجعل هارون يبكي ويشهق.

أخبرني الأزهري ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا ابن دريد ، أخبرنا عبد الرّحمن ـ يعني ابن أخي الأصمعي ـ عن عمه.

قال أحمد بن إبراهيم : وقال إبراهيم بن محمّد بن عرفة : أخبرنا أحمد بن يحيى ، حدثنا أبو زيد عن الأصمعي قال : سمعت بيتين لم أحفل بهما ، قلت : هما على كل حال خير من موضعهما من الكتاب ، فإني عند الرّشيد يوما وعنده عيسى بن جعفر ، فأقبل على مسرور الكبير فقال له : يا مسرور ، كم في بيت مال السرور. قال : ليس فيه شيء. فقال عيسى : هذا بيت الحزن ، قال : فاغتم لذلك الرّشيد ، وأقبل على عيسى فقال : والله لتعطين الأصمعي سلفا على بيت مال السرور ألف دينار ، فاغتم عيسى وانكسر ، قال : فقلت في نفسي : جاء موضع البيتين ، فأنشدت الرّشيد :

إذا شئت أن تلقي أخاك معبسا

وجداه في الماضين ، كعب وحاتم

فكشّفه عما في يديه فإنما

تكشّف أخبار الرجال الدراهم

٩

قال : فتجلى عن الرّشيد وقال لمسرور : أعطه على بيت مال السرور ألفي دينار ، وما كان البيتان يساويان عندي درهمين.

أخبرنا أبو علي محمّد بن الحسين الجازري ، حدثنا المعافى بن زكريّا ، حدثنا محمّد بن الحسن بن دريد ، حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال : دخلت على هارون الرّشيد ـ ومجلسه حافل ـ فقال : يا أصمعي ما أغفلك عنا ، وأجفاك لحضرتنا! قلت : والله يا أمير المؤمنين ، ما ألاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك. قال : فأمرني بالجلوس ، فجلست وسكت عني ، فلما تفرق الناس ـ إلا أقلهم ـ نهضت للقيام ، فأشار إلى أن أجلس ، فجلست حتى خلا المجلس ، فلم يبق غيري وغيره ومن بين يديه من الغلمان ، فقال لي : يا أبا سعيد ، ما ألاقتني؟ قلت : أمسكتني يا أمير المؤمنين [وأنشدت] (٣) :

كفاك كف ما تليق درهما

جودا وأخرى تعط بالسيف الدما

فقال : أحسنت ، وهكذا فكن ووقرنا في الملأ ، وعلمنا في الخلاء ، وأمر لي بخمسة آلاف دينار.

أخبرني أحمد بن عبد الواحد الدّمشقيّ ، أخبرنا جدي أبو بكر محمّد بن أحمد ابن عثمان القسملي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن ربيعة القاضي ، حدثنا أحمد بن عبيد ، حدثنا الأصمعي قال : دخلت أنا وابن أبي حفص الشطرنجي على هارون الرّشيد ، فخرج علينا وهو كالمتغير النفس. فقال : يا أصمعي ، قلت : لبيك يا أمير المؤمنين. قال : فأيكما قال بيتا وأصاب به المعنى الذي في نفسي فله عشرة آلاف درهم ، قال ابن أبي حفص : قد حضرني بيت يا أمير المؤمنين ، قال : هاته. فأنشأ يقول :

مجلس يألف السرور إليه

لمحب ريحانه ذكراك

فقال : أحسنت والله ، يا فضل أعطه عشرة آلاف درهم ، ثم قال ابن أبي حفص : قد حضرني بيت ثان يا أمير المؤمنين ، قال : هاته ، فأنشأ يقول :

كلما دارت الزجاجة زادت

ه حنينا ، ولوعة فبكاك

قال : أحسنت والله ، يا فضل أعطه عشرة آلاف درهم ، قال الأصمعي : فنزل بي في ذلك اليوم ما لم ينزل قط مثله ، إن ابن أبي حفص يرجع بعشرين ألف درهم وبفخر

__________________

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

١٠

ذلك المجلس ، وأرجع صفرا منهما جميعا! ثم حضرني بيت فقلت : يا أمير المؤمنين قد حضرني ثالث ، فقال هاته ، فأنشأت أقول :

لم ينلك المنى بأن تحضريني

وتجافت أمنيتي عن سواك

فقال : أحسنت والله ، يا فضل أعطه عشرين ألف درهم ، ثم قال هارون : قد حضرني رابع ، فقلنا : إن رأى أمير المؤمنين أن ينشدنا فعل. فأنشأ يقول :

فتمنيت أن يغشيني الل

ه نعاسا لعل عيني تراك

قال : فقلنا : يا أمير المؤمنين أنت والله أشعر منا ، فجوائزنا لأمير المؤمنين ، فقال : جوائز كما لكما. وانصرفا.

أخبرنا التّنوخيّ والجوهريّ. قالا : أخبرنا محمّد بن عمران المرزباني ، حدثنا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش قال : قال محمّد بن حبيب : حدثنا أبو عكرمة عامر ابن عمران الضّبّيّ ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال : دخلت على أمير المؤمنين الرّشيد يوما ، فقال : أنشدني من شعرك ، فأنشدته :

وآمرة بالبخل قلت لها اقصري

فذلك شيء ما إليه سبيل

أرى الناس خلان الجواد ولا أرى

بخيلا له في العالمين خليل

ومن خير حالات الفتى ـ لو علمته

إذا نال خيرا أن يكون ينيل

عطائي عطاء المكثرين تكرما

ومالي ـ كما قد تعلمين ـ قليل

وإني رأيت البخل يزري بأهله

ويحقر يوما أن يقال بخيل

وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغني

ورأى أمير المؤمنين جميل؟

قال : لا ، كيف إن شاء الله ، يا فضل أعطه مائة ألف درهم ، لله در أبيات تأتينا بها ما أحسن فصولها ، وأثبت أصولها. فقلت : يا أمير المؤمنين كلامك أجود من شعري. قال : أحسنت ، يا فضل أعطه مائة ألف أخرى.

أخبرني الأزهري ، أخبرني أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة ، أخبرني أبو العبّاس المنصوري عن عمرو بن بحر قال : اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لأحد من جد وهزل. وزراؤه البرامكة ، لم ير مثلهم سخاء وسروا ، وقاضيه أبو يوسف ، وشاعره مروان بن أبي حفصة ، كان في عصره كجرير في عصره ، ونديمه عم أبيه العبّاس بن محمّد صاحب العبّاسية ، وحاجبه الفضل بن الرّبيع أتيه الناس ، وأشدها تعاظما ، ومغنيه إبراهيم الموصليّ ، واحد عصره في صناعته ، وضاربه زلزل ، وزامره

١١

برصوما ، وزوجته أم جعفر أرغب الناس في خير ، وأسرعهم إلى كل بر ، وهي أسرع الناس في معروف ، أدخلت الماء الحرم بعد امتناعه من ذلك ، إلى أشياء من المعروف.

أخبرنا القاضي أبو الطّيّب الطّبريّ ، حدثنا المعافي بن زكريّا ، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدثنا محمّد بن القاسم الضّرير قال : قال الأصمعي : دخل العبّاس ابن الأحنف على هارون الرّشيد. فقال له هارون : أنشدني أرق بيت قالته العرب ، فقال : قد أكثر الناس في بيت جميل ، حيث يقول :

ألا ليتني أعمى أصم تقودني

بثينة لا يخفى على كلامها

قال له هارون : أنت والله أرق منه حيث تقول :

طاف الهوى في عباد الله كلهم

حتى إذا مر بي من بينهم وقفا

قال العبّاس : أنت والله يا أمير المؤمنين أرق قولا مني ومنه حيث تقول :

أما يكفيك أنك تملكيني

وأن الناس كلهم عبيدي

وأنك لو قطعت يدي ورجلي

لقلت من الهوى أحسنت زيدي

فأعجب بقوله وضحك.

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا سليمان بن أحمد بن أيّوب الطّبراني ، حدثنا محمّد ابن موسى بن حمّاد البربري ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن صالح ، حدثنا عمي علي ابن صالح قال : قال هارون الرّشيد بن المهدي بن المنصور ، في ثلاث جوار له :

ملك الثلاث الغانيات عناني

وحللن من قلبي بكل مكان

مالي تطاوعني البرية كلها

وأطيعهن وهن في عصيان؟

ما ذاك إلا أن سلطان الهوى

وبه قوين أعز من سلطاني

أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا دعلج بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن علي الأبار قال : حدثنا محمّد قال : سمعت عبد الرزاق يقول : كنت جالسا مع فضيل بن عياض بمكة قال : فمر هارون ، فقال فضيل بن عياض : الناس يكرهون هذا ، وما في الأرض أعز عليّ منه ؛ لو أنه حتى يضع رأسه ، لرأيت أمورا عظاما.

أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل المحاملي ، أخبرنا أبو سهل أحمد ابن محمّد بن عبد الله بن زياد القطّان ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا عثمان بن كثير الواسطيّ قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : ما من نفس تموت أشد عليّ موتا من هارون أمير المؤمنين ، قال : وددت أنه ـ أو قال ولوددت ـ أن الله زاد في عمره من

١٢

عمري ، فكبر ذلك علينا ، فلما مات هارون وظهرت تلك الفتن ، وكان من المأمون ما حمل الناس على أن القرآن مخلوق ، قلنا الشيخ كان أعلم بما تكلم به.

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ ، أخبرنا عمر بن حفص السّدوسيّ ، حدثنا أبو عبد الله محمّد بن يزيد قال : استخلف هارون الرّشيد ابن المهدي سنة سبعين ومائة في ربيع الأول ، وتوفي سنة ثلاث وتسعين ومائة لثلاث بقين من جمادى الأولى ، فكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ، وشهرين ، وثلاثة عشر يوما ـ أو نحو هذا ـ وذكرت وفاته. ونعاه هارون بن محمّد بمدينة السلام يوم الجمعة ، لست عشرة خلت من جمادى الآخرة وأمه الخيزران.

قال أبو بكر السّدوسيّ : ومات بطوس وصلّى عليه صالح بن الرّشيد فتوفي وله ست وأربعون سنة.

أخبرنا ابن رزق ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق قال : حدثنا محمّد بن أحمد بن البراء قال : ومات الرّشيد بطوس لغرة جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة ، وكان عمره خمسا وأربعين سنة ، وخلافته ثلاثا وعشرين وشهرين ، وستة عشر يوما.

أخبرني علي بن أحمد بن عمر المقرئ ، أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس ، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال : ومات هارون بطوس ليلة السبت لأربع خلون من جمادى الآخرة من سنة ثلاث وتسعين ومائة ، ودفن بقرية يقال لها سناباذ ، وصلّى عليه ابنه صالح.

٧٣٤٨ ـ هارون بن عمر ، أبو عمرو الدّمشقيّ :

روى عنه أحمد بن علي المعروف بخسرو فقال : حدثنا هارون بن عمر أبو عمرو الدّمشقيّ ببغداد سنة اثنتين وعشرين ومائتين. حدثنا أيّوب بن سويد الرملي.

٧٣٤٩ ـ هارون بن عبد الله بن محمّد بن كثير بن معن بن عبد الرّحمن بن عوف ، أبو يحيى الزّهريّ المدينيّ :

سمع مالك بن أنس ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم ، وعبد العزيز الدراوردي ، وعبد الله بن سلمة الزّبيري. روى عنه يحيى بن بكير المصريّ ، وعبد السلام بن صالح الهرويّ ، والزّبير بن بكّار المدينيّ. وولى قضاء عسكر المهدي ببغداد في أيام المأمون ثم

__________________

٧٣٤٩ ـ انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ١١ / ١٨٤.

١٣

عزل عنه ، وولى قضاء مصر ، وكان من فقهاء أصحاب مالك ، وكان أيضا متأدبا شاعرا.

أخبرنا الأزهري ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا أحمد بن سليمان الطوسي ، حدثنا الزّبير بن بكّار قال : ومن ولد معن بن عبد الرّحمن هارون بن عبد الله بن كثير ابن معن بن عبد الرّحمن بن عوف وأمه سهلة بنت معن بن عمر بن معن بن عبد الرّحمن بن عوف. كان من الفقهاء وكان يقوم بنصرة قول أهل المدينة فيحسن ، ولاه المأمون قضاء المصيصة ثم صرفه عنها ، وولاه قضاء الرقة ثم صرفه عنها ، وولاه قضاء عسكر المهدي ببغداد ثم صرفه ، وولاه قضاء مصر حتى صرف في آخر خلافة أمير المؤمنين المعتصم.

٧٣٥٠ ـ هارون بن معروف ، أبو علي المروزيّ :

سكن بغداد وحدث بها عن عبد العزيز الدراوردي ، وحاتم بن إسماعيل ، وسفيان ابن عيينة ، ومعتمر بن سليمان ، وهشام بن بشير ، ومخلد بن يزيد الحراني ، ومروان بن شجاع الجزري ، وعبد الله بن وهب المصريّ. روى عنه أحمد بن حنبل وهو حي ، وكان أسن من أحمد بسبع سنين. وروي عنه أيضا هارون بن عبد الله الحمّال ، وأبو يحيى صاعقة ، وأحمد بن منصور الرمادي ، وأحمد بن أبي خيثمة ، وأحمد بن يوسف التغلبي ، وحنبل بن إسحاق ، ومحمّد بن عبيد بن أبي الأسد ، وإدريس بن عبد الكريم الحدّاد ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ، وموسى بن هارون ، وصالح جزرة ، وأبو القاسم البغوي.

أخبرنا عبد الرّحمن بن عبيد الله الحربيّ ، حدثنا أحمد بن سلمان النّجّاد ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا هارون ـ يعني ابن معروف ـ قال

__________________

٧٣٥٠ ـ انظر : طبقات ابن سعد ٧ / ٣٥٥. وتاريخ خليفة ٤٧٩. وعلل أحمد ١ / ٧ ، ٢٦١ ، ٢ / ١٤ ، ١٥ ، ٢٥ ـ ٢٧ ، ٣٣٠ ، ٣٣٥. والتاريخ الكبير ٨ / ترجمة ٢٨١١. والصغير ٢ / ٣٥٣. وثقات العجلي ، الورقة ٥٥. وسؤالات الآجري لأبي داود ٥ / ورقة ١٠. والمعرفة ليعقوب ٢ / ١٧ ، ٢٥٧ ، ٣ / ١١٦. والجرح والتعديل ٩ / ترجمة ٣٨٧. وثقات ابن حبان ٢٣٩. ورجال صحيح مسلم لابن منجويه ، الورقة ١٩١. ورجال البخاري للباجي ٣ / ١١٧٧. وتسمية شيوخ أبي داود للجياني ، الورقة ٧٩٦. والجمع ٢ / ٥٥٠. والمعجم المشتمل ، الترجمة ١١٠٧. وسير أعلام النبلاء ١١ / ١٢٩. والعبر ١ / ٤١٠. والكاشف ٣ / ترجمة ٦٠١٨. وتذهيب التهذيب ٤ / الورقة ٤٠٦. وتهذيب التهذيب ١١ / ١١ ـ ١٢. والتقريب ٢ / ٣١٣. وخلاصة الخزرجي ٣ / ترجمة ٧٦٣٤. وشذرات الذهب ٢ / ٧١. والمنتظم ، لابن الجوزي ١١ / ١٧٤

١٤

عبد الله : وسمعته أنا من هارون قال : أخبرنا ابن وهب ، حدثنا عبد الله بن الأسود القرشيّ أن يزيد بن حصيفة حدثه عن السّائب بن يزيد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجوم» (١).

هذا حديث غريب من حديث يزيد بن حصيفة المدني لا أعلم رواه عنه غير عبد الله بن الأسود ، ولا عن عبد الله إلا ابن وهب.

أخبرنا عبد الملك بن محمّد بن عبد الله الواعظ ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبد الله القطّان ، حدثنا إدريس بن عبد الكريم الحدّاد قال : سمعت هارون بن معروف يقول : رأيت في المنام ـ قبل أن يذهب بصري بسنة ـ كأن قائلا يقول من آثر الحديث على القرآن عذب.

أخبرنا البرقانيّ قال : قرأت على أبي العبّاس بن حمدان حدثكم أبو العبّاس السراج قال : سمعت هارون بن عبد الله يقول : سمعت هارون بن معروف يقول : من زعم أن القرآن مخلوق ، فكأنما عبد اللات والعزى ، احكها عني يا أبا موسى.

أنبأنا أحمد بن محمّد بن عبد الله الكاتب ، أخبرنا محمّد بن حميد المخرميّ ، حدثنا علي بن الحسين بن حبان قال : وجدت في كتاب أبي ـ بخط يده ـ عن يحيى ابن معين قال : هارون بن معروف ثقة.

أخبرنا حمزة بن محمّد بن طاهر ، حدثنا الوليد بن بكر الأندلسي ، حدثنا علي بن أحمد بن زكريّا الهاشميّ ، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجليّ ، حدثني أبي قال : هارون بن معروف سكن بغداد ثقة.

أخبرنا أحمد بن علي المقرئ ، أخبرنا أبو مسلم بن مهران ، أخبرنا عبد المؤمن بن خلف النّسفيّ قال : وسئل أبو علي صالح بن محمّد عن هارون بن معروف فقال : ثقة.

أخبرنا ابن الفضل ، أخبرنا جعفر الخلدي ، حدثنا محمّد بن عبد الله بن سليمان الحضرميّ قال : سنة إحدى وثلاثين ومائتين ، فيها مات هارون بن معروف البغداديّ.

أخبرنا الصيمري ، حدثنا علي بن الحسن الرّازيّ ، حدثنا محمّد الحسين بن الزّعفرانيّ ،

__________________

(١) انظر الحديث في : مسند أحمد ٣ / ٤٩٩. والسنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٤٨. والمعجم الكبير للطبراني ٧ / ١٨٣. ومجمع الزوائد ١ / ٣١٠.

١٥

حدثنا أحمد بن زهير قال : سمعت هارون بن معروف يقول : سنة سبع وعشرين ومائتين ، أنا في سبعين سنة. ومات هارون سنة إحدى وثلاثين ومائتين في منزله وكان لا يخضب.

٧٣٥١ ـ هارون أمير المؤمنين الواثق بالله بن محمّد المعتصم بالله بن هارون الرّشيد بن محمّد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمّد بن علي بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب ، ويكنى أبا جعفر:

استخلف بعد أبيه المعتصم. وكان يسكن سر من رأى.

فأخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ ، أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاء ، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال : وبويع هارون بن محمّد في اليوم الذي توفي فيه أبوه المعتصم بسر من رأى ، وهو يومئذ ابن تسع وعشرين سنة وورد رسوله إلى بغداد يوم الجمعة على إسحاق بن إبراهيم ـ فلم يظهر ـ ودعا للمعتصم على منبري بغداد وهو ميت ، فلما كان من الغد يوم السبت أمر إسحاق بن إبراهيم الهاشميّين والقواد والناس بحضور دار أمير المؤمنين ، فحضروا ، فقرأ كتابه على الناس بنعي أبيه ، وأخذ البيعة ، فبايع الناس.

أخبرنا الأزجي ، أخبرنا محمّد بن أحمد المفيد ، حدثنا أبو بشر الدولابي ، أخبرني أبو موسى العبّاسي قال : ولد هارون الواثق بالله بن المعتصم بالله بن هارون الرّشيد سنة تسعين ومائة ، وأمه أم ولد يقال لها قراطيس وولى الخلافة سنة سبع وعشرين ومائتين ، وتوفي لستة أيام بقيت من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.

أخبرنا ابن رزق ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدثنا محمّد بن أحمد بن البراء قال : الواثق بالله كنيته أبو جعفر ، ولد بطريق مكة.

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ ، أخبرنا عمر بن حفص السّدوسيّ ، حدثنا محمّد بن يزيد قال : واستخلف هارون ابن أبي إسحاق الواثق بالله في شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين ، وتوفي يوم الأربعاء في ذي الحجة لثلاث بقين منه سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. فكانت خلافته خمس سنين ، وثلاثة أشهر ، وخمسة عشر يوما ، وكانت أمه أم ولد يقال لها قراطيس ، وكنيته أبو جعفر.

__________________

٧٣٥١ ـ انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ١١ / ١٨٤. والكامل لابن الأثير ٧ / ١٠. وتاريخ الطّبرى ١١ / ٢٤. وتاريخ الخميس ٢ / ٣٣٧. ومروج الذهب ٢ / ٢٧٨. والأعلام ٨ / ٦٢ ـ ٦٣

١٦

أخبرني الأزهري ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة قال : الواثق يكنى أبا جعفر ، وهو هارون بن محمّد المعتصم ، وكانت أمه مولدة ، ومولده سنة ست وتسعين ومائة ، ولما مات المعتصم وتولى الواثق الخلافة كتب دعبل ابن علي الخزاعيّ أبياتا ثم أتى بها الحاجب فقال : أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل : مديح لدعبل ، قال : فأخذ الحاجب الطومار فأدخله إلى الواثق ، ففضه فإذا فيه :

الحمد لله ، لا صبر ولا جلد

ولا رقاد إذا أهل الهوى رقدوا

خليفة مات لم يحزن له أحد

وآخر قام لم يفرح به أحد

فمر هذا ومر الشؤم يتبعه

وقام هذا وقام الويل والنكد

فطلب فلم يوجد.

أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطيّ ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزيّ ـ إجازة ـ حدثنا محمّد بن الخضر قال : قال الأمير منصور بن طلحة يمدح الواثق بالله :

إن الذي بعث النبي محمّدا

وهب الخلافة للإمام المهتدي

غمر إذا أجدى ونار إن سطا

لا يعدلان عن الطريق الأقصد

اشرب على وجه السرور مدامة

حمراء كالعيوق أو كالفرقد

من كف أغيد قد تضرّج كفه

من لونها أو خده المتورد

حدثني الحسن بن محمّد الخلّال ، حدثنا أحمد بن محمّد بن عمران ، حدثنا الحسين بن القاسم الكاتب أبو علي ، حدثنا أبو بكر بن عجلان ، أخبرني حمدون بن إسماعيل قال : كتب محمّد بن حمّاد للواثق بيتين من شعر ، هما :

جذبت دواعي النفس عن طلب الغنى

وقلت لها : عفى عن الطلب النزر

فإن أمير المؤمنين بكفه

مدار رحى الأرزاق دائبة تجري

فوقع : جذبك نفسك عن امتهانها ، دعا إلى صونك بسعة فضلي عليك ، فخذ ما طلبت هنيئا.

حدثني الحسن بن أبي طالب ، حدثنا أحمد بن محمّد بن عروة ، أخبرنا محمّد بن يحيى قال : حدثني علي بن محمّد قال : سمعت خالي أحمد بن حمدون يقول : دخل هارون بن زياد ـ مؤدّب الواثق ـ على الواثق فأكرمه وأظهر من بره ما شهر به ، فقيل له : من هذا يا أمير المؤمنين الذي فعلت به ما فعلت؟! فقال : هذا أول من فتق لساني بذكر الله ، وأدناني من رحمة الله عزوجل.

١٧

أخبرني الأزهري ، حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد المقرئ ، حدثنا محمّد بن يحيى النديم ، حدثنا الحزنبل قال : أمر الواثق ابن أبي دؤاد أن يصلي بالناس في يوم عيد ـ وكان عليلا ـ فلما انصرف. قال له : يا أبا عبد الله كيف كان عيدكم؟ قال : كنا في نهار لا شمس فيه ، فضحك. وقال : يا أبا عبد الله أنا مؤيد بك.

قلت : وكان ابن أبي دؤاد قد استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة ، ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن ، ويقال إن الواثق رجع عن ذلك القول قبل موته.

فأخبرني عبيد الله بن أبي الفتح ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن ، حدثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة قال : حدثني حامد بن العبّاس عن رجل عن المهتدي : أن الواثق مات وقد تاب عن القول بخلق القرآن.

أخبرنا أبو منصور باي بن جعفر الجيلي ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران ، أخبرنا محمّد بن يحيى قال : حدثني عبد الله بن المعتز ، حدثنا عبد الله بن هارون النّحويّ ، عن محمّد بن عطية مؤدّب المهتدي قال : قال محمّد بن المهتدي : كنت أمشي مع الواثق في صحن داره فقال لي : يا محمّد ادع لي بدواة وقرطاس ، فدعوت له ، فقال : اكتب ، فكتبت :

تنح عن القبيح ولا ترده

ومن أوليته حسنا فزده

ستكفي من عدوك كل كيد

إذا كاد العدو ولم تكده

ثم قال اكتب :

هي المقادير تجري في أعنتها

واصبر فليس لها صبر على حال

ثم فكر طويلا ، فلم يأته شيء آخر فقال : حسبك.

أخبرني علي بن أيّوب القمي ، أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني ، أخبرني محمّد بن يحيى ، حدثني علي بن محمّد بن نصر بن بسام قال : حدثني خالي أحمد بن حمدون قال : كان بين الواثق وبين بعض جواريه شيء ، فخرج كسلان ، فلم أزل أنا والفتح ابن خاقان نحتال لنشاطه فرآني أضاحك الفتح بن خاقان ، فقال : قاتل الله ابن الأحنف حيث يقول :

عدل من الله أبكاني وأضحككم

فالحمد لله عدل كل ما صنعا

اليوم أبكي على قلبي وأندبه

قلب ألح عليه الحب فانصدعا

للحب في كل عضو لي على حدة

نوع تفرق عنه الصبر واجتمعا

١٨

فقال الفتح : أنت والله يا أمير المؤمنين في وضع التمثيل موضعه أشعر منه وأعلم وأظرف.

أخبرنا ابن أبي جعفر ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عمران ، أخبرنا محمّد بن يحيى قال : سمعت الحسين بن فهم يقول : سمعت يحيى بن أكثم يقول : ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب من خلفاء بني العبّاس. ما أحسن إليهم الواثق ، ما مات وفيهم فقير.

أخبرنا أبو حاتم أحمد بن الحسين بن محمّد الرّازيّ الواعظ ـ في كتابه إلينا بخطه ـ قال : حدثنا محمّد بن عبد الواحد بن محمّد المعدل ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن علي أبو الحسن الحافظ ، حدثنا الحسين بن عبد الله بن يحيى البرمكي ، حدثنا زرقان بن أبي داود قال : لما احتضر الواثق جعل يردد هذين البيتين :

الموت فيه جميع الخلق مشترك

لا سوقة بينهم يبقى ولا ملك

ما ضر أهل قليل في تنافرهم

وليس يغني عن الأملاك ما ملكوا

ثم أمر بالبسط فطويت وألصق خده بالأرض وجعل يقول : يا من لا يزول ملكه ، ارحم من قد زال ملكه.

أخبرنا التّنوخيّ قال : أخبرني أبي قال : حدثني الحسين بن الحسن بن أحمد بن محمّد الواثقي قال : حدثني أبي أحمد بن محمّد أمير البصرة قال : حدثني أبي قال : كنت أحد من مرض الواثق في علته التي مات فيها فكنت قائما بين يدي الواثق أنا وجماعة من الأولياء والموالي والخدم ، إذ لحقته غشية ، فما شككنا أنه قد مات. فقال بعضنا لبعض : تقدموا فاعرفوا خبره ، فما جسر أحد منهم يتقدم ، فتقدمت أنا ، فلما صرت عند رأسه وأردت أن أضع يدي على أنفه أعتبر نفسه ، لحقته إفاقة ، ففتح عينيه ، فكدت أن أموت فزعا من أن يراني قد مشيت في مجلسه إلى غير رتبتي ، فتراجعت إلى خلف ، وتعلقت قبيعة سيفي بعتبة المجلس وعثرت به ، فاتكأت عليه فاندق سيفي وكاد أن يدخل في لحمي ويجرحني ، فسلمت وخرجت ، فاستدعيت سيفا ومنطقة أخرى ، فلبستها وجئت حتى وقفت في مرتبتي ساعة ، فتلف الواثق تلفا لم يشك جماعتنا فيه ، فتقدمت فشددت لحييه ، وغمضته ، وسجيته ، ووجهته إلى القبلة ، وجاء الفراشون فأخذوا ما تحته في المجلس ليردوه إلى الخزائن ، لأن جميعه مثبت عليهم ، وترك وحده في البيت ، وقال لي ابن أبي دؤاد القاضي : إنا نريد أن نتشاغل بعقد البيعة ، ولا بد أن يكون أحدنا يحفظ الميت إلى أن يدفن ، فأحب أن تكون أنت ذلك

١٩

الرجل وقد كنت من أخصهم به في حياته ، وذلك أنه اصطنعني واختصني حتى لقبني الواثقي ، باسمه ، فحزنت عليه حزنا شديدا ، فقلت : دعوني وامضوا ، فرددت باب المجلس وجلست في الصحن عند الباب أحفظه ، وكان المجلس في بستان عظيم أجربة. وهو بين بستانين فحسست بعد ساعة في البيت بحركة أفزعتني ، فدخلت أنظر ما هي؟ فإذا بحرذون من دواب البستان قد جاء حتى استل عين الواثق فأكلها فقلت : لا إله إلّا الله ، العين التي فتحها منذ ساعة فاندق سيفي هيبة لها صارت طعمة لدابة ضعيفة!! قال : وجاءوا فغسلوه بعد ساعة ، فسألني ابن أبي دؤاد عن سبب عينه فأخبرته. قال : والجرذون دابة أكبر من اليربوع قليلا.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا عثمان بن أحمد ، حدثنا ابن البراء قال : ومات الواثق بالله بالقصر الهاروني من سر من رأى يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة. وخلافته خمس سنين ، وتسعة أشهر وخمسة أيام.

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ ، أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس ، حدثنا ابن أبي الدنيا قال : حدثني أحمد بن الواثق قال : بلغ أبي ثمانيا وثلاثين سنة. قال ابن أبي الدنيا : مات الواثق بسر من رأى يوم الأربعاء لست ليال بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وصلّى عليه جعفر أخوه ودفن هناك وكانت خلافته خمس سنين ، وشهرين ، وأحدا وعشرين يوما ، وكان أبيض يعلوه صفرة حسن اللحية في عينه نكت.

٧٣٥٢ ـ هارون بن أبي هارون ، العبديّ :

حدث عن أبي المليح الرقي ، وبقية بن الوليد الحمصي. روى عنه جعفر بن محمّد ابن شاكر الصائغ ، ومحمّد بن عبد الله بن سليمان الحضرميّ ، وموسى بن إسحاق الأنصاريّ ، وعبد الله بن محمّد بن ناجية.

وقال عبد الرّحمن بن أبي حاتم : سألت موسى بن إسحاق عنه فقال : هو صدوق.

أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني ـ بها ـ أخبرنا عمر بن محمّد بن علي النّاقد ، حدثنا عبد الله بن محمّد بن ناجية ، حدثنا هارون بن أبي هارون العبديّ ، حدثنا بقية بن الوليد عن مسلمة الجهني ، حدثني هاشم الأوقص قال : سمعت ابن

٢٠