تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١٣

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١٣

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٧

٧٢٩٠ ـ نوح بن حبيب ، أبو محمّد البنشي القومسيّ :

سمع أبا بكر بن عيّاش وعبد الله بن إدريس ، ومحمّد بن فضيل ، ووكيعا ، وحفص ابن غياث ، ويحيى بن سعيد القطّان ، وعبد الرّحمن بن مهديّ ، ومؤمل بن إسماعيل ، وعبد الرزاق بن همام. روى عنه جماعة من الغرباء. وقدم بغداد وحدث بها فروى عنه من أهلها أبو بكر بن أبي الدّنيا ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ، وموسى بن هارون ، ومحمّد بن عبدوس بن كامل ، ومحمّد بن اللّيث الجوهريّ ، وأبو برزة الحاسب ، وإبراهيم بن عبد الله بن أيّوب المخرّميّ ، وكان ثقة.

أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن علي القصري ، حدّثنا عبد الله بن إبراهيم بن جعفر الحريري ، حدّثنا محمّد بن اللّيث الجوهريّ ، حدّثنا نوح بن حبيب القومسيّ ـ سنة أربعين ومائتين ببغداد في خان السندي ـ حدّثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدّثنا عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس قال : كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ملحفة مصبوغة بالورس والزعفران ، يدور بها على نسائه ، فإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء ، وإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء ، وإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء.

أخبرنا أبو علي الحسن بن الحسين النعالي ، أخبرنا علي بن هارون بن محمّد السّمسار ، حدّثنا موسى بن هارون الحافظ ، حدّثنا نوح بن حبيب ، حدّثنا يحيى بن سعيد ، حدّثنا عبد الرّحمن بن حرملة قال : سمعت سعيد بن المسيّب يقول : سمعت سعدا يقول : لقد جمع لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبويه يوم أحد.

وقال نوح : حدّثنا يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيّب يقول : سمعت سعدا يقول : لقد جمع لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبويه يوم أحد. قال موسى بن هارون : حدّثنا نوح بهذين الحديثين معا. أحدهما يتلو الآخر من كتابه. كتبتهما ثم قرأهما علينا في منزلنا ، فأما حديث ابن حرملة فلا أعلم أحدا رواه غيره ، وأما حديث يحيى بن سعيد الأنصاريّ فإن جماعة رووه عن يحيى بن سعيد فيهم شعبة وزائدة اتفقوا في إسناده

__________________

٧٢٩٠ ـ انظر : تهذيب الكمال ٦٤٨٨ (٣٠ / ٣٩). وتاريخ البخاري الكبير ٨ / الترجمة ٥٣٨٧. والجرح والتعديل ٨ / الترجمة ٢٢١٩. وتسمية شيوخ أبي داود ، الورقة ٩٥. وأنساب السمعاني ١٠٨٩. والكاشف ٣ / الترجمة ٥٩٨٦. والعبر ١ / ٤٣٨. وتذهيب التهذيب ٤ / الورقة ١٠٦. وتاريخ الإسلام ، الورقة ٢٠٢ (أحمد الثالث ٢٩١٧ / ٧). ونهاية السئول ، الورقة ٤٠٣. وتهذيب التهذيب ١٠ / ٤٨١ ـ ٤٨٢. والتقريب ٢ / ٣٠٨. وخلاصة الخزرجي ٣ / الترجمة ٧٥٦٥.

٣٢١

ولم يختلفوا رووه كلهم عن يحيى بن سعيد عن سعيد عن سعد ، وتفرد ابن عيينة فرواه عن يحيى بن سعيد عن سعيد عن علي ، فإن كان ابن عيينة حفظه عن يحيى بن سعيد فإنه حديث غريب ، ويكون الحديث صحيحا عن يحيى بن سعيد عن سعيد عن سعد وعن يحيى بن سعيد عن علي.

أخبرنا البرقاني ، أخبرنا الحسين بن علي التّميميّ النّيسابوريّ ، حدّثنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الأسفراييني ، حدّثنا أبو بكر المروذي قال : وذكر ـ يعني أحمد بن حنبل ـ نوح بن حبيب القومسيّ. فقال : لم يكن يكاتبني ، إن الخير عليه لبين. قلت : أكتب عنه؟ قال : نعم.

أخبرنا البرقاني ، أخبرنا علي بن عمر الدّارقطنيّ ، حدّثنا الحسن بن رشيق ، حدّثنا عبد الكريم بن أحمد بن شعيب النسائي عن أبيه.

ثم أخبرني الصوري ، أخبرني الخصيب بن عبد الله القاضي قال : ناولني عبد الكريم ـ وكتب لي بخطه ـ قال : سمعت أبي يقول : نوح بن حبيب قومسي لا بأس به.

قرأت على الحسن بن أبي القاسم عن أبي سعيد أحمد بن محمّد بن رميح النسوي قال : سمعت أحمد بن محمّد بن عمرو بن بسطام يقول : سمعت أحمد بن سيّار يقول : نوح بن حبيب أبو محمّد كان ثقة صاحب سنّة وجماعة ورأيته لا يخضب. مات في رجب سنة اثنتين وأربعين ومائتين.

أخبرنا العتيقي ، أخبرنا محمّد بن المظفر قال : قال عبد الله بن محمّد البغوي : مات نوح بن حبيب القومسيّ بقومس سنة اثنتين وأربعين.

قلت : ذكر موسى بن هارون أنه مات في شعبان.

٧٢٩١ ـ نوح بن خلف بن محمّد بن الخصيب بن نوح عيسى بن يرمق بن مالك بن غوث ، أبو عيسى البجلي :

حدث عن أبي مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي. حدّثنا عنه أبو الحسن بن رزقويه ، وكان ثقة وعمى في آخر عمره.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، حدّثنا نوح بن خلف البجلي ، حدّثنا أبو مسلم الكجي ، حدّثنا حجاج ، حدّثنا حمّاد عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس أن

٣٢٢

الوليد بن عتبة قال لعلي بن أبي طالب : ألست أبسط منك لسانا ، وأحد منك سنانا ، وأملأ منك حشوا؟ فأنزل الله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [السجدة ١٨].

قرأت في كتاب أبي القاسم بن الثّلّاج ـ بخطه ـ توفي أبو عيسى نوح بن خلف بن محمّد البجلي الضّرير في ذي القعدة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة ، وذكر أن مولده في سنة خمسين ومائتين.

ذكر من اسمه نافع

٧٢٩٢ ـ نافع بن عبد المنعم ، أبو الهياج الجواليقي (١) :

روى أبو القاسم بن الثّلّاج عنه عن أحمد بن سعيد الجمّال ، وذكر أنه سمع منه بكلواذي في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة.

٧٢٩٣ ـ نافع بن أحمد بن نافع بن الحسن بن حاجب ، أبو سعيد المروروذي :

قدم بغداد حاجّا وحدث بها عن عبد الله بن محمود ، ومحمّد بن حمدويه بن سنجان المروزيّين. حدثني عنه أبو الحسن بن رزقويه.

أخبرني محمّد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا أبو سعيد نافع بن أحمد بن نافع بن الحسن بن حاجب المروروذي ـ قدم علينا للحج ـ حدّثنا محمّد بن حمدويه بن سنجان ، حدّثنا علي بن حجر ، حدّثنا سعدان بن يحيى عن زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال : كان المشركون إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها. فأنزل الله تعالى : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) [البقرة ١٨٩].

٧٢٩٤ ـ نافع بن علي بن يحيى ، أبو عبد الله السروي الفقيه :

من أهل أذربيجان قدم بغداد حاجّا وحدث بها عن علي بن محمّد بن مهرويه ، وأبي داود سليمان بن يزيد ، وعلي بن إبراهيم بن سلمة القزوينيّين ، وعن حفص بن عمر الأردبيلي. حدّثنا عنه العتيقي.

__________________

(١) ٧٢٩٢ ـ الجواليقي : هذه النسبة إلى الجواليق ، وهي جمع جوالق (الأنساب ٣ / ٣٣٥).

٧٢٩٤ ـ انظر : الأنساب ، للسمعاني ٧ / ٧٧.

٣٢٣

أخبرنا أحمد بن محمّد العتيقي ، حدّثنا أبو عبد الله نافع بن علي بن يحيى السروي الفقيه ـ من أهل أذربيجان قدم علينا حاجّا في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة ـ حدّثنا علي بن محمّد بن مهرويه القزوينيّ ، حدّثنا محمّد بن يحيى الطّوسيّ ، حدّثنا محمّد بن يوسفالفريابي ، حدّثنا الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ارحموا حاجة الغنى» قال : فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله وما حاجة الغنى؟ قال : «الرجل الموسر يحتاج صدقة ، الدرهم عليه عند الله بمنزلة سبعين ألفا» (١).

هذا غريب جدّا من حديث الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله ، ومن حديث الثوري عن الأعمش ، لا أعلم رواه غير محمّد بن يحيى الطّوسيّ عن الفريابي.

٧٢٩٥ ـ نافع بن محمّد بن الحسن بن علويه ، أبو سعيد الأبيوردي (١) :

قدم بغداد حاجّا وحدث بها عن أبي العبّاس محمّد بن يعقوب الأصمّ. حدّثنا عنه القاضي أبو العلاء الواسطيّ.

ذكر من اسمه النّعمان

٧٢٩٦ ـ النّعمان بن حميد ، أبو قدامة :

من كبار تابعي أهل الكوفة. ذكر البخاريّ أنه صلى مع عمر بن الخطّاب ، وروى عن عبد الله بن مسعود. روى عنه سماك بن حرب.

قلت : وورد المدائن فأقام بها مدة في حياة سلمان الفارسيّ.

أخبرنا العتيقي ، أخبرنا الحاكم أبو حامد أحمد بن الحسين بن علي المروذي ، حدّثنا أحمد بن الحارث بن محمّد بن عبد الكريم العبدي ، حدّثنا جدي ، حدّثنا الهيثم بن عديّ ، حدّثنا إسرائيل عن سماك عن أبي قدامة قال : كان سلمان علينا بالمدائن وهو أميرنا. فقال : إنا أمرنا أن لا نؤمكم ، تقدم يا زيد. فكان زيد بن صوحان يؤمنا ويخطبنا.

__________________

(١) انظر الحديث في : كنز العمال ١٦٤٥٢.

(١) ٧٢٩٥ ـ الأبيوردي : هذه النسبة إلى أبيورد ، وهي بلدة من بلاد خراسان (الأنساب ١ / ١٢٨).

٣٢٤

أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي قال : سمعت محمّد بن عبد الله الجوزقي يقول : قرئ على مكي بن عبدان ـ وأنا أسمع ـ سمعت مسلم بن الحجّاج يقول : أبو قدامة النّعمان بن حميد يروي عن عمر وعبد الله. روى عنه سماك.

٧٢٩٧ ـ النّعمان بن ثابت ، أبو حنيفة التّيميّ :

إمام أصحاب الرأي ، وفقيه أهل العراق رأى أنس بن مالك. وسمع عطاء بن أبي رباح ، وأبا إسحاق السبيعي ، ومحارب بن دثار ، وحمّاد بن أبي سلمان ، والهيثم بن حبيب الصّوّاف ، وقيس بن مسلم ، ومحمّد بن المنكدر ، ونافعا مولى ابن عمر ، وهشام ابن عروة ، ويزيد الفقير ، وسماك بن رحب ، وعلقمة بن مرثد ، وعطية العوفي ، وعبد العزيز بن رفيع ، وعبد الكريم أبا أميّة ، وغيرهم. روى عنه أبو يحيى الحماني ، وهشيم ابن بشير ، وعباد بن العوّام ، وعبد الله بن المبارك ، ووكيع بن الجرّاح ، ويزيد بن هارون ، وعلي بن عاصم ، ويحيى بن نصر بن حاجب ، وأبو يوسف القاضي ، ومحمّد ابن الحسن الشّيباني ، وعمرو بن محمّد العنقزي ، وهوذة بن خليفة ، وأبو عبد الرّحمن المقرئ ، وعبد الرزاق بن همام ، في آخرين.

وهو من أهل الكوفة نقله أبو جعفر المنصور إلى بغداد فأقام بها حتى مات ودفن بالجانب الشرقي منها في مقبرة الخيزران ، وقبره هناك ظاهر معروف.

__________________

٧٢٩٧ ـ انظر : تهذيب الكمال ٦٤٣٩ (٢٩ / ٤١٧ ـ ٤٤٥). وطبقات ابن سعد ٦ / ٣٦٨ ، ٧ / ٣٢٢. وتاريخ الدوري ٢ / ٦٠٧. وابن محرز ، الترجمة ٢٤٠. وابن الجنيد ، التراجم ٩٦ ، ١٩٤ ، ٤٢٤. وابن طهمان ، الترجمة ٣٩٧. وطبقات خليفة ذ ٦٧ ، ٣٢٧. وعلل أحمد ١ / ١١٠ ، ١٢٤ ، ١٢٦ ، ١٦٨ ، ٢١٩ ، ٢٣٦ ، ٣٥٨ ، ٣٨٥. وتاريخ البخاري الكبير ٨ / الترجمة ٢٢٥٣. وتاريخه الصغير ٢ / ٤٣ ، ١٠٠ ، ٢٣٠. وأحوال الرجال للجوزجاني ، الترجمة ٩٥. والكنى لمسلم ، الورقة ٣٠. وثقات العجلي ، الورقة ٣٠. وأبو زرعة الرازي ٦٦٤. وسؤالات الآجري لأبي داود ٥ / الورقات ١٣ ، ٢٨ ، ٣٩ ، ٤٥. والمعرفة ليعقوب (انظر الفهرس). وتاريخ أبي زرعة الدمشقي ، انظر الفهرس ، وضعفاء النسائي ، الترجمة ٥٨٦. وضعفاء العقيلي ، الورقة ٢١٨. والجرح والتعديل ٨ / الترجمة ٢٠٦٢. والمجروحين لابن حبان ٣ / ٦١. والكامل لابن عدي ٣ / الورقة ١٦٦. وسنن الدارقطني ١ / ٣٢٣. وسؤالات السهمي له ، الترجمة ٣٨٣. والسابق واللاحق ٣٤٩. والمحلي لابن حزم ٢ / ١٤١ ، و ٨ / ٢٧٢. والكامل في التاريخ ، انظر الفهرس. وسير أعلام النبلاء ٦ / ٣٩٠. وتاريخ الإسلام ٦ / ١٣٥. والكاشف ٣ / الترجمة ٥٩٤٣. وديوان الضعفاء ، الترجمة ٤٣٨٩. وتذكرة الحفاظ ١ / ١٦٨. والعبر ، انظر الفهرس. وميزان الاعتدال ٤ / الترجمة ٩٠٩٢. ونهاية السئول ، الورقة ٤٠٠. وتهذيب التهذيب ١٠ / ٨١٧. والتقريب ٢ / ٣٠٣. وخلاصة الخزرجي ٣ / الترجمة ٧٥٢٦. وشذرات الذهب ١ / ٢٢٧.

٣٢٥

أخبرنا حمزة بن محمّد بن طاهر ، حدّثنا الوليد بن بكر ، حدّثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشميّ ، حدّثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي ، حدثني أبي قال : أبو حنيفة النّعمان بن ثابت كوفي تيمي من رهط حمزة الزّيّات ، وكان خزازا يبيع الخز.

أنبأنا محمّد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا محمّد بن العبّاس بن أبي ذهل الهرويّ ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن يونس الحافظ ، حدّثنا عثمان بن سعيد الدّارميّ قال : سمعت محبوب بن موسى يقول : سمعت ابن أسباط (١) يقول : ولد أبو حنيفة وأبوه نصراني.

أخبرنا الحسن بن محمّد الخلّال ، أخبرنا علي بن عمرو الحريري أن أبا القاسم علي ابن محمّد بن كاس النخعي أخبرهم قال : حدّثنا محمّد بن علي بن عفّان ، حدّثنا محمّد بن إسحاق البكائي عن عمر بن حمّاد بن أبي حنيفة قال : أبو حنيفة النّعمان ابن ثابت بن زوطى ، فأما زوطى فإنه من أهل كابل ، وولد ثابت على الإسلام ، وكان زوطى مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق ، فولاؤه لبني تيم الله بن ثعلبة ، ثم لبني قفل. وكان أبو حنيفة خزازا ودكانه معروف في دار عمرو بن حريث (٢).

قال محمّد بن علي بن عفّان : وسمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول : أبو حنيفة النّعمان بن ثابت بن زوطى أصله من كابل.

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدّثنا أبو أحمد الغطريفي قال : سمعت السّاجي يقول : سمعت محمّد بن معاوية الزّيادي يقول : سمعت أبا جعفر يقول : كان أبو حنيفة اسمه عتيك بن زوطرة ، فسمى نفسه النّعمان وأباه ثابتا.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن محمّد بن سلم الختلي ، حدّثنا أحمد بن علي الأبار ، حدّثنا عبد الله بن محمّد العتكيّ البصريّ ، حدّثنا محمّد بن أيّوب الذارع قال : سمعت يزيد بن زريع يقول : كان أبو حنيفة نبطيا.

أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني ، أخبرنا المعافى بن زكريا ، حدّثنا أحمد

__________________

(١) يوسف بن أسباط الشيباني الزاهد الواعظ. وثقة يحيى بن معين. وقال أبو حاتم : لا يحتج به. وقال البخاري : كان قد دفن كتبه ، فكان لا يجيء بحديثه كما ينبغي. (ميزان الاعتدال ٤ / ترجمة ٩٨٥٦).

(٢) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٢٩ / ٤٢٢.

٣٢٦

ابن نصر بن طالب ، حدّثنا إسماعيل بن عبد الله بن ميمون قال : سمعت أبا عبد الرّحمن المقرئ يقول : كان أبو حنيفة من أهل بابل ، وربما قال في قول البابلي كذا (٣).

أخبرنا الخلّال ، أخبرنا علي بن محمّد بن كاس النخعي حدثهم قال : حدّثنا أبو بكر المروزيّ ، حدّثنا النّضر بن محمّد ، حدّثنا يحيى بن النّضر القرشيّ قال : كان والد أبي حنيفة من نسا.

وقال النخعي : حدّثنا سليمان بن الرّبيع قال : سمعت الحارث بن إدريس يقول : أبو حنيفة أصله من ترمذ (٤).

وقال النخعي أيضا : حدّثنا أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول القاضي قال : سمعت أبي يقول عن جدي. قال : ثابت والد أبي حنيفة من أهل الأنبار (٥).

أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ ، حدّثنا مكرم بن أحمد بن عبيد الله بن شاذان المروزيّ قال : حدثني أبي عن جدي قال : سمعت إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة يقول : أنا إسماعيل بن حمّاد ابن النّعمان بن ثابت بن النّعمان بن المرزبان من أبناء فارس الأحرار ، والله ما وقع علينا رق قط ، ولد جدي في سنة ثمانين ، وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب وهو صغير فدعا له بالبركة فيه ، وفي ذريته ، ونحن نرجو من الله أن يكون قد استجاب الله ذلك لعلي بن أبي طالب فينا.

قال : والنّعمان بن المرزبان أبو ثابت هو الذي أهدى لعلي بن أبي طالب الفالوذج في يوم النّيروز فقال : نوروزنا كل يوم. وقيل : كان ذلك في المهرجان ، فقال : مهر جونا كلّ يوم (٦).

ذكر إرادة ابن هبيرة أبا حنيفة على ولاية القضاء وامتناع أبي حنيفة من ذلك :

أخبرنا القاضي أبو العلاء محمّد بن علي الواسطيّ ، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن حمّاد بن سفيان ـ بالكوفة ـ حدّثنا الحسين بن محمّد بن الفرزدق الفزاريّ ، حدّثنا

__________________

(٣) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٢٩ / ٤٢٢.

(٤) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٢٩ / ٤٢٢.

(٥) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٢٩ / ٤٢٣.

(٦) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٢٩ / ٤٢٣.

٣٢٧

أبو عبد الله عمرو بن أحمد بن عمرو بن السرح ـ بمصر ـ حدّثنا يحيى بن سليمان الجعفي الكوفيّ ، حدّثنا علي بن معبد ، حدّثنا عبيد الله بن عمرو الرقي قال : كلم ابن هبيرة أبا حنيفة أن يلي له قضاء الكوفة فأبى عليه فضربه مائة سوط وعشرة أسواط في كل يوم عشرة أسواط وهو على الامتناع ، فلما رأى ذلك خلى سبيله.

كتب إليّ القاضي أبو القاسم الحسن بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم المعروف بالأنباريّ ـ من مصر ـ وحدثني أبو طاهر محمّد بن أحمد بن محمّد بن أبي الصّقر إمام الجامع بالأنبار عنه قال : أخبرنا محمّد بن أحمد بن المسور البزّاز ، حدّثنا أبو عمرو المقدام بن داود الرعيني ، حدّثنا علي بن معبد ، حدّثنا عبيد الله بن عمرو أن ابن هبيرة ضرب أبا حنيفة مائة سوط وعشرة أسواط في أن يلي القضاء فأبى ، وكان ابن هبيرة عامل مروان على العراق في زمن بني أميّة.

أخبرنا أبو الحسن علي بن القاسم بن الحسن الشاهد ـ بالبصرة ـ حدّثنا علي بن إسحاق المادرائي قال : سمعت إبراهيم بن عمر الدّهقان يقول : سمعت أبا معمر يقول : سمعت أبا بكر بن عيّاش يقول : إن أبا حنيفة ضرب على القضاء.

أخبرنا التنوخي ، حدّثنا أحمد بن عبد الله الدّوريّ ، أخبرنا أحمد بن القاسم بن نصر ـ أخو أبي اللّيث الفرائضيّ ـ حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال : حدثني الرّبيع بن عاصم ـ مولى بني فزارة ـ قال : أرسلني يزيد بن عمر بن هبيرة فقدمت بأبي حنيفة فأراده على بيت المال فأبى ، فضربه أسواطا.

أخبرنا الخلّال ، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال : حدّثنا محمّد بن علي بن عفّان ، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد عن أبيه قال : كان أبو حنيفة يخرج كل يوم ـ أو قال بين الأيام ـ فيضرب ليدخل في القضاء فأبى ، ولقد بكى في بعض الأيام فلما أطلق. قال لي : كان غم والدتي أشد عليّ من الضرب.

وقال النخعي : حدّثنا إبراهيم بن مخلد البلخيّ ، حدّثنا محمّد بن سهل بن أبي منصور المروزيّ ، حدثني محمّد بن النّضر قال : سمعت إسماعيل بن سالم البغداديّ يقول : ضرب أبو حنيفة على الدخول في القضاء ، فلم يقبل القضاء.

قال : وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى وترحم على أبي حنيفة ، وذلك بعد أن ضرب أحمد.

أخبرني عبد الباقي بن عبد الكريم بن عمر المؤدّب ، أخبرنا عبد الرّحمن بن عمر الخلّال ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة ، حدّثنا جدي ، أخبرني عبد الله

٣٢٨

ابن الحسن بن المبارك عن إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة قال : مررت مع أبي بالكناسة فبكى فقلت له : يا أبت ما يبكيك؟ قال : يا بني في هذا الموضع ضرب ابن هبيرة أبي عشرة أيام في كل يوم عشرة أسواط على أن يلي القضاء فلم يفعل. وقيل إن أبا جعفر المنصور أشخص أبا حنيفة من الكوفة إلى بغداد ليوليه القضاء.

ذكر قدوم أبي حنيفة بغداد وموته بها :

أخبرنا أبو عمر الحسن بن عثمان الواعظ ، أخبرنا جعفر بن محمّد بن أحمد بن الحكم الواسطيّ. وأخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطيّ ، حدّثنا طلحة بن محمّد بن جعفر المعدل قالا : حدّثنا محمّد بن أحمد بن يعقوب ، حدّثنا جدي ، حدّثنا بشر بن الوليد الكندي قال : أشخص أبو جعفر أمير المؤمنين أبا حنيفة ، فأراده على أن يوليه القضاء فأبى ، فحلف عليه ليفعلن ، فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل ، فحلف المنصور ليفعلن ، فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل ، فقال الرّبيع الحاجب : ألا ترى أمير المؤمنين يحلف! فقال أبو حنيفة : أمير المؤمنين على كفارة أيمانه أقدر مني على كفارة أيماني ، وأبى أن يلي ، فأمر به إلى الحبس في الوقت.

هذا لفظ أبي العلاء وانتهى حديث الواعظ. وزاد أبو العلاء ، والعوامّ يدعون أنه تولى عدد اللبن أياما ليكفر بذلك عن يمينه ، ولم يصح هذا من جهة النقل ، والصحيح أنه توفي وهو في السجن.

أخبرنا الخلّال ، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال : حدّثنا سليمان بن الرّبيع ، حدّثنا خارجة بن مصعب بن خارجة قال : سمعت مغيث بن بديل يقول قال خارجة : دعا أبو جعفر أبا حنيفة إلى القضاء فأبى عليه فحبسه ، ثم دعا به يوما فقال : أترغب عما نحن فيه؟ قال : أصلح الله أمير المؤمنين لا أصلح للقضاء ، فقال له كذبت ، قال : ثم عرض عليه الثانية ، فقال أبو حنيفة قد حكم على أمير المؤمنين أني لا أصلح للقضاء لأنه ينسبني إلى الكذب ، فإن كنت كاذبا فلا أصلح ، وإن كنت صادقا فقد أخبرت أمير المؤمنين أني لا أصلح. قال : فرده إلى الحبس.

أخبرني أبو بشر محمّد بن عمر الوكيل وأبو الفتح عبد الكريم بن محمّد بن أحمد الضّبّيّ المحاملي قالا : حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ ، حدّثنا مكرم بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن محمّد الحماني قال : سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : سمعت الرّبيع بن يونس يقول : رأيت أمير المؤمنين المنصور ينازل أبا حنيفة في أمر القضاء وهو

٣٢٩

يقول : اتق الله ولا ترعى أمانتك إلا من يخاف الله ، والله ما أنا بمأمون الرضى ، فكيف أكون مأمون الغضب؟! ولو اتجه الحكم عليك ثم هددتني أن تغرقني في الفرات أو أن تلي الحكم لا اخترت أن أغرق ، ولك حاشية يحتاجون إلى من يكرمهم لك فلا أصلح لذلك. فقال له : كذبت أنت تصلح ، فقال : قد حكمت لي على نفسك كيف يحل لك أن تولى قاضيا على أمانتك وهو كذّاب.

أخبرنا الصيمري ، أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني ، حدّثنا محمّد بن أحمد الكاتب ، حدّثنا عبّاس الدّوريّ قال : حدثونا عن المنصور أنه لما بنى مدينته ونزلها ، ونزل المهديّ في الجانب الشرقي ، وبنى مسجد الرصافة ، أرسل إلى أبي حنيفة ، فجيء به فعرض عليه قضاء الرصافة ، فأبى فقال له : إن لم تفعل ضربتك بالسياط ، قال : أو تفعل؟ قال : نعم ، فقعد في القضاء يومين فلم يأته أحد ، فلما كان في اليوم الثالث أتاه رجل صفار ومعه آخر. فقال الصّفّار : لي على هذا درهمان وأربعة دوانيق بقية ثمن تور صفر ، فقال أبو حنيفة : اتق الله وانظر فيما يقول الصّفّار. قال : ليس له عليّ شيء ، فقال أبو حنيفة للصفار : ما تقول؟ قال : استحلفه لي ، فقال أبو حنيفة للرجل : قل والله الذي لا إله إلا هو فجعل يقول ، فلما رآه أبو حنيفة معزما على أن يحلف ، قطع عليه وضرب بيده إلى كمه فحل صرة وأخرج درهمين ثقيلين ، فقال للصفار : هذان الدرهمان عوض من باقي تورك ، فنظر الصّفّار إليهما وقال نعم! فأخذ الدرهمين ، فلما كان بعد يومين اشتكى أبو حنيفة. فمرض ستة أيام ثم مات. قال أبو الفضل ـ يعني عبّاسا ـ فهذا قبره في مقام الخيزران ، إذا دخلت من باب القطّانين يسرة ، بعد قبرين ـ أو ثلاثة ـ.

وقيل : إن المنصور أقدمه بغداد لأمر آخر غير القضاء.

أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطيّ ، حدّثنا أبو القاسم طلحة بن محمّد بن جعفر ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة عن جده يعقوب قال : حدثني عبد الله بن الحسن قال : سمعت الواقديّ يقول : كنت بالكوفة وقد أشخص أبو جعفر أمير المؤمنين أبا حنيفة إلى بغداد.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي ، حدّثنا محمّد ابن عثمان ، حدّثنا نصر بن عبد الرّحمن قال : حدّثنا الفضل بن دكين ، حدثني زفر بن الهذيل قال : كان أبو حنيفة يجهر بالكلام أيام إبراهيم جهارا شديدا فقلت له : والله ما أنت بمنته حتى توضع الحبال في أعناقنا ، قال : فلم يلبث أن جاء كتاب المنصور إلى

٣٣٠

عيسى بن موسى أن احمل أبا حنيفة. قال : فغدوت إليه ووجهه كأنه مسح ، قال فحمله إلى بغداد فعاش خمسة عشر يوما ثم سقاه فمات ، وذلك في سنة خمسين ، ومات أبو حنيفة وله سبعون سنة.

صفة أبي حنيفة وذكر السنة التي ولد فيها :

أخبرنا القاضي أبو عبد الله الصيمري قال : قرأنا على الحسين بن هارون الضّبّيّ عن أبي العبّاس بن سعيد قال : حدّثنا عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة ، حدّثنا حسن بن الخلّال قال : سمعت مزاحم بن داود بن علية يذكر عن أبيه ـ أو غيره ـ قال : ولد أبو حنيفة سنة إحدى وستين ، ومات سنة خمسين ومائة لا أعلم لصاحب هذا القول متابعا.

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني ـ بنيسابور ـ حدّثنا محمّد بن إسحاق الثّقفيّ ، حدّثنا يوسف بن موسى ، حدّثنا أبو نعيم قال : ولد أبو حنيفة سنة ثمانين وكان له يوم مات سبعون سنة ، ومات في سنة خمسين ومائة. وهو النّعمان بن ثابت.

أخبرنا التنوخي ، حدثني أبي ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن حمدان بن الصّبّاح النّيسابوريّ ـ بالبصرة ـ حدّثنا أحمد بن الصّلت بن المغلس الحماني قال : سمعت أبا نعيم يقول : ولد أبو حنيفة سنة ثمانين بلا مائة ، ومات سنة خمسين ومائة ، وعاش سبعين سنة. قال أبو نعي : وكان أبو حنيفة حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، حسن المجلس ، شديد الكرم ، حسن المواساة لإخوانه.

أخبرنا الخلّال ، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال : حدّثنا محمّد بن علي بن عفّان قال : سمعت نمر بن جدار يقول : سمعت أبا يوسف يقول : كان أبو حنيفة ربعا من الرجال ليس بالقصير ، ولا بالطويل ، وكان أحسن الناس منطقا ، وأحلاهم نغمة ، وأنبههم على ما يريده.

وقال النخعي : حدّثنا محمّد بن جعفر بن إسحاق عن عمر بن حمّاد بن أبي حنيفة أن أبا حنيفة كان طوالا تعلوه سمرة ، وكان لباسا حسن الهيئة كثير التعطر ، يعرف بريح الطّيب إذا أقبل وإذا خرج من منزله قبل أن تراه.

أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب الأصمّ ، حدّثنا محمّد بن الجهم ، حدّثنا إبراهيم بن عمر بن حمّاد بن أبي

٣٣١

حنيفة قال : قال أبو حنيفة : لا يكتنى بكنيتي بعدي إلا مجنون. قال : فرأينا عدة اكتنوا بها فكان في عقولهم ضعف.

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدّثنا أبو بكر عبد الله بن يحيى الطلحي ، حدّثنا عثمان ابن عبيد الله الطلحي ، حدّثنا إسماعيل بن محمّد الطلحي ، حدّثنا سعيد بن سالم البصريّ قال : سمعت أبا حنيفة يقول : لقيت عطاء بمكة فسألته عن شيء فقال : من أين أنت؟ قلت : من أهل الكوفة ، قال : أنت من أهل القرية الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا؟ قلت : نعم! قال : فمن أي الأصناف أنت؟ قلت : ممن لا يسب السلف ويؤمن بالقدر ولا يكفر أحدا بذنب ، قال : فقال لي عطاء : عرفت فالزم.

ذكر خبر ابتداء أبي حنيفة بالنظر في العلم :

أخبرنا الخلّال ، أخبرنا علي بن عمر الحريري أن علي بن محمّد النخعي حدثهم قال : حدّثنا محمّد بن محمود الصيدناني ، حدّثنا محمّد بن شجاع بن الثلجي (٧) ، حدّثنا الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف قال : قال أبو حنيفة : لما أردت طلب العلم جعلت أتخير العلوم وأسأل عن عواقبها ، فقيل لي : تعلم القرآن ، فقلت إذا تعلمت القرآن وحفظته فما يكون آخره؟ قالوا : تجلس في المسجد ويقرأ عليك الصبيان والأحداث ثم لا تلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك ـ أو يساويك ـ في الحفظ فتذهب رئاستك. قلت : فإن سمعت الحديث وكتبته حتى لم يكن في الدّنيا أحفظ مني؟ قالوا : إذا كبرت وضعفت حدثت واجتمع عليك الأحداث والصبيان ثم لا تأمن أن تغلط فيرمونك بالكذب فيصير عارا عليك في عقبك. فقلت : لا حاجة لي في هذا ثم قلت : أتعلم النحو فقلت إذا حفظت النحو والعربية ما يكون آخر أمري؟ قالوا تقعد معلما فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة قلت وهذا لا عاقبة له قلت فان نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني ما يكون أمري؟ قال : تمدح هذا فيهب لك ، أو يحملك على دابة ، أو يخلع عليك خلعة ، وإن حرمك هجوته فصرت تقذف المحصنات قلت : لا حاجة لي في هذا. قلت : فإن نظرت في الكلام ما يكون آخره؟ قالوا : لا يسلم من نظر في الكلام من مشنعات الكلام فيرمى بالزندقة ، فإما أن تؤخذ فتقتل ، وإما أن تسلم فتكون مذموما ملوما. قلت فإن تعلمت الفقه؟ قالوا تسأل وتفتي الناس وتطلب

__________________

(٧) محمد بن شجاع بن الثلجي الفقيه البغدادي الحنفي ، قال ابن عدي : كان يضع الحديث في التشبيه ينسبها إلى أهل الحديث يثلبهم بذلك (ميزان الاعتدال ٣ / ٥٧٧).

٣٣٢

للقضاء ، وإن كنت شابا. قلت : ليس في العلوم شيء أنفع من هذا. فلزمت الفقه وتعلمته.

أخبرنا العتيقي ، حدّثنا محمّد بن العبّاس (٨) ، حدّثنا أبو أيّوب سليمان بن إسحاق الجلاب قال : سمعت إبراهيم الحربيّ يقول : كان أبو حنيفة طلب النحو في أول أمره ، فذهب يقيس فلم يجئ ، وأراد أن يكون فيه أستاذا ، فقال : قلب وقلوب ، وكلب وكلوب. فقيل له : كلب وكلاب. فتركه ووقع في الفقه فكان يقيس ، ولم يكن له علم بالنحو. فسأله رجل بمكة فقال له رجل شج رجلا بحجر ، فقال هذا خطأ ليس عليه شيء ، لو أنه حتى يرميه بأبا قبيس لم يكن عليه شيء.

أخبرني البرقاني ، أخبرنا محمّد بن العبّاس الخزّاز ، حدّثنا عمر بن سعد ، حدّثنا عبد الله بن محمّد ، أبو مالك بن أبي بهز البجلي عن عبد الله بن صالح عن أبي يوسف قال : قال لي أبو حنيفة : إنهم يقرؤن حرفا في يوسف يلحنون فيه؟ قلت : ما هو؟ قال : قوله : (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) [يوسف ٣٧] فقلت فكيف هو؟ قال : ترزقانه.

أخبرنا الخلّال ، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال : حدثني جعفر بن محمّد ابن حازم ، حدّثنا الوليد بن حمّاد عن الحسن بن زياد عن زفر بن الهذيل قال : سمعت أبا حنيفة يقول : كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغا يشار إليّ فيه بالأصابع ، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حمّاد بن أبي سليمان فجاءتني امرأة يوما (٩) فقالت لي (١٠) : رجل له امرأة أمة أراد أن يطلقها للسنة كم يطلقها فلم أدر ما أقول فأمرتها أن (١١) تسأل حمادا ثم ترجع فتخبرني. فسألت حمّادا فقال يطلقها. وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة ثم يتركها حتى تحيض حيضتين فإذا اغتسلت فقد حلت للأزواج فرجعت فأخبرتني. فقلت : لا حاجة لي في الكلام. وأخذت نعلي فجلست إلى حمّاد فكنت أسمع مسائله فاحفظ قوله ثم يعيدها من الغد ، فاحفظها ويخطئ أصحابه ، فقال : لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة. فصحبته عشر سنين ثم نازعتني نفسي الطلب للرئاسة فأحببت أن أعتزله وأجلس في حلقة لنفسي ، فخرجت يوما بالعشي وعزمي أن أفعل فلما دخلت المسجد فرأيته لم تطب نفسي أن

__________________

(٨) محمد بن العباس : معروف بالتساهل في الرواية ، انظر ترجمته في التاريخ.

(٩) «يوما» ساقطة من الأصل وأضفناها من تهذيب الكمال.

(١٠) «لي» ساقطة من الأصل وأضفناها من تهذيب الكمال.

(١١) «أن» ساقطة من الأصل وأضفناها من تهذيب الكمال.

٣٣٣

اعتزله فجئت وجلست معه ، فجاءه في تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة. وترك مالا وليس له وارث غيره فأمرني أن أجلس مكانه. فما هو إلا أن خرج حتى وردت عليّ مسائل لم أسمعها منه ، فكنت أجيب وأكتب جوابي فغاب شهرين. ثم قدم فعرضت عليه المسائل ـ وكانت نحوا من ستين مسألة ـ فوافقني في أربعين وخالفني في عشرين فآليت على نفسي ألا أفارقه حتى يموت فلم أفارقه حتى مات (١٢).

أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الواحد ، حدّثنا الوليد بن بكر الأندلسي ، حدّثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشميّ ، حدّثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي ، حدثني أبي قال : قال أبو حنيفة : قدمت البصرة فظننت إني لا أسأل عن شيء إلا أجبت فيه. فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب فجعلت على نفسي ألا أفارق حمّادا حتى يموت فصحبته ثماني عشرة سنة.

أخبرني الصيمري قال : قرأنا على الحسين بن هارون الضّبّيّ عن أبي العبّاس أحمد ابن محمّد بن سعيد قال : حدّثنا محمّد بن عبيد بن عتبة ، حدّثنا محمّد بن الحسين ـ أبو بشير ـ حدّثنا إبراهيم بن سماعة ـ مولى بني ضبة ـ قال : سمعت أبا حنيفة يقول : ما صليت صلاة منذ مات حمّاد إلا استغفرت له مع والدي وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علما أو علمته علما.

وأخبرنا الصيمري ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ ، حدّثنا مكرم بن أحمد ، حدّثنا ابن مغلس ، حدّثنا هناد بن السّريّ قال : سمعت يونس بن بكير يقول : سمعت إسماعيل بن حمّاد بن أبي سليمان يقول : غاب أبي غيبة في سفر له ثم قدم فقلت له : يا أبت إلى أي شيء كنت أشوق؟ قال وأنا أرى أنه يقول إلى ابني. فقال : إلى أبي حنيفة ، ولو أمكنني ألا أرفع طرفي عنه فعلت.

أخبرني محمّد بن عبد الملك القرشيّ ، أنبأنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن الحسين الرازي ، حدّثنا علي بن أحمد الفارسيّ ، أخبرنا محمّد بن فضيل ـ هو البلخيّ العابد ـ أنبأنا أبو مطيع قال : قال أبو حنيفة : دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين فقال لي يا أبا حنيفة عمن أخذت العلم؟ قال : قلت عن حمّاد عن إبراهيم عن عمر بن

__________________

(١٢) ـ انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٢٩ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ٦ / ٣٩٨ : «الله أعلم بصحتها».

٣٣٤

الخطّاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عبّاس ، قال : فقال أبو جعفر بخ بخ استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة الطّيّبين الطّاهرين المباركين صلوات الله عليهم.

أخبرني أبو بشر محمّد بن عمر الوكيل ، وأبو الفتح عبد الكريم بن محمّد الضّبّيّ قالا : حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ ، حدّثنا مكرم بن أحمد القاضي ، حدّثنا أحمد بن عطية الكوفيّ ، حدّثنا ابن أبي أويس قال : سمعت الرّبيع بن يونس يقول : دخل أبو حنيفة يوما على المنصور وعنده عيسى بن موسى ، فقال للمنصور : هذا عالم الدّنيا اليوم. فقال له : يا نعمان عمن أخذت العلم؟ قال : عن أصحاب عمر ، عن عمر ، وعن أصحاب علي عن علي ، وعن أصحاب عبد الله عن عبد الله. وما كان في وقت ابن عبّاس على وجه الأرض أعلم منه. قال : لقد استوثقت لنفسك.

أخبرنا القاضي أبو بكر محمّد بن عمر الدّاودي ، أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقرئ ، حدّثنا محمّد بن محمّد بن سليمان الباغندي ، حدثني شعيب بن أيّوب ، حدّثنا أبو يحيى الحماني قال : سمعت أبا حنيفة يقول : رأيت رؤيا أفزعتني حتى رأيت كأني أنبش قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتيت البصرة فأمرت رجلا يسأل محمّد بن سيرين. فسأله فقال : هذا رجل ينبش أخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٣).

أخبرني الصيمري قال : قرأنا على الحسين بن هارون عن أبي العبّاس بن سعيد قال : أخبرنا محمّد بن عبد الله بن سالم قال : سمعت أبي يقول : سمعت هشام بن مهران يقول : رأى أبو حنيفة في النوم كأنه ينبش قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبعث من سأل له محمّد بن سيرين ، فقال محمّد بن سيرين : من صاحب هذه الرؤيا؟ فلم يجبه عنها ثم سأله الثانية ، فقال مثل ذلك ، ثم سأله الثالثة فقال : صاحب هذه الرؤيا يثير علما لم يسبقه إليه أحد قبله. قال : هشام فنظر أبو حنيفة وتكلم حينئذ.

مناقب أبي حنيفة :

أخبرني القاضي أبو العلاء محمّد بن علي الواسطيّ وأبو عبد الله أحمد بن أحمد ابن علي القصري قالا : أخبرنا أبو زيد الحسين بن الحسن بن علي بن عامر الكندي ـ بالكوفة ـ أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن سعيد الدورقي المروزيّ ، حدّثنا سليمان بن

__________________

(١٣) ـ انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٢٩ / ٤٢٧.

٣٣٥

جابر بن سليمان بن ياسر بن جابر ، حدّثنا بشر بن يحيى قال : أخبرنا الفضل بن موسى السيناني عن محمّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن في أمتي رجلا ـ وفي حديث القصري ـ يكون في أمتي رجل اسمه النّعمان وكنيته أبو حنيفة ، هو سراج أمتي ، هو سراج أمتي ، هو سراج أمتي» (١٤).

قال لي أبو العلاء : كتب عني هذا الحديث القاضي أبو عبد الله الصيمري.

قلت : وهو حديث موضوع تفرد بروايته البورقي وقد شرحنا فيما تقدم أمره وبينا حاله.

أخبرنا الخلّال ، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم أخبرنا سليمان ابن الرّبيع الخزّاز ، حدّثنا محمّد بن حفص عن الحسن بن سليمان أنه قال في تفسير الحديث : «لا تقوم الساعة حتى يظهر العلم» (١٥). قال : هو علم أبي حنيفة وتفسيره الآثار.

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا القاضي أبو نصر أحمد بن نصر بن محمّد بن أشكاب البخاريّ قال : سمعت محمّد بن خلف بن رجاء يقول : سمعت محمّد بن سلمة يقول : قال خلف بن أيّوب : صار العلم من الله تعالى إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم صار إلى أصحابه ، ثم صار إلى التابعين ، ثم صار إلى أبي حنيفة وأصحابه فمن شاء فليرض ، ومن شاء فليسخط.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، حدّثنا محمّد بن عمر الجعابي ، حدثني أبو بكر إبراهيم بن محمّد بن داود بن سليمان القطّان ، حدّثنا إسحاق بن البهلول. سمعت ابن عيينة يقول : ما مقلت عيني مثل أبي حنيفة.

أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب ، حدّثنا محمّد بن نعيم الضّبّيّ قال : سمعت أبا الفضل محمّد بن الحسين قاضي نيسابور سمعت حمّاد بن أحمد القاضي المروزي يقول : سمعت إبراهيم بن عبد الله الخلّال يقول : سمعت ابن المبارك يقول : كان أبو حنيفة آية. فقال له قائل : في الشر يا أبا عبد الرّحمن أو في الخير؟ فقال : اسكت يا هذا فإنه يقال : غاية في الشر ، وآية في الخير ، ثم تلا هذه الآية : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [المؤمنون ٥٠].

__________________

(١٤) ـ انظر الحديث في : جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ١٥.

(١٥) ـ انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٢٩ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

٣٣٦

أخبرنا الصيمري ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ ، حدّثنا مكرم بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن مغلس ، حدّثنا الحماني قال : سمعت ابن المبارك يقول : ما كان أوقر مجلس أبي حنيفة ، كان يشبه الفقهاء ، وكان حسن السمت ، حسن الوجه ، حسن الثوب ، ولقد كنا يوما في مسجد الجامع ، فوقعت حية ، فسقطت في حجر أبي حنيفة ، وهرب الناس غيره فما رأيته زاد على أن نفض الحية وجلس مكانه.

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن الحسن الصّوّاف ، أخبرنا محمّد بن محمّد المروزيّ ، حدّثنا حامد بن آدم ، حدّثنا أبو وهب محمّد بن مزاحم قال : سمعت عبد الله بن المبارك يقول : لو لا أن الله أغاثني بأبي حنيفة ، وسفيان ، كنت كسائر الناس.

أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، أخبرنا علي بن أحمد بن أبي غسان الدّقيقيّ البصريّ ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن موسى النّيسابوريّ الحافظ قال : سمعت علي بن سالم العامري يقول : سمعت أبا يحيى الحماني يقول : ما رأيت رجلا قط خيرا من أبي حنيفة.

أخبرني أبو بشر الوكيل وأبو الفتح الضّبّيّ قالا : أخبرنا عمر بن أحمد الواعظ ، حدّثنا مكرم بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن عطية العوفي ، حدّثنا منجاب قال : سمعت أبا بكر بن عيّاش يقول : أبو حنيفة أفضل أهل زمانه.

أخبرني الصيمري قال : قرأنا على الحسين بن هارون عن أبي العبّاس بن سعيد قال : حدّثنا محمّد بن عبد الله بن أبي حكيمة ، حدّثنا إبراهيم بن أحمد الخزاعيّ قال : سمعت أبي يقول : سمعت سهل بن مزاحم يقول : بذلت الدنيا لأبي حنيفة فلم يردها. وضرب عليها بالسياط فلم يقبلها.

أخبرنا علي بن القاسم الشّاهد ـ بالبصرة ـ حدّثنا علي بن إسحاق المادراني ، أخبرنا أحمد بن زهير ـ إجازة ـ أخبرني سليمان بن أبي شيخ.

وأخبرني أبو بشر الوكيل وأبو الفتح الضّبّيّ قالا : أخبرنا عمر بن أحمد ، حدّثنا الحسين بن أحمد بن صدقة الفرائضيّ ـ وهذا لفظ حديثه ـ حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة (١٦) ، حدّثنا سليمان بن أبي شيخ ، حدثني حجر بن عبد الجبّار قال : قيل

__________________

(١٦) في المطبوعة : «أحمد بن خيثمة».

٣٣٧

للقاسم بن معن بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن مسعود : ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة. قال : ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة. وقال له القاسم : تعال معي إليه ، فجاء فلما جلس إليه لزمه. وقال : ما رأيت مثل هذا. زاد الفرائضيّ : قال سليمان : وكان أبو حنيفة ورعا سخيّا.

ما قيل في فقه أبي حنيفة :

أخبرنا البرقاني ، حدّثنا أبو العبّاس بن حمّاد لفظا ، حدّثنا محمّد بن أيّوب ، أخبرنا أحمد بن الصّبّاح قال : سمعت الشّافعيّ ـ محمّد بن إدريس ـ قال : قيل لمالك بن أنس : هل رأيت أبا حنيفة؟ قال : نعم ، رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.

حدثني الصوري ، أخبرنا الخصيب بن عبد الله القاضي ـ بمصر ـ حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان الطرسوسي ، حدّثنا عبد الله بن جابر البزّاز قال : سمعت جعفر بن محمّد بن عيسى بن نوح يقول : سمعت محمّد بن عيسى بن الطباع يقول : سمعت روح بن عبادة يقول : كنت عند ابن جريج سنة خمسين ـ وأتاه موت أبي حنيفة ـ فاسترجع وتوجع ، وقال : أي علم ذهب؟ قال : ومات فيها ابن جريج.

أخبرني أبو بشر الوكيل وأبو الفتح الضّبّيّ قالا : حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عصمة الخراساني ، حدّثنا أحمد بن بسطام ، حدّثنا الفضل ابن عبد الجبّار قال : سمعت أبا عثمان حمدون بن أبيّ الطّوسيّ يقول : سمعت عبد الله ابن المبارك يقول : قدمت الشام على الأوزاعي فرأيته ببيروت ، فقال لي : يا خراساني من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة يكنى أبا حنيفة؟ فرجعت إلى بيتي ، فأقبلت على كتب أبي حنيفة ، فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل ، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام ، فجئت يوم الثالث ، وهو مؤذن مسجدهم وإمامهم ، والكتاب في يدي ، فقال : أي شيء هذا الكتاب؟ فناولته فنظر في مسألة منها وقعت عليها قال النّعمان : فما زال قائما بعد ما أذن حتى قرأ صدرا من الكتاب. ثم وضع الكتاب في كمه ، ثم أقام وصلى ، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها. فقال لي : يا خراساني من النّعمان بن ثابت هذا؟ قلت : شيخ لقيته بالعراق. فقال : هذا نبيل من المشايخ ، اذهب فاستكثر منه. قلت : هذا أبو حنيفة الذي نهيت عنه.

٣٣٨

أخبرنا الخلّال ، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال : حدّثنا سليمان بن الرّبيع ، حدّثنا همام بن مسلم قال : سمعت مسعر بن كدام يقول : ما أحسد أحدا بالكوفة إلا رجلين : أبو حنيفة في فقهه ، والحسن بن صالح في زهده.

أخبرني الصيمري قال : قرأت على الحسين بن هارون عن أبي العبّاس بن سعيد قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن مسرور ، حدّثنا علي بن مكنف ، حدّثني أبي عن إبراهيم بن الزبرقان قال : كنت يوما عند مسعر ، فمر بنا أبو حنيفة ، فسلم ووقف عليه ثم مضى ، فقال بعض القوم لمسعر : ما أكثر خصوم أبي حنيفة؟ فاستوى مسعر منتصبا. ثم قال : إليك فما رأيته خاصم أحدا قط إلا فلج عليه.

أخبرنا الصيمري ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ ، حدّثنا مكرم بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن مغلس ، أخبرنا أبو غسان قال : سمعت إسرائيل يقول : كان نعم الرجل النّعمان ، ما كان أحفظه لكل حديث فيه فقه. وأشد فحصه عنه ، وأعلمه بما فيه من الفقه. وكان قد ضبط عن حمّاد فأحسن الضبط عنه. فأكرمه الخلفاء والأمراء والوزراء. وكان إذا ناظره رجل في شيء من الفقه همّته نفسه. ولقد كان مسعر يقول : من جعل أبا حنيفة بينه وبين الله رجوت أن لا يخاف ولا يكون فرط في الاحتياط لنفسه.

أخبرنا التنوخي ، حدثني أبي ، حدّثنا محمّد بن حمدان بن الصّبّاح النيسابوري ، حدّثنا أحمد بن الصّلت الحماني ، حدّثنا علي بن المدينيّ قال : سمعت عبد الرزاق يقول : كنت عند معمر فأتاه ابن المبارك فسمعنا معمرا يقول : ما أعرف رجلا يحسن يتكلم في الفقه أو يسعه أن يقيس ويشرح لمخلوق النجاة في الفقه ، أحسن معرفة من أبي حنيفة ، ولا أشفق على نفسه من أن يدخل في دين الله شيئا من الشك من أبي حنيفة.

أخبرنا الصيمري قال : قرأنا على الحسين بن هارون عن أبي سعيد قال : حدّثنا أحمد بن تيم بن عباد المروزيّ ، حدّثنا حامد بن آدم ، حدّثنا عبد الله بن أبي جعفر الرّازيّ قال : سمعت أبي يقول : ما رأيت أحدا أفقه من أبي حنيفة وما رأيت أحدا أورع من أبي حنيفة.

أخبرني أبو بشر الوكيل وأبو الفتح الضّبّيّ قالا : حدّثنا عمر بن أحمد ، حدّثنا مكرم بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن عطية ، حدّثنا سعيد بن منصور.

٣٣٩

وأخبرني التنوخي ، حدثني أبي ، حدّثنا محمّد بن حمدان بن الصّبّاح ، حدّثنا أحمد ابن الصّلت قال : حدّثنا سعيد بن منصور قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : كان أبو حنيفة رجلا فقيها معروفا بالفقه ، مشهورا بالورع ، واسع المال ، معروفا بالإفضال على كل من يطيف به ، صبورا على تعليم العلم بالليل والنهار ، حسن الليل كثير الصمت ، قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال أو حرام ، فكان يحسن أن يدل على الحق ، هاربا من مال السلطان. هذا آخر حديث مكرم.

وزاد ابن الصّبّاح ، وكان إذا وردت عليه مسألة فيها حديث صحيح اتبعه ، وإن كان عن الصحابة والتابعين ، وإلا قاس وأحسن القياس.

أخبرني التنوخي ، حدثني أبي ، حدّثنا محمّد بن حمدان قال : حدّثنا أحمد بن الصّلت ، حدّثنا بشر بن الوليد قال : سمعت أبا يوسف يقول : ما رأيت أحدا أعلم بتفسير الحديث ومواضع النكت التي فيه من الفقه ، من أبي حنيفة.

أخبرنا الصيمري ، أخبرنا عمر بن إبراهيم ، حدّثنا مكرم بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن مغلس قال : سمعت محمّد بن سماعة يقول : سمعت أبا يوسف يقول : ما خالفت أبا حنيفة في شيء قط فتدبرته إلا رأيت مذهبه الذي ذهب إليه أنجي في الآخرة ، وكنت ربما ملت إلى الحديث ، وكان هو أبصر بالحديث الصحيح مني.

أخبرني أبو منصور علي بن محمّد بن الحسين الدّقّاق قال : قرأنا على الحسين بن هارون الضبي عن أحمد بن محمّد بن سعيد قال : حدّثنا محمّد بن عبد الله بن نوفل ، حدثني عبد الرّحمن بن فضل بن موفق ، أخبرني إبراهيم بن مسلمة الطّيالسيّ قال : سمعت أبا يوسف يقول : إني لأدعو لأبي حنيفة قبل أبوي ، ولقد سمعت أبا حنيفة يقول : إني لأدعو لحمّاد مع أبوي.

أخبرنا القاضي علي بن أبي علي البصريّ ، حدّثنا أحمد بن عبد الله الدّوريّ ، أخبرنا أحمد بن القاسم بن نصر أخو أبي اللّيث الفرائضيّ ، حدّثنا سليمان بن أبي شيخ ، حدثني محمّد بن عمر الحنفيّ عن أبي عباد ـ شيخ لهم ـ قال : قال الأعمش لأبي يوسف : كيف ترك صاحبك أبو حنيفة قول عبد الله «عتق الأمة طلاقها؟» قال : تركه لحديثك الذي حدثته عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن بريرة حين أعتقت خيرت ، قال الأعمش : إن أبا حنيفة لفطن ـ قال : وأعجبه ما أخذ به أبو حنيفة ـ.

٣٤٠