تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١٠

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ١٠

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

يا نافع قد تبيّغ بي الدم ، فائتني بحجام ، ولا تجعله صبيا ، ولا شيخا كبيرا ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الحجامة على الريق أمثل ، وفيها شفاء» (١).

٥١٦١ عبد الله بن عبيد الله بن يحيى بن محمّد بن حفص ، أبو القاسم المقرئ البزّار العسكريّ (٢) :

حدث عن أبي أيّوب أحمد بن بشر الطّيالسيّ ومحمّد بن إسحاق بن راهويه ، ومحمّد بن السّريّ بن سهل القنطريّ. حدّثنا عنه أبو الحسن بن رزقويه وعلي بن أحمد الرّزّاز.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن عبيد الله بن يحيى ابن محمّد البزّار العسكريّ المقرئ ، حدّثنا محمّد بن السّريّ بن سهل القنطريّ ، حدّثنا عبد الله بن أحمد قال : حدّثنا أحمد بن روح ، حدّثنا حبيب بن مطر السدوسي قال : حدّثني علي بن عبد الله أبو الحسن عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم اغفر للعبّاس ، ولولد العبّاس ، ولمن أحبهم» (٣).

وأخبرنا ابن رزق ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن جعفر بن محمّد الأدمي القاري ، حدّثنا عبد الله بن أحمد الدورقي ، حدّثنا أحمد بن روح البصريّ بإسناده مثله سواء.

٥١٦٢ عبد الله بن عبيد الله بن يحيى ، أبو محمّد المؤدّب :

سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي ، وكان يسكن بدرب اليهود النافذ إلى قطيعة عيسى بن علي الهاشميّ ، وخرجت يوما من مجلس القاضي الحسين بن [إسماعيل] (٤) المحاملي فأرادني أصحاب الحديث على المضي معهم إليه ، فلم أفعل لأجل الحر ، وكان يوما صائفا ، ولم أرزق السماع منه ، وكان ثقة.

توفي يوم السبت الرابع عشر من رجب سنة ثمان وأربعمائة ، ودفن من الغد وهو يوم الأحد في مقبرة باب حرب.

__________________

(١) ٥١٦٠ انظر الحديث في : سنن ابن ماجة ٣٤٨٧ ، ٣٤٨٨. والمستدرك ٤ / ٢٠٩ ، ٢١١. وكشف الخفا ١ / ٤١٥ ، ٤١٦. والعلل المتناهية ٢ / ٣٩١.

(٢) ٥١٦١ العسكري : هذه النسبة إلى مواضع وأشياء فأشهرها المنسوب إلى «عسكر مكرم» وهي بلدة من كور الأهواز (الأنساب ٨ / ٤٥٢).

(٣) انظر الحديث في : العلل المتناهية ١ / ٢٨٧. وسنن الترمذي ٣٧٦٢. وكنز العمال ٣٣٤٤٣.

(٤) ٥١٦٢ ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

٤١

وقال لي الأزهري : بلغ أبو محمّد بن يحيى سبعا وثمانين سنة.

٥١٦٣ عبد الله بن عبيد الله ، الكافوريّ (١) :

حدث عن أحمد بن سلمان النجاد. حدّثني عنه الحسن بن محمّد الخلّال.

٥١٦٤ ـ عبد الله بن عبيد الله بن أحمد ، أبو أحمد الدّقّاق ، يعرف بابن الأعرج:

سمع إسماعيل بن محمّد الصّفّار. كتبت عنه ، وكان ثقة صدوقا.

٥١٦٥ عبد الله بن عثمان بن محمّد بن علي بن بيّان ، أبو محمّد الصّفّار (٢) :

سمع إبراهيم بن عبد الصّمد الهاشميّ ، ومحمّد بن نوح الجنديسابوري ، وأحمد ابن محمّد بن إسماعيل الأدمي المقرئ ، وإسماعيل بن العبّاس الورّاق ، والحسين بن إسماعيل المحاملي ، ومحمّد بن مخلد العطّار ، وعبد الله بن الهيثم بن خالد العسكريّ ، ويوسف بن يعقوب بن أحمد بن البهلول ، ومحمّد بن عمران بن موسى الصّيرفيّ ، وغيرهم. حدّثنا عنه الأزهري ، والخلال ، وأحمد بن محمّد العتيقي ، وعلي ابن محمّد بن الحسن المالكي ، وأبو القاسم التنوخي ، وكان ثقة.

حدّثني أحمد بن علي بن التوزي قال : مات أبو محمّد عبد الله بن عثمان بن محمّد الصّفّار في المحرم سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة.

٥١٦٦ عبد الله بن عثمان بن زيدان ، أبو القاسم الحصريّ (٣) :

سمع أحمد بن سندي الحدّاد ، وأبا أحمد محمّد بن أحمد بن المطّلب الهاشميّ ، وأبا بكر بن مالك القطيعيّ ، حدّثني عنه رفيقي علي بن عبد الغالب الضراب ، وقال لي : كان يسكن درب الآجر من نهر طابق ، وتوفي نحو سنة عشر وأربعمائة ، وكان صدوقا.

٥١٦٧ عبد الله بن عتّاب بن محمّد بن عبد الله بن أحمد بن عتّاب ، أبو القاسم العبدي (٤) :

سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي ، ومحمّد بن علي بن إسماعيل الآملي ، وعلي

__________________

(١) ٥١٦٣ الكافوري : هذه النسبة إلى كافور ، وهو من الطيب وبيعه (الأنساب ١٠ / ٣٢٨).

(٢) ٥١٦٥ الصفار : يقال لمن يبيع الأواني الصفرية : الصفار (الأنساب ٨ / ٧٤).

(٣) ٥١٦٦ الحصريّ : هذه النسبة إلى الحصر وهي جمع الحصير (الأنساب ٤ / ١٥٢).

(٤) ٥١٦٧ انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ١٥ / ١٦.

٤٢

ابن عبد الله بن مبشر الواسطيّ. حدّثنا عنه القاضي أبو العلاء الواسطيّ. وأحمد بن أبي جعفر العتيقي ، وكان ثقة.

أخبرنا العتيقي ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن عتّاب بن محمّد العبدي ، حدّثنا محمّد بن علي بن إسماعيل الحافظ ، حدّثنا خنبش بن يزيد الحمصي ـ بحمص ـ حدّثنا علي بن عيّاش الحمصي ، حدّثنا سعيد بن عمارة ، حدّثنا الحارث بن النّعمان قال : سمعت الحسن يحدث عن أنس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من سود مع قوم فهو منهم ، ومن ورع مسلما لرضاء سلطان جيء به يوم القيامة معه» (١).

أخبرنا العتيقي قال : سنة تسع وثمانين وثلاثمائة فيها توفي أبو القاسم بن عتّاب الشّاهد ، حدث بشيء يسير ، وانتقى عليه الدّارقطنيّ جزءا ، وكان ثقة مأمونا.

حدّثني أحمد بن علي التوزي وهلال بن المحسن الكاتب قالا : توفي أبو القاسم بن عتّاب العبدي ليلة يوم الخميس التاسع عشر من صفر سنة تسع وثمانين.

قال لنا علي بن المحسن التنوخي : مات أبو القاسم بن عتّاب يوم الجمعة العاشر من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة.

٥١٦٨ ـ عبد الله بن عبد الملك بن محمّد بن سعيد ، أبو الفتح النّحّاس :

موصلي الأصل سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي ، وإسماعيل بن محمّد الصّفّار ، ومحمّد بن عمرو الرّزّاز ، وعبد الله بن عبد الرّحمن العسكريّ ، وأحمد بن سلمان النجاد ، ومحمّد بن الحسن النقاش. كان عنده عن المحاملي مجلس واحد ، وعن الصّفّار جزء الحسن بن عرفة. كتب عنه جماعة من أصحابنا ولم يقض لي السماع منه.

وسألت البرقاني عنه فقال : ثقة.

ومات في صفر من سنة ثمان وأربعمائة ، ودفن في مقبرة الشونيزي وراء التوثة.

* * *

__________________

(١) انظر الحديث في : السنة لابن أبي عاصم ٢ / ٦٢٧. وكنز العمال ٢٤٦٨١.

٤٣

حرف الفاء من آباء العبادلة

٥١٦٩ عبد الله بن الفرج ، أبو محمّد القنطريّ :

كان أحد العباد ، وكان بشر بن الحارث يوده ويزوره. حكى عن فتح الموصليّ وغيره حكايات. روى عنه محمّد بن الحسين البرجلاني ، وأحمد بن محمّد التاحي ، وعلي بن الموفق، وغيرهم.

حدّثنا هلال بن المحسن الكاتب ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن الجرّاح الخزّاز ، حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباريّ ، حدّثني أحمد بن محمّد التاحي قال : سمعت عبد الله بن الفرج يقول ـ وكان عبد الله بن الفرج يغشاه بشر بن الحارث لزهده وفضله ـ قال أرطاة بن المنذر : احذروا الدّنيا لا تسحركم ، فهي والله أسحر من هاروت وماروت.

أخبرنا علي بن محمّد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن البراء ، حدّثنا إبراهيم بن سهل قال : قال عبد الله بن الفرج : سلوا الله عفوا جميلا ، قال : فقلنا يا أبا محمّد أي شيء العفو الجميل؟ قال : أن يأمر بك من الموقف ولا يفتشك.

أخبرنا عبد الملك بن محمّد بن عبد الله الواعظ ، أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين الآجري ـ بمكة ـ قال : بلغني أن عبد الله بن الفرج لما مات ، لم تعلم زوجته لإخوانه بموته ـ وهم جلوس بالباب ينتظرون الدخول عليه في علته ـ فغسلته وكفنته في كساء كان له ، وأخذت فرد باب من أبواب بيته وجعلته فوقه وشدته بشريط ، ثم قالت لإخوانه : قد مات وقد فرغت من جهازه ، فدخلوا فاحتملوه إلى قبره ، وغلقت الباب خلفهم.

أخبرنا العتيقي ، حدّثنا محمّد بن العبّاس ، حدّثنا العبّاس بن العبّاس الجوهريّ ، حدّثنا عبد الله بن عمرو ، حدّثنا محمّد بن بيّان المكي قال : حدّثني صاعد قال : لما مات عبد الله بن الفرج حضرت جنازته ، فلما واريته رأيته في الليل في النوم جالسا على شفير قبره ، ومعه صحيفة ينظر فيها ، فقلت له : ما فعل الله بك؟ قال : غفر لي ولكل من شيع جنازتي ، قلت : أنا كنت معهم ، قال : هو ذا اسمك في الصحيفة.

__________________

٥١٦٩ انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ١٠ / ١٠٢.

٤٤

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدّثنا محمّد ابن أحمد بن البراء قال : حدّثني عبد الله بن عمرو قال : حدّثني صاعد قال : كنت فيمن حضر جنازة عبد الله بن الفرج القنطريّ ، وذكر نحو الخبر الذي سقناه آنفا.

٥١٧٠ ـ عبد الله بن الفضل بن عبد الملك ، أبو بكر الهاشميّ :

كان يتولى الصّلاة بالناس في دار الخلافة أيام الجمعات ، وفي المصلى أيام الأعياد بعد وفاة محمّد بن إسحاق بن عبد الملك الهاشميّ ، وتقلد ذلك في ذي الحجة من سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.

٥١٧١ عبد الله بن الفضل بن جعفر ، أبو محمّد الورّاق :

وراق عبد الكريم بن الهيثم ، وكان من أهل دير العاقول. نزل بغداد وحدث بها عن علي بن داود القنطريّ ، وأبي البختريّ عبد الله بن محمّد بن شاكر ، وأبي عوف البزوري ، والحسين بن محمّد بن أبي معشر ، وعلي بن سهل بن المغيرة ، وعبد الله بن روح المدائنيّ ، ويحيى بن أبي طالب ، والحسن بن سلام السّوّاق ، وعبد الكريم بن الهيثم ، وغيرهم أحاديث مستقيمة. روى عنه موسى بن عيسى بن عبد الله السّرّاج وأبو القاسم بن الثّلّاج ، وأحمد بن الفرج بن الحجّاج.

أخبرني الحسن بن علي بن عبد الله المقرئ ، حدّثنا أحمد بن الفرج بن منصور بن محمّد بن الحجّاج الورّاق ، حدّثنا عبد الله بن الفضل وراق عبد الكريم ، حدّثنا أبو البختريّ عبد الله بن محمّد بن شاكر ، حدّثنا جعفر بن عون.

وأخبرنا أبو سعيد محمّد بن موسى الصّيرفيّ ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب الأصمّ ، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله العبسيّ ، أخبرنا جعفر بن عون ، حدّثني موسى الجهنيّ عن فاطمة ابنة علي قالت : حدّثتني أسماء ابنة عميس أنها سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لعلي : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي» (١) لفظ حديث أبي البختريّ.

ذكر ابن الثّلّاج أنه سمع من هذا الشيخ في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة في سوق السلاح.

__________________

(١) ٥١٧١ انظر الحديث في : صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ٣٠. وسنن الترمذي ٣٧٣٠ ، ٣٧٣١. ومسند أحمد ١ / ١٧٩ ، ٣ / ٣٢ ، ٦ / ٣٦٩ ، ٤٣٨.

٤٥

٥١٧٢ ـ عبد الله بن الفضل بن العبّاس بن علي بن عبد الرّحمن بن يزيد بن ازد ابنه ، أبو الحسن مولى عمر بن عبد العزيز بن مروان :

وهو ابن بنت هارون الديك المستملي. حدث عن محمّد بن جعفر بن الرّازيّ. روى عنه أبو الفتح بن مسرور ، قال : حدّثنا ببغداد وكان ثقة.

* * *

حرف القاف من آباء العبادلة

٥١٧٣ عبد الله بن قريش بن إسحاق بن حميد ، أبو أحمد الأسديّ :

حدث عن أبي همام الوليد بن شجاع السكوني ، وأبي عمار الحسين بن حريث المروزيّ ، وإبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختليّ ، وعن كتاب الفرج بن اليمان الكردلي ـ وجادة ـ روى عنه يحيى بن محمّد بن صاعد ، ومحمّد بن مخلد ، وعبد الصّمد بن علي الطستي ، وإسماعيل بن علي الخطبي ، وغيرهم.

وقال الدار قطني : لا بأس به.

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي ، أخبرنا عبد الله بن قريش بن إسحاق بن حميد أبو أحمد قال : وجدت في سماع الفرج بن اليمان الكردلي حدّثنا عثمان بن عبد الرّحمن عن محمّد بن كعب القرظي عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يعذب الله عبدا على خطأ ولا استكراه أبدا» (١).

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمّد بن يوسف بن عمر الهمذاني ـ بها ـ حدّثنا أبو العبّاس الفضل بن الفضل الكندي ، حدّثنا عبد الله بن قريش بن إسحاق البغداديّ ، حدّثنا إبراهيم بن الجنيد ، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن عقبة ، حدّثنا حجاج بن محمّد عن أبي معشر قال : رأيت أبا خازم في مجلس عون بن عبد الله وهو يقص في المسجد ويبكي ويمسح بدموعه وجهه ، فقلت له : يا أبا خازم لم تفعل هذا؟ قال : بلغني أن النار لا تصيب موضعا أصابه الدموع من خشية الله تعالى.

٥١٧٤ ـ عبد الله بن قريش ، أبو أحمد الصيدلاني :

حدث عن الحسن بن عرفة. روى عنه أبو الحسين بن المنادي.

* * *

__________________

(١) ٥١٧٣ انظر الحديث في : كنز العمال ١٠٣٢٤.

٤٦

حرف الكاف من آباء العبادلة

٥١٧٥ عبد الله بن كرز ، أبو كرز الفهري :

حدث عن نافع مولى ابن عمر ، وابن شهاب الزّهريّ ، وهشام بن عروة. روى عنه عبد الصّمد بن النّعمان ، وعلي بن الجعد ، وغيرهما. وكان يتولى قضاء الموصل.

أخبرنا علي بن أبي علي ، أخبرنا عبيد الله بن محمّد بن إسحاق البزّاز البغوي ، حدّثنا علي بن الجعد ، أخبرني أبو كرز القرشيّ عن نافع عن ابن عمر قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا خرج إلى العيد ، خرج معه بحربته. دفع إلىّ محمّد بن أحمد بن رزق أصل كتابه الذي سمعه من مكرم بن أحمد فنقلت منه.

ثم أخبرنا الأزهري ، أخبرنا عبيد الله بن عثمان الدّقّاق ، أخبرنا مكرم قال : حدّثني يزيد بن الهيثم البادا قال : قلت ليحيى بن معين : روى أبو النّضر عن أبي كرز؟ قال : ليس بشيء لا أعرفه ، روى حديثا منكرا.

أنبأنا علي بن محمّد بن عيسى البزّاز ، حدّثنا محمّد بن عمر بن سلم الحافظ ، حدّثني إسحاق بن موسى بن عيسى قال : سمعت أبا داود سليمان بن الأشعث يقول : سمعت أحمد بن حنبل ـ وذكر أبا كرز يحدث عن نافع ـ فقال : هذا في أصحابه. قال محمّد بن عمر أبو كرز أصله الموصل ، وكان ببغداد في جملة الصحابة الذين أقطعوا الموضع المعروف بدور الصحابة ، واسمه عبد الله بن كرز.

أخبرنا البرقاني قال : حدّثنا يعقوب بن موسى الأردبيلي ، حدّثنا أحمد بن طاهر بن النجم ، حدّثنا سعيد بن عمرو البرذعي قال : قلت ـ يعني لأبي زرعة الرّازيّ ـ أبو كرز القرشيّ؟ قال : ضعيف الحديث ، وأمرنا أن نضرب على حديثه.

حدّثني أبو بكر أحمد بن محمّد الغزال قال : قرأت على محمّد بن جعفر الشروطي عن أبي الفتح محمّد بن الحسين الأزديّ قال : عبد الله بن كرز أبو كرز قاضي الموصل متروك.

أخبرنا البرقاني قال : سألت أبا الحسن الدّارقطنيّ عن عبد الله بن كرز عن نافع فقال: مجهول.

__________________

٥١٧٥ انظر : ميزان الاعتدال ٢ / ترجمة ٤٥٢٢.

٤٧

وأخبرنا البرقاني أيضا قال : سألت الدّارقطنيّ عن أبي كرز قال : هو قاضي الموصل عبد الله بن عبد الملك الفهري ، قلت : ثقة؟ قال : لا ولا كرامة.

فكأن أبا الحسن كان يذهب إلى أن عبد الله بن كرز ليس بأبي كرز لأنه ذكر أن عبد الله بن كرز مجهول ، وبين حال أبي كرز وسمي أباه عبد الملك ونرى قوله هذا وهما ، والصواب ما ذكرناه من أن أبا كرز هو عبد الله بن كرز لا ابن عبد الملك ، وكذلك رأيت حديثا للمعافى بن سليمان عنه قد نسبه فيه فقال : حدّثنا أبو كرز عبد الله بن كرز عن الزّهريّ.

٥١٧٦ عبد الله بن كثير بن وقدان ، أبو محمّد :

حدث عن محمّد بن سليمان لوين. روى عنه الحسين بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم الأستراباذي.

أخبرني أبو الفرج الطناجيري ، حدّثنا كوشيار بن لبا نيروز الجيلي ، حدّثنا أبو الحسن الحسين بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن مطرّف الفقيه الأستراباذي ـ بأستراباذ ـ حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن كثير بن وقدان البغداديّ ، حدّثنا لوين.

وأخبرنا أبو القاسم سعيد بن محمّد بن أحمد البقال الأصبهانيّ ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن المرزبان الأبهري ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم الحزوّري ، حدّثنا لوين ، حدّثنا عبد الحميد بن سليمان قال : حدّثنا عبد الله بن المثنى قال : حدّثني ثمامة بن أنس عن أنس قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قيدوا العلم بالكتاب» (١) واللفظ لحديث ابن وقدان.

* * *

حرف اللام من آباء العبادلة

٥١٧٧ ـ عبد الله بن الليث ، أبو العبّاس المروزيّ :

ذكره محمّد بن إسحاق بن محمّد بن يحيى بن مندة الأصبهانيّ في كتاب «الأسماء والكنى» وقال : نزل بغداد حدّثنا عنه علي بن محمّد بن نصر.

قلت : وحدث القاضي الحسين بن إسماعيل المحاملي عنه عن صالح بن مسمار.

* * *

__________________

(١) ٥١٧٦ انظر الحديث في : المستدرك ١ / ١٠٦. كنز العمال ٢٩٣٣٢. والعلل المتناهية ١ / ٧٨. والكامل لابن عدي ٢ / ٧٩٣.

٤٨

حرف الميم من آباء العبادلة

٥١٧٨ عبد الله أمير المؤمنين السّفّاح بن محمّد بن علي بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب ، يكنى أبا العبّاس ، ويقال له أيضا : المرتضى ، والقائم :

ولد بالشراة وكان مولده على ما :

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ ، أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاء ، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن أبي الدّنيا ، حدّثني محمّد بن صالح ، حدّثنا أبو مسعود عمرو بن عيسى الرياحي ، حدّثني جدي عبيد الله بن العبّاس بن محمّد قال : ولد أبو العبّاس سنة خمس ومائة ، واستخلف وهو ابن سبع وعشرين سنة.

قلت : وهو أول خلفاء بني العبّاس بويع بالكوفة ، وانتقل إلى الأنبار فسكنها حتى مات بها ، وكان أصغر سنّا من أخيه أبي جعفر.

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ ، حدّثنا عمر بن حفص السدوسي ، حدّثنا محمّد بن يزيد قال : واستخلف أبو العبّاس عبد الله بن محمّد بن علي بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول ، ويقال في جمادى ، وتوفي سنة ست وثلاثين ومائة لثلاث عشرة ـ أو إحدى عشرة ـ خلت من ذي الحجة يوم الأحد ، فكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر ، وتوفي وله ثلاث وثلاثون سنة ، وأمه ريطة بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان بن الديان بن الحارث بن كعب توفي بالأنبار وصلّى عليه عيسى بن علي بن عبد الله بن العبّاس.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدّثنا محمّد ابن أحمد بن البراء قال : أبو العبّاس المرتضى والقائم ، عبد الله بن محمّد الإمام بن علي السجاد بن عبد الله الحبر بن عبّاس ذي الرأي بن عبد المطّلب شيبة الحمد بن هاشم وهو عمرو بن عبد مناف ولد بالشراة ، وبويع بالكوفة يوم الجمعة لأربع عشرة

__________________

٥١٧٨ انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ٧ / ٢٩٥ ـ ٣٠١. والكامل ، لابن الأثير ٥ / ١٥٢. وتاريخ الطبري ٩ / ١٥٤. وتاريخ اليعقوبي ٣ / ٨٦. وابن خلدون ٣ / ١٨٠. وتاريخ الخميس ٢ / ٣٢٤. والبدء والتاريخ ٦ / ٨٨. والنبراس ١٩ ـ ٢٣. والمسعودي ٢ / ١٦٥ ـ ١٨٠. وفوات الوفيات ١ / ٢٣٢. والأعلام ٤ / ١١٦.

٤٩

ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وبايع أبو العبّاس لأخيه أبي جعفر، ولعيسى بن موسى بن محمّد بن علي ، ومات بالأنبار لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة ، وكان نقش خاتمه ، الله ثقة عبد الله ، وكان عمره ثلاثا وثلاثين سنة ، وخلافته أربع سنين ، وثمانية أشهر ، ويومان.

أخبرنا علي بن أحمد بن عمر ، أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس ، حدّثنا ابن أبي الدّنيا ، حدّثني محمّد بن صالح عن محمّد بن عباد عن إسحاق بن عيسى أن أبا العبّاس توفي وهو ابن اثنتين وثلاثين ، وكان أبيض أقنى ، ذا شعرة جعدة ، حسن اللحية جعدها ، مات بالجدري ، وصلّى عليه عيسى بن علي ، ودفن بالأنبار.

أخبرني الحسن بن أبي بكر قال : كتب إلينا محمّد بن إبراهيم بن عمران الجوري يذكر أن أحمد بن حمدان بن الخضر أخبرهم قال : حدّثنا أحمد بن يونس الضّبّيّ قال : حدّثني أبو حسّان الزيادي قال : سنة ست وثلاثين ومائة ، فيها توفي أبو العبّاس بالأنبار يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة ، وهو ابن إحدى وثلاثين سنة وأشهر ، وكان مولده سنة خمس ومائة ، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر ، وكان طويلا أبيض أقنى حسن اللحية جعدها ، ودفن بالأنبار.

أخبرني الحسين بن عمر القصاب ، حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، أخبرنا علي ابن طيفور بن غالب ، حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا جرير عن الأعمش.

وأخبرنا عبد العزيز بن علي الورّاق ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن يعقوب ، حدّثنا أبو بشر محمّد بن أحمد بن حمّاد الأنصاريّ ، حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ ، حدّثنا أبو أسامة ، حدّثني زائدة عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يخرج منا رجل في انقطاع من الزمن ، وظهور من الفتن يسمى السّفّاح ، يكون عطاؤه المال حسيا» (١) لفظ زائدة.

أخبرني علي بن أحمد الرّزّاز ، أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين بن محمّد الكاتب ، حدّثنا أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن عبيد بن عتبة الكندي ـ بالكوفة ـ حدّثنا الحسين بن محمّد بن علي الأزديّ ، أخبرني سلام مولى العبّاسة بنت المهديّ قال : حدّثني محمّد بن كعب مولى المهديّ قال : سمعت المهديّ أمير المؤمنين يقول :

__________________

(١) انظر الحديث في : الدر المنشور ٦ / ٥٨.

٥٠

حدّثني أبي عن أبيه عن جده عن ابن عبّاس قال : والله لو لم يبق من الدّنيا إلا يوم. لأدال الله من بني أميّة ، ليكونن منا السّفّاح ، والمنصور ، والمهديّ.

أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني ومحمّد بن الحسين بن محمّد الجازري وقال أحمد أنبأنا وقال محمّد حدّثنا المعافى بن زكريا الجريري ، حدّثنا محمّد بن يحيى الصولي ، حدّثنا القاسم بن إسماعيل ، حدّثنا أحمد بن سعيد بن سلم الباهليّ عن أبيه قال : حدّثني من حضر مجلس السّفّاح وهو أحشد ما كان ببني هاشم والشيعة ، ووجوه الناس ، فدخل عبد الله بن حسن ومعه مصحف. فقال : يا أمير المؤمنين أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف ، قال : فأشفق الناس من أن يعجل السّفّاح بشيء إليه ، فلا يريدون ذلك في شيخ بني هاشم في وقته ، أو يعيى بجوابه فيكون ذلك نقصا له ، وعارا عليه ، قال : فأقبل عليه غير مغضب ولا مزعج فقال : إن جدك عليا ـ وكان خيرا مني وأعدل ـ ولى هذا الأمر فأعطى جديك الحسن والحسين ـ وكانا خيرا منك ـ شيئا؟ وكان الواجب أن أعطيك مثله ، فإن كنت فعلت فقد أنصفتك ، وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك ، قال : فما رد عبد الله جوابا وانصرف ، والناس يعجبون من جوابه له.

أخبرنا أبو بشر محمّد بن عمر الوكيل ، حدّثنا محمّد بن عمران المرزباني ، حدّثني أحمد بن محمّد الجوهريّ ، حدّثنا الحسن بن عليل العنزي ، حدّثني عبد الرّحمن بن يعقوب العذري المدنيّ ، حدّثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : دخل عمران بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع العدويّ على أبي العبّاس في أول وفد وفد عليه من المدينة ، فأمروا بتقبيل يده فتبادروها ، وعمران واقف ، ثم حياه بالخلافة وهنأه وذكر حسبه ونسبه ثم قال : يا أمير المؤمنين إنها والله لو كانت تزيدك رفعة ، وتزيدني من الوسيلة إليك ما سبقني بها أحد ، وإنك لغنى عمّا لا أجر لنا فيه ، وعلينا فيه ضعة ، قال : ثم جلس ، فو الله ما نقص عن حظ أصحابه.

أخبرنا الحسين بن محمّد بن طاهر الدّقّاق ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن المكتفي ، حدّثنا جحظة قال : قال جعفر بن يحيى : نظر أمير المؤمنين السّفّاح في المرآة ـ وكان من أجمل الناس وجها ـ فقال : اللهم إني لا أقول كما قال عبد الملك أنا عبد الملك الشاب ، ولكن أقول اللهم عمرني طويلا في طاعتك ممتعا بالعافية. فما استتم كلامه حتى سمع غلاما يقول لغلام آخر : الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام ،

٥١

فتطير من كلامه ، وقال : حسبي الله ، لا قوة إلا بالله ، عليه توكلي وبه أستعين ، فما مضت الأيام حتى أخذته الحمى ، فجعل يوم يتصل إلى يوم حتى مات بعد شهرين وخمسة أيام.

أخبرني الحسن بن محمّد الخلّال ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران ، حدّثنا محمّد بن سهل بن الفضيل الكاتب ، حدّثنا عبد الله بن أبي سعد قال : ذكر محمّد بن عبد الله بن مالك الخزاعيّ أن الرّشيد قال لابنه : كان أبو العبّاس عيسى بن علي راهبنا وعالمنا أهل البيت ، ولم يزل في خدمة أبي محمّد علي بن عبد الله إلى أن توفي ، ثم خدم أبا عبد الله إلى وقت وفاته ، ثم إبراهيم الإمام ، وأبا العبّاس ، والمنصور ، فحفظ جميع أخبارهم ، وسيرهم ، وأمورهم ، وكان قرة عينه في الدّنيا إسحاق ابنه ، فليس فينا أهل البيت أحدا أعرف بأمرنا من إسحاق ، فاستكثر منه ، واحفظ جميع ما يحدثك به ، فإنه ليس دون أبيه في الفضل ، وإيثار الصدق ، قال : فأعلمته أني قد سمعت منه شيئا كثيرا ، فسألني : هل سمعت خبر وفاة أبي العبّاس أمير المؤمنين؟ فأعلمته أني قد سمعته ، فقال قد سمعت هذا الحديث من أبي العبّاس عيسى بن علي ، فحدثني ما حدثك به إسحاق لأنظر أين هو مما حدّثني به أبوه؟ فقال : حدّثني إسحاق بن عيسى عن أبيه أنه دخل في أول النهار من يوم عرفة على أبي العبّاس وهو في مدينته بالأنبار ، قال إسحاق : قال أبي : وكنت قد تخلفت عنه أياما لم أركب إليه فيها ، فعاتبني على تخلفي كان عنه ، فأعلمته أني كنت أصوم منذ أول يوم من أيام العشر فقبل عذري. وقال لي : أنا في يومي هذا صائم ، فأقم عندي لتقضيني فيه بمحادثتك إياي ما فاتني في الأيام التي تخلفت عني فيها ، ثم تختم ذلك بإفطارك عندي ، فأعلمته أني أفعل ذلك ، وأقمت إلى أن تبينت النعاس في عينيه قد غلب عليه ، فنهضت عنه واستمر في النوم ، فملت بين القائلة في داره ، وبين القائلة في داري ، فمالت نفسي إلى الانصراف إلى منزلي لأقيل في الموضع الذي اعتدت القائلة فيه ، فصرت إلى منزلي وقلت إلى وقت الزوال ، ثم ركبت إلى دار أمير المؤمنين فوافيت إلى باب الرحبة الخارج ، فإذا برجل دحداح حسن الوجه مؤتزر بإزار ، مترد بآخر ، فسلم عليّ فقال : هنأ الله أمير المؤمنين هذه النعمة وكل نعمة ، البشرى أنا وافد أهل السند ، أتيت أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم وبيعتهم ، فما تمالكت سرورا إلى أن حمدت الله على توفيقه إلىّ للانصراف رغبة في أن أبشر أمير المؤمنين بهذه البشرى ، فما توسطت الرحبة حتى وافى رجل في مثل لونه وهيئته ، وقريب الصورة من صورته ، فسلم على كما سلم

٥٢

على الآخر ، وهنأني بمثل تهنئته ، وذكر أنه وافد أهل إفريقية أتى أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم ، فتضاعف سروري ، وأكثرت من حمدي على ما وفقني له من الانصراف ، ثم دخلت الدار فسألت عن أمير المؤمنين ، فأخبرت أنه في موضع كان يتهيأ فيه للصلاة ، وكان يكون فيه سواكه ، وتسريح لحيته ، فدخلت إليه وهو يسرح لحيته ، فابتدأت بتهنئته ، وأعلمته أني رأيت ببابه رجلين؟ أحدهما وافد أهل السند فوقع عليه زمع وقال : الآخر وافد أهل إفريقية بسمعهم وطاعتهم فقلت نعم! فسقط المشط من يده ثم قال : سبحان الله ، كل شيء بائد سواه ، نعيت والله نفسي : حدّثني إبراهيم الإمام عن أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن علي بن أبي طالب عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه يقدم عليّ في يوم واحد في مدينتي هذه وافدان وافد السند ، والآخر وافد إفريقية ، بسمعهم وطاعتهم وبيعتهم ، فلا يمضي بعد ذلك ثلاثة أيام حتى أموت. وقد أتاني الوافدان ، فأعظم الله أجرك يا عم في ابن أخيك ، فقلت له : كلا يا أمير المؤمنين إن شاء الله ، فقال : بلى إن شاء الله لئن كانت الدّنيا حبيبة إليّ ، فصحة الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحب إلىّ منها ، والله ما كذبت ولا كذّبت ، ثم نهض وقال لي : لا ترم من مكانك حتى أخرج إليك ، فما غاب حينا حتى أذنه المؤذّنون بصلاة الظهر ، فخرج إلى خادم له فأمرني بالخروج إلى المسجد والصلاة بالناس ففعلت ذلك ، ورجعت إلى موضعي حتى أذنه المؤذّنون بصلاة العصر ، فخرج إلى الخادم فأمرني بالصلاة بالناس والرجوع إلى موضعي ، ففعلت ، ثم أذنه المؤذّنون بصلاة المغرب ، فخرج الخادم إلىّ فأمرني بمثل ما كان أمرني به في صلاة الظهر والعصر ففعلت ذلك ، ثم عدت إلى مكاني ، ثم أذنه المؤذّنون بصلاة العشاء فخرج إلى الخادم فأمرني بمثل ما كان يأمرني به ففعلت مثل ما كنت أفعل ، ولم أزل مقيما بمكاني إلى أن مر الليل ، ووجبت صلاته ، فقمت فتنفلت حتى فرغت من صلاة الليل والوتر ، إلا بقية بقيت من القنوت ، فخرج عند ذلك ومعه كتاب فدفعه إلىّ حين سلمت ، فإذا هو معنون مختوم ، من عند عبد الله أمير المؤمنين إلى الرسول والأولياء وجميع المسلمين ، وقال : يا عم اركب في غد فصل بالناس في المصلى ، وانحر وأخبر بعلة أمير المؤمنين ، وأكثر لزومك داره ، فإذا قضى نحبه فاكتم وفاته حتى يقرأ هذا الكتاب على الناس ، وتأخذ عليهم البيعة للمسمى في هذا الكتاب ، فإذا أخذتها واستحلفت الناس عليها بمؤكدات الأيمان ، فانع إليهم أمير المؤمنين ، وجهزه وتول الصّلاة عليه ، ثم انصرف في حفظ الله وتأهب لركوبك. فقلت : يا أمير المؤمنين ، هل وجدت علة؟ قال : يا عم وأي علة هي

٥٣

أقوى وأصدق من الخبر الصادق عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم!! فأخذت الكتاب ونهضت ، فما مشيت إلا خطى حتى هتف بي فأمرني بالرجوع فرجعت وقال لي : الله قد ألبسك كمالا أكره أن يحطك الناس فيه ، وكتابي الذي في يدك مختوم ، وسيقول من يحسدك على ما جرى على يديك من هذا الأمر الجليل إنك إنما وفيت للمسمى في هذا الكتاب لأن الكتاب كان مختوما ، وقد رأى أمير المؤمنين أن يدفع إليك خاتمه ليقطع بذلك ألسنة الحسدة عنك ، فخذ الخاتم فو الله لتفين للمسمى في هذا الكتاب ، وليلين الخلافة ، ما كذبت ولا كذّبت ، وانصرف وتأهبت للركوب ، فركبت وركب معي الناس ، حتى صليت بأهل العسكر ، ونحرت وانصرفت إليه. فسألته عن خبره فقال : خبر ما به الموت لا محالة ، فقلت يا أمير المؤمنين هل وجدت شيئا؟ فأنكر علىّ قولي ، وكشر في وجهي وقال : يا سبحان الله أقول لك إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إنه يموت ، فتسألني عما أجد! لا تعد لمثل هذا الذي كان منك ، ثم دخلت إليه عشية يوم العيد ، وكان من أحسن من عاينته عيناي وجها ، فرأيته في تلك العشية وقد حدثت في وجهه وردية لم أكن أعهدها ، فزادت وجهه كمالا ، ثم بصرت بإحدى وجنتيه في الحمرة حبة مثل حبة الخردل بيضاء ، فارتبت بها ، ثم صوبت بطرفي إلى الوجنة الأخرى فوجدت فيها حبة أخرى ، ثم أعدت نظري إلى الوجنة التي عاينتها بديا فرأيت الحبة قد صارت اثنتين ، ثم لم أزل أرى الحب يزداد حتى رأيت في كل جانب من وجنتيه مقدار الدينار حبا أبيض صغارا ، فانصرفت وهو على هذه الحال ، وغلست غداة اليوم الثاني من أيام التشريق ، فوجدته قد هجر وذهبت عنه معرفتي ومعرفة غيري ، فرحت إليه بالعشي فوجدته قد صار مثل الزق المنفوخ ، وتوفي في اليوم الثالث من أيام التشريق ، فسجيته كما أمرني وخرجت إلى الناس وقرأت عليهم الكتاب وكان فيه : من عبد الله أمير المؤمنين إلى الرسول والأولياء وجماعة المسلمين ، سلام عليكم أما بعد ، فقد قلد أمير المؤمنين الخلافة عليكم بعد وفاته أخاه ، فاسمعوا له وأطيعوا ، وقد قلد الخلافة من بعد ، عبد الله بن موسى ـ إن كان ـ. قال إسحاق بن عيسى : قال لي أبي : ما نزلت عن المنبر حتى وقع الاختلاف بين الناس فيما كتب به أمير المؤمنين في عيسى بن موسى ـ إن كان ـ فقال ، فقال قوم أراد بقوله ، لها موضعا ، وقال آخرون أراد بقوله إن كان هذا لا يكون ، ثم أخذت البيعة على الناس وجهزته ، وصليت عليه ودفنته في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة

٥٤

فقال الرّشيد : هكذا حدّثني أبو العبّاس ، ما غادر إسحاق من حديث أبيه حرفا واحدا ، فاستكثروا من الاستماع منه ، فنعم حامل العلم هو.

٥١٧٩ عبد الله أمير المؤمنين المنصور بن محمّد بن علي بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب ، يكنى أبا جعفر(١) :

استخلف بعد أخيه السّفّاح ، وكان المنصور حاجّا في وقت وفاة السّفّاح ، فعقد له البيعة بالأنبار عمه عيسى بن علي ، وورد الخبر على المنصور في أربعة عشر يوما ، وكان له من السن إذ ذاك إحدى وأربعون سنة وشهور.

أخبرنا عبد العزيز بن علي الورّاق ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد المفيد ، حدّثنا أبو بشر محمّد بن أحمد بن حمّاد الأنصاريّ قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن إبراهيم الكاتب قال : بويع المنصور يوم الاثنين لأربع عشرة خلت من ذي الحجة وهو ابن إحدى وأربعين سنة وعشرة أشهر ، وأمه سلامة البربريّة ، وقام ببيعته عمه عيسى ابن علي ، وأتت الخلافة أبا جعفر وهو بطريق مكة بموضع يقال له الصّفينة ، فقال : صفا أمرنا إن شاء الله.

وقال أبو بشر : قال أبو موسى هارون بن محمّد بن إسحاق بن موسى بن عيسى ابن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس ، حدّثني عبد الله بن عيسى الأمويّ ، عن إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : مولد أبي جعفر المنصور بالحميمة في صفر سنة خمس وتسعين ، وبويع له يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة ، وهو ابن إحدى وأربعين سنة وعشرة أشهر.

وقال أبو بشر : أخبرني طاهر بن يحيى بن حسن الطّالبي ، عن علي بن حبيش المدينيّ ، عن علي بن ميسرة الرّازيّ قال : رأيت سنة خمس وعشرين أبا جعفر المنصور بمكة ، فتى أسمر رقيق السمرة ، موفر اللمة ، خفيف اللحية ، رحب الجبهة ، أقنى الأنف بين القنى ، أعين كأن عينيه لسانان ناطقان تخالطه أبهة الملوك بزي النساك. تقبله القلوب ، وتتبعه العيون ، يعرف الشرف في تواضعه ، والعتق في صورته ، واللب في مشيته.

__________________

(١) ٥١٧٩ انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ٧ / ٣٣٤ ـ ٨ ، ٣٤٨ / ٢١٩. وتاريخ ابن الأثير ٥ / ١٧٢ ، ٦ / ٦. والطبري ٩ / ٢٩٢ ـ ٢٢٣. والبدء والتاريخ ٦ / ٩٠. واليعقوبي ٣ / ١٠٠. وتاريخ الخميس ٢ / ٣٢٤ ، ٣٢٩. والنبراس ٢٤ ـ ٣٠. ومروج الذهب ٢ / ١٨٠ ـ ١٩٤. وفوات الوفيات ١ / ٢٣٢. والأعلام ٤ / ١١٧.

٥٥

أخبرنا القاضي أبو القاسم التنوخي ، حدّثنا محمّد بن عبد الرحيم المازني ، حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدّثني أبو سهل بن علي بن نوبخت قال : كان جدنا نوبخت على دين المجوسية ، وكان في علم النجوم نهاية ، وكان محبوسا بسجن الأهواز ، فقال : رأيت أبا جعفر المنصور وقد أدخل السجن ، فرأيت من هيبته ، وجلالته ، وسيماه ، وحسن وجهه ، وبنائه ، ما لم أره لأحد قط ، فصرت من موضعي إليه فقلت : يا سيدي ليس وجهك من وجوه أهل هذه البلاد ، فقال أجل يا مجوسي ، قلت : فمن أي بلاد أنت؟ فقال : من أهل المدينة ، فقلت : أي مدينة؟ فقال : من مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : وحق الشمس والقمر إنك لمن ولد صاحب المدينة! قال : لا ولكني من عرب المدينة قال : فلم أزل أتقرب إليه وأخدمه حتى سألته عن كنيته فقال : كنيتي أبو جعفر ، فقلت : أبشر ، فو حق المجوسية لتملكن جميع ما في هذه البلدة ، حتى تملك فارس وخراسان والجبال ، فقال لي : وما يدريك يا مجوسي؟ قلت : هو كما أقول ، فاذكر لي هذه البشرى ، فقال : إن قضى شيء فسوف يكون ، قال : قلت قد قضاه الله من السماء فطب نفسا ، وطلبت دواة فوجدتها ، فكتب لي : بسم الله الرّحمن الرحيم ، يا نوبخت إذا فتح الله على المسلمين ، وكفاهم مئونة الظالمين ، ورد الحق إلى أهله ، لم نغفل ما يجب من حق خدمتك إيانا ، وكتب أبو جعفر. قال نوبخت : فلما ولى الخلافة صرت إليه فأخرجت الكتاب ، فقال : أنا له ذاكر ، ولك متوقع ، فالحمد لله الذي صدق وعده ، وحقق الظنّ ، ورد الأمر إلى أهله ، فأسلم نوبخت وكان منجما لأبي جعفر ومولى.

أخبرنا الجوهريّ ، أخبرنا محمّد بن عمران المرزباني ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى المكي ، حدّثنا محمّد بن القاسم بن خلّاد ، عن عبد الله بن سلم ، عن الرّبيع بن يونس الحاجب قال : سمعت المنصور يقول : الخلفاء أربعة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي : والملوك [أربعة] (١) معاوية ، وعبد الملك ، وهشام ، وأنا.

أخبرني أبو الفضل محمّد بن عبد العزيز بن العبّاس بن المهديّ الخطيب ، حدّثنا الحسن بن محمّد بن القاسم المخزوميّ ، حدّثنا أحمد بن موسى بن العبّاس بن مجاهد ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن القاسم أبو العيناء ، حدّثنا الأصمعيّ قال : صعد أبو جعفر المنصور المنبر فقال : الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأومن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

٥٦

لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أذكرك من أنت في ذكره. فقال أبو جعفر : مرحبا مرحبا ، لقد ذكرت جليلا ، وخوفت عظيما ، وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ، والموعظة منا بدت ، ومن عندنا خرجت ، وأنت يا قائلها فأحلف بالله ما الله أردت بها ، وإنما أردت أن يقال قام فقال فعوقب ، فصبر ، فأهون بها من قائلها واهتبلها لله ، ويلك إني غفرتها وإياكم معشر الناس وأمثالها ، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله ، فعاد إلى خطبته كأنما يقرؤها من قرطاس.

أخبرنا محمّد بن الحسين الجازري ، حدّثنا المعافى بن زكريا ، حدّثنا محمّد بن أبي الأزهر البوشنجي قال : حدّثنا الزّبير بن بكّار ، حدّثنا مبارك الطبري قال : سمعت أبا عبيد الله يقول : سمعت أمير المؤمنين المنصور يقول : الخليفة لا يصلحه إلا التقوى ، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة ، والرعية لا يصلحها إلا العدل ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.

حدّثني الأزهري ، حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن الحسين ، حدّثنا أبو بكر بن دريد ، حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ عن يونس قال : كتب زياد بن عبيد الحارثي إلى المنصور يسأله الزّيادة في عطائه وأرزاقه ، وأبلغ في كتابه ، فوقع المنصور في القصة ؛ إن الغنى والبلاغة إذا اجتمعا في رجل أبطراه ، وأمير المؤمنين يشفق عليك من ذلك ، فاكتف بالبلاغة.

قرأت على علي بن أبي علي البصريّ عن إبراهيم بن محمّد الطبري قال : أخبرنا إبراهيم بن علي الهجيمي (١) حدّثنا أبو العيناء قال : دخل المنصور من باب الذهب ، فإذا بثلاثة قناديل مصطفة ، فقال : ما هذا؟ أما واحد من هذا كان كافيا ، يقتصر من هذا على واحد ، قال : فلما أصبح أشرف على الناس وهم يتغدون ، فرأى الطعام قد خف من بين أيديهم قبل أن يشبعوا. فقال : يا غلام على بالقهرمان ، قال : مالي رأيت الطعام قد خف من بين أيدي الناس قبل أن يشبعوا؟ قال : يا أمير المؤمنين أريتك قد قدّرت الزيت فقدرت الطعام ، قال : فقال وأنت لا تفرق بين زيت يحترق في غير ذات الله ، وهذا طعام إذا فضل فضل وجدت له آكلا ، أبطحوه قال : فبطحوه فضربه سبع درر.

أخبرنا الحسين بن محمّد أخو الخلّال قال : أخبرني إبراهيم بن عبد الله الشطي ،

__________________

(١) في الأصل والمطبوعة : «الجهيمي».

٥٧

حدّثنا أبو إسحاق الهجيمي ، حدّثنا محمّد بن القاسم أبو العيناء قال : قال لي إسماعيل بن بريهة عن بعض أهله عن الرّبيع الحاجب قال : لما مات المنصور قال لي المهديّ : يا ربيع قم بنا حتى ندور في خزائن أمير المؤمنين قال : فدرنا فوقفنا على بيت فيه أربعمائة حبّ مطينة الرءوس ، قال : قلنا ما هذه؟ قيل هذه فيها أكباد مملحة أعدها المنصور للحصار.

أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني ، وعلي بن محمّد بن عبد الواحد البلدي ، ومحمّد بن الحسين بن محمّد الجازري ـ قال أحمد : أخبرنا وقالا : حدّثنا ـ المعافى بن زكريا الجريري ، حدّثنا محمّد بن الحسن بن دريد ، أخبرنا الحسن بن خضر عن أبيه قال : دخل رجل على المنصور فقال :

أقول له حين واجهته

عليك السلام أبا جعفر

فقال له المنصور : وعليك السلام ، فقال :

فأنت المهذب من هاشم

وفي الفرع منها الذي يذكر

فقال له المنصور : ذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال :

فهذي ثيابي قد أخلقت

وقد عضني زمن منكر

فألقى إليه المنصور ثيابه وقال : هذه بدلها.

أخبرنا الجوهريّ ، أخبرنا محمّد بن العبّاس ، أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد الرياشي عن محمّد بن سلام قال : رأت جارية المنصور قميصه مرقوعا ، فقالت : أخليفة وقميصه مرقوع؟! فقال : ويحك أما سمعت ما قال ابن هرمة :

قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه

خلق وجيب قميصه مرقوع

حدّثني الحسن بن محمّد الخلّال ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران ، حدّثنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار ، حدّثنا محمّد بن يزيد المبرد قال : دخل أعرابي على المنصور فكلمه بكلام أعجبه فقال له المنصور : سل حاجتك ، قال ما لي حاجة يا أمير المؤمنين فأطال الله عمرك ، وأنعم على الرعية بدوام النعمة عليك ، قال : ويحك سل حاجتك فإنه لا يمكنك الدخول علينا كلما أردت ، ولا يمكننا أن نأمر لك كلما دخلت ، قال : ولم يا أمير المؤمنين ، وأنا لا أستقصر عمرك ، ولا أغتنم مالك؟ وإن العرب لتعلم في مشارق الأرض ومغاربها أن مناجاتك شرف ، وما لشريف عنك

٥٨

منحرف ، وإن عطاءك لزين ، وما مسألتك بنقص ولا شين. فتمثل المنصور بقول الأعشى :

فجربوه فما زادت تجاربهم

أبا قدامة إلا المجد والقنعا

ثم قال : يا غلام أعطه ألف دينار.

أخبرنا التنوخي ، أخبرنا محمّد بن عبد الرحيم المازني ، حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدّثنا ابن أبي سعد ، حدّثني أبو زيد ، حدّثني أيّوب بن عمرو بن أبي عمرو ـ أبو سلمة العقاري ـ حدّثني قطن بن معاوية الغلابي قال : كنت ممن سارع إلى إبراهيم واجتهد معه ، فلما قتل طلبني أبو جعفر واستخفيت ، فقبض أموالي ودوري ، ولحقت بالبادية فجاورت في بني نصر بن معاوية ، ثم في بني كلاب ، ثم في بني فزارة ، ثم في بني سليم ، ثم تنقلت في بلاد قيس أجاورهم حتى ضقت ذرعا بالاستخفاء ، فأزمعت على القدوم على أبي جعفر والاعتراف له ، فقدمت البصرة فنزلت في طرف منها ، ثم أرسلت إلى أبي عمرو بن العلاء ـ وكان لي ودّا ـ فشاورته في الذي أزمعت عليه ، ففيّل رأيي ، وقال : والله إذا ليقتلنك ، وإنك لتعين على نفسك ، فلم ألتفت إليه ، وشخصت حتى قدمت بغداد وقد بنى أبو جعفر مدينته ونزلها ، وليس من الناس أحد يركب فيها ما خلا المهديّ ، فنزلت الخان ثم قلت لغلماني : أنا ذاهب إلى أمير المؤمنين ، فأمهلوا ثلاثا ، فإن جئتكم وإلا فانصرفوا ، ومضيت حتى دخلت المدينة ، فجئت دار الرّبيع والناس ينتظرونه ، وهو يومئذ داخل المدينة في الشارعة على قصر الذهب ، فلم ألبث أن خرج يمشي ، فقام إليه الناس وقمت معهم ، فسلمت عليه فرد عليّ وقال : من أنت؟ قلت : قطن بن معاوية ، قال : انظر ما تقول!! قلت : أنا هو ، فأقبل على مسودة معه فقال احتفظوا بهذا ، قال : فلما حرست لحقتني ندامة وتذكرت رأي أبي عمرو فتأسفت عليه ، ودخل الرّبيع فلم يطل حتى خرج بخصى ، فأخذ بيدي فأدخلني قصر الذهب ، ثم أتى بيتا حصينا فأدخلني فيه ، ثم أغلق بابه وانطلق ، فاشتدت ندامتي وأيقنت بالبلاء ، وخلوت بنفسي ألومها ، فلما كانت الظهر أتاني الخصى بماء فتوضأت وصليت ، وأتاني بطعام فأخبرته أني صائم ، فلما كانت المغرب أتاني بماء فتوضأت وصليت ، وأرخى عليّ الليل سدوله فيئست من الحياة ، وسمعت أبواب المدينة تغلق ، وأقفالها تشدد ، فامتنع مني النوم ، فلما ذهب صدر الليل أتاني الخصى ففتح عني ومضى بي فأدخلني صحن دار ، ثم أدناني من ستر مسدول

٥٩

فخرج علينا خادم فأدخلنا ، فإذا أبو جعفر وحده ، والرّبيع قائم في ناحية ، فأكب أبو جعفر هنيهة مطرقا ، ثم رفع رأسه فقال : هيه؟ قلت : يا أمير المؤمنين أنا قطن بن معاوية ، قد والله جهدت عليك جهدي ، فعصيت أمرك وواليت عدوك ، وحرصت على أن أسلبك ملكك ، فإن عفوت فأهل ذاك أنت ، وإن عاقبت فبأصغر ذنوبي تقتلني. قال : فسكت هنيهة ثم قال : هيه؟ فأعدت مقالتي ، فقال فإن أمير المؤمنين قد عفا عنك. فقلت : يا أمير المؤمنين إني أصير من وراء بابك فلا أصل إليك وضياعي ودوري فهي مقبوضة ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يردها فعل ، فدعا بالدواة ثم أمر خادما فكتب بإملائه إلى عبد الملك بن أيّوب النميري ـ وهو يومئذ على البصرة ـ إن أمير المؤمنين قد رضى عن قطن بن معاوية ، ورد عليه ضياعه ودوره وجميع ما قبض له فاعلم ذلك ، وأنفذه له إن شاء الله. قال : ثم ختم الكتاب ودفعه إلىّ فخرجت من ساعتي لا أدري أين أذهب ، فإذا الحرس بالباب فجلست جانب أحدهم أحدثه فلم ألبث أن خرج علينا الرّبيع فقال : أين الرجل الذي خرج آنفا فقمت إليه فقال : انطلق أيها الرجل ، فقد والله سلمت. فانطلق بي إلى منزله فعشاني وأفرشني ، فلما أصبحت ودعته وأتيت غلماني فأرسلتهم يكترون لي ، فوجدوا صديقا لي من الدهاقين من أهل ميسان قد اكترى سفينة لنفسه ، فحملني معه ، فقدمت على عبد الملك بن أيّوب بكتاب أبي جعفر فأقعدني عنده فلم أقم حتى رد على جميع ما اصطفى لي.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدّثنا محمّد ابن أحمد بن البراء ، حدّثني أحمد بن هشام قال : قال الرّبيع : بينا أنا مع أبي جعفر المنصور في طريق مكة ، تبرز فنزل يقضي حاجة ، فإذا الريح قد ألقت إليه رقعة فيها مكتوب :

أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت

سنوك وأمر الله لا بد واقع

قال : فناداني ، يا ربيع ، تنعي إلى نفسي في رقعة؟! فقلت : لا والله ما أعرف رقعة ، ولا أدري ما هي ، قال : فما رجع من وجهه حتى مات بمكة.

قرأت على ابن رزق عن عثمان بن أحمد قال : حدّثنا ابن البراء قال : حدّثني الحسن بن هشام عن الرّبيع قال : حججت مع المنصور أبي جعفر ، فلما كنا بالقادسية قال لي : يا ربيع إني مقيم بهذا المنزل ثلاثا ، فناد في الناس فناديت ، فلما كان الغد قال لي : يا ربيع أجمت المنزل فناد بالرحيل ، فقلت : ناديت أمس إنك مقيم بهذا المنزل

٦٠