بحوث في علم الرجال

الشيخ محمد آصف المحسني

بحوث في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مركز المصطفى العالمي للترجمة والنشر
المطبعة: زلال كوثر
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-195-211-4
الصفحات: ٤٥٦

لكن المحدّث النوري رحمه‌الله فهم منه توثيق الّذين روي عنهم ابن قولويه بلا واسطة ، أي : خصوص مشائخه. (١)

أقول : ويمكن أن نستدلّ على قول النوري بوجهين :

الأوّل : قوله المعروفين بالرّواية المشهورين بالحديث والعلم ؛ إذ من الظاهر أنّ جميع رواة روايات كتابه ليسوا بمعروفين في الرّواية ولا مشهورين بالحديث والعلم ، بل حالهم حال سائر الرّواة ولا أظنّ أنّ ابن قولويه كان معتقدا معروفيتهم وشهرتهم في العلم ، فضلا عن كونهم كذلك في الواقع ونفس الأمر.

أقول : لكن عبارة ابن قولويه لا تدلّ على أنّه لا يروي إلّا عن المعروف بالرّواية ، والمشهور بالحديث والعلم ، بل تحتمل الوجهين المتقدّمين.

الثّاني : وجود المراسيل والضعاف في كتابه في غير مشائخه.

لا يقال : إطلاق توثيقه محكم في غير ما علم بطلانه.

فإنّه يقال : إنّ وجود المراسيل قرينة على اختصاص التّوثيق بالمشائخ وحدهم ، كيف ولا يحتمل عدوله ـ بناء على عموم التوثيق ـ عن مبنائه في أوّل كتابه؟ فقد ذكر في الباب الأوّل في الرّواية الثالثة عن أحمد بن إدريس عمّن ذكره عن محمّد بن سنان عن محمّد بن علي رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ... من هذا الّذي يرويه عنه أحمد بن إدريس ، وكيف علم أنّهم من أصحابنا الثّقات؟

وأمّا محمّد بن سنان فحاله معلوم في الرجال ، ثمّ من هم الّذين توسّطوا بين محمّد بن علي ، وبين النّبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي نفس الباب في الرّواية الرّابعة : عن يحيى وكان خادما لأبي جعفر الثّاني عليه‌السلام عن بعض أصحابنا رفعه إلى محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ... والسّند في غاية الجهالة ، حتّى من بعد يحيى المذكور.

ولا يحتمل عدوله عمّا ذكره أوّلا في هذه الفاصلة القليلة جدّا.

وفي الرّواية التّاسعة من الباب الثّاني : عن محمّد بن سليمان الديلمي ، عن أبي حجر الأسلمي. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ...

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٢٣. وهذا الاعتدال من مثله عجيب ، فإنّه أفرط في خاتمة كتابه مستدرك الوسائل في توثيق الرّواة ، وخرج عن الحقّ ، وجانب الإنصاف في اعتبار الرّوايات وتوثيق الرّواة ولا يجوز لطلّاب الحقّ وأرباب الاستنباط أن يغتروا بتوثيقاته وأن يعتمدوا على آرائه ، فإنّ ذلك يبعدهم عن الحقّ بعدا عفي الله عنه وعنّا.

وعلى كلّ أنّ مشائخه يبلغون ٣٢ شخصا ، كما ذكرهم بعض المؤلّفين تفصيلا.

٦١

أقول : محمّد بن سليمان رمي بالغلوّ.

وأمّا أبو حجر فقال الفاضل المامقاني في باب الكني : أبو حجر الأسلمي لم يتبيّن اسمه ، وإنّما روي محمّد بن سليمان الديلمي عنه من دون ذكر اسمه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، لكن روي في باب زيارة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الكافي هذا الخبر بعينه عن محمّد بن سليمان ، عن أبي يحيى الأسلمي ، عن أبي عبد الله ، فيمكن أن يكون أحدهما مصحّف الآخر ، أو كونهما رجلين.

أقول : سواء أكان الأسلمي من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما هو ظاهر كامل الزيارات ، أم لا ، تكون الرّواية مرسلة ، وعلى كلّ الأسلمي مهمل مجهول.

هذا ما نقلناه من أوّل هذا الكتاب ومثله كثير إلى آخر الكتاب ، لكن يبعّد قول المحدّث النوري أمران :

أحدهما : عدم ذكر المشايخ في كلام ابن قولويه ، بل فيه كلمة الأصحاب ، والمتعارف إطلاق كلمة المشايخ على الأساتيذ.

وثانيهما : كلمة الاسترحام ؛ إذ يبعّد وفاة جميع مشائخه حين تأليف أوّل كتابه.

ثمّ إنّ وثاقة جميع رواة الكتاب أمر مهمّ ، فكيف لم يتعرّض لها الشّيخ والنجّاشي قدس‌سرهم؟ وكيف لم تشتهر في زمن ابن طاووس. والعلّامة وابن داود وغيرهم؟

والحقّ : انّ الاستدراك في قول ابن قولويه : ولكن ما وقع لنا من جهة الثقات ليس راجعا إلى عدم النقل والذكر ونحوه ، ليكون ظاهرا في أن جميع المذكورين في أسناد روايات الكتاب ، أو خصوص مشائخه من الثقات ، بل هو راجع إلى عدم الإحاطة المذكور في كلامه إنّا لا نحيط.

وهذا لا يدلّ على أنّ جميع من روي عنه ثقات ، فيجوز أن ينقل في جملة من الموارد من الضعفاء بقرينة أخرى.

دعم وتأكيد

قلنا إنّ عبارة ابن قولويه لا تدلّ على وثاقة جميع من روي عنهم ، كما عن سيّدنا الأستاذ رحمه‌الله ولا على وثاقة كلّ مشائخه ، كما عن المحدّث النوري. ونتعرّض هنا لحال بعض من وقع في أسناد كامل الزيارات ، حتّى يطمئن الباحث الناظر في هذا الكتاب بضعف القولين المذكورين.

١. الحسن بن علي بن أبي عثمان سجادة.

ذكره النجّاشي ، وقال : ضعّفه أصحابنا.

٦٢

ووصفه الشيخ : بالغالي.

وذمّه الكشّي يقوله : على السجادة لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين ، فلقد كان من العليائيّة الّذين يقعون في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وليس لهم في الإسلام نصيب.

وهذا الرجل وقع في أسناد كامل الزيارات.

ويقول الأستاذ في ضمن كلامه : نعم ، لو لم يكن في البين تضعيف ، لأمكننا الحكم بوثاقته مع فساد عقيدته ، بل مع كفره. (١)

أقول : وقد ذكره نحوه في ترجمة أحمد بن هلال أيضا ، ولعلّه لا خلاف بين الرجاليّين في اشتراط الإسلام في الرّاوي ، وكيف يمكن الاعتماد في الدّين على الكافر ، وحصول وثاقته أمر نادر جدّا؟

٢. محمّد بن جمهور العمّي ـ منسوب إلى بني العمّ من تميم ـ :

ضعيف في الحديث فاسد المذهب. وقيل : فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها.

[قول النجّاشي فيه.]

ويقول الشّيخ في فهرسته ... : أخبرنا برواياته وكتبه كلّها إلّا ما كان فيه من غلوّ أو تخليط ... ويقول في رجاله في حقّه : بصري غال.

وهذا الرجل وقع في أسناد أحاديث كامل الزيارات ، وتفسير القمّي ، والطرفة أن السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله يقول في معجمه : الظّاهر أنّ الرّجل ثقة ، وإن كان فاسد المذهب ؛ لشهادة ابن قولويه بوثاقته ، غاية الأمر أنّه ضعيف في الحديث ، لما في روايته من تخليط وغلوّ.

أقول للأستاذ : فمن أين جاء الغلوّ؟ أهو من وضع ثقات أصحابنا أم من وضع الغلاة الكاذبين؟

٣. عبد الله بن القاسم الحارثي :

جرّحه النجّاشي بقوله : ضعيف غال ، وقد وقع في أسناد أحاديث كامل الزيارات وقد ذكر السّيد الأستاذ حول البحث كلاما لا يحسن به. (٢)

٤. عبد الله بن القاسم الحضرمي :

وصفه النجّاشي بالكذّاب الغالي ، وروي عنه في الكامل. ويرى السّيد الأستاذ تعارض التضعيف بالتوثيق الّذي استفاده من كلام ابن قولويه.

__________________

(١) معجم الرجال الحديث : ٥ / ٢٢.

(٢) المصدر : ١٠ / ٢٩٧.

٦٣

٥. سهل بن زياد :

يقول النجّاشي : إنّه كان ضعيفا في الحديث غير معتمد ، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب ، وأخرجه من قمّ إلى الريّ وضعفّه غير واحد. ويقول الأستاذ في معجمه : بل الظّاهر من كلام الشّيخ في الاستبصار إنّ ضعفه كان متسالما عليه عند نقاد الأخبار ، ومع ذلك فقد وقع في أسناد كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم. (١)

والحقّ أنّ وقوع مثل هؤلآء الرّواة في كامل الزيارات دليل واضح على ما قلنا من عدم إرادة ابن قولويه وثاقة جميع رواة أحاديث كتابه ، بل دليل على تضعيف التّوثيق العامّ المذكور ، حتّى إن أراده.

ولو فرضت صحّته لأصبح ٣٨٨ شخصا من الثّقات ، كما قيل.

خاتمة : اطّلعت على كلام للسّيد السيستاني (طال عمره) حين التّصحيح للطبعة الثالثة ، في كتابه : قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، وهو : لكن الصّحيح أنّ العبارة ـ أي : عبارة ابن قولويه المتقدّمة ـ المذكورة لا تدلّ على هذا المعنى ـ أي : وثاقة رواة كتابه ـ بل مفادها إنّه لم يورد في كتابه روايات الضعفاء والمجروحين ، لم يكن قد أخرجها الرجال الثقات المشهورون بالحديث والعلم ... وأمّا لو كان قد أخرجها بعض هؤلآء فهو يعتمدها ويوردها في كتابه ، فكأنّه يكتفي في الاعتماد على روايات الشّذاذ من الرجال ـ على حدّ تعبيره ـ بإيرادها من قبل بعض هؤلآء الأعاظم من نقّاد الحديث. (٢)

أقول : وهذا الكلام لا بأس به كما مرّ.

ثمّ إنّه شاع في أواخر حياة سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله أنّه رجع عن قوله بوثاقة جميع رواة الأحاديث المذكورة في كامل الزيارات في غير فرض التعارض ، وقال باختصاص كلام ابن قولويه بمشائخه فبني على وثاقتهم فقط كالشّيخ النّوري.

وقد كتبت له رحمه‌الله من الباكستان أيّام جهادنا ضد الشّيوعيّين السوفيت : إنّ كتابكم ـ معجم رجال الحديث ـ كتاب نفيس مفيد ، لكن فيه نواقص وعدّدنا من نواقصه توثيق رواة الأحاديث في كامل الزّيارات ...

وياليته لم يذكر ذلك في كتابه رأسا.

__________________

(١) المصدر : ٨ / ٣٤١.

(٢) قاعدة لا ضرر ولا ضرار : ٢١.

٦٤

البحث السادس

حول وثاقة مشائخ النجّاشي

للنجّاشي كلمات في تراجم جعفر بن محمّد بن مالك ، وأحمد بن محمّد بن عبيد الله بن الحسن ، وإسحاق بن الحسن بن بكران ، ومحمّد بن عبد الله بن محمّد أبو المفضل ، وغيرهم. استنبط منها السّيد بحر العلوم في رجاله (١) ، والمحدّث النوري في مستدركه (٢) ، أنّ مشائخ النجّاشي في كتابه كلّهم ثقات ، وتبعهما غيرهما منهم سيّدنا الأستاذ ، وكان يكرّره في دروسه أيّام تحصيلنا ، وذكره أخيرا في كتابه معجم رجال الحديث. (٣) وينبغي أن ننقل تلك الكلمات إيضاحا لحقيقة الحال.

قال النجّاشي في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك : كان ضعيفا في الحديث.

وقال أحمد بن الحسين : كان يضع الحديث وضعا ، ويروي عن المجاهيل.

وسمعت من قال : كان فاسد المذهب والرّواية ، ولا أدري كيف روي عنه شيخنا النّبيل الثّقة أبو علي بن همّام ، وشيخنا الجليل الثّقة ، أبو غالب الزراري ... أخبرنا ... بكتبه .... (٤)

وقال في ترجمة أحمد بن محمّد الجوهري : كان سمع الحديث فأكثر واضطرب في آخر عمره ... رأيت هذا الشّيخ وكان صديقا لي ولوالدي ، وسمعت منه شيئا كثيرا ، ورأيت شيوخنا يضعفّونه ، فلم أرو عنه شيئا وتجنبته و .... (٥)

__________________

(١) الرجال ، للسّيد بحر العلوم : ٢ / ٩٣.

(٢) مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٠٣.

(٣) معجم رجال الحديث : ١ / ٦٤.

(٤) رجال النجاشي : ٩٤.

(٥) المصدر : ٦٧.

٦٥

وقال في ترجمة إسحاق بن الحسن (١) : كثير السماع ضعيف في مذهبه رأيته بالكوفة وهو مجاور وكان يروي كتاب الكليني عنه ، وكان في هذا الوقت غلوا (علوا) فلم أسمع منه شيئا. (٢)

وقال في ترجمة محمّد بن عبد الله ابى المفضل : وكان في أوّل أمره ثبتا ثمّ خلط ، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه له كتب ... رأيت هذا الشّيخ وسمعت منه كثيرا ، ثمّ توقّفت عن الرّواية إلّا بواسطة بيني وبينه. (٣)

أقول : هذه الكلمات لا تدلّ على أن النجّاشي لا يروي عن غير الثّقة ، وبالتالي لا تدلّ على وثاقة مشائخه ، أمّا كلامه في المورد الأوّل ، فالمفهوم من تعجبه من عمل شيخيه إنّه لا يروي عن واضع الحديث ، وفاسد المذهب والرواية ، وأين هذا من عدم روايته إلّا عن ثقة؟

وأمّا في المورد الثالث ، فإنّ سلّمنا دلالته على شيء فهو يدلّ على أنّه لا يروي بل لا يسمع عمّن هو ضعيف في مذهبه ، وهذا لا يثبت ما قالوه.

على أنّ بعضهم فسّر كلامه الأخير هكذا : وكان رواية الكافي في هذا الوقت غلوّا عند أهل العصر ، فلم أسمع منه شيئا لئلّا اتّهم بالغلوّ (٤) ، وهذا المعنى ، بل احتمال إرادته يضعف ما استنبطوه منه من أنّه لا يروي إلّا عن ثقة.

وأمّا في المورد الرابع والثّاني ، فمدلوله أنّه لا يروي عمّن ضعّفه شيوخنا أو ضعفه جلّ أصحابنا ، وهو مخلط.

وهذا لا يدلّ على أنّه لا يروي عن ضعيف لم يشتهر ضعفه عند شيوخه.

وما ذكره سيّدنا الأستاذ الخوئي في معجمه من أنّه طريق إلى نفس الضعف ، وأنّه لا يروي عن مطلق الضعيف غير واضح ، فإذا : حال شيوخ النجّاشي كحال غيرهم في احتياجهم إلى التّوثيق ، والله الهادي.

ثمّ إنّه بقي في المقام أمور ثلاثة :

الأوّل : في تفسير قول النجّاشي في المورد الرّابع : إلّا بواسطة بيني وبينه.

__________________

(١) المصدر : ٥٧.

(٢) رجال النجاشي : ٥٧.

(٣) المصدر : ٣٠٩.

(٤) انظر : رجال المامقاني.

٦٦

فعن الحائري في منتهي المقال : يشير إلى عدم ضعفه ، وإلّا فأيّ مدخل للواسطة؟ بل الظاهر أنّه مجرّد تورّع واحتياط عن اتّهامه بالرّواية عن المتّهمين.

وعن السّيد الأستاذ في معجمه : مراده إنّه لا يروي عنه طريقه إلى كتاب بمثل حدّثني أو أخبرني ، وأمّا النّقل عنه بمثل قال ، فقد وقع منه في ترجمة ابن بطة ، وفي ترجمة ابن أبي الثلج.

وعن قاموس الرجال : مراده أنّه أدرك عصر تخليطه ، فلم يرو عنه بلا واسطة ، بل روي عن مشائخ أدركوا عصر ثبته فرووا عنه فروي عنهم عنه.

وعن العلّامة الرّازي صاحب طبقات أعلام الشّيعة (١) : كان عمر النجّاشي يوم وفاة أبي المفضل خمسة عشر سنة فترك الرّواية عنه إلّا بالواسطة إنّما هو لاحتياطه من جهة صغر سنّه وقت السّماع لا من جهة غمز الأصحاب فيه ، لأنّه حكى الغمز عنهم من دون تصديق. (٢)

أقول : هذه الوجوه مع اختلافها في ما بينها ، ووضوح ضعف بعضها ، ربّما يكون بعضها دليلا على عدم دلالة كلام النجّاشي على ما ادّعوه ، وأمّا المورد ان المشار إليهما في كلام سيّدنا الأستاذ الخوئي فهما ، إمّا من تخلّف النجّاشي عن بنائه ، أو من أجل اختصاص وعده بترك نقل الأحاديث عنه دون نقل مؤلّفات المؤلّفين ، كما يخطر ببالي. وعلى كلّ كلام السّيد الأستاذ قدس‌سره ضعيف. (٣)

الثّاني : يحتمل اختصاص كلام النجّاشي بنقل الأحاديث دون نقل أسامي الكتب ومؤلّفات الأصحاب ، فإنّ الثّاني دون الأوّل في الأهمّيّة بدرجات ؛ ونتيجة ذلك عدم صحّة الحكم بوثاقة مشائخه في فهرسته (رجاله) كما صدر عن جمع ، فإنّ الفهرست وضع لمجرّد إثبات ما ألّفه السّلف الصالح على ما يأتي أيضا في البحث الرّابع والأربعين ، إن شاء الله تعالى. ويجب على المحقّق أن يتدبّر في هذا البحث.

الثالث : إنّ كلمات النجّاشي على تقدير دلالتها على أنّه لا يروي عن مطلق الضعفاء ـ وقد عرفت عدم ثبوتها ـ لا تنفي الرّواية عن المجهولين ، فلا يستنتج منها إنّه لا يروي إلّا عن ثقة.

__________________

(١) انظر : طبقات أعلام الشيعة : ٢٨٠.

(٢) انظر : مستدرك النوري رحمه‌الله : ٣ / ٥٠٤ ؛ معجم الرجال : ١٦ / ٢٨٣ ، و ١٧ / ٢٦٠ ؛ رجال السّيد بحر العلوم رحمه‌الله : ٢ / ٩٥.

(٣) يمكن أن يقال : إنّ ذلك الاستثناء في كلام النجّاشي ينافي ما استظهروه من كلامه ، إذ كما إنّه يروي عن الضعيف مع الواسطة ، فيمكن أن يروي عنه بلا واسطة لعلّة أخرى أيضا.

٦٧

لا يقال : إنّ الإنسان لا يشكّ في حال مشائخه إذا إمّا يعلم صدقهم ، وأمّا يعلم كذبهم ، وإذا فرض عدم الرّواية عن الثّاني تعيّن الشقّ الأوّل ، فلا ثمرة لهذا الإشكال.

فإنّه يقال : هذا إنّما يتمّ في المشائخ الّذين صحبهم النجّاشي مدّة وعاشرهم سرّا وعلانيّة ، وأمّا في غيرهم فيمكن جهل حالهم وخفاء وثاقتهم وضعفهم عليه ، وبالتالي لا يتيسّر لنا الحكم بوثاقة مطلق مشائخ النجّاشي ما لم يحرز مصاحبتهم له مدّة كثيرة.

ثمّ إنّ أسماء هؤلآء المشائخ مذكورة في المطوّلات ـ فارجع إليها إن شئت ـ ك : خاتمة المستدرك ، ومعجم رجال الحديث ، ورجال السّيد بحر العلوم.

٦٨

البحث السابع

حول توثيقات ابن عقدة

ذكر الشيخ في أوّل رجاله إنّ لابن عقدة كتابا في رجال الصّادق عليه‌السلام ، وقد بلغ الغاية في ذلك ، ولم يذكر رجال باقي الأئمّة عليهم‌السلام ، لكن طريق الشّيخ إليه في رجاله وفهرسته ومشيخة التّهذيب منحصر بابن الصلت المجهول ، وإن كان من مشائخ النجّاشي.

ولا أذكر في المتأخّرين سوى العلّامة الحلّي قدس‌سره (١) ، حيث ينقل توثيق بعض الرّواة من ابن عقدة ، ولكنّي لم أقف على طريق العلّامة إلى كتاب ابن عقدة لأنظر في صحّته وسقمه. والفاضل المامقاني يرسله إرسال المسلّمات ، والحقّ عدم حجيّة نقل العلّامة للتوثيقات المذكورة ؛ لأنّ أسناد النّقل مجهول ، بل أغلب الظّن عدم طريق للعلّامة قدس‌سره إلى ابن عقدة غير طريق الشّيخ الطّوسي رحمه‌الله ، وقد مرّ أنّه مجهول ، بل لو فرضنا صحّة طريق الشّيخ إلى ابن عقدة لا نقبل أيضا ما نقله العلامة رحمه‌الله عنه ؛ لعدم احتمال معتدّ به بوصول النّسخة المعتبرة من الشّيخ الطّوسي رحمه‌الله بطريق معتبر إليه. والظّاهر إنّه حصل له الكتاب من السّوق أو من شخص فاطمئن بصحتّه.

وينقدح من هذا جهالة من وثقّوه اعتمادا على توثيق ابن عقدة كالحسين بن علوان ، حيث قال ابن عقدة في حقّ أخيه الحسن : إنّه أوثق من أخيه الدّال على أنّ الحسين موثوق به ، وإن كان الحسن أوثق.

وأمّا قول النجّاشي في ترجمة الحسين بن علوان الكلبي : مولاهم كوفي عامي وأخوه

__________________

(١) وقيل ابن داود أيضا ينقل عن ابن عقدة.

٦٩

الحسن يكنّي أبا محمّد ثقة رويا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وليس للحسن كتاب ، والحسن أخصّ بنا وأولى ... وللحسين كتاب.

فقد اختلف في أنّ التّوثيق هل هو للحسن أو الحسين؟

والأرجح أنّ العبارة من هذه الجهة مجملة ، والاحتياط في روايات الحسين إذا صحّ السّند من غير جهته ، لا يترك.

قيل : إنّ الحسن ثقة على كلّ حال ، أمّا على فرض رجوع التّوثيق إليه ، فالأمر واضح ، وأمّا على فرض رجوعه إلى الحسين ، فلقوله : والحسن أخصّ بنا وأولى ... وفيه نظر ؛ إذ أولوية الحسن وأخصيته باعتبار تشيعه ، فإنّ الحسين عامي ، ولا ظهور للعبارة في وثاقته.

والذي يؤيّد الاحتياط أنّ المقام مقام ترجمة الحسين في رجال النجّاشي دون ترجمة أخيه ؛ إذ لا كتاب له حتّى يذكره ، ومن تأمّل في كتاب النجّاشي يظهر له صدق هذا القول ، فلاحظ ولا تترك الاحتياط ، والله العالم.

فائدة

قال العلّامة رحمه‌الله في إجازته الكبيرة لبني زهرة :

ومن ذلك كتاب الولاية تأليف أبي العبّاس أحمد بن سعيد المعروف با بن عقدة الكوفي ، رواه الحسن بن الدربي ، عن الموفّق أبي عبد الله أحمد بن شهريار الخازن ، عن عمّه حمزة بن محمّد ، عن خاله أبي علي بن محمّد بن الحسن (١) ، عن أبيه محمّد بن الحسن ، عن أحمد بن محمّد بن موسى بن الصلت الأهوازي ، عن أبي العبّاس أحمد بن سعيد بن عقدة ، المصنّف. (٢)

أقول :

أوّلا : إنّ هذا الطّريق إلى كتاب الولاية دون كتاب الرّجال.

وثانيا : إنّه مجرّد إخبار وإجازة دون مناولة وقراءة وسماع.

وثالثا : إنّه ينتهي إلى أبي الصّلت المجهول ، كما أشرنا إليه أوّلا.

ورابعا : إن السّند بعد أبي الصّلت أيضا مجهول ، فإنّي لم أقف على حال محمّد بن حمزة ، وأحمد بن شهريار عاجلا.

__________________

(١) هو المفيد ابن الشّيخ الطوسي رحمه‌الله.

(٢) بحار الأنوار : ١٠٤ / ١١٦ ـ ١١٧ ـ طبعة مؤسسة الوفاء ـ بيروت.

٧٠

واعلم أنّي أظنّ أو أثق باعتقاد الشّيخ الطّوسي بسلامة كتاب ابن عقدة من التّحريف والتّصرّف ، كان أبوا الصلت ثقة أم لا ، فكما نعتمد على روايات. الكليني رحمه‌الله عن الفضل بن شاذان في الكافي مع جهالة الواسطة وهو محمّد بن إسماعيل ، بحجّة أنّه شيخ إجازة ، لا شيخ رواية ، واستظهار شهرة كتب الفضل بن شاذان في زمان الكليني واطمئنانه بسلامة تلك الكتب عن التحريف ، فكذا نقول في كتاب رجال ابن عقدة حرفا بحرف. والله العالم ، لكن مقتضى هذا الكلام صحّة ما ينقل عنه الشيخ الطوسي رحمه‌الله دون ما ينقل عنه العلّامة لبعد الزمان واحتمال التحريف في نسخته رحمه‌الله.

٧١

البحث الثامن

حول وثاقة الرّواة في تفسير القمّي

قال علي بن إبراهيم القمّي الثّقة الجليل : ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشائخنا وثقاتنا عن الّذين فرض الله طاعتهم ... (١)

أقول : قد عرضت هذه العبارة قبل سنوات على السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله في النّجف الأشرف أيّام تتلمذت عندة خارج الأصول والفقه ، وقلت له : إنّ عليّ بن إبراهيم مثل ابن قولويه قد وثق رواة تفسيره ... إلّا أنّه رحمه‌الله لم يقبله وقال ـ اعتمادا على قول بعض تلامذته في دروس البحث الخارج : إنّ مقدّمة التّفسير لم يثبت كونها من علي بن إبراهيم. وقد طالبته بدليله فلم يأت بشيء وبعدما خرج كتابه معجم رجال الحديث من الطّبع رأيت تبدّل رأيه الشّريف ، وإليك نص ما أورده :

ولذا نحكم بوثاقة جميع مشائخ علي بن إبراهيم الذين روي عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين عليهم‌السلام فقد قال في مقدّمة تفسيره (ثمّ نقل العبارة المتقدّمة) وقال بعدها : فإنّ في هذا الكلام دلالة ظاهرة على انّه لا يروي في كتابه هذا إلّا عن ثقة. بل استفاد صاحب الوسائل في الفائدة السّادسة في كتابه ... ان كلّ من وقع في أسناد تفسير علي بن إبراهيم المنتهية إلى المعصومين عليهم‌السلام قد شهد علي بن إبراهيم بوثاقته حيث قال : وقد شهد علي بن إبراهيم أيضا بثبوت أحاديث تفسيره وانّها مروية عن الثّقات عن الأئمّة عليهم‌السلام.

ثمّ قال السّيد الأستاذ :

أقول إنّ ما استفاده رحمه‌الله في محلّه فإنّ علي بن إبراهيم يريد بما ذكره إثبات صحّة تفسيره ، وإنّ رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم‌السلام ، وإنّها انتهت إليه بوساطة المشائخ والثّقات من الشّيعة.

__________________

(١) تفسير القمّي : ٤ / ١ ـ الطبعة الحديثة.

٧٢

وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التّوثيق بمشائخه الّذين يروي عنهم علي بن إبراهيم بلا واسطة ، كما زعم بعضهم. (١)

أقول : لقائل أن يدعى العلم إجمالا بوجود عدّة من الضّعفاء في الأسانيد ؛ إذ من المتعسّر جدّا أن تكون تلك الرّوايات الكثيرة في كتابه كلّها ذات أسانيد نقيّة صحيحة ، نقلها الثّقات. فالمطلّع على حال الرّواة والرّوايات يقطع عادة بعدم صحّة إطلاق كلامه رحمه‌الله ، وهذا القطع يسقط حجيّة كلامه ، كما لا يخفى.

ويمكن أن يجاب عنه بأنّ عدّة من الرّواة الواقعين في أسناد روايات كتابه قد علم ضعفهم بتصريح النجّاشي أو الشّيخ أو غيره ، وهؤلآء لا بدّ من إخراجهم من هذا التّوثيق العامّ جمعا بين الكلمات. وبعد إخراج هؤلآء وإخراج من ثبت وثاقتهم بتوثيق علماء الرجال ليس لنا علم إجمالي بوجود ضعاف في المجهولين ، فلا مانع من العمل بظاهر كلامه رحمه‌الله.

هذا ولكن الأظهر خلاف هذا التّصوّر ؛ إذ ليس لكلامه صراحة ولا ظهور معتدبه ، في أنّ رواة رواياته كلّهم ثقات.

وبعبارة أخرى : لم يظهر منه الالتزام بأنّه لا يروي عن غير الثّقة ، بل مفاد كلامه أنّه يروي ويخبر بما انتهى إليه من روايات المشايخ والثّقات ، وأمّا انّه لا يروى عن غير الثقات فهذا غير مفهوم منه ؛ إذ لا حصر في كلامه كما هو موجود في كلام ابن قولويه السّابق.

ويؤيّد هذا ، أو يدلّ عليه أمران :

الأوّل : إنّه على القول الأوّل لا بدّ من القول بحجيّة مراسيله بدليل انّه يروي عن الثّقات ؛ إذ هو رحمه‌الله لم يلتزم بأنّه يذكر أسامي الثّقات ، بل التزم بذكر ما رواه الثّقات ، واحتمال تعارض توثيقه بجرح غيره في رواة المراسيل مندفع بأصالة عدم الجرح فيهم (٢) ، والرّوايات المرسلة كثيرة في كتابه. ولم أر أحدا يلتزم بذلك ، كيف ولو كان الأمر كذلك؟ وفي هذا لاشتهر وبان بين العلماء ، ولا أقلّ من ذهاب جمع إليه ، كما ذهبوا إلى حجيّة مراسيل ابن أبي عمير وغيره ، ولا أظنّ بسماحة سيّدنا الأستاذ رحمه‌الله الالتزام بذلك.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١ / ٤٤.

(٢) غير جيّد وما أورد صاحب المعالم كما لا يخفى. انظر : المعالم : ٢٠٨.

٧٣

والثّاني : إنّه نقل الرّوايات المرفوعة. فذكر في كتابه ما لم يعلم وثاقة رواته.

فمثلا : قال في ذيل قوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ...) فإنّه حدثني أبي رفعه قال سأل الصّادق عليه‌السلام عن آدم .... (١)

وقال في ذيل قوله تعالى : (... إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ...) حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن بعض رجالهم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .... (٢) وفي ذيل قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ ...) فإنّه حدثني أبي رفعه قال : قال الصّادق عليه‌السلام ... وفي محل آخر (٣) : وحدثني محمّد بن محمّد بن يحيى البغدادي رفع الحديث إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ...

وفي ذيل قوله تعالى : (... وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي ...) ، قال : وروي ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ... ولعلّ مثله كثير يظهر للمتتبّع ، ومعها لا يبقى للمتأمّل ، الظّن النّوعي من كلامه في مدلوله. فإنّ إحرازه وثاقة هؤلآء المحذوفين محتاج إلى علمه بالغيب.

وهنا احتمال آخر ، وهو : أن يكون عطف الثقات على المشائخ من قبيل عطف التفسير ، فهو يخبر بما انتهى إليه من روايات مشائخه الثقات ، وليس بصدد بيان وثاقة الرّواة بوجه. وهذا الاحتمال غير بعيد لبعد تركه توثيق المشائخ وتعرضه لتوثيق الرّواة. ـ فافهم ـ وإنّما لا نقبل وثاقة جميع مشائخه لعدم استفادة الحصر من كلامه.

ولو فرض صحّة التّوثيق العام المذكور لأصبح ـ ٢٦٠ ـ رجلا من الثّقات كما قيل ، وقيل بأكثر من هذا العدد.

ثمّ إنّي بعد ذلك بمدّة مديدة ـ ولعلّها ثمانية عشرة سنة ـ في شهر ذي قعدة ١٤١٤ ه‍ لقيت العالم الجليل السّيد علي السيستاني الّذي أصبح اليوم بعد وفاة السّيد الخوئي قدس‌سره من المراجع للمؤمنين في النّجف الأشرف في ضمن زيارتي لأئمّة العراق عليهم‌السلام ، فقال : إنّ تفسير علي بن إبراهيم الموجود المطبوع من تدوين بعض تلامذته أخذ روايات تفسيره وروايات الجارودي ـ كلّا أو بعضا ـ ودوّنهما ، فأشّتهر الكتاب ب : تفسير علي بن إبراهيم.

__________________

(١) تفسير القمّي : ١ / ٤٣.

(٢) المصدر : ١ / ٣٩.

(٣) المصدر : ١ / ٩٩.

٧٤

أقول : احتمال صحّة هذا القول يسقط اعتبار مقدّمة الكتاب المذكورة (١) من رأس لعدم العلم بأنّ مقدّمة التّفسير من علي بن إبراهيم ، أو من مدوّن الكتاب وجامعه المجهول.

وعلى كلّ ، هنا بحث أدّق من هذا ، حول هذا التّفسير سيأتي فيما بعد في البحث الثّاني والخمسين إن شاء الله تعالى. وستعرف أنّ الحقّ عدم الاعتماد على روايات التّفسير حتّى ، وان كانت رواتها من الثّقات والحسان ، فانتظر.

__________________

(١) من لاحظ تفسير القمّي بتمامه ، يطمئن بصحّة ما ذكره السّيد السيستاني (دام عمره).

٧٥

البحث التّاسع

في بقية التّوثيقات العامّة

١. قال الشّيخ الطّوسي في ترجمة علي بن الحسن الطاطري الّذي وثقه النجّاشي في حديثه : وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم. (١)

واستفاد السّيد الأستاذ الخوئي دام ظلّه وغيره من هذه العبارة إنّ رواياته ـ أي الطاطري ـ في كتبه الفقهيّة مروية عن الثقات أو الموثقين ، فكلّ ما نقله الشّيخ عن كتبه بأنّ كان علي بن الحسن قد بدأ به السند يحكم فيه بوثاقة من روي عنه ما لم يعارض بتضعيف شخص آخر.

وأمّا من روي عنه علي بن الحسن في أثناء السند ، فلا يحكم بوثاقته لعدم إحراز روايته عنه في كتابه.

أقول : وهو لما يأتي وجهه في شرح مشيخة التّهذيب.

وقال في قاموس الرّجال : إلّا أنّه لا يثبت إنّ كلّ كتاب رواه يكون صاحبه ثقة ، ولعلّ من روي عنه واقفي مثله. (٢)

أقول : إن أراد كلّ كتاب فقهي ، ففيه إنّ ظاهر كلام الشّيخ هو العموم ، على أنّ الوقف لا ينافي الوثاقة.

وإن أراد أنّ بعض مشائخه لمكان مذهبهم موثقون وليسوا من الثّقات اصطلاحا ، فهو صحيح ، لكن قول الموثق كقول الثّقة حجّة إلّا في فرض التّعارض عند بعضهم ، كالعلّامة

__________________

(١) الفهرست : ١١٨.

(٢) قاموس الرجال : ١ / ٣١١.

٧٦

الحلّي رحمه‌الله وإن أراد كلّ كتاب وإن لم يكن فقيها ، فهو أيضا حقّ ، فإنّ الشّيخ رحمه‌الله ذكر في فهرسته أنّ له أي : ـ الطاطري ـ كتب كثيرة في نصرة مذهبه ، وله كتب في الفقه رواها من الرجال الموثوق بهم برواياتهم. وعلى الجملة المستفاد من العبارة المذكورة وثاقة جميع من روي عنهم الطاطري في كتبه الفقهيّة ، فلا بدّ من التّتبع واستخراج أسمائهم من التّهذيب وغيره.

فإن قلت : حكم الشّيخ بتوثيق المروي عنهم للطّاطري غير مقبول ، فإنّ طريق الشّيخ إلى كتبه ضعيف ـ كما يأتي في شرح المشيخة ـ فلم يثبت للشيخ كتبه بطريق معتبر حتّى يقبل نظره فيها وفي رواة أخبارها.

قلت : لعلّ للشيخ طريقا إليها غير ما هو مذكور في المشيخة ـ كما يظهر من خاتمتها ـ ولم يظهر منه قدس‌سره أنّ نظره هذا لأجل هذا الطّريق الضعيف.

اللهم إلّا أن يقال : بأنّ الشّيخ وإن صرّح بتعدّد طرقه إلى أرباب الكتب ، لكنّه ذكر أيضا أنّها مذكورة في فهرسته ، والمفروض أنّ طريقه إلى كتب الطاطري فيها ـ أي : في الفهرست ـ أيضا ضعيف ، فالاستفادة المذكورة لا تخلو عن إشكال.

والأحسن أنّ يقال : إنّ ضعف أسناد الشّيخ رحمه‌الله إلى كتب الطاطري لا يضرّ بتوثيقه لمن يروي عنه الطاطري ، فإنّ الشّيخ يخبر عن وثاقة أشخاص معينين. وإن لم يثبت وصف رواية الطاطري عنهم ، فما ذكره السّيد الأستاذ وغيره لا بأس به إن شاء الله ، وإن قلّت ثمرة هذا البحث حسب تتبّعي النّاقص.

لكن يمكن أن يورد عليه بعدم الحصر في كلام الشّيخ ، فروايته عن بعض الرجال الضعفاء في بعض الموارد غير منافية لكلامه. والاعتماد على إطلاق هذه الكلمات حسب المتعارف لتوثيق جميع رواة كتبه الفقهيّة خلاف الإنصاف وخلاف العادّة جزما ، فلا بدّ من الاحتياط.

ثمّ إنّه يأتي في شرح المشيخة ما حكي عن الشّيخ في العدّة إنّ الطّائفة عملت بما رواه الطاطريّون فيكون جميع الملقبين بالطاطريّين ثقات أو موثقين. (١) فتأمّل.

__________________

(١) بل مؤدّى العبارة إنّ الّذين روي عنهم الطاطريّون أيضا يقبل رواياتهم ، وإن لم تكن لهم روايات في الفقه ، فلاحظ وتأمّل. ولكن منصرفها هو الاعتماد على الطاطريّين أنفسهم فقط ، ثمّ إنّ الّذين وجدتم مسميّين بالطاطري هم يوسف الطاطري وسعيد بن محمّد الطاطري عن أبيه كما في الوسائل : ١٧ / ١٢٤ ؛ وفي الكافي كما عن معجم الرجال : ٩ / ١٣٦ ، سعيد بن محمّد الطاهري ومحمّد بن خلف الطاطري وفي

٧٧

لا يقال : عمل الطائفة بروايتهم يصحّح طريق الشّيخ إليه ، فإنّه يقال : لعلّ للطائفة العاملة طريقا أو طرقا آخر إليهم ؛ ولذا لا نقول بوثاقة النوفلي مع أنّ الطّائفة عملت بروايات السّكوني الّذي يروي عنه النوفلي كما قيل ، فتأمّل. ولا حظ البحث الثّامن والثلاثين في حقّ السكوني.

٢. قال النجّاشي في ترجمة جعفر بن بشير أبي محمّد بعد توثيقه ومدحه بالعبادة والنسك : كان أبو العبّاس بن نوح ، يقول : كان يلّقب فقحة العلم. وعن خلاصة العلّامة : قفه العلم (١) ، روي عن الثّقات ورووا عنه .... (٢)

٣. وقال في ترجمة رافع بن سلمة : ثقة من بيت الثّقات وعيونهم. (٣)

أقول : هاتان العبارتان ـ وهكذا عبارة الشّيخ ـ تصدق مع الغلبة ، وليس لهما ظهور في العموم حتّى نحكم بوثاقة كلّ من روي عنه جعفر أو روي عنه ، وبوثاقة جميع أهل بيت رافع وإن شئت فقل : لا حصر فيهما (٤) فلا ينفى عدم ضعيف أو ضعفاء في الموردين المذكورين.

__________________

بحار الأنوار : ٤٩ / ٢٩٣ و ٥٣ / ١٤٤. لم يعلم إنّ هؤلآء لهم قرابة بالطاطري المعنون ، أي : علي بن الحسن؟

فإنّ مراد الشّيخ من الطاطريين هو : جماعة خاصّة لا مطلق من سمّي بالطاطري من الرّواة.

وهذا واضح وهذه نكته مهمّة.

(١) الفقحة بمعنى : الزهرة ، أي : زهرة العلم والقفه. وبالضم وتشديد الفاء : الوعاء.

(٢) خلاصة العلّامة : ٩٢.

(٣) المصدر : ١٢٨.

(٤) وقال الشّيخ في التّهذيب : ١ / ١٩٦ ، بعد نقل رواية لجعفر بن بشير بسندين أوّلهما عمّن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أوّل ما فيه أنّه خبر مرسل منقطع الأسناد ... يجب إطراحه ... وقال بعد السّند الثّاني ، عن عبد الله بن سنان أو غيره : فأورده ، وهو شاك فيه وما يجري هذا المجرى لا يجب العمل به ، إلّا أن يقال : إنّ تأليف الفهرست متأخّر عن تأليف التّهذيب ، والعدول عن الرّأي السّابق أمر شائع.

٧٨

البحث العاشر

حول عدالة صحابة النّبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله

هل أصحاب النّبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّهم عدول أتقياء بررة ـ لم يطرأ على أحد منهم فسق وفجور طول حياته فضلا عن الارتداد والكفر؟ أم أنّ المعظم كذلك؟ وربّما مال بعضهم إلى بعض المعاصي ، لكن الأصل فيهم هو العدالة فلا يعدل عنه إلّا بدليل قاطع ، أو أنّ حالهم حال سائر النّاس في إثبات عدالتهم ووثاقتهم؟

فيه بحث طويل ونزاع عريق بين الشّيعة وأهل السّنة ، ونحن لا نستوفي البحث فيه من جميع الجهات ، بل نذكره مختصرا.

ويمكن أن نستدلّ على أصالة العدالة بوجوة :

الأوّل : قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ...)(١) فهؤلآء المؤمنون ـ وهم ألف وأربع مائة إنسان كما قال ابن حجر ـ لا يكذبون على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل لا يذنبون فهم عدول.

أقول : لكن يمكن أن يرد على الاستدلال :

أوّلا : بأخصّية الدّليل من المدعي فإنّ الصّحابة عندهم أكثر من مائة ألف.

وثانيا : بأنّ المرضيّين ليسوا مطلق المبايعين ، بل المؤمنين المبايعين ، فلا بدّ من إحراز إيمان من يراد تعديله بهذه الآية أوّلا ، فإنّ الله أخبر في قرآنه بوجود المنافقين في الصحابة ، وأخبر بقوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ...) بأنّ الإيمان غير الإسلام.

__________________

(١) الفتح : ١٨.

٧٩

وثالثا : ليست البيعة جهة تعليليّة للرضا لعدم تعقّل تعلّق الرّضا التّشريعي بالذّات ، بل هي ترجع إلى جهة تقييديّة فيكون المرضى هو العمل ، أي : أنّ الله رضي عن بيعتكم. وعليه لا يثبت من مثل هذا الرضا عدالة المبايعين ولا صداقتهم ولا بقائهم على إيمان حتّى الموت ، فإنّ قبول عمل عند الله لا يستلزم شيئا منها ، فتأمّل.

نعم إن قلنا : بأنّ رضائه تعالى ليس كرضانا ، حيث هو من صفاتنا النّفسيّة لاستحالة كونه تعالى جسما وجسمانيّا ومحلّا للحوادث ، فرضائه ثوابه ، وغضبه وسخطه عقابه ، وصحّ كون البيعة جهة تعليليّة ، ويناسبه قوله تعالى : (... وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً* وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها ...) لكنّه أيضا لا يدلّ على وثاقة المرضيّين أو عدالتهم ، بل مدلول الآية كلّه : انّ الله أثاب المؤمنين ؛ لأجل بيعتهم.

الثّاني : قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ ...).

المستفاد من الآية حسن حال السّابقين الأوّلين منهما ، فإنّ رضائه تعالى عنهم لم يقيّد بعمل خاصّ ، وقد اشتهر إنّ حذف المتعلّق يفيد العموم ، فما لم يدلّ دليل معتبر على كذب آحادهم نبني على صدقهم ؛ لأنّ الكاذب على الله ورسوله لا يكون مرضيّا لله ، ولا موعودا لإعداد الجنّة له.

وإذا وجد دليل على فساد بعضهم نقيّد إطلاق الآية أو نخصّص عمومها جمعا بين الأدلّة. (١)

نعم ، لا بدّ من إحراز إيمانهم ، فإنّ المراد بالسّابقين ـ بمقتضى الانصراف ظاهرا ـ السّابقون إلى الإيمان ، دون الصحبة ، إلّا أنّ يحتمل السّبقة إلى مجرّد الإقرار والانقياد ، وهو الإسلام بالمعنى الأعمّ من الإيمان.

الثالث : قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ...). ومن كان هذه صفاتهم يبعّد كذبهم وافترائهم على الله ورسوله ، لكن ذيل الآية يوضح صدرها فيسقط الاستدلال بها ، وهو قوله : (... وَعَدَ

__________________

(١) مرادنا من تقييد الإطلاق هو : ردّ كلّ خبر علم كذبه من بعض هؤلآء الأصحاب ، ومرادنا من التخصيص إخراج كلّ صحابي علم كذبه ، والفرق بينهما غير خفيّ ، إذ على الأوّل لا نقبل الخبر الكاذب من الصّحابي إذا علمنا كذبه ، ونقبل سائر أخباره ، وإن شكّ في صدقها وكذبها عملا بإطلاق الآية. وعلى الثّاني نخرج من علمنا كذبه في مورد من عموم الآية ، ونردّ جميع رواياته لعدم إحراز صدقه ، ثمّ المراد بالسّابقين من سبق إلى الإيمان ظاهرا.

٨٠