بحوث في علم الرجال

الشيخ محمد آصف المحسني

بحوث في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مركز المصطفى العالمي للترجمة والنشر
المطبعة: زلال كوثر
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-195-211-4
الصفحات: ٤٥٦

١٤. المعضل : وهو الحديث الّذي حذف من سنده اثنان فأكثر ، فلو حذف أقلّ من الاثنين لم يكن من المعضل ، بل إن كان من أوّله فهو من أقسام المعلّق ، وإن كان من آخره ، فهو من أقسام المرسل ، فالمعضل مقابل المعلّق وأخصّ من المرسل.

١٥. المرسل : وهو كلّ حديث حذفت رواته كلا أو بعضا وإن ذكر المحذوف بلفظ مبهم كبعض. وهو بهذا المعنى يشمل المرفوع بمعناه الأوّل ، والموقوف والمعلق والمقطوع والمعضل ، وللمرسل معنى آخر عند العامّة ، وهو ما أرسله التابعي إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كقول سعيد بن المسيب ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا فرد من المرسل الّذي فسّرناه أوّلا.

١٦. المضطرب : وهو كلّ حديث اختلف في متنه أو سنده ، فروي مرّة على وجه ، وأخرى على وجه آخر مخالف له ، سواء وقع الاختلاف من رواة متعدّدين ، أو راو واحد ، أو من المؤلّفين ، بحيث يشتبه الواقع.

١٧. المهمل : وهو ما لم يذكر بعض رواته في كتب الرجال ذاتا ووصفا ، والمجهول ما لم يعرف حال رواته كلّا أو بعضا من حيث العقيدة ، وإن ذكر في كتب الرجال.

والظاهر أنّ المجهول حسب ما اشتهر هو من لم يعرف صدقه وكذبه.

ج) الفصل الثالث : في طرق التحمل الرئيسيّة للحديث :

أوّلها : السّماع من لفظ الشّيخ ، وهو المروي عنه.

ثانيها : القراءة على الشّيخ ، وتسمّى بالعرض عند قدماء المحدّثين.

ثالثها : الإجازة ، أي : إجازة الشّيخ رواية الأحاديث عامّة أو خاصّة.

أقول : ولا يشترط فيها الاستجازة ولا اللقاء.

رابعها : المناولة ، وهي أن يناول الشّيخ الطالب كتابا تمليكا ، أو عارية للنسخ مقرونة بالإجازة وغير مقرونة بها.

أقول : ولاحظ رجال الكشّي ، رقم : ١٠٣١ ، ٥١٦ ، ١٠١٤ ، وفهرس النجّاشي في ترجمة : علي بن عبد الله بن عمران.

خامسها : الكتابة ، وهي أن يكتب الشّيخ حديثا ، أو أحاديث للغير.

سادسها : الإعلام ، وهو أن يعلم الشّيخ شخصا أو أشخاصا أن هذا الكتاب أو الحديث روايته أو سماعه من غير أن يأذن في روايته عنه.

٤٠١

سابعها : الوصيّة ، وهي أن يوصي الشّيخ عند موته ، أو سفره لشخص بكتاب يرويه عنه.

أقول : وفي رجال الكشّي إنّ علي بن النعمان وداود بن النعمان أوصيا بكتبهما لمحمّد بن إسماعيل بن بزيع.

ثامنها : الوجادة (١) ، وهي أن يجد الشّخص كتابا أو حديثا بخط مؤلّفه أو راويه غير معاصر له كان ، أو معاصرا لم يلقه أو لقاه ، ولكن لم يسمع منه الواجد ، ولا له منه إجازة ، فله أن يقول وجدت أو قرأت بخطّ فلان أو في كتاب فلان بخطه حدثنا فلان ويسوق باقي الأسناد والمتن ، أو يقول وجدت بخط فلان عن فلان الخ.

قالوا : هذا الّذي استمرّ عليه العمل قديما وحديثا ، وهو منقطع مرسل ، ولكن فيه شوب اتّصال لقوله وجدت بخطّ فلان. (٢)

وربّما دلّس بعضهم فذكر الّذي وجد بخطّه ، وقال فيه عن أو قال فلان ؛ وذلك تدلّيس قبيح إن أوهم سماعه ، وأمّا القول بحدثنا أو أخبرنا فقيل إنّه غلط منكر لم يجوّزه أحد ممّن يعتمد عليه.

ثمّ إنّه قد نفي بعضهم الخلاف في منع الرّواية بالوجادة المجرّدة ، لفقد الإخبار فيها الّذي هو المدار في صحّة الرّواية عن شخص ؛ وأمّا جواز العمل بالوجادة الموثوق بها ، فقد اختلفوا فيه ، الأظهر هو الأوّل.

أقول : نقلنا أكثر ما في هذا البحث مع الاختصار ومع التغيير الجزئي من مقباس الهداية للعلّامة المامقاني رحمه‌الله حتّى نوقف مراجعي كتابنا على بعض مطالب علم الدراية ومصطلحاته ، وإن شاء التفصيل والاستيفاء ، فليراجع كتب هذا العلم ، والله المستعان. (٣)

__________________

(١) وهي : بكسر الواو ، مصدر : وجد يجد ، مولّد غير مسموع من العرب الموثوق بعربيتهم. والعرب قد فرقّوا بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة ، قالوا : وجد ضالته وجدانا ـ بكسر الواو وإجدانا بكسر الهمزة ، ووجد مطلوبه وجودا ، وفي الغضب موجودة وجدة ، وفي الغناء وجدا مثلث الواو وجدة ـ وقرأ بالثلاثة قوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) وفي الحبّ وجدا.

فلمّا رأي المولّدون مصادر هذا الفعل مختلفة بسبب اختلاف المعاني ، ولدوا لهذا المعنى الوجادة للتمييز.

(٢) وفي مثل أعصارنا حيث وجدت المطابع بطل شوب الاتّصال ، فالخبر مرسل إن لم تكن نسبة الكتاب إلى مؤلّفه متواترة ، كالكتب الأربعة ونحوها.

(٣) ولاحظ : بحار الأنوار : ٢ / ١٦٥ ـ ١٦٧ ، أيضا.

٤٠٢

البحث التّاسع والأربعون

في الاستثناء من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى

الذي وقع بهذا العنوان في كثير من الرّوايات تبلغ ألفا وثلاثمائة وأحد عشر موردا ، كما قاله السّيد الأستاذ الخوئي قدّس سره. (١)

قال النجّاشي في حقّه : كان ثقة في الحديث ، إلّا أنّ أصحابنا ، قالوا : كان يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمّن أخذ ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء.

وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمّد بن موسى الهمداني ، وما رواه عن رجل ، أو يقول بعض أصحابنا ، أو عن محمّد بن يحيى المحاذي ، أو عن أبي عبد الله الرازي الجاموراني ، أو عن أبي عبد الله السياري ، أو عن يوسف بن السخت ، أو عن وهب بن منبه ، أو عن أبي على النيسابوري ، أو عن أبي يحيى الواسطي ، أو محمّد بن علي أبي سمينة ، أو يقول في حديث ، أو كتاب ولم أرو ، أو عن سهل بن زياد الآدمي أو عن محمّد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع ، أو عن أحمد بن هلال ، أو محمّد بن علي الهمداني ، أو عبد الله بن محمّد الشّامي ، أو عبد الله بن أحمد الرازي ، أو أحمد بن الحسين بن سعيد ، أو أحمد بن بشير الرّقي ، أو عن محمّد بن هارون ، أو عن ممويه بن معروف ، أو عن محمّد بن عبد الله بن مهران ، أو ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، أو ما يرويه عن جعفر بن محمّد بن مالك ، أو يوسف بن الحارثريال أو عبد الله بن محمّد الدمشقي.

__________________

(١) وذكر السّيد البروجردي في مقدّمة جامع الرّواة أنّ روايات الشّيخ عنه تقرب من خمسين وتسعمائة ومجموع طرق الشّيخ إليه في المشيخة معتبرة ، كما سبقت في البحث الخامس والأربعين.

٤٠٣

وزاد الشّيخ في فهرسته : الهيثمّ بن عدي وجعفر بن محمّد الكوفي.

فهؤلآء ستّة وعشرون رجلا.

قال : أبو العبّاس بن نوح : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه ، وتبعه أبو جعفر ابن بابويه رحمه‌الله على ذلك. إلّا في محمّد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رأيه (ما رأبه) فيه لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة.

أقول : عبارة محمّد بن الحسن لا تدل على تضعيف محمّد بن عيسى.

نعم ، لابن الوليد كلام آخر نقله الشّيخ في ترجمته في (الفهرست ص ١٨٢ برقم ٧٨٩) عن الصدوق : سمعت ابن الوليد رحمه‌الله يقول : كتب يونس بن عبد الرحمن الّتي هي بالروايات كلّها صحيحة يعتمد عليها ، إلّا ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ولم يروه غيره ، فإنّه لا يعتمد عليه ولا يفتي به. (١)

وهو ظاهر في تضعيف الرجل كما لا يخفى ، لكن لازم هذا الكلام أن كلّ من روي عن يونس ثقة سوى حفيد عبيد ، ويبعد أن يعتقد ابن الوليد وثاقتهم ، وهم يزيدون على العشرين رجلا ، منهم أحمد بن هلال الّذي استثناه فيما سبق ، فيفهم إنّ الاستثناء ليس لأجل ضعفه ، بل لعمليات اجتهاديّة تتعلق برواياته.

على أنّ النجّاشي بعد نقل كلام ابن الوليد الأخير يقول : ورأيت أصحابنا يذكرون هذا القول ويقولون من مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى؟

فالعمدة في اثبات ضعفه تضعيف الشّيخ إياه ، بل ضعفه مكرّرا على خلاف عادته ، كما في محكي الاستبصار ، وفي فهرسته وفي رجاله في أصحاب الهادي عليه‌السلام ، وفي باب من لم يرو عنهم عليهم‌السلام ، لكن في الأولين بعد قوله في حقّه ضعيف ، عقبه بقوله : استثناه أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه ، عن رجال نوادر الحكمة ...

يقول سيّدنا الأستاذ الخوئي قدّس سره : إنّ تضعيف الشّيخ ، كما هو صريح كلامه هنا ـ أي : في الاستبصار ـ وفي فهرسته مبنيّ على استثناء الصدوق وابن الوليد إيّاه .... (٢)

__________________

(١) وفي فهرست النجّاشي في ترجمة محمّد بن عيسى نقلا عن الصدوق ، عن ابن الوليد : ما تفرد به محمّد بن عيسى من كتب يونس ، وحديثه لا نعتمد عليه ...

(٢) معجم رجال الحديث : ١٨ / ١٢٢ ، الطبعة الخامسة.

٤٠٤

قلت : الصراحة ممنوعة فإن ذكر استثناء أبي جعفر الصدوق ، كما يمكن أن يكون علّة لتضعيفه ، يمكن أن يكون تأكيدا له ، بل الثّاني أنسب بكلامه ؛ لعدم ما يدلّ على التعليل.

وعليه فهذا التضعيف يصلح أن يعارض توثيق : الكشّي والنجّاشي وابن نوح ، إلّا أن يرجّح التّوثيق عليه لقول النجّاشي : رأيت أصحابنا يذكرون هذا القول ـ أي : عدم اعتماد ابن الوليد على ما تفرد محمّد بن عيسى من الرواية عن يونس ـ ويقولون من مثل ابي جعفر محمّد بن عيسى؟

فإنّ ظاهرة إنّ القائلين بوثاقته كثيرون.

أقول فلا يبعد الاعتماد على قوله فهو ثقة ، إن شاء الله.

إذا عرفت هذا فنرجع إلى أصل البحث ، وهو هل يصحّ أن نحكم بضعف هؤلآء الّذين استثنى ابن الوليد رواياتهم من نوادر الحكمة؟

وهل يصحّ أن نوثّق من روي عنهم محمّد بن أحمد بن يحيى في نوادر الحكمة ولم يذكروا في المستثني؟

وتفصيل البحث في الموضعين.

الموضع الأوّل : يمكن القول بضعف هؤلآء ، فإنّ الاستثناء المذكور بعد قول الأصحاب بأنّ محمّد بن أحمد يحيى يروي عن الضعفاء ، يدلّ عليه ، ولفهم أبي العبّاس بن نوح ذلك وإن اشتبه في تطبيقه على محمّد بن عيسى كما عرفت.

وكذا لفهم الشّيخ كما يظهر من بعض الموارد. (١)

لكن يمكن أن نتجاوز هذا الظهور بظهور أقوى ، وهو إنّ الاستثناء لم يتعلّق بالأفراد ، بل برواياتهم ؛ ولذا وقع : ما رواه عن رجل أو بعض أصحابنا ... أو يقول في حديث أو كتاب ولم أروه ، أو عن محمّد بن عيسى باسناد منقطع ، في حيّز الإستثناء ؛ إذ في كلّ ذلك لا طريق لا بن الوليد إلى ضعف الرّاوي المجهول ، فأيّ وجه لاستثنائه إذا قطع النظر عن متون تلكم الرّوايات؟

فالمستثنى يرجع إلى خلل في متونها ، لا في وثاقة رواتها.

وهذا هو الّذي صرّح به الشّيخ في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى نقلا عن الصدوق بعد ترجمته.

__________________

(١) الاستبصار : ٣ ، الحديث ٩٣٥ ؛ ج ١ ، الحديث : ٨٤٦.

٤٠٥

وذكر أكثر طرقه إلى كتبه ورواياته ، قال : وأخبرنا بها جماعة عن أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن عن أحمد بن إدريس ، ومحمّد بن يحيى عنه.

وقال أبو جعفر بن بابويه إلّا ما كان فيها من غلوّ أو تخليط ، وهو الّذي يكون طريقه محمّد بن موسى الهمداني أو ... فتدبّر فيه جيّدا ، ولا يشتبه أمر الغلوّ والتخليط عليك ، ولا تقل أنّهما من كذب هؤلآء الناقلين ، فلا ثمرة بين رجوع الاستثناء إلى المتون والرواة لدلالته على ضعفهم على كلّ حال ، فإنّه لا يلزم كونهما من كذب هؤلآء ، بل لعلّهما من كذب سائر النقلة ومن تخليط بقيّة الرّواة إذا كان العلّة في الاستثناء هي المتون ، على أنّ نظر ابن الوليد والصّدوق وابن نوح غير متبع في تحديد الغلوّ والتخليط.

نعم ، كلّ هؤلآء الّذين استثنى ابن الوليد رواياتهم هم بين ضعاف ومجاهيل على نسخة الشّيخ والنجّاشي سوى رجل واحد ، وهو : الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، حيث وثقه النجّاشي بناء على عدم تعدّد مسمى هذا الاسم فيظهر الثمرة فيه. (١)

الموضع الثّاني : هل يمكن الحكم بتوثيق من لم تستثن رواياتهم عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، أو يمكن الحكم بصحّة رواياتهم في نوادر الحكمة ، والفرق بين الوجهين واضح؟ وذهب بعض الباحثين ممّن يقرب مسلكه من مسلك المحدّث النوري في التّوثيق وتصحيح الرّوايات بكلّ وجه إلى كلا الأمرين ، فقال : ولكن لا يبعد أن يقال : أن سياق الكلمات المذكورة في المقام ، ولا سيّما استثناء المذكورين مطلقا دليل على وثاقة الباقي مطلقا ، فإنّه من البعيد جدّا أن يكون الحكم بصحّة الرّوايات كلّها اعتمادا على القرائن فقط ، بل أنّ ملاك التّصحيح في المقام هو وثاقة الرّواة من دون النظر إلى القرائن والأمارات ... والمتحصل من ذلك أمور ثلاثة :

١. الحكم بضعف من استثنى.

٢. الحكم بوثاقة من لم يستثن على الوجه القوي.

٣. الحكم بصحّة روايات الكتاب في غير المستثنى ، حتّى بناء على عدم تمامية التوثيق.

__________________

(١) ولعلّه النكتة في ذكر جملة : أو ما ينفرد به في حقّ الحسن في كلام ابن الوليد دون الآخرين ، وإن لم نفهم وجهه.

٤٠٦

ثمّ استخرج أسماء الّذين روي عنهم محمّد بن أحمد بن يحيى ، فأنهاها بمكرراتها إلى : ٥٢٩ اسما ، فحكم بوثاقة الجميع إلّا من تعارض فيه جرح غير ابن الوليد بتوثيقه.

أقول : أوّلا إنّ الاستثناء يرجع إلى الرّوايات ومتونها دون أسانيدها ، فلا يستفاد منه ضعف الّذين استثنى رواياتهم ولا وثاقة من لم يستثن رواياتهم وهذا ظاهر. (١)

وثانيا : يمكن أن يكون السرّ في الاستثناء هو العلم ببطلان المتون في المذهب ، فلا يدلّ على صحّة بقيّة الرّوايات فإنّ المستثنى منها هي الرّوايات الصحيحة والمجهولة معا دون خصوص الأولى.

وثالثا : لو فرضنا دلالة الاستثناء على صحّة سائر الرّوايات الّتي لم تستثن فلا نقبله ؛ لأنّ تصحيح المتون وإبطالها أمر اجتهادي لا يجب أو لا يجوز تقليد مجتهد لمجتهد آخر.

فلا يستفاد من الاستثناء المذكور شيء ، فسبحان من جعل الأفكار متفاوتة ، وجملة من مسائل علم الرجال متزلزلة!

__________________

(١) ويؤيّد قول الصدوق رحمه‌الله في محكي العيون : ٢ ، الباب الثّلاثين الحديث : ٤٥ ، حول رواية في سندها محمّد بن عبد الله المسمعي : كان شيخنا محمّد بن الحسن ... سيئ الرأي فيه (المسمعى) ... وإنّما اخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب ؛ لأنّه كان في كتاب الرحمة ، وقد قرأته عليه فلم ينكره ، ورواه لي ...

أقول : والحال إنّ المسمعي غير داخل في من استثني.

٤٠٧

البحث الخمسون

حول آل أبي شعبة

يقال : إنّ أبا شعبة من أصحاب الحسنين صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وله ابنان : عمر وعلي.

أما عمر بن أبي شعبة ، فقد عدّه الشّيخ مرّتين في أصحاب الصّادق عليه‌السلام ، وله بعض الرّوايات في الفقيه والتهذيب ، وسند الصدوق إليه معتبرة في مشيخة الفقيه.

ولعمر ابن يسمّى بأحمد بن عمر ، عدّه النجّاشي (٢) من أصحاب الرضا عليه‌السلام وذكر له كتابا ووثقة صريحا ، وقال : وهو ابن عمّ عبيد الله وعبد الأعلى وعمران ومحمّد الحلبيين ، وروي أبوهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وكانوا ثقات.

أقول : والظاهر من الجملة الأخيرة ، توثيق علي وأبنائه الأربعة ، فهو وثّق خمسة ، لكن لا يظهر عنه توثيق عمر.

وأمّا علي فيظهر من رواية أنّه روي عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، لكنّه غير ثابت. (٣)

وعلى كلّ له أبناء أربعة وكلّهم ثقات ، كما مرّ ومن أصحاب الصّادق عليه‌السلام وهم : عبيد الله ومحمّد ، وعمران وعبد الأعلى.

ويظهر من بعض الأسناد أنّ لعبيد الله ابنا يسمّي : عليا. (٤) ولعمران ، إبن يسمّى : بيحيى بن عمران ، وسيأتي توثيقه.

__________________

(١) يظهر من التهذيب : ٩ الذبائح باب الأطعمة ، أنّ أبا شعبة من أصحاب الصّادق عليه‌السلام ، لكن ينافيه الكافي والوسائل والوافي. لاحظ : معجم الرجال : ٢٣ ، الطبعة الخامسة.

(٢) عدّة النجّاشي في رقم : ٢٤٥ ، من أصحاب الرضا عليه‌السلام.

(٣) انظر : معجم الرجال : ١٢ / ٢٥٨.

(٤) المصدر : ١٢ / ٨٨.

٤٠٨

قال النجّاشي في ترجمة عبيد الله : كوفي ، كان يتّجر هو وأبوه وأخوته إلى حلب ، فغلبت عليهم النسبة إلى حلب ، وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور من أصحابنا ، روي جدهم أبو شعبة عن الحسن والحسين صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانوا جميعهم ثقات مرجوعا إلى ما يقولون. كان عبيد الله كبيرهم وأوجههم وصنف الكتاب المنسوب إليه ، وعرضه على أبي عبد الله عليه‌السلام وصحّحه ، قال عند قراءته : «أتري لهؤلآء مثل هذا» ، والنسخ مختلفة الأوائل والتفاوت فيها قريب ... روي ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي.

أقول : لم يذكر النجّاشي كالشّيخ سند هذا الحديث ، ولا عبرة بالمراسيل.

وقال في ترجمة محمّد بن علي : وجه أصحابنا وفقيههم ، والثقة الّذي لا يطعن عليه هو وإخوته عبيد الله وعمران وعبد الأعلى له كتاب التفسير ، روي عنه صفوان ، وكتاب مبوّب في الحلال والحرام روي عنه ابن مسكان.

ووثّقه الشّيخ أيضا في فهرسته ، وروي كتابه بسنده عن أبي جميلة مفضل بن صالح عنه.

وطريق الصدوق إليه صحيح ، روي بسنده عن عبد الله بن مسكان عنه.

وقال النجّاشي في ترجمة يحيى بن عمران :

روي عن أبي عبد الله وأبي الحسن صلى‌الله‌عليه‌وآله ثقة ثقة صحيح الحديث ، له كتاب يروي عنه ابن أبي عمير.

وقال الشّيخ : له كتاب روي عنه النضر بن سويد.

وأمّا عمران بن علي الحلبي ، فالظاهر أنّه ليس بكثير الرّواية يروي عنه أيضا ابنه ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وثعلبة بن ميمون ، والقاسم بن عروة ؛ وأمّا عبد الأعلى ، فهو على وثاقته لم أقف على روايته عاجلا.

نقل ونقد

قال بعض الباحثين ممّن يتقرب مسلكه إلى ما نسب إلى ابن الغضائري من كلمات حادّة : وعندي أنّ عبيد الله بن علي الحلبي ثقة ، ولكن النسخة مصنّفة (المصنفة ـ ظ) موضوعة ورواياتها مسروقة! من كتب الأصحاب على ما تبيّن لي أثناء التّصفح والتفحص ، ومع ذلك أكثرها محرّفة مقلوبة عن وجه الصواب ، بحيث لا يجد الفقيه بدا إلّا من تأويلها أو طرحها ؛ ولذلك تجنّبت عن إيرادها في سلسلة الصحّاح إلّا ما رواه الأصحاب من غير طريق حمّاد ، الرواية لكتابه وهو أقل من قليل.

٤٠٩

واستدلّ عليه أيضا بوجوه اخر ، وإليك تفصيلها :

١. اتّفاق الطّوسي والنجّاشي والبرقي على كون كتابه مصنّفا.

٢. تصريح البرقي بأنّ كتابه مأخوذ من كتاب يحيى بن عمران مع أنّ يحيى أدون طبقة من عبيد الله.

٣. تصريح الطّوسي بأنّ كتابه معمول عليه عمل باسمه ، من دون أن يكون الكتاب له.

٤. كلام الطّوسي في الرجال يفيدنا أنّ هذا المصنّف كانت ذات النسختين صغيرة يتداولها الكوفيّون ، وكبيرة يتداولها المصريون.

٥. كلام النجّاشي يفيدنا أنّ نسخة الكوفيّين مختلفة الأوائل ، ونسخة المصريّين كانت مبوّبة كبيرة تشبه النسخة الّتي رواها اللاحقي الصفار عن الرضا عليه‌السلام إنّ هذا الشّيء عجاب. (١)

أقول : يدلّ على صحّة الكتاب أن حمّاد بن عثمان الثّقة ، رواه عن عبيد الله الثقة. ولو صحّ ادّعاء الوضع في نقل ثقة عن ثقة لبطل علم الحديث ، ولا يبقي حجر ، على حجر ويؤكّد صحّة نسبة الكتاب إلى الحلبي ، قول النجّاشي في ترجمة عبيد الله : وروي هذا الكتاب خلق من أصحابنا عن عبيد الله ، والطرق إليه كثيرة ...

وقول الشّيخ في الفهرست :

له كتاب مصنف معول عليه. وإطلاقه يشمل العمل بأحاديثه وفتاواه.

ولم أفهم وجها للقدح فيه من جهة إطلاق المصنّف على كتابه والكتاب الموجود المنسوب إلى البرقي لم يثبت أنّه منه ، بل يمكن إقامة بعض الشّواهد منه على أنّه ليس من البرقي ، على أنّ الباحث المذكور اشتبه في استظهاره من عبارة الكتاب ، وإليك نصها :

عبيد الله بن علي عن يحيى بن عمران الحلبي ... ثقة صحيح له كتاب ، وهو أوّل كتاب صنّفه الشّيعة. وغاية ما في العبارة إنّ عبيد الله يروي عن يحيى ، أي : عن ابن أخيه ، لا أنّ الكتاب مأخوذ من كتاب يحيى ، فإنّ هذا اشتباه من الباحث المذكور ، وكم من عم ، أصغر من ابن أخيه ، وللفقير حفيد أكبر من ابني بكثير ؛ ولذا حمل بعضهم قول النجّاشي في حقّه

__________________

(١) معرفة الحديث : ٢٦٢ ، مطبعة ميخك. ولم أفهم معنى الجملة الأخيرة في كلامه.

٤١٠

فيما تقدّم : (كبيرهم) على المعنى المعنوي دون الكبر في السن ، لكنّه خلاف الظاهر. والذي يسهّل الخطب بعد عدم اعتبار كتاب البرقي ، نقل السّيد بحر العلوم عبارة الكتاب هكذا : (عبيد الله بن علي الحلبي عمّ يحيى بن عمران الحلبي) ، بل احتمال تحريف كلمة : (عمّ) بكلمة : (عن) يكفي لسقوط الاستدلال. (١)

وأمّا ما ذكره في الوجه الثالث : من دون أن يكون الكتاب له ، فهو أعرف بزيادته الّتي لا يستفاد من كلام الشّيخ ، على أنّ كلمة (معمول عليه) لعلّها محرّفة : (معوّل عليه) ، كما في نسخة أخرى ، وهي أليق بكلام الشّيخ ، فلاحظ.

وأمّا الوجه الرابع ، ففيه إنّ عبيد الله بن الفضل بن هلال الطائي المصري مجهول ، فلا عبرة بنسخته كبيرة كانت أو صغيرة.

فهذا الباحث لم ينظر إلى جهالة هذا الرّاوي شوقا إلى تضعيف كتاب الحلبي (٢) ، كما أنّه تغافل تعمدا عن تتمّة كلام النجّاشي في الوجه الخامس : والتفاوت فيها قريب ، غفر الله له ولنا.

ثمّ إنّ النجّاشي نقل عن الصّادق عليه‌السلام إنّ عبيد الله عرض كتابه عليه ، وأنّه عليه‌السلام صحّحه ، وقال عند قرائته أترى لهؤلآء مثل هذا؟

ثمّ إنّ في حجيّة توثيق ، النجّاشي لأبي شعبة ـ وهو من أصحاب الحسن والحسين صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ نظر ؛ لضعف احتمال استناده إلى الحسّ دون الحدس ، ويؤيّده إنّ الشّيخ في رجاله لم يوثّق ـ بلفظ التّوثيق ـ أحدا من أصحاب النّبيّ والأئمّة الأربعة (صلوات الله عليهم).

__________________

(١) رجال بحر العلوم : ١ / ٢١٧.

(٢) رجال النجّاشي : برقم : ٦١٨٥.

٤١١

البحث الواحد والخمسون

حول أحاديث حمّاد بن عيسى

روى الصدوق في الفقيه (١) عن حمّاد بن عيسى أنّه ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام يوما : «أتحسن أن تصلّي يا حماد؟» قال : قلت يا سيدي ، أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة. قال : فقال عليه‌السلام : «لا عليك قم فصلّ». قال : فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة فاستفتحت الصلاة وركعت وسجدت فقال : «يا حمّاد ، لا تحسن أن تصلّي ما أقبح بالرجل (منكم) أن تأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة». قال حمّاد فأصابني في نفسي الذّل فقلت : جعلت فداك! فعلّمني الصلاة؟ فقام أبو عبد الله مستقبل القبلة منتصبا ...

وطريق الصّدوق إليه في المشيخة ـ بكلا سنديه ـ معتبر. ورواه الكليني بسند معتبر في الكافي (٢) قبل الصدوق ، ورواه في التهذيب (٣) عن الكليني.

وعلى كلّ سند الحديث معتبر بسيرة المتأخّرين.

وأورد عليه مؤلّف معرفة الحديث بقوله : ولكنّا إذا سبرنا سند الحديث ومتنه عملا بالخطّة الّتي خطّها الأقدمون من أصحابنا نجده مجعولا مزوّرا مختلفا يشهد على جعله واختلاقة دلائل عديدة :

منها قول النجّاشي عن حمّاد : سمعت من أبي عبد الله عليه‌السلام سبعين حديثا ، فلم أزل أدخل الشّكّ على نفسي حتّى اقتصرت على العشرين.

__________________

(١) انظر : الفقيه : ١ / ٣٠٠ ، باب : ٤٥ ، وصف الصلاة من فاتحها إلى خاتمتها.

(٢) الكافي : ٣ / ٣١١.

(٣) التهذيب : ٢ / ٨٦ ـ ٨٨ ، برقم : ٦٩.

٤١٢

وهذه العشرون حديثا هي الّتي نراها في كتاب قرب الإسناد (١) رواه عبد الله بن جعفر الحميري عن محمّد بن عيسى بن عبيد والحسن بن ظريف ، وعلي بن إسماعيل ، كلّهم عن حمّاد بن عيسى الجهني ، وليس فيها هذه الرّواية.

فلا بدّ أن تكون هي موضوعة.

ومنها إنّ حمادا مات سنة ٢٠٩ ه‍ وله نيف وسبعون سنة ، كما في رجال الكشّي ، فيكون مولده حوالي سنة ١٣٥ ه‍.

ولم يكن له حين وفاة الصّادق عليه‌السلام سنة ١٤٨ ه‍ إلّا ثلاثة عشر سنة أو نحوها ، فكيف يقول الصّادق عليه‌السلام لمثل هذا الغلام : «ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة»؟

ومنها إنّ الإمام عليه‌السلام لم يستحسن صلاة حمّاد الّتي صلّاها على ما حفظه من كتاب حريز مع أنّ المراجعة إلى أحاديث حريز تعطي إنّ نفس تلك الآداب الّتي فعلها الإمام عليه‌السلام في صلاته تعليما لحمّاد مذكورة فيها ، بل وأحسن منها وأتمّ ، وأوفي ، فكيف ردّ الإمام صلاة حمّاد المشتملة عليها؟

والغرض من هذه : الإيرادات تضعيف سيرة المتأخّرين في حجيّة الإخبار الآحاد المرويّة بأسانيد معتبرة.

أقول : أمّا الوجه الأوّل ، فما نقله النجّاشي عن حمّاد من الاقتصار على رواية عشرين حديثا ، مرسل غير معتبر ، نعم ، نقل الكشّي برقم : ٥٧١ عن محمّد بن عيسى عنه : سمعت أنا وعباد بن صهيب البصري من أبي عبد الله عليه‌السلام فحفظ عباد مائتي حديث. وقد كان يحدّث بها عنه عباد وحفظت أنا سبعين (حديثا) ، قال حماد : فلم أزل أشكّك نفسي حتّى اقتصرت على هذه العشرين حديثا الّتي لم تدخلني فيها الشّكوك ، ولا يمكن أن يكون صدور هذا الكلام منه في حياة الصّادق عليه‌السلام بل بعد وفاته جزما ؛ لأنّ محمّد بن عيسى الناقل لكلام حمّاد لم يدرك حياة الصّادق عليه‌السلام.

وعلى كلّ لا يظهر من هذه الرّواية إنّ حمادا لم يحدّث عن أبي عبد الله عليه‌السلام أكثر من عشرين حديثا ؛ إذ يمكن إخباره بكلّ السبعين قبل حصول الشّك فيها ، وإن شئت ، فقل : إنّ

__________________

(١) انظر : قرب الإسناد : ١٢ / ١٥ ، طبعة النجف.

٤١٣

هناك ثلاثة أزمنة زمان التلقي والسماع من الصّادق عليه‌السلام ، ولا يدري إنّه أسبوع أو شهر أو أشهر أو سنوات ، وزمان حصول الشّك؟

ولا نعلم أنّه في زمان حياة الإمام الصّادق عليه‌السلام أو بعدها ، وزمان الاقتصار على العشرين.

والمتّيقّن من هذا الحديث إنّ حمادا لم يروه عن الصّادق عليه‌السلام أكثر من سبعين حديثا ، فإن ثبت نحكم بكذبه أو حذف الواسطة ، وأمّا إنّه لم يرو أكثر من عشرين رواية عن الإمام ، فهذا لا سبيل لنا إليه إلّا بناء على وحدة تلك الأزمنة الثّلاثة ، وهي غلط قطعا كما لا يخفى ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إنّ نسخة قرب الإسناد لم تصل بسند معتبر إلى المجلسي والحرّ العاملي حتّى يصحّ قول هذا القائل بتعيين أحاديث حمّاد في العشرين المذكورة في قرب الأسناد المذكور على فرض صحّة استدلاله ، وسيأتي الكلام حول قرب الإسناد في البحث التالي إن شاء الله تعالى.

وسمعت من بعض المعاصرين من تلامذة السّيد البروجردي رحمه‌الله أنّه كان يجعل روايات هذا الكتاب مؤيبدة لا أدلّة ، وعلى هذا فلا بدّ لهذا القائل من الحكم بصحّة رواية حمّاد الحاكية عن صلاته وصلاة الإمام عليه‌السلام نظر إلى صحّة أسانيدها.

وأمّا الوجه الثّاني ، ففيه أنّ في فهرس النجّاشي : وله نيف وتسعون سنة.

نعم ، في الكشّي نيف وسبعون ، لكن لا يبعد ترجيح نسخة النجّاشي على رجال الكشّي ، كما لا يخفى على الخبير.

ويؤيّد أنّ الكشّي نفسه عدّ حمّادا من فقهاء أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، كما مرّ في البحث الحادي عشر ، ومن البعيد أن يكون من لم يبلغ الحلم فقيها.

وعلى هذا فيمكن أن يكون عمر حمّاد أكثر من ثلاثين سنة ؛ وذلك فإنّ معنى النيف ـ كما في مجمع البحرين ـ هو ما دون العشرة إذا كان بعد العشرة.

وقيل : إنّه من واحد إلى ثلاثة والبضع من أربعة إلى تسعة.

فنفرض صحّة القول الثّاني فعمره كان ٩٣ عاما ومات ، بشهادة الكشّي والنجّاشي في سنة ٢٠٩ ه‍ فتكون ولادته في سنة ١١٦ ه‍ ، فإذا كانت وفاة الصّادق عليه‌السلام في سنة ١٤٨ ه‍ كان عمر حمّاد في الوقت ٣٢ سنة.

ثمّ لا ظهور ولا إشعار في الرّواية على أنّ الإمام عليه‌السلام أراد حمادا بقوله : «ما أقبح بالرجل (منكم) أن تأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة ...» بل هو بيان لحقيقة مرّة خارجية ، فإنّ من لم

٤١٤

يتعلّم واجباته في شبابه وفراغه تكون صلواته إلى آخر عمره باطلة ، أو غير تامّة. وكأنّه من تسهيل الأمر على حمّاد ، حيث وبخه من غير مباشرة.

وأمّا الوجه الثالث ، فهذا القائل لم يبيّن ولم يدلّل على مدّعاه بأنّ حمّادا صلّى بجميع ما ذكر في أحاديث حريز الواردة في الصلاة ، ولا يدرى كم كان عمر حمّاد في ذاك اليوم ، يوم سؤال الإمام عن صلاته؟ فكم فرق بين حفظ كتاب حريز وبين تطبيقه على الأعمال اليومية؟ ونحن نرى كثيرا من المحصّلين اليوم يدرّسون شرح اللمعة ، ولا أثر لما فيه على عملهم فضلا عن المتعلّمين.

والحاصل : أنّ هذه الوجوه غير تامّة في نفسها أوّلا ، ولا تعلّق لها بضعف سيرة المتأخّرين وصحّة سيرة المتقدّمين بوجه ، فكأن كلامه قعقعة ، والله العاصم.

نكتة : وقفت على كتابين عند إعداد كتابي هذا للطبعة الرابعة ، وهما كتاب معرفة الحديث ، وكتاب أصول علم الرجال :

الأوّل : يقرب من الكلمات المنسوبة إلى ابن الغضائري في كثرة الجرح ، والحكم بوضع الإخبار ، كما عرفت نموذجا منه في هذا البحث.

والثّاني : يقرب من مستدرك النوري في التّوثيق وتصحيح الرّوايات ، وكلاهما خارجان من حدّ الاعتدال ، وبينهما متوسّطات من الكتب والمسالك الرجاليّة ، ولعلّ الغالب على الرجاليّين حتّى غير الإخباريّين هو الميل إلى الخط الثّاني ، على اختلاف منهم في هذا السلوك شدّة وضعفا ، ولا يزالون مختلفين.

٤١٥

البحث الثّاني والخمسون

حول اعتبار الكتب الحديثيّة

نورد هنا ما ذكرناه في خاتمة كتابنا (١) مع بعض الاختصار والتغيير :

واعلم : أنّا خصّصنا كتابنا معجم الأحاديث المعتبرة ، بنقل الأحاديث المعتبرة سندا ، وأوردنا فيه ما اعتبر سنده بوثاقة الرّواة أو حسنهم ومجرّد صدقهم.

ثمّ شككنا في أثناء التأليف في صحّة انتساب جملة من الكتب الّتي كنّا ننقل منها الأحاديث إلى مؤلّفيها ، ثمّ ظهر لنا عدم ثبوت النسبة في بعضها ، كما يظهر من مطالعة المعجم نفسه (٢). وهذا بحث مهمّ جدّا لا يجوز إهماله ، فأردت أن أبيّنه هنا حسب الوسع في هذه البلدة (٣) الّتي لا تستأنس بالعلم والكتاب ، وبالله التوفيق.

المصادر الّتي نقلنا منها الأحاديث المعتبرة في كتابنا هي هذه :

١ ـ ٤. الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار.

__________________

(١) معجم الأحاديث المعتبرة : ٦.

(٢) لم نطبع هذا الكتاب المشتمل على ستّة أجزاء المتضمنة لما يقرب من ١١٥٠٠ حديثا ، لعلّة الشّك في اعتبار جملة من المنابع الحديثيّة ، وعدم اعتبار جملة من طرق الشّيخ رحمه‌الله المهمّة المذكورة في مشيخة التهذيبين ، حيث ظهر لي في أثناء تدوين الكتاب والأجزاء السّتة المذكورة ، محفوظه في مكتبة الحوزة العلمية لخاتم النّبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله في كابول.

أقول وأنا بصدد تصحيح الكتاب للطبعة الخامسة : زال المانع فعلا عن طبع معجم الاحاديث المعتبرة بعدما أثبتنا وصحّحنا الطرق المهمّة المذكورة في مشيخة التهذيب بتدقيقات علمية أثناء تصحيح هذا الكتاب بحوث في علم الرجال للطبع الجديد ، ولله الحمد.

(٣) يقصد المؤلف : إسلام آباد عاصمة الباكستان.

٤١٦

ولا كلام فيها فإنّ انتساب نسخها الموجودة الرائجة اليوم إلى مؤلّفيها الأعاظم الأجلاء الامناء مسلّم لا إشكال فيه ، والنسخ الخطّيّة الكثيرة لها تدلّ على ذلك.

٥ ـ ١٢. الكتب الثمانية للصدوق رحمه‌الله ، أي : التوحيد والخصال ، والعيون وثواب الأعمال ، وعقاب الأعمال والعلّل والمعاني ، والأمالي وإكمال الدّين ، ولا يبعد الاعتماد عليها ونسبة نسخها بتمامها إلى مؤلّفها ، ظاهرة.

١٣. رجال الكشي رحمه‌الله.

١٤. كامل الزيارات ، لابن قولويه رحمه‌الله.

١٥. إرشاد المفيد رحمه‌الله.

١٦. غيبة الشّيخ رحمه‌الله.

ولا بعد في إلحاقها بكتب الصدوق الثمانية في الاعتبار.

١٧. محاسن البرقي رحمه‌الله.

١٨. بصاير الدرجات ، للصّفار رحمه‌الله.

١٩. تفسير القمّي رحمه‌الله.

٢٠. أمالي الشّيخ المفيد رحمه‌الله.

٢١. أمالي الشّيخ الطوسي رحمه‌الله.

٢٢. قصص الأنبياء ، للراوندي رحمه‌الله.

٢٣. أمالي ابن الشّيخ رحمه‌الله (إن صحّ التعبير).

٢٤. قرب الإسناد ، للحميري رحمه‌الله.

٢٥ و ٢٦. كتابا ابن سعيد رحمه‌الله.

٢٧. نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى رحمه‌الله.

٢٨. مسائل علي بن جعفر رحمه‌الله.

٢٩. قصص الأنبياء ، للراوندي رحمه‌الله.

٣٠. مصباح الشّيخ رحمه‌الله.

وهنا كتب آخر فيها الأحاديث تعرضنا لحالها بعد طبع بحوث في علم الرجال طبعة رابعة ، في كتابنا : مشرعة بحار الأنوار ، وكتابنا : تعليقة في تمييز الأحاديث المعتبرة في جامع الأحاديث.

٤١٧

واعلم : أنّ نسبة هذه الكتب وأمثالها إلى مؤلّفيها الثقات ، وبالتالي تصحيح أحاديثها المروية فيها بأسانيد صحيحة وحسنة وموثقة تحرّز حسب النظر السائد في هذه الأعصار ، بصحّة إسناد الشّيخ الطوسي رحمه‌الله إلى المؤلّفين المذكورين في مشيخة التهذيبين أو الفهرست ، إذا كانوا قبل زمان الشّيخ وبصحّة أسناد العلّامة ونظرائه ، والمجلسي والحرّ العاملي ، مثلا إلى الشّيخ وأقرانه رحمه‌الله.

وبذلك يحكم باعتبار الرّوايات المنقولة في بحار الأنوار ووسائل الشّيعة إذا أحرزت وثاقة رواتها أو حسنهم.

لكن هذا لا يكفي للحكم باعتبار روايات الكتاب المرويّة بأسانيدها معتبرة ، بل لا بدّ من إحراز وصول نسخة الكتاب إلى المتأخّرين كالعلّامة والمجلسي أو الحر العاملي وغيرهم رحمه‌الله بسند معتبر حتّى يحصل الأمن من الدسّ والجعل والتزوير في روايات الكتاب ، فإنّ الطباعة الرائجة اليوم لم تحدث في تلك الأزمان ، ونسخ الكتب كلّها كانت مخطوطة باليد ، يمكن فيها الزيادة والنقيصة بسهولة فمجرّد صحّة طريق الشّيخ مثلا إلى صاحب كتاب ، وصحّة سند المجلسي وغيره من طريق الإجازات إلى الشّيخ أمر ، ووصول نسخة الكتاب إليه بسند معتبر أمر آخر ، ولا ملازمة بينهما.

ولا شكّ أنّ أكثر أسانيد الشّيخ في الفهرست والإجازات الصادرة من العلماء بعد الشّيخ خالية عن مناولة النسخ ، كما عرفته من البحث الرابع والأربعين فيما سبق.

والغفلة عن هذا الأمر أوجب إدخال الرّوايات الكثيرة المجهولة في حريم الأحاديث المعتبرة.

ينقل هشام بن الحكم عن الصّادق عليه‌السلام في حديث :

لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق القرآن والسّنة ، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد ـ لعنه الله ـ دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي ...

قال يونس : وافيت العراق ... وأخذت كتبهم ـ أي : كتب أصحاب الباقرين صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فأنّكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقال لي : «إنّ أبا الخطّاب كذّب على أبي عبد الله عليه‌السلام ، لعن الله أبا الخطّاب! وكذلك أصحاب أبي الخطّاب! يدّسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ...»

٤١٨

وللحديث صورة اخرى أخرجها الكشّي في رجاله. (١)

أقول : أبو الخطّاب والمغيرة بن سعيد يوجدان في كلّ زمان ومكان ، وفي كلّ من المذاهب والأديان والملل حتّى في القضايا التأريخيّة ، فضلا عن الأمور الدينيّة والسياسيّة وغيرها. والأمر في أحاديث أهل السنة أوسع وأمر.

وعن أحمد بن عمر الحلال ـ كما في الكافي (٢) ـ قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول إروه عنّي ، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال فقال : «إذا علمت أنّ الكتاب له فارووه».

فالعمدة هو العلم ـ سواء كان وجدانيّا أو تعبديّا ـ بصحّة نسبة النسخة إلى مؤلّفها.

إذا عرفت هذا فالكلام يقع في هذا البحث في فصول :

١. حول كتاب علي بن جعفر رضي‌الله‌عنه

قال النجّاشي في ترجمته : له كتاب في الحلال والحرام يروي تارة غير مبّوب ، وتارة مبوبّا.

ثمّ ذكر إلى كلّ منهما سنده إلى علي بن جعفر وكتابه ، ولكن كلا سنديه غير معتبر.

وقال الشّيخ الطّوسي في حقّه في الفهرست : جليل القدر ثقة ، وله كتاب المناسك ومسائل ، لأخيه موسى الكاظم بن جعفر صلى‌الله‌عليه‌وآله سأله عنها.

أخبرنا بذلك ... وسنده إليهما معتبر.

ونقله المجلسي مجموعا في البحار (٣) ، وقال في أوّله : باب ما وصل إلينا من أخبار علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام بغير رواية الحميري (٤) نقلناها مجتمعة لما بينها وبين أخبار الحميري من اختلاف يسير ، وفرّقنا ما ورد برواية الحميري على الأبواب.

أخبرنا أحمد بن موسى بن جعفر بن أبي العبّاس ، قال حدثنا أبو جعفر بن يزيد بن النضر الخراساني من كتابه في جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين ومأتين ، قال حدثنا علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، عن

__________________

(١) انظر : رجال الكشي : رقم : ٤٠١ ـ ٤٠٢.

(٢) الكافي : ١ / ٥٢.

(٣) بحار الأنوار : ٢٤٩ ـ ٢٩١ ، الجزء العاشر المطبوع حديثا.

(٤) ما رواه الحميري هو غير المبوّب المشار إليه في كلام النجّاشي ، وفي سنده عبد الله بن الحسن حفيد علي بن جعفر ، ولم يثبت وثاقته ، فهو مجهول.

٤١٩

علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال سألت ...

أقول : هذا السند مرسل أوّلا ، ورجاله مهملون ثانيا ، على أنّك قد عرفت أن صحّة طريق الشّيخ إلى علي ، وصحّة طريق المجلسي إلى الشّيخ ، لا تكفي للحكم بصحّة النسخة ، فتصبح أحاديث كتاب المسائل المذكور مرسلة غير حجّة ، خلافا لما بنينا عليه سابقا تبعا لما هو المشهور من اعتباره ؛ لأجل صحّة الطريقين المشار إليهما ، وقد ذكرنا أحاديثه في بعض أجزاء كتابنا : معجم الأحاديث المعتبرة ، ثمّ حذفنا منه حتّى الإمكان ، وبقي فيه ما طبع بالكومبيوتر ، ولكن نبهنا على ضعفه في بعض مواضع المعجم.

وكتبت هذا الأمر إلى سيّدنا الأستاذ الخوئي قدّس سره قبل هذا بسنين أيّام حياته في النجف الأشرف ، فإنّه كان يعتمد على كتاب المسائل فلم يصل إلىّ جوابه ، ولكن حكي لي بعض الفضلاء الصالحين من تلامذته بعد وفاته ، أنه قرء كتابك ، وقال لي أكتب له جوابا ، قلت له : ما كان جوابه رحمه‌الله قال : الظّاهر أنّه كان يقول إنّ المجلسي لعلّه رواه بعدّة طرق معتبرة ، وغير معتبرة ، فاقتصر في بحاره على سند واحد ضعيف.

أقول : وهذا بعيد من مثله قدّس سره فإنّ الاعتماد على مجرّد الاحتمال غير صحيح ، لكن رسخ اعتقاد صحّة المسائل في ذهنه طيلة عمره ، فرأى السؤال ضعيفا فردّه بما ذكر ، ولقد أحسن السّيد السيستاني (دام عمره) ، حيث ذكر لي شفاها حين لقائي إيّاه في النجف الأشرف سنة ١٤١٤ ه‍ ، عدم اعتماده عليه ؛ لعدم حصول الاطمئنان بصحّة نسبة هذه النسخة الواصلة إلى المجلسي إلى علي بن جعفر رضي‌الله‌عنه وإنّها هو كتابه ، بل ادّعى القطع بعدم تحقق المناولة في أمثاله.

أقول : دعوى القطع لا بأس بها ، نعم ، ما نقله الشّيخ الطّوسي عن هذا الكتاب نقبله ؛ لأجل اعتبار سنده إليه في المشيخة ، دون سنده إليه في الفهرست على وجه.

٢. حول كتابي الحسين بن سعيد رحمه‌الله

ذكر الشّيخ رحمه‌الله في فهرسته بعد توثيق الحسين ، أسماء كتبه الّتي منها كتاب الزهد وكتاب المؤمن.

وقال المجلسي رحمه‌الله :

وجلالة الحسين بن سعيد ، وأحمد بن محمّد بن عيسى ، تغني عن التعرّض لحال تأليفهما وانتساب كتاب الزهد إلى الحسين معلوم ، وأمّا الأصل الآخر ، فكان في أوّله هكذا : أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد ، ثمّ يبتدأ في سائر الأبواب

٤٢٠