بحوث في علم الرجال

الشيخ محمد آصف المحسني

بحوث في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مركز المصطفى العالمي للترجمة والنشر
المطبعة: زلال كوثر
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-195-211-4
الصفحات: ٤٥٦

وعلى هذا يظهر إنّ ما سلكه المحدّث النّوري وغيره من تصحيح أسانيد روايات التهذيب الضعيفة بطرق النجّاشي في فهرسه ضعيف جدّا ، وقد أتعب نفسه في ذلك في خاتمة المستدرك.

وكذا يضعف ما ذكره غيره من المحدّثين وغيرهم ممّن تصدّوا لتصحيح أسانيد الأحاديث بكل رطب ويابس ، وقالوا بكفاية سند النجّاشي إذا صحّ لرواية التهذيب الضعيفة سندا ، بدعوي أنّ مشائخ الشّيخ والنجّاشي غالبا غير متعددين.

والعجب أنّه ممّن اختار هذا المنهاج هو سيّدنا الأستاذ المحقّق البصير بعلم الرجال في مقدّمة معجم رجاله ، وسيأتي في البحث الآتي نقل كلامه الشّريف مع جوابه ، كما سيأتي قول السّيد البروجردي رحمه‌الله بأنّ الفهرست لم توضع لإخراج روايات التهذيبين من الإرسال ، إن شاء الله تعالى.

فالأظهر أن يقال : إنّ الأصل في أسانيد الفهرست هو الإخبار بأسامي الكتب ، وأنّها من تأليف فلان وفلان.

وإثبات الإجازة فضلا عن الرّواية بالسماع والقراءة ومناولة النسخة ، كلّها محتاج إلى

__________________

يذكرون الكتاب المنسوب إلى علي بن الحسن بن فضّال المعروف بأصفياء أمير المؤمنين عليه‌السلام ويقولون إنّه موضوع عليه ... ولم نر أحدا ممّن روي عن هذين الرجلين يقول قرأته على الشّيخ ، غير أنّه يضاف إلى كلّ رجل منهما بالإجازة فحسب ...

وفي ترجمة علي بن محمّد بن يوسف بن مهجور ... ثقة سمع الحديث فأكثر ، إبتعت أكثر كتبه ... أخبرنا عنه عدّة من أصحابنا.

وقريب منه ما قاله في ترجمة علي بن عبد الرحمن بن عيسى ، ويظهر من كلامه الأوّل الفرق المهمّ بين القراءة والإجازة فلا تغفل. ويفهم من كلامه الثّاني ان الكتب لم تصل إليه بالسلسلة المعنونة بل من الأسواق والبائعين. أقول وربّما من المتبرّعين أو من المعيرين ، وعليه يحمل قوله في أوّل فهرسه : وقد جمعت من ذلك ما استطعته ، ولم أبلغ غايته لعدم أكثر الكتب ...

وقوله في أوّل الجزأ الثّاني منه : من كتاب فهرست أسماء مصنّفي الشّيعة وما أدركناه من مصنّفاتهم ... وما قيل في كلّ رجل منهم من مدح أو ذم.

فإنّ الظاهر من كلاميه ـ وإن لم يكن نصّهما ـ أنّ الكتب الّتي أسماها في فهرسه كانت موجودة عنده فإنّ قوله :

لعدم أكثر الكتب ، قرينة على أنّ المراد بجمع الكتب ، هو الجمع خارجا لا ذكرا ، كما أنّ الظاهر من إدراك المصنّفات إدراك وجودها دون أسمائها.

وإذا كان هذا الظاهر مطابقا للواقع ، فليس المراد وصول الكتب إليه بالأسانيد مناولة ، بل بما عرفت بالبيع وغيره.

٣٢١

قرينة زائدة على أصل الإخبار (أخبرنا) وهي قليلة ، كما أشرنا إلى مواردها (١) وهي موارد غير كثيرة ففيها ، نلتزم بمقدار مداليلها ، وفي غيرها نرجع إلى الإصل سواء في حقّ من روى عنه في التهذيب ، أو لم يرو عنه فيه كلّ ذلك لاتّحاد كيفيّة طرق الفهرست بين الطائفتين المذكورتين.

وهنا بحث أعمق من هذا ، وهو البحث عن اتّحاد طرق المشيخة مع طرق الفهرست ، وسوف ننظره في البحث الآتي في تخريج مشيخة التهذيب ، والله العالم.

__________________

(١) انظر : ٣٨٥ ـ ٣٨٩.

٣٢٢

البحث الخامس والأربعون

في بيان طرق مشيخة التهذيب

مقدّمة وتمهيد

لا شكّ أنّ بيان طرق الشّيخ الطوسي رحمه‌الله إلى الرّواة وأرباب المصنّفات والاصول مهمّ جدّا ؛ إذ لصحّتها أو ضعفها أثر عميق في اعتبار روايات التهذيب والاستبصار ، بل وغيرهما من كتب الشّيخ قدّس سره على وجه ؛ ولذا يجب على أرباب الاستنباط وحملة الفقه مزيد اهتمام بمشيخة التهذيب المذكورة فيها طرقه إليهم ، فنقول في شرحها من حيث الصحّة والضعف مستعينا بالله تعالى.

قال الشّيخ المشار إليه بعد جملة من كلامه في خاتمة التهذيب : والآن فحيث وفّقنا الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب ، فنحن نذكر الطرق الّتي يتوصل بها إلى رواية هذه الاصول والمصنّفات (١) ، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الإخبار بذلك عن حدّ المراسيل ، وتلحقّ بباب المسندات .... (٢)

__________________

(١) أقول : لم يثبت لمحمّد بن إسماعيل الّذي ذكر الشّيخ طريقه إليه أصل ولا مصنّف ، وهذا يؤيّد ما يأتي من كونه شيخ إجازة.

(٢) ذكر الشّيخ في مشيخة التهذيب طرقه إلى خمسة وثلاثين شيخا كلّها معتبرة ، سوى أربعة طرق ضعيفة ، نعم ، لا تخلو بعض طرق أخرى من إشكال على الأظهر ، وأمّا أصحاب الطرق ، أي : من ينتهى إليهم الأسناد فأربعة ، منهم غير معتمدين ، والباقي كلّهم ثقات وموثقون ، كما يظهر من الجدول الّذي ذكرناه في خاتمة هذا البحث.

٣٢٣

وقال بعد ذكر الطرق والأسناد :

قد أوردت جملا من الطرق إلى هذا المصنّفات والاصول ، ولتفصيل ذلك شرح يطول وهو مذكور في الفهارس المصنفة في هذا الباب للشيوخ رحمه‌الله ، من أراده أخذه من هناك إن شاء الله ، وقد ذكرنا نحن مستوفي في كتاب فهرست الشّيعة. (١)

أقول : فنحن نتعرّض للمشيخة والفهرست معا لتحقيق أسناد الشّيخ رحمه‌الله إلى الاصول والمصنّفات إن شاء الله ، وفائدة المراجعة إلى الفهرست على قول جماعة تظهر فيما إذا كان طريق الشّيخ إلى شخص ضعيفا في المشيخة ، وصحيحا في الفهرست ، فإنّه ينتج صحّة الرّوايات ؛ لاجل إحالة الشيخ الآنفة الذكر إن صحّت.

لكن قال السّيد البروجردي قدّس سره في حاشية مقدّمة له على جامع الرّواة للأردبيلي رحمه‌الله : تصنيف الشّيخ للفهرست وذكر الطرق إلى من ذكر فيه أنّ له كتابا أو أصلا ليس لإخراج أحاديث التهذيبين من الإرسال ، ولم يبدأ الشّيخ في أسانيدهما بهؤلآء المذكورين في الفهرست سوى قليل منهم ، وهم المشيخة المذكورون في آخر الكتابين ، نعم ، ربّما يوجد في بدأ أسانيدهما شيوخ لم يذكر لهم طريقا في المشيخة ، وعدد رواياتهم بأجمعها لا يزيد على خمسمائة تقريبا ، ولا تخرج هذه الرّوايات عن الإرسال لسبب الطرق المذكورة في الفهرست غالبا (٢).

والحقّ ـ كما ظهر لي حين اعداد الكتاب للطبعة الثالثة ـ عدم خروج أحاديث التهذيبين عن الإرسال والضّعف بأسانيد الفهرست مطلقا ، كما ذكرنا في البحث السّابق من أنّ ملاحظة الفهرست من أوله إلى آخره توجب الاطمئنان ، بأنّ قول الشّيخ فيه : (أخبرنا) هو مجرّد الحكاية عن المصنّفات والاصول لأصحابنا من دون مناولة أو قراءة أو سماع ، إلّا في موارد قليلة صرّح بأحدها ، فصحّة مثل هذه الأسانيد لا تنفع صحّة أسانيد ما نقله في التهذيبين بغير سند أو سند ضعيف ، وقد مرّ تفصيله ، لكن كلام السّيد البروجردي لا يبتني على هذا المبني ظاهرا ، وهو محتاج ، إلى ايضاح وأيضا لا بدّ له من توجيه وجيه لإحالة الشيخ إلى الفهرست على تقدير صدورها عنه ويظهر من عدم انكاره تسليمه لصدور الإحالة من قلم الشيخ وأنّها من كلامه.

__________________

(١) مرّ الترديد في البحث السّابق ذيل عنوان خاتمة المطاف في صدور الجملة الأخيرة ـ وقد ذكرنا نحن مستوفي ... ـ. من قلم الشيخ في آخر المشيخة.

(٢) لم أفهم النكتة في هذا القيد ـ أي : قوله غالبا ـ ، ويحتمل أنّه ناظره إلى الموارد المقرون الإخبار فيها بالقراءة والسماع.

٣٢٤

إحداث منهج جديد

قال الشّيخ الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله مؤلّف جامع الرّواة في رسالته الّتي سمّاها بتصحيح الأسانيد ، وذكر مختصرها في جامعه :

ألقي في روعي أن أنظر في أسانيد التهذيب والاستبصار لعلّ الله تعالى يفتح إلى ذلك بابا ، فلمّا رجعت إليهما فتح الله لي أبوابهما ....

أقول : فزاد على مشيخة التهذيب والاستبصار جميع من ذكر الشّيخ في الفهرست أنّ له كتابا أو أصلا ، وذكر لنفسه إليه طريقا ، بل وأضاف إلى ذلك أيضا كلّ من استنبط من أسانيد روايات التهذيبين أن للشيخ إلى كتابه طريقا ؛ ولذلك أنهي عدد من للشيخ إلى كتابه أو أصله طريق إلى (٨٥٦) شخصا ، كما يظهر من خاتمة المستدرك (١). وقيل : إنّ عدد المعتبر منها ـ بزعمه ـ يقرب من خمسائة طريق.

وقال السّيد البروجردي رحمه‌الله في مقدّمة له على جامع الرّواة في توضيح ما استنبطه مؤلّف جامع الرّواة :

مثلا روي الشّيخ رحمه‌الله في التهذيب عن علي بن الحسن الطاطري قريبا من ثلاثين حديثا ، بدأ بذكره في أسانيدها وطريقه إليه في المشيخة مجهول ، ومقتضاه عدم اعتبار تلك الرّوايات.

وروى في كتاب الحجّ أربع روايات سندها هكذا : موسى بن القاسم عن علي بن الحسن الطاطري ، عن درست بن أبي منصور ومحمّد بن أبي حمزة ، عن ابن مسكان ... الخ ، وموسى بن القاسم ثقة ، وطريق الشّيخ إلى كتابه في الحجّ صحيح ، فلمّا رأى المصنّف هذه الرّوايات الأربع ، قال في مختصر الرسالة : وإلى علي ابن الحسن الطاطري فيه علي بن محمّد بن الزبير في المشيخة والفهرست ، وإلى الطاطري صحيح في التّهذيب في باب ... فزعم قدّس سره أنّ هذه

__________________

(١) رسالة توضيح الأسانيد غير موجودة ، ولعلّها لم تصل إلى غيري أيضا ، وقد نقل مختصرها المامقاني في آخر تنقيح المقال والمحدث النوري رحمه‌الله في خاتمة مستدركه : ٦ ، الطبعة الحديثة والصفحة ٧١٩ الطبعة القديمة وأتعب نفسه كالأردبيلي رحمه‌الله في تكميل الطرق وتصحيحها بزعمه ، وستعرف في المتن إنّ هذا العمل الشّاق المتعب لا ثمرة له.

وعهدة هذا ـ في الجملة على الشّيخ رحمه‌الله ومشيخته وحذفه أوائل أسناد أحاديث التهذيبين ، والنقل عن الضعفاء مع عدم حجيّة خبر غير الثّقة عنده وعلمه بأنّ كتابه ليس لنفسه حتّى يفيده إطمئنانه الشّخصي بصحّة الرّوايات ، وبأنّ كتابه للأجيال القادمة ، فهو لم يكن رجاليا فقط ولا محدثا فقط ، بل كان مجتهدا بتمام معنى الكلمة ، ومع ذلك قصر في المقام رحمه‌الله رحمة واسعة.

٣٢٥

الأحاديث الأربعة كانت في كتاب الطاطري ، وكان موسى بن القاسم راويا لها ولجميع كتاب الطاطري عنه ، فحكم بأنّ الشّيخ روي كتاب الطاطري بسند صحيح ؛ ولذلك حكم بصحّة كلّ حديث بدأ الشّيخ في سنده بالطاطري.

ثمّ قال في ردّه : وهذا الاستنباط ضعيف ، إذ كما يحتمل ذلك ، يحتمل أنّه كانت هذه الرّوايات مأخوذة من كتاب درست ، ويؤيّده ما في الفهرست في ترجمة درست : من أنّ له كتابا رواه الطاطري.

ومن كتاب محمّد بن أبي حمزة ، أو من فوقهما ، وروي موسى بن القاسم ذلك الكتاب عن الطاطري عن درست ، أو من فوقهما ، ولم تكن تلك الرّوايات مذكورة في كتاب الطاطري أصلا ؛ إذ ليس كلّ من روى كتاب شيخ يلزم أن يذكر أخبار كتاب ذلك الشّيخ في كتاب نفسه ...

أقول : ما أفاده سيّدنا البروجردي متين ، لا مناص عنه.

ثمّ إنّ هنا بحثا آخرا ، وهو أنّ الشّيخ هل نقل كلّ روايات التهذيبين عن كتب وأصول من بدأ باسمه في رواياتهما ، أم هنا تفصيل؟

قال السّيد السيستاني (طال عمره) في محكي شرحه على مشيخة التهذيب ، كما في حاشية كتابه قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، الّذي كتبه ابنه (دام توفيقه): (١)

إنّه ربّما يتصوّر ـ ولعلّه هو التصوّر السائد ـ أنّ جميع من يكون للشيخ طرق إليهم في المشيخة ، إنّما يروي الأحاديث المبدوءة بأسمائهم في التهذيبين من كتبهم مباشرة ، ولعلّ الأصل في هذا التصوّر هو عبارة الشّيخ نفسه في مقدّمة المشيخة ، ولكن هذا غير صحيح ، بل التحقيق أنّ رجال المشيخة على ثلاثة أقسام :

١. من أخذ الشّيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة ، وهم أكثر رجال المشيخة ...

٢. من أخذ الشّيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مع الواسطة ، وهو بعض مشايخ الكليني (٢) ومشائخ مشايخه ، كالحسين بن محمّد الأشعري ، وسهل بن زياد ، فهؤلاء إنّما

__________________

(١) انظر : الهامش قاعدة لا ضرر ولا ضرار : ١٤ و ١٥.

(٢) وقال السّيد أيضا : إنّ الشّيخ لم يذكر محمّد بن يحيى في فهرسته ، بل ذكره في رجاله ، ولكن النجّاشي عنونه ، وقال : له كتب منها كتاب مقتل الحسين وكتاب النوادر. فيستظهر من ذلك إنّ كتب محمّد بن يحيى لم تصل إلى الشّيخ قدّس سره لينقل منها مباشرة ، وإلّا فكيف لا يذكرها في الفهرست ، مع أنّ غايته فيه الاستيفاء قدر الإمكان ، كما يعلم من مقدمته. انظر : المصدر : ٢٠١.

٣٢٦

ينقل الشّيخ رواياتهم بواسطة الكافي.

٣. من أخذ الشّيخ بعض ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة ، وبعضه الآخر من كتابه مع الواسطة وهم جماعة (١) ، منهم خمسة ذكرهم الشّيخ تارة مستقلا بصيغة : ومن جملة ما ذكرته عن فلان ...

وأخرى تبعا في ذيل ذكر أسانيده إلى آخرين بصيغة : ومن جملة ما ذكرته عن فلان ...

وهؤلاء هم : الحسن بن محبوب ، والحسين بن سعيد ، وأحمد بن محمّد بن عيسى والفضل بن شاذان وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، فإنّ هؤلاء وإن نقل الشّيخ من كتبهم بلا واسطة ، ولكن نقل عنها أيضا بتوسط غيرهم ممّن ذكرهم بعد إيراد أسانيده إليهم.

فالبرقي ـ مثلا ـ قد ذكره الشّيخ مرّتين : تارة بعد ذكر أسانيده إلى الكليني بقوله : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمّد بن خالد ما رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ...

وذكر مرّة أخرى مستقلّا بقوله : وأمّا ما ذكرته عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، فقد أخبرني ....

فهذا يقتضي أنّه قدّس سره قد اعتمد في نقل روايات البرقي على كتابه تارة ـ وإليه ينتهي سنده الأخير ـ وعلى الكافي تارة اخرى ـ وإليه ينتهي سنده الأوّل ، وعلى هذا ، فلا يمكن لنا بمجرّد إبتداء الشّيخ باسم البرقي وأضرابه استكشاف أنّ الحديث مأخوذ من كتبهم مباشرة. انتهى كلامه.

ثمّ إنّ في القسم الثالث ، حيث ينقل الشّيخ روايات الشّخص من كتبه على نحوين : مباشرة تارة ومع الواسطة اخرى ، هل يمكن تمييز أحد النّحوين عن الآخر أم لا؟

ذكر السّيد المذكور أنّ ذلك ممكن في بعض هؤلاء ، ومنهم البرقي ، فإنّه متى ابتدأ به بعنوان أحمد بن محمّد بن خالد ، فالحديث مأخوذ من الكافي ، ومتى ابتدا به بعنوان أحمد

__________________

أقول : ويؤيده أنّه لا مصنف لمحمّد بن إسماعيل شيخ الكليني ظاهرا ، كما أشرنا إليه في ما مضي ، نعم ، الظاهر إنّ ترك ذكر محمّد بن يحيى وكتبه في الفهرست لأجل الغفلة لا لعدم وصول كتبه إلى الشّيخ ، فإنّ الظاهر من طريق المشيخة الثّاني إلى محمّد بن يحيى وصول كتابه إلى الشّيخ والفهرست متأخّرة تأليفا عن التهذيب ومشيخته.

(١) يعرفون من ملاحظة هذه المشيخته.

٣٢٧

بن أبي عبد الله ، فالحديث مأخوذ من كتبه مباشرة ، وهذا مضافا إلى أنّه مقتضى ظاهر عبارة المشيخة ، حيث فرق بين القسمين في التعبير ، كما تقدّم فهو مقرون ببعض الشّواهد الخارجيّة.

منها : إنّ الملاحظ أنّ كلّ رواية في التهذيبين ابتدأ فيها الشّيخ بعنوان أحمد بن محمّد بن خالد (فهو) موجود في الكافي ـ كما تحققته بالتّتبّع. (١) وليس كذلك ما ابتدأ فيه بعنوان أحمد بن أبي عبد الله ، فإنّه قد يوجد في الكافي ، وقد لا يوجد فيه. (٢)

وبهذا يتجلّي صحّة ما ذكرناه من أنّه كلّما ابتدأ الشّيخ بعنوان : أحمد بن محمّد بن خالد ، فإنّه يكون قد أخذ الحديث من كتاب الكافي ، فلا يمكن عدّه مصدرا مستقلّا في مقابله ، انتهى كلامه.

أقول : ولما حقّقه ـ طال عمره ثمرة مهمّة أخرى التفت إليها أثناء إعداد هذا الكتاب في حد ذاتها للطبعة الخامسة ، وهي صحّة طرق الشّيخ في المشيخة إلى أحمد بن محمّد بن عيسى مثلا ، إذ المذكور في الطرق المذكورة إليه : «ومن جملة ما ذكرته عن احمد ...»

وهذا ، في حد ذاتها الجملة ، لكونها في قوّة الموجبته الجزئيّة ، لا تكفي لتصحيح جميع روايات أحمد في التهذيب ، بل بعضها غير المعين ؛ ولذا ذكرت في الطبعة الرابعة من البحوث إن طريق الشيخ إلى احمد بن عيسى غير معتبر. واما الآن فالجملة المذكورة تشمل جميع الروايات الّتي نقلها الشيخ عنه مستقلّا ، وهي ـ أي : الجملة المذكورة ـ ناظرة إلى عدم شمولها للروايات الّتي رواها الشيخ عنه بواسطة الكافي ومؤلّفه الكليني ؛ ولأجله حكمت بصّحة طريق الشيخ في المشيخة إليه فافهم جيدا ولله الحمد.

إذا تقرّر ، هذا فنرجع إلى شرح المشيخة.

قال الشّيخ قدّس سره : فما ذكرناه في هذا الكتاب عن محمّد بن يعقوب الكليني رحمه‌الله ، فقد أخبرنا به الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن النعمان رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه‌الله عن محمّد بن يعقوب رحمه‌الله.

__________________

(١) لاحظ : ٣ ، ح : ٩١٠ ؛ ٦ ، ح : ٣٥٢ ، ٣٥٨ ، ٣٦٦ ، ٣٦٩ ، ٣٧٢ ، ٦٠٨ ، ٦٩٧ ، ٨٥٠ ، ٨٨٦ ، ١١٥٨ ؛ ٧ ، ح : ٢٨ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٥٦ ، ٦٥١ ، ٧٠٩ ؛ ٩ ، ح : ٣٧٣ ، ٤١٣ ، ٤١٥ ، ٤٦٥ ، ٤٦٧ ، ٤٧٠ ؛ ١٠ ، ح : ٦٧ ، ١١٥ ، ٢٠٨ ، ٢٦٢ ، ٤٥٢ ، ٨٠٣ ، ٨٠٥ ، ٨٧٢ ، ٩٠١ ، ٩٠٣ ، ٩٣١ ، ٩٣٧.

(٢) انظر : ١ ، ح : ١٠٥٦ ، ١١٤٤ ؛ ٢ ، ح : ٤١٥ ؛ ٣ ، ح : ٢٩٥ ، ٤٨٦ ، ٧١١ ؛ ٦ ، ح : ٢٥٨ ، ٣٢٩ ، ٨٧٨ ، و ١٠٦٠. ملاحظة : حرف الحاء يعني : الحديث.

٣٢٨

وأخبرنا به أيضا لحسين بن عبيد الله (١) عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراري ، وأبي محمّد هارون بن موسى التلعكبرى ، وأبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، وأبي عبد الله أحمد بن أبي رافع الصيمري ، وأبي المفضل الشّيباني وغيرهم ، كلّهم عن محمّد بن يعقوب الكليني.

وأخبرنا به أيضا أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر ، عن أحمد بن أبي رافع وأبي الحسين عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزاز بتنيس (٢) وبغداد ، عن أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ، جميع مصنّفاته وأحاديثه سماعا واجازة ببغداد بباب الكوفة (٣) بدرب السلسلة سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.

أقول : فهذه طرق ثلاثة للشيخ إلى الكليني ، الّذي وقع الاتفاق على وثاقته وأمانته.

أمّا الطريق الأوّل فهو صحيح معتبر ، فإنّ الشّيخ المفيد وابن قولويه ، كليهما من الأجلاء الثقات الامناء.

وأمّا الطريق الثّاني فأيضا صحيح فإنّ الحسين بن عبيد الله الغضائري ثقة أو حسن ، كما سبق. وأبو غالب أحمد بن محمّد بن محمّد المنسوب إلى زرارة ، فقد وثقه الشّيخ الطّوسي والنجّاشي ، وقال أنّه شيخ العصابة في زمنه وشيخ أصحابنا في عصره ، وهارون بن موسى التلعكبرى ثقة لتوثيق الشّيخ والنجّاشي إياه ، وكذا أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الصيمري أبو عبد الله ثقة في الحديث صحيح الاعتقاد ، كما ذكره الشّيخ والنجّاشي ، وأمّا أبو المفضل الشّيباني فهو محمّد ، بن عبد الله بن محمّد وقال النجّاشي : وكان في أوّل أمره ثبتا ، ثمّ خلط ، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه ... وعن الفهرست : كثير الرّواية حسن الحفظ ، غير أنّه ضعفّه جماعة من أصحابنا. (٤) وعن رجاله (٥) : كثير الرّوايه ، إلّا أنّه ضعفّه قوم.

أقول : فهو ضعيف لا يعتمد على حديثه.

والطريق الثالث مجهول على الأظهر ؛ لأنّ جميع ما قالوه في أحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون لا يفيد وثاقته ، بل ولا مدحه فإنّ العمدة في توثيقه كونه من مشايخ النجّاشي ، وقد مرّ منا المناقشة في وثاقتهم.

__________________

(١) قال في الفهرست : ١٦١ : وأخبرنا الحسين بن عبيد الله قراءة عليه أكثر كتبه من الكافي عن جماعة منهم أبو غالب ....

(٢) في الفهرست : بتفليس.

(٣) قيل : وكانت سكنى الكليني في بغداد في سنة ٣٢٧ بباب الكوفة في درب السلسلة.

(٤) الفهرست : ١٦٦.

(٥) رجال الشيخ : ٥١١.

٣٢٩

والأقوى اعتبار الطريق وعدم اضرار جهالة ابن عبدون به ، كما سبق.

وأحمد بن أبي رافع قد مرّ انّه ثقة وعبد الكريم مهمل غير مذكور بذمّ ولا مدح ، وللشيخ طريق رابع إليه ذكره في فهرسته ، قال : وأخبرنا السّيد الأجل المرتضى عن أبي الحسين أحمد بن علي بن سعيد الكوفي عن الكليني.

أقول : أمّا السّيد المرتضى قدّس سره فوثاقته غنية عن البيان ، وأحمد مجهول الحال ، فالطريق غير معتبر.

إشكال ودفع

لقائل أن يقول إن للشيخ الطوسي رحمه‌الله إلى الشّيخ الكليني رحمه‌الله ، طرقا بعضها ضعيف ، بناء على إضرار جهالة شيخ الاجازة باعتبار الحديث. وبعضها معتبر ، فيحتمل أنّه رحمه‌الله روي بعض الأحاديث بالطريق المعتبر ، وبعضها بالطريق الضعيف ، ولا تصريح ولا قرينة في كلامه أنّه لا يروي إلّا بالطريق الصحيح ، كيف ولو كان نقله بالطريق الصحيح دائما لم يكن وجه لذكر الطرق الضعيفة؟ وحيث إنّه لا تمييز عندنا في ذلك يسقط جميع الأحاديث المنقولة منه من درجة الاعتبار. (١)

وهذا الإشكال غير مختصّ بالمقام ، بل يجري في كثير من أسانيد المشيخة والفهرست.

قلت : بل توجد في كلامه قرينة على أنّه يذكر جميع الأحاديث المنقولة عمّن يبدأ باسمه في التهذيبين بجميع طرقه المعتبرة وغير المعتبرة ، لا أنّه قد يروي بأحد الطريقين ، أو الطرق ، وقد يروى بالآخر منهما أو منها ، وهذه القرينة كلمة : (أيضا) المصدر بها الطريق اللاحقّ بعد السّابق ، فدقق النظر في عبارته.

بل أقوى من هذه القرينة هو ظهور عباراته في ذلك ، فإنّ قوله وأخبرنا بها بعد قوله أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ، ظاهر في ذلك ، بل هو المراد وإن فرض حذف الضمير المجرور (بها) والاكتفاء بقوله وأخبرنا ... بعد الطريق الأوّل فافهم ذلك.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، فقد رويته بهذه الأسانيد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم.

وأخبرني أيضا برواياته الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن النعمان والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم ، عن أبي محمّد الحسن بن حمزة العلوي الطبري عن علي بن إبراهيم بن هاشم.

__________________

(١) وهذا مع قطع النظر عن تواتر الكافي ، كما لا يخفى.

٣٣٠

أقول : الطريقان كلاهما معتبران.

أمّا الطريق الأوّل ، فقد عرفته ، وأمّا الطريق الثّاني فالمفيد حاله ظاهر ، والغضائري ثقة أو حسن ، وكذا الحسن بن حمزة فإنّه ثقة.

وقال في الفهرست بعد الطريق الثّاني ظاهرا : وأخبرنا بذلك الشّيخ المفيد قدّس سره عن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن وحمزة بن محمّد العلوي ومحمّد بن علي ماجيلويه ، عن علي بن إبراهيم إلّا حديثا واحدا استثناه (١) من كتاب الشّرائع في ، تحريم لحم البعير ، وقال لا أروي ؛ لأنّه محال.

وهذا الطريق الثالث أيضا صحيح.

وحمزة بن محمّد وإن لم يرد فيه توثيق ومدح ، إلّا انّه نقل عن التعليقة أنّه يكثر الصدوق رحمه‌الله من الرّواية عنه مترضيا. (٢)

أقول : وهو على فرض ثبوته أمارة المدح خلافا لسيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله ، ومثله ماجيلويه ، بل يظهر أنّ ترضي الصدوق عنه أكثر من حمزة بكثير ، كما يظهر من البحث الثّاني عشر ، فهما حسنان. وقد ترحم عليه وترضى عنه ، ١٥ مرّة من مجموع ٢٣ مرّة ذكره.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن محمّد بن يحيى العطار ، فقد رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى العطار.

وأخبرني أيضا الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين بن أبي جيد القمّي جميعا ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه محمّد بن يحيى العطار.

أقول : محمّد بن يحيى شيخ أصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث له كتب ، كما قال النجّاشي ، ثمّ إنّ الطربق الأوّل بأسانيده قد تقدّم بحثه ، وأمّا علي بن أحمد بن محمّد أبي جيد أبو الحسين في الطريق الثّاني ، فعن السّيد في الكبير : وظاهر الأصحاب الاعتماد عليه ، والطريق إليه يعدّ حسنا وصحيحا ، وعن الشّيخ الحرّ : والأصحاب يعدون حديثه حسنا وصحيحا. وعن البحراني : إن إكثار الشّيخ رحمه‌الله الرّواية عنه في الرجال وكتابي الحديث يدلّ على ثقته وعدالته وفضله ، كما ذكره بعض المعاصرين.

__________________

(١) الظاهر رجوع الضمير المرفوع إلى المفيد رحمه‌الله والله العالم.

(٢) ولاحظ : خاتمة مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٩٧ ، ذيل عنوان : حمزة بن محمّد القزويني العلوي. وقال : من مشايخ الصدوق يروي عنه مترضيا ، وقد نقل نسبه عن العيون إلى زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام. ولاحظ : عدد الترضّى عنه ، والترحيم عليه ، في البحث الثّاني عشر.

٣٣١

قال المامقاني : روي النجّاشي عنه في مواضع منها ترجمة الحسين بن المختار ، وكذلك الشّيخ قد أكثر الرّواية عنه في الفهرست ، فهو من مشائخ الشّيخ والنجّاشي ؛ ولأجله وثّقه السّيد الأستاذ رحمه‌الله.

أقول : في كلّ ذلك نظر ، والله العالم.

وأمّا أحمد بن محمّد يحيى ، فقد وثقه الشّهيد الثاني رحمه‌الله وغيره ، بل يظهر من أحمد بن نوح السيرافي التعويل عليه (١) ، لكن الفصل بين الشّهيد وأحمد ستمائة سنة أو ما يقرب منها ، فلا يحتمل احتمالا غير موهوم استناد مثل هذا التّوثيق إلى الحسّ. ولا سيّما لم يصل إلينا توثيق من سبقه إياه ، وأمّا التعويل فهو لا يفيدنا ؛ لأنّ جمعا من الضعفاء قد أكثر عنهم بعض الثقات الحديث وعولوا عليهم ، فهو أعمّ من التوثيق.

والعمدة في حسنه كثرة ترحّم الصدوق عليه وترضيه عنه ، أمّا الكبرى فقد تقدّم ذكرها في البحث الثّاني عشر ؛ وأمّا الصغرى فقد روي عنه الصدوق في معاني الإخبار (٢) في أربعة مواضع ، وأردف ذكره بالترضيّة في الثّلاثة الاولى. وفي توحيده في ستّة عشر موضعا ، مترضيّا ومترحما عليه في اثني عشر موضعا ، وهي في أبواب : السادس والتّاسع والحادي عشر ، والثّاني عشر والثامن والعشرين والثامن ، والثلاثين والثّاني والأربعين والخامس والأربعين ، والواحد والخمسين والخامس والخمسين ، والثالث والستّين.

وكذا أكثر الترضي عنه في مشيخة الفقيه. (٣)

فيظهر من هذا الاعتناء الشّديد جلالة أحمد المذكور وكبره في عين الصدوق ، ولا يحتمل من الصدوق مثل هذا التجليل والإكبار لمن لا يعلم أنّه كاذب مفتر على الله وخلفائه ، أم صادق ، بل يفهم منه أنّه كان ثقة صادقا جليلا عنده ، فالحكم بجهالة أحمد المذكور ، كما صدر عن سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله ضعيف جدا.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن أحمد بن إدريس ، فقد رويته بهذا الأسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن إدريس ، وأخبرني به أيضا الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان والحسين بن عبيد الله جميعا ، عن أبي جعفر محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري ، عن أحمد بن إدريس.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٦.

(٢) معاني الإخبار : ١٧٧ ، ٢٣٤ ، ٢٥١ و ٣٩٥ ، طبع المطبعة الحيدريّة ١٣٧٩.

(٣) ولعلّ عدد الترحيم والترضي عنه يتجاوز عن : ١٣٠ مرّة.

٣٣٢

وفي الفهرست : أحمد بن إدريس أبو علي الأشعري القمّي كان ثقة في أصحابنا فقيها كثير الحديث صحيحه ، وله كتاب النوادر ، كتاب كثير الفائدة ، أخبرنا بسائر رواياته الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمّد بن جعفر بن سفيان البزوفري (١) ، عن أحمد بن إدريس ووثقّة النجّاشي أيضا.

ثمّ إنّ الطّريق الأوّل صحيح كما مرّ ، وأمّا الطّريق الثّاني ؛ فلأجل محمّد بن الحسين ضعيف ، فإنّ الرّجل مهمل ، وإن كان أبوه الحسين بن علي بن سفيان ثقة عند النجّاشي ؛ وأمّا إذا قلنا أنّ والد حسين هو سفيان دون علي ، فهو كابنه محمّد مهمل.

وفي المستدرك (٢) وخاتمة المستدرك (٣) عند ذكر المشائخ العظام : أبو جعفر محمّد بن الحسين البزوفري ، كما في أمالي أبي علي مكرّرا ، عن والده ، عن المفيد عنه مع الترحّم عليه ....

أقول : إن ثبتت نسبة الأمالي إلى الشّيخ أو ابنه ، وثبتت كثرة الترحّم عليه ، فالرجل حسن. لكن في صحّة نسبة الأمالي إلى مؤلّفها إشكال ، يأتي.

والطريق الثالث أيضا ضعيف بجهالة أحمد بن محمّد المذكور وإن وثّقه بعض العلماء ، وكيفما كان ، فهو مذكور في كتب الرجال باسم أحمد بن جعفر بن سفيان.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن الحسين بن محمّد ، فقد رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمّد.

أقول : الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري ثقة ، والأسناد قد عرفت صحتها.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن محمّد بن إسماعيل ، فقد رويته بهذا الأسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن إسماعيل.

أقول : السند صحيح ، وإنّما الكلام في محمّد بن إسماعيل ، وليس هو ابن بزيع الثّقة ، كما قيل : لأنّه أدرك الجواد والرضا والكاظم عليهم‌السلام ، وروي عنهم وليس في تمام الكافي رواية عن الكليني عن محمّد بن إسماعيل عن الإمام عليه‌السلام ، بل عن الفضل بن شاذان ، وهذا دليل على أنّه

__________________

(١) لاحظ : معجم رجال الحديث : ٢ / ٦٦. الطبعة الخامسة ، حيث حكم السّيد الأستاذ : بأنّ نسخة الفهرست المطبوعة غلط ، والصحيح أحمد بن جعفر ، وكلمة محمّد زائدة.

(٢) المستدرك : ٣ / ٥٢١ ،

(٣) خاتمة المستدرك : ٣ / ٢٤٤ الطبعة الحديثة.

٣٣٣

غيره ، وأقوى منه الفصل البعيد بين الكليني وبين ابن بزيع ، (١) فأمره دائر بين البرمكي الّذي وثقة النجّاشي وضعّفه ابن الغضائري ، وبين النيسابوري المجهول ، كما هو الظاهر.

وكلّ ما قيل في اعتبار رواية النيسابوري غير قوي ، فالحقّ هو التوقف عن قبول الرّوايات الّتي فيه محمّد بن إسماعيل هذا.

ثمّ أنّي وقفت عند إعداد الكتاب للطبعة الرابعة على كلام جديد لسيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله ، حيث قال : إنّ روايات الكليني رحمه‌الله عن الفضل بن شاذان في الأغلب لا تكون منحصرة بطريق محمّد بن إسماعيل ، بل يذكر كثيرا منضّما إليه : علي بن إبراهيم عن أبيه. وفي بعض الموارد مكان علي بن إبراهيم شخص آخر ، مثل : محمّد بن عبد الجبار أو محمّد بن الحسين وغيرهما ، وقد أحصينا هذه الموارد ، فبلغت أكثر من ثلاثمائة مورد.

ومن جهة أخرى أنّ الشّيخ رحمه‌الله ذكر في المشيخة طريقه إلى روايات الفضل ، فروي عن مشائخه عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل.

وبعض الرّوايات المذكورة في التهذيبين عن الفضل نفس الرّوايات ، الّتي ذكرها الكليني رحمه‌الله بطريق واحد يعني عن محمّد بن إسماعيل عن الفضل.

فيظهر من ذلك أنّ للكليني أكثر من طريق واحد إلى روايات الفضل ، وإنّما اكتفي بواحد منها في بعض الموارد اختصارا ، أو لغير ذلك ، وبهاتين الجهتين تصبح روايات الكليني عن محمّد بن إسماعيل معتبرة. (٢)

أقول : هذا الاستدلال ضعيف ، والمتيقن أنّ للكليني طريقان إلى جملة من روايات الفضل دون جميعها ، والقول : بأنّ الطريق الصحيح ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ـ طريق إلى جميع روايات الفضل بشهادة المشيخة ؛ ضعيف ، فإنّ الشّيخ قال فيها : ومن جملة ما ذكرته عن الفضل بن شاذان ما رويته بهذا الأسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ... (٣) فالطريق ليس طريقا إلى جميع ما رواه الشّيخ عن الفضل في التهذيب ، فضلا عن كونه طريقا إلى جميع روايات الفضل ، بل إلى جملة منه ، نعم ، سائر طرقه في المشيخة عامّة ، كما سيأتي على أنّه قد تقدّم عن السّيد السيستاني إنّ مثل هذا الطّريق ، وأمثاله ليس طريقا مستقلا

__________________

(١) خاتمة تنقيح المقال : ٣ / ٩٦.

(٢) معجم الرجال : ١٦ / ٩٩.

(٣) عرفت المراد الحقّ في هذه العبارة سابقا.

٣٣٤

إلى كتب المؤلّفين ، بل هو طريق بواسطة الكليني وكتاب الكافي ، وإن الشّيخ يروي بواسطة الكافي روايات الفضل ، فافهمه جيّدا.

ثمّ إنّ بعض تلاميذ سيّدنا الأستاذ ذكر في كتابه أنّه هو الّذي انتقل ذهنه إلى هذا الوجه ، فذكر للسيد الأستاذ وأدرجه في الطّبعة الخامسة في معجم الرجال ، (١) وياليته لم يدرجه فيه ، لما يأتي بعد وريقات في بيان طريق الشّيخ إلى الفضل.

وقال هذا القائل : وورد في الكافي أكثر من ألف رواية عن محمّد بن إسماعيل ، وما رواه الكليني عن محمّد بن إسماعيل ، وما رواه الكليني عن محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان يبلغ خمسمائة رواية تقريبا ، وما يرويه عن محمّد بن إسماعيل عن غير الفضل يبلغ أربعمائة وثمان وسبعين.

كما انّه روي عن الفضل بغير واسطة محمّد بن إسماعيل يبلغ : (١٦) رواية.

أقول : الظاهر أن محمّد بن إسماعيل لا كتاب له ، فهو بالنسبة إلى روايات الفضل وكتابه شيخ إجازة ، وظاهر الحال أنّ كتب الفضل كانت مشهورة في عصر الكليني ، فلا يضرّ وساطة رجل مجهول بصحتها ، وإنّما أجازه عنه لمجرّد إخراج الرّوايات من المراسيل إلى المسندات فقط ، لا يقال : إذا فرضنا ضعف هذا الرجل ، فما هو المؤمّن من عدم دسّه في بعض روايات الفضل ؛ إذ لا دليل على أنّ الكليني طبقّ النسخ بعضها على بعض. فإنّه يقال : إنّ كتب الفضل لم تصل إلى الكليني من يد هذا الشّيخ ، بل من الأسواق والأفرد ، ولم يقل الكليني أنّه أخذ الفضل منه ، بل استجاز منه نقل الرّواية. والمهمّ إحراز شهرة كتب الفضل بين الناس من زمان الفضل إلى زمان الكليني.

كتب وسؤال التطبيق باق على فرض وثاقة المجينر وعدم وثاقته ، ولا جواب له سوى الاعتماد على إخبار الكليني رحمه‌الله فلا بأس بالاعتماد على رواياته إن شاء الله.

ثمّ إنّ السّيد الخوئي رحمه‌الله ذكر في بعض طبعات كتابه السّابقة إنّ روايات محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان تبلغ : ٧٦١ موردا ، ونقل في الطّبعة الخامسة عن بعضهم أنّ الكليني روى عنه زهاء ستمائة مورد.

وقال قدّس سره : وما ذكرته عن حميد بن زياد ، فقد رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب ، عن حميد بن زياد ، وأخبرني ايضا أحمد بن عبدون ، عن أبي طالب الأنباري عن حميد بن زياد.

__________________

(١) لاحظ كلامه في أصول علم الرجال : ٦٠٣.

٣٣٥

وقال في الفهرست (١) : حميد بن زياد ... ثقة كثير التصانيف ... أخبرنا برواياته كلّها وكتبه ... (ذكر الطريق الثاني) وأخبرنا أيضا عدّة من أصحابنا عن أبي المفضل عن ابن بطة عنه ، وأخبرنا أيضا أحمد بن عبدون ، عن أبي القاسم علي بن حبشي بن قوني بن محمّد الكاتب ، عن حميد.

وفي رجال النجّاشي (٢) : كان ثقة واقفا وجها فيهم ، فالرجل موثق.

وقول العلّامة رحمه‌الله فالوجه عندي قبول روايته إذا خلت عن المعارض ، مبني على ترجيح رواية الأوثق على الثّقة ، ورواية الثّقة على الموثق عند التعارض ، أو قصر حجيّة روايات غير الإمامي على صورة عدم تعارضها مع روايات الإماميّة.

وكلا الوجهين لا يمكن اتمامهما بدليل.

ثمّ إنّ الطريق الأوّل بأسانيده قد اتّضح حاله ؛ وأمّا الطريق الثّاني ، ففي أبي طالب الأنباري ، وهو عبد الله بن أبي زيد كلام طويل ضعفه الشّيخ الطوسي قدّس سره ، ووثقه النجّاشي وغيره ، ويشكل الاعتماد على رواياته ، وابن عبدون مجهول ، فالطريق الثّاني ضعيف.

ومثله الطّريق الثالث : فإنّ أبا المفضل قد مرّ ضعفه ، ومحمّد بن جعفر بن بطّة أيضا لا يعتمد عليه لشهادة ابن الوليد عليه فلاحظ ؛ وأمّا العدّة من أصحابنا ، ففيها المفيد رحمه‌الله ظاهرا مع أنّه لا يحتمل ضعف جميعهم ، بل نطمئن بصدق إخبارهم ، ولو بصدق بعضهم ، وقد أشير إليه فيما مضى أيضا.

والطريق الرابع أيضا ضعيف ، فإنّ علي بن حبشي ، مثل : ابن عبدون مجهول.

والعمدة في اعتبار روايات الشّيخ عنه ، هو الطريق الأوّل.

قال قدّس سره : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، ما رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد عيسى.

أقول : أحمد بن محمّد عيسى ثقة بتوثيق الشّيخ في رجاله ، والطريق أيضا معتبر ، لكن هذا المقدار غير مفيد ؛ لأنّ نحكم بصحّة جميع الرّوايات الّتي رواها الشّيخ عنه ؛ إذ ليس جميعها مرويّة بهذه الأسانيد الثّلاثة ، بل من جملة ما ذكره عنه ما يكون بها. (٣)

__________________

(١) الفهرست : ٨٥.

(٢) رجال النجاشي : ١٠٢.

(٣) واستظهر من عبارة العلّامة عدم الفرق بين قول الشّيخ : (ومن جملة ما ذكرنا) ، وبين قوله : (وما ذكرته) ، وهو ضعيف جدّا ، فإنّ الأوّل يدلّ على الموجبة الجزئيّة ، والثّاني مطلق يفيد الموجبة الكلّيّة. لكن حقّ مراد الشيخ ما عرفت منّا سابقا.

٣٣٦

بل الظاهر أنّه ليس بطريق مستقلّ من الشّيخ إليه ، بل إلى الكليني ومن طريق الكليني إليه. وأمّا طريق الشيخ إلى ساير أحاديث أحمد من دون طريق الكليني ، فسيأتي بعد ذلك ، فلا إشكال في الطريقين.

وقال قدّس سره : بعد ذكر أسناده إلى محمّد بن علي بن محبوب : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمّد بن عيسى ما رويته بهذا الأسناد عن محمّد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمّد ، والأسناد هكذا : قد أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، عن أبيه محمّد بن يحيى عن محمّد بن علي بن محبوب.

أقول : الطريق حسن على الأظهر ، ولكنّه غير نافع للعموم ، كما عرفته. (١)

وقال قدّس سره : في موضع ثالث من المشيخة : وما ذكرته عن أحمد بن محمّد بن عيسى الّذي أخذته من نوادره ، فقد أخبرني به الشّيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم ، عن الحسن بن حمزة العلوي ومحمّد بن الحسين البزوفري جميعا ، عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، وأخبرني به أيضا الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين بن أبي جيد جميعا ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه محمّد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى.

أقول : الطريق الأوّل معتبر لوثاقة الحسن وابن إدريس ، والطريق الثّاني حسن كما مرّ ، وكيفما كان فجميع ما روي الشّيخ عن نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى معتبر سندا ، ولكن تمييز روايات النوادر عن غيرها من كتب أحمد المذكور في التهذيبين عند عدم تصريح الشّيخ به (٢) غير ميسور. (ولا ثمرة له)

وقال في الفهرست (٣) أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا ، منهم الحسين بن عبيد الله ، وابن أبي جيد ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، عن أبيه وسعد بن عبد الله عنه

__________________

(١) بملاحظة ما حققه السّيد السيستاني ، وما علّقت عليه في آخر مقدّمة هذا البحث ظهر كفاية هذا الطريق المعتبر لعموم روايات أحمد المذكور وان المراد ب : من جملة ما ذكرته ... رواياته المرويّة بغير وساطة الكليني رحمه‌الله فافهم واغتنم ولله الحمد ، ج : ٢ / ١٤٣١ ، ١٢ / ٢ / ٨٩ ش.

(٢) واعلم : أنّه لا يعتمد على نسخة النوادر المطبوعة أو المخطوطة مستقلة عمّا رواه الشّيخ ، فما رواه عنها الحرّ في وسائله ، والنوري في مستدركه ، غير معتبر ، لعدم وصول النسخة بسند معتبر إلى المجلسي ، والحرّ العاملي وغيرهما رحمه‌الله ، وسيأتي تفصيل هذا الموضوع في البحث الثّاني والخمسين ، إن شاء الله.

(٣) الفهرست : ٤٩.

٣٣٧

وأخبرنا عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد عن أبيه ، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد جميعا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى.

وروي ابن الوليد المبوبة ـ وهو كتاب النوادر كما يظهر من صدر كلامه ، فراجع ـ عن محمّد بن يحيى والحسن بن محمّد بن إسماعيل ، عن أحمد بن محمّد.

أقول : إنّ كلمة سعد عطف على أبيه في الطريق الأوّل في الفهرست ، لا على أحمد وعلى كلّ ، يكون الطريق معتبرا.

والطريق الثّاني فيه نظر ؛ لأنّ أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ؛ لا نوثقه بتوثيق ابن طاووس في محكي فرج الهموم في النجوم ؛ لعدم احتمال عقلائي في استناد توثيقه إلى الحسّ بعد الفصل بينه وبين أحمد بأكثر من ثلاثمائة سنة ، وعدم وجود السلسلة المستقلة إلى زمانه كوجودها إلى زمان الشّيخ والنجّاشي فتأمّل.

وأمّا توثيق الشّهيد الثّاني وغيره ، فعدم الاعتماد عليه ـ رغم إنكار المامقاني ـ أظهر كما لا يخفى.

وفي المستدرك (١) : قال السّيد السند في تلخيصه : لم أر إلى الآن ولم أسمع من أحد تأمّل في حديثه ويروي عنه الشّيخ المفيد كثيرا ، والحسين بن عبد الله ... وهذا ما يوجب الاحتياط في رواياته وعدم ردها. وعن السّيد بحر العلوم في رجاله (٢) ؛ ولذا اتفقوا على صحّة (روايات) أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد مع اعترافهم بعدم التنصيص على توثيقه.

وقال السّيد المذكور رحمه‌الله : والحاصل أنّه لا خلاف في صحّة رواية أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، ودخوله في القسم الصحيح بالمعنى المصطلح ، وإن اختلف في الوجه المقتضى للصحة ، فقيل الوجه فيه كونه ثقة. وقيل : بل من مشائخ الإجازة وخروجه عن سند الرّواية في الحقيقة.

وعلى الأوّل ، فالوجه في التوثيق : إما شهادة الحال بتوثيق مثله نظرا إلى ما يظهر من الشّيخ والمفيد رحمه‌الله وغيرهما من الثقات الأجلاء من الاعتناء به والإكثار عنه ، أو مجرّد رواية الثّقة ، كما ذهب إليه جماعة من علماء الاصول ، أو دلالة تصحيح الحديث من أصحاب الاصطلاح على توثيقه أو توثيق الشّهيد الثاني رحمه‌الله ، وغيره من المتأخّرين بالقياس إلى من تأخّر عنهم. (٣)

__________________

(١) المستدرك : ٣ / ٧٨٠.

(٢) هامش ، خاتمة المستدرك : ٧٢١ ، الطبعة القديمة.

(٣) رجال بحر العلوم : ٢ / ٢٠.

٣٣٨

أقول : الواقف على كتابنا هذا يعلم أنّ هذه الوجوه لا تفيد توثيقا ، لكن القلب لا يرضى بردّ رواياته ، فلا بدّ من الأخذ بها من باب الاحتياط هذا ، ولكن كونه شيخ إجازة للمفيد يوجب اعتبار رواياته إذا فرضنا شهرة الكتب الّتي هي مصادر رواياته ، من زمن مؤلّفيها إلى زمن المفيد ، وهكذا قلنا في حقّ محمّد بن إسماعيل شيخ الكليني.

والطريق الثالث معتبر وإن كان الحسن بن محمّد بن إسماعيل مجهولا أو مهملا ، فقد ثبت إنّ جميع ما يرويه الشّيخ عن أحمد بن محمّد عيسى معتبر السند ؛ لأجل الأسناد الثاني في المشيخة والإسناد الأوّل في الفهرست (١). وهنا طريق آخر إلى تصحيح إسناد الشّيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى ، مع قطع النظر عن حسن أحمد بن محمّد بن يحيى المذكور ، وهو ما ذكره السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله. (٢)

قال : وللشيخ إليه طرق في المشيخة ، وفي كلّ طريق يذكر جملة ممّا رواه. وقد يتخيّل أنّ بعض تلك الطّرق ضعيف بأحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، وحينئذ يتوقّف في كلّ ما يرويه في التهذيب عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ لاحتمال أن يكون ما يرويه من جملة ما يرويه بواسطة أحمد بن محمّد بن يحيى ...

ولكن ذلك بمكان من الفساد ، والوجه في ذلك هو أن الجملة التي يرويها الشّيخ عن أحمد بن محمّد بن عيسى بواسطة أحمد بن محمّد بن يحيى ، إنّما يروي عنه عن أبيه عن محمّد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري.

وقد ذكر في الفهرست في ترجمة محمّد بن علي بن محبوب إنّ جميع ما رواه عن محمّد بن علي بن محبوب بواسطة أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه عنه فله إليها طريقان آخران أحدهما ضعيف ... ثانيهما صحيح ... وعليه يكون طريق الشّيخ إلى جميع رواياته عن أحمد بن محمّد بن عيسى صحيحا في المشيخة. انتهى كلامه الشّريف.

أقول : إذا كان أحمد العطار ضعيفا لا يثبت لنا أنّ محمّد بن علي بن محبوب ، روى عن أحمد بن محمّد بن عيسى رواياته ، حتّى تصحّ بصحّة طريق الشّيخ إليه ، فلعلّ أحمد كذب على محمّد بن علي بن محبوب.

__________________

(١) بل ولأجل الأسناد الثّاني أيضا على وجه سبق في المتن.

(٢) معجم رجال الحديث : ٢ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

٣٣٩

وثانيا ، وهو العمدة ، إنّه لا يستفاد من المشيخة أنّ جميع ما يرويه الشّيخ عن أحمد بن محمّد بن عيسى داخل في الأسانيد المذكورة فيها ، فلعلّه لم يذكر أسناد جميع ما يرويه عنه ، بل يذكر أسناد بعض ما يرويه ، فتسقط جميع رواياته عن أحمد الأشعري عن درجة الاعتبار ، كما لا يخفى. (١)

وقد أهمل السّيد الأستاذ هذا الإشكال المهم ، ويرد عليه ايضا ما تقدّم عن السيّد البروجردي موردا على الأردبيلي مؤلّف جامع الرواة من فقدان الدليل على ذكر جميع روايات أحمد بن محمّد بن عيسى في كتب محمّد بن علي بن محبوب ، وكيف كان فالذي أفاده الأستاذ ضعيف ، والعمدة في اعتبار سند الشّيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى على نحو الإطلاق ، حسن أحمد العطار ، كما أثبتناه.

لكن مرّ عن قريب أنّ صحّة السند في الفهرست لا تصحح سند روايات التهذيبين ، إلّا أنّ الأستاذ قدّس سره كغيره غافل عن هذه الجهة ظاهرا ، وما أفاده لم يكن متوقّعا منه ، وعلى كلّ لا بدّ لصحة طريق الشّيخ إلى أحمد المذكور من إلتماس وجه آخر. وقد حصّلناه من جهة أخرى ذكرنا في الحاشية السابقة ولله الحمد.

وينبغي أنّ يعلم أنّ ما رواه الشّيخ عن أحمد بن محمّد بن عيسى يقرب من مئتين وألف كما ذكر السّيد البروجردي في حاشية مقدّمته على جامع الرّواة.

تتمة

قال الشّيخ بعد ذكر أسناده إلى الصفّار : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمّد ما رويته بهذا الأسناد ، عن محمّد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمّد.

أقول : والأسناد عبارة عن المفيد ، وابن الغضائري ، وابن عبدون ، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، وعن ابن أبي جيد ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفّار ، وهذا الأسناد بمجموعه لا يبعد حسنه.

لكن لم يذكر أنّ أحمد بن محمّد ، هل هو حفيد الخالد أو عيسى أو غيرهما ومثله ما ذكره بعد أسناده إلى سعد بن عبد الله.

قال قدّس سره : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمّد بن خالد ما رويته ، بهذه الأسانيد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد.

__________________

(١) وعدم ذكر الأسناد إلى أحد من الشّيخ في المشيخة غير عزيز ، كما يعرفه أهل التتبع في التهذيبين.

٣٤٠