بحوث في علم الرجال

الشيخ محمد آصف المحسني

بحوث في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مركز المصطفى العالمي للترجمة والنشر
المطبعة: زلال كوثر
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-195-211-4
الصفحات: ٤٥٦

وأمّا المتوسطون فهم :

٩

أحمد بن محمّد العاصمي الكوفي

ثقة

قريبا من ٧٠ حديثا

١٠

أحمد بن مهران

حسن على الأظهر

قريبا من ٥٠ حديثا

١١

محمّد بن جعفر الأسدي (محمّد بن أبي عبد الله)

ثقة

نيفا وأربعين حديثا

١٢

محمّد بن جعفر الرزاز

في وثاقته بحث(١)

أكثر من ٤٠ حديثا

١٣

محمّد بن الحسن

مجهول

٩١ حديثا

وأمّا المقلّون فهم :

١٤

والد الصدوق علي بن الحسين

ثقة

١

١٥

أبو بكر الحبال

مهمل

١

١٦

أبو داود

مهمل

١٩ (٢)

١٧

أحمد بن عبد الله حفيد أحمد البرقي

مجهول

١٠

١٨

أحمد بن محمّد بن سعيد (ابن عقدة)

موثق

٤ أو ٢ (٣)

١٩

أحمد بن محمّد عن محمّد بن الحسن (٤)

مجهول

١٤ أو ٢٠

٢٠

حبيب بن الحسن

مجهول

٣

٢١

الحسن بن خفيف

مجهول

١

٢٢

الحسين بن أحمد

مجهول

٥ على كلام

٢٣

الحسين بن الحسن

مجهول

٧

٢٤

الحسين بن علي الهاشمي العلوي

مجهول

٨

٢٥

الحسين (الحسن) بن الفضل اليماني

مجهول

١

٢٦

سعد بن عبد الله القمّي (٥)

ثقة

__________________

(١) موسوعة البروجردي : ١ / ١٢١) : قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ هذا الشّيخ من أجلة أصحاب الحديث من أصحابنا ، لكنّه لما يذكر في الفهرستين ...

(٢) لاحظ : ما يتعلّق بأبي داود في باب الكني من معجم الرجال ، برقم : ١٤٢٦٢.

(٣) الموسوعة الرجاليّة : ١ / ١١٧ ، وليس للمصنف (الكليني) عنه في هذا الكتاب الّا أربع روايات جنت أقلام الناسخين على سند اثنين منها ، وبقت اثنتان.

(٤) يقول السّيد البروجردي أنّ محمّد بن الحسن هو الصفار ، فليس (احمد) هو بالعاصمي ولا بابن عقدة ؛ لأنّهما لا يرويان عن الصّفار. وقال أيضا ان الكليني روي عن محمّد بن الحسين ستّة أحاديث ، ثمّ استظهر أنّ الحسين مصحف الحسن ، وعلى كلّ أحمد بن محمّد مجهول.

(٥) لم يطمئن السّيد البروجردي بكونه شيخا للكليني : ١ / ١٨٣ ، ولم يذكره السّيد الخوئي فيمن روي الكليني

٢٨١

٢٧

عبد الله بن جعفر ... جامع الحميري

ثقة

٧ أو ٨ ولعلّه بالوجادة

٢٨

علي بن إبراهيم الهاشمي (١)

ثقة

١

٢٩

علي بن الحسين القمّي السعد آبادي

في حسنه تردد

٣

٣٠

علي بن موسى (أحد العدة)

مجهول

١ باسمه

٣١

القاسم بن العلاء

ثقة

٢

٣٢

محمّد بن أحمد بن علي بن الصلت

ثقة

٨ على تردد

٣٣

محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري

ثقة

٩

٣٤

محمّد بن عقيل

مجهول

١

٣٥

محمّد بن علي بن معمر

مجهول

٣

٣٦

محمّد بن محمود

مجهول

١

٣٧

داود بن كورة

مجهول

لم يرو عنه بعنوانه وإنّما روي عنه في ضمن العدة

هذه الجداول كتبت على أساس ما ذكره سيّدنا البروجردي قدّس سره في الجزء الأوّل من موسوعته الرجاليّة (٢) ، وإن طبّقتها على معجم رجال الحديث للسيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله تجد بينهما اختلافا.

وعلى كلّ في عد من ذكر بأرقام ١٤ فلاحظ الكافي (٣) ـ مولد علي بن الحسين ـ من شيوخ الكليني ، نظر ومحتاج إلى بحث.

ثمّ إنّي لا أرى الباحث غنيا عمّا ذكره السّيد البروجردي رحمه‌الله في هذا المقام من موسوعته الرجالية (٤) من أيضاح الاشتباهات الواقعة حول شيوخ الكليني رحمه‌الله ولا حاجة إلى تكراره هنا.

الثالث : قال السّيد البروجردي بعد نقل كلام الشّيخ والنجّاشي في تعداد كتب الكافي : قد اختلف كلام هذين الشّيخين في بيان الكتب الّتي يشتمل كتاب الكافي ، في عددها وترتيبها. وكلامه هما مخالف لما هو الموجود فيما بأيدينا من نسخه ، فإنّ كتبه في النسخ الموجودة في زماننا خمسة وثلاثون كتابا بهذا الترتيب ...

__________________

الكليني عنه. لاحظ : الموسوعة الرجاليّة : ١ / ١٨٣ ، لتفصيل ذلك.

(١) قال السّيد البروجردي في المجلد ١ / ١٩ ، وقد روي الكليني عنه تسع روايات بواسطة محمّد بن يحيى ويحتمل سقوطه من تلك الرّواية الواحدة.

(٢) الموسوعة الرجاليّة : ١١٦ ـ ١٢٣.

(٣) الكافي : ١ / ٤٦٧ ، ٢٩ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٣٢.

(٤) الموسوعة الرجاليّة : ١ / ١٢٣.

٢٨٢

الثّاني : كتاب من لا يحضره الفقيه لمحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، المتوفّي ٣٨١ ه‍ الصدوق رضي‌الله‌عنه والبحث عنه من جهتين :

الاولى : نقل عن التّفرشي في أوّل شرحه على الفقيه عن شيخه أنّ أحاديث هذا الكتاب خمسة آلاف وتسعمائة وثلاثة وستون حديثا (١) ، منها ألفان وخمسون حديثا مرسلا. ومثله ما نقل عن الشّيخ البهائي.

ونقل عن بعضهم أنّ الفقيه يشتمل على أربع مجلّدات تشتمل على ستمائة وستّة وستين بابا.

المجلّد الأول

٨٧ بابا

المجلّد الثاني

٢٢٨ بابا

المجلّد الثالث

٧٨ بابا

المجلّد الرابع

١٧٣ بابا

لكن المجموع يصير خمسمائة وستّة وستين بابا ، لا ما ذكره أوّلا ، فبيّن كلاميه تهافت ، ثمّ ذكر أنّ في :

المجلّد الأول

١٦١٨ حديثا

المسند ٧٧٧

المرسل ٨٤١

المجلّد الثاني

١٦٣٧ حديثا

المسند ١٠٦٤

المرسل ٥٧٣

المجلّد الثالث

١٣٠٥ حديثا

المسند ١٢٩٥

المرسل ٥١٠

المجلّد الرابع

٩٠٣ حديثا

المسند ٧٧٧

المرسل ١٢٦

المجموع

٥٩٦٣

٣٩١٣

٢٠٥٠

أقول : هكذا في خاتمة المستدرك ، لكن الصحيح أنّ عدد أحاديث المجلّد الثالث ألف وثمانمائة وخمسة حديث لا ثلاثمائة وخمسة كما لا يخفى فيكون المجموع ، كما ذكره التفرشي والبهائي رحمهما‌الله.

قيل : ومرادهم من المرسل أعمّ ممّا لم يذكر فيه اسم الرّاوي بأن قال روي أو قال : قال عليه‌السلام أو ذكر الرّاوي ونسى أن يذكر طريقه إليه في المشيخة ، وهم على ما صرّح به التقي المجلسي رحمه‌الله في شرحه الفارسي المسمّى باللوامع أزيد من مائة وعشرين رجلا (٢) ، وإخبارهم تزيد على ثلاثمائة والكل محسوب من المراسيل عند الأصحاب ، وقال ـ أي : المجلسي ـ لكنّا

__________________

(١) لكن في آخر نسختي ، وهي من منشورات جماعة المدرسين بقم ، وصل الرقم المسلسل العامّ إلى ٥٩٢٣ ، وهو ينقص ممّا ذكر التفرشي بأربعين حديثا. ولعلّ الاختلاف لأجل بعض المرسلات وبعض الجملات وعدّها حديثا وعدم عدّها حديثا.

(٢) نقل أسمائهم المحدّث النوري ، عن شرح المجلسي في خاتمة المستدرك : ٣ / ٧١٧.

٢٨٣

بيّنا أسانيدها ، أمّا من الكافي ، أو من كتبه ، أو من كتب الحسين بن سعيد ... انتهى.

الثانية : يقول السّيد بحر العلوم (١) في ترجمة الصدوق رضي‌الله‌عنهما. فإنّه أي الفقيه أحد الكتب الأربعة الّتي هي في الاشتهار والاعتبار ، كالشّمس في رابعة النهار ، وأحاديثه معدودة في الصحاح من غير خلاف ولا توقّف من أحد (٢) ، حتّى أنّ الفاضل المحقّق الشّيخ حسن بن الشّهيد الثّاني مع ما علم من طريقته في تصحيح الأحاديث يعد أحاديثه من الصحيح ، عنده وعند الكلّ ونقل عنه ـ أي عن الشّيخ حسن ـ تلميذه الشّيخ الجليل عبد اللطيف في رجاله أنّه سمع منه مشافهة : إنّ كلّ رجل يذكره في الصحيح عنده فهو شاهد أصل بعدالته لا ناقل.

ومن الأصحاب من يذهب إلى ترجيح أحاديث الفقيه على غيره من الكتب الأربعة ؛ نظرا إلى زيادة حفظ الصدوق رحمه‌الله وحسن ضبطه وتثبته في الرّواية ، وتأخّر كتابه عن الكافي وضمانه فيه لصحّة ما يورده ... وبهذا الاعتبار قيل إنّ مراسيل الصّدوق في الفقيه ، كمراسيل ابن أبي عمير في الحجيّة والاعتبار.

وإنّ هذه المزية من خواص هذا الكتاب ولا توجد في غيره من كتب الأصحاب ، انتهى.

أقول : والأصل في هذا الاتّفاق المدعى (٣) في كلام هذا السّيد المعظّم على تصحيح روايات الفقيه ، حتّى مراسيلها بحسب الظاهر ، هو كلام الصدوق نفسه ، قال قدّس سره في أوّل كتابه : ... وصنّفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه وان كثرت فوائده ، ولم أقصد فيه قصد المصنفين إلى إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتى به ، وأحكم بصحته ، واعتقد أنّه حجّة بيني وبين ربي عزوجل ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، عليها المعوّل وإليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني ، وكتاب عبيد الله بن عليّ الحلبي ، وكتب علي بن مهزيار الأهوازي ، وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمّد بن أحمد بن عمران الأشعري ، وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله ، وجامع شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، ونوادر محمّد بن أبي عمير ، وكتب المحاسن لأحمد بن أبي

__________________

(١) رجال السّيد بحر العلوم : ٣ / ٢٩٩ و ٣٠٠.

(٢) وكأنّ السيد رحمه‌الله لم يقف على كتب الشّيخ المفيد ، أو نسيها حين كتابة هذه الكلمات وإلّا لم يجرء على كلامه ، هذا فإنّ المفيد رحمه‌الله ردّ بعض أحاديث الفقيه بصراحة وشدّة. فلاحظ : رسالته العدّدية مثلا ، حتّى تعرف حقيقة الحال.

(٣) لاحظ : ما يضعّف هذه الدعوى في كلام صاحب التكلمة ، مقباس الهداية : ٤٩.

٢٨٤

عبد الله البرقي ، ورسالة أبي رضي‌الله‌عنه ، إلّيّ وغيرها من الاصول والمصنّفات ، الّتي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب الّتي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضي‌الله‌عنهم.

أقول : ذكرنا فيما سبق أنّ الصحّة عند الصدوق وابن الوليد ، وأيّ باحث آخر لا تستلزم تحققها عند الآخرين ؛ لعدم الاتّفاق على أسبابها الكثيرة الغير المضبوطة ، ولا يجوز للمجتهد تقليد غيره بوجه. (١)

نعم ، لو أخبر عن وثاقة رواة كتابه لقبلنا في غير فرض التعارض ، على أنّه قد ادّعي جمع عدم وفاء الصدوق بالتزامه المذكور في أثناء كتابه في موارد كثيرة. (٢)

نعم ، قد يقال : إنّ وعد الصدوق في غير ما ثبت تخلّفه لا معدل عنه ، لكن فيه تأمّل كما أنّ ما ذكر في ترجيح إخباره من التعليل عليل. وعلى كلّ لا ينقضي تعجبى من كلام السّيد بحر العلوم وادّعائه نفي الخلاف في صحّة جميع روايات الفقيه ، وأعجب منه مخالفته لكلام نفسه في ما يأتي عن قريب حول التهذيب والاستبصار.

تعقيب وتحقيق :

ثمّ أقول : كلام السّيد بحر العلوم رحمه‌الله مشتمل على مطالب :

١. أحاديث الفقيه كلّها معدودة في الصحاح من غير خلاف ولا توقف من أحد ومقتضى إطلاقه حجيّة المراسيل والمسندات المشتملة على المجاهيل والضعاف ، وبعبارة أخرى : أنّ تجريح من سبق الصدوق ومن تأخر عنه لمن يروي عنه الصدوق في الفقيه ، يلغى ولا يلتقت إليه.

وربّما يحتمل استناد هذا التّصحيح العام إلى الإجماع وقرائن خارجية ؛ لكن كلام الشّيخ حسن رحمه‌الله ظاهر في الوجه الأوّل ، كما لا يخفى.

٢. ترجيح أحاديث الفقيه على غيره من الكافي والتهذيبين عند بعضهم ؛ نظرا إلى ما نقله هذا السّيد عن قائله.

٣. مراسيل الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجيّة والاعتبار ، وهذه المزيته خاصّة بالفقيه فقط.

__________________

(١) ربّما قيل : إنّ الوثاقة هي الّتي يدور عليها صحّة الرّوايات عند الصدوق لا غير ، لكن الفقيه كتاب فقهي ، وللفقيه قرائن أخرى للصحة ولا نافي لاحتمالها.

(٢) لاحظ : الحدائق الناضرة. وقال سيّدنا الأستاذ الحكيم قدّس سره : بل ذكر الصدوق الرّواية ، لا يدلّ على عمله بها ، لشهادة غير واحد من الأساطين بعدوله عمّا ذكره في صدر كتابه من أنّه لا يذكر فيه إلّا ما يعتمد عليه ، ويكون حجّة بينه وبين ربه ، وإن كان ذلك بعيدا. انظر : المستمسك : ٢ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

٢٨٥

أقول : تخصيص الأمرين الأخيرين بالفقيه بلا مخصّص ؛ لأنّ العلّة الموجبة لهما المذكورة في كلامه جارية في جميع مؤلّفات الصدوق قدّس سره ، سوى ضمانه الخاص بالفقيه.

ثمّ التعارض قد يكون باختلاف في المتن فقط مع اتّحاد السند في الفقيه وغيره ، وقد يكون باختلاف المتن والسند ، ومقتضى إطلاق الكلام السّابق شموله لكلا الفرضين.

ثمّ الأمر الأوّل نشأ من حسن ظن قوي شديد بالصدوق رحمه‌الله خارجا عن مساحة الاستدلال ، وقد عرفت ما فيه ، من أنّ التّصحيح عملية اجتهاديّة.

ومنه يظهر سقوط الأمر الثّاني أيضا ، وأنّ زيادة الحفظ وحسن الحفظ و ... إن تمّت في نفسها لا توجب الترجيح ، مع أنّ بعضها لا يجري في حقّ التهذيبين المتأخّرين تأليفا.

والأمر الثالث فيه قولان ، قول بحجّيّة مرسلاته مطلقا ، كما في كلام السّيد وجمع ، وقول بحجيتها إذا كانت مستندة إلى المعصوم بصيغة جزمية فقط ، يقول السّيد الداماد : لو لم يكن الوسيط الساقط عدلا عند المرسل لما ساغ له أسناد الحديث إلى المعصوم ... كما لو قال المرسل : قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو قال المعصوم عليه‌السلام ذلك ، وذلك مثل قول الصدوق ... في الفقيه : قال عليه‌السلام الماء يطهر ولا يطهر ؛ اذ مفاده الجزم ، أو الظّن بصدور الحديث عن المعصوم ، فيجب أن تكون الوسائط عدولا في ظنه ، وإلّا كان الحكم الجازم بالاسناد هادما جلالته وعدالته. (١)

وقد ارتضاه جمع ، ومعنى ذلك عدم حجيّتها إذا قال المرسل روي عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام أو روي فلان عنه عليه‌السلام وكان الرّاوي مجهولا أو ضعيفا.

وعلى كلّ هذا القول غير خاص بالفقيه ولا بالصدوق.

أقول : ويضعّف كلا القولين بأنّ اعتقاد المرسل بصحّة رواية وصدورها ، قد يكون بوثاقة الرّواة ، وقد يكون بقرائن اجتهادية تختلف فيها الآراء ، وكلام الصدوق المنقول سابقا كالنصّ بل قصدت إلى إيراد ما أفتى به ، وأحكم بصحته ، واعتقد أنّه حجّة ... ، في ذلك.

نعم. لو ثبت أنّ المرسل لا يرسل إلّا عن ثقة لا يرد على مرسلاته هذا الإشكال.

لا يقال : فأمر مرسلات الصدوق أو غيره إذا عبر بصيغة جزميّة دائرة بين الحدس ، وما ينتهي إلى الحسّ عن صادق عن صادق عن الإمام عليه‌السلام ، وبناء العقلاء قائم على أنّ الإخبار عن الأشياء الحسيّة ـ عند الشّك في كونه مستندا إلى الحسّ أو الحدس يحمل

__________________

(١) محكي الرواشح السّماوية : ١٧٤.

٢٨٦

على الحسّ ، ونتيجة ذلك حمل مراسيل العلماء على الحسّ ، فتكون حجّة.

يقول السّيد الأستاذ الخويي رحمه‌الله في مقام الجواب عن إرسال التّوثيقات الصادرة من الشّيخ والنجّاشي وأمثالها ، كما مرّ تفصيله في البحث الرابع :

فإنّ قيل : إن أخبارهم عن الوثاقة والحس لعلّه منشأ من الحدس والاجتهاد وإعمال النظر فلا تشمله أدلة حجيّة خبر الثّقة ، فإنّها لا تشمل الإخبار الحدسية فإذا احتمل أنّ الخبر حدّسي كانت الشّبهة مصداقيّة.

قلنا : إنّ هذا الاحتمال لا يعتني به بعد قيام السيرة على حجيّة خبر الثّقة فيما لم يعلم أنّه نشأ من الحدس ، ولا ريب في أن احتمال الحسّ في أخبارهم ، ولو من جهة نقل كابر ، عن كابر وثقة ، عن ثقة موجود وجدانا كيف؟

وقد كان تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السّقيم أمرا متعارفا عندهم ، وقد وصلتنا جملة من ذلك ، ولم تصلنا جملة أخرى :

وقد بلغ عدد الكتب الرجاليّة من زمن الحسن بن محبوب إلى زمان الشّيخ نيفا ومائة كتاب على ما يظهر من النجّاشي والشّيخ وغيرهما ، وقد جمع ذلك البحاثة الشّهير المعاصر الشّيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه مصفي المقال ... وبهذا يظهر أنّ مناقشة الشّيخ الطريحي فخر الدين في مشتركاته : إنّ توثيقات النجّاشي أو الشّيخ يحتمل أنّها مبنية على الحدس فلا يعتمد على الإرسال عليها في غير محلّها.

انتهى كلام السّيد الأستاذ رحمه‌الله. (١)

أقول : هذا القول لا بأس به ؛ ولذا نقبل المسندات إذا روي ثقة عن ثقة عن الامام عليه‌السلام إذا لم تقم قرينة على إعمال الحدّس من بعضهم ؛ ولأجل هذه القرينة لم نقبل أخبار الشّيخ الطوسي رحمه‌الله بأنّ ابن أبي عمير وجمع آخرون لا يرسلون إلّا عن ثقة ، كما مرّ ، لكن بناء القدماء في تصحيح الرّوايات لم تكن على مجرّد إخبار الثّقة فقط ، بل عليه وعلى الخبر الموثوق به لأجل قرائن اجتهاديّة حدسيّة ، وعليه لا وجه لحمل مرسلاتهم ، ومنها مراسيل الصدوق (١) على الحس.

يقول الصدوق في محكي العيون (٢) حول رواية : كان شيخنا محمّد بن الوليد ... سيء

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١ / ٤١ ـ ٤٢ ، الطبعة الخامسة.

(٢) العيون : ٢ / ٢٠ ـ ٢١.

٢٨٧

الرأي في محمّد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث ، وإنّما أخرجت هذا الحديث في هذا الكتاب ؛ لأنّه كان في كتاب الرحمة ، وقد قرأته عليه ، فلم ينكره ورواه لي ، انتهى.

وهذا يدلّ على قبول الرواية عن ضعيف ، اذا لم ينكر شيخه ورواه لتلميذه وهو مثل الصدوق ومن تتبع كلمات المحدّثين والرجاليّين يقف على جملات عديدة من قبيل عدم العمل بروايات فلان ضعيف ، إذا انفرد بها مطلقا أو إذا انفرد فلان عن فلان ، وإنّ فلانا يروى عن فلان وفلان ، يروي عن الضعفاء إذا خلت رواياتهم عن التخليط والغلوّ والتدليس ونحو ذلك ، كما ينقل عن ابن الوليد شيخ الصدوق رحمهما‌الله.

كلّ ذلك يدلّ على عدم انحصار التّصحيح بوثاقة الرّواة فقط ، بل لهم قرائن ومعايير أخرى في قبول الحديث ورده.

وبالجملة الرّواة المجهولون والضعفاء كثيرون في الرّوايات ، ولعلّهم أكثر بكثير من الثقات (١) وليس بناء المحدثين على ردّ الإخبار الكثيرة ، لأجل جهالة واحد أو اثنين من الرّواة ، كما هو المعلوم من مجموع الكلمات ، وعليه فلا بدّ أن يكون لهم سبلا غير وثاقة الرّواة ، ومع ذلك لا معنى للحمل على الحس.

وأمّا كلام سيّدنا الأستاذ ، فقد مرّ نقده في البحث الرابع مفصّلا ، والله أعلم.

ثمّ إنّ السّيد السيستاني (طال عمره) قال في كتابه قاعدة لا ضرر ولا ضرار (٢) : إنّ كتاب من لا يحضره الفقيه كتاب فقهي في الأساس ، يتصمّن الفتوى بمتون الأحاديث ، فلا يلزم في مثله مراعاة نقل الحديث بتمامه إذا كان بعض فقراته لا يرتبط بما هو مقصود المؤلّف. انتهى.

نقد وتوضيح :

تقدّم في البحث الثّاني برقم : ١١ ، ادّعاء بعضهم إنّ من إليه طريق للشيخ الصدوق من الممدوحين ، واجبنا عنه هناك.

ونزيد هنا أنّ جماعة ممّن روي عنهم الصدوق في مشيخة الفقه من الضعفاء ، كأحمد بن هلال الّذي نقل جرحه في كمال الدين عن مشائخنا ، والسكوني الّذي ضعّفه في ميراث المجوسي ، ووهب بن وهب وسماعة بن مهران ، الّذي قال في حقّه أنّه لا يعمل بما ينفرد هو به لكونه واقفيا.

__________________

(١) خصوصا ان صحّة الخبر بصدق تمام رواته وعدم اعتباره بجهالة واحد منهم أو ضعفه.

(٢) قاعدة لا ضرر ولا ضرار : ٥٨.

٢٨٨

وزياد بن المنذر والمفضل بن صالح وعلي بن سالم البطائني ، وابنه الحسن بن علي ، وجمع آخرين كما نبه عليه بعض المعلّقين. (١)

وأمّا مشائخ الصدوق المكثرون منهم والمقلّون في الفقيه ، فهم حسب ما استخرجناهم من مشيخة الفقيه ، أربعة وعشرون شيخا :

١. أحمد بن الحسين القطان.

٢. أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني.

٣. أحمد بن محمّد بن يحيى العطار.

٤. جعفر بن علي بن الحسن.

٥. جعفر بن محمّد بن مسرور.

٦. الحسين بن إبراهيم ، وحكم في معجم الرجال باتّحاده مع الحسين بن إبراهيم بن أحمد والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام.

والحسين بن إبراهيم الكاتب (المكتب) وترضّى عليه في المشيخة ثلاث مرّات.

٧. الحسين بن إبراهيم بن ناتانة ، ترضّى عليه مرّتين في المشيخة.

٨. الحسين بن أحمد بن إدريس.

٩. حمزة بن محمّد العلوي.

١٠. عبد الواحد بن عبدوس العطار النيسابوري ... الظاهر اتّحاده مع عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس ، ترضّى عليه مرّة ، قيل إنّ الصدوق ذكره في توحيده مع الترضية والترحّم في غير مورد.

١١. علي بن حاتم (إجازة).

١٢. علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله.

١٣. علي بن أحمد بن موسى الدّقاق.

١٤. علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، والده.

١٥. محمّد بن أحمد السناني ، ترضّى عليه في الآخرين في موارد.

١٦. محمّد بن إبراهيم بن إسحاق ترضّى عليه.

١٧. محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٤٤٩.

٢٨٩

١٨. محمّد بن علي ماجيلويه.

١٩. محمّد بن علي شاه بمرو الرود.

٢٠. محمّد بن القاسم الأسترأبادي.

٢١. محمّد بن محمّد بن عصام.

٢٢. محمّد بن موسى بن المتوكّل.

٢٣. المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي ، ترضّى عليه.

واعلم : أنّه سيأتي ذكر طرق الصدوق في المشيخة إجمالا في بحث آخر.

وقد يقال : إنّ الصدوق ترك طرقه إلى ما يقرب من : ١٢٠ شخصا فيها ؛ وربّما اتّفق العكس فذكر الطّريق مع عدم رواية عن ذي الطّريق ، وعن المجلسي الأوّل إنّ من صنع الصدوق معه هذه الصنيعة يقرب إلى العشرة.

واعلم : أن من رجع إلى ما ذكرنا في آخر البحث الثّاني عشر من تكرار الترحّم والترضّي في كلام الشّيخ الصدوق عن مشائخه ، يعلم حسن جملة من المذكورين في هذا المقام ، والله المللهم للصواب.

الثالث والرابع : الاستبصار وتهذيب الأحكام لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي رضي‌الله‌عنه (٣٨٥ ـ ٤٦٠) قيل قد جمعنا عدد الأبواب وأحاديث التهذيب فكان عدد الأبواب ثلاثمائة وثلاثة وتسعين ٣٩٣ بابا وعدد الأحاديث ثلاثة عشر ألف وخمسمائة وتسعين حديثا (١) ، ينقص عن أحاديث الكافي بألفين وستمائة وتسعة ٢٦٠٩ أحاديث. (٢)

ونقل إنّ الشّيخ شرع في تأليف التهذيب ولما بلغ سنّه ستا وعشرين ؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم. (٣)

يقول السّيد السيستاني (٤) : إنّ الشّيخ ناقش في موضعين من التهذيبين في بعض مراسيل ابن أبي عمير وردّها بالإرسال (٥) مع أنّا نرى حجّية مراسيله إعتمادا على كلام الشّيخ نفسه في العدّة ، من أنّه لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة.

__________________

(١) وقيل : ١٣٩٢٩ حديثا كما في : ٦ / ٤١٦ من خاتمة المستدرك ، الطبعة الحديثة.

(٢) خاتمة المستدرك : ٣ / ٧٥٦.

(٣) المستدرك : ٦ / ١٣.

(٤) قاعدة لا ضرر ولا ضرار : ٢٠.

(٥) انظر : ٨ / ح ٩٣٢.

٢٩٠

والحلّ أنّ الشّيخ قد تكفّل في التهذيبين لحلّ ظاهرة التعارض بين الإخبار ؛ وذلك ممّا ألجأه أحيانا إلى إتباع الأسلوب الإقناعي في البحث المتمثّل في حمل جملة من الرّوايات على بعض المحامل البعيدة ، أو المناقشة في حجيّتها ببعض الوجوه الّتي لا تنسجم مع مبانيه الرجالية والأصوليّة المذكورة في سائر كتبه ، وهذا ظاهر لمن تتبّع طريقته في الكتابين. انتهى كلامه بأدنى تغيير.

أقول : ما ذكره في الحل متين في الجملة ، لكنّه ليس هو بعام ولا يمكن الاعتماد على قوله حول مراسيل ابن أبي عمير في العدّة مع تعارضه بقوله في التهذيبين ، لا سيّما أنّه ذكر في أوائل تهذيبه أنّه لا يناقش في الأسناد إلّا نادرا ، حيث قال في تهذيبه (١) : ومهما تمكنت من تأويل بعض الأحاديث من غير أن أطعن في أسنادها فإنّي لا اتعدّاه ... والعمدة أنّه إذا قلنا بتقدّم التهذيب على العدّة زمانا ، كما هو كذلك ، لا يبقى لتضعيف مراسيل ابن أبي عمير أثر ، بل يقدّم عليه ما في العدّة ، فإنّه رجوع منه رحمه‌الله عمّا في التهذيب ، ظاهرا.

تتمّة مهمّة فيها امور

الأمر الأوّل : قال السّيد الجليل المعظّم بحر العلوم قدّس سره في آخر كتاب رجاله في الفائدة الرابعة : (٢) قد سلك كلّ من مشايخنا الثّلاثة ـ أصحاب الكتب الأربعة رحمهم‌الله ـ في أسانيد كتابه مسلكا غير ما سلكه الآخر ، فالشّيخ الكليني جرى على طريقة القدماء من ذكر جميع السند غالبا ... والصّدوق بنى في الفقيه من أوّل الأمر على اختصار الأسانيد ، وحذف أوائل السند ، ووضع في آخر مشيخته يعرف بها طريقه إلى من يروي عنه ... وربّما أخلّ فيها بذكر الطريق ...

وأمّا شيخ الطائفة قدّس سره فاختلفت طريقته في ذلك ، فإنّه قد يذكر في التهذيب والاستبصار جميع السند ، كما في الكافي ، وقد يقتصر على البعض بحذف الصدور ، كما في الفقيه ، واستدرك المتروك في آخر الكتابين ، فوضع له مشيخته المعروفة ، وهي فيهما واحدة غير مختلفة ، وقد ذكر فيها جملة من الطّرق إلى أصحاب الاصول والكتب ممّن صدر الحديث بذكرهم ، وابتدأ بأسمائهم ولم يستوف الطرق كلّها ، ولا ذكر الطريق إلى كلّ من روي عنه بصورة التعليق ، بل ترك الأكثر لقلّة روايته عنهم ، وأحال التفصيل على فهارس الشّيوخ المصنّفة في هذا الباب ، وزاد في التهذيب الحوالة على كتاب الفهرست ، الّذي صنفه في هذا المعنى.

__________________

(١) التهذيب : ٣.

(٢) رجال بحر العلوم : ٤ / ٧٣ ، طبع النجف سنة ١٣٨٦ ه‍. ش.

٢٩١

وقد ذهبت فهارس الشّيوخ بذهاب كتبهم ولم يبق منها الآن إلّا القليل ، كمشيخة الصدوق ، وفهرست الشّيخ الجليل أبي غالب الزراري ، ويعلم طريق الشّيخ منهما بوصل طريقه إليهما بطريقهما إلى المصنّفين.

وقد يعلم ذلك من كتاب النجّاشي فإنّه كان معاصرا للشيخ مشاركا له في أكثر المشائخ ، كالمفيد والحسين بن عبيد الله ، وأحمد بن عبدون وغيرهم ، فإذا علم روايته للأصل أو الكتاب بتوسط أحدهم ، كان ذلك طريقا للشيخ الخ.

أقول : إنّما يتمّ ما أفاده إذا حصل الاطمئنان بنقل الشّيخ الرّواية بالطريق المعتبر المذكور في مشيخة الفقيه ، أو فهرست الزّراري ، أو كتاب رجال النجّاشي (١) وإلّا فلا نافي لاحتمال نقل الشّيخ لها بطريق ضعيف ولا سيّما إنّ ظاهر كلامه في آخر مشيخة التهذيب عدم نقله الرّوايات بغير ما في الفهرست ، حيث قال فيه :

وقد ذكرنا نحن مستوفى في كتاب الفهرست الشّيعة. ومحلّ الاستظهار كلمة (مستوفى) كما هو واضح ، فتأمّل. (٢)

وقال العلّامة المجلسي قدّس سره في محكي أربعينه (٣) : إنّ الشّيخ يروي جميع كتب الصدوق ورواياته بأسانيده المعتبرة ، كما صرّح في فهرسته ـ في ترجمة الصدوق ـ فكلّما روي الشّيخ خبرا من بعض الاصول الّتي ذكرها الصدوق في فهرسته (٤) بسند صحيح ، فسنده إلى هذا الأصل صحيح وإن لم يذكر في الفهرست سندا صحيحا إليه ، وهذا أيضا باب غامض دقيق ينفع في الإخبار الّتي لم تصل إلينا من مؤلّفات الصدوق ... الخ.

أقول : صحّة طريق الشّيخ إلى الصدوق وصحة طريق الصدوق قدّس سره إلى أصل ، أو كتاب أو أحد لا تنفع لتصحيح رواية الشّيخ عن الأصل ، أو الكتاب أو الشّخص المذكور ، إذا كان طريقه إليه ضعيفا ، لاحتمال تفاوت متنها مع متن الرّواية المرويّة بطريق الصدوق على فرض وصولها إلينا ، وهذا الاحتمال لا دافع له سوى وجود الرّواية بطريق الصدوق ، وموافقتها مع هذه الرّواية في المتن.

__________________

(١) مرّ أن الأنسب تسميته بفهرس النجّاشي دون رجاله.

(٢) وجهه عدم المنافاة بينه وبين نفي الشّيخ ضمان الاستيفاء في أوّل فهرسته ، فإنّه بالنّسبة إلى ما لم يعرفه ، الشّيخ من الطرق دون ما يعرفه. لكن سيأتي في بحث مستقلّ أن تصحيح أسناد التهذيبين ، لا يمكن بأسناد الفهرست ، فضلا عن غيره ، ولا بدّ من الاختصار على المشيخة.

(٣) في ذيل الحديث الخامس والثلاثين على ما في قوانين الاصول : ٢ / ٢٨٣.

(٤) لعلّه أراد بها مشيخة الفقيه.

٢٩٢

ومعه لا نحتاج إلى تصحيحها ، نعم ، إذا حصل لنا الاطمئنان بأنّ الشّيخ نقل الرّواية بذاك الطريق نفسه تكون الرّواية معتبرة ، لكن الاطمئنان غير حاصل.

وسيأتي بقيّة الكلام في هذا الموضوع في البحث الرابع والأربعين إن شاء الله ، كما سنذكر في بيان طرق مشيخة التهذيب ما له نفع في المقام.

وهنا أمر آخر : وهو أنّه لم يثبت أنّ الصدوق نقل أحاديث الفقيه عن كتب من يبدأ الأحاديث بأساميهم ، والظاهر أنّه قد ينقل عن كتبهم ، وقد ينقل عن كتب غيرهم ، والشّيخ نقلها في تهذيبه عن الاصول والمصنّفات ، كما ذكره في المشيخة فلا يصحّ الحكم بصحّة طريق الشّيخ ؛ لأجل صحّة طريق الصدوق ، كما ذكرنا في البحث عن صحّة طريق الصدوق إلى جميل بن درّاج في البحث التّاسع عشر.

الأمر الثّاني : قال التفرشي رحمه‌الله كما في جامع الرّواة :

اعلم أنّ الشّيخ الطوسي قدّس سره صرّح في آخر التهذيب والاستبصار بأنّ هذه الأحاديث الّتي نقلناها من هذه الجماعة أخذت من كتبهم وأصولهم. (١)

والظاهر أنّ هذه الكتب والاصول كانت عنده معروفة ، كالكافي والتهذيب وغيرهما عندنا في زماننا هذا ، كما صرّح به الشّيخ محمّد بن علي بن بابويه رضي‌الله‌عنه في أوّل كتابه من لا يحضره الفقيه ، فعلى هذا لو قال قائل بصحّة هذه الأحاديث كلّها ، وإن كان الطريق إلى هذه الكتب والاصول ضعيفا إذا كان مصنفوا هذه الكتب والاصول وما فوقها من الرجال إلى المعصوم ثقات ، لم يكن مجازفا.

أقول : وفيه :

أوّلا : إنّ هذا الاستظهار منه ظنّ ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا.

وثانيا : عبارة الشّيخ نفسه في مشيخة التهذيب تردّ هذه الدعوى ، وهي هذه : ونحن نذكر الطرق الّتي يتوصل بها إلى رواية هذه الاصول والمصنّفات على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الإخبار بذلك عن حدّ المراسيل ، وتلحقّ بباب المسندات. انتهى.

فلو كانت نسبة الكتب إلى أربابها معلومة واضحة لم يحتجّ إلى الأسناد ، ولم يضرّه الإرسال ، فتأمّل. (٢)

__________________

(١) جامع الرواة : ٢ / ٥٤٨.

(٢) وجهه أنّ ذكر الطرق ، لأجل نفي الإرسال لا ينافي اعتماد الشّيخ على صحّة تلك الكتب ، إذ الوجادة والإرسال بنفسه نوع عيب عند المحدّثين ، فالعمدة هو إحراز شهرة تلك الكتب إلى زمان الشّيخ ، ولا دليل معتبر عليه.

٢٩٣

وثالثا : لو سلّمنا أنّ نسبة الكتب إلى أربابها قطعية في الجملة ، لسئلنا ما المؤمّن من احتمال زيادة النسخ ونقيصتها؟ إذ لم تكن الطباعة الحديثة رائجة في تلك الأزمان ؛ لتكون النسخ كلّها على وتيرة واحدة ، فإثبات تمام ما في الكتاب محتاج إلى النقل المسند ؛ ولأجله ذكر طرقه في المشيخة.

وبعد ذلك وقفت على كلام للسيّد بحر العلوم رحمه‌الله ، حيث قال (١) : ذهب جماعة من المتأخّرين إلى عدم الحاجة إلى الطريق فيما روي بصورة التعليق من أحاديث الكتب الثّلاثة : الفقيه ، التهذيب ، الاستبصار لما قاله الصدوق في أوّل كتابه أنّ جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل ، وإليها المرجع ، وما صرّح به الشّيخ في المشيخة من أنّ ما أورده بحذف الأسناد إلى أصحاب الاصول والكتب قد أخذه من أصولهم وكتبهم. ففي التهذيب : واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الّذي أخذنا الخبر من كتابه ، أو صاحب الأصل الّذي أخذنا الحديث من أصله.

وعلى هذا فلا يضرّ الجهل بالطريق ولا اشتماله على مجهول ، أو ضعيف ؛ لأنّ الاعتماد على نقل الشّيخين لهذه الإخبار من تلك الأصول والكتب ، وقد كانت مشهورة معروفة في تلك الأعصار متواترة النسبة إلى أصحابها عندهما ، كاشتهار كتبهما وتواترها عندنا و ...

ولذا لم يتعرّض الشّيخ في مقام الطعن في السند لرجال الواسطة ، ولو كانوا من الرّواة لتعرّض لهم في بعض الأحيان.

ثمّ قال في ردّ هذا القول : ويضعّف هذا القول إطباق المحققين من أصحابنا والمحصلّين منهم على اعتبار الواسطة والاعتناء بها ، وضبط المشيخة وتحقيق الحال فيها والبحث عما يصحّ وما لا يصحّ منها ، وقدحهم في السند بالاشتمال على ضعيف أو مجهول ... ومقتضى كلام الشّيخين في الكتب الثّلاثة الفقيه والتهذيبين ، أنّ الباعث على حذف الوسائط قصد الاختصار مع حصول الغرض بوضع المشيخة لا عدم الحاجة إليها كما قيل ، وإلّا لما احتيج إلى الاعتذار عن الترك ، بل كان الذكر هو المحتاج إلى العذر فإنّه تكلّف أمر مستغنى عنه على هذا التقدير.

__________________

(١) خاتمة رجاله في ضمن الفوائد الرجاليّة : ٤ / ٧٦.

٢٩٤

وقد صرّح الشّيخ في مشيخة التهذيب بأنّ إيراد الطرق لإخراج الإخبار بها عن حدّ المراسيل وإلحاقها بالمسندات ... وفي كلام الصدوق ما يشير إلى ذلك كلّه ، فلا يستغنى عن الوسائط في أخبار تلك الكتب ، ودعوى تواترها عند الشّيخ والصّدوق كتواتر كتبهما عندنا ممنوعة ، بل غير مسموعة ، كما يشهد به تتّبع الرجال والفهارست ، والظنّ بتواترها مع عدم ثبوته لا يدخلها في المتواتر ، فإنّه مشروط بالقطع ، والقطع بتواتر البعض لا يجدي مع فقد التمييز ... على أنا لو سلّمنا تواتر جميع الكتب ؛ فذلك لا يقتضي القطع بجميع ما تضمنته من الإخبار فردا فردا لما يشاهد من اختلاف الكتب المتواترة في زيادة الإخبار ونقصانها واختلاف الرّوايات الموردة فيها بالزيادة والنقيصة والتغييرات الكثيرة في اللفظ والمعني.

وأيضا فالاحتياج إلى الطريق إنّما يرتفع لو علم أخذ الحديث من كتاب من صدر الحديث باسمه ، وهذا لا يفهم من كلام الصدوق ، فإنّه إنّما يدلّ على أخذ الأحاديث من الكتب المشهورة الّتي عليها المعوّل وإليها المرجع ، وهو غير الأخذ من كتاب الرّاوي ، الّذي بدأ بذكره ، كما ذكره الشّيخ.

ومن الجائز أن يكون قد أخذ الحديث من كتاب من تأخّر عنه ونسبه إليه ؛ اعتمادا على نقله له من كتابه ، ثمّ وضع المشيخة ليدخل الناقل في الطريق ويخرج عن عهدة النقل من الأصل ... إلى آخر كلامه الطويل المفيد التامّ المنافي لما مرّ منه حول تصحيح أحاديث الفقيه ، والعصمة لأهلها.

الأمر الثالث : إنّ شيخنا البحاثة المتتّبع مؤلّف الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة رحمه‌الله أنهى شروح التهذيب وتعليقاته إلى خمس وعشرين ، وشروح الاستبصار وتعليقاته في (ج ٢ / ١٥) إلى ثمانية عشر ، كما قيل.

ولعلّها زادت على ذلك العدد لحدّ الآن.

كلام آخر حول اعتبار الأحاديث الكتب الأربعة

نقل عن جمع من المحدّثين أنّ روايات الكتب الأربعة بأجمعها قطعية الصدور (١) ، وقيل : لا نقطع بصدورها ، ولكن نثق بها ونطمئن بها (٢) ، وممّن اختار قول هذه الجماعة وأطال في

__________________

(١) لاحظ : فرائد الاصول ؛ ومعجم رجال الحديث وغيرهما.

(٢) يظهر هذا من المحدّث النوري ، لاحظ : مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٥.

٢٩٥

تحكيمه وإبرامه ودافع عنه بكلّ موهون وضعيف ، هو المحدّث الحرّ العاملي رحمه‌الله في آخر كتابه وسائل الشّيعة (١).

واستدلّ عليه باثنين وعشرين وجها ، وقال في آخره :

وقد ذكر أكثر هذه الوجوه بعض المحقّقين من المتأخّرين ، وإن كان بعضها يمكن المناقشة فيه ، فمجموعها لا يمكن ردّه عند الإنصاف.

أقول : وإليك معظم تلك الوجوه في غاية الاختصار مع جوابها في الحاشية :

١. شدّة اهتمام الأئمّة عليهم‌السلام والأصحاب والعلماء في تدوين وتصحيح الرّوايات المتضمنّة لأحكام الدّين. (٢)

٢. كانت الشّيعة تعمل بأصول صحيحة ثابتة بأمر الأئمّة عليهم‌السلام. وأصحاب الكتب الأربعة يعلمون عدم جواز الاعتماد على الظّنّ مع التمكّن من تمييز الصحيح عن غيره ، فروايات كتبهم كلّها صحيحة ، أي : معلومة الصّدور. (٣)

٣. الحكمة الرّبانيّة وشفقة الأئمّة عليهم‌السلام : تقتضي ألّا يضيع من في أصلاب الرجال في زمن الغيبة ، ومصداق ذلك هو ثبوت الكتب المشار إليها. (٤)

٤. أمر الأئمّة عليهم‌السلام أصحابهم بكتابة ما يسمعونه منهم والعمل به. (٥)

٥. الرّوايات الدّالة على صحّة الكتب ، وأنّها عرضت على الأئمّة عليهم‌السلام فما الظّنّ بأصحاب الكتب الأربعة. (٦)

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٦١ ـ ٧٨ و ٩٣ ـ ١١٢ ؛ معجم رجال الحديث : ١ / ١٧ ـ ٣١ و ٨٠ ـ ٨٥.

(٢) شدّة الاهتمام مانعة عن شيوع الدس والكذب لا عن أصلهما ، ولا سيّما أنّ التقية الشّديدة كانت مانعة عن تأثير الاهتمام المذكور ، ولا عن الزيادة والنقيصة السهويّة في تفاصيل ألفاظ الرّوايات ونحو ذلك ، نعم لو كان اهتمام الأئمّة عليهم‌السلام ضمن أسباب قهريّة فوق أسباب عادية لتمّ ما ذكره ، لكن من المعلوم عدم تحقّق ذلك وجريان أمر الدين وفق السببيّة العامّة.

(٣) نمنع صحّة الوصول بنحو الموجبة الكليّة ولا أقلّ من عدم الدّليل على صحتّها ، ونمنع تمكّن أصحاب الكتب الأربعة من تمييز الصحيح عن غيره ـ أن اريد بالصحيح ـ الصحيح الواقعي وإن أريد به الصحيح بحسب اجتهادهم ففيه ما يأتي. وبالجملة : المعمول به عندهم هو العمل بأخبار الأحاد ، وهي لا تفيد العلم.

(٤) الحكمة الرّبانيّة لم تشأ وصول خصوص الأحكام الواقعيّة إلى عامّة المكلّفين قطعا ، وهذا محسوس للمتفقهين ، وإنّما شاءت إيصال ما يعمّ الأحكام الواقعيّة والظّاهريّة ، إليهم.

(٥) هذ يبطل السلب الكلّي ، الّذي لم يقل به أحد ، ولا ينفى كلّي السلب.

(٦) إن وجدت رواية معتبرة سندا على صحّة كتاب ، نعمل بها ، وأين هي من صحّة تمام الكتب.

ولا رواية على صحّة الكتب الأربعة والأولوية ممنوعة ، وقد تقدّم في أوائل هذا البحث ما يتعلّق بالمقام.

٢٩٦

والحاصل أنّ الأحاديث المتواترة دالّة على وجوب العمل بأحاديث الكتب المعتمدة ، ووجوب العمل بأحاديث الثقات. (١)

٦. أكثر أحاديثنا كان موجودا في كتب الجماعة الّذين أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم وتصديقهم ، وأمر الأئمّة بالرجوع إليهم والعمل بحديثهم ونصّوا على توثيقهم. (٢)

٧. لو لا أخذ الرّوايات من الاصول المجمع على صحّتها ، والكتب الّتي أمر الأئمّة عليهم‌السلام بالعمل بها لزم أن يكون أكثرها غير قابل للاعتماد عليها ، لكن الأئمّة عليهم‌السلام وعلماءنا لم يتسامحوا إلى هذه الغاية في الدين .... (٣)

٨. إنّ الشّيخ وغيره كثيرا ما يطرحون الأحاديث الصّحيحة عند المتأخّرين ، ويعملون بالأحاديث الضعيفة ؛ وذلك ظاهر في صحّة تلك الأحاديث بوجوه اخر من غير اعتبار الأسانيد. (٤)

٩. شهادة الكليني والصّدوق والشّيخ وغيرهم بصحّة هذه الكتب وبكونها منقولة من الاصول والكتب المعتمدة ، ونحن نقطع بأنّهم لم يكذبوا ، ولو لم يجز لنا قبول شهادتهم هذه لم يجز قبول شهادتهم في التّوثيق والمدح أيضا. (٥)

١٠. طريق القدماء موجبة للعلم مأخوذة عن أهل البيت ، وعمل بها الإماميّة في مدّة تقارب سبعمائة سنة منها في زمان ظهور الأئمّة عليهم‌السلام قريب من ثلاثمائة سنة (٦) ، وهي مبائنة

__________________

(١) تواتر الإخبار على وجوب العمل بأحاديث الكتب المعتمدة ممنوع جدّا ، والمدّعي مطالب بإرائتها ، ولو في حقّ بعض الكتب ، ووجوب العمل بأخبار الثقات غير منكر ، وبين الأمرين فرق كبير وإن شئت فقل بينهما عموم من وجه.

(٢) ممنوع صغرى وكبرى عليهم‌السلام ، أمّا الصغري فلعلّها واضحة ، ولا أقلّ من كونها مشكوكا فيها ؛ وأمّا الكبرى ، فإنّ أريد بأمر الأئمّة ونصهم على التّوثيق إجماع الكشّي على خلاف ظاهر العبارة ، فقد مرّ ضعفه ، وإلّا فلا أمر ولا نصّ إلّا في بعض أفراد الجماعة وهو أعلم بما قال.

(٣) الملازمة ممنوعة وعلى فرض صحّتها فبطلان اللازم ممنوع ، إذ عدم الاعتماد لا يستلزم تسامح المعصوم والعلماء لاستناده إلى التقية ووجود الظالمين ، وسائر الأسباب القهريّة في المجتمع ، كالأسباب المانعة عن إقامة حكومة إسلاميّة.

(٤) لا ننكر القرائن المفيدة للصحّة عند القدماء ، لكنّها لا تثبت الكليّة أوّلا ، ولا اتّباعنا لهم ثانيا.

(٥) قد مرّ أنّ اجتهاد أرباب الكتب في دعوى صحّة رواياتها لا يكون حجّة في حقّ غيرهم ، وهل هو إلّا من تقليد الميّت ابتداء ، وهو ممنوع في حقّ العوام ، فضلا عن لزومه على المجتهدين ، نعم ، إخبارهم بالتوثيق لكونه حسيّا ، معتبر في حقّنا ؛ لأنّهم ثقات أجلاء.

(٦) طريقة القدماء متّكية على القرائن ، وهي قد تكون قطعيّة ، وقد تكون ظنيّة ، ويبعد جدّا حصول العلم لهم في كلّ مورد حتّى في زمان حضور الأئمّة عليهم‌السلام.

٢٩٧

لطريقة العامّة ، وليس كذلك الاصطلاح الجديد المأخوذ من العامّة المستلزم لتخطئة الطائفة في زمن الأئمّة عليهم‌السلام وزمن الغيبة (١) والمستلزم لضعف أكثر الإخبار الّتي علم نقلها من الاصول المجمع عليها (٢) ؛ لأجل ضعف بعض رواتها أو جهالتهم ، فيكون تدوينها عبثا محرّما (٣) وشهادتهم لصحتها كذبا وزورا.

١١. إجماع الطائفة الّذي نقله الشّيخ والمحقّق وغيرهما على نقيض هذا الاصطلاح واستمرار عملهم على خلافه إلى زمان العلّامة. (٤)

١٢. إنّ أصحاب الكتب الأربعة وغيرهم ، شهدوا بصحّة أحاديث كتبهم ، ونقلها من الاصول المجمع عليها ، فإنّ كانوا ثقات تعين قبول قولهم ؛ لأنّه شهادة بمحسوس ولا فرق في الحجيّة بين قولهم هذا وبين دعواهم أنّهم سمعوها من الإمام ، وإلّا صارت كتبهم كلّها ضعيفة ؛ لضعف مؤلّفيها. (٥)

١٣. الاصطلاح الجديد حادث ظنيّ وشرّ الأمور محدثاتها ، والأصل في الظّنّ عدم الحجيّة. (٦)

١٤. مورد التقسيم الرباعي : الصحيح والحسن والموثق والضعيف ، هو الخبر الواحد الخالي عن القرينة ، وإخبار كتبنا المشهورة محفوفة بالقرائن ، فلا موضوع للتّقسيم المذكور. (٧)

١٥. لا نزاع في الإخبار الصحيحة باصطلاح المتأخّرين ، والتي لا تصحّ باصطلاحهم إمّا أن تكون موافقة للأصل فهم يعملون بالأصل ، ويعملون بها لموافقتها له ، ونحن نعمل بها ، للأمر بها ومآل الأمرين واحد. (٨)

__________________

(١) ليس الاصطلاح الجديد إلّا حصر الحجيّة في قول العادل أو مطلق الصّادق ، وفي هذا ليس تخطئة لأحد من الطائفة ؛ لأنّه من جهة خفاء القرائن لا من جهة ردّها.

(٢) مرّ جوابه. ثمّ دعوى العلم بنقلها من الاصول المجمع عليها ممنوعة ، وإلّا لم يقع فيه التنازع ، وبالجملة فيه خلط بين الموجبة الجزئيّة والكليّة ، والأوّل حقّ.

(٣) العبث ممنوع فضلا عن الحرمة ولنقلها فوائد.

(٤) الإجماع ممنوع ، والشّيخ نفسه يعتبر الوثاقة ملاكا لاعتبار الرّوايات.

(٥) يظهر ممّا سبق ضعفه ، وبالجملة هو خلط بين الاجتهاد الحدّسي والإخبار الحسيّ.

(٦) هذا منه عجيب ، فانّه ادّعى فيما سبق دعوى تواتر الإخبار على اعتبار قول الثّقات ، وصرّح في موضع آخر بأنّ الثّقة أعمّ من العادل من وجه ، وهذا يثبت الاصطلاح الجديد بالتواتر.

(٧) مرّ أنّ القرائن المتوفرة عند القدماء قد خفيت في الأزمنة المتأخّرة ، ولم يبق منها سوى وثاقة الرّواة ، وبعض القرائن القليل نفعها ، كالشّهرة ونحوها ، فمعظم الإخبار خالية عن القرينة المعتبرة.

(٨) وكم فرق بين العمل بالأصل ، والعمل بالخبر المعتبر ، أي الدّليل الاجتهادي؟

٢٩٨

وإمّا أن تكون مخالفة للأصل ، فهي موافقة للاحتياط ، ونحن مأمورون بالعمل به ، ولم يخالف أحد من العقلاء في جواز العمل به. (١)

هذه خلاصّة دلائله ، وهي عشرون دليلا ، ثمّ أغرب المحدّث المذكور فإنّكر ظنّيّة دلالة الإخبار ، وإنّ القرائن صيّرت دلالة أكثرها قطعيّة. (٢)

ثمّ أراد أن ينفي احتمال سهو الرّواة ونسيانهم بتناسب أجزاء الحديث وتناسقها (!) (٣) وأجاب عن تضعيف الشّيخ بعض الرّوايات بأنّ مراده من الضعيف بالنسبة إلى معارضه ، لا بالنسبة إلى أصل صدوره. (٤)

ثمّ أورد على نفسه (٥) بأنّه كيف يجب على المتأخّرين تقليد القدماء في دعواهم القرائن؟ أجاب عنه بأنّ أكثر القرائن قد بقيت إلى الآن (٦) ، وقد تجدّد قرائن اخر ، وما لم يبق فشهادتهم به قرينة ؛ لأنّه خبر واحد محفوف بالقرينة ... واعترافهم بالقرائن من جملة القرائن عندنا. (٧)

وخلاصّة كلامه وكلام أمثاله (٨) أنّ أكثر كتب الإخبار متواترة لا نزاع فيها ، وأقلّها على تقدير عدم ثبوت تواتره ، خبر محفوف بالقرينة القطعيّة ، ومعلوم قطعا بالتتبّع والتواتر أنّ تواتر تلك الكتب السّابقة وشهرتها أوضح من تواتر كتب المتأخّرين ، وعلى تقدير عدمه في بعض الأفراد ، فلا شكّ في كونه من قسم الخبر المحفوف بالقرائن. (٩)

وأمّا تفاصيل الألفاظ ، فلا فرق بينهما وبين تفاصيل ألفاظ القرآن في الاعتبار ؛ وذلك يعلم باتّفاق النسخ ، كما في القرآن فيحصل العلم بذلك. (١٠)

__________________

(١) لكن البحث في وجوب العمل به دون جوازه.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٠ / ١٠٥ ، وهو واضح الفساد.

(٣) هذا فليكن مفروغ البطلان ، وواضح الفساد.

(٤) المصدر : ١٠٨ ، وإطلاق ما ذكره تحكم وتعسف.

(٥) المصدر : ١٠٩.

(٦) فات بهذه القرائن والعرف ببابك.

(٧) اعترافهم حدّسي لا حسيّ ، فليس بحجّة تعبدا ، أو نقول اعترافهم بأمر حدسي لا يوجب علينا شيئا ، بل نحن عالمون بأنّهم لم يعملوا من دون قرينة ، ولكن لا أثر للعلم المذكور بعد بطلان تقليد المجتهد الميّت حتّى بالنسبة إلى العوام.

(٨) الوسائل : ٢٠ / ١٠٧.

(٩) هذا في الجملة مسلّم ، لكن بالنسبة إلى أرباب الكتب ، لا بالنسبة إلى الأئمّة عليهم‌السلام.

(١٠) سبحانك اللهم من هذه المبالغة ، فإنّ أفراد الرّوايات أما غير ثابتة بطريق معتبر أو ثابتة تعبدا ، وهما الأكثر الكثير ، أو ثابتة بالتواتر أو القرينة القطعيّة ، وهي الأقلّ الأندر. ومنه يظهر حال تفاصيل الألفاظ ولا معنى

٢٩٩

خاتمة الكلام

قد ثبت لحد الآن عدم قطعية الرّوايات الموجودة في الكتب المتداولة ، وأنّ الأدلّة الّتي ذكروها غير لائقة لإفادة اليقين ، وإن كان القاطعون منها في عذر ؛ لأنّ طريقية القطع ذاتيّة ووجوده وجداني وحجيّته لا تقبل الإنكار ، وعلى كلّ حال لم يثبت دليل على حجيّة جميع تلك الإخبار.

بل هناك شواهد يمكن أن يستدلّ بها الاصوليّون على عدم كونها مقطوعة ، أو موثوقا بها ، وبالتالي لا يكون جميعها حجّة ، وأنّه لا بدّ لبيان حجيّة بعض أقسامها من تحقيق وتفصيل وتقسيم.

فمنها قول الشّيخ الطّوسي في العدّة : ... إجماع الفرقة المحقّة على العمل بهذه الإخبار بالتي رووها في تصانيفهم ، ودوّنوها في أصولهم ، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه ، حتّى إنّ واحدا منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه ، سألوا من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم إلى كتاب معروف أو أصل مشهور ، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا .... (١)

يدلّ هذا الكلام على عدم قطعيّة الاصول والتصانيف ، وأنّ شرط قبول الرّوايات الموجودة فيها وثاقة راويها لا غير ، وهذا يهدم أكثر ما بناه المحدّثون.

ومنها : إنّه لو كان روايات الكافي كلّها معتبرة ؛ لما احتاج الشّيخ الصدوق إلى تأليف كتاب يرجع إليه ويعتمد عليه ، إجابة لطلب السيّد نعمة الله ، فإنّ له أن يحيله على كتاب الكافي الّذي هو أوسع من كتابه من لا يحضره الفقيه ، لكنّه رأى نفسه محتاجة إلى تأليفه ، بل احتاج إلى تعريض به ، كما قال : ولم أقصد فيه قصد المصنّفين من إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتى به ، وأحكم بصحته ، وأعتقد أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي.

من هؤلآء المصنّفون يا ترى؟

أليس هذا الكلام صريحا ، أو ظاهرا في أن مطالب المصنّفات ـ أي : مصنّف كان ـ ليست بأجمعها معتبرة ، حتّى عند مصنّفيها ، افتونا يا أيّها المحدّثون؟

__________________

لقياسها على ألفاظ القرآن ؛ إذ أين التراب من ربّ الأرباب ، وأين الشّمع من الشّمس؟

يقول صاحب الحدائق رحمه‌الله وهو من المحدّثين في حقّ كتاب التهذيب : قلّما يخلو حديث فيه من التحريف والتصحيف والزيادة والنقصان. انظر : الحدائق : ٤ / ٢٠٩. وهذا الكلام وإن كان فيه مبالغة لا نقبلها ، لكنّه نعم ، الجواب لهذا القائل وأمثاله رحمة الله عليهم وعلينا وعلى جميع المؤمنين ، ولا سيّما علمائنا المجاهدون بالسّيف والقلم.

(١) العدّة : ١ / ٣٣٨ ، المطبوعة بقمّ حديثا.

٣٠٠