بحوث في علم الرجال

الشيخ محمد آصف المحسني

بحوث في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مركز المصطفى العالمي للترجمة والنشر
المطبعة: زلال كوثر
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-195-211-4
الصفحات: ٤٥٦

الوثوق والاطمئنان بمؤدّاه ، وهو الّذي فسّر به الصحيح في مصطلح القدماء ، والمعيار فيه أن يكون احتمال مخالفته للواقع بعيدا ، بحيث لا يعتني به العقلاء ، ولا يكون عندهم موجبا للتحيّر والتردّد الّذي لا ينافي حصول مسمّى الرجحان ...

ومن الظاهر إنّ الإخبار الّتي أعرض عنها المشهور لا تكون موثوقا بها وإن صحّت أسنادها ، فلا تشمله أدلّة حجيّة الإخبار ، انتهى.

لكن إذا قلنا بأنّ المعتبر من الإخبار ما كان مخبره صادقا لبناء العقلاء عليه وللروايات ، أو كان الخبر موثوقا به ؛ لأنّ الاطمئنان حجّة عقلائيّة ، لم يتمّ هذا الاستدلال ، لعدم سقوط الخبر بإعراض المشهور عنه ، بعدما كان رواته صادقين وثقات وقد شملته أدلّة الحجيّة ، وهذا ظاهر. ولو شرط في حجيّة الخبر ، الوثوق الشخصي بمؤدّاه ، لذهب اكثر الإخبار باطلا.

ولا أظنّ بأنّ الشّيخ الأنصاري قدّس سره كان واثقا بما إستدلّ به من الأحاديث ، كما يظهر من كتاب مكاسبه وغيره.

القول الرابع عشر : ما نقله الشّيخ الحسن رحمه‌الله عن المحقّق الحلّي قدّس سره من أنّه إذا قال الرّاوي أخبرني بعض أصحابنا وعني الإماميّة يقبل ، وإن لم يصفه بالعدالة ، إذا لم يصفه بالفسق ؛ لأنّ إخباره بمذهبه شهادة بأنّه من أهل الأمانة ، ولم يعلم منه الفسق المانع من القبول ، فإنّ قال عن بعض أصحابه لم يقبل ؛ لإمكان أن يعني نسبته إلى الرّواة وأهل العلم ، فيكون البحث فيه كالمجهول. (١)

أقول : ما ذكره في الشّق الثّاني صحيح ، وأمّا ما ذكره في الشّق الأوّل فيرد عليه ، نظير ما ذكره نفسه في مراسيل ابن أبي عمير ، كما سبق نقله في القول الرابع.

والظاهر أنّ كلامه هذا يعتمد على أصالة العدالة في المؤمن ، أو على أصالة الأمانة الفعليّة والقوليّة فيه ، وعلى كلّ لا يمكن إتمامه بدليل.

القول الخامس عشر : قبول مراسيل محمّد بن أبي حمزة الثمالي ، فإنّ مشايخة كثيرون يتجاوزون أربعين رجلا فيما بأيدينا من الأحاديث ، وجميعهم ثقات عدا شخصين لم يثبت وثاقتهما ، وهما علي بن سعيد ، وعلي بن الحزور ، وقد وردت روايته عنهما في موضعين ، من التهذيب ، (٢) نعم ، روي عن أناس ضعفاء ، أو غير موثقين ، لكن باسانيد غير معتبرة ، (مثل : داود

__________________

(١) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ٢٠٨.

(٢) التهذيب : ١٠ / ١١٧ ؛ ٢ / ٣١٤.

٢٤١

الرقي وعثمان الأصفهاني ، ومحمّد بن وهب ، ومحمّد بن يزيد.

فلا يعدّون هؤلآء من مشائخه ، لعدم بثوت روايته عنهم. (١)

وفي ضوء ذلك يمكن أنّ يقال : إنّ احتمال كون الواسطة المبهمة في الرّواية المبحوث عنها من غير الثقات احتمال ضعيف جدّا ، فلا يعتد به ؛ لأنّ نسبة عدد غير الموثق من مشايخ ابن أبي حمزة بالنظر إلى مجموع مشايخة نسبة ضئيلة ، فمقتضى حساب الاحتمالات أن يكون احتمال توسط الضعيف في مراسيله احتمالا ضئيلا أيضا ، فلا يعتني به عند العقلاء لحصول الاطمئنان بخلافه.

وردّ بأنّ احتمال كون الواسطة في كلّ من مراسيل ابن أبي حمزة أحد الاثنين غير الموثقين هو ٥% أي : أنّ احتمال أن يكون من الثقات هو ٩٠% ، وهذا أقلّ من درجة الاطمئنان. (٢)

أقول : وضعفه ظاهر ، فإنّه يبلغ درجة الاطمئنان عند العقلاء ، لكن الأظهر عدم صحّة الاعتماد على مراسيله ، فإنّ من روي عنهم من الضعفاء كثير ، وعدم بثوت الرّواية عنهم بالسند المعتبر لا ينافي قوة الاحتمال المنافي للاطمئنان.

على أنّ هناك أناس مجهولين أخرى في مشايخه على الأظهر ، كما يظهر من أسماء من روي عنهم في معجم الرجال ، بل ربّما يتجاور عدد هؤلآء من العشرة.

وممّا ذكرنا ربّما يظهر ضعف ما ذكره هذا القائل ، من أنّ العبرة في المقام بعدد الرّوايات لا بعدد المشائخ ، وقال بعد جملات :

فاحتمال أن يكون الرّواية المرسلة من قبيل إحدى هذه الرّوايات الأربع لا يزيد على ٢% ممّا يعني حصول الاطمئنان بخلافه ، فتأمّل. (٣)

وما ذكره لا يعتمد عليه الفطن الماهر.

على أنّه إن تمّ هذا الكلام فإنّما يتمّ إذا ادّعي أحد أنّه لا يروى إلّا عن الثقات ، لا فيمن لم يدع ذلك ، إذ يحتمل أنّ كثرة مشايخه الثقات من باب الاتّفاق ، لا من أجل بنائه على عدم الرّواية من الثقات ، فلاحظ.

__________________

(١) لاحظ : معجم رجال الحديث : ٩ / ٥٧.

(٢) الزي والتجمل ، ص ١٤٠ ، ومراجعته لمزيد الاطلاع لا تخلو من فائدة.

(٣) المصدر : ١٤٦.

٢٤٢

البحث السابع والثلاثون

حول أخبار المهملين

قال صاحب قاموس الرجال لتصحيح تنقيح المقال في مقدّمة كتابه (١) : والمفهوم منه أي :

من ابن داود أحد أرباب الكتب الرجاليّة رحمه‌الله ـ أنّه يعمل بخبر رواته المهملون ، ولم يذكروا بمدح ولا قدح ، كما يعمل بخبر رواته الممدوحون ، وهو الحقّ الحقيق بالاتّباع ، وعليه عمل الإجماع.

فنري القدماء كما يعملون بالخبر الّذي رواته ممدوحون يعملون بالخبر الّذي رواته غير مجروحين ، وإنّما يردون المطعونين ، فاستثني ابن الوليد وابن بابويه من كتاب نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن ... ذكر أسماء رجال.

واستثني المفيد من شرائع علي بن إبراهيم حديثا واحدا في تحريم لحم البعير ، فهذا يدلّ على أنّ الكتب الّتي لم يطعنوا في طرقها ولم يستثنوا منها شيئا كانت معتبرة عندهم ، ورواتها مقبولو الرّواية إن لم يكونوا مطعونين من أئمّة الرجال ولا قرينة وإلّا فتقبل مع الطعن.

ثمّ استظهر الإجماع على ذلك من كلام الشّيخ في العدّة ، فقال قال الشّيخ في العدّة :

وكذلك القول فيما ترويه المتّهمون والمضعفون إن كان هناك ما يعضد روايتهم ويدلّ على صحتّها وجب العمل به ، وإن لم يكن هناك ما يشهد لروايتهم بالصحّة وجب التوقف في أخبارهم ، فلأجل ذلك توقّف المشائخ عن أخبار كثيرة هذه صورتها ، ولم يرووها واستثنوها في فهارستهم من جملة ما يروونه من التصنيفات.

__________________

(١) قاموس الرجال لتصحيح تنقيح المقال : ١ / ٢٥.

٢٤٣

ثمّ قال صاحب القاموس :

نعم ، يمكن القول إذا تعارض خبران رواة أحدهما مصرّح بتوثيقهم ، ورواة الآخر مهملون يرجح الأوّل عليه ... (١)

ثمّ قال : هذا هو طريق القدماء ، وقد أحدث الطريقة الحادثة العلّامة ، والظاهر أنّ الأصل فيها شيخه في الرجال أحمد بن طاووس ، حيث إنّه يطعن في كثير من أخبار الكشّي بعدم ذكر من في طريقه في الرجال ، ولم نقف على كتبه في الفقه فلعلّه عبر بمصطلحات : الصحيح ، والحسن ، والقوي ، والضعيف ، كالعلّامة.

وأمّا المحقّق وإن احتمل بعض أنّه الأصل إلّا أنّ الّذي يفهم من معتبره أنّ طريقته قريبة من القدماء. (٢)

وبالجملة : طريقة القدماء أوّلا التّرجيح بالقرينة من دليل العقل ، أو النقل من : الكتاب والسنّة والإجماع الشّامل للشهرة المحققة ، وفي ما ليس قرينة ، العمل بالصحيح ، والحسن والمهمل.

وأمّا الموثق ، فلا يعملون به إلّا إذا لم يعارضه خبر إمامي ولو من المهمل (٣) ، ولم يكن فتواهم بخلافه ، انتهى كلامه.

أقول : هنا مباحث :

١. إنّ من يرى العدالة عبارة عن الإيمان أو الإسلام وعدم ظهور الفسق ، يمكن له أن يعمل بخبر رواته مهملون إذا ثبت لديه إيمانهم أو إسلامهم ، بأن يفسّر المهمل بمن لم يرد فيه قدح ، كما يظهر من هذا الفاضل في أوّل كلامه هنا ، وفي ترجمة أحمد بن رباح بن أبي نصر السكوني وغيره ، ويمكن أن يستدلّ للقول المذكور بأنّ المراد بالفاسق في آية النبأ من علم فسقه ، والمجهول داخل في مفهوم الآية ، فلا يجب التبيّن في خبره ، وهو كما ترى أو ينفي الفسق بالأصل ، ويكتفي به في قبول الخبر ، وقد مرّ ضعفه.

وهذا الفاضل لم يذكر لمختاره ، ومختار ابن داود وجها ودليلا سوى الإجماع المنقول على وجه ، وكونه طريق القدماء.

والأظهر أنّ العدالة ليست مجرّد الإسلام أو الإيمان مع عدم ظهور الفسق ، كما قررّ في محلّه ونسبته إلى جميع القدماء غير معلومة ، ولعلّها مظنونة العدم ، وإن نسلّم تفسير العدالة بالإيمان وعدم ظهور الفسق لا نسلّم حجيّة قول العادل

__________________

(١) المصدر : ٢٧.

(٢) مرّ كلام المحقّق في البحث السّابق ونقله صاحب المعالم : ٢٠٨.

(٣) وقول الشّيخ في العدّة : فإن كان هناك بالطريق الموثوق به الخ ، كما يأتي في أوّل البحث الآتي يبطل هذا الاستظهار ، فلاحظ.

٢٤٤

بهذا المعنى ؛ إذ لا دليل عليه من الشّرع والعرف فلا يصير خبر المهمل حجّة ، ودعواه الإجماع عليه غير مقبول ، واستظهاره من عبارة العدّة غريب ، بل لا يفهم منها أنّ الشّيخ نفسه وحده يرى اعتبار الخبر المهمل ، بل لا ربط للعبارة المنقولة بما هذا الفاضل بصدّد إثباته.

نعم ، هي تدلّ على الجزء الأخير من كلامه ، وهو حجيّة خبر الضعفاء مع القرينة ، بل الصحيح أنّ الشّيخ يعتبر الوثاقة في راوي الخبر الواحد المجرّد عن القرينة ، وظاهر كلامه عدم حجيّة خبر المهملين ، وإليك نصّ كلامه في العدّة (١) حتّى تطمئن بغرابة ادّعاء هذا الفاضل المتتبّع في هذا المقام.

قال رحمه‌الله :

فما اخترته من المذهب ، وهو أنّ خبر الواحد إذا كان واردا من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة ، وكان ذلك مرويّا عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن أحد من الأئمّة ، وكان ممّن لا يطعن في روايته ويكون سديدا في نقله ... جاز العمل به ، والّذي يدلّ على ذلك إجماع الفرقة المحقّة ، فإنّي وجدتها مجتمعة على العمل بهذه الإخبار ، الّتي رووها في تصانيفهم ودونوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعون ، حتّى أنّ واحدا منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه ، سألوه من أين قلت هذا؟

فإذا أحالهم على كتاب معروف ، وأصل مشهور ، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه ، سكتوا وسلموا الأمر في ذلك ، وقبلوا قوله ، وهذه عادتهم وسجيتهم من عهد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الخ.

أقول : قوله ويكون سديدا في نقله ، وقوله : وكان روايه ثقة ، نصّ على خلاف ما ذكره هذا الفاضل ، عصمنا الله من الزلل.

وكيفما كان رواية المهملين غير حجّة ولا يجوز الاعتماد عليها في الأحكام الإلهيّة وغيرها أصلا ، فإنّه تشريع محرّم ، وبناء العقلاء أيضا على عدم اعتبارها.

٢. استثناء ابن الوليد إنّما يدلّ على ضعف الرجال الّذين استثناهم ، ويحتمل أن يكون الاستثناء لأمر آخر اقتضاه اجتهاده ، كما يأتي بحث هذا الاستثناء في البحث التّاسع والأربعين.

وهكذا في استثناء المفيد رحمه‌الله ، ولا يدلّ على أنّهم اعتمدوا على المهملين بإحدي الدلالات.

وبالجملة : أنّه لم يقدر على إثبات عمل القدماء بخبر المهملين الفاقد للقرينة المصحّحة عندهم ، بل الواقف على مطالب هذا الكتاب يظهر له عدم صحّة النسبة المذكورة إلى القدماء ، وأقوي الشّواهد عليه كلام الشّيخ السّابق ذكره.

__________________

(١) العدّة : ١ / ٣٣٧ ، المطبوعة ببلدة قمّ ؛ والطبعة المحقّقة الجديدة : ١ / ١٢٦.

٢٤٥

٣. الصحيح أنّ خبر الواحد إن قامت على صدوره قرينة مورثة للاطمئنان يعمل به ، ولا ينظر إلى السند ، فإنّ الاطمئنان ـ أي : العلم العادي لا مجرّد الظّن ـ حجّة عرفيّة عقلائيّة ، لكن حصول القرينة للمتأخّرين ـ ولا سيّما لنا ـ بعيدة جدّا ، والشّهرة غير موجبة للاطمئنان ، كما قرّرناه في البحث السّابق. وإن لم تقم على صحته قرينة ـ كما هو الغالب الأغلب ـ يدور العمل به مدار صدق الرّاوي ، سواء كان إماميّا أم لا ، عادلا أم لا ، فإنّ العدالة المعتبرة في الخبر هي صدق الرّاوي في إخباره ، كما ذكره الشّيخ رحمه‌الله في عدته.

٢٤٦

البحث الثامن والثلاثون

حول : الرّوايات المرسلة وروايات غير الإمامي

في فرض التعارض وعدمه عند الشّيخ

قال الشّيخ الطوسي قدس‌سره في العدّة :

وأمّا العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر ، فهو أن يكون الرّاوي معتقدا للحقّ مستبصرا ثقة في دينه متحرّجا عن الكذب ، غير متّهم فيما يرويه. (١)

فأما إذا كان مخالفا في الاعتقاد لأصل المذهب ، وروي مع ذلك عن الأئمّة عليهم‌السلام نظر فيما يرويه ، فإن كان هناك بالطريق الموثوق به ما يخالفه وجب إطراح خبره ، وإن لم يكن هناك ما يوجب إطراح خبره ، ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به ، وإن لم يكن من الفرقة المحقّة خبر يوافق ذلك ، ولا يخالفه ولا يعرف لهم قول فيه ، وجب أيضا العمل به ، لما روي عن الصّادق عليه‌السلام إنّه قال :

إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنا ، فانّظروا إلى ما رووا عن عليّ عليه‌السلام فاعملوا به. (٢)

ولأجل ما قلنا عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث ، وغياث بن كلوب ، ونوح بن دراج ، والسّكوني ، وغيرهم من العامّة عن أئمّتنا عليهم‌السلام ، ولم ينكروا ، ولم يكن عندهم خلافه.

وإذا كان الرّاوي من فرق الشّيعة ، مثل : الفطحيّة ، والواقفيّة ، والناووسيّة وغيرهم ، نظر فيما

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢ / ٢٥٣ ، الطبعة الحديثة ؛ العدّة : ١ / ٣٧٩ ، المطبوعة بقمّ حديثا ؛ ١ / ١٤٨ ، منها الطبعة المحقّقة.

(٢) بل يعمل به ، مع صدق الرواة ؛ لأجل ما دلّ على حجيّة إخبار الثّقة بلا حاجة إلى هذا الخبر المرسل.

٢٤٧

يروونه ، فإنّ كان هناك قرينة تعضده أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم ، وجب العمل به ، وإن كان هناك خبر يخالفه من طريق الموثوقين ، وجب إطراح ما اختصوا بروايته والعمل بما رواه الثقة.

وإذا كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه ، وجب أيضا العمل به إذا كان متحرّجا في روايته موثقا به في إمانته ، وإن كان مخطئا في أصل الاعتقاد ؛ ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة ، مثل : عبد الله بن بكير وغيره ، وأخبار الواقفة ، مثل : سماعة بن مهران (١) ، وعلي بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسى. ومن بعد هؤلآء بما رواه بنو فضّال ، وبنو سماعة ، والطاطريون ، وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلافه.

وأمّا ما يرويه الغلاة والمتّهمون والمضعفون وغير هؤلآء فما يختص الغلاة بروايته ، فإن كانوا ممّن عرف لهم حال الاستقامة وحال الغلوّ عمل بما رووه في حال الاستقامة ، وترك ما رووه في خطائهم ؛ ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطّاب في حال استقامته ، وتركوا ما رواه في حال تخليطه.

وكذا القول في : أحمد بن هلال العبرتائي ، وابن أبي عزاقر.

فأمّا ما يروونه في حال تخليطهم ، فلا يجوز العمل به على حال.

وكذا القول فيما يرويه المتّهمون والمضعفون إن كان هناك ما يعضد روايتهم ويدلّ على صحتّها ، وجب العمل به ، وإن لم يكن هنا ما يشهد لروايتهم بالصحّة ، وجب التوقف في أخبارهم ... ـ إلى أن قال ـ وإذا كان أحد الرّوايتين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل ، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة يوثق ، به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ؛ ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وغيرهم من الثقات الّذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا ممّن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم ؛ ولذلك عملوا بمرسلهم إذا أنفرد عن رواية غيرهم ، ودليلنا على ذلك الأدلّة الّتي سنذكرها على جواز العمل بأخبار الآحاد ، فإن الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل ... الخ.

أقول : في كلامه مطالب :

١. الظاهر أنّ وجوب إطراح خبر المخالف في صورة وجود الخبر المعارض عن الإماميّة مبني على ما ذهب إليه جمع من تقديم خبر الأوثق على خبر الثّقة والموثق

__________________

(١) يظهر من النجّاشي إنكار وقفه ، حيث كرّر لفظ ثقة في حقّه ، وقال : ثقة ثقة.

٢٤٨

في صورة التعارض ، ونحن قد ناقشنا هذا القول بعدم دليل معتبر يدلّ عليه فلا عبرة به ، فيكون خبر المخالف الثّقة حجّة في عرض خبر الموافق الثّقة.

ومع التعارض بينهما يرجع إلى المرجحات المعتبرة ، ومع فقدها يحكم بالتساقط ، وقد فصّلناه في أوّل كتابنا حدود الشّريعة في واجباتها. (١)

وبالجملة :

لا يزيد شروط اعتبار خبر الموثق على شروط اعتبار خبر الثّقة ، وإن خبر غير الإمامي ـ سواء كان عاميّا أو شيعيّا ـ وخبر الإمامي على حدّ سواء لبناء العقلاء على حجيّة خبر الصّادق مطلقا ، ولا إجماع تعبّدي على خلاف هذا البناء.

٢. الرّواية الّتي نقلها عن الصّادق عليه‌السلام لم نقف على سندها عاجلا ، ليحرز صحّتها ، أو سقمها فلا نعتمد عليها ، على أنّ متنه مبهم لا يفي بمراد الشّيخ رحمه‌الله.

٣. ربّما يستفاد من إطلاق كلام الشّيخ قدّس سره لم يعتبرها كما اعتبرها ، وقيد بها حجيّة أخبار الشّيعة غير الاثنى عشريّة في ذيل كلامه ، فإن كان إطلاق كلامه مرادا له ، فهو باطل ؛ إذ ليس حال رواة العامّة عن علي عليه‌السلام أو عن أحد من الأئمّة عليهم‌السلام بأحسن من رواة الشّيعة عن علي وسائر الأئمّة عليهم‌السلام ، حيث يعتبر في حجيّة رواياتهم وثاقتهم ، فكيف لا تعتبر فيهم؟

وكأنّ الشّيخ تمسّك في ذلك بإطلاق الرّواية المذكورة ، لكنّها إن تمّت دلالتها أو إطلاقها ، تمّت في رواة الشّيعة الّذين يروون عن الأئمّة عليهم‌السلام أيضا.

والمتأمّل في صدر كلام الشّيخ وذيله ـ بطوله ـ يظنّ أنّ هذا الإطلاق غير مراد له ، بل مراده حجيّة روايات العامّة إذا كانوا ثقات لا مطلقا ، لكن احتمال عمل الشّيخ بروايات العامّة استنادا إلى إطلاق تلك الرّواية الضعيفة تعبّدا ، قائم لا سبيل إلى نفيه ، وإن كان مرجوحا ، وعليه فلا يستفاد وثاقة السكوني ومن ردف به في كلامه.

٤. عمل الطائفة بأخبار من ذكرهم من العامّة يحتمل أنّه لأجل إحراز صحّتها من القرينة الخارجيّة ، أو لكونهم من الثقات في نقل الإخبار هو المنسوب إليه وهو بل المنصوص في كلامه المنسوب إليه : أجمعت العصابة على العمل بروايات السكوني وعمار ومن ماثلهما من الثقات. (٢)

والحاصل : على فرض صدور هذا الكلام منه ، حجيّة روايات هؤلآء الاربعة ، وأمّا غير المذكورين بأسمائهم في كلامه فلا سبيل لنا إلى احرازهم.

__________________

(١) وقد ذكرنا في الطبعة الأخيرة من حدود الشريعة ، التي قام بها مكتب الإعلام الإسلامي في أوّل المجلّد الثاني : قسم الواجبات ، حول الترجيح والتساقط كلاما دقيقا.

(٢) انظر : وسائل الشيعة : ٢٠ / ٨٨ ، وكذا الوسائل : ٣٠ / ٢٣٢ ، الطبعة الحديثة وغيرها.

٢٤٩

هذا ولكن الشّيخ نفسه ضعّف عمّارا فعن الاستبصار (١) : أنّ عمّارا ضعيف ، فاسد المذهب لا يعمل على ما يختص بروايته.

نعم ، وثقه في تهذيبه (٢) ، وقال : ثقة في النقل لا يطعن عليه فيه.

__________________

(١) الاستبصار ، باب السهو في صلاة المغرب : ١ / ٣٧٢ ، الطبعة الجديدة.

(٢) التهذيب : ٧ / ١٠١ ، برقم : ٤٣٦ ، ونصّه :

والأصل فيها عمّار بن موسى الساباطي ، وهو واحد ، قد ضعّفه جماعة من أهل النقل ، وذكروا أن ما يتفرد بنقله لا يعمل به ؛ لأنّه كان فطحيّا ، غير أنّا لا نطعن عليه بهذه الطريقة ؛ لأنّه وإن كان كذلك ، فهو ثقة في النقل لا يطعن عليه.

وأمّا خبر زرارة ، فالطريق إليه على بن حديد ، وهو مضعف جدّا لا يعوّل على ما يتفرد بنقله.

أقول : فما في الاستبصار من تضعيفه يحمل على مذهب غيره ، أو يحمل على تسامح الشّيخ رحمه‌الله ، والأظهر أنّه عدول عنه في العدّة ، إن فرض تأخر تأليفه من الاستبصار.

ثمّ إنّ توثيق الشّيخ لا يعارض بتضعيف جماعة من أهل النقل ؛ لأنّ ظاهر كلام الشّيخ أنّ تضعيفهم مستند إلى فساد مذهبه ، وهو عنده وعندنا ضعيف ، فإنّ فساد المذهب أمر ، والصدق في المقال شيء آخر ، وهو المعتبر في حجيّة الخبر.

ثمّ المراد بمن ماثلهما هو : غياث بن كلوب ، ونوح بن دراج ، وحفص بن غياث ، كما تقدّم إردافه إيّاهم معهما.

وأمّا عمل الطائفة برواياتهم فوجهه غير محرز ، فلعلّه لمطابقتها مع الكتاب والسنة بزعمهم ، أو لأنّ معظمها في غير الأحكام الإلزاميّة ، أو غير ذلك ، فلا نطمئن بوثاقتهم من مجرّد العمل ، إذا فرضت رواياتهم قليلة مجموعة في كتاب.

هذا ولكن في الاعتماد على الدعوى المذكورة بحث ، فإنّ الصدوق رحمه‌الله ـ وهو من أعيان الطائفة قال في باب ميراث المجوسي الفقيه : ٤ / ٣٤٤ ـ : ولا أفتي بما ينفرد السكوني بروايته.

وهذا الكلام سواء صدر من ضعف السكوني في أقواله ، أو في مذهبه يضعّف دعوي الشّيخ رحمه‌الله في عمل الأصحاب برواياته ، وضعّفه المحقّق رحمه‌الله في غير مورد من محكي معتبره : ـ ١ / ٣٧٦ و ٣٩٩ و ٤٣٧.

ولا يعلم تقدّم تأليف نكت النهاية والمعتبر على المسائل الغرويّة؟

أو عكسه ، فإنّ المحقّق ضعّفه فيهما ووثقة في الأخيرة ، وضعّفه الشّهيد الثّاني أيضا في الروضة والمسالك ، وكذا غيره ، بل في سماء المقال للكلباسي نسب ضعف أخباره إلى المشهور ، وكفى بهذا موهنا لكلام الشّيخ رحمه‌الله.

ثمّ لا يعلم أنّ تأليف كتاب المسائل الغرويّة هل هو مقدّم على تأليف : المعتبر ونكت النهاية اللتين ضعّف المحقق رحمه‌الله السكوني فيهما ، أو مؤخر عنهما ، فلا يعلم نظره الأخير في حقّه ، بل نقل عن المعتبر : ١ / ٢٥٢. أيضا توثيقه.

وقال السّيد بحر العلوم في آخر كلامه :

إنّ ما اشتهر الآن من ضعف السكوني فهو من المشهورات ، الّتي لا أصل لها. رجاله : ٢ / ١٢٥.

ويظهر منه إنّ المشهور بين العلماء في عصر بحر العلوم ضعف السكوني.

وقال أيضا : حكي عن الشّيخ أنّه قال في مواضع من كتبه : إنّ الإماميّة مجمعة على العمل برواياته ، وروايات عمار ، ومن ماثلهما من الثقات. المصدر : ٢ / ١٢٤.

أقول : لم أجد في كتاب الطوسي ؛ العدّة وغيره وإنّي وإن عملت لحد الآن بروايات السكوني ، لكن بعد هذا أتوقّف عنه ، ما لم أجد تلك الجملة في كلام الشّيخ.

٢٥٠

ولعلّ الشّيخ فهم وثاقته من كتابه فإنّه يقول في فهرسته بعد توثيقه : له كتاب كبير جيّد معتمد.

قال المحقّق رحمه‌الله في كتابه المسائل الغروية المطبوعة ضمن الرسائل التّسع (١) : وهو ـ أي : السّكوني ـ وإن كان عاميّا ، فهو من ثقات الرّواة.

قال شيخنا أبو جعفر في مواضع من كتبه إنّ الإماميّة مجمعة على العمل بما يرويه السكوني ، وعمار ومن ماثلهما من الثقات ولم يقدح المذهب في الرّواية مع اشتهار الصدق ، وكتب جماعتنا مملوءة من الفتاوى المستندة إلى نقله ، انتهى.

أقول لم يعلم أن قوله : ومن ماثلهما من الثقات من كلام الشّيخ أو من كلام المحقّق ، والأظهر هو الثّاني ، فإنّي لم أجدها فى موضع من كتاب الشيخ. وقد اعترف بعض آخر من الرجاليّين بعدم وجدانها فى كتاب للشيخ ، وقد عرفت إنّ وثاقة السكوني لا يستفاد من كلامه السّابق ، فإنّه لم يوثق هؤلآء الأربعة من رجال العامّة ، كما ذكرنا.

٥. وأمّا بنو فضّال فهم على بن الحسن بن علي بن فضّال ، ومحمّد بن الحسن بن علي بن فضّال ـ ولم يوثّقه الرجاليون لكنّه موثق بتوثيق الشّيخ هذا فتأمّل ـ وأحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ، والحسن بن علي بن فضّال أبوهم ، أمّا علي بن فضّال ، فلم أجد ذكره في كتاب عاجلا.

٦. أمّا علي بن أبي حمزة البطائني ، الّذي تبلغ رواياته عن أبي بصير ثلاثمأة وخمس وعشرون ، وورد ذكره في الكتب الأربعة في أكثر من ٥٤٥ موردا.

ففيه كلام فإنّ الشّيخ قدّس سره وإن ادّعي عمل الطائفة برواياته لكنّه عندي غير معتمد ، فلاحظ كلمات علماء الرجال في حقّ الرجل في كتبهم.

والّذي يهوّن نقل بناء الطائفة على العمل برواياته ، ما ذكره الشّيخ نفسه في كتاب غيبته (٢) بعد نقل خبره :

فهذا خبر رواه ابن أبي حمزة ، وهو مطعون عليه ، وهو واقفي ، وسنذكر ما دعاه إلى القول بالوقف. (٣)

ثمّ قال : فروي الثقات إن أوّل من أظهر هذا الاعتقاد علي ابن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي ، طمعوا في الدّنيا ومالوا إلى حطامها ،

__________________

(١) الرسائل الغروية : ٦٥.

(٢) الغيبة : ٣٧.

(٣) ومن هذا الكلام يظهر ضعف ما قيل من أنّه وإن كان ضعيفا ، إلّا أنّ رواياته معتبرة لنقل الشّيخ عمل الطائفة بها. وجه الضعف أنّ الشّيخ نفسه ردّ خبره ، مع أنّ ضعف الرجل لا يجامع العمل بجميع روايته لبعد احتفاف كلّها بالقرينة ، إلّا إذا كانت مجموعة في كتاب واحد.

٢٥١

واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا ممّا اختانوه من الأموال ، نحو حمزة بن بزيع ، وابن المكاري ، وكرام الخثعمي (١) وأمثالهم ثمّ ذكر أربع روايات بقوله : فروي محمّد بن يعقوب ... (٢).

لكن كلّ تلك الرّوايات الأربع ضعاف سندا ، فلا بدّ من تأويل قوله : فروى الثقات لا سيّما إن كلّها أو أكثرها ينتهي إلى رجل غال مخلط بزعم الشّيخ ، وضعيف في الحديث بزعم النجّاشي ، وهو محمّد بن جمهور العمي ، كما أشرنا إليه في كتابنا مشرعة بحار الأنوار.

بل يظهر من صحيح البزنطي (٣) إنّ البطائني إنّما أنكر إمامة الرضا عليه‌السلام لاشتباهه في تأويل الرّوايات (٤) دون الطمع في الأموال ، خلافا لما ذكره الشّيخ رحمه‌الله.

وعلى الجملة :

لا يصحّ الاعتماد على روايات علي بن أبي حمزة البطائني عندي بوجه ، بل نسب ضعفه سيّدنا الأستاذ في معجمه وغيره في غيره إلى المعروف.

والعمدة في ضعفه أوّلا : قول علي بن الحسن بن فضّال ـ كما في رجال الكشّي : رقم :

٧٥٤ ـ علي بن أبي حمزة كذّاب متهم. (٥)

__________________

(١) الغيبة : ٤٢.

(٢) ووصفه في رجاله من أصحاب الكاظم عليه‌السلام : كوفي واقفي خبيث ، لكن النجّاشي قال في حقّه : كان ثقة ثقة عينا. والحقّ هو الاحتياط في رواياته.

(٣) بحار الأنوار : ٢٦ / ٢٢٣.

(٤) لكن مصدر هذا الخبر الصحيح قرب الأسناد ولم أجد دليلا على وصول نسخة منه إلى المجلسي رحمه‌الله بسند معتبر.

(٥) في رجال الكشّي برقم : ٧٥٥ : قال ابن مسعود قال أبو الحسن علي بن فضّال : علي ابن أبي حمزة كذّاب متهم.

وفيه برقم : ٧٥٦ : قال ابن مسعود : سمعت علي بن الحسن : ابن أبي حمزة كذّاب معلون ، قد رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت تفسير القرآن كلّه من أوله إلى آخره ، إلّا إنّي لا استحل أن أروي عنه حديثا واحدا.

وفيه برقم : ٨٣١ : قال أبو عمرو : ... والحسن بن علي بن أبي حمزة غال.

وفيه برقم : ١٠٤٢ : محمّد بن مسعود قال : سألت علي بن الحسن بن فضّال ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني؟ فقال : كذّاب ملعون ، رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن كلّه من أوله إلى آخره إلّا إنّي لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا.

أقول : يحمل ما في رقم : ٧٥٦ على ما في رقم : ١٠٤٢ حمل المطلق على المقيّد ، وهذا واضح فالابن ـ أي الحسن ـ كذّاب ملعون بشهادة ابن فضّال وغال بشهادة أبي عمرو الكشي. والأب ـ أي علي ـ كذّاب متهم.

والنتيجة إنّ كليهما ضعيف.

وأمّا ما عن المحقّق في معتبره : ٢٣ ، الطبعة القديمة ، بأنّ الأصحاب قد عملوا برواية هؤلآء ـ أي : عمّار وعليّ بن أبي حمزة ... فاعتبر كتب الأصحاب فإنّها مملوءة من رواية على المذكور وعمار. ففيه أنّ عمل الأصحاب ببعض روايات الضعفاء يرجع إلى عمليات اجتهاديّة غير دالّة على توثيق رواتها ، ونقل رواياتهم أعمّ من العمل بها على أنّ ظاهر كلامه ، الّذي لم ننقله هنا أيضا يدلّ على ما قلنا ، فلاحظ معتبره.

٢٥٢

وثانيا : ما رواه الشّيخ نفسه في كتاب الغيبة ، عن أحمد بن عيسى ، عن سعد بن سعد ، عن أحمد بن عمر قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول في ابن أبي حمزة : أليس هو الّذي يروي أن رأس المهدي يهدي إلى عيسى بن موسى ، وهو صاحب السفياني ، وقال إنّ أبا إبراهيم يعود إلى ثمانية أشهر ، فما استبان لكم كذبه.

وثالثا : قول الشّيخ المتقدّم انّه مطعون عليه ، ويؤيده ما عن صاحب الفصول رحمه‌الله : ولم يحك عن أحد توثيقه ، بل نقل عن بعض آخر إنّه إلى الآن لم يجد أحدا غير الشّيخ يوثقه ، أو يعمل بروايته إذا أنفرد بها. (١)

وكان سيّدنا الأستاذ في برهة من زمانه يذهب إلى وثاقته في قوله مع فساد مذهبه ، ويستدل بما تقدّم من عبارة العدّة الدّالة على توثيقه وبوقوعه في أسناد كامل الزيارات ، وفي أسناد روايات تفسير القمّي ، ثمّ رجع في معجمه وبنى على ضعفه ، لتعارض هذه الوجوه بجرح ابن فضّال ، وأمّا رواية أحمد بن عمر ، فلم يقبلها بدليل جهالة طريق الشّيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى.

أقول :

أمّا وقوعه في أسناد كامل الزيارات وتفسير القمّي فلا يدل على وثاقته ، كما مرّ بحثه فيما تقدّم ، وأمّا توثيق الشّيخ فمعارض بجرحه كما عرفت فتأمّل ، وأمّا جهالة طريق الشّيخ إلى أحمد فممنوعة لما سيأتي من اعتبار طريقه إليه في الفهرست ، وليس الطريق الحسن المذكور مخصوصا برواياته عنه في خصوص كتاب التهذيب ، بل مطلقا وإلى جميع رواياته كما يأتي في شرح المشيخة.

هذا كلّه في علي بن أبي حمزة ، الّذي وقع بهذا العنوان في أسناد كثير من الرّوايات ، وهي تبلغ خمسمائة وخمسة وأربعين موردا ، كما ذكر الأستاذ رحمه‌الله في معجمه. (٢)

وربّما يستدّل على وثاقته بجملة من الإخبار لكنّها ضعيفة دلالة أو سندا ، وبرواية جملة من الأكابر عنه ، كالبزنطي وصفوان ، وابن أبي عمير ، ويونس وغيرهم ، لكنّها لا تدلّ على الوثاقة ، كما يفهم ممّا سبق.

__________________

(١) سماء المقال : ١٣٤.

(٢) معجم رجال الحديث : ١١ / ٢٤٢.

٢٥٣

ويقول ابن الغضائري في حقّ ابنه : ضعيف في نفسه ، وأبوه أوثق منه ، لكن هذا القول لم يثبت بطريق معتبر ، وأمّا كونه ذا أصل أو أنّ للصدوق إليه طريقا في المشيخة ، فلا يكفي للوثاقة جزما. (١)

ثمّ إنّه قد يقع الاشتباه بينه وبين علي بن أبي حمزة الثمالي الثّقة ، والتمييز في الرّوايات المنقولة عن الصّادق عليه‌السلام بالقرائن ، وأمّا في الرّوايات المنقولة عن الباقر والسّجاد عليهما‌السلام فهو الثمالي الثقة.

٧. أمّا عثمان بن عيسى الّذي وقع أيضا في أسناد كثير من الرّوايات ، وهي تبلغ سبعمائة وخمسة وأربعين موردا ، فهو الآخر الّذي اختلف فيه كلام الشّيخ فوثقه في عبارته المتقدّمة ، ونقل عمل الطائفة برواياته ، ولكن نسب إليه الخيانة في كتاب غيبته كما رأيت وليست الخيانة المذكورة في خصوص أكل الأموال ، حتّى لا تنافي الوثاقة في نقل الإخبار ، بل في إظهار الاعتقاد بحياة الكاظم عليه‌السلام بعد وفاته وهو من الخيانة في القول.

ويمكن أن نختار وثاقته لوجوه :

ألف). ما نقله الكشّي عن نصر بن الصباح ، من أنّ عثمان المذكور تاب ، وبعث إلى الرضا عليه‌السلام بالمال وان الأصحاب لا يتّهمونه.

ب). عدّه الكشّي من أصحاب الإجماع في تسمية الفقهاء من أصحاب الكاظم والرضا صلى‌الله‌عليه‌وآله على قول بعضهم.

ج). وقوعه في أسناد روايات تفسير القمّي ، الّذي وثّق جميع رواة كتابه.

د). عدّه ابن شهر آشوب في ثقات الكاظم عليه‌السلام في الجزء الرابع من مناقبه.

ه). وقوعه في أسناد كامل الزيارات.

و). توثيق الشّيخ إياه في عدّته ، ولأجل هذا الوجه والوجه الخامس والرابع والثالث وثّقه السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله (٢) ، لكن يضعّف الأوّل بجهالة نصر ، والثّاني بجهالة البعض المذكور مع معارضة قوله بقول النجّاشي والشّيخ وغيره ممّن صرّحوا بكون عثمان من الواقفة ، وليس من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، والثالث والخامس بما مرّ ، فبقي السادس والرابع ، لكنهما متعارضان بطعن الشّيخ ، بل النجّاشي أيضا ، على أنّ الرابع غير معتبر لابتنائه على الحدّس أو لإرساله ، فلا وجه للاعتماد على روايات عثمان المذكور ، خلافا للسيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله وخلافا لما ذهبنا إليه لحدّ الآن ، ولا سيّما في كتابنا حدود الشّريعة في محرماتها (الطبعة الأولى) من اعتبار رواياته ، والله العالم.

__________________

(١) ولاحظ : تفصيل هذه الوجوه في سماء المقال : ١٣٤ ، ١٥٢ ؛ وانظر : معجم رجال الحديث : ١١.

(٢) معجم رجال الحديث : ١١ / ١٢٩.

٢٥٤

٨. قوله فيما لم يكن عندهم خلافه.

أقول : هذا إمّا من اجتهاد الشّيخ رحمه‌الله أو نقل عمل الطائفة ، وعلى التّقديرين لا نقبله ؛ لما مرّ من عدم كون الأوثقيّة من المرجحات السندية عندنا ، فغاية كلامه على تقدير الاحتمال الثّاني أنه إجماع منقول ، كما أنا لا نقبل منه تسوية الطائفة بين المراسيل والمسانيد ؛ إذ أولا أنه اجتهاد من الشّيخ استنبطه ـ ظاهرا ـ من نقل الكشّي إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جمع ، والحال أنّه لا يدلّ على مراد الشّيخ.

وثانيا : إنّ الشّيخ نفسه لم يلتزم بهذا الكلام في كتابي الإخبار ، فقد ذكر في باب العتق وأحكامه رواية ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، ثمّ قال : فأول ما فيه أنّه مرسل وما هذا سبيله لا يتعارض به الإخبار المسندة. (١)

وقد تقدّم هذا الموضوع في البحث السادس والثلاثين.

وثالثا : إنّه إجماع منقول غير حجّة.

فإنّ قلت : كيف تقبل عمل الطائفة بروايات هؤلآء الدّال على توثيقهم ، فإنّه أيضا إجماع منقول؟

قلت : لو وثقهم الشّيخ وحده لكان توثيقه حجّة ، ونقل عمل الطائفة لا يقل عن توثيق الشّيخ نفسه ، ففرق بين التّوثيق وغيره من المسائل الاجتهاديّة فافهم جيّدا.

وممّا يدلّ على أنّ فهم تسوية الطائفة اجتهاد من الشّيخ ، قوله في الأخير ، فإنّ الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل.

فالمسلّم من الطائفة عملهم بالمراسيل في الجملة ، وأمّا وجه عملهم فهو غير منصوص ، وما ذكره الشّيخ فهو اجتهاد منه منشأه كلام الكشّي ، والله العالم.

١٠. ما أفاد من ردّ روايات الغلاة بقول مطلق ، حتّى وإن كانوا ثقات مبني ظاهرا على اعتبار الإسلام في الرّاوي ، وحيث إنّ الغالي غير مسلم لم يجز الاعتماد على روايته مطلقا.

__________________

(١) التهذيب : ٨ / ٢٥٦ ؛ الاستبصار : ٤ / ٢٦. إلّا أن يقال : إنّ الشّيخ رجع عن نظره الثابت حين تأليف التهذيبين فيما بعد ، فلا تناقض في البين ؛ إذ الظاهر تقدّمهما على كتاب العدّة بحسب الزمان ، والعدول من الرأي شائع.

٢٥٥

البحث التّاسع والثلاثون

حول الاصول الأربعمائة

ذكر الشّيخ المفيد رحمه‌الله أنّ الإماميّة من عهد أمير المؤمنين إلى عهد أبي محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام صنّفت أربعمائة كتاب ، تسمّى : الاصول.

فهذا معنى قولهم : له أصل.

وقال صاحب إتقان المقال : الّذين عثرت عليهم من أهل الاصول ، ونصّ عليهم بذلك خمسة وتسعون. (١)

ثمّ ذكر أسمائهم فراجع إن شئت. (٢)

ثمّ قال بعدها : والمراد من الأصل ، قيل هو المشتمل على كلام المعصوم عليه‌السلام خاصّة. لكن ينافيه قول ابن الوليد في حقّ كتب يونس ـ الّتي هي بالروايات ـ مع عدم عدّها في كلام أحد ـ على ما أعلم ـ من الاصول.

وقيل : هو المروي عن الإمام عليه‌السلام بلا واسطة.

والّذي يظهر من كثير من عبائرهم ، كقولهم في إبراهيم بن مسلم : ذكره شيوخنا في أصحاب الاصول وفي كتاب أحمد بن الحسين ومن أصحابنا من عدّه من جملة الاصول. وفي كتب : حريز وتعدّ كلّها في الأصول. وفي كتاب الحسين ابن أبي العلاء : له كتاب يعدّ من الاصول. ونحوها ، إنّ الأصل عندهم ما يعمل به ومعتمد عليه.

__________________

(١) إتقان المقال : ٣٩٥.

(٢) استخرج بعض تلامذتي أسماء من لهم أصل في فهرست الشّيخ رحمه‌الله فبلغوا خمسة وستّين شخصا ، والله العالم ، فإنّي لم أحقّقه.

٢٥٦

ولا يبعد أن يقال : إنّه ما جمع بين وصفي الاعتماد والرواية عن المعصوم بلا واسطة ، كما يشير إليه قولهم في كثير من التراجم له كتاب معتمد وكتب معتمدة ، كالحسين بن سعيد وأضرابه ، مع أنّ أكثر المعتمدين وجلّ المعتبرين لم يدرجوا في أصحاب الاصول ، وإن بلغوا الغاية في ذلك ، بل وإن كانوا من أصحاب الإجماع كزرارة و ... فهذا يشير إلى أنّه ليس كلّ كتاب معتمد أصلا ، وممّا يؤيّد أن معنى الأصل قد أخذ فيه وصف الاعتماد أنّك لا ترى بالاستقراء أحدا من أهل الاصول رمى بالضّعف أصلا ، إلّا شاذا شديد الشّذوذ ، كالحسن بن صالح بن حسن ، الخ.

أقول : هل بين الأصل والكتاب فرق معنوي أم لا بل تسمية عدّة من الكتب بالأصل مجرّد اصطلاح؟ وعلى الأوّل ما هو حقيقة هذا الفرق؟ شيئان لم يثبتا عندي بدليل معتبر. (١) وكلّ ما ذكره هذا الفاضل وغيره في وجه الفرق بينهما ظن ، واحتمال لا يبلغ الاطمئنان ، وعليه حال الرّوايات المنقولة من الاصول حال الرّوايات المنقولة من الكتب ، وحال أصحاب الاصول حال أرباب الكتب.

وقال العلّامة المجلسي في محكي أربعينه : بل كانت الاصول المعتبرة الأربعمائة أظهر من الشّمس في رابعة النّهار.

أقول : إنّ سلّمنا هذه الأظهريّة بالنسبة إلى جميع الاصول المذكورة (٢) لا نسلّم أظهريّة كلّ واحدة من رواياتها حتّى لا نحتاج إلى حال الراوي ، كما نحتاج إليه في تصحيح روايات الكتب الأربعة مع أظهريتها من الشّمس في رابعة النّهار عندنا.

قال الشّهيد الثّاني في محكي شرح دراية الحديث :

قد كان استقرار المتقدّمين على أربعمائة مصنّف سمّوها أصولا ، عليها اعتمادهم ...

وأحسن ما جمع منها الكافي ، والتهذيب ، والاستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه.

أقول : اعتمادهم عليها كاعتمادنا على الكتب الأربعة غير المنافي لضعف بعض رواياتها ، وهذا هو المعلوم من طريقة الشّهيد الثّاني في الفقه أيضا.

__________________

(١) قال الشّيخ في أوّل فهرسته : عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنّفات والاصول ، ولم أفرد أحدهما عن الآخر لئلا يطول الكتابان ؛ لأنّ في المصنفين من له أصل.

أقول : ويحتمل أنّ الأصل هو الكتاب المشتمل على الرّوايات المسموعة عن المعصوم ، أو عن الرّاوي من دون نقلها عن كتاب ، لكنّه مجرّد احتمال.

(٢) بل ربّما يثبت خلاف ذلك ، قال الشّيخ في ترجمة زيد الزراد وزيد النرسي في فهرسته : ٩٧ : لهما أصلان لم يروهما محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه. وقال في فهرسته : لم يروهما محمّد بن الحسن الوليد ، وكان يقول هما موضوعان ... وكان يقول وضع هذه الاصول محمّد بن موسى الهمداني.

وللمحدّث النوري حول ردّ الوضع المذكور كلام طويل في : خاتمة مستدركه : ٣ / ٣٠١.

٢٥٧

ثمّ في المقام اختلاف آخر ـ زائدا على إبهامهم معنى الأصل ـ وهو أنّ الأصول الأربعمائة كلّها من كلام الصّادق عليه‌السلام أو من كلام أمير المؤمنين إلى الإمام العسكري عليهم‌السلام كلّهم؟ ذهب إلى الثّاني الشّيخ المفيد رحمه‌الله في ما نقلناه عنه أوّلا.

وذهب المحقّق رحمه‌الله في المعتبر. (١) إلى الأوّل فقال في كلامه ... حتّى كتبت من أجوبة مسائله ـ أي مسائل الإمام الصّادق عليه‌السلام أربعمائة ـ مصنّف لأربعمائة مصنّف ـ سمّوها : أصولا. (٢) وتبعه الطبرسي فى محكي أعلام الورى (٣) ، حيث قال : روى عن الصادق عليه‌السلام من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان ، وصنّف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب معروفة تسمّى الاصول ، رواها أصحابه وأصحاب ابنه موسى عليه‌السلام. (٤)

وهذا الاختلاف عجيب (٥) ، وما ذكره صاحب الوسائل في نفي المنافاة بين القولين ضعيف جدّا. (٦)

وهنا اختلاف آخر بين قول المحقّق الحلّي ـ أربعمائة مصنّف لأربعمائة مصنّف ـ وبين قول الشّيخ في فهرسته في حقّ كتب حريز : وتعد كلّها في الاصول ، كما مرّ.

وفي الختام إليك ما ذكره سيدنا الأستاذ الحكيم رحمه‌الله :

ومثل ذلك دعوى ثبوت وثاقة النرسي بعدّ كتابه من الاصول ، كما في الفهرست وغيره ؛ إذ فيه عدم وضوح كون المراد بالأصل الكتاب الّذي يجوز الاعتماد عليه والعمل بما فيه ، لاحتمال كون المراد معنى آخر ، فلاحظ كلماتهم في الفرق بين الكتاب والأصل ، فقد ذكروا فيه وجوها واحتمالات ليس على واحد منها شاهد واضح ، وأيضا فإنّ المحكي عن الصدوق في فهرسته ـ تبعا لشيخه محمّد بن الحسن بن الوليد ـ أنّ أصل زيد النرسي ، وأصل زيد الزراد وكتاب خالد بن عبد الله بن سدير ، موضوعات ، وضعها محمّد بن موسى الهمداني.

وهذه الدّعوى وإن غلطهما فيها ابن الغضائري وغيره ، بأنّ الأصلين الأوّلين قد رواهما محمّد بن أبي عمير ، لكنّها توجب الإرتياب ، إذ من البعيد أن يكون الصّدوق وشيخه ممّا خفي عليهما ذلك ، فجزما بالوضع ، وممّا يزيد الارتياب أنّ الشّيخ رحمه‌الله في الفهرست ـ مع اعترافه بأنّ زيدا النرسي له أصل ، وأنّه رواه محمّد بن أبي عمير عنه ـ لم

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٢٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٣٠ / ٢٠٩ الطبعة الجديدة.

(٣) اعلام الوري : ٤١٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٣٠ / ٢٠٨ ، وكذا الشّهيد في الذكرى ، كما في الوسائل : ٣٠ / ٢١٦.

(٥) ويمكن حمل كلام المحقّق على الغالب ، فقد ذكر الشّيخ الطوسي رحمه‌الله في فهرسته ، إنّ لعلي بن أسباط أصلا ، وهو من أصحاب الرضا والجواد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٦) لاحظ : تفصيل الأقوال حول الاصول في : مقباس الهداية : ٩١.

٢٥٨

يرو عن زيد النرسي في كتابي الإخبار ـ على ما قيل ـ إلّا حديثا واحدا في باب وصية الإنسان لعبده ، رواه عن عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن معاوية بن حكيم ، ويعقوب الكاتب عن ابن أبي عمير عنه ، والظاهر من عادته أنّه أخذ الحديث المذكور من كتاب ابن فضّال لا من الأصل المذكور ، وكذلك الكليني رحمه‌الله فإنّه لم يرو عنه إلّا حديثين أحدهما في باب التقبيل عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، عن علي بن مزيد صاحب السابري ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ....

والثّاني في كتاب الصوم في صوم يوم عاشورا ، عن الحسن بن علي الهاشمي ، عن محمّد بن عيسى ، قال : حدّثنا محمّد ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، قال : سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام ....

ولا يظهر منه أنّه أخذ الحديثين المذكورين من أصل النرسي ، أو من أصل غيره ممّن روي عنه ، فلو كان كتاب النرسي من الاصول المعوّل والمعتمد عليها عنده ، لما كان وجه للإعراض عن الرّواية عنه ، كما لا يخفى.

واستشكل فيها ثانيا :

بعدم صحتّها عن أصل النرسي ؛ لأنّ العلامة المجلسي قدس‌سره ـ وهو الّذي رواها في باب العصير من أواخر كتاب السماء والعالم ـ ذكر في مقدّمة البحار أنّ كتاب زيد النرسي أخذه من نسخة عتيقة مصحّحة بخط الشّيخ منصور بن الحسن الآبي ، وهو نقله من خط الشّيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ، وكان تأريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، ومنصور بن الحسن الآبي غير معلوم الحال.

نعم ، ذكر المامقاني قدّس سره في كتابه تنقيح المقال منصور بن الحسين الآبي ، وحكى عن منتجب الدّين أنّه فاضل عالم فقيه ، وله نظم حسن ، قرأ على شيخنا المحقّق أبي جعفر الطوسي. واحتمال أنّه صاحب النسخة ينفيه أن تأريخها لا يناسب ذلك ، فإنّ المذكور في ترجمة الشّيخ الطوسي قدس‌سره أنّ ولادته كانت في خمس وثمانين وثلاثمائة ، وذلك لا يناسب تأريخ كتابة النسخة المتقدّم ، وكأنّه لذلك توقّف في الوسائل عن النقل عنه ، وإلّا فالمعلوم من طريقته ـ كغيره من المحدّثين ـ جواز النقل عنه لو صحّت النسخة ، وإن كان المحكي عن السّيد صدر الدّين العاملي في تعليقته على منتهي المقال في ترجمة زيد النرسي : أنّه وجد بخط الحرّ العاملي ما صورته :

زيد النرسي روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي الحسن عليه‌السلام ، له كتاب يرويه جماعة.

أخبرنا علي بن أحمد بن علي بن نوح ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد الصفواني ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن زيد النرسي بكتابه. قاله النجّاشي.

اللهم إلّا أن يكون المانع عن النقل عدم العثور على الأصل المذكور. (١)

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى : ١ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

٢٥٩

البحث الأربعون

حول أسانيد الحلّي في مستطرفات السرائر

استطرف الشّيخ الجليل محمّد بن إدريس الحلّي قدّس سره في آخر كتابه السرائر من كتب المشيخة المصنّفين والرواة المحصلين ، روايات كثيرة (١) ، وإليك أسماء هؤلآء المصنّفين والرّواة على ترتيب ما ذكره رحمه‌الله :

١. موسى بن بكر الواسطي ، كتاب.

٢. معاوية بن عمّار ، كتاب.

٣. أحمد بن أبي نصر البزنطي ، نوادر.

٤. أبان بن تغلب ، كتاب.

٥. جميل بن دراج ، كتاب.

٦. أبو عبد الله السياري ، كتاب.

٧. البزنطي ، الجامع.

٨. البزنطي ، كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم.

٩. حريز بن عبد الله ، كتاب. (٢)

١٠. الحسن بن محبوب ، مشيخة.

١١. محمّد بن علي بن محبوب ، نوادر.

__________________

(١) السرائر : ٤٧١ ـ ٤٩٤ ، وهي آخر ذلك الكتاب.

(٢) سقط ذكره في الوسائل.

٢٦٠