بحوث في علم الرجال

الشيخ محمد آصف المحسني

بحوث في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مركز المصطفى العالمي للترجمة والنشر
المطبعة: زلال كوثر
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-195-211-4
الصفحات: ٤٥٦

موقوف على إحراز اصطلاحهما على المعنى المذكور ، ولا يصحّ إرادته باصطلاح من تأخر عنهما ، وإن فرض إجماعهم عليه.

وإنّي بعدما وسعني من الفحص لم أجد قرينة وأمارة دالّة على انعقاد الاصطلاح المذكور في لسانهما ، والفاضل المامقاني وإن تصدّي لإثباته لكنّه لم يأت بشيء مقنع أصلا.

مع أنّ الإجماع من غيرهما على المعنى المذكور غير مسلّم ، وقد قال صاحب اتقان المقال (١) :

ثمّ الّذي يشهد به الاستقراء أيضا أنّ الوثاقة في لسان أهل الفنّ يتضمن إرادة الوثاقة للرواية من حيث هو بمعنى أن يكون صادقا ضابطا ، ومن حيث المروي عنه ، بمعنى أن يكون ممّن يروي عن ثقة ، ولا يكون ممّن لا يبالي عمّن يأخذ.

أقول : استفادة الحيثية الأخيرة من لفظ الثّقة بحسب اصطلاحهم ليست بمدللّة ، وإن كانت محتملة ، بل تؤكّدها بعض الكلمات الصادرة من الرجاليين.

وقال الحرّ العاملي : دعوى بعض المتأخّرين أنّ الثّقة بمعنى العدل الضابط ممنوعة ، وهو مطالب بدليلها كيف وهم مصرحّون بخلافها ، حيث يوثّقون من يعتقدون فسقه وكفره وفساد مذهبه ، وإنّما المراد بالثّقة من يوثّق بخبره ، ويؤمن منه الكذب عادة والتتبّع شاهد به ، وقد صرّح به جماعة من المتقدّمين والمتأخرين. (٢)

وقال الشّيخ الطوسي قدس‌سره في العدّة :

فأمّا من كان مخطئا في بعض الأفعال أو فاسقا بأفعال الجوارح ، وكان ثقة في روايته متحرّزا فيها فإنّ ذلك لا يوجب ردّ خبره ويجوز العمل به ؛ لأنّ العدالة المطلوبة في الرّواية حاصلة فيه (٣) ، وإنّما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته وليس بمانع من قبول خبره ؛ ولأجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم. (٤)

ومع هذا الكلام ، كيف يقال : إنّ مراد الشّيخ من كلمة الثّقة العدل الإمامي الضابط؟ مع أنّ العدالة المطلوبة في هذا الباب عنده هي الصدق في النقل ، بل المراجع إلى فهرسته يطمئن بأنّ لفظة الثّقة ليس لها معنى العدالة الفقهيّة.

__________________

(١) اتقان المقال : ٤.

(٢) وسائل الشّيعة : ٢٠ / ١٠١ ، الطبعة المجزءة عشرين جزءا.

(٣) وبهذه الجملة يظهر معنى قوله في أوّل الفهرست ... فلا بدّ أن أشير إلى بما قيل فيه من التّعديل والتّجريح ... فمراده من العدالة هي العدالة المطلوبة في باب الرّوايات ، أي : الصّدق في الإخبار.

(٤) العدة : ١ / ٣٨٢ ، المطبوعة ، بقمّ حديثا ؛ بحار الأنوار : ٢ / ٢٥٤ ، الطبعة الجديدة.

١٨١

وخلاصة القول :

أنّ دلالة كلمة الثّقة على العدل الإمامي الضابط غير ثابتة في كلام من يرجع إليه في هذا الشّأن ، كالكشّي والشّيخ والنجّاشي قدس‌سرهم.

وينقدح من هذا أنّه لا سبيل إلى الحكم بصحّة أكثر الرّوايات المعدودة عندهم من الصحاح صحّة اصطلاحيّة. وسيأتي منّا في البحث الثّاني والثلاثين أن تقسيم الإخبار الرباعي ، باطل لا أثر له ، وإنّما الحجّة قول الصّادق سواء كان عادلا أم لا ، إماميّا أم لا. نعم ، يقول الحرّ العاملي في آخر وسائله (١) إنّ التّوثيق لا يستلزم العدالة ، بل بينهما عموم من وجه ، كما صرّح به الشّهيد الثّاني وغيره ، والله أعلم.

ولا بدّ من إثبات هذا المعنى من لفظ الثّقة في كلام الشّيخ والنجّاشي ، وإلّا فلا عبرة به ، وإنّما العبرة بمصطلحهما.

والمستفاد من فهرستي النجّاشي والشّيخ ، غير ما يدعيه المتأخرون من دلالة كلمة الثّقة على العادل الإمامي الضابط ، وإليك بعض الشّواهد :

١. قولهما في جملة من الموارد :

ثقة في الحديث ، ثقة فيما يرويه ، ثقة في الرّواية.

فإنّ هذا التقييد لا يناسب العدالة ، بل يناسب معناه اللغوي ، واحتمال اختلاف معناها في الموارد المطلقة والمقيّدة بعيد جدّا.

٢. إطلاقها على الفطحي والواقفي والزيدي وسائر أهل المذاهب ، كإطلاقها على الإمامي ، فافهم ولا تغفل.

٣. القرائن الاخرى في كلامهما ، كقول النجّاشي : يحيى بن إبراهيم ثقة ، هو وأبوه أحد القراء ، كان يتحقّق بأمرنا.

ولو كان الثّقة بمعنى العدل الإمامي ، لغي الجملة الأخيرة في كلامه بأحد الاحتمالين في معنى كلامه.

وكقوله في حسن بن محمّد بن جمهور : ثقة في نفسه ، روي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ، ٢٠ / ١٠١ ، الطبعة المتوسطة في عشرين جزءا.

١٨٢

وكقول الشّيخ في فهرسته : أحمد بن محمّد ، كان ثقة في نفسه ، غير أنّه أكثر من الرّواية عن الضعفاء والمراسيل.

نعم ، سأل محمّد بن مسعود علي بن الحسن عن وثاقة أبي خديجة : فقلت له ثقة؟ قال : صالح ... (١)

فيفهم منه أنّ الصّدق أدون من الوثاقة ، إذ لا صلاحية لغير الصّادق.

__________________

(١) رجال الكشي : رقم ٦١١.

١٨٣

البحث الثّلاثون

هل يعتبر ذكر السبب في التّوثيق والجرح وحكم تعارضهما؟

فيه فوائد :

الاولى : نقل الشّهيد الثّاني في درايته (١) عن المذهب المشهور أنّ التّعديل مقبول من غير ذكر سببه ؛ لأنّ أسبابها كثيرة يصعب ذكرها ، وأمّا الجرح ، فلا يقبل إلّا مفسرّا مبيّن السبب لاختلاف الناس فيما يوجبه.

ثمّ أورد عليه بأنّ ذلك آت في باب التّعديل ؛ لأنّ الجرح كما تخلف أسبابه كذلك التّعديل يتبعه في ذلك ...

نعم ، لو علم اتّفاق مذهب الجارح والمعتبر بالكسر أي : المنقول إليه ـ في الأسباب ـ اجتهادا أو تقليدا ـ اتّجه الاكتفاء بالإطلاق ، وهذا التفصيل هو الأقوى فيهما.

وأيضا مرجع الجرح في الرجال في الغالب المعظم إلى الكذب ، وليس له أسباب ، وفي القليل سوء الحافظة وتخليط الأسناد والمتون والإدراج ونحوها. وإنّما العدالة هي الّتي اختلفت الآراء فيها ، فالجرح الكذبي يقبل مطلقا ، وأمّا التّعديل والجرح الفسقي فلا يقبلان إلّا بالمعنى المراد للناقل ، فلا بدّ من معرفة مذهبه في العدالة والفسق ، ثمّ ترتيب الأثر عليه بنظر المنقول إليه.

وما في الجواهر : لما هو المعلوم من طريقة الشّرع من حمل عبارة الشّاهد على الواقع وأنّ اختلف الاجتهاد في تشخيصه ، غير ثابت عندنا.

فإنّ قيل : على المشهور من اعتبار بيان السبب في الجرح يستلزم سدّ باب الجرح في هذا

__________________

(١) الدراية : ٧٠.

١٨٤

العلم ؛ لأنّ أرباب الكتب الرجاليّه المتداولة قلّ ما يتعرّضون فيها له.

يقال : إنّه لا أقلّ من الشّكّ الموجب لعدم حجيّة رواياته ، لكنّه إنّما يتمّ إذا لم يفسّر العدالة بالإسلام وعدم ظهور الفسق ، أو لم يكن الجرح المذكور معارضا بالتعديل أو التصديق ، وإلّا فتعتبر رواياته ويلغى جرحه على الفرض.

والتحقيق أنّ العدالة وإن لم تكن له أسباب متعدّدة ؛ لكنّها بنفسها ذات جهات متعدّدة لاختلاف الأقوال فيها.

فهل هي الملكة أو مجرّد العمل والتّرك أو غيره؟

ويترتّب عليه عدالة البالغ في أوّل يوم بلوغه قبل الإطاعة والمعصية وعدمها بناء على الملكة.

وهل هي مجرّد ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق أم لا؟

وهل يعتبر فيها المروة أم لا؟

فلا بدّ للمعدل من بيان معنى العدالة ، حتّى يعلم المنقول إليه معناها ، فيقبل أو لا يقبل.

وأمّا الجرح الفسقي ، فله أسباب متعدّدة ، وهي : ترك الواجبات وارتكاب المحرّمات ، والأنظار فيها مختلفة ، فلا بدّ من بيان السبب حتّى يعلم الحال.

وأمّا الصدق والكذب ، فلا أسباب لهما ، ولا اختلاف فيهما ، فيقبل قول الصّادق فيهما مطلقا.

وقد عرفت أنّا نفسرّ كلمة : الثّقة في كلام الكشّي والنجّاشي والشّيخ بمعنى : الصّادق ، من باب القدر المتيقّن في كلام الأوّل ، ومن باب القرينة في كلام الأخيرين.

وأمّا معنى كلمة : ضعيف في كلامهم ، فنفسرّها بمعنى : عدم صلاحية الرّاوي لقبول روايته أمّا لكذبه ـ كما لعلّه الغالب ـ وأمّا لضعف ضبطه أو لسفاهته ، بحيث تخل بتلقي الرّاوي أو لتخليطه بين الأسناد والمتون ، فلا مانع من قبوله بلا بيان السبب.

نعم ، يحتمل أنّ التضعيف مستند إلى فسقه العملي في كلام النجّاشي ، بل في كلام غير الشّيخ ، ومعه لا أثر للضعيف كما مرّ فيكون الرّاوي مجهولا لا ضعيفا ، فهل يقدّم التّوثيق عليه أم لا؟

وحينئذ إن قلنا بانصراف كلمة الضعيف إلى الكاذب فهو ، وإلّا فالمقام محتاج إلى تأمّل.

ولا يبعد تقديم التّوثيق على التضعيف.

الثانية : قال الشّهيد أيضا في درايته :

ولو اجتمع في واحد ، جرح وتعديل ، فالجرح مقدّم على التّعديل ، وإن تعدّد المعدّل ، وزاد على عدد الجارح على القول الأصح ؛ لأنّ المعدّل مخبر عمّا ظهر عن

١٨٥

حاله ، والجارح يخبر عن باطن خفيّ على المعدل ، (١) هذا إذا أمكن الجمع بين الجرح والتعديل وإلّا تعارضا ، كما إذا شهد الجارح بقتل إنسان في وقت ، فقال المعدّل رأيته بعده حيّا ونحوه. (٢)

أقول : إن تمّ ما قيل في وجه تقديم الجرح فهو ، وإلّا فيتعارضان فيصير الرّاوي مجهول الحال والنتيجة في كلتا الصورتين واحدة ، إلّا على وجه سبق منّا في تقديم التوثيق.

وإعلم : أنّ اختلاف الشّهود في الجرح والتّعديل ، قد يشتمل على قرينة توجب تقدّم أحدهما على الآخر بحسب الدّلالة.

وقد لا يشتمل عليها كما في فرض إطلاقهما : فلان عدل ، فلان فاسق ، أو : فلان ثقة ، فلان ضعيف.

وقد يشتمل على التصريح بالتضاد ، كما إذا قال المعدّل : زيد كان عادلا في تمام شهر رمضان ، وقال الجارح أنّه كان يفطر متعمّدا ، أو كان يكذب في شهر رمضان.

أمّا الفرض الأوّل ، فهو تابع لدلالة القرينة في تقدّم أحدهما على الآخر. كما إذا قال : كان زيد عادلا في شهر رمضان ، ولم أر منه صدور كبيرة بعده. وقال الجارح : رأيت منه كبيرة أو كبائر في شوال مثلا ، فنبني على صدق كلتا البينتين ، ونحكم بفسق زيد.

وإن قال الجارح : كان زيد فاسقا في شهر كذا ، ولم أر منه التّوبة والاصلاح بعده. وقال المعدّل : رأيت منه الصلاح وعلمت منه ملكة العدلة ، فنحكم بعدالة زيد ، ولا تعارض بين الشّهادتين.

وفي الفرضين الأخيرين يسقط المدح والذّم للتعارض ، فلا يحكم بأحدهما ، فيرجع إلى استصحاب الحالة السّابقة ـ إن كانت ـ وإلّا فيصبح الفرد مجهولا لا يترتّب عليه أحكام الفسق ولا أحكام العدالة ، وهذا هو معنى : التوقّف عن الحكم.

وفي الجواهر : أو يقال : إنّ المراد التوقف عن الحكم أصلا ، حتّى بيمين المنكر الّذي لم يعلم حجيّته في هذا الحال باعتبار وجود بيّنة المدعي ، وإن كان لا عمل عليها باعتبار معارضتها ببيّنة الجرح ، وحينئذ فيكون ميزان الحكم مجهولا لانسياق الأدلّة في غير الفرض فيرجع إلى الصلح أو غيره ، فتأمّل.

__________________

(١) أقول : قد يكون عكس ذلك ويكون المخبر عن باطن خفي هو المعدّل.

(٢) الدراية : ٧٣.

١٨٦

البحث الواحد والثلاثون

في شروط الراوي

ذكروا لحجيّة خبر الواحد شروطا في رواية :

١. البلوغ : وفي الفصول : بلا خلاف بين أصحابنا ، كما حكاه جماعة ووافقنا عليه أكثر مخالفينا ، ونحوه في المعالم ، واحتجوا بأنّ الصّبي لا يتمكّن من الضبط ، فلا وثوق بخبره. وبأنّ عدم قبول خبر الفاسق يقتضي عدم قبول خبر الصبي بطريق أولى ؛ لأنّه باعتبار علمه بانتفاء التكليف عنه لا حاجز له عن الكذب.

٢. العقل : ووجه اعتباره واضح ، نعم ، لو كان الرّاوي إدواريّا يقبل خبره حال إفاقته ، وفي حكم المجنون ، غير المميّز في عدم قبول خبره.

٣. الإسلام : والإجماع على اعتباره محكي في كلام الخاصّة والعامّة ، فلا يقبل رواية الكافر وإن انتحل الإسلام.

واحتجوا على اعتباره بالإجماع وبآية النبأ فإنّ الكافر فاسق في العرف المتقدّم وإن اختصّ في العرف المتأخّر بالمسلم الفاسق بجوارحه ، قال الله تعالى : (... وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.)

وعلى فرض العدم تدلّ الآية بمفهوم الموافقة على عدم قبول نبأ الكافر.

٤. الإيمان : ذكره جماعة ونسبه في الدّراية والمعالم إلى المشهور فلا يقبل رواية غير الاثنى عشري.

١٨٧

وفي الدراية (١) : قطعوا به في كتب الأصول الفقهيّة وغيرها هذا مع عملهم بأخبار ضعيفة بسبب فساد عقيدة الرّاوي في كثير من أبواب الفقه معتذرين بإنجبار الضعف بالشّهرة ولكن في الفصول : لم يثبت ـ أي : نسبة هذا الشّرط إلى المشهور غير ثابتة ـ وعن جماعة عدم اعتباره واستدل المثبتون بآية النبأ ؛ إذ لا فسق أعظم من عدم الإيمان ، والنافون بإجماع الطائفة على العمل بروايات جماعة غير مؤمنين كما ذكره الشّيخ في العدّة.

لكن أجاب عنه المحقّق رحمه‌الله كما في معالم الدين (٢) : بأنّا لم نعلم إلى الآن إنّ الطائفة عملت بأخبار هؤلاء.

٥. العدالة : ذكرها جماعة ونسب إلى المشهور.

ويقول الشّهيد الثّاني في درايته (٣) : وجمهورهم على اشتراط عدالته.

ويقول صاحب الفصول أيضا : والشّهرة غير ثابتة.

وفي المعالم : وظاهر جماعة من متأخّريهم الميل إلى العمل بخبر مجهول الحال.

٦. الضبط : وهو أن يكون حفظه غالبا على سهوه ونسيانه ، ولا خلاف ظاهرا في اعتباره فإنّ من لا ضبط له لا وثوق بخبره ؛ لاحتمال الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف في روايته ، احتمالا مساويا لعدمها أو قريبا منه.

ومعه لا مجال لاصالة عدمها عند العقلاء ، وربّما يقال بعدم اعتباره في شيخ الإجازة ، وهو غير بعيد في الجملة.

أقول : الشّرط الثّاني مسلّم ، وكذا السادس ، نعم ، الضبط يحرز بالأصل الثابت ببناء العقلاء بلا حاجة إلى دليل آخر ، وإن شئت فقل : إنّ كثرة السهو والنسيان وأو تساويهما مع الذكر مانعة فما لم تثبت يعتبر الخبر ببناء العقلاء. (٤)

وأمّا الشّرط الأوّل فغير معتبر ؛ إذ غير البالغ إذا تميّز وكان فطنا قد يكون ضابطا صادقا ، وعلمه بعدم حرمة الكذب عليه لا يوجب كذبه ، كما هو المحسوس خارجا ، بل قد يكون المراهق أورع من البالغ فاعتباره غالبي لا دائمي.

__________________

(١) الدراية : ٦٧.

(٢) معالم الدين : ٢٠٠.

(٣) الدراية الشهيد الثاني : ٦٥.

(٤) لاحظ : تفصيل البحث حول هذه الشّروط في ، مقباس الهداية : ٥٤ ـ ٦٠ ، الطبعة الاولى ، للعلّامة المامقاني رحمه‌الله.

١٨٨

وأمّا الشّرط الرابع والخامس ، فالصحيح حذفهما وتبديلهما باشتراط الوثاقة أي : الصدق في الكلام لبناء العقلاء على حجيّة خبر الثّقة دون الكاذب والمجهول حاله.

وأمّا التّمسك بآية النبأ لاثباتهما ، فيردّ عليه أنّه ليس مدلول الآية ردّ خبر الفاسق مطلقا ، بل هو وجوب التبين ، أي : عدم جواز قبوله قبل التبين.

وعليه فإحراز الوثاقة نوع تبيّن فلا يحتاج معه إلى تبيّن آخر ، فإنّه من تحصيل الحاصل.

وبالجملة :

الاطمئنان والوثوق تبيّن وعلم عرفا ، ومعه لا حاجة إلى أمر زائد عليه.

ولا فرق في ذلك بين الوثوق بالخبر والوثوق بالمخبر ، فإذا كان الرّاوي مجهولا أو ضعيفا ، لكن قامت القرينة المفيدة للاطمئنان على صدق روايته ، وأنّه لم يكذب في خصوص هذا المورد ؛ إذ ليس الفسق يستلزم الكذب دائما ، ضرورة أنّ الكاذب قد يصدق : فيجب الأخذ بالرواية المذكورة ، فإنّها موثوق بها والوثوق حجّة عقلائية ، بل هو أقوى من خبر الثقة.

نعم ، يبقى البحث في تعيين القرينة المذكورة ولا ضابط لها ، فرب قرينة توجب الوثوق لفقيه ولا توجبه لآخر ، وإذا كانت الرّواية غير موثوق بها ، لكن كان راويها ثقة يجب الأخذ بها أيضا ، وإن فرضنا فسقه في غير أقواله لبناء العقلاء عليه لحصول الوثوق النوعي بأخباره.

وبعبارة أخرى :

إنّما أوجبت الآية الكريمة التبيّن في خبر الفاسق لاحتمال عدم إصابة الواقع ، كما يشهد به التعليل في ذيلها : (... أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ،) فإنّ الفاسق لا رادع له عن الكذب ، فإذا فرض الفاسق صدوقا في كلامه ، فقد ارتفع الاحتمال المذكور احتمالا عقلائيا وكان كالعادل ، فلا معنى لوجوب التبيّن فالبناء عليه ليس من الجهالة ، كيف والعقلاء بانون عليه في جميع الأمصار والأعصار؟

ومنه يظهر عدم دلالة الآية على إيمان الرّاوي وعدالته فافهم.

والمتحصّل :

أنّ الرّاوي إذا كان عاقلا صادقا يقبل قوله ، إذا كان ذكره أكثر من سهوه ولو بالأصل.

وأمّا اشتراط الإسلام ، فهو وإن يجري فيه ما قلنا في اعتبار العدالة والإيمان ، إلّا أنّ

١٨٩

ارتكاز المتشرّعة يوجب القول باعتباره ، خلافا لما يظهر من سيّدنا الأستاذ الخوئي في بعض الموارد من معجمه (١) ، وربّما يلوّح من كلام الحرّ العاملي أيضا ، كما مرّ.

ولاحظ : ما يأتي من كلام الشّيخ في عدّته على خلاف نظرهما.

ولكن ليس له ثمرة مهمّة ؛ إذ لا أذكر عاجلا في الرّواة المحكومين بالكفر ـ كالغلاة والنصاب ـ ولا في غير المنتحلين بالإسلام ، كالمشركين وأهل الكتاب من ثبت وثاقته وروي الحديث.

ولا أقول : إنّه لا يوجد في الكفّار ثقات ، فإنّ هذا الإنكار تعصّب وكذب ، بل أقول لم أجد عاجلا كافرا روي الحديث ، وقد وثقّه أهل الرجال.

وعلى كلّ ، الرّاوي الّذي يقبل روايته هو المميّز المسلم العاقل الصّادق الضابط.

وأمّا الإيمان والعدالة والبلوغ ، فهي من فضائل الرّاوي.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ٥ / ٢٤ ، غيرها.

١٩٠

البحث الثّاني والثلاثون

في تقسيم الإخبار

ذهب جمع من علمائنا إلى عدم حجيّة خبر الواحد ، واقتصروا في العمل على المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعيّة ، وهذا القول في أمثال زماننا يستلزم إبطال معظم الفقه والخروج عن زيّ المتديّنين ، بل ربّما عن دائرة المسلمين ، أو جعل قائله قطاعا يدّعي القطع حتّى في المشكوكات والموهومات ، وهذا ممّا لا ينكره المطلع على طريقة الاجتهاد وشريعة الاستنباط.

وذهب الجمهور إلى اعتبار خبر الواحد في الجملة وهو الحقّ لبناء العقلاء وتواتر الإخبار تواترا معنويا أو اجماليّا. (١)

ولا أقلّ من إيراثها اطمئنان الباحث بحجيّة خبر الواحد في الجملة ، وهذا هو المعتمد.

ثمّ إنّ القدماء ـ على ما يأتي ـ يطلقون الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه.

لكن تلك الأمارات المعتمد عليها مع متانة بعضها أصبحت في الأعصار المتأخّرة مفقودة أو غير كافية (٢) ؛ ولذا قسم المتأخّرون بدورهم الإخبار إلى أقسام : أربعة أو خمسة.

ويقال : إنّ الأوّل فيه : العلّامة الحلّي ، أو شيخه ابن طاووس.

__________________

(١) لاحظ : الرّوايات في قضاء الوسائل للمحدّث العاملي قدس‌سره ومقدّمة جامع الأحاديث للسيّد البروجردي قدس‌سره.

ولاحظ : مناقشة الشّهيد السيّد باقر الصدر قدس‌سره ، في تواتر هذه الأحاديث في كتبه.

(٢) يأتي تفصيل الموضوع في البحث الآتي.

١٩١

القسم الأوّل : الخبر الصحيح ، وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بنقل الإمامي العادل الضابط.

القسم الثّاني : الخبر الحسن ، وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم ، بنقل إمامي ممدوح مدحا مقبولا معتدّا به من غير نصّ على عدالته. (١)

وفي رجال السّيد بحر العلوم رحمه‌الله : والتحقيق إنّ الحسن يشارك الصحيح في أصل العدالة ، وإنّما يخالفه في الكاشف عنها ، فإنّه في الصحيح هو التّوثيق أو ما يستلزمه ، بخلاف الحسن فإنّ الكاشف فيه هو حسن الظاهر المكتفي به في ثبوت العدالة على أصحّ الأقوال.

أقول : الوجوه الّتي استفيد منها في كلمات الرجاليين حسن الرّواة لا تكشف عن العدالة جزما ، ولم ينقلوا لنا حسن الظاهر الدال على العدالة ، كما يعلمه المتتبّع ونفس التقسيم أيضا تدلّ على مغايرة الصحيح والحسن ، لا في إثبات المعنى فقط ، بل في نفس المعني.

فقول : هذا السّيد الجليل ، غير مدلّل.

القسم الثالث : الخبر الموثق ، وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بمن نصّ الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته ، بأنّ كان من أحدى الفرق المخالفة للإماميّة ، وإن كانت من الشّيعة. وبالجملة : كان رواة الخبر أو بعضه من غير الطائفة الاثنى عشريّة ، وكانوا عدولا في مذهبهم.

القسم الرابع : الخبر القوي ، وربّما يعبر عنه بالمعتبر ، وله أقسام :

فمنها : ما كان جميع سلسلة سنده إماميّين لم ينصّ في حقّ أحدهم بمدح ولا قدح ، ولكن استفيد المدح من الظّنون الاجتهاديّة.

أقول : قد مرّ عدم حجية الظنون من دون دليل ، ومعه يرجع الخبر إلى أحد الأقسام المتقدمّة والآتية.

ومنها : ما اتّصف بعض رجال سنده بوصف رجال الموثّق ، والبعض الآخر بوصف رجال الحسن. فقد قيل : إنّه مسمّى بالقوي اصطلاحا.

وقيل : إنّه موثق.

وقيل : إنّه حسن.

__________________

(١) ولا بدّ أن يكون المدح مثبتا لصدقه في المقال ، بل لا يحتاج إلى أزيد من ذلك ، كما أنّه لا يكفى المدح غير المثبت للصدق في الحكم بالحسن ، خلافا لما يظهر من إطلاق بعض الكلمات.

وبالجملة : إن أريد من المدح مطلقه فالحقّ مع الّذين أنكروا حجيّة الحسن ، لعدم الدليل عليه ، ومنه يظهر الحال في القسم الأخير من القويّ.

١٩٢

والأظهر أنّ الموثق أحسن من الحسن مع إثبات العدالة في الأول ، لكنّه فرض نادر ، كما ظهر ممّا سبق وما يأتي عن قريب.

ومنها : ما كان جميع رجال سنده من غير الإمامي مع مدح الجميع بما لم يبلغ حد الوثاقة والعدالة ، ومنها غير ذلك. (١)

القسم الخامس : الضعيف ، وهو ما لم يجتمع فيه شروط أحد الأقسام السّابقة ، وللعلماء في اعتبار جميع الأقسام المزبورة ـ حتّى الضعيف في بعض الصور ـ أو اعتبار بعضها أقوال :

منها : قصر الحجيّة على الخبر الصحيح إلّا على ، أي : ما كان رواة سنده إماميين عدولا تثبت عدالة كلّ واحد منهم بعلم ، أو بتزكية عدليين.

ومنها : القول بعدم حجيّة الموثق وهو قول كلّ من يشترط الإيمان في الراوي.

ومنها : حجيّة الأقسام الثّلاثة ، وبعض أقسام القوي ، ومنها غير ذلك. (٢)

يقول مؤلّف هذا المختصر ـ غفر الله ذنوبه ووفّقه لتحصيل الحقائق ـ : إنّ هذا التقسيم باطل لا أثر له على الأصحّ ، رغم اشتهاره وتلقيه بالقبول وعدم النقاش فيه.

أمّا أوّلا : فلعدم السبيل إلى إحراز عدالة معظم الرّواة ، بعد عدم دلالة لفظ الثّقة عليها ، كما أسفلنا في البحث التّاسع والعشرين ، فيسقط القسم الأوّل والقسم الثالث إلّا نادرا.

وثانيا : إنّ أثر هذا التقسيم إنّما يظهر في فرض تعارض الإخبار بناء على القول بلزوم الترجيح بالأعدليّة والأوثقيّة والأورعيّة ، فيقدم الصحيح الأعلى على غيره ، ومطلق الصحيح على الحسن ، وهو على الموثّق ، أو على ترجيح رواية الإمامي على غيره ، كما يظهر من كلام الشّيخ رحمه‌الله في العدّة. (٣)

__________________

(١) لاحظ : مقباس الهداية : ٣٥.

(٢) قال الشّهيد الثّاني : واختلفوا بالعمل في الحسن فمنهم من عمل به مطلقا كالصحيح ، وهو الشّيخ رحمه‌الله على ما يظهر من عمله ، وكل من اكتفى في العدالة بظاهر الإسلام ولم يشترط ظهورها ، ومنهم من ردّه مطلقا ، وهم الأكثرون ، حيث اشترط في قبول الرّواية الإيمان والعدالة. أمّا الضعيف فذهب الأكثر إلى المنع عن العمل به مطلقا ، وأجازه آخرون مع اعتضاده بالشّهرة رواية أو فتوى. انظر : الدراية : ٢٩.

أقول : يظهر منه أنّ الشّهرة غير جابرة عند الأكثر ، وهذا هو المختار.

ثمّ أنّه قد مرّ اعتبار تعدّد المزكي المعدل عند صاحب العالم وغيره في أوائل هذا الكتاب ، كما أنّ للشيخ الأنصاري قدس‌سره نظر آخر حول حجيّة خبر الواحد ذكره في رسائله ، ولا أظن بالتزامه به في الفقه فضلا عن التزام غيره به ، ولاحظه في آخر كتابنا : روح از نظر دين وعقل وعلم روحى جديد.

(٣) يأتي نقله ونقده في بعض المباحث الآتية.

١٩٣

ولكنّنا لا نقول بلزوم الترجيح المذكور مطلقا ، لعدم الدليل عليه. (١)

وعلى هذا لا أثر للتقسيم الخماسي المذكور ، فالصحيح رفع اليد عنه ، وجعل التقسيم ثنائيا بأن يقال : الرّواية إن أورثت الأمارات الخارجيّة الاطمئنان بصحتها وصدور مضمونها ، أو كان رواتها صادقين في أقوالهم وثقات في أخبارهم وإن كانوا من غير جهة الصدق القولي من الفساق في العقيدة ، أو العمل أو في كليهما ، فهي معتبرة وإلّا فهي ضعيفة غير معتبرة فمجرّد صدق الرّاوي أو الاطمئنان بصدور الرّواية وصحّتها كاف في حجّيتها لبناء العقلاء على ذلك.

ثمّ إنّا لا نطيل الكلام في أنّ الشّهرة ، هل تكفي لصحّة الرّواية أم لا؟ (٢)

فإنّ العبرة بحصول الاطمئنان الّذي هو علم عرفيّ وحجّة عقلائيّة لم يردع الشّارع عنه ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال كما هو المشهود ، والله الهادي.

__________________

(١) لضعف رواية عمر بن حنظلة سندا ، لاحظ : الوسائل : ١٨ / ٧٥.

(٢) لاحظ : تفصيل هذا الموضوع في البحث السّادس والثلاثين.

١٩٤

البحث الثالث والثلاثون

معنى : الصّحة في مصطلح القدماء

اشتهر أنّ اعتبار الرّوايات على أساس التقسيم الرباعي المبتني على ملاحظة السند ، اصطلاح جديد حادث من زمن العلّامة وشيخه ابن طاووس رحمه‌الله ، وكان القدماء يعوّلون على القرائن المفيدة للعلم أو الاطمئنان ، فالصحّة عندهم احتفاف الخبر بالقرينة ، وقيل : الصحيح عندهم ما علم صدوره من المعصوم. (١)

ونحن في هذا البحث نتعرض لبيان هذه القرائن.

قال شيخنا البهائي رحمه‌الله في محكي مشرق الشّمسين (٢) ، بعد ذكر تقسيم الحديث إلى الأقسام الأربعة : الصحيح ، الحسن ، الموثق ، والضعيف : وهذا الإصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا ... بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على ما اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه ، واقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه ، وذلك بأمور :

منها : وجوده في كثير من الاصول الأربعمائة الّتي نقلوها عن مشائخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة ، وكانت متداولة في تلك الأعصار مشتهرة بينهم اشتهار الشّمس في رابعة النهار. (٣)

__________________

(١) وقد يقال : إنّ الصحة عندهم هي الصحة بعينها عند المتأخّرين ، وسيأتي تفصيله عن قريب.

(٢) وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٦٥ ، (الطبعة المتوسطة).

(٣) حصول القطع أو الوثوق منه مختلف باختلاف الأشخاص فرب شخص يقطع لأجل وجود الحديث في ثلاثه أصول ورب شخص لا يقطع به إلّا إذا وجده في عشرة أصول مثلا ، فليس لهذه القرينة ضابط ، ولا مجال للردّ والالزام ، لكن هذه القرينة مفقودة في أعصارنا.

١٩٥

ومنها : تكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة. (١)

ومنها : وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل بن يسار ، أو على تصحيح ما يصحّ عنهم كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن والبزنطي (٢) أو على العمل برواياتهم كعمّار الساباطي ، وغيرهم ممّن عدّهم شيخ الطائفة في العدّة. (٣)

ومنها : إندراجه في أحد الكتب الّتي عرضت على الأئمّة عليهم‌السلام فأثنوا على مصنفيها ، ككتاب عبيد الله بن علي الحلبي ، الّذي عرضه على الصّادق عليه‌السلام (٤) ، وكتابي يونس بن عبد الرحمن ، (٥) والفضل بن شاذان (٦) ، المعروضين على العسكري عليه‌السلام.

وقال الشّهيد الثّاني في محكي شرح دراية الحديث :

قد كان استقرار أمر المتقدمين على أربعمائة مصنّف سمّوها أصولا ، فكان عليها اعتمادهم. (٧)

ثمّ تداعت الحال إلى ذهاب معظم تلك الاصول ، ولخصها جماعة في كتب خاصّة .... (٨)

ومنها : كونه مأخوذا من الكتب الّتي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفوها من الفرقة الناجية المحقّة ، ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله ، وكتب ابني سعيد وعلي بن مهزيار ، أو من غير الإماميّة ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، وكتب الحسين بن عبد الله السعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.

__________________

(١) إذا كان صاحب الأصل ثقة ، يكون حال التكرر ما تقدّم في القرينة الأولى. وإذا كان بعض أسانيده معتبرا فهو خارج عن محل النزاع.

(٢) مرّ البحث حول هذا الموضوع في البحث الحادي عشر.

(٣) ليس معنى العمل بروايات أحد الغضّ عن ضعف من قبله.

(٤) واستحسنه وقال ليس لهؤلآء ـ يعني المخالفين ـ مثله نسبه الشّيخ إلى قيل ، وفي النجاشي : وعرضه على أبي عبد الله عليه‌السلام وصحّحه ... ولكنّه مرسل.

(٥) وفي النجّاشي بسند صحيح عن الجعفري : عرضت على أبي محمّد صاحب العسكري عليه‌السلام كتاب يوم وليلة ليونس ، فقال : «تصنيف من هذا؟» فقلت : تصنيف يونس آل يقطين ، فقال : «أعطاه الله بكلّ حرف نورا يوم القيامة».

(٦) نقل الكشّي روايتين ضعيفتين دلالة وسندا في حقّ كتاب يوم وليلته.

(٧) كاعتمادنا على الكتب الأربعة ، وأمثالها غير المنافي لضعف بعض رواياتها ، وإلّا فهو مطالب بدليله ، والظاهر أنّه نفسه أيضا يذهب إلى ما قلنا ، كما يفهم من سيرته في الفقه.

(٨) وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٦٧.

١٩٦

ثمّ إنّ المحدّث الحرّ العاملي بعد تعريفه القرينة بما ينفك عن الخبر وله دخل في ثبوته وتقسيمها إلى ما يدلّ على ثبوت الخبر عنهم عليهم‌السلام وعلى صحّة مضمونه ، وإن احتمل كونه موضوعا ، وعلى ترجيحه على معارضه ، تعرّض لبيان القرائن ، وإليك خلاصتها (١) :

١. كون الرّاوي ثقة يؤمن منه الكذب عادة وكثيرا ما يحصل العلم بذلك ، حتّى لا يبقى شك وإن كان الثّقة فاسد المذهب ... وهذا أمر وجداني يساعده الأحاديث المتواترة في الأمر بالعمل بخبر الثّقة والنهي عن العمل بالظّن. (٢)

٢. ذكر الحديث في كتب من كتب الاصول المجمع عليها ، أو في كتاب أحد من الثقات لاطلاق ما دلّ على حجية قول الثقات ، حتّى وإن نقلوا عن ضعيف أو مرسلا ، ومن المعلوم قطعا إنّ الكتب الّتي أمروا عليهم‌السلام بالعمل بها كان كثيرا من رواتها ضعفاء ومجاهيل ، وكثيرا منها مراسيل. (٣)

وكون الحديث مأخوذا من الكتب المشار إليها يعلم بالتصريح وبقرائن ظاهرة في التهذيب والاستبصار والفقيه وغيرها.

٣. كون الحديث موجودا في الكتب الأربعة ونحوها من الكتب المتواترة المشهود لها بالصحة. (٤)

٤. كونه منقولا من كتاب أحد من أصحاب الإجماع. (٥)

٥. كون بعض رواته من أصحاب الإجماع. (٦)

٦. كون الحديث من روايات بعض الجماعة الّذين وثقهم الأئمّة ، وأمروا بالرّجوع إليهم والعمل برواياتهم. (٧)

__________________

(١) المصدر : ٢٠ / ٩٣ وما بعدها.

(٢) الكثرة ممنوعة ، والجمع بين الطائفتين يقتضي تخصيص الثانية بالاولى ، فهو اشتبه بين التخصيص والتخصّص ، على أنّ العمل إنّما هو بالأدلة القاطعة لحجيّة الأمارات الظّنية لا بالظّن نفسه ، ثمّ أقول : هنيئا للمحدّث رحمه‌الله وأمثاله ممّن يتيسر لهم العلم بخبر الواحد الثّقة ، وأنّي لنا ولأمثالنا ذلك.

(٣) لا إجماع على حجيّة تمام روايات أصل من الاصول ، وأمّا الإطلاق الّذي ادّعاه فهو واضح الفساد ، ودعواه القطع ممنوعة ، ولو فرض إثبات أمره عليه‌السلام بالعمل بكتاب ، أصبح رواياته صحيحة ؛ لأجل هذا الأمر ، لا لأجل أسانيدها الأوّلى ، ففيه مغالطة واضحة.

(٤) يأتي ضعفه مفصلا في محله.

(٥) مرّ ما فيه.

(٦) ضعّفناه سابقا ، فلاحظ البحث الحادي عشر.

(٧) ليس فيه زيادة على حجيّة قول الثّقة ولا يمكن أن يكون أزيد منها ، ولا يدل على اعتبار نقل الضعفاء والوضاعين والمجهولين بعد الثّقة المذكور ، وقبله.

١٩٧

٧. كونه موافقا للقرآن ، والمراد : الآيات الواضحة الدلالة ، أو المعلوم تفسيرها عنهم عليهم‌السلام.

٨. كونه موافقا للسنّة المعلومة.

٩. كونه موافقا للضروريّات. (١)

١٠. عدم وجود معارض وقد ذكر الشّيخ انّه يكون مجمعا عليه ، لأنّه لولا ذلك لنقلوا له معارضا. (٢)

١١. عدم احتماله للتقية. (٣)

١٢. تعلّقه بالاستحباب مع ثبوت المشروعيّة بأخبار من بلغ. (٤)

١٣. موافقته للاحتياط للأمر به في الأحاديث الكثيرة. (٥)

١٤. موافقته لدليل عقلي قطعي.

١٥. موافقته لاجماع المسلمين أو خصوص الإماميّة أو للمشهور منهم (٦) أو لفتوى جماعة منهم. (٧)

يقول المحدّث النوري رحمه‌الله في جواب من قال بأنّ حكم الكليني بصحّة أحاديثه لا يستلزم صحّتها باصطلاح المتأخّرين :

بأن هذا وارد على من أراد أن يحكم بصحّة أحاديثه بالمعنى الجديد بمجرّد شهادته بها ، وأمّا من كان الحجّة عنده من الخبر ما وثقّوا به أمثال ما ذكره الشّيخ البهائي وغيره من علماء الرجال من القرائن الموروثة للوثوق والاطمينان بصدور الخبر لا بمضمونه ، فشهادته نافعة. (٨)

أقول :

مرّ أنّ المعتبر من الخبر ما وثق بصدوره ، أو رواه الثّقة ، وهذا ممّا لا شك فيه عندنا ، لكن الكلام في حصول الاطمئنان من هذه القرائن ، وهو غير حاصل لنا ، فما ذكره هذا المحدّث لا

__________________

(١) الوجوه الثّلاثة لا توجب حجيّة الخبر وصدوره بل هي تصحّح مضمون الخبر.

(٢) واضح الضعف وكلام الشّيخ في الاستبصار غير دال عليه كما تخيّله هو.

(٣) وهو كما ترى ؛ فانّه إهمال لاحتمال الوضع والكذب!

(٤) أخبار من بلغ تثبت استحقاق الثواب على العمل رجاء ، ولا تثبت صدور الخبر الضعيف.

(٥) هذه قرينة لصحة مضمون الخبر ، لا لصدوره ، ومثله الأخيران.

(٦) بناءا على أن الشّهرة الفتوائية جابرة ، لكن القول بها ضعيف عندنا.

(٧) ضعفه ظاهر.

(٨) خاتمة مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٦.

١٩٨

يرجع إلى محصل.

نقل ونقد

أنكر المحدّث النوري أعميّة اصطلاح القدماء في الصحيح من اصطلاح المتأخّرين ، وطالب البهائي وصاحب المنتقي رحمه‌الله ـ بعد نقل كلامهما ـ بمأخذ هذه النسبة ، فإنّه وجد القدماء يطلقون الصحيح غالبا على رواية الثّقة ، ولم يجد في كلامهم ما دلّ على الأعميّة المذكورة.

ثمّ استظهر أنّ البهائي ومن تبعه اشتبه عليهم المعمول به بالصحيح ، ولا ملازمة بينهما كما عند المتأخّرين ، كالضعيف المنجبر والحسن عند من يرى حجيّته ، ثمّ نقل كلام الشّيخ الطّوسي في أنّ العقل والكتاب والسنّة والإجماع مصحّحة متضمّن الخبر لا نفسه ، واستشهد به على أنّ صحّة الخبر لا تكون بغير وثاقة الرّواة. (١)

ثمّ ذكر كلام جماعة أرادوا اعتبار ما في كتبهم بدعوي أنّ ما فيها منقول من الثقات ، وكذا كلام جماعة يفهم منه دوران الصّحة مدار الوثاقة والموثقية.

أقول :

يمكن أن يستدل على أعميّة اصطلاح المذكور بما يأتي عن مقدّمة : الكافي والفقيه من إطلاق الصحّة على رواياتهما لبعد اعتقاد الكليني والصّدوق رحمه‌الله وثاقة جميع رواة أخبار كتابيهما ، فيكون التّصحيح مستندا إلى قرائن إحداها صداقة الرّواة أو عدالتهم ظاهرا.

ومرّ قول السّيد المرتضي : أكثر أحاديثنا ... مقطوع على صحّتها إمّا بالتواتر ... وإمّا بعلّامة وأمارة دلّت على صحتّها وصدق رواتها ... كيف ولو كان عملهم مقصورا على الصحاح بمعنى الاصطلاح الجديد ؛ لاهتمّوا بوثاقة الرّواة؟

وهذا شيخ الطائفة وترجمان القدماء ـ بإقرار المحدّث النوري ـ لم يهتّم بالتعديل والتوثيق حقّ الاهتمام ، ومن دقّق النظر في رجاله وفهرسته يعلم أنّ حجيّة الإخبار لم تكن عند القدماء مقصورة على الصحيح المصطلح عند المتأخّرين ، وإلّا لأكثر الشّيخ من التوثيق.

وهنا شيء آخر ، وهو أن الشّيخ ربّما ضعّف راويا في محلّ ، ثمّ يقبل روايته في محلّ

__________________

(١) لكنّه لم يأت بالشّاهد على ذلك في المقوية لصدور الخبر ، وكلام الشّيخ في القرائن المقويّة لمضمون الخبر.

١٩٩

آخر ، بل يخصّص بها روايات كثيرة كما قيل ، نعم ، هذا وقبله لا يدلّ على استعمال الصحيح في المعمول به.

ثمّ إنّ ثمرة إنكار النوري تظهر في قولهم أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جماعات ، وفي قولهم فلان صحيح الحديث ونحوهما ، فإنّه يحمل على وثاقة رواتها لا على مجرّد اعتبار رواياتهم.

وقد تقدّم ضعفه.

وينبغي التنبيه على أمر :

وهو أنّه قد نسب إلى القدماء أو جمع منهم تفسير العدالة بالإسلام وعدم ظهور الفسق ، فإذا احتملنا أن تصحيحهم الإخبار مستند إلى هذا المبني ، الّذي لا نقول به ، كيف نعتمد على حكمهم بالصّحة ، وليس في كلام المحدّث ما يدلّ على أنّ القدماء لا يطلقون الصحيح على غير خبر الثقة ، لكن الظاهر من كلام الشّيخ الأنصاري في رسالة العدالة إنّ القائل بهذا الّذي نسب إلى القدماء ، إمّا غير ثابت ، وأمّا نادر جدّا.

٢٠٠