بحوث في علم الرجال

الشيخ محمد آصف المحسني

بحوث في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مركز المصطفى العالمي للترجمة والنشر
المطبعة: زلال كوثر
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-195-211-4
الصفحات: ٤٥٦

علي بن أحمد بن موسى

لم يذكر اسمه بدون التّرحّم أو التّرضى مرّة واحدة ، وجاء مع لقب الدّقاق ٦٦ مرّة مع الرحم أو الترضية.

ثمّ إنّي لم أجد اسم هذا التلميذ الفاضل في أوراقه حتّى أذكره أداء لحقّه.

وإليك قائمة أخرى من أحد تلامذتي في بلدة قم ، وهو فضيلة السّيد محمّد عارف الأميني الافغاني حول ترحّم الصدوق أو ترضيه عن مشايخه بالعبارات الأربعة المتقدّمة رض ، ره ، رحمه‌الله ورضي‌الله‌عنه.

١. أبوه أكثر من ١٨٠٠ مرّة.

٢. ابن الوليد بمختلف ألفاظه أكثر من ٥٦٠ مرّة.

٣. علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق ٨٩ مرّة من مجموع ٩٧ موردا.

٤. محمّد بن على ماجيلويه ٢٢٥ مرّة من مجموع ٣٧٣ موردا.

٥. على أحمد ٣٥ مرّة.

٦. جعفر بن محمّد بن مسرور ٧٩ مرّة من مجموع ٩٤ موردا.

٧. أحمد بن إدريس ، وأحمد بن الحسين بن إدريس ٦٩ مرّة من مجموع ٣٧٩ موردا.

٨. الحسين بن أحمد بن إدريس ٧٧ مرّة من مجموع ٩٠ موردا ، وباسم الحسين بن أحمد ٩ مرّة.

٩. أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ١٢٢ مرّة من مجموع ١٥٤ موردا.

١٠. أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ١٢١ مرّة من مجموع ١٤٨ موردا.

١١. محمّد بن إبراهيم بن إسحاق ٣٣ مرّة من مجموع ٧٣ موردا.

١٢. حمزة بن محمّد بن العلوي ١٥ مرّة من مجموع ٢٣ موردا.

١٣. الحسين بن إبراهيم ثاثانه (ناثانه) ٢٢ مرّة من مجموع ٢٦ موردا.

١٤. المظفّر بن جعفر العلوي السمرقندي ٢١ موردا من مجموع ٦١ موردا.

١٥. محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني أو باسم : أبي العبّاس ٢٥ موردا ، أو أكثر من مجموع ١٠٠ موردا.

١٦. محمّد بن موسى المتوكّل ٩ مرّة من مجموع ١٤ موردا.

١٧. علي بن أحمد بن محمّد ٣٦ مرّة من مجموع ٢٨ موردا. والظّاهر إنّ الكاتب اشتبه فيه.

١٨. الحسن بن محمّد بن يحيى العلوي ١٢ مرّة من مجموع ١٣ موردا.

١٠١

١٩. أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ١١ مرّة من مجموع ٢٣ موردا.

٢٠. محمّد بن محمّد بن عصام الكليني ١٣ مرّة من مجموع ٢٠ موردا.

٢١. أحمد بن زياد الهمداني ٩ مرّة من مجموع ١٢ موردا.

٢٢. علي بن أحمد الدقاق ٧ مرّة من مجموع ٩ موردا.

٢٣. علي بن أحمد بن محمّد الدقاق ٧ مرّة من مجموع ١٢ موردا.

٢٤. أحمد بن الحسن القطان ٦ مرّة من مجموع ١٧٢ موردا.

٢٥. علي بن عبد الله الورّاق ٣٢ موردا من مجموع ٨٨ موردا.

٢٦. عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطار النيسابوري ١٨ مرّة تقريبا من مجموع ٥١ موردا.

٢٧. محمّد بن المظفّر بن نفيس المصري ترضى عنه ١٩ مرّة ، وترحّم عليه مرّة واحدة.

أقول : وقد ترحّم على جمع من هذه القائمة أو ترضى عن عدّة منهم في مشيخة الفقيه ، فلاحظها إن شئت.

١٠٢

البحث الثالث عشر

في ذكر من هم فوق التّوثيق والتحسين

اشتهر في الطائفة الإماميّة أشخاص بتقواهم وفضلهم وجهادهم وتصلّبهم في دينهم عند العوام ، فضلا عن الخواصّ ، والشّيعة يعظّمونهم بعد أئمتّهم عليهم‌السلام أكبر تعظيم ، وربّما جاوزت جلالتهم عن حدّ الشّهرة ، وصارت جزءا من معتقدات الطّائفة ، ويرفعون مقامهم عن مقام الموثقين والجارحين من علماء الرّجال وغيرهم بكثير.

ولا أظنّ بأحد من الباحثين أن يتوقّف في الحكم باعتبار حديث وقع أحد من هؤلآء الأجلّاء العظماء في سنده وإن فرض عدم توثيقه من الرجاليّين إذا صحّ سند الحديث من غير جهته.

وهؤلآء كسلمان الفارسي وأبي ذر ومقداد ، وحمزة سيّد الشّهداء وجعفر الطّيار ، وعمّار بن ياسر ومالك الأشتر ، وحبيب بن مظاهر الأسدي وأبي الفضل العبّاس ، وعلي أكبر ونظرائهم رضوان الله تعالى عليهم وحشرهم مع النّبيّ والوصي والأئمّة عليهم‌السلام.

وهؤلآء جماعة من الرّجال والنّساء لا يخفى أسمائهم على الباحث الخبير ، نعم ، يمكن أن يقع اختلاف في عدّ بعض الأفراد من هذه الطبقة ، وهو بحث صغرويّ لا يهمّنا هنا.

نعم ، ثمرة البحث قليلة أو غير متحققة في الأسانيد ، مع أنّ بعض هؤلاء ثبتت وثاقتهم بالدّليل كما يظهر من خلال مطالب هذا الكتاب.

١٠٣

البحث الرابع عشر

حول مشائخ الإجازة

قال السّيد الكاظمي قدس‌سره : ما كان العلماء وحملة الأخبار ، لا سيّما الأجلّاء ومن يتحاشي في الرّواية من غير الثقات فضلا عن الاستجازة ليطلبوا الإجازة في روايتهم ، إلّا من شيخ الطّائفة وفقيهها ومحدّثها وثقتها ، ومن يسكنون إليه ويعتمدون عليه.

وبالجملة : فلشيخ الإجازة مقام ليس للراوي.

ومن هنا قال المحقّق البحراني فيما حكي الأستاذان : مشائخ الإجازة في أعلى درجات الوثاقة والجلالة.

وعن صاحب المعراج : لا ينبغي أن يرتاب في عدالتهم.

وعن الشّهيد الثّاني : أنّ مشائخ الإجازة لا يحتاجون إلى التنصيص على تزكيتهم. (١)

ولذلك صحّح العلّامة وغيره كثيرا من الإخبار مع وقوع من لم يوثّقه أهل الرجال من مشائخ الإجازة في السند ، إلى أن قال : وبالجملة فالتعديل بهذه الطّريقة طريقة كثير من المتأخّرين ، كما قال صاحب المعراج.

وقال المحقّق الشّيخ محمّد في شرح الاستبصار : عادة المصنفين عدم توثيق الشّيوخ ، وكونه شيخا للإجازة يخرجه عن وجوب النظر في حاله لتصحيح السند ، فلا يضرّ ضعفه أو جهالته بصحّته إذا سلم غيره من رجاله.

وفي منتهي المقال : قال جماعة إنّ مشائخ الإجازة لا تضرّ مجهوليتهم ؛ لأنّ أحاديثهم

__________________

(١) ويردّه تعرض الرجاليّين لتوثيق أصحاب الإجماع ، وهم أعلى مرتبة من المشائخ ، فكيف لم يتعرضوا لتوثيقهم؟

١٠٤

مأخوذة من الاصول المعلومة وذكرهم لمجرّد اتّصال السّند أو للتيمّن.

ويظهر من بعضهم التّفصيل بينهم ، فمن كان منهم شيخ إجازة بالنّسبة إلى كتاب أو كتب لم يثبت انتسابها إلى مؤلّفها من غير أخباره ، فلا بدّ من وثاقته عند المجاز له ، فإنّ الإجازة كما قيل إخبار إجمالي بأمور مضبوطة مأمون عليها من التّحريف والغلط ، فيكون ضامنا لصحّة ما أجازه فلا يعتمد عليه إلّا بعد وثاقته ، وفيه نظر.

ومن كان منهم شيخ إجازة بالنّسبة إلى ما ثبت انتسابه إلى مؤلّفه بالتواتر والشّياع أو غيرهما ، فلا يحتاج إلى وثاقة. (١)

وعن الوحيد رحمه‌الله إذا كان المستجيز ممّن يطعن على الرجال في روايتهم عن المجاهيل والضعفاء وغير الموثّقين فدلالة استجازته على الوثاقة في غاية الظّهور سيّما إذا كان المجيز من المشاهير. وربّما يفرق بينهم وبين غير المشاهير بكون الأوّل من الثّقاة ، ولعلّه ليس بشيء. (٢)

يقول الفاضل المامقاني رحمه‌الله :

ليست شيخوخة الرّواية كشيخوخة الإجازة في إفادة الحسن أو الوثاقة ، كما نصّ عليه بعض أساطين الفن ، والفرق بينهما على ما أفاده صاحب التكملة في ترجمة أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد إنّ الأوّل (الثّاني ظ) من ليس له كتاب يروي ولا رواية تنقل ، بل يخبر كتب غيره ويذكر في السند لمحض اتّصال السند فلو كان ضعيفا لم يضر ضعفه ، والثّاني (الأوّل ظ) هو من تؤخذ الرّواية منه ويكون في الأغلب صاحب كتاب بحيث يكون هو أحد من تستند إليه الرّواية. وهذا تضرّ جهالته في الرّواية ويشترط في قبولها عدالته ، وطريق العلم بأحد الأمرين هو أنّه إن ذكر له كتاب كان من مشايخ الرّواية ، وإلّا كان من مشائخ الإجازة على إشكال في الثّاني. (٣)

أقول : رواية الثقات عن الضعاف ليست بعزيزة ، بل هي شائعة ، فرواية الثّقة عن غيره لا تكون قرينة على وثاقة ذاك الغير. ولا فرق في الرّواية بين أن تكون بسماع أحد من آخر أو بقراءته عليه ، أو بإجازته عن كتاب ، فافهم جيّدا.

وأمّا القول بأنّ جهالتهم غير مضرّة بصحّة الرّواية لمعلومية الكتب والاصول ، فهو فتوى بلا دليل إن أراد العموم والدوام ؛ وما ذكره الوحيد لا بأس به كبرى إن ثبت عمل المستجيز مطابقا لطعنه ، لكن الكلام في إثبات الصغرى. فالحقّ أن مشائخ الإجازة كغيرهم من الرّواة في الاحتياج

__________________

(١) نقلنا كلّ ذلك من : خاتمة مستدرك النوري رحمه‌الله : ٣ / ٥٤٢ ؛ منتهي المقال : ١ / ٨٥.

(٢) مقباس الهداية : ٧٤.

(٣) المصدر : ٧٤.

١٠٥

إلى التّوثيق في اعتبار رواياتهم الّتي أجازوها ، إذا لم تكن معلومة من غير جهة الإجازة.

وأيده السيّد الأستاذ الخوئي ذلك بأنّ الحسن بن محمّد بن يحيى ، والحسين بن حمدان الحضيني ، من مشائخ الإجازة وقد ضعفّهما النجّاشي. (١)

يقول المحدّث النوري (٢) : نحن وإن لم نقل بأنّ شيخية الإجازة من أمارات الوثاقة ... إلّا أنّه يمكن الحكم بوثاقة هؤلآء المشائخ الّذين اعتمد عليهم الشّيخ والنجّاشي في طرقهم إلى أرباب الكتب لامور :

ألف) تصريح الشّهيد الثّاني في شرح الدراية بوثاقتهم ، حيث قال : تعرف العدالة المعتبرة في الراوي ... أو بالاستفاضة بأنّ تشتهر عدالته بين أهل النقل أو غيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السّالفين من عهد الشّيخ محمّد بن يعقوب الكليني ، وما بعده إلى زماننا هذا لا يحتاج أحد من هؤلآء المشائخ المشهورين إلى تنصيص تزكيّة ولا بيّنة على عدالته ممّا اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة.

ب) إنّ الشّيخ كثيرا ما يقدح في الكتابين في رجال السند الّذين وقعوا بعد صاحب الكتاب ، ولم يقدح أبدا في رجال طريقه إليه.

ج) شدة تورّع المشايخ عن الرّواية عن المتّهمين فضلا عن الضعفاء والمجروحين كما شرحناه في ترجمة النجّاشي.

أقول : أمّا الأوّل ، فجوابه أنّه إذا أحرزنا اشتهار عدالة أحد على نحو ذكره الشّهيد قدس‌سره نبني على اعتبار روايته ، وإلّا فلا ، وعلى كلّ هو لا يثبت مدعي المحدّث النوري ؛ إذ في طريق الشّيخ إلى أرباب الكتب من هو أسبق على الكليني ، وكلام الشّهيد لا يشمله.

وأمّا الثّاني ، فهو وجه ظنّي ليس بدليل معتبر ، وفيه احتمالات منها اطمئنان الشّيخ بصحّة الطّريق لأجل تعدّده لا لأجل وثاقة الواسطة مع أنّ الواقعين في طرقه ليس كلّهم من مشائخه ؛ فوجه عدم قدحه فيهم امر غير راجع إلى شيخية الإجازة.

وسيأتي في شرح مشيخة التّهذيب أنّ الشّيخ نفسه ضعّف بعض من وقع في طرقه إلى أرباب الكتب ك : محمّد بن جعفر بن بطّة ، فما هذه المبالغة؟ فتأمّل.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١ / ٧٣ ؛ الطبعة الخامسة.

(٢) خاتمة المستدرك : ٣ / ٧٥٤.

١٠٦

وأمّا المورد الثّالث ، فهو مردود للعلم برواية الثّقات عن الضعفاء باطراد ، ومرّ الكلام حول مشائخ النجّاشي.

تتمّة

وعن الشّيخ في عدّة الأصول : إذا كان أحد الرّواييّن يروي سماعا وقراءة والآخر يروي إجازة ، فينبغي أن يقدّم رواية السّامع على رواية المستجيز ، اللهم ، إلّا أن يروي المستجيز بإجازته أصلا معروفا أو مصنّفا مشهورا ، فيسقط حينئذ الترجيح ...

والمحصل لحدّ الآن ، أنّ شيخ الإجازة كشيخ الرّواية في الاحتياج إلى التّوثيق والتحسين كما عرفت.

والتحقيق أنّ جهالة شيخ الإجازة حتّى ضعفه ، لا تضرّ بالسند إذا كانت كتب المجاز بروايتها ، من زمان مؤلّفيها إلى زمان المجاز له ، مشهورة مأمونة من التّحريف ، فإنّه لا صنع للمجيز في تحريف رواياتها وتزييدها وتنقيصها ، فإنّ المجاز له يحصلها من السّوق وغيره ؛ ولأجل هذا بنينا أخيرا في تعليقتنا على تمييز الرّوايات المعتبرة من جامع أحاديث الشّيعة على اعتبار روايات الكافي الّتي في أسانيدها محمّد بن إسماعيل شيخ الكليني مع أنّه لم يوثّق في الكتب الرجاليّة ، وذلك لشهرة كتب الفضل بن شاذان في عصر الكليني رحمه‌الله ظاهرا.

وأمّا إذا كان بين المجيز ومؤلّفي الكتب فصل كثير في الزمان ، أو لم تحرز شهرة الكتب المجاز بها في زمان المجاز له ، فلا تنفع الإجازة في صحّة روايات الكتب المذكورة. والظّاهر إنّ سبب الاجازة في الفرض الأوّل إنّما هو الفرار من الإرسال المرغوب عنه عند الرّواة.

وعلى هذا الأساس ، يفهم صحّة الأقوال المتقدّمة وضعفها ، والحمد لله.

١٠٧

البحث الخامس عشر

نقد كلام الفاضل الأردبيلي

قال العلّامة المتتبّع الشّيخ محمّد بن علي الأردبيلي رحمه‌الله في آخر مقدّمة كتابه جامع الرّواة : وبالجملة بسبب نسختي هذه يمكن أن يصير قريب من اثنى عشر ألف حديث أو أكثر (١) من الأخبار الّتي كانت بحسب المشهور بين علمائنا رحمه‌الله مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة ، معلومة الحال وصحيحة لعناية الله تعالى وتوجه سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين صلى‌الله‌عليه‌وآله. وليعلم أيضا إنّا في أوّل أمرنا كنّا لا نعتمد إلّا على قرائن كثيرة قوية ، فلمّا ظهر لنا بالتتبّع أن في ترجيح بعض الأسماء على بعض بحسب المشهور ترجيحا بلا مرجّح ، أو ترجيح مرجوح ، والترجيح بحسب القرينة الضعيفة أولى من الترجيح بلا مرجّح ، أو ترجيح مرجوح ، اعتمدنا في بعض المواضع بقرينة قليلة ضعيفة أيضا.

أقول : الّذي يظهر من أوّل كلامه إلى آخره (في المقدّمة) أنّ السبب في تصحيح اثنى عشر ألف حديث ، أمور حصلت بجهده في مدّة خمس وعشرين سنة كما قيل ، وإليكم بيانها :

١. رفع الجهالة والاشتراك عن الرّاوي بذكر الرّاوي عنه والمروي عنه.

٢. وجدان بعض الأخبار المادحة لبعض الرّواة ، حيث لم يذكرها علماء الرجال.

٣. وجدان رواية بعض الثقات عن الإمام والحال أنّ علماء الرجال لم ينقلوا أنّ هذا البعض روي عن الإمام فتصير به الرّوايات المضمرة معتبرة.

__________________

(١) المستدرك : ٣ / ٥٤٠ ، بعد نقله : ومراده من العدد المذكور الأخبار المودعة في الكتب الأربعة وإن لاحظنا ما ذكره في أخبار سائر الكتب المعتمدة الشّائعة ، كان العدد أضعافا مضاعفة.

١٠٨

٤. استفادة أنّ رواية جمع كثير من الثقات وغيرهم عن شخص واحد تفيد أنّه كان حسن الحال ، أو كان من مشائخ الإجازة.

٥. إيضاح بعض الاشتباهات في كلام بعض الرجاليّين.

٦. وقوفه على رواية بعض الرّواة عن الإمام ، أو عن الإمام الخاصّ ، فتخرج رواياته عن الإرسال.

٧. ذكره العلماء المعاصرين للشيخ الطّوسي رحمه‌الله والمتأخّرين عنه.

وفي ما أفاده نظر ، أو منع وننبّه على بعض الإيرادات :

فمنها قوله ؛ والتّرجيح بحسب القرينة الضّعيفة ... الخ ، فإنّه عجيب ؛ إذ هو يتمّ إذا كان الترجيح في نفسه واجبا ، لا مطلقا.

ونحن نقول أنّ الظّن يحرم العمل به ، فإنّ حصل الاطمئنان بتميّز الأسماء المشتركة بعضها عن بعض فهو ، وإلّا فيجب التوقّف ، ولا يجوز الترجيح ، سواء كان بلا مرجّح أو بمرجّح ضعيف ظنّي ، فإنّ الظّن غير المعتبر كالشكّ في عدم جواز العمل به ، فكلامه ساقط.

ومنها : إنّ رواية جمع من الثقات عن شخص لا يدلّ على حسن حاله ، كما مرّ.

ومنها : إنّ الرّواية المادحة إنّما تصير دليلا إذا صحّ سندها لا مطلقا كما تخيّله غيره أيضا من بعض الرجاليّين.

ومنها : إنّ وجود رواية أحد عن الإمام لا يدفع إشكال الإرسال والإضمار في مورد آخر ، وعلى كلّ حال. (١)

والعمدة في كلامه وكتابه هو امتياز الرّاوي عنه والمروي عنه (٢) ، والإنصاف أنّه مفيد في الجملة ، ولكن قال بعض الفضلاء من الرجاليّين في كتابه (٣) : اشتهر من عصر الطريحي ،

__________________

(١) وله طريق آخر في تصحيح طرق الشّيخ الضعيفة ، سيأتي نقله ونقده في شرح مشيخة التهذيب في البحث الخامس والأربعين.

(٢) ولذا قال السّيد البروجردي قدس‌سره في مقدّمة له على كتابه : فالامتياز القيّم الّذي أوجب تقديرنا له إنّما هو لكتابه جامع الرّواة باعتبار ما فيه من جمع رواة الكتب الأربعة ، وذكر من رووا عنه ومن روى عنهم وتعيين مقدار روايتهم ورفعه بذلك بعض النقص عن كتب الرجال ...

أقول : لعلّ كتاب سيدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله أحسن من جامع الرّواة بكثير في رفع هذه النقيصة.

والأوسع من الكلّ في هذا الباب الموسوعة الرّجالية للسيّد البروجردي نفسه (رضوان الله عليه) وشكر الله مساعيه ، وإنّي أوصي أصحاب التحقيق والتدقيق ومن يريد التفحص في الأسانيد ، بمراجعة هذه الموسوعة القيّمة الفريدة ، والتعمّق فيها.

(٣) قاموس الرجال : ١ / ٩.

١٠٩

والكاظمي ، العاملي ، ومحمّد الأردبيلي ، وهم متقاربوا العصر تمييز المشتركين من الرّواة في الأسماء والكني بالرواة عنهم ، ومن رووا عنه ، وقد استقصى ذلك الأخير منهم في كتابه جامع الرّواة الّذي صنّفه في عشرين سنة (١) كالكافي والوسائل ، ذاكرا كلّ راو ومرويّا عنه من أخبار الكتب الأربعة.

ولم أقف على تعرّض من قبلهم لذلك وهو تخليط وخبط وتحقيقه : أن الأصل في التّعريف بالرّاوي رجال البرقي ، ثمّ رجال الشّيخ ، والغالب في الأوّل بيان أنّ فلانا لا يعرف إلّا من طريق فلان فعرف كثيرا من أصحاب الصّادق عليه‌السلام برواية ابن مسكان عنهم ، وبعضهم : برواية ابان وبعضهم : برواية علي بن الحكم ، وبعضهم برواية سيف ، وبعضهم برواية يونس بن يعقوب ؛ وحينئذ فيدل على حصر المروي عنه في الرّاوي ، بمعنى : أنّ الرجل لم يرو عنه غير هذا الرّاوي لا أنّ هذا الرّاوي لم يرو عن غير ذلك الرجل كما هو مدّعاهم.

كما أنّ الغالب في الثّاني بيان الطبقة بالراوي أو المروي عنه ، أو هما معا ، فلا يدلّ على الحصر في واحد منهما فعرّف في من لم يرو عنهم عليهم‌السلام كثيرا منهم برواية حميد بن زياد النينوائي ، وهارون بن موسى التلعكبرّي عنهم ...

وبالجملة : لا يصحّ الحكم بحصر الرّاوي إلّا بالتصريح كما في أبان بن عمر ، فقالوا : إنّه لم يرو عنه إلّا عبيس. كما لا يصحّ الحكم بعدم الرّواية إلّا بالتصريح كقول الكشّي : إنّ يونس لم يرو عن إبني الحلبي.

أقول : ما ذكره موجه في الجملة ، إلّا أنّ المناط في القبول والردّ هو الاطمئنان وكثيرا ما يحصل بملاحظة الرّاوي والمروي عنه ، فإطلاق كلامه كإطلاق كلام الأردبيلي وغيره ممنوع.

والحقّ هو التّفصيل وإناطة الحجيّة بالاطمئنان ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ولا ضابط له. ولو أغمض النظر عنه لم يكن التصريح أيضا حجّة ؛ لأنّ عدم الوجدان أعمّ من عدم الوجود ، ألّا ترى أنّ الكشّي نقل عن يونس أنّ ابن مسكان لم يرو عن الصّادق عليه‌السلام إلّا حديث من أدرك المشعر. والنجّاشي أيضا أنكر حديثه عنه عليه‌السلام ، والحال أنّه

__________________

(١) بل في خمس وعشرين سنة كما حكي عن الأردبيلي في مقدّمة جامع الرّواة.

١١٠

روي عنه عليه‌السلام كثيرا ، ولا يمكن رمي رواياته عن الصّادق عليه‌السلام بالإرسال ؛ لأجل تصريح النجّاشي وغيره ، كما فعله بعض الغافلين أو احتمله.

نعم. ظاهر قول ابن مسكان : قال الصّادق عليه‌السلام : أو سمعت الصّادق يقول ... بل قوله : عن الصّادق عليه‌السلام ... لا يترك بنصّ النافي ؛ لأنّ عدم الوجدان أعمّ من عدم الوجود.

وسيأتي كلام حول روايات ابن مسكان وحريز في المسألة الرابعة من مسائل النافعة في البحث العشرين فانّتظر.

١١١

البحث السادس عشر

حكم التنافي بين قولي شخص في التّوثيق والتّجريح

إذا صدر من أحد الرجاليّين توثيق وتضعيف في حقّ أحد ، فإن لم يعلم تقدّم أحدهما من الآخر فلا شكّ ظاهرا في الحكم بتساقطهما ؛ لأجل التعارض.

وكذا إنّ علم به ولم يحتمل العدول في حقّ الرّجالي المذكور لعلّة ما ، وأمّا إن علم به واحتمل عدوله أيضا ، فهل يعامل معهما معاملة المتعارضين ، أو يؤخذ بالأخير والبناء على أنّ المتأخّر صدر عن عدوله عمّا قاله أوّلا ، كما هو كذلك في الفتوى فإنّه يترك المتقدّم منه ويؤخذ بالمتأخّر؟

فيه قولان. اختار سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله أوّلهما ، وهو الحكم بالتعارض ، مستدلّا عليه بأنّ العبرة في الحكاية والإخبار بزمان المحكي عنه دون زمان الحكاية فبين الحكايتين تقع المعارضة لا محالة ، وهذا بخلاف الفتوى ، فإنّ العبرة فيه بزمان الفتوى. (١)

أقول : إذا فرضنا تصريح الرّجالي باشتباهه في الأوّل ، فلا أظن بأحد الحكم بالتعارض ؛ لأجل أنّ العبرة بزمان المحكي عنه دون زمان الحكاية ، فكذلك يمكن اختيار القول الثّاني عند احتمال العدول ؛ إذ معه لا نجزم بالتعارض ؛ فتأمّل في المقام.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ٨ / ٢٤٢ ، في : ترجمة سهل بن زياد.

١١٢

البحث السابع عشر

تعارض الحديث وقول الرجالي

إذا وردت رواية معتبرة دالّة على وثاقة أحد مثلا ، وقد ضعفّه بعض الرجاليّين فأيّهما يقدّم في حقّه؟

يقول سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله :

الحكم بصدور الكلام من الإمام يتوقّف على شمول دليل حجّية الخبر لهذه الرّواية ، ولا يمكن ذلك لمعارضته بشموله لشهادة الرّجالي بضعفه ، فيسقط دليل الحجيّة بالمعارضة. (١)

أقول : الأقوى تقدّم الرّواية لما مرّ من أن أكثر التّوثيقات مرسلة ، والمتيقن اعتبارها في غير مورد الرّواية المعارضة لها ـ إن قلنا باعتبارها ـ وقد حكم الأستاذ نفسه بوثاقة معلّي بن خنيس ؛ استنادا إلى روايات معتبرة مادحة له ، مع أنّ النجّاشي ضعّفه.

نعم ، إنّما يتمّ تساقطهما بالتّعارض إذا كان تضعيف الرّجالي مسندا متصلا إن لم تكن الرّواية قرينة على اشتباه الرّجالي في تضعيفه.

ثمّ إنّه لا فرق بين ما ذكرنا وعكسه بأن تكون مدلول الرّواية الجرح ، وكان مدلول قول الرّجالي الوثاقة.

ثمّ إنّ هنا شيئا آخر وهو أنّه قد يدفع التعارض باختلاف الزمان فإنّ الوثاقة والكذب ليستا من الصّفات غير الزائلة ، فيصير الثّقة خائنا كاذبا ، والكاذب صالحا صادقا ، فلا تغفل من هذه الجهة ، إن أمكنت.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ٧ / ١٢٨.

١١٣

ومن صغريات القاعدة معلّي بن خنيس ـ كما يأتي ـ ومحمّد بن سنان فقد ضعفّه غير واحد من العلماء ، بل ادّعى الشّيخ المفيد في محكي رسالته العدديّة عدم اختلاف العصابة في تهمته وضعفه ـ وهو الّذي وثقه في إرشاده ـ ومع ذلك ورد في رواية عبد الله بن الصلت ـ على كلام في صحّتها ـ عن الجواد عليه‌السلام :

«جزى الله صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان وزكريا بن آدم عنّي خيرا ، فقد وفوا لي ...» ، فعدت إليه فقال : «جزى الله صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان وزكريا بن آدم وسعد بن سعد منّي خيرا ، فقد وفوا لي.» (١)

لكن الحكم بحسن محمّد بن سنان حتّى إذا اعتبر سند الخبر مشكل.

والأظهر عدم اعتباره خلافا للسيّد الأستاذ رحمه‌الله في معجمه ، لاحتمال إرساله ، إذ لم يثبت أنّ الكشّي يروي عن عبد الله بن الصلت مباشرة ، بل يظهر من روايات الكشّي أنّ بينهما واسطة ، وقد تكون بينهما واسطتان كما في رقم : ٤٥١.

__________________

(١) رجال الكشّي : ٥٠٣ ، برقم : ٩٦٤.

١١٤

البحث الثامن عشر

تقديم قول الأضبط ونصّ أحد على ظاهر غيره

قال السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله :

إنّك قد عرفت من الشّيخ قدس‌سره تضعيف عبد الله بن أبي زيد ، وعرفت من النجّاشي توثيقه ، وقد يقال : إنّ توثيق النجّاشي لأضبطيته يتقدّم على تضعيف الشّيخ.

وهذا كلام لا أساس له ، فإنّ الأضبطية لو أفادت فإنّما تفيد في مقام الحكاية لا في مقام الشّهادة ، وبعدما كان كلّ من الشّيخ والنجّاشي قدس‌سره يعتمد على شهادتهما لا يكون وجه لتقديم أحدهما على الآخر فهما متعارضتان : وبالنتيجة : لا يمكن الحكم بوثاقة عبد الله بن أبي زيد.

وقد يتوهّم إنّ كلام النجّاشي بما أنّه صريح في وثاقة عبد الله في الحديث يتقدّم على كلام الشّيخ في التّضعيف فإنّه ظاهر في الضّعف من جهة الرّواية والحديث ، إذ من المحتمل إرادة أنّه ضعيف في مذهبه ، والنّصّ يتقدّم على الظّاهر.

والجواب عن ذلك أوّلا :

إنّ تقدّم النص على الظاهر إنّما هو لأجل قرينيّته على إرادة خلاف الظاهر من الظّاهر ، وهذا إنّما يكون في ما إذا كان الصّريح والظّاهر في كلام شخص واحد أو في كلام شخصين يكونان بمنزلة شخص واحد كما في المعصومين عليهم‌السلام ، وأمّا في غير ذلك ، فلا مناص من أن يعامل معاملة التّعارض والوجه فيه ظاهر. (١)

أقول : ما أفاده أخيرا متين لا غبار عليه ، وأمّا ما أفاده أوّلا ، فلم نفهمه فإنّ التّوثيق والتّجريح لا يبتنيان على باب الشّهادة ، بل يبتنيان على باب الحكاية ومطلق النبأ وخبر الواحد في

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١٠ / ٩٦ و ٩٧.

١١٥

الموضوعات ، كما فصّلناه في البحث الثالث ، وقد مرّ من السّيد الأستاذ رحمه‌الله في البحث السادس عشر ما ينافي كلامه هذا.

وعلى كلّ الأضبطيّة ليست من المرجّحات في باب الإخبار تعّبدا ، وقيام بناء العقلاء عليه غير واضح ، فتأمّل.

ثمّ إنّا نذكر الوجوه المستدلّ بها على تقديم قول النجّاشي على قول الشّيخ رحمه‌الله في ما بعد. وستعرف بأنّها لا توجب عندنا التّقديم ، فلاحظ.

١١٦

البحث التّاسع عشر

في طريق الصدوق إلى جميل في الفقيه

لم يذكر الصّدوق رحمه‌الله طريقه إلى جميل بن درّاج في مشيخة الفقيه ، وقد روي عنه أحاديث فيه ، نعم ، ذكر طريقه إليه وإلى محمّد بن حمران مشتركا عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمّد بن أبي عمير عنهما ، وهذا الطّريق صحيح.

وربّما استظهر من هذا ، صحّة طريقه إلى كلّ من جميل وابن حمران منفردا ، أيضا ، وممّن استظهره هو سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله على ما يستفاد من معجمه ، حيث قال : وطريق الصّدوق إليه ... (١) ثمّ ذكر نفس السند السّابق.

أقول : هذا الاستظهار لا بأس به في نفسه ؛ لكن لا بدّ في خصوص المقام من رفضه ، لما ذكره النجّاشي من أنّ لجميل كتابا اشترك ، هو ومحمّد بن حمران فيه ... وله كتابا اشترك هو ومرازم بن حكيم فيه ... وذكر أوّلا أنّ له كتابا رواه عنه جماعات من النّاس وطرقه كثيرة ... فلجميل كتاب مختص به وكتاب مشترك له ، ولمحمّد بن حمران ، وكتاب ثالث له ولمرازم فصحّة الطّريق إلى كلّ واحد من هذه الكتب لا يكفي لكتاب آخر كما هو ظاهر ، بل احتمال ما ذكره النجّاشي من تعدّد الكتب يوجب ترك ذاك الظهور ، ولذا ذكر الصّدوق طريقين آخرين له إلى محمّد بن حمران في المشيخة. (٢) وهو يشهد بأنّ الطّريق المشترك لا ينحل إلى كلّ منهما منفردا. وذهاب السّيد الأستاذ رحمه‌الله إلى هذا الوجه مع اطّلاعه على ما ذكرنا كلّه عجيب.

__________________

(١) المصدر : ٤ / ١٥٤.

(٢) مشيخة الفقيه الملحقة بالجزء الرابع من الفقيه : ٨٩.

١١٧

وهنا وجه آخر خطر ببالي لتصحيح أحاديث الصدوق رحمه‌الله في الفقيه عن جميل ، وهو طريق الشّيخ إلى كتاب جميل.

قال الشّيخ رحمه‌الله في فهرسته :

جميل بن دراج له أصل ، وهو ثقة. أخبرنا به الحسين بن عبيد الله عن محمّد بن علي بن الحسين عن محمّد بن الحسن بن الوليد عن الصّفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وصفوان عن جميل بن درّاج. (١)

أقول : هذا السند صحيح وطريق الشّيخ رحمه‌الله إلى جميل إنّما هو بتوسط الصّدوق رحمه‌الله فيكون طريق الصّدوق إليه أيضا صحيحا.

وظاهر أنّ مراد الشّيخ رحمه‌الله من هذا الأصل هو الكتاب المختصّ بجميل دون كتابه المشترك ، وإلّا لذكر اسم محمّد بن حمران ، وإنّه مشترك بينهما.

لكن يشكل الاعتماد على هذا الوجه أيضا ، فإنّ طريق الشّيخ إنّما هو إلى أصل جميل لا إلى جميل نفسه ، بل مشيخة التهذيب معظمها طرق إلى الاصول والمصنّفات ، على ما ذكره الشّيخ في المشيخة أوّلا وآخرا.

وأمّا الصّدوق ، فلا يظهر منه في مشيخة الفقيه أنّه يروي عن الاصول والمصنّفات ، بل يحتمل أنّه يروي عن الأشخاص أو أنّه قد يروي عنهم ، وقد يروي عن الكتب فالاستدلال بهذا الوجه لتصحيح أحاديث الصّدوق عن جميل في الفقيه مبني على أن جميلا لم يحدث غيره إلّا عن أصله لا عن غيره. وهذا غير ثابت ، بل المحتمل أنّه حدّث عنه وعن غيره من محفوظاته غير المذكورة في أصله. (٢)

والعمدة احتمال رواية الصدوق احاديث جميل من كتاب راو آخر لم يثبت وثاقته أو ثبت ضعفه ، إذا علمنا اسمه.

فإنّ قلت : الصّدوق أيضا يروي عن الكتب دون الأفراد ، والدليل عليه قوله في أوّل

__________________

(١) معجم الرجال : ٤ / ١٥٢.

(٢) لا يقال : إنّ طرق الفهرست غالبا هي إخبار عن أسامي الكتب فقط ، كما يأتي في البحث الرّابع والأربعين ، فكيف يمكن صحّة طريق له توجب صحّة طريق الصدوق؟

فإنّه يقال : نعم ، لكن الصدوق يروي الرّوايات بطرقه عن كتب الأحاديث ، فإذا فرضنا صحّة طريق له من أي سبب كان ، تستلزم هذه الصّحة اعتبار رواياته المنقولة ، وبهذا الطريق ، فتأمّل ؛ إذ المتيقن من ذلك إنّما هو في مشيخة الفقيه ، لا في غيرها ، والله العالم.

١١٨

الفقيه : وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع. مثل : كتاب حريز بن عبد الله السجستاني ، وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي. وكتب على بن مهزيار الأهوازي وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ، وكتاب : نوادر الحكمة تصنيف محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، وكتاب : الرحمة لسعد بن عبد الله ، وجامع شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد ، ونوادر محمّد بن أبي عمير وكتب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي ورسالة أبي رحمه‌الله. وغيرها من الاصول والمصنّفات الّتي طرقي إليها معروفة في فهرست الكتب الّتي رويتها عن مشايخي وأسلافي ...

وعليه فكلّ من بدأ الصّدوق رحمه‌الله باسمه في الفقيه في ذكر حديث ، يحكم بأنّه منقول عن كتابه كما هو الحال في حقّ الشّيخ رحمه‌الله في التهذيبين ، كما قيل.

قلت : كلام الصدوق رحمه‌الله يدلّ على أنّ جميع ما أخرجه في الفقيه مأخوذ من الكتب المشهورة المّعول عليها ، وهذا لا يدلّ على أنّ كلّ من بدأ الصّدوق باسمه في المشيخة أخذ الحديث من كتابه.

ويؤكّده أنّ الصّدوق روي في الفقيه عن خلق كثير ـ ربّما يقرب من خمسمائة شخص ـ ذكر أسماء أكثر من ٣٨٠ شخصا منهم في المشيخة. وقيل إنّه ترك فيها أسماء أكثر من مائة شخص ولا يحتمل عادة أن يكون لكلّ واحد من هؤلآء الخلق الكثير كتابا مشهورا عليه المّعول وإليه المرجع ، وفيهم المجهولون والضعفاء ، بل من المحتمل قويّا أنّ جملة منهم ، لا كتاب لهم.

وعليه ، فيحتمل أنّ الصدوق نقل روايات جميل عن جامع شيخه ابن الوليد مثلا ، أو عن غيره ، وحذف سندها أو أسانيدها ، كما يحتمل أنّه نقلها عن كتابه ، وهذا بخلاف الشّيخ رحمه‌الله في التهذيبين ، فإنّه يروي عن كتب من بدأ الحديث باسمه.

وممّا ذكرنا يظهر للمتدبّر أنّ قول الصدوق رحمه‌الله : بأنّ أحاديث كتابه مستخرجة من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع لا يدلّ على صحّة تلك الأحاديث بتمامها ـ كما تخيّله بعض المحدّثين ـ فإنّ تواتر الكتاب عن مؤلّفه وشهرته بين الأصحاب ، وجلالة المؤلّف وورعه ، أمر ، وضعف جملة من رواياته لجهالة رواتها ، أو ضعفهم ، أمر آخر ، فحال تلك الكتب بالنسبة إلى الصدوق رحمه‌الله وأمثاله حال الكتب الأربعة ونظائرها بالنسبة إلينا ، وهذا غير خفي.

هذا ، والتحقيق أن يقال بصحّة طريق الصّدوق إلى جميل ؛ لأجل طريق الفهرست ، فنحكم بصحّة روايات جميل في الفقيه ، سواء رواها الصدوق عن كتاب جميل مباشرة ، أو

١١٩

بتوسط كتاب أحد من الثقات الواقعين في سند الفهرست ممّن أتى بعد جميل من المشائخ الخمسة في الطّريق المذكور.

وأمّا احتمال أنّ الصّدوق روى روايات جميل عن حفظه بالسلسلة ، فهو موهون لا يعتني به. (١)

وأمّا العكس وهو تصحيح طريق الشّيخ الضّعيف بصحّة طريق الصّدوق الصحيح ، ففيه كلام يأتي في بعض البحوث الآتية في آخر شرح مشيخة التهذيب ، إن شاء الله تعالى.

ثمّ إنّ هنا وجها ثالثا لتصحيح أحاديث المرويّة عن جميل في الفقيه ، يظهر ضعفه ممّا تقدّم ، وهو أنّ النجّاشي ذكر في ترجمة جميل : له كتاب رواه عنه جماعات من الناس وطرقه كثيرة ...

فإنّ شهرة الكتاب ، بل تواتره إلى جميل لا تستلزم تصحيح أحاديثه المرويّة في الفقيه.

فإنّ تواتر الكتاب أمر ، وتواتر النسخة الواصلة إلى أحد أمر آخر ، ولا ملازمة بينهما ، إلّا في فرض تطبيق النسخة الواصلة إلى الصدوق أو الطّوسي وغيره رحمه‌الله على سائر النسخ الواصلة ، وهو غير مظنون ، بل مظنون العدم.

__________________

(١) لكن إذا فرضنا ان الوسايط الخمسة أخبروا الصدوق عن نفس كتاب جميل ، وأنّ له كتابا من دون نقل رواياته له ، ففيه بحث طويل يأتي في الباب الرابع والأربعين ، فلا يكفي مجرّد ما احتملنا أخيرا في صحّة رواياته عن جميل.

١٢٠