تفسير نور الثقلين - ج ٤

الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي

تفسير نور الثقلين - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٢

الى الصخرة فيمسحون بها الغنم والإبل ، فجاء رجل من العرب بابل يريد أن يمسح بالصخرة ابله ويتبارك عليها فنفرت ابله فتفرقت فقال الرجل شعرا :

أتيت الى سعد ليجمع شملنا

فشتتنا سعد فما نحن من سعد

وما سعد الا صخرة مستوية

من الأرض لا تهدى لغي ولا رشد

ومر به رجل من العرب والثعلب يبول عليه فقال شعرا :

ورب يبول الثعلبان برأسه

لقد ذل من بالت عليه الثعالب

٦٧ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه رفعه عن محمد بن داود الغنوي عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حديث طويل ستقف عليه بتمامه في الواقعة ان شاء الله تعالى وفيه يقول عليه‌السلام : فاما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى ، يقول الله عزوجل : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) يعرفون محمدا والولاية في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) انك الرسول إليهم (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الايمان ، وأسكن أرواحهم ثلاثة أرواح : روح القوة وروح الشهوة وروح البدن ، ثم أضافهم الى الانعام فقال : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) لان الدابة انما تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن.

٦٨ ـ في روضة الكافي ابن محبوب عن عبد الله بن غالب عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال : سمعت علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : ان رجلا جاء الى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : أخبرنى ان كنت عالما عن الناس وعن أشباه الناس وعن النسناس ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا حسين أجب الرجل فقال الحسين عليه‌السلام : اما قولك : النسناس فهم السواد الأعظم وأشار بيده الى جماعة الناس ، ثم قال : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٩ ـ في كتاب الخصال عن أبى يحيى الواسطي عمن ذكره انه قيل لابي عبد الله

٢١

عليه‌السلام : أترى هذا الخلق كله من الناس؟ فقال : الق منهم التارك للسواك ، والمتربع في موضع الضيق ، والداخل فيما لا يعنيه ، والممارى فيما لا علم له به ، والمستمرض من غير علة ، والمستشفي من غير مصيبة ، والمخالف على أصحابه في الحق وقد اتفقوا عليه ، والمفتخر بآبائه وهو خلو من صالح أعمالهم. فهو بمنزلة الخلنج (١) يقشر لحا عن لحا ، حتى يوصل الى جوهريته ، وهو كما قال الله تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً).

٧٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قولهعزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) فقال : الظل ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس.

٧١ ـ في مجمع البيان وجاهدهم به اي بالقرآن عن ابن عباس جهادا كبيرا اي تاما شديدا ، وفي هذا دلالة على ان من أجل الجهاد وأعظمه منزلة عند الله سبحانه جهاد المتكلمين في حل شبه المبطلين وأعداء الدين ويمكن ان يتأول عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر.

٧٢ ـ في الكافي وفي رواية أحمد بن سليمان انهما قالا عليهما‌السلام : يا با سعيد تأتي ما ينكر ولايتنا في كل يوم ثلاث مرات ، ان الله جل وعز عرض ولايتنا على المياه فما قبل ولايتنا عذب وطاب ، وما جحد ولايتنا جعله الله عزوجل مرا وملحا أجاجا.

٧٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدثني أبي عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبى عبد الله عليه‌السلام انه قال للأبرش : يا أبرش هو كما وصف نفسه (كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) والماء على الهواء والهواء لا يحد ، ولم يكن يومئذ خلق غيرهما ، والماء يومئذ عذب فرات الى أن قال : وكانت السماء خضراء والأرض

__________________

(١) الخنج ، شجر كالطرفاء وزهرة ابيض وأحمر واصفر ، وحبه كالخردل وخشبة تصنع منها القصاع كقوله «لبن البخت في قصاع الخلنج» قال في الصراح : خلنج معرب «خدنك».

٢٢

غبراء على لون الماء العذب ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. وهو بتمامه مذكور عند قوله تعالى : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما). (١)

٧٤ ـ حدثني أبى عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) فقال : ان الله تبارك وتعالى خلق آدم من الماء العذب ، وخلق زوجته من سنخه ، فبرأها من أسفل أضلاعه ، فجرى بذلك الضلع بينهما سبب نسب ، ثم زوجها إياه فجرى بينهما بسبب ذلك صهرا ، فذلك قوله : (نَسَباً وَصِهْراً) فالنسب يا أخا بنى عجل ما كان من نسب الرجال والصهر ما كان بسبب نسب النساء.

٧٥ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعلى بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن بريد العجلي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل وذكر كما في تفسير على بن إبراهيم الا ان في آخره : يا أخا بنى عجل ما كان بسبب الرجال والصهر ما كان بسبب النساء.

٧٦ ـ في كتاب معاني الاخبار باسناده الى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال : الأواني مخصوص في القرآن بأسماء احذروا ان تقلبوا عليها فتضلوا في دينكم ، انا الصهر يقول الله عزوجل : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٧٧ ـ في أمالى شيخ الطائفة قدس‌سره باسناده الى أنس بن مالك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل وفيه قال انس : قلت : يا رسول الله على أخوك؟ قال : نعم على أخى ، قلت : يا رسول الله صف لي كيف على أخوك؟ قال : ان الله عزوجل خلق ما تحت العرش قبل ان يخلق آدم بثلاثة آلاف عام ، وأسكنه في لؤلؤة خضراء في غامض علمه ، الى ان خلق آدم فلما خلق آدم نقل ذلك الماء من اللؤلؤة فأجراه في صلب آدم الى أن قبضه الله تعالى ، ثم نقله الى صلب شيث ، فلم يزل ذلك الماء ينقل من ظهر الى ظهر حتى

__________________

(١) سورة الأنبياء الاية ٣٠ ، وقد مر الحديث بتمامه في صفحة ٤٢٥ من الجزء الثالث.

٢٣

صار في عبد المطلب ، ثم شقه عزوجل نصفين ، فصار نصفه في أبى ، عبد الله بن عبد المطلب ونصف في أبى طالب فانا من نصف الماء وعلى من النصف الاخر ، فعلى أخى في الدنيا والاخرة ، ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً).

٧٨ ـ في روضة الواعظين للمفيد رحمه‌الله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خلق الله عزوجل نطفة بيضاء مكنونة فنقلها من صلب الى صلب حتى نقلت النطفة الى صلب عبد المطلب ، فجعل نصفين فصار نصفها في عبد الله ونصفها في أبى طالب ، فأنا من عبد الله وعلى من أبى طالب ، وذلك قول الله عزوجل : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً).

٧٩ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب وخطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر في تزويج فاطمة خطبة رواها يحيى بن معين في أماليه وابن بطة في الابانة بإسنادهما عن أنس بن مالك مرفوعا وروينا عن الرضا عليه‌السلام فقال : الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع في سلطانه ، المرغوب فيما عنده ، المرهوب من عذابه ، النافذ امره في سمائه وأرضه ، الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه ، وأكرمهم بنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ان الله جعل المصاهرة نسبا لا حقا وأمرا معترضا وشج به الأرحام وألزمها الأنام ، قال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) ثم ان الله أمرني ان أزوج فاطمة من على ، وقد زوجتها إياه على مأة مثقال فضة أرضيت يا على (١)؟ قال : رضيت يا رسول الله.

٨٠ ـ في مجمع البيان (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ) الآية وقال ابن سيرين نزلت في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى بن ابى طالب زوج فاطمة عليا فهو ابن عمه ، وزوج ابنته فكان نسبا وصهرا.

٨١ ـ في بصائر الدرجات عبد الله بن عامر عن ابى عبد الله البرقي عن

__________________

(١) وفي المصدر «ان رضيت يا على».

٢٤

الحسن بن عثمان عن محمد بن الفضيل عن أبى حمزة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) قال : تفسيرها في بطن القرآن على هو ربه في الولاية والرب هو الخالق الذي لا يوصف.

٨٢ في تفسير على بن إبراهيم واما قوله عزوجل : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) قال على بن إبراهيم رحمه‌الله : قد يسمى الإنسان ربا بهذا الاسم لغة كقوله تعالى : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) وكل مالك يسمى ربه فقوله تعالى : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) فقال : الكافر الثاني كان على أمير المؤمنين صلوات الله عليه ظهيرا.

٨٣ ـ في روضة الكافي باسناده الى عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان الله عزوجل خلق الخير يوم الأحد ، وما كان ليخلق الشر قبل الخير ، وفي يوم الأحد والاثنين خلق الأرضين ، وخلق أقواتها يوم الثلثاء وخلق السموات يوم الأربعاء ويوم الخميس ، وخلق أقواتها يوم الجمعة ، وذلك قول الله عزوجل (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ).

٨٤ ـ في مجمع البيان وروى ان اليهود حكوا عن ابتداء خلق الأشياء بخلاف ما أخبر الله تعالى عنه فقال سبحانه : فاسال به خبيرا.

٨٥ في تفسير على بن إبراهيم قوله عزوجل (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) قال : جوابه (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه‌السلام في قوله : تبارك وتعالى (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) فالبروج الكواكب ، والبروج التي للربيع والصيف الحمل والثور والجوزا والسرطان والأسد والسنبلة ، وبروج الخريف والشتاء الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت ، وهي اثنا عشر برجا.

٨٦ ـ في كتاب الاهليلجة قال الصادق عليه‌السلام في كلام طويل : (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) يسبحان في فلك يدور بهما دائبين يطلعهما تارة ويوفلهما

٢٥

اخرى حتى تعرف عدة الأيام والشهور والسنين وما يستأنف من الصيف والربيع والشتاء والخريف أزمنة مختلفة باختلاف الليل والنهار.

٨٧ ـ في تفسير على بن إبراهيم حدثني أبى عن صالح بن عقبة عن جميل عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : قال له رجل : جعلت فداك يا ابن رسول الله ربما فاتتنى صلوة الليل الشهر والشهرين والثلاثة فأقضيها بالنهار أيجوز ذلك؟ قال : قرة عين لك والله ، قرة عين لك والله قالها ثلاثا ان الله يقول : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) الآية فهو قضاء صلوة النهار بالليل ، وقضاء صلوة الليل بالنهار ، وهو من سر آل محمد المكنون.

٨٨ ـ في من لا يحضره الفقيه قال الصادق عليه‌السلام : كلما فاتك بالليل فاقضه بالنهار ، قال الله تبارك وتعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) يعنى أن يقضى الرجل ما فاته بالليل بالنهار وما فاته بالنهار بالليل.

٨٩ في مجمع البيان : (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) وقال أبو عبد الله عليه‌السلام هو الرجل يمشى بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف ولا يتبختر.

٩٠ ـ في تفسير على بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن ابى نجران عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) قال : الائمة عليهم‌السلام (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) خوفا من عدوهم.

٩١ ـ وعنه عن أحمد بن محمد عن على بن الحكم عن سليمان بن جعفر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً* وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) قال : هم الائمة يتقون في مشيهم.

٩٢ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن محمد بن النعمان عن سلام قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله تعالى (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) قال : هم الأوصياء مخافة من عدوهم.

٢٦

٩٣ ـ في مصباح الشريعة قال الصادق عليه‌السلام في كلام طويل : ولا يعرف ما في معنى حقيقة التواضع الا المقربون من عباده ، المتصلون بوحدانيته ، قال الله تعالى : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً).

٩٤ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب كان إبراهيم بن المهدي شديد الانحراف عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فحدث المأمون يوما فقال : رأيت عليا عليه‌السلام في النوم فمشيت معه حتى جئنا قنطرة ، فذهب يتقدمني لعبورها فأمسكته وقلت له : انما أنت رجل تدعى هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك ، فما رأيته بليغا في الجواب قال : واى شيء قال لك؟ قال : ما زادني على أن قال : سلاما سلاما ، فقال المأمون : قد والله أجابك أبلغ جواب ، قال : كيف؟ قال : عرفك انك جاهل لا تجاب قال الله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً).

٩٥ ـ في كتاب الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام : قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كل عين باكية يوم القيامة الا ثلاثة أعين : عين بكت من خشية الله ، وعين غضت عن محارم الله ، وعين باتت ساهرة في سبيل الله.

٩٦ ـ وفيه أيضا عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا سهر الا في ثلاث : متهجد بالقرآن ، أو في طلب العلم ، أو عروس تهدى الى زوجها.

٩٧ ـ في تفسير على بن إبراهيم وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) يقول : ملازما لا يفارق. وقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) والإسراف الإنفاق في المعصية في غير حق (وَلَمْ يَقْتُرُوا) لم يبخلوا عن حق الله عزوجل (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) القوام العدل والإنفاق فيما أمر الله به.

٩٨ ـ في تفسير العياشي عن الحلبي عن بعض أصحابنا عنه قال : قال أبو جعفر

٢٧

لأبي عبد الله عليهما‌السلام : يا بنى عليك بالحسنة بين السيئتين تمحوهما ، قال : وكيف ذلك يا أبة؟ قال : مثل قوله : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) فأسرفوا سيئة واقترفوا سيئة ، (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) حسنة ، فعليك بالحسنة بين السيئتين والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٩٩ ـ عن عبد الرحمن قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قال : (الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) نزلت هذه بعد هذه.

١٠٠ ـ في كتاب الخصال عن محمد بن عمر بن سعيد عن بعض أصحابه قال : سمعت العياشي وهو يقول : استأذنت الرضا عليه‌السلام في النفقة على العيال فقال : بين المكروهين ، قال : فقلت : جعلت فداك لا والله ما أعرف المكروهين ، فقال : بلى يرحمك الله أما تعرف ان الله تعالى كره الإسراف وكره الإقتار ، فقال : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً).

١٠١ ـ في أصول الكافي أبو على الاشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن عبد الله بن إبراهيم عن جعفر بن إبراهيم عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : أربعة لا يستجاب لهم : رجل كان له مال فأفسده فيقول : اللهم ارزقني ، فيقال : الم آمرك بالاقتصاد؟ الم آمرك بالإصلاح؟ ثم قال : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠٢ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبى عبد الله عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن عامر بن جذاعة قال : جاء رجل الى أبى عبد الله عليه‌السلام فقال له أبو عبد الله : اتق الله ولا تسرف ولا تقتر ولكن بين ذلك قواما ، ان التبذير من الإسراف ، قال الله تعالى (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠٣ ـ على بن إبراهيم عن أبيه وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد جميعا عن عثمان بن عيسى عن اسحق بن عبد العزيز عن بعض أصحابه عن أبى عبد الله عليه‌السلام انه قال :

٢٨

انا نكون في طريق مكة فنريد الإحرام فنطلي ولا يكون معنا نخالة نتدلك بها من النورة فندلك بالدقيق وقد دخلني من ذلك ما الله أعلم به؟ فقال : مخافة الإسراف؟ قلت نعم : فقال : ليس فيما أصح البدن إسراف ، انى ربما أمرت بالنقي فيلت بالزيت فأتدلك به ، انما الإسراف فيما أفسد المال وأضر بالبدن ، قلت : فما الإقتار؟ قال : أكل الخبز والملح وأنت تقدر على غيره ، قلت : فما القصد؟ قال : الخبز واللحم واللبن والخل والسمن ، مرة هذا ومرة هذا.

١٠٤ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبى عبد الله عن أبيه عن القاسم بن محمد الجوهري عن جميل بن صالح عن عبد الملك بن عمرو الأحول قال : تلا أبو عبد الله عليه‌السلام هذه الآية : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) قال : فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده ، فقال : هذا الإقتار الذي ذكره الله عزوجل في كتابه ، ثم قبض قبضة اخرى فأرخى كفه كلها ، ثم قال : هذا الإسراف ثم أخذ قبضة اخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال : هذا القوام.

١٠٥ ـ عنه عن أبيه عن محمد بن عمرو عن عبد الله بن أبان قال : سألت أبا الحسن الاول عليه‌السلام عن النفقة على العيال؟ فقال : ما بين المكروهين الإسراف والإقتار.

١٠٦ ـ أحمد بن محمد بن على عن محمد بن سنان عن أبى الحسن عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) قال : القوام هو المعروف ، (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ : وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) على قدر عياله ومؤنتهم التي هي صلاح له ولهم ، (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها).

١٠٧ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان في قوله تبارك وتعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) فبسط كفه وفرق أصابه وحباها شيئا ، وعن قوله تعالى (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) فبسط راحته وقال : هكذا ، وقال : القوام ما يخرج من بين الأصابع ويبقى في الراحة منه شيء.

١٠٨ ـ على بن إبراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال : دخل سفيان الثوري على ابى عبد الله عليه‌السلام فرأى عليه ثياب بيض كأنها غرقئ

٢٩

البيض (١) فقال له : ان هذا اللباس ليس من لباسك فقال له : اسمع منى ودع ما أقول لك ، فانه خير لك عاجلا وآجلا ، ان أنت مت على السنة والحق ولم تمت على بدعة أخبرك ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في زمان مقفر جدب (٢) فاما إذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها ، ومؤمنوها لا منافقوها ، ومسلموها لا كفارها ، فلما أنكرت يا ثوري فو الله اننى لمع ما ترى ما أتى على منذ عقلت صباح ولا سماء ولله في مالي حق أمرني ان أضعه موضعا الا وضعته ، قال : وأتاه قوم ممن يظهر الزهد ويدعوا الناس ان يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه من التقشف (٣) فقالوا له : ان صاحبنا حصر عن كلامك ولم يحضره حجة ، فقال لهم فهاتوا حججكم فقالوا له : ان حججنا من كتاب الله فقال لهم : فأدلوا بها فانها أحق ما اتبع وعمل به ، فقالوا : يقول الله تبارك وتعالى مخبرا عن قوم من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فمدح فعلهم وقال في موضع آخر : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) فنحن نكتفي بهذا ، فقال رجل من الجلساء : انا رأيناكم تزهدون في الاطعمة الطيبة ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تمتعوا أنتم منها فقال له ابو عبد اللهعليه‌السلام دعوا عنكم علم ما ينتفع به أخبرونى أيها النفر ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابه الذي في مثله ضل من ضل وهلك من هلك من هذه الامة؟ فقالوا له : أو بعضه فاما كله فلا. فقال لهم : فمن هاهنا أتيتم ، وكذلك أحاديث رسول الله واما ما ذكرتم من اخبار الله عزوجل إيانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم فقد كان مباحا جائزا ولم يكونوا نهوا عنه وثوابهم منه على الله عزوجل ، وذلك ان الله جل وتقدس امر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخا لعملهم ، وكان نهى الله تبارك وتعالى رحمة منه للمؤمنين ونظرا لكي لا يضروا بأنفسهم وعيالاتهم منهم الضعفة الصغار و

__________________

(١) الغرقئ : القشرة الملتزقة ببياض البيض ، وقيل : البياض الذي يؤكل.

(٢) أقفر المكان : خلا من الماء والكلاء والناس والجدب : القحط.

(٣) تقشف الرجل : قذر جادة ولم يتعهد النظافة. وأصل القشف خشونة العيش وشدته.

٣٠

الولدان والشيخ الفاني والعجوز الكبيرة الذين لا يصبرون على الجوع ، فان تصدقت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعا ، ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم ونهيا عنه مفروضا من الله العزيز الحكيم ، قال : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) فلا ترون ان الله تبارك وتعالى قال غير ما أرادكم تدعون الناس اليه من الاثرة على أنفسهم ، وسمى من فعل ما تدعون اليه مسرفا ، وفي غير آية من كتاب الله يقول : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فنهاهم عن الإسراف ونهاهم عن التقتير ، لكن أمر بين أمرين ، لا يعطى جميع ما عنده ثم يدعو الله أن يرزقه والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠٩ ـ في مجمع البيان روى عن معاذ انه قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك فقال : من اعطى في غير حق فقد أسرف ، ومن منع من حق فقد قتر.

١١٠ ـ وروى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال : ليس في المأكول والمشروب سرف وان كثر.

١١١ ـ وروى البخاري ومسلم في صحيحهما بالإسناد عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أي الذنوب أعظم؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قال : قلت : ثم اي؟ قال ان تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ، قلت : ثم اي؟ قال : ان تزانى حليلة جارك ، فأنزل الله تصديقا (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) الآية ١١٢ في تفسير على بن إبراهيم واما قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) واثام واد من أودية جهنم من صفر مذاب قدامها حرة (١) في جهنم ، يكون فيه من عبد غير الله تعالى ، ومن قتل النفس التي حرم الله ، ويكون فيه الزناة ويضاعف لهم فيه العذاب.

١١٣ ـ حدثني أبى عن المحمودي ومحمد بن عيسى بن عبيد عن محمد بن إسماعيل الرازي عن محمد بن سعيد ، ان يحيى بن أكثم سأل موسى بن على بن محمد عن مسائل

__________________

(١) الحرة. الأرض ذات أحجار سود.

٣١

وفيه أخبرنا عن قول الله عزوجل : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) فهل يزوج الله عباده الذكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك ، فسأل موسى أخاه أبا الحسن العسكري صلوات الله عليه وكان من جواب أبي الحسن : عليه‌السلام : اما قوله : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) ، فان الله تبارك وتعالى يزوج ذكران المطيعين إناثا من الحور ، وإناث المطيعات من الانس من ذكران المطيعين ، ومعاذ الله أن يكون الجليل عنى ما لبست على نفسك تطلب الرخصة لارتكاب المآثم ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) اى ان لم يتب.

١١٤ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا رفعه قال : ان الله عزوجل اعطى التائبين ثلاث خصال لو اعطى خصلة منها جميع أهل السموات والأرض لنجوا بها ، قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).

١١٥ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن بكر بن صالح عن الحسن بن على عن عبد الله بن إبراهيم عن علي بن على اللهبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أربع من كن فيه وكان من قرنه الى قدمه ذنوبا بدلها الله جل وعز حسنات : الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر.

١١٦ ـ في محاسن البرقي عنه عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أبيه عن سليمان بن خالد قال : كنت في محملي اقرأ ، إذ نادانى أبو عبد الله عليه‌السلام : اقرأ يا سليمان فانا في هذه الآيات التي في آخر تبارك : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ) فقال : هذه فينا ، اما والله لقد وعظنا وهو يعلم انا لا نزني ، اقرأ يا سليمان فقرأت حتى انتهيت الى قوله : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) قال :

٣٢

قف هذه فيكم ، انه يؤتى بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عزوجل فيكون هو الذي يلي حسابه فيوقفه على سيئاته شيئا شيئا ، فيقول : عملت كذا في يوم كذا في ساعة كذا فيقول : اعرف يا رب حتى يوقفه على سيئاته كلها كل ذلك يقول عرف ، فيقول : سترتها عليك في الدنيا واغفرها لك اليوم ، أبدلوها لعبدي حسنات قال : فترفع صحيفته للناس فيقولون : سبحان الله ما كانت لهذا العبد ولا سيئة واحدة! فهو قول الله عزوجل : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ).

١٠٧ ـ في كتاب سعد السعود لابن طاوس رحمه‌الله نقلا عن تفسير الكلبي قال : لما جعل مطعم بن عيسى بن نوفل لغلامه وحشي ان هو قتل حمزة أن يعتقه ، فلما قتله وقدموا مكة لم يعتقه فبعث وحشي وجماعة الى النبي عليه‌السلام انه ما يمنعنا من دينك الا اننا سمعناك تقرأ في كتابك ان من يدعو مع الله إلها آخر ويقتل النفس ويزني يلق أثاما ويخلد في العذاب ، ونحن قد فعلنا هذا كله ، فبعث إليهم بقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) فقالوا : نخاف ألا نعمل صالحا ، فبعث إليهم (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فقالوا : نخاف الا ندخل في المشية فبعث إليهم : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فجاؤا وأسلموا فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لوحشى قاتل حمزة رضوان الله عليه : غيب وجهك عنى فاننى لا أستطيع النظر إليك ، قال : فلحق بالشام فمات في الخبر (١) هكذا ذكر الكلبي ، ١١٨ ـ في عوالي اللئالى وعن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه وتخبأ كبارها فيقال : عملت يوم كذا وكذا وهو يقر ليس ينكر ، وهو مشفق من الكبائر أن تجيء فاذا أراد الله خيرا قال : أعطوه

__________________

(١) كذا في النسخ وكأنه اسم مكان قال الحموي في المعجم : الخبر موضع على سنة أميال من مسجد سعد بن ابى وقاص وفيها قصور على طريق الحاج. اه ولكن ذكر في أسد الغابة انه قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب : مات وحشي في الخمر أخرجه الثلاثة «انتهى» وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمته : وكان مغرما بالخمر وفرض له عمر في ألفين ثم ردها الى ثلاثماة بسبب الخمر. «انتهى» فيحتمل التصحيف.

٣٣

مكان كل سيئة حسنة ، فيقول : يا رب لي ذنوب ما رأيتها هنا قال : ورأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ضحك حتى بدت نواجده ، ثم تلا : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ).

١١٩ ـ في روضة الواعظين للمفيد رحمه‌الله وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما جلس قوم يذكرون الله الا نادى بهم مناد من السماء : قوموا فقد بدل الله سيئاتكم حسنات وغفر لكم جميعا.

١٢٠ ـ في أمالي شيخ الطائفة قدس‌سره باسناده الى محمد بن مسلم الثقفي قال : سألت أبا جعفر محمد بن على عليهما‌السلام عن قول الله عزوجل : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) فقال عليه‌السلام : يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يوقف بموقف الحساب فيكون الله تعالى هو الذي يتولى حسابه لا يطلع على حسابه أحدا من الناس ، فيعرفه بذنوبه حتى إذا أقر بسيئاته قال الله عزوجل للكتبة : بدلوها حسنات وأظهروها للناس ، فيقول الناس حينئذ : ما كان لهذا العبد سيئة واحدة ، ثم يأمر الله به الى الجنة فهذا تأويل الآية وهي في المذنبين من شيعتنا خاصة.

١٢١ ـ وباسناده الى الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حبنا أهل البيت يكفر الذنوب ويضاعف الحسنات ، وان الله ليتحمل من محبنا أهل البيت ما عليهم من مظالم العباد ، الا ما كان منهم فيها على إضرار وظلم للمؤمنين ، فيقول للسيئات : كوني حسنات.

١٢٢ ـ في عيون الاخبار في باب ما جاء عن الرضا صلى‌الله‌عليه‌وآله من الاخبار المجموعة ، وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان يوم القيامة يخلى الله عزوجل لعبده المؤمن فيقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا ، ثم يغفر له لا يطلع الله على ذلك ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ، ويستر عليه ما يكره أن يقف عليه أحد ، ثم يقول لسيئاته : كوني حسنات.

١٢٣ ـ وفي باب استسقاء المأمون بالرضا عليه‌السلام عنه عليه‌السلام قيل : يا رسول الله هلك فلان ، يعمل من الذنوب كيت وكيت؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل قد نجى ولا

٣٤

يختم الله تعالى عمله الا بالحسنى ، وسيمحو الله عنه السيئات ويبدلها حسنات ، انه كان مرة يمر في طريق عرض له مؤمن قد انكشفت عورته وهو لا يشعر فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة ان يخجل ، ثم ان ذلك المؤمن عرفه في مهواه فقال له : أجزل الله لك الثواب ، وإكرام لك المآب ، ولا ناقشك الحساب فاستجاب الله له فيه ، فهذا العبد لا يختم له الا بخير بدعاء ذلك المؤمن فاتصل قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الرجل فتاب وأناب واقبل على طاعة الله عزوجل ، فلم يأت عليه سبعة أيام حتى اغير على سرح المدينة (١) فوجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أثرهم جماعة ذلك الرجل أحدهم فاستشهد فيهم.

١٢٤ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده الى اسحق القمى قال : دخلت على أبى جعفر الباقر عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك فقد ارى المؤمن الموحد الذي يقول بقولي ويدين الله بولايتكم وليس بيني وبينه خلاف ، يشرب المسكر ويزني ويلوط ، وآتيه في حاجة واحدة فأصيبه معبس الوجه كالح اللون (٢) ثقيلا في حاجتي بطيئا فيها ، وقد أرى الناصب المخالف لما انا عليه (٣) ويعرفني بذلك فآتيه في حاجة فأصيبه طلق الوجه حسن البشر ، مسرعا في حاجتي ، فرحا بها ، يحب قضاها ، كثير الصلوة ، كثير الصوم كثير الصدقة ، يؤدى الزكاة ويستودع فيؤدي الامانة؟ قال : يا إسحاق ليس تدرون من أين أوتيتم؟ قلت : لا والله جعلت فداك الا تخبرني؟ فقال : يا إسحاق ان الله عزوجل لما كان متفردا بالوحدانية ابتدأ الأشياء لا من شيء فأجرى الماء العذب على ارض طيبة طاهرة سبعة أيام مع لياليها ثم نضب الماء عنها (٤) فقبض قبضة من صفا ذلك الطين وهي طينة أهل البيت ثم قبض قبضة من تلك الطينة وهي طينة شيعتنا ، ثم اصطفانا لنفسه ، فلو ان طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا لما زنى أحد منهم ولا سرق

__________________

(١) السرح : المال السائم.

(٢) عبس وجهه بمعنى كلح وهو الإفراط في التعبيس وقيل : الكلوح في الأصل : بدو الأسنان عند العبوس.

(٣) وفي المصدر «لما آتى عليه» والظاهر هو المختار.

(٤) نضب عنه البحر : نزح ماؤه ونشف.

٣٥

ولا لاط ولا شرب الخمر ولا ارتكب شيئا مما ذكرت ، ولكن الله عزوجل اجرى الماء المالح على ارض ملعونة سبعة أيام ولياليها ثم نضب الماء عنها ، ثم قبض قبضة وهي طينة ملعونة من حمأ مسنون وهي طينة خبال وهي طينة أعدائنا ، فلو ان الله عزوجل ترك طينتهم كما أخذها لم تروهم في خلق الآدميين ولم يقروا بالشهادتين ، ولم يصوموا ولم يصلوا ولم يزكوا ولم يحجوا البيت ، ولم تروا أحدا منهم بحسن خلق ، ولكن الله تبارك وتعالى جمع الطينتين : طينتكم وطينتهم فخلطها وعركها عرك الأديم (١) ومزجها بالمائين ، فما رأيت من أخيك المؤمن من شر لوط (٢) أو زنا أو شيء مما ذكرت من شرب مسكر أو غيره فليس من جوهريته ولا من ايمانه انما هو بمسحة الناصب اجترح (٣) هذه السيئات التي ذكرت ، وما رأيت من الناصب من حسن وجهه وحسن خلق أو صوم أو صلوة أو حج بيت أو صدقة أو معروف فليس من جوهريته ، انما تلك الأفاعيل من مسحة الايمان اكتسبها وهو اكتساب مسحة الايمان قلت : جعلت فداك فاذا كان يوم القيامة فمه؟ قال لي : يا إسحاق لا يجمع الله الخير والشر في موضع واحد ، إذا كان يوم القيامة نزع الله عزوجل مسحة الايمان منهم فردها الى شيعتنا ، ونزع مسحة الناصب بجميع (٤) ما اكتسبوا من السيئات فردها على أعدائنا وعاد كل شيء الى عنصره الاول الذي منه كان ابتدأ ، أما رأيت الشمس إذا هي بدت الا ترى لها شعاعا زاجرا متصلا بها أو بائنا منها؟ قلت : جعلت فداك الشمس إذا غربت بدا إليها الشعاع كما بدا منها ، ولو كان بائنا منها لما بدا إليها ، قال : نعم يا اسحق كل شيء يعود الى جوهره الذي منه بدا ، قلت : جعلت فداك تؤخذ حسناتهم فترد إلينا وتوخذ سيئاتنا فترد إليهم قال : اي والله الذي لا اله الا هو ، قلت : جعلت فداك أخذتها

__________________

(١) عرك الأديم : دلكه.

(٢) وفي المصدر «من شر لفظ» مكان «من شر لوط».

(٣) اجترح بمعنى اكتسب.

(٤) وفي بعض النسخ «يجتمع» بدل «بجميع» والمختار هو الظاهر الموافق للمصدر.

٣٦

من كتاب الله عزوجل قال : نعم يا اسحق : قلت : أي مكان قال لي : يا إسحاق ما تتلو هذه الآية (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) فلم يبدل الله سيئاتهم حسنات والله يبدل لكم.

١٢٥ ـ أبى رحمه‌الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد بن احمد السياري قال حدثنا محمد بن عبد الله بن مهران الكوفي قال : حدثني حنان بن سدير عن أبيه عن أبي اسحق الليثي قال قلت لابي جعفر محمد بن على الباقر عليهما‌السلام : يا بن رسول الله انى أجد من شيعتكم من يشرب الخمر ويقطع الطريق ويخيف السبيل ويزني ويلوط ويأكل الربا ويرتكب الفواحش ويتهاون بالصلوة والصيام والزكاة ويقطع الرحم ويأتى الكبائر ، فكيف هذا ولم ذلك فقال : يا إبراهيم هل يختلج في صدرك شيء غير هذا قلت : نعم يا ابن رسول الله اخرى أعظم من ذلك ، فقال : وما هو يا با إسحاق قال : قلت : يا ابن رسول الله وأجد من أعدائكم ومن ناصبيكم من يكثر من الصلوة ومن الصيام ويخرج الزكاة ويتابع بين الحج والعمرة ويحض على الجهاد ويأثر على البرد وعلى صلة الأرحام ويقضى حقوق إخوانه ويواسيهم من ماله ، ويتجنب شرب الخمر والزنا واللواط وساير الفواحش فمم ذلك ولم ذاك فسره لي يا ابن رسول الله وبرهنه وبينه فقد والله كثر فكري واسهر ليلى وضاق ذرعي (١) قال : فتبسم صلوات الله عليه ثم قال : يا إبراهيم خذ إليك بيانا شافيا فيما سألت وعلما مكنونا من خزائن علم الله وسره ، أخبرني يا إبراهيم كيف تجد اعتقادهما؟ قلت : يا ابن رسول الله أجد محبيكم وشيعتكم على ما فيه مما وصفته من أفعالهم لو أعطى أحدهم ما بين المشرق والمغرب ذهبا وفضة ان يزول عن ولايتكم لما فعل ولا عن محبتكم الى موالاة غيركم والى محبتهم ما زال ، ولو ضربت خياشيمه (٢) بالسيوف فيكم ولو قتل فيكم ما ارتدع ولا رجع من محبتكم وولايتكم ، وأرى الناصب على ما هو عليه مما وصفته من أفعالهم لو اعطى أحدهم ما بين المشرق والمغرب ذهبا و

__________________

(١) ضاق بالأمر ذرعا : ضعفت طاقته ولم يجد من المكروه فيه مخلصا ، وأصل الذرع بسط اليد ، فكأنك تريد مددت يدي اليه فلم تنله.

(٢) الخياشيم جمع الخيشوم : أقصى الأنف وقد مر.

٣٧

فضة ان يزول عن محبة الطواغيت وموالاتهم الى موالاتكم ما فعل ولا زال ولو ضربت خياشيمه بالسيوف فيهم ، ولو قتل فيهم ما ارتدع ولا رجع وإذا سمع أحدهم منقبة لكم وفضلا اشمأز من ذلك وتغير لونه وراى كراهة ذلك في وجه ، وبغضا لكم ومحبة لهم ، قال : فتبسم الباقر عليه‌السلام ثم قال : يا إبراهيم هاهنا هلكت العاملة الناصبة (تَصْلى ناراً حامِيَةً تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) ، ومن ذلك قال عزوجل : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) ويحك يا إبراهيم أتدري ما السبب والقصة في ذلك وما الذي قد خفي على الناس منه قلت : يا ابن رسول الله فبينه لي واشرحه وبرهنه قال : يا إبراهيم ان الله تبارك وتعالى لم يزل عالما قديما خلق الأشياء لا من شيء ، ومن زعم ان الله عزوجل خلق الأشياء من شيء فقد كفر ، لأنه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الأشياء قديما معه في أزليته وهويته كان ذلك الشيء أزليا ، بل خلق عزوجل الأشياء كلها لا من شيء ومما خلق الله عزوجل أرضا طيبة ثم فجر منها ماء عذبا زلالا ، فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فقبلتها ، فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام حتى طبقها وعمها ثم نضب ذلك الماء عنها (١) فأخذ من صفوة ذلك الطين طينا فجعله طين الائمة عليهم‌السلام ، ثم أخذ ثقل ذلك الطين فخلق منه شيعتنا ولو ترك طينكم يا إبراهيم كما ترك طينتا لكنتم ونحن شيئا واحدا ، قلت : يا ابن رسول الله فما فعل بطينتنا؟ قال : أخبرك يا إبراهيم ، خلق الله عزوجل بعد ذلك أرضا سبخة خبيثة منتنة ، ثم فجر منها ماءا أجاجا آسنا مالحا (٢) فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فلم تقبلها ، فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام حتى طبقها وعمها ، ثم نضب ذلك الماء عنها ثم أخذ من ذلك فخلق منه الطغاة وأئمتهم ، ثم مزجه بثقل طينتكم ولو ترك طينتهم على حاله ولم يمزج بطينتكم لم يشهدوا الشهادتين ولا صلوا ولا صاموا ولا زكوا ولا حجوا ولا أدوا امانة ولا أشبهوكم في الصور ، وليس شيء أكبر على المؤمن ان يرى صورة عدوه مثل صورته ، قلت : يا ابن رسول الله فما

__________________

(١) اى غار.

(٢) الآسن : المتغير الطعم.

٣٨

صنع بالطينتين؟ قال : مزج بينهما بالماء الاول والماء الثاني ثم عركهما عرك الأديم ، ثم أخذ من ذلك قبضة فقال : هذه الى الجنة ولا أبالي ، وأخذ قبضة اخرى وقال : هذه الى النار ولا أبالي ، ثم خلط بينهما فوقع من سنخ (١) المؤمن وطينته على سنخ الكافر وطينته ، ووقع من سنخ الكافر وطينته على سنخ المؤمن وطينته ، فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط أو ترك صلوة أو صيام أو حج أو جهاد أو جناية أو كبيرة من هذه الكبائر فهو من طينة الناصب وعنصره الذي قد مزج فيه ، لان من سنخ الناصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والفواحش والكبائر ، وما رأيت من الناصب ومواظبته على الصلوة والصيام والزكاة والحج والجهاد وأبواب البر فهو من طينة المؤمن وسنخه الذي قد مزج فيه ، لان من سنخ المؤمن وعنصره وطينته اكتساب الحسنات واشتغال الخير واجتناب المآثم ، فاذا عرضت هذه الأعمال كلها على الله عزوجل قال : انا [الله] عدل لا أجور ، ومنصف لا أظلم ، وحكم لا أحيف ولا أميل ولا اشطط ، ألحقوا الأعمال السيئة التي اجترحها المؤمن بسنخ الناصب وطينته ، وألحقوا الأعمال الحسنة التي اكتسبها الناصب بسنخ المؤمن وطينته ، ردوها كلها الى أصلها ، فاني انا الله لا اله الا أنا عالم السر وأخفي ، وانا المطلع على قلوب عبادي لا أحيف ولا أظلم ولا ألزم أحدا الا ما عرفته منه قبل أن أخلقه.

ثم قال الباقر عليه‌السلام ، يا إبراهيم اقرأ هذه الآية قلت : يا ابن رسول الله أية آية؟ قال : قوله تعالى : (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) هو في الظاهر ما تفهمونه ، هو والله في الباطن هذا بعينه يا إبراهيم ، ان للقرآن ظاهرا وباطنا ومحكما ومتشابها وناسخا ومنسوخا ثم قال : أخبرني يا إبراهيم عن الشمس إذا طلعت وبدا شعاعها في البلدان أهو بائن من القرص؟ قلت : في حال طلوعه بائن ، قال : أليس إذا غابت الشمس اتصل ذلك يعود كل شيء الى سنخه وجوهره وأصله ، فاذا كان يوم القيامة نزع الله عزوجل طينة الناصب مع أثقاله وأوزاره من المؤمن ،

__________________

(١) السنخ ـ بالكسر ـ : الأصل.

٣٩

فيلحقها كلها بالناصب ، وينزع سنخ المؤمن وطينته مع حسناته وأبواب من بره واجتهاده من الناصب فيلحقها كلها بالمؤمن افترى هاهنا ظلما أو عدوانا؟ قلت : لا يا بن رسول الله ، قال : هذا والله القضاء الفاصل والحكم القاطع والعدل البين لا يسأل عما يفعل وهم يسألون هذا يا إبراهيم ، الحق من ربك ولا تكن من الممترين ، هذا من حكم الملكوت قلت : يا بن رسول الله وما حكم الملكوت؟ قال : حكم الله وحكم أنبيائه ، وقصة الخضر وموسى عليهما‌السلام حين استصحبه ، فقال : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) افهم يا إبراهيم واعقل. أنكر موسى على الخضر واستفظع أفعاله (١) حتى قال له الخضر : يا موسى (ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) انما فعلته عن أمر الله عزوجل ، من هذا ، ويحك يا إبراهيم قرآن يتلى واخبار تؤثر عن الله عزوجل من رد منها حرفا فقد كفروا شرك ورد على الله عزوجل.

قال الليثي : فكأني لم اعقل الآيات وانا أقرأها أربعين سنة الا ذلك اليوم. فقلت : يا ابن رسول الله ما أعجب هذا تؤخذ حسنات أعدائكم فترد على شيعتكم وتؤخذ سيئات محبيكم فترد على مبغضيكم؟ قال : اي والله الذي لا اله الا هو فالق الحبة وبارئ النسمة وفاطر الأرض والسماء ، ما أخبرتك ولا أنبأتك الا بالصدق ، وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد ، وان ما أخبرتك لموجود في القرآن كله قلت : هذا بعينه ، يوجد في القران؟ قال : نعم يوجد في أكثر من ثلاثين موضعا في القرآن ، أتحب ان اقرء ذلك عليك قلت : بلى يا ابن رسول الله فقال : قال الله عزوجل : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) الآية أزيدك يا إبراهيم؟ قلت : بلى يا ابن رسول الله. قال : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ). أتحب ان أزيدك؟ قلت : بلى يا ابن رسول الله قال : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)

__________________

(١) استفظع الأمر : وجده فظيعا شنيعا.

٤٠