تفسير نور الثقلين - ج ٣

الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي

تفسير نور الثقلين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٢

الله ناجاه؟ فقال : نعم يا با رافع ، ان الله ناجاه يوم الطائف ويوم عقبة تبوك ويوم خيبر.

٩٥ ـ وعنه بهذا الاسناد عن منيع عن يونس عن على بن أعين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل الطائف : لأبعثن إليكم رجلا كنفسي يفتح الله به الخيبر ، سوطه سيفه ، فتشرف الناس لها ، فلما أصبح دعا عليا فقال : اذهب الى الطائف ثم أمر الله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يدخل إليها بعد أن دخله على ، فلما صار إليها كان على رأس الجبل فقال له رسول الله : اثبت فثبت ، فسمعنا مثل صرير الرحا فقيل : ما هذا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال ان الله يناجي عليا عليه‌السلام. قال عز من قائل : (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا)

٩٦ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة حدثنا محمد بن إبراهيم بن اسحق رضى الله عنه قال : أخبرنا أحمد بن محمد الهمداني قال : حدثنا على بن الحسن بن على بن فضال عن أبيه عن هشام بن سالم قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام : الحسن أفضل أم الحسين عليه‌السلام؟ فقال : الحسن أفضل من الحسين. قلت : فكيف صارت الامامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟ فقال : ان الله تبارك وتعالى لم يرد بذلك الا أن يجعل سنة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين عليهما‌السلام ، الا ترى انهما كانا شريكين في النبوة كما كان الحسن والحسين شريكين في الامامة ، وان الله عزوجل جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى وان كان موسى أفضل من هارون عليهما‌السلام.

٩٧ ـ وباسناده الى محمد بن جعفر عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عاش موسى عليه‌السلام مأة وستة وعشرين سنة ، وعاش هارون عليه‌السلام مأة وثلاثة وثلثين سنة

٩٨ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث من كن فيه كان منافقا وان صام وصلى وزعم انه مسلم : من إذا اؤتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، ان الله عزوجل يقول في كتابه : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) وقال :

٣٤١

(أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) وفي قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا).

٩٩ ـ ابن أبي عمير عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : انما سمى اسمعيل صادق الوعد لأنه وعد رجلا في مكان فانتظره سنة ، فسماه الله عزوجل صادق الوعد ، ثم ان الرجل أتاه بعد ذلك فقال له اسمعيل : ما زلت منتظرا لك.

١٠٠ ـ في عيون الاخبار باسناده الى سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : أتدري لم سمى اسمعيل صادق الوعد؟ قال : قلت : لا أدرى ، قال : وعد رجلا فجلس له حولا ينتظره.

١٠١ ـ في كتاب علل الشرائع في باب العلة التي من أجلها سمى اسمعيل بن حزقيل صادق الوعد ، حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير ومحمد ابن سنان عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان اسمعيل الذي قال الله عزوجل في كتابه : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) لم يكن اسمعيل بن إبراهيم ، بل كان نبيا من الأنبياء بعثه الله عزوجل الى قومه ، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه (١) ووجهه ، فأتاه ملك فقال : ان الله جل جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت ، فقال : لي أسوة بما يصنع بالأنبياء عليهم‌السلام.

١٠٢ ـ وباسناده الى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ان اسمعيل كان رسولا نبيا سلط عليه قومه فقشروا جلدة وجهه وفروة رأسه ، فأتاه رسول من رب العالمين فقال له : ربك يقرئك السلام ويقول قد رأيت ما صنع بك وقد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت فقال : يكون لي بالحسين بن على عليهما‌السلام أسوة.

١٠٣ ـ في تفسير على بن إبراهيم (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) قال : وعد وعدا فانتظر صاحبه سنة ، وهو اسمعيل بن حزقيل عليه‌السلام.

__________________

(١) الفروة : جلدة الرأس بشعرها.

٣٤٢

١٠٤ ـ في مجمع البيان (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ) الذي هو القرآن «اسمعيل» بن إبراهيم (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) وكان إذا وعد بشيء وفي ولم يخلف «وكان» مع ذلك (رَسُولاً نَبِيًّا) الى جرهم وقد مضى معناه ، قال ابن عباس انه واعد رجلا أن ينتظره في مكان ونسي الرجل ، فانتظره سنة حتى أتاه الرجل ، وروى ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

١٠٥ ـ وقيل : إن اسمعيل بن إبراهيم مات قبل أبيه ، وان هذا هو اسمعيل بن حزقيل بعثه الله الى قوله ، ورواه أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وذكر نحوه ما ذكرنا عن كتاب علل الشرائع.

١٠٦ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده الى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عاش اسمعيل بن إبراهيم عليه‌السلام مأة وعشرين سنة.

١٠٧ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده الى إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن على الباقر عليهم‌السلام قال : كان بدو نبوة إدريس عليه‌السلام انه كان في زمانه ملك جبار ، وانه ركب ذات يوم في بعض نزهه فمر بأرض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرافضة (١) فأعجبته فسأل وزرائه لمن هذه الأرض؟ قالوا : لعبد مؤمن من عبيد الملك فلان الرافضي ، فدعا به فقال له : أمتعني بأرضك هذه ، فقال له : عيالي أحوج إليها منك ، قال : فسمني بها اثمن لك (٢) قال : لا أمتعك بها ولا أسومك دع عنك ذكرها فغضب الملك عند ذلك وأسف وانصرف الى أهله وهو مغموم متفكر في أمره ، وكانت له امرأة من الازارقة (٣) وكان بها معجبا يشاورها في الأمر إذا نزل به ، فلما استقر في

__________________

(١) قال المسعودي في إثبات الوصية (ص : ١٢ ط طهران) : وكان من يتبعه على كفره ويرفضه يسمى رافضيا «انتهى» وقال بعض : انه عليه‌السلام عبر بذلك لئلا يتهم أصحابه مما ينابزهم العامة بهذا اللقب ، ويعلموا ان ذلك كان ديدن أهل الدنيا سلفا وخلفا وعادتهم.

(٢) اى بعنى أعطيك الثمن.

(٣) الازارقة من الخوارج أصحاب نافع بن الأزرق كفروا عليا عليه‌السلام وأصحابه وجوزوا

٣٤٣

مجلسه بعث إليها يشاورها في أمر صاحب الأرض ، فخرجت اليه فرأت في وجهه الغضب فقالت : ايها الملك ما الذي دهاك (١) حتى بدا الغضب في وجهك قبل فعلك؟ فأخبرها بخبر الأرض وما كان من قوله لصاحبها ومن قول صاحبها له ، فقالت : ايها الملك انما يغتم ويهتم ويأسف من لا يقدر على التغيير والانتقام ، فان كنت تكره ان تقتله بغير حجة فانا أكفيك امره وأصير أرضه إليك بحجة ، لك فيها العذر عند أهل مملكتك ، قال : وما هي؟ قالت : أبعث اليه أقواما من أصحابى أزارقة حتى يأتوك به ، فيشهدون عليه عندك انه قد برأ من دينك ، فيجوز لك قتله وأخذ أرضه. قال : فافعلي.

قال : وكان لها أصحاب من الازارقة على دينها يرون قتل الرافضة من المؤمنين ، فبعثت الى قوم من الازارقة فأتوها فأمرتهم أن يشهدوا على فلان الرافضي عند الملك انه قد برأ من دين الملك فشهدوا عليه انه قد برىء من دين الملك فقتله واستخلص أرضه ، فغضب الله تعالى للمؤمن عند ذلك ، فأوحى الى إدريس : أن ائت عبدي هذا الجبار فقل له : أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك ، فاحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتي لأنتقمن له منك في الآجل ، ولأسلبنك ملكك في العاجل ، ولأخربن مدينتك ولأذلن عزك ، ولأطعمن الكلاب لحم امرأتك ، فقد غرك يا مبتلى حلمي عنك؟ فأتاه إدريس عليه‌السلام برسالة ربه وهو في مجلسه وحوله أصحابه ، فقال : أيها الجبار انى رسول الله إليك وهو يقول لك : أما رضيت ان قتلت عبدي المؤمن حتى استخلصت أرضه خالصة لك ، وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتي لأنتقمن له منك في الآجل ، ولأسلبنك ملكك في العاجل ولأخربن مدينتك ولأذلن عزك ولأطعمن الكلاب لحم امرأتك ، فقال الجبار : اخرج

__________________

قتل مخالفيهم وسبى نسائهم فقيل : ان المراد في الحديث ان المرأة كانت بصفة الازارقة فكما ان الازارقة يرون غير أهل نحلتهم مشركا ويستحلون دمه وأمواله فكذلك هذه المرأة.

(١) دهى فلانا : أصابه بداهية والداهية : الأمر العظيم.

٣٤٤

ـ عنى يا إدريس فلن تسبقني بنفسك (١) ثم أرسل الى امرأته فأخبرها بما جاء به إدريس فقالت : لا يهولنك رسالة اله إدريس انا أكفيك أمر إدريس ، انا أرسل اليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه وكلما جاء به ، قال : فافعلي قال : وكان لإدريس أصحاب من الروافض مؤمنون يجتمعون اليه في مجلس له فيأنسون به ويأنس بهم ، فأخبرهم إدريس بما كان من وحي الله عزوجل اليه ورسالته الى الجبار وما كان من تبليغه رسالة الله عزوجل الى الجبار ، فأشفقوا على إدريس وأصحابه وخافوا عليه القتل وبعثت امرأة الجبار اليه أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوه. فأتوه في مجلسه الذي كان يجتمع اليه فيه أصحابه فلم يجدوه ، فانصرفوا وقد رآهم أصحاب إدريس فحسبوا أنهم أتوا إدريس ليقتلوه فتفرقوا في طلبه فلقوه فقالوا له : خذ حذرك يا إدريس فان الجبار قاتلك ، قد بعث اليوم أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوك فاخرج من هذه القرية.

فتنحى إدريس عن القرية من يومه ذلك ، ومعه نفر من أصحابه ، فلما كان في السحر ناجى إدريس ربه فقال : يا رب بعثتني الى جبار فبلغت رسالتك وقد توعدني هذا الجبار بالقتل بل هو قاتلي ان ظفر بى؟ فأوحى الله عزوجل اليه : أن تنح عنه واخرج من قريته ، وخلنى وإياه فو عزتي لأنفذن فيه أمرى ، ولأصدقن قولك فيه ، وما أرسلتك به اليه ، فقال إدريس : يا رب ان لي حاجة ، قال الله عزوجل : سل تعطها.

قال : اسألك ان لا تمطر السماء على هذه القرية وما حولها وما حوت عليه حتى اسألك ذلك ، قال الله عزوجل : يا إدريس إذا تخرب القرية ويشتد جهد أهلها ويجوعون! قال إدريس : وان خربت وجهدوا وجاعوا؟ قال الله عزوجل : قد أعطيتك ما سألت ولن أمطر السماء عليهم حتى تسألنى ذلك ، وأنا أحق من وفى بوعده.

فأخبر إدريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عنهم وبما أوحى الله اليه ووعده

__________________

(١) قال المجلسي (ره) : فلن تسبقني بنفسك هو تهديد بالقتل ، اى لا يمكنك الفرار بنفسك والتقدم بحيث لا يمكنني اللحوق بك لاهلاكها ، أو لا تغلبني في أمر نفسك بأن تتخلصها منى ويحتمل أن يكون المراد : لا تغلبني متفردا بنفسك من غير معاون فلم تتعرض لي.

٣٤٥

أن لا يمطر السماء على قريتهم حتى يسأله ذلك فاخرجوا أيها المؤمنون من هذه القرية الى غيرها من القرى ، فخرجوا منها وعدّتهم يومئذ عشرون رجلا ، فتفرقوا في القرى وشاع خبر إدريس في القرى بما سأل ربه ، وتنحى إدريس الى كهف من الجبل شاهق (١) فلجأ اليه ووكل الله عزوجل به ملكا يأتيه بطعامه عند كل مساء وكان يصوم النهار فيأتيه الملك بطعامه عند كل مساء ، وسلب الله عزوجل عند ذلك ملك الجبار وقتله وأخرب مدينته وأطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن ، فظهر في المدينة جبار آخر عاص ، فمكثوا بذلك بعد خروج إدريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم قطرة من مائها فجهد القوم واشتدت حالهم وصاروا يمتارون الاطعمة (٢) من القرى من بعد ، فلما جهدوا مشى بعضهم الى بعض ، فقالوا : ان الذي نزل بنا مما ترون لسؤال إدريس ربه أن لا يمطر السماء علينا حتى يسأله هو ، وقد تنحى إدريس عنا ولا علم لنا بموضعه والله أرحم بنا منه ، فأجمع أمرهم على ان يتوبوا الى الله ويدعوه ويفزعوا اليه ويسألوه أن يمطر السماء عليهم وعلى ما حوت قريتهم ، فقاموا على الرماد ولبسوا المسوح وحثوا على رؤسهم التراب (٣) وعجوا الى الله بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع اليه.

فأوحى الله عزوجل الى إدريس : يا إدريس ان أهل قريتك قد عجوا الى بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع ، وانا الله الرحمن الرحيم اقبل التوبة وأعفو عن السيئة وقد رحمتهم ولم يمنعني من اجابتهم الى ما سألونى من المطر الا مناظرتك فيما سألتنى أن لا أمطر السماء عليهم حتى تسألنى ، فاسألنى يا إدريس حتى أغيثهم وأمطر السماء عليهم. قال إدريس : اللهم انى لا أسئلك ذلك. قال الله عزوجل : ألم تسألنى يا إدريس

__________________

(١) الشاهق : المرتفع من الجبال.

(٢) اى يجمعونها.

(٣) المسوح جمع المسح : الكساء من شعر كثوب الرهبان ، ومنه يقال من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد مسح. وحثا التراب : صبه.

٣٤٦

فأجبتك الى ما سألت ، وأنا اسألك ان تسألنى فلم لا يجيب مسألتى؟ قال إدريس : اللهم لا اسألك ، قال : فأوحى الله عزوجل الى الملك الذي أمره أن يأتى إدريس بطعامه كل مساء أن احبس عن إدريس طعامه ولا تأته به ، فلما أمسى إدريس في ليلة يومه ذلك فلم يؤت بطعامه حزن وجاع ، فصبر فلما كان في ليلة اليوم الثاني فلم يؤت بطعامه اشتد حزنه وجوعه ، فلما كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده وجوعه وحزنه وقل صبره ، فنادى ربه : يا رب حبست عنى رزقي من قبل أن تقبض روحي؟ فأوحى الله عزوجل اليه : يا إدريس جزعت ان حبست عنك طعامك ثلثة أيام ولياليها ، ولم تجزع وتذكر جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة ، ثم سألتك عند جهدهم ورحمتي إياهم ان تسألنى فأمطر السماء عليهم فلم تسألنى وبخلت عليهم بمسألتك إياي! فأدبتك بالجوع ، فقل عند ذلك صبرك وظهر جزعك فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه الى جبلتك.

فهبط إدريس عليه‌السلام من موضعه الى قرية يطلب أكله من جوع ، فلما دخل القرية نظر الى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه ، فهجم على عجوز كبيرة وهي ترفق قرصتين لها على مقلاة (١) فقال لها : أيتها المرأة أطعمينى فانى مجهود من الجوع ، فقالت له : يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلا نطعمه أحدا ـ وحلفت انها ما تملك غيره شيئا ـ فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية ، فقال لها : أطعميني ما أمسك به روحي وتحملني به رجلي الى أن أطلب ، قالت : انهما قرصتان واحدة لي والاخرى لابني فان أطعمتك قوتي مت ، وان أطعمتك قوت إبني مات ، وما هاهنا فضل أطعمك ، فقال لها : ان ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيا به ، ويجزيني النصف الاخر فأحيى به وفي ذلك بلغة لي وله ، فأكلت المرئة قرصتها وكسرت الاخرى بين إدريس وبين ابنها ، فلما راى ابنها إدريس يأكل من قرصته اضطرب حتى مات ، قالت امه : يا عبد الله قتلت على إبني جزعا على قوته ، فقال لها إدريس : فأنا أحييه

__________________

(١) المقلاة : وعاء يقلى فيه الطعام.

٣٤٧

بإذن الله فلا تجزعي ، ثم أخذ إدريس بعضدي الصبى ثم قال : أيتها الروح الخارجة عن بدن هذا الغلام بأمر الله ارجعي الى بدنه بإذن الله وأنا إدريس النبي ، فرجعت روح الغلام اليه بإذن الله ، فلما سمعت امه كلام إدريس وقوله : أنا إدريس ، ونظرت الى ابنها قد عاش بعد الموت ، قالت : اشهد انك إدريس النبي وخرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية : أبشروا بالفرج قد دخل إدريس في قريتكم ، ومضى إدريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الاول فوجدها وهي تل ، فاجتمع اليه أناس من أهل قريته فقالوا له : يا إدريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة التي جهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فيها؟ فادع الله ان يمطر السماء علينا. قال : لا ، حتى يأتيني جباركم هذا وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألوني ذلك ، فبلغ الجبار قوله ، فبعث اليه أربعين رجلا يأتوه بإدريس فأتوه فقالوا له : ان الجبار بعثنا إليك لنذهب بك اليه فدعا عليهم فماتوا ، فبلغ ذلك الجبار فبعث اليه خمسمائة رجل ليأتوه به فأتوه فقالوا له : يا إدريس ان الجبار بعثنا إليك لنذهب بك اليه ، فقال لهم إدريس : انظروا الى مصارع أصحابكم فقالوا له : يا إدريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد أن تدعو علينا بالموت؟ أما لك رحمة؟ فقال : ما أنا بذاهب اليه وما انا بسائل الله أن يمطر السماء عليكم حتى يأتيني جباركم ماشيا حافيا وأهل قريتكم ، فانطلقوا الى الجبار فأخبروه بقول إدريس وسألوه أن يمضى معهم وجميع أهل قريتهم الى إدريس مشاة حفاة ، فأتوه حتى وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين اليه أن يسأل الله عزوجل أن يمطر السماء عليهم ، فقال لهم إدريس : اما الآن فنعم فسأل الله عزوجل إدريس عند ذلك ان يمطر السماء عليهم وعلى قريتهم ونواحيها ، فأظلتهم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم من ساعتهم (١) حتى ظنوا انه الغرق ، فما رجعوا الى منازلهم حتى أهمتهم أنفسهم من الماء (٢)

__________________

(١) هطل المطر : نزل متتابعا متفرقا عظيم القطر.

(٢) قال في البحار : اى خوف أنفسهم أوقعهم في الهموم ، أو لم يهتمهم الأهم أنفسهم وطلب خلاصها. ثم اعلم ان الظاهر ان أمره تعالى إدريس عليه‌السلام بالدعاء لهم لم يكن على سبيل الحتم

٣٤٨

١٠٨ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده الى عبد الله بن يزيد بن سلام انه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سأله عن الأيام : فالخميس؟ قال : هو يوم خامس من الدنيا وهو يوم أنيس لعن فيه إبليس ورفع فيه إدريس ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠٩ ـ في الكافي على بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن مفضل بن صالح عن جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرنى جبرئيل ان ملكا من الملائكة كانت له عند الله منزلة عظيمة فتعتب عليه فأهبطه من السماء الى الأرض ، فأتى إدريس عليه‌السلام فقال له : ان لك من الله منزلة فاشفع لي عند ربك ، فصلى ثلاث ليال لا يفتر وصام (١) أيامها لا يفطر ، ثم طلب الى الله عزوجل في السحر في الملك ، فقال الملك : انك قد أعطيت سؤلك وقد أطلق الله لي جناحي وانا أحب ان أكافيك فاطلب الى حاجة ، فقال تريني ملك الموت لعلى آنس به فانه ليس يهنينى مع ذكره شيء. فبسط جناحه ثم قال : اركب ، فصعد به يطلب ملك الموت في السماء الدنيا ، فقيل له : اصعد فاستقبله بين السماء الرابعة والخامسة ، فقال الملك : يا ملك الموت ما لي أراك قاطبا؟ (٢) قال : العجب انى تحت ظل العرش حيث أمرت ان أقبض روح آدمي بين السماء الرابعة والخامسة؟ فسمع إدريس عليه‌السلام فامتعض (٣) فخر من جناح الملك فقبض روحه مكانه وقال الله عزوجل : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا).

١١٠ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن أحمد بن أبي داود عن عبد الله بن أبان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في حديث طويل يذكر فيه مسجد السهلة : أما علمت انه

__________________

والوجوب بل على الندب والاستحباب ، وكان غرضه عليه‌السلام في الأخير وفي طلب القوم أن يأتوا ، متذللين تنبيههم وزجرهم عن الطغيان والفساد لئلا يخالفوا ربهم بعدد هو له بينهم ، وان أولياء الله يغضبون لربهم أكثر من سخطه تعالى لنفسه لسعة رحمته وعظم حلمه تعالى شأنه.

(١) فتر فلان عن عمله قصر فيه.

(٢) قطب : زوي ما بين عينيه وكلح.

(٣) امتعض منه : غضب وشق عليه.

٣٤٩

موضع بيت إدريس النبي عليه‌السلام الذي كان يخيط فيه؟

١١١ ـ في تفسير على بن إبراهيم حدثني ابى عن محمد بن ابى عمير عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان الله تبارك وتعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه وألقاه في جزيرة من جزائر البحر ، فبقي ما شاء الله عزوجل في ذلك البحر ، فلما بعث الله عزوجل إدريس عليه‌السلام جاء ذلك الملك اليه فقال : يا نبي الله ادع الله أن يرضى عنى ويرد جناحي ، قال : نعم فدعا إدريس فرد الله عزوجل عليه جناحه ورضى عنه ، قال الملك لإدريس : ألك حاجة؟ قال : نعم أحب ان ترفعني الى السماء حتى انظر الى ملك الموت فانه لا عيش لي مع ذكره ، فأخذه الملك على جناحه حتى انتهى به الى السماء الرابعة فاذا ملك الموت يحرك رأسه تعجبا ، فسلم إدريس عليه‌السلام على ملك الموت ، فقال له : مالك تحرك رأسك؟

قال : ان رب العزة أمرنى ان أقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة ، فقلت : يا رب وكيف يكون هذا وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام ، ومن السماء الرابعة الى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام ، وكل سمائين وما بينهما كذلك فكيف يكون هذا؟ ثم قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة ، وهو قوله عزوجل : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) وسمى إدريس لكثرة دراسته الكتب.

١١٢ ـ وفيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل ذكرناه أول الإسراء وفيه : ثم صعدنا الى السماء الرابعة وإذا فيها رجل فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ فقال : هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا ، فسلمت عليه وسلم على واستغفرت له واستغفر لي.

١١٣ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه‌الله روى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن على عليهم‌السلام قال : ان يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لعلى عليه‌السلام في كلام طويل : هذا إدريس عليه‌السلام أعطاه الله عزوجل «مكانا عليا» قال له علي عليه‌السلام : لقد كان كذلك ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله اعطى ما هو أفضل من هذا. ان الله جل ثناؤه قال فيه : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) فكفى بهذا من الله رفعة.

٣٥٠

١١٤ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب في مناقب زين العابدين عليه‌السلام قال عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا) : نحن عنينا بها.

١١٥ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن داود بن فرقد قال : قلت لابي عبد الله عليه‌السلام قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) قال : كتابا ثابتا ، وليس ان عجلت قليلا أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضيع تلك الاضاعة. فان الله عزوجل يقول لقوم : (أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).

١١٦ ـ في مجمع البيان وقيل : أضاعوها بتأخيرها عن مواقيتها من غير أن تركوها أصلا. وهو المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

١١٧ ـ في جوامع الجامع (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) رووا عن على عليه‌السلام : من بنى الشديد وركب المنظور ولبس المشهور.

١١٨ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سلم من أمتي من أربع خصال فله الجنة : من الدخول في الدنيا ، واتباع الهوى ، وشهوة البطن ، وشهوة الفرج.

١١٩ ـ في تفسير على بن إبراهيم قوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) يعنى في الجنة (إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) قال : ذلك في جنات الدنيا قبل القيمة ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) فالبكرة والعشى لا يكون في الاخرة في جنات الخلد وانما يكون الغدو والعشى في جنات الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين وتطلع فيها الشمس والقمر.

١٢٠ ـ في محاسن البرقي عنه عن النضر بن سويد عن على بن صامت عن ابن أخى شهاب بن عبد ربه قال : شكوت الى أبي عبد الله عليه‌السلام ما ألقى من الأوجاع والتخم ، فقال : تغد وتعش ولا تأكل بينهما شيئا فان فيه فساد البدن ، أما سمعت قول الله عزوجل يقول : (لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا).

٣٥١

١٢١ ـ في كتاب طب الائمة عليهم‌السلام محمد بن عبد الله العسقلاني قال : حدثنا النضر بن سويد عن على بن أبي الصلت عن أخى شهاب بن عبد ربه قال : كأنى شكوت الى أبي عبد الله عليه‌السلام ما القى من الأوجاع والتخم وذكر الى آخر ما في كتاب المحاسن. قال عز من قائل : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا)

١٢٢ ـ في تهذيب الأحكام في ادعية نوافل شهر رمضان : سبحان من خلق الجنة لمحمد وآل محمد ، سبحان من يورثها محمدا وآل محمد وشيعتهم.

١٢٣ ـ في مجمع البيان وقال ابن عباس : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لجبرئيل : ما منعك ان تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزل (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) الآية.

١٢٤ ـ في عيون الاخبار عن الرضا عليه‌السلام حديث وفيه يقول عليه‌السلام : ان الله تعالى لا يسهو ولا ينسى وانما ينسى ويسهو المخلوق والمحدث ، الا تسمعه عزوجل يقول : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا).

١٢٥ ـ في كتاب التوحيد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حديث طويل يقول فيه لرجل سأله عما اشتبه عليه من آيات الكتاب : واما قوله : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) فان ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ، ولا يغفل بل هو الحفيظ العليم.

ويقول فيه عليه‌السلام للسائل أيضا : واما قوله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) فان تأويله : هل يعلم أحد اسمه الله غير الله تبارك وتعالى ، فإياك ان تفسر القرآن برأيك حتى تفقه عن العلماء ، فانه رب تنزيل يشبه بكلام البشر وهو كلام الله وتأويله لا يشبه كلام البشر ، كما ليس شيء من خلقه يشبهه كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئا من أفعال البشر ، ولا يشبه شيء من كلامه بكلام البشر ، فكلام الله تبارك وتعالى صفته ، وكلام البشر أفعالهم ، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضل.

١٢٦ ـ في أصول الكافي أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن على بن أسباط عن خلف بن حماد عن ابن مسكان عن مالك الجهني قال : سألت (١)

__________________

(١) اى انها يأتى لتهيئة منزل الموت ولاعلام الناس بنزوله ، لان الرائد من هو يأتى قبل المسافر في طلب الكلاء.

٣٥٢

أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : أو لم ير (الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) قال : فقال : لا مقدرا ولا مكونا.

١٢٧ ـ في محاسن البرقي عنه عن أبيه عن اسمعيل بن إبراهيم ومحمد بن أبي عمير عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن حمران قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) قال : لم يكن شيئا في كتاب ولا علم.

١٢٨ ـ في تفسير على بن إبراهيم (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) اى لم يكن ذكره ، ثم أقسم عزوجل بنفسه فقال : «فو ربك يا محمد (لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) قال : على ركبهم وقوله عزوجل :

(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) يعنى في البحار إذا تحولت نيرانا يوم القيمة.

١٢٩ ـ وفي حديث آخر : هي منسوخة بقوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ).

١٣٠ ـ أخبرنا أحمد بن إدريس قال : حدثنا احمد بن محمد بن عيسى عن على بن الحكم عن الحسين بن ابى العلا عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) قال : أما تسمع الرجل يقول : وردنا بنى فلان فهو الورود ولم يدخله.

١٣١ ـ في مجمع البيان قال السدي : سألت مرة الهمداني عن هذه الآية فحدثني ان عبد الله بن مسعود حدثهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يرد الناس النار ثم يصدرون بأعمالهم ، فأولهم كلمع البرق ، ثم كمر الريح ثم كحضر الفرس ، ثم كالراكب ثم كشد الرجل ، ثم كمشيه.

١٣٢ ـ وروى أبو صالح غالب بن سليمان عن كثير بن زياد عن أبي سمية قال : اختلفنا في الورود ، فقال قوم : لا يدخلها مؤمن ، وقال آخرون : يدخلونها جميعا ثم ينجى الله الذين اتقوا ، فلقيت جابر بن عبد الله فسألته فأومى بإصبعيه الى أذنيه وقال : صمتا ان لم أكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الورود الدخول ، لا يبقى برولا

٣٥٣

فاجر الا يدخلها ، فيكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى ان للنار ـ أو قال لجهنم : ـ ضجيجا من بردها ، ثم ينجى الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا.

١٣٣ ـ وروى مرفوعا عن يعلى بن منبه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : تقول النار للمؤمن يوم القيامة : جزيا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى.

١٣٤ ـ وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه سئل عن المعنى فقال : ان الله تعالى يجعل النار كالسمن الجامد ، ويجمع عليها الخلق ثم ينادى المنادي : أن خذي أصحابك وذرى أصحابي فو الذي نفسي بيده لهي أعرف بأصحابها من الوالدة بولدها.

١٣٥ ـ في اعتقادات الامامية للصدوق رحمه‌الله وروى انه لا يصيب أحدا من أهل التوحيد الم في النار إذا دخلوها ، وانما يصيبهم الا لم عند الخروج منها ، فتكون تلك الآلام جزاء بما كسبت أيديهم وما الله بظلام للعبيد.

١٣٦ ـ في مجمع البيان متصل بقوله : من الوالدة بولدها وقيل : ان الفائدة في ذلك ما روى في بعض الاخبار ان الله تعالى لا يدخل أحدا الجنة حتى يطلعه على النار وما فيها من العذاب ، ليعلم تمام فضل الله عليه وكمال لطفه وإحسانه اليه ، فيزداد لذلك فرحا وسرورا بالجنة ونعيمها ، ولا يدخل أحدا النار حتى يطلعه على الجنة وما فيها من أنواع النعيم والثواب ليكون ذلك زيادة عقوبة له وحسرة على ما فاته من الجنة ونعيمها ، وقد ورد في الخبر أن الحمى من قيح جهنم.

١٣٧ ـ وروى ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عاد مريضا فقال : أبشر ان الله عزوجل يقول : الحمى هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار.

١٣٨ ـ في الكافي محمد عن أحمد بن محمد عن محمد بن اسمعيل عن سعدان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : الحمى رائد الموت (١)

__________________

(١) اى انها يأتى لتهيئة منزل الموت ولاعلام الناس بنزوله ، لان الرائد من هو يأتى قبل المسافر في طلب الكلاء.

٣٥٤

وهي سجن المؤمن في الأرض ، وهي حظ المؤمن من النار.

١٣٩ ـ محمد بن يحيى عن موسى بن الحسن عن الهيثم بن أبي مسروق عن شيخ من أصحابنا يكنى بابى عبد الله عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحمى رائد الموت ، وسجن الله تعالى في أرضه ، وفورها من جهنم ، وهي حظ كل مؤمن من النار.

١٤٠ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن الحسن ابن عبد الرحمن عن على بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا قريشا الى ولايتنا فتنفروا وأنكروا «فقال الذين كفروا» من قريش «للذين آمنوا» الذين أقروا لأمير المؤمنين ولنا أهل البيت : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) تعييرا منهم ، فقال الله ردا عليهم : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) من الأمم السابقة (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً).

١٤١ ـ في تفسير على بن إبراهيم وقال على بن إبراهيم رحمه‌الله في قوله عزوجل : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) قال : عنى به الثياب والاكل والشراب وفي رواية أبي الجارود عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : الأثاث المتاع ، واما رئيا فالجمال والمنظر الحسن.

١٤٢ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن الحسن بن عبد الرحمن عن على بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قلت : قوله (مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) قال : كلهم كانوا في ضلالة لا يؤمنون بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ولا بولايتنا ، فكانوا ضالين مضلين فليمد لهم في ضلالتهم وطغيانهم حتى يموتوا. فيصيرهم الله شرا مكانا وأضعف جندا ، قلت : قوله : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) قال : اما قوله : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) فهو خروج القائم وهو الساعة ، فسيعلمون

٣٥٥

ذلك اليوم وما نزل بهم من الله على يدي قائمه. فذلك قوله : (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً) يعنى عند القائم عليه‌السلام (وَأَضْعَفُ جُنْداً) قلت : قوله : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) قال : يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى باتباعهم القائم عليه‌السلام ، حيث لا يجحدونه ولا ينكرونه.

١٤٣ ـ في تفسير على بن إبراهيم وقوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا) قال : الباقيات هو قول المؤمن : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر.

١٤٤ ـ وحدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما اسرى بى الى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قيعانا يققا (١) ورأيت فيها ملئكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وربما أمسكوا ، فقلت لهم : ما لكم ربما بنيتم وربما أمسكتم؟ فقالوا : حتى تجيئنا النفقة ، فقلت لهم : وما نفقتكم؟ قالوا : قول المؤمن في الدنيا : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر. فاذا قال بنينا وإذا أمسك أمسكنا.

قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه : وفي بعض النسخ دخلت الجنة فرأيت فيها ملئكة يبنون إلخ وقد نقلنا في تفسير «الباقيات الصالحات» في سورة الكهف جملة شافية من الاخبار فراجع.

١٤٥ ـ في تفسير على بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله عزوجل : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) ان العاص بن وائل بن هشام القرشي ثم السهمي وهو أحد المستهزئين وكان لخباب بن الأرت على العاص بن وائل حق ، فأتاه يتقاضاه ، فقال له العاص : ألستم تزعمون ان في الجنة الذهب والفضة والحرير؟ قال : بلى ، قال : فموعد ما بيني وبينك الجنة فو الله لأوتين فيها خيرا مما أوتيت في الدنيا ، يقول الله عزوجل :

__________________

(١) القيعان جمع القاع : الأرض السهلة المطمئنة قد انفرجت عنها الآكام والجبال. ويقق : شديد البياض.

٣٥٦

(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) والضد القرين الذي يقرن به.

١٤٦ ـ حدثنا جعفر بن احمد قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : حدثنا الحسين ابن على بن أبي حمزة عن أبيه عن ابى بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) يوم القيامة اى يكون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ضدا يوم القيمة ويتبرءون منهم ومن عبادتهم الى يوم القيمة ، ثم قال : ليس العبادة هي السجود ولا الركوع وانما هي طاعة الرجال ، من أطاع مخلوقا في معصية الخالق فقد عبده ، وقوله عزوجل : (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) قال : لما طغوا فيها وفي فتنتها وفي طاعتهم ومد لهم في طغيانهم وضلالتهم أرسل عليهم شياطين الانس والجن (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) اى تنخسهم نخسا ، وتحضهم على طاعتهم وعبادتهم ، فقال الله عزوجل : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) اى في طغيانهم وفتنتهم وكفرهم.

١٤٧ ـ وفي تفسيره متصل بقوله «وإذا أمسك أمسكنا» عند قوله : «والباقيات الصالحات» وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) قال : نزلت في مانعي الزكاة والمعروف ، يبعث الله عليهم سلطانا أو شيطانا فينفق ما يجب عليه من الزكاة في غير طاعة الله ويعذبه على ذلك ، وقوله تبارك وتعالى : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) فقال لي : ما هو عندك؟ قلت : عندي عدد الأيام ، قال : لا ، ان الاباء والأمهات ليحصون ذلك ولكن عدد الأنفاس.

١٤٨ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن الحسين بن اسحق عن على بن مهزيار عن على بن اسمعيل الميثمي عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : قلت لابي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزوجل : (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) قال : ما هو عندك؟ قلت : عدد الأيام ، قال : ان الاباء والأمهات يحصون ذلك ولكنه عدد الأنفاس.

٣٥٧

١٤٩ ـ في نهج البلاغة من كلامه عليه‌السلام : نفس المرء خطاه الى أجله.

١٥٠ ـ وقال عليه‌السلام : كل معدود متنقص وكل متوقع آت.

١٥١ ـ في عيون الاخبار حدثنا أبو على محمد بن أحمد بن يحيى المعاذي قال : حدثنا أبو عمر محمد بن عبد الله الحكمي الحاكم بنوقان ، قال : خرج علينا رجلان من الري برسالة بعض السلاطين بها الى الأمر نصر بن أحمد ببخارا وكان أحدهما من أهل الري والاخر من أهل قم ، وكان القمى على المذهب الذي كان قديما بقم في النصب وكان الرازي متشيعا ، فلما بلغا نيسابور قال الرازي للقمي : ألا نبدأ بزيارة الرضا عليه‌السلام ثم نتوجه الى بخارا؟ فقال القمى : قد بعثنا سلطاننا برسالة الى الحضرة ببخارا فلا يجوز لنا أن نشتغل بغيرها حتى نفرغ منها ، فقصدا بخارا وأديا ورجعا حتى حاذيا طوى ، فقال الرازي للقمي : الا نزور الرضا عليه‌السلام؟ فقال : خرجت من قم مرجئا ولا أرجع إليها رافضيا ، قال : فسلم الرازي أمتعته ودوابه اليه وركب حمارا وقصد مشهد الرضا عليه‌السلام وقال لخدام المشهد : خلوا الى المشهد هذه الليلة ، وادفعوا الى مفتاحه ففعلوا ذلك ، قال : فدخلت المشهد وغلقت الباب وزرت الرضا عليه‌السلام ثم قمت عند رأسه وصليت ما شاء الله تعالى ، وابتدأت في قراءة القرآن من أوله قال : فكنت أسمع صوتا بالقرآن كما أقرأ ، فقطعت صلوتى ودرت المشهد كله وطلبت نواحيه فلم أر أحدا ، فعدت الى مكاني وأخذت في القرائة من أول القرآن فكنت أسمع مثل ما اقرأ حتى بلغت آخر مريم فقرأت : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) فسمعت الصوت من القبر : «يوم يحشر المتقون الى الرحمن وفدا ويساق المجرمون الى جهنم وردا» حتى ختمت القرآن وختم ، فلما أصبحت رجعت الى نوقان فسألت من بها من المقرئين عن هذه القرائة ، فقالوا هذا في اللفظ والمعنى مستقيم لكنا لا نعرف في قراءة أحد قال فرجعت الى نيسابور فسئلت من المقرئين عن هذه القرائة فلم يعرفها أحد منهم حتى رجعت الى الري فسئلت بعض المقرئين عن هذه القرائة فقلت : من قرء «يوم يحشر المتقون الى الرحمن وفدا ويساق المجرمون الى جهنم وردا»؟ فقالوا لي : اين جئت بهذا؟ فقلت : وقع لي احتياج الى معرفتها في أمر

٣٥٨

حدث ، فقال : هذه قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من رواية أهل البيت عليهم‌السلام ثم استحكاني السبب الذي من أجله سألت عن هذه القرائة فقصيت عليه القصة وصحت لي القرائة.

١٥٢ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد ابن سنان عن أبي الجارود قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم أمتي ثم أسألهم ما فعلتم بكتاب الله وأهل بيتي؟.

١٥٣ ـ في تفسير على بن إبراهيم حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن شريك العامري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سأل على صلوات الله عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفسير قوله عزوجل : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) قال : يا على الوفد لا يكون الا ركبانا ، أولئك رجال اتقوا الله عزوجل فأحبهم ، واختصهم ورضى أعمالهم ، فسماهم الله متقين ، ثم قال : يا على أما والذي فلق الحبة وبرىء النسمة انهم ليخرجون من قبورهم وبياض وجوههم كبياض الثلج ، عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن ، عليهم نعال الذهب شراكها من لؤلؤ يتلالأ.

١٥٤ ـ وفي حديث آخر قال : ان الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنة ، عليها رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت ، وجلالها (١) الإستبرق والسندس وخطامها جذل الأرجوان (٢) وأزمتهم من زبرجد ، فتطير بهم الى المحشر ، مع كل رجل منهم ألف ملك من قدامه وعن يمينه وعن شماله ، يزفونهم (٣) حتى ينتهوا بهم الى باب الجنة الأعظم ، وعلى باب الجنة شجرة ، الورقة منها يستظل تحتها مأة ألف

__________________

(١) جلال ـ ككتاب ـ جمع الجل وهو للدابة كالثوب للإنسان تصان به.

(٢) الجذل : أصل الشجر الخشبي والأرجوان : شجرة صغيرة الحجم من فصيلة القرنيات زهرها وردي يظهر في مطلع الربيع قبل الأوراق.

(٣) زف العروس الى زوجها : أهداها ، قال المجلسي (ره) في مرآة العقول اى يذهبون بهم على غاية الكرامة كما يزف العروس الى زوجها.

٣٥٩

من الناس ، وعن يمين الشجرة عين مطهرة مكوكبة (١) قال : فيسقون منها شربة فيطهر الله عزوجل قلوبهم من الحسد ويسقط عن أبشارهم الشعر. وذلك قوله عزوجل : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) من تلك العين المطهرة ، ثم يرجعون الى عين اخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون منها ، وهي عين الحيوة ، فلا يموتون أبدا.

ثم قال : يوقف بهم قدام العرش وقد سلموا من الآفات والأسقام والحر والبرد ، قال فيقول الجبار جل ذكره للملائكة الذين معهم : احشروا أوليائى الى الجنة ولا تقفوهم مع الخلائق ، قد سبق رضائى عنهم ووجبت لهم رحمتي ، فكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات ، فتسوقهم الملائكة الى الجنة ، فاذا انتهوا الى باب الجنة الأعظم ضربوا الملائكة الحلقة ضربة فتصر صريرا (٢) فيبلغ صوت صريرها كل حوراء خلقها الله عزوجل وأعدها لأوليائه ، فيتباشروا إذ سمعوا صوت صرير الحلقة ويقول بعضهم لبعض : قد جاءنا أولياء الله فيفتح لهم الباب ، فيدخلون الجنة ويشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين ، فيقلن : مرحبا بكم فما كان أشد شوقنا إليكم ، ويقول لهم أولياء الله مثل ذلك ، فقال على صلوات الله عليه : من هؤلاء يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا على هؤلاء شيعتك المخلصون في ولايتك ، وأنت امامهم وهو قول الله عزوجل : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) على الرحائل ، (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً).

في روضة الكافي على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن محمد بن اسحق المدني عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن قول الله عزوجل : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) فقال : يا على ان الوفد لا يكونون الا ركبانا ، وذكر نحو ما في تفسير على بن إبراهيم الى قوله : ويقول لهن أولياء الله مثل ذلك.

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في المصدر وكتاب الروضة والمنقول عنهما في البحار «مزكية» وهو الظاهر.

(٢) صر صريرا : صوت وصاح شديدا.

٣٦٠