تفسير نور الثقلين - ج ٣

الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي

تفسير نور الثقلين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٢

آيته في يده وعصاه ، وفي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وغرق الله عزوجل فرعون وجنوده وعملت البشرية فيه حتى قال في نفسه ما أرى ان الله عزوجل خلق خلقا أعلم منى ، فأوحى الله عزوجل الى جبرئيل يا جبرئيل أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك ، وقل له : ان عند ملتقى البحرين رجلا عابدا فاتبعه وتعلم منه ، فهبط جبرئيل على موسى بما أمر الله به ربه عزوجل ، فعلم موسى ان ذلك لما حدثت به نفسه ، فمضى هو وفتاه يوشع بن نون عليهما‌السلام ، حتى انتهيا الى ملتقى البحرين ، فوجدا هنالك الخضر عليه‌السلام يتعبد الله عزوجل ، كما قال الله عزوجل في كتابه : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قالَ) له الخضر عليه‌السلام : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) لأني وكلت بعلم لا تطيقه ، ووكلت بعلم لا أطيقه ، قال موسى : بل أستطيع معك صبرا ، فقال له الخضر : ان القياس لا يحال له في علم الله وأمره (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) قال موسى (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) فلما استثنى المشية قبله (قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) فقال موسى : لك ذلك علىّ (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها) الخضر عليه‌السلام فقال له موسى عليه‌السلام : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) قال موسى لا (تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ) الخضر عليه‌السلام فغضب موسى وأخذ بتلبيبه (١) وقال له : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً قالَ) له الخضر : ان العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره ، بل أمر الله يحكم عليها ، فسلم لما ترى منى واصبر عليه فقد كنت علمت (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) وهي الناصرة وإليها تنسب النصارى (اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) فوضع الخضر عليه‌السلام يده فأقامه فقال له موسى (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً).

__________________

(١) التبيب : ما في موضع اللبب وهو المنجر من الثوب ويعرف بالطوق.

٢٨١

١٥٥ ـ في مجمع البيان (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) روى أبي بن كعب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كانوا أهل قرية لئام. وفي الشواذ قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) بضم الياء وقراءة على بن أبي طالب «ينقاص» بالصاد غير معجمة وبالألف.

١٥٦ ـ في تفسير العياشي عن ليث بن سليم عن أبي جعفر عليه‌السلام شكى موسى الى ربه الجوع في ثلثة مواضع (آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) «رب لما (أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).

١٥٧ ـ في مجمع البيان (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ) الآية وروى ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تلا هذه الآية فقال : استحيا نبي الله موسى ولو صبر لراى ألفا من العجائب.

١٥٨ ـ في تفسير على بن إبراهيم متصلا بما نقلنا عنه سابقا من قصة الخضر وموسى ويوشع عليهم‌السلام فمروا ثلاثتهم حتى انتهوا الى ساحل البحر وقد شحنت سفينة (١) وهي تريد أن تعبر ، فقال أرباب السفينة : نحمل هؤلاء الثلاثة نفر ، فإنهم قوم صالحون فحملوهم ، فلما جنحت السفينة في البحر قام الخضر عليه‌السلام الى جوانب السفينة فكسرها وحشاها بالخرق والطين ، فغضب موسى عليه‌السلام غضبا شديدا وقال للخضر عليه‌السلام : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) فقال له الخضر عليه‌السلام : (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) قال موسى (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) فخرجوا من السفينة فنظر الخضر عليه‌السلام الى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه كأنه قطعة قمر وفي أذنيه درتان فتأمله الخضر عليه‌السلام ثم اخذه فقتله فوثب موسى على الخضر عليهما‌السلام وجلد به الأرض «فقال (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) فقال الخضر عليه‌السلام : (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) قال موسى (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً فَانْطَلَقا حَتَّى) «قال» (إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها) وكان وقت العشى والقرية تسمى الناصرة وإليها ينسب النصارى ولم يضيفوا أحدا قط ولم يطعموا غريبا فاستطعموهم فلم يطعموهم ، ولم

__________________

(١) شحنت السفينة : ملأها.

٢٨٢

يضيفوهم ، فنظر الخضر عليه‌السلام الى حائط قد زال لينهدم فوضع الخضر عليه‌السلام يده عليه وقال : قم بإذن الله فقام ، فقال موسى عليه‌السلام : لم ينبغ أن تضم الجدار حتى يطعمونا ويأوونا ، وهو قوله عزوجل : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) فقال له الخضر عليه‌السلام : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً أَمَّا السَّفِينَةُ) التي فعلت بها ما فعلت فانها كانت لقوم مساكين (يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ) ، اى وراء السفينة (مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ) صالحة غصبا هكذا نزلت وإذا كانت السفينة معيوبة لم يأخذ منها شيئا و (أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) وهو طبع كافرا كذا نزلت ، فنظرت الى جبينه وعليه مكتوب طبع كافرا (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) فأبدل الله عزوجل والديه بنتا ولدت سبعين نبيا ، واما الجدار الذي اقمنه (فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ، وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما ، وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) الى قوله تعالى : (ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً).

١٥٩ ـ حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان ذلك الكنز لوح من ذهب مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح وعجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يفرق (١) وعجبت لمن يذكر النار كيف يضحك ، وعجبت لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها.

١٦٠ ـ في كتاب علل الشرائع متصل بآخر ما نقلنا اعنى قوله : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) قال له الخضر (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) فقال : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ) صالحة غصبا» فأردت بما فعلت أن تبقى لهم ولا يغصبهم الملك عليها فنسب الانانية في هذا الفعل الى نفسه لعلة ذكر التعبيب لأنه (٢) أراد ان

__________________

(١) اى يخاف.

(٢) اى انما لم ينسب الفعل اليه تعالى رعاية للأدب ، لان نسبة التعبيب اليه تعالى غير*

٢٨٣

يعيبها عند الملك إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها ، وأراد الله عزوجل صلاحهم بما أمره به من ذلك ، ثم قال : و (أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) وطبع كافرا وعلم الله تعالى ذكره انه ان بقي كفر أبواه وافتتنا به ، وضلا بإضلاله إياهما ، فأمرني الله تعالى ذكره بقتله ، وأراد بذلك نقلهم الى محل كرامته في العاقبة ، فاشترك بالانانية بقوله : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) فأراد (أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) وانما اشترك في الانانية لأنه خشي والله لا يخشى ، لأنه لا يفوته شيء ولا يمتنع عليه أحد أراده. وانما خشي الخضر من ان يحال بينه وبين ما أمر فيه فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه ووقع في نفسه ان الله تعالى ذكره جعله سببا لرحمة أبوى الغلام ، فعمل فيه وسط الأمرين من البشرية مثل ما كان عمل في موسى عليه‌السلام لأنه صار في الوقت مخبرا ، وكليم الله موسى عليه‌السلام مخبرا (١) ولم يكن ذلك باستحقاق للخضر للرتبة على موسى عليهما‌السلام وهو أفضل من الخضر ، بل كان لاستحقاق موسى للتبيين.

ثم قال : و (أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) ولم يكن ذلك الكنز بذهب ولا فضة ، ولكن كان لوحا من ذهب فيه مكتوب : عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟ عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن؟ ، عجبت لمن أيقن ان البعث حق كيف يظلم؟ عجبت لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها؟ و (كانَ أَبُوهُما صالِحاً) كان بينهما وبين هذا الأب الصالح سبعون أبا فحفظهما الله بصلاحه ، ثم قال : (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما) فتبرء من الأنانية في آخر القصص ، ونسب الارادة كلها الى الله تعالى ذكره في ذلك ، لأنه لم يكن بقي شيء مما فعله فيخبر به بعد ، ويصير موسى عليه‌السلام به مخبرا ومصغيا الى كلامه تابعا له ، فتجرد من الأنانية ، والارادة تجرد العبد المخلص ثم صار متنصلا (٢) مما

__________________

* مناسب ، واما ما يناسب أن ينسب اليه تعالى فهو ارادة صلاحهم بهذا التعييب.

(١) بكسر الاول وفتح الثاني.

(٢) من تنصل الى فلان من الجناية إذا اعتذر وتبرء عنده منها.

٢٨٤

أتاه من نسبة الأنانية في أول القصة ، ومن ادعاء الاشتراك في ثانى القصة فقال : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً).

١٦١ ـ في تفسير العياشي عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه كان يقرء (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) يعنى امامهم (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ) صالحة غصبا».

١٦٢ ـ في مجمع البيان وروى أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه كان يقرأ «كل سفينة صالحة غصبا» وروى ذلك أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : وهي قراءة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

١٦٣ ـ في كتاب تلخيص الأقوال في تحقيق أحوال الرجال في ترجمة زرارة ابن أعين روى في الصحيح أن أبا عبد الله عليه‌السلام أرسل اليه انما أعيبك دفاعا منى عنك ، فان الناس والعدو يسارعون الى كل من قربناه وحمدنا مكانه ، لادخال الأذى فيمن نحبه ونقربه ، ويذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ، ويحمدون كل من عبناه ، فانما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم عند الناس ، فيكون ذلك دافع شرهم عنك ، لقول الله عزوجل : «واما (السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) هذا الرسل من عند الله صالحة لا والله ما عابها الا لكي تسلم من الملك ، فإنهم المثل يرحمك الله فانك والله أحب الناس الى ، وأحب أصحاب أبي الى حيا وميتا ، فانك أفضل سفن ذلك البحر القمقام ، وان من ورائك لملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليغصبها وأهلها ، فرحمة الله عليك حيا ، ورحمته ورضوانه عليك ميتا.

١٦٤ ـ في مجمع البيان وروى عن أبي وابن عباس انهما كانا يقرآن «اما الغلام فكان كافرا وأبواه مؤمنين» وروى ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

١٦٥ ـ في تفسير العياشي عن حريز عمن ذكره عن أحدهما انه قرء «وكان أبواه مؤمنين فطبع كافرا».

٢٨٥

١٦٦ ـ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ان نجدة الحروري كتب الى ابن عباس يسأله عن سبى الذراري؟ فكتب اليه : اما الذراري فلم يكن رسول الله يقتلهم ، وكان الخضر يقتل كافرهم ويترك مؤمنهم ، فان كنت تعلم ما يعلم الخضر فاقتلهم.

١٦٧ ـ عن اسحق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : بينما العالم يمشى مع موسى إذ هم بغلام يلعب [فاقله] (١) قال فوكزه العالم فقتله ، قال له موسى (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) قال : فادخل العالم يده فاقتلع كتفه فاذا عليه مكتوب : كافر مطبوع.

١٦٨ ـ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : «فخشينا» خشي ان أدرك الغلام أن يدعو أبويه الى الكفر فيجيبانه.

١٦٩ ـ عن عبد الله بن خلف رفعه قال : كان في كتف الغلام الذي قتله العالم مكتوب : كافر.

١٧٠ ـ عن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) قال : أبدلوا جارية فولدت غلاما وكان نبيا.

١٧١ ـ عن أبي يحيى الواسطي رفعه الى أحدهما في قول الله : (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) الى قوله : (وَأَقْرَبَ رُحْماً) قال : أبدلهما مكان الابن بنتا ، فولدت سبعين نبيا

١٧٢ ـ في من لا يحضره الفقيه وقال : في قول الله عزوجل : (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) قال : أبدلهما الله عزوجل مكان الابن ابنة ، فولد منها سبعون نبيا.

١٧٣ ـ في مجمع البيان وروى انها الغلام المقتول جارية ، فولدت سبعين نبيا عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

١٧٤ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عدة من أصحابه

__________________

(١) كذا في النسخ وما بين المعقفتين غير موجود في المصدر والمنقول عنه في البحار.

٢٨٦

عن الحسن بن على بن يوسف عن الحسن بن سعيد اللخمي قال : ولد لرجل من أصحابنا جارية فدخل على أبي عبد الله عليه‌السلام فرآه مسخطا ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : أرأيت لو ان الله تبارك وتعالى أوحى إليك ان اختار لك أو تختار لنفسك ما كنت تقول؟ قال : كنت أقول يا رب تختار لي ، قال : فان الله عزوجل قد اختار لك ، ثم قال : ان الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسى عليه‌السلام في قوله الله عزوجل (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيا.

١٧٥ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أحمد ابن محمد بن أبي نصر عن صفوان الجمال ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) فقال : اما انه ما كان ذهبا ولا فضة ، وانما كان أربع كلمات : لا اله الا انا ، من أيقن بالموت لم تضحك سنه ، ومن أيقن بالحساب لم يفرح قلبه ، ومن أيقن بالقدر لم يخش الا الله.

١٧٦ ـ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن على بن أسباط قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : كان في الكنز الذي قال الله عزوجل : (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) كان فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن أيقن بالموت كيف يضحك ، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يركن إليها ، وينبغي لمن عقل عن الله ان لا يتهم الله في قضائه ولا يستبطيه في رزقه ، فقلت : جعلت فداك أريد أن أكتبه ، قال : فضرب والله يده الى الدواة ليضعها بين يدي ، فتناولت يده فقبلتها وأخذت الدواة فكتبته.

١٧٧ ـ في عوالي اللئالى روى الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لما أقام العالم الجدار أوحى الله تعالى الى موسى عليه‌السلام انى مجازي الأبناء بسعى الآباء ان خيرا فخير وان شرا فشر لا تزنوا فتزني نساؤكم ، من وطأ فراش امرء مسلم وطئ فراشه كما تدين تدان.

٢٨٧

١٧٨ ـ في قرب الاسناد للحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن أبي نصر قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : وكان في الكنز الذي قال : و (كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) لوح من ذهب فيه بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا الله ، محمد رسول الله ، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، وعجبا لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ، وعجبا لمن راى الدنيا وفعلها بأهلها كيف يركن إليها ، وينبغي لمن عقل عن الله ان لا يهتم الله تبارك وتعالى في قضائه ، ولا يستبطيه في رزقه.

١٧٩ ـ في تهذيب الأحكام في دعاء مروي عنهم عليهم‌السلام اللهم انك حفظت الغلامين بصلاح أبويهما.

١٨٠ ـ في أمالي شيخ الطائفة قدس‌سره باسناده الى جعفر بن حبيب النهدي انه سمع جعفر بن محمد يقول : احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين ، وكان ابو هما صالحا.

١٨١ ـ وباسناده الى أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كم من إنسان له حق ، لا يعلم به ، قلت : وما ذاك أصلحك الله؟ قال : ان صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته لا يعلمان به ، اما انه لم يكن بذهب ولا فضة. قلت : فما كان؟ قال : كان علما ، قلت فأيهما أحق به؟ قال : الكبير كذلك نقول نحن.

١٨٢ ـ في كتاب الخصال عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله تعالى : (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) قال : والله ما كان من ذهب ولا فضة ، وما كان الا لوح فيه كلمات أربع ، انى انا الله لا اله الا انا ومحمد رسولي ، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح قلبه ، وعجبت لمن أيقن بالحساب كيف يضحك سنه ، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يستبطى الله في رزقه ، وعجبت لمن يرى النشأة الاولى كيف ينكر النشأة الاخرة؟

١٨٣ ـ في كتاب معاني الاخبار حدثنا محمد بن الحسن رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد قال : حدثنا الحسن بن على رفعه الى عمرو بن جميع رفعه الى على عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) قال : كان

٢٨٨

ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب بسم الله لا اله الا الله محمد رسول الله ، عجبت لمن يعلم ان الموت حق كيف يفرح ، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، عجبت لمن يذكر النار كيف يضحك ، عجبت لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها؟

١٨٤ ـ في مجمع البيان (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) قيل : كان كنزا من الذهب والفضة ورواه ابو الدرداء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٨٥ ـ وقيل : كان لوحا من ذهب وفيه مكتوب : عجبا لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ، عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يعتل ، عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ لا اله الا الله محمد رسول الله ، وروى ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفي بعض الروايات زيادة ونقصان.

١٨٦ ـ (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء.

١٨٧ ـ في تفسير العياشي عن محمد بن عمر عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان الله ليحفظ ولد المؤمن الى ألف سنة ، وان الغلامين كان بينهما وبين أبويهما سبعمائة سنة.

١٨٨ ـ عن اسحق بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله ، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله ، ثم ذكر الغلامين فقال : (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) ألم تر ان الله شكر صلاح أبويهما لهما.

١٨٩ ـ عن بريد بن رويان قال : قال الحسين عليه‌السلام لنافع بن الأزرق : يا بن الأزرق انى أخبرت أنك تكفر أبي وأخى وتكفرني؟ قال له نافع : لئن قلت ذلك لقد كنتم الحكام ومعالم الإسلام ، فلما بدلتم استبدلنا بكم ، فقال له الحسين : يا بن الأزرق أسئلك عن مسئلة فأجبنى عن قول الله لا اله الا هو : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ

٢٨٩

يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) الى قوله : «كنزهما» من حفظ فيهما؟ قال : فأيهما أفضل ، أبويهما أم رسول الله وفاطمة؟ قال : لا بل رسول الله وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فما حفظهما حتى خلى بينهما وبين الكفر؟ فنهض ثم نفض ثوبه ثم قال : نبأنا الله عنكم معشر قريش أنتم قوم خصمون ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٩٠ ـ عن زرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : يحفظ الله الأطفال باعمال آبائهم ، كما حفظ الله الغلامين بصلاح أبيهما.

١٩١ ـ عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام ، ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ان الله ليخلف العبد الصالح من بعد موته في أهله وماله ، وان كان أهله أهل السوء ثم قرء هذه الاية الى آخرها : (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً).

١٩٢ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده الى أبي سعيد عقيصا قال : قلت للحسن ابن على بن أبي طالب ، يا بن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت ان الحق لك دونه وان معاوية ضال باغ؟ فقال : يا با سعيد ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه وإماما عليهم بعد أبي عليه‌السلام؟ قلت : بلى ، قال : ألست الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لي ولأخي الحسين : إمامان قاما أو قعدا؟ قلت : بلى ، قال : انا فاذن امام لو قمت ، وانا امام إذا قعدت ، يا با سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبني ضمرة وبنى أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل ، يا با سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيى فيما أتيته من مهادنة أو محاربة ، وان كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا الا ترى الى الخضر عليه‌السلام ، لما أخرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى عليه‌السلام فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي ، هكذا انا سخطتم على بجهلكم بوجه الحكمة فيه ، ولو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد الا قتل.

١٩٣ ـ وباسناده الى عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد

٢٩٠

عليهما‌السلام يقول : ان لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها ، يرتاب فيها كل مبطل ، فقلت له : ولم جعلت فداك؟ قال : لأمر لم يأذن في كشفه لكم ، قلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال : وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره ، ان وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف الا بعد ظهوره ، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه‌السلام من خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار لموسى عليه‌السلام ، الا وقت افتراقهما ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٩٤ ـ وباسناده الى اسحق الليثي عن الباقر عليه‌السلام حديث طويل يقول فيه عليه‌السلام أنكر موسى على الخضر واستفضع أفعاله حتى قال له الخضر : يا موسى ما فعلته عن أمري انما فعلته عن أمر الله عزوجل.

١٩٥ ـ في أصول الكافي محمد بن عيسى عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال موسى للخضر عليه‌السلام : قد تحرمت بصحبتك فأوصنى ، قال : الزم ما لا يضرك معه شيء كما لا ينفعك مع غيره شيء.

١٩٦ ـ في أمالي الصدوق (ره) باسناده الى الصادق عليه‌السلام ، قال : ان موسى ابن عمران عليه‌السلام ، حين أراد أن يفارق الخضر عليه‌السلام قال : أوصني فكان مما أوصاه أن قال له إياك واللجاجة ، وان تمشي في غير حاجة ، أو أن تضحك من غير عجب ، واذكر خطيئتك وإياك وخطايا الناس.

١٩٧ ـ في كتاب الخصال عن الزهري عن على بن الحسين عليه‌السلام قال : كان آخر ما أوصى به الخضر ، موسى بن عمران عليهما‌السلام ان قال : لا تعير أحدا بذنب ، وان أحب الأمور الى الله تعالى ثلثة : القصد في الشدة ، والعفو في القدرة ، والرفق بعباد الله وما رفق أحد بأحد في الدنيا الا رفق الله تعالى به يوم القيمة ، ورأس الحكمة مخافة الله تبارك الله وتعالى.

١٩٨ ـ في تفسير على بن إبراهيم : حدثني أبي عن يوسف بن أبي حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لما اسرى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى السماء وجد ريحا مثل ريح المسك الأذفر ،

٢٩١

فسأل جبرئيل عنها فأخبره جبرئيل عليه‌السلام انها تخرج من بيت عذب فيه قوم في الله حتى ماتوا ، ثم قال له : ان الخضر عليه‌السلام كان من أبناء الملوك فآمن بالله. وتخلى في بيت دار أبيه يعبد الله عزوجل ولم يكن لأبيه ولد غيره فأشاروا على أبيه أن يزوجه ، فلعل الله أن يرزقه ولدا فيكون الملك فيه وفي عقبه فخطب له امرأة بكرا وأدخلها عليه ، فلم يلتفت الخضر إليها فلما كان في اليوم الثاني قال لها : تكتمين على أمرى؟ فقالت : نعم قال لها : ان سئلك أبي هل كان منى إليك ما يكون من الرجال الى النساء فقولي : نعم فقالت : أفعل ، فسألها الملك عن ذلك فقالت : نعم وأشار عليه الناس ان يأمر النساء أن يفتشنها ، فأمر وكانت على حالتها فقالوا : أيها الملك زوجت العز من العزة زوجه امرأة ثيبا ، فزوجه فلما أدخلت عليه سألها الخضر أن تكتم عليه أمره فقالت : نعم ، فلما ان الملك سألها قالت : أيها الملك ان ابنك امرأة فهل تلد المرأة من المرأة؟ فغضب عليه وأمر بردم الباب عليه فردم فلما كان يوم الثالث حركته رقة الاباء ، فأمر بفتح الباب ففتح فلم يجدوه فيه ، وأعطاه الله عزوجل من القوة أن يتصور كيف يشاء ثم كان على مقدمة ذي القرنين وشرب من الماء الذي من شرب منه بقي الى الصيحة.

قال : فخرج من مدينة أبيه رجلان في تجارة في البحر حتى وقعا الى جزيرة من جزائر البحر ، فوجدا فيها الخضر عليه‌السلام قائما يصلى فلما انفتل دعا هما فسألهما عن خبرهما فأخبراه فقال لهما : هل يكتمان على أمرى ان أنا رددتكما في يومكما هذا الى منازلكما؟ فقالا : نعم ، فنوى أحدهما أن يكتم أمره ونوى الآخر ان رده الى منازله أخبر أباه بخبره ، فدعا الخضر سحابة وقال : احملي هذين الى منازلهما ، فحملتهما السحابة حتى وضعتهما في بلدهما من يومهما ، فكتم أحد هما أمره ، وذهب الآخر الى الملك فأخبره بخبره ، فقال له الملك : من يشهد لك بذلك؟ قال : فلان التاجر فدل على صاحبه ، فبعث الملك اليه فلما أحضره أنكره وأنكر معرفة صاحبه ، فقال له الاول : ايها الملك ابعث معى خيلا الى هذه الجزيرة واحبس هذا حتى آتيك بابنك فبعث معه

٢٩٢

خيلا فلم يجده فأطلق عن الرجل الذي كتم عليه ، ثم ان القوم عملوا بالمعاصي فأهلكهم الله عزوجل وجعل مدينتهم عاليها سافلها وابتدرت الجارية التي كتمت عليه أمره والرجل الذي كتم عليه كل واحد منهما ناحية من المدينة فلما أصبحا التقيا فأخبر كل واحد منهما صاحبه بخبره ، فقالا : ما نجونا الا بذلك ، فآمنا برب الخضر عليه‌السلام وحسن إيمانهما ، وتزوج بها الرجل ووقعا الى مملكة ملك آخر ، ودخلت المرأة الى بيت الملك وكانت تزين بنت الملك ، فبينما هي تمشطها يوما إذ سقط من يدها المشط ، فقالت : لا حول ولا قوة الا بالله ، فقالت لها بنت الملك : ما هذه الكلمة؟ فقالت لها : ان لي إلها تجري الأمور كلها بحوله وقوته ، فقالت لها بنت الملك : ألك اله غير أبي؟

قالت : نعم وهو إلهك واله أبيك. فدخلت بنت الملك الى أبيها فأخبرت أباها بما سمعت من هذه المرئة ، فدعاها الملك فسألها عن خبرها فأخبرته ، فقال لها : من على دينك؟ قالت : زوجي وولدي فدعاهما الملك فأمرهما بالرجوع عن التوحيد فأبوا عن ذلك ، فدعا بمرجل (١) من ماء فاسخنه وألقاهم فيه ، فأدخلهم بيتا وهدم عليهم البيت ، فقال جبرئيل عليه‌السلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فهذه الرائحة التي شممتها من ذلك البيت.

١٩٩ ـ في قرب الاسناد للحميري باسناده الى موسى بن جعفر عليه‌السلام حديث طويل يذكر فيه آيات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه : ومن ذلك ان نفرا من اليهود أتوه فقالوا لأبي الحسن جدي : استأذن لنا على ابن عمك نسأله ، قال : فدخل على فأعلمه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : وما يريدون منى؟ فانى عبد من عبيد الله لا أعلم الا ما علمني ربي ، ثم قال : ائذن لهم فدخلوا ، فقال : اسئلونى عما جئتم له أم أنبئكم؟ قالوا : نبئنا ، قال : جئتم تسئلونى عن ذي القرنين؟ قالوا : نعم ، قال كان غلاما من أهل الروم ، ثم ملك وأتى مطلع الشمس ومغربها ، ثم بنى السد فيها ، قالوا : نشهد ان هذا كذا وكذا.

__________________

(١) المرجل : القدر من الحجارة والنحاس.

٢٩٣

٢٠٠ ـ في أصول الكافي على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قال : قلت : له ما منزلتكم ومن تشبهون ممن مضى؟ قال : صاحب موسى وذو القرنين ، كانا عالمين ولم يكونا نبيين.

٢٠١ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن الحارث بن مغيرة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : ان عليا عليه‌السلام كان محدثا ، فقلت : فيقول نبي؟ فحرك بيده هكذا ثم قال أو كصاحب سليمان ، أو كصاحب موسى ، أو كذي القرنين ، أو ما بلغكم انه قال : وفيكم مثله.

٢٠٢ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده الى أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ان ذي القرنين لم يكن نبيا ولكنه كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه ، وناصح لله فناصحه ، أمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه ، فغاب عنهم زمانا ثم رجع إليهم ، فضربوه على قرنه الآخر ، وفيكم من هو على سنته.

٢٠٣ ـ وباسناده الى الأصبغ بن نباته قال : قام ابن الكوا الى على بن أبي طالب عليه‌السلام وهو على المنبر فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنى عن ذي القرنين أنبيا كان أو ملكا؟ وأخبرنى عن قرنيه أذهب أو فضة؟ فقال عليه‌السلام : لم يكن نبيا ولا ملكا ، ولا قرناه من ذهب ولا فضة ، ولكنه كان عبدا أحب الله فأحبه ، ونصح لله فنصحه الله ، وانما سمى ذا القرنين لأنه دعا قومه فضربوه على قرنه ، فغاب عنهم حينا ، ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الآخر وفيكم مثله.

٢٠٤ ـ وباسناده الى جابر بن عبد الله الأنصارى قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ان ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله عزوجل حجة على عباده ، فدعا قومه الى الله وأمرهم بتقواه ، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا حتى قيل مات أو هلك ، بأى واد سلك ، ثم ظهر ورجع الى قومه فضربوه على قرنه الآخر ، وفيكم من هو على سنته ، وان الله عزوجل مكن لذي القرنين في الأرض ، وجعل له من كل شيء سببا ، وبلغ

٢٩٤

المغرب والمشرق ، وان الله عزوجل سيجرى سنته في القائم من ولدي ، فيبلغه مشرق الأرض وغربها حتى لا يبقى منها ولا موضعا منها من سهل أو جبل وطاه ذو القرنين الا وطاه ويظهر الله له عزوجل كنوز الأرض ومعادنها ، وينصره بالرعب ، ويملأ الأرض به عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.

٢٠٥ ـ في تفسير العياشي عن أبي الطفيل قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : ان ذا القرنين لم يكن نبيا ولا رسولا كان عبدا أحب الله فأحبه ، وناصح الله فنصحه ، دعا قومه فضربوه على أحد قرنيه فقتلوه ، ثم بعثه الله فضربوه على قرنه الآخر فقتلوه.

٢٠٦ ـ عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ان الله لم يبعث أنبياء ملوكا في الأرض الا أربعة بعد نوح ، أولهم ذو القرنين واسمه عياش ، وداود وسليمان ويوسف ، فأما عياش فملك ما بين المشرق والمغرب ، واما داود فملك ما بين الشامات الى بلاد إصطخر ، وكذلك كان ملك سليمان ، واما يوسف فملك مصر وبراريها لم يجاوزها الى غيرها ، وفي كتاب الخصال مثله.

٢٠٧ ـ في كتاب الخصال عن محمد بن خالد باسناده رفعه قال : ملك الأرض كلها أربعة ، مؤمنان وكافران ، فاما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين ، واما الكافران نمرود وبخت نصر ، واسم ذي القرنين عبد الله بن ضحاك بن معد.

٢٠٨ ـ في أمالي شيخ الطائفة قدس‌سره باسناده الى أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن على عليهما‌السلام قال : أول اثنين تصافحا على وجه الأرض ذو القرنين وإبراهيم الخليل عليه‌السلام استقبله إبراهيم فصافحه.

٢٠٩ ـ في تفسير العياشي بعد ان ذكر أبا عبد الله عليه‌السلام ونقل عنه حديثا طويلا قال : وفي خبر آخر عنه جاء يعقوب الى نمرود في حاجة ، فلما وثب عليه وكان أشبه الناس بإبراهيم ، قال له : أنت إبراهيم خليل الرحمن؟ قال : لا.

٢١٠ ـ في عيون الاخبار عن الرضا عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لكل امة صديق وفاروق ، وصديق هذه

٢٩٥

الامة وفاروقها على بن أبي طالب ان عليا سفينة نجاتها وباب حطتها ، انه يوشعها وشمعونها وذو قرنيها.

٢١١ ـ في الخرائج والجرائح قال الحسن العسكري : وسئل على عليه‌السلام عن ذي القرنين كيف استطاع أن يبلغ المشرق والمغرب؟ فقال : سخر الله السحاب ويسر له الأسباب وبسط له النور وكان الليل والنهار على سواء ، وانه رأى في المنام كأنه دنا من الشمس حتى أخذ بقرنها في شرقها وغربها ، فلما قص رؤياه على قومه عرفهم وسموه ذا القرنين فدعاهم الى الله فأسلموا ، ثم أمرهم ان يبنوا له مسجدا فأجابوه اليه ، فامر أن يجعلوا طوله اربعمأة ذراع ، وعرضه مأتى ذراع وعلوه الى السماء مأة ذراع ، فقالوا : كيف لك بخشبات تبلغ ما بين الحائطين؟ قال : إذا فرغتم من بنيان الحائطين فاكبسوه بالتراب (١) حتى يستوي مع حيطان المسجد ، فاذا فرغتم من ذلك أخذتم من الذهب والفضة على قدره ، ثم قطعتموه مثل قلامة الظفر ثم خلطتموه مع ذلك الكبس وعملتم له خشبا من نحاس وصفائح من نحاس تذوبون ذلك ، وأنتم متمكنون من العمل كيف شئتم ، وأنتم على الأرض مستوية فاذا فرغتم من ذلك دعوتم المساكين لنقل ذلك التراب ، فيسارعون فيه لأجل ما فيه من الذهب والفضة فبنوا المسجد واخرج المساكين ذلك التراب وقد استقل السقف واستغنى المساكين فجندهم اربعة أجناد ، في كل جند عشرة آلاف ، ونشرهم في البلاد.

٢١٢ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده الى سماك بن حرب عن رجل من بنى أسد قال : سأل رجل عليا عليه‌السلام أرأيت ذا القرنين كيف استطاع ان بلغ الشرق والغرب؟ قال : سخر له السحاب ومد له في الأسباب ، وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء.

٢١٣ ـ في تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ان ذا القرنين خير بين السحاب الصعب والسحاب الذلول فاختار الذلول ، فركب الذلول ، فكان إذا انتهى الى قوم كان رسول نفسه إليهم لكي لا يكذب الرسل.

__________________

(١) كبس البئر : طمها بالتراب اى سواها ودفنها.

٢٩٦

٢١٤ ـ عن حارث بن حبيب قال : أتى رجل عليا عليه‌السلام فقال له : يا أمير المؤمنين أخبرنى عن ذي القرنين ، فقال : سخر له الحساب وقربت له الأسباب ، وبسط له في النور ، فقال له الرجل : كيف بسط له في النور؟ فقال علي عليه‌السلام : كان يضيء بالليل كما يضيء بالنهار (١) ثم قال على عليه‌السلام للرجل : أزيدك فيه فسكت.

٢١٥ ـ عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : سأل عن ذي القرنين؟ قال : كان عبدا صالحا واسمه عياش ، اختاره الله وابتعثه الى قرن من القرون الاولى في ناحية المغرب وذلك بعد طوفان نوح ، فضربوه على قرن رأسه الأيمن فمات منها ، ثم أحياه الله بعد مأة عام ، ثم بعثه الله الى قرن من القرون الاولى في ناحية المشرق ، فكذبوه وضربوه ضربة على قرن رأسه الأيسر فمات منها ، ثم أحياه الله بعد مأة عام وعوضه من الضربتين اللتين على رأسه قرنين في موضع الضربتين ، أجوفين وجعل عين ملكه وآية نبوته في قرنيه.

ثم رفعه إلى السماء الدنيا فكشط له (٢) عن الأرض كلها جبالها وسهولها وفجاجها ، حتى أبصر ما بين المشرق والمغرب ، وآتاه الله من كل شيء يعرف به الحق والباطل ، وأيده في قرنيه بكشف من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ، ثم اهبط الى الأرض وأوحى اليه : أن سر في ناحية غربي الأرض وشرقيها ، فقد طويت لك البلاد ، وذللت لك العباد فأرهبتهم منك فسار ذو القرنين الى ناحية المغرب ، فكان إذا مر بقرية زأر فيها كما يزأر الأسد المغضب (٣) فينبعث من قرنه ظلمات ورعد وبرق وصواعق تهلك من ناواه وخالفه فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق والمغرب ، قال : وذلك قول الله (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ)

__________________

(١) في المصدر «يبصر» بدل «يضيء» في الموضعين.

(٢) كشط عن الشيء : كشف عنه.

(٣) زأر الأسد : صات من صدره.

٢٩٧

الى قوله : اما من ظلم ولم يؤمن بربه فسوف يعذبه في الدنيا بعذاب الدنيا (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) في مرجعه (فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) الى قوله (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً ثُمَّ أَتْبَعَ) ذو القرنين من الشمس «سببا».

ثم قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ان ذا القرنين لما انتهى مع الشمس الى العين الحامية وجد الشمس تغرب فيها ومعها سبعون ألف ملك يجرونها بسلاسل الحديد والكلاليب يجرونها من قعر البحر في قطر الأرض الأيمن ، كما تجري السفينة على ظهر الماء فلما انتهى معها الى مطلع الشمس سببا (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ) الى قوله «بما لديه خيرا» فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ان ذا القرنين ورد على قوم قد أحرقتهم الشمس وغيرت أجسادهم وألوانهم حتى صيرتهم كالظلمة ثم اتبع ذو القرنين سببا في ناحية الظلمة (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) خلف هذين الجبلين وهم يفسدون في الأرض ، إذا كان إبان (١) زروعنا وثمارنا خرجوا علينا من هذين السدين فرعوا من ثمارنا وزروعنا حتى لا يبقون منها شيئا (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) نؤديه إليك في كل عام (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) الى قوله (زُبَرَ الْحَدِيدِ) قال : فاحتفر له جبل حديد فقلعوا له أمثال اللبن ، فطرح بعضهم على بعض فيما بين الصدفين ، وكان ذو القرنين هو أول من بنى ردما على الأرض ثم جعل عليه الحطب وألهب فيه النار ، ووضع عليه المنافخ فنفخوا عليه ، فلما داب قال : ايتوني بقطر وهو المس الأحمر قال : فاحتفروا له جبلا من مس فطرحوه على الحديد فذاب معه واختلط به ، قال : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) يعنى يأجوج ومأجوج ، (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) الى هنا رواية على بن الحسين ورواية محمد بن نضر.

وزاد جبرئيل بن أحمد في حديثه عن الأصبغ بن نباتة عن على بن أبي طالب صلوات الله عليه (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) يعنى يوم القيمة ، وكان ذو القرنين

__________________

(١) أبان الشيء : حينه وأوله.

٢٩٨

عبدا صالحا ، كان من الله بمكان نصح الله فنصح له ، وأحب الله فأحبه ، وكان قد سبب له في البلاد ومكن له فيها حتى ملك ما بين المشرق والمغرب ، وكان له خليل من الملائكة يقال له رقائيل ينزل اليه فيحدثه ويناجيه فبينا هو ذات يوم عنده إذ قال له ذو القرنين : يا رقائيل كيف عبادة أهل السماء وأين هي من عبادة أهل الأرض؟ فقال : اما عبادة أهل السماء ما في السموات موضع قدم الا وعليه ملك قائم لا يقعد أبدا أو راكع لا يسجد أبدا ، أو ساجد لا يرفع رأسه أبدا ، فبكى ذو القرنين بكاء شديدا وقال : يا رقائيل انى أحب ان أعيش حتى أبلغ من عبادة ربي وحق طاعته بما هو أهله فقال له رقائيل : يا ذا القرنين ان لله في الأرض عينا تدعى عين الحيوة ، فيها عزيمة من الله انه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو يسئل الله الموت ، فان ظفرت بها تعيش ما شئت قال : وأين ذلك العين وهل تعرفها؟ قال : لا ، غير انا نجد في السماء ان لله في الأرض ظلمة لم يطأها انس ولا جان فقال ذو القرنين : واين تلك الظلمة؟ قال رقائيل ما أدري ثم صعد رقائيل فدخل ذا القرنين حزن طويل من قول رقائيل ومما أخبره عن العين والظلمة ولم يخبره بعلم ينتفع به منهما.

فجمع ذو القرنين فقهاء أهل مملكته وعلمائهم وأهل دراسة الكتب وآثار النبوة ، فلما اجتمعوا عنده قال ذو القرنين : يا معشر الفقهاء وأهل الكتب وآثار النبوة هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله أو من كتب من كان قبلكم من الملوك ان لله عينا تدعى عين الحيوة ، فيها من الله عزيمة انه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسئل الله الموت؟ قالوا : لا يا أيها الملك قال : فهل وجدتم فيما قرأتم من الكتب ان لله في الأرض ظلمة لم يطأها انس ولا جان؟ قالوا : لا أيها الملك فحزن عليه ذو القرنين حزنا شديدا وبكى إذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحب ، وكان فيمن حضره غلام من الغلمان من أولاد الأوصياء أوصياء الأنبياء وكان ساكتا لا يتكلم ، حتى إذا أيس ذو القرنين منهم قال له الغلام : ايها الملك انك تسئل هؤلاء عن أمر ليس لهم به علم ، وعلم ما تريد عندي ، ففرح ذو القرنين فرحا شديدا حتى نزل عن فراشه وقال له : ادن

٢٩٩

منى ، فدنا منه فقال : أخبرنى قال : نعم أيها الملك انى وجدت في كتاب آدم الذي كتب يوم سمى له ما في الأرض من عين أو شجر ، فوجدت فيه ان لله عينا تدعى عين الحيوة فيها من الله عزيمة انه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسئل الله الموت ، بظلمة لم يطأها انس ولا جان ففرح ذو القرنين وقال : ادن منى يا ايها الغلام تدري أين موضعها؟ قال : نعم ، وجدت في كتاب آدم انها على قرن الشمس يعنى مطلعها.

ففرح ذو القرنين وبعث الى أهل مملكته فجمع أشرافهم وفقهاءهم وعلماءهم وأهل الحكم منهم ، فاجتمع اليه ألف حكيم وعالم وفقيه فلما اجتمعوا اليه تهيأ للسير وتأهب له بأعد العدة وأقوى القوة ، فسار بهم يريد مطلع الشمس يخوض البحار ويقطع الجبال والفيافي (١) والأرضين والمفاوز فسار اثنى عشر سنة حتى انتهى الى طرف الظلمة ، فاذا هي ليست بظلمة الليل ولا دخان ولكنها هواء يفور فسد ما بين الأفقين فنزل بطرفها وعسكر عليها وجمع علماء أهل عسكره وفقهائهم وأهل الفضل منهم ، فقال : يا معشر الفقهاء والعلماء انى أريد أن أسلك هذه الظلمة فخروا له سجدا وقالوا : يا ايها الملك انك لتطلب امرا ما طلبه ولا سلكه أحد كان قبلك من النبيين والمرسلين ، ولا من الملوك؟ قال : انه لا بد لي من طلبها ، قالوا : ايها الملك انا لنعلم انك إذا سلكتها ظفرت بحاجتك منها بغير عنت عليك لأمرنا ولكنا نخاف أن يعلق بك منها أمر يكون فيه هلاك ملكك وزوال سلطانك وفساد من في الأرض ، فقال : لا بد من أن أسلكها ، فخروا سجدا وقالوا : انا نتبرأ إليك مما يريد ذو القرنين.

فقال ذو القرنين : يا معشر العلماء أخبرونى بأبصر الدواب؟ قالوا : الخيل الإناث البكارة أبصر الدواب ، فانتخب من عسكره فأصاب ستة آلاف فرس إناثا أبكارا ، وانتخب من أهل العلم والفضل والحكمة ستة آلاف رجل فدفع الى كل رجل وعقد لأفسحر وهو الخضر على ألف فرس ، فجعلهم على مقدمته وأمرهم أن يدخلوا الظلمة ، وسار ذو القرنين في أربعة آلاف وأمر أهل عسكره أن يلزموا معسكره اثنى عشر سنة ، فان

__________________

(١) خاض الماء : دخله. والفيافي كصحارى لفظا ومعنى.

٣٠٠