كامل الزّيارات

ابي القاسم جعفر بن محمد بن بن جعفر بن موسى بن قولويه القمي

كامل الزّيارات

المؤلف:

ابي القاسم جعفر بن محمد بن بن جعفر بن موسى بن قولويه القمي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة الصدوق
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٢

حدَّثني عليُّ بن الحسين ، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمَير ؛ وإبراهيمَ بن عبدالحميد جميعاً ، عن أبي الحسن عليه‌السلام مثله.

حدَّثني أبي رحمه‌الله عن سعد بن عبدالله ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن جعفر بن محمّد بن حَكيم الخَثعميِّ ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام مثله.

٣ ـ حدَّثني عليُّ بن محمّد بن يعقوبَ الكِسائيُّ قال : حدَّثنا عليُّ بن الحسن بن فَضّال ، عن عَمْرِو بن سعيد ، عن مُصدِّق بن صَدَقَهَ ، عن عمّار بن موسى السّاباطيِّ « قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الصَّلاة في الحائر ، قال : ليس الصّلاة إلاّ الفرض بالتّقصير ، ولا تصلّي النّوافل (١) ».

٤ ـ حدثني أبي ـ عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بنِ محمّد بن ـ عيسى ، عن عليِّ بن إسماعيل ، عن صَفوانَ بن يحيي ، عن إسحاقَ بنِ عمّار ، عن أبي الحسن عليه‌السلام « قال : سألته عن التَّطوُّع عند قبر الحسين عليه‌السلام ومشاهد النَّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والحرمين ، والتَّطوُّع فيهنَّ بالصّلاة ونحن مقصّرون ، قال : نَعَم تَطَوَّعْ ما قَدَرتَ عليه ، هو خيرٌ ».

٥ ـ حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن محمّد بن الحسين بن ابي الخّطاب ، عن صَفوانَ بن يحيى ، عن إسحاقَ بنِ عمّار « قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جُعِلت فداك أتنقَّل في الحَرَمين (٢) وعند قبر الحسين عليه‌السلام وأنا اُقصّر؟ قال : نَعَم ما قَدَرتَ عليه ».

٦ ـ حدَّثني أبي رحمه‌الله ومحمّد بن الحسن ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ ، عن عليِّ بن أبي حمزة ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « قال : سألته عن التّطوُّع عن قبر الحسين عليه‌السلام ومشاهد النَّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحرمين في الصَّلاة ونحن نقصِّر ، قال : نعم تطوِّعْ ما قدرت عليه ».

__________________

١ ـ في البحار : « ولا يصلّي النّوافل ».

٢ ـ تنفّل المصلّي : تطوَّع ، وهو يصلّي النّافلة والنّوافل.

٢٦١

حدَّثني أبي رحمه‌الله عن سعد بن عبدالله قال : سألت أيّوبَ بنِ نوح عن تقصير الصّلاة (١) في هذه المشاهد : مكّة والمدينة والكوفة وقبر الحسين عليه‌السلام الأربعة ، والَّذي روي فيها ، فقال : أنا اُقصّر ، وكان صَفوانُ يقصّر ، وابن أبي عُمَير وجميع أصحابنا يُقصّرون.

الباب الثّاني والثّمانون

( التّمام عند قبر الحسين عليه السلام وجميع المشاهد (٢) )

١ ـ حدَّثني أبي ؛ ومحمّد بن الحسن ، عن الحسن بن مَتِّيل ، عن سَهل بن زياد الآدميِّ ، عن محمّد بن عبدالله ، عن صالِح بن عُقْبة ، عن أبي شِبْل (٣) « قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : أزورُ قبر الحسين عليه‌السلام؟ قال : زُرِ الطَّيِّب ، وأتمَّ الصَّلاة عِندَه ، قال : أتمُّ الصَّلاة عِنده؟ قال ، أتمَّ ، قلت : فإنَّ بعضَ أصحابنا يروي التَّقصير ، قال : إنّما يفعل ذلك الضَّعَفَة (٤) ».

حدَّثني محمّد بن يعقوبَ رحمه‌الله عن جماعة مشايخه ، عن سَهل بن زياد بإسناده مثله سَواء (٥).

٢ ـ حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمد العسكريّ ، عن الحسن بن علي بن مَهزيارَ ، عن أبيه عليِّ ، عن الحسن بن سعيد ، عن إبراهيمَ بن أبي البِلاد ، عن

__________________

١ ـ في البحار : « عن تقصير الصّلوات ».

٢ ـ قال العلاّمة الأمينيّ ( ره ) : « ليس في أخبار الباب ما يدلّ على الإتمام في غير المواطن الأربع ، فالتّعبير بجميع المشاهد لا وجه له ». أقول : الظّاهر مراده المشاهد الأربعة المذكورة.

٣ ـ هو عبدالله بن سعيد الاُسديّ بيّاع الوشي ، ثقة. ( صه )

٤ ـ في بعض نسخ التّهذيب : « الضّعفاء » ، والضَّعْفَة في الدّين الجاهلين بالأحكام ، أو المراد يفعل ذلك من يكون له ضعف لا يمكنه الإتمام ، أو يشقّ عليه فيختار الأسهل ، وإن كان مرجوحاً ، والأخير أظهر. ( ملاذ الأخيار )

٥ ـ راجع الكافي ج ٤ ص ٥٨٧ ح ٦.

٢٦٢

رَجل مِن أصحابنا يقال له : الحسين ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام « قال : تتمّ الصّلاة في ثلاثةَ مواطن : في مسجد الحرام ومسجد الرَّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعند قبر الحسين عليه‌السلام ».

٣ ـ حدَّثني أبي رحمه‌الله وأخي ؛ وعليُّ بن الحسين ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بنِ محمّدِ بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد (١) ، عن عبدالمَلِك القمّيِّ ، عن إسماعيلَ بن جابر ، عن عبدالحميد ـ خادم إسماعيلَ بن جعفر ـ عن أبي عبدالله عليه‌السلام « قال : تتمّ الصّلاة في أربعة مَواطِن : في المسجد الحرام ومسجد الرَّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومسجد الكوفة وحرم الحسين عليه‌السلام ».

٤ ـ حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ ، عن أبيه ، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيِّ ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ـ عن بعض أصحابنا ـ عن أبي عبدالله عليه‌السلام « قال : من الأمر المذخور إتمام الصّلاة في أربعة مَواطِن : بمكّة والمدينة ومسجد الكوفة والحائِر ».

قال ابن قولُوَيه : وزاده الحسين بن أحمدَ بن المغِيرَة عقب هذا الحديث في هذا الباب بما أخبره به حيدر بن محمّد بن نُعَيم السَّمرقنديُّ بإجازته بخطّه باجتيازه للحجّ :

٥ ـ عن أبي النَّضر محمّد بن مسعود العياشيّ ، عن عليّ بن محمّد قال : حدَّثني محمّد بن أحمد ، عن الحسين بن عليِّ بن النّعمان ، عن أبي عبدالله البرقيِّ ؛ وعليِّ بن مَهزيار ؛ وأبي عليِّ بن راشد جميعاً ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام « أنّه قال : مِن مخزون عِلم اللهِ الإتمام في أربعة مواطن : حَرَمِ الله وحَرَمِ رسوله وحَرَمِ أميرِ المؤمنين وحَرَمِ الحسين صلوات الله عليهم أجمعين ».

٦ ـ حدَّثني محمّد بن هَمّام بن سُهَيل ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ قال : حدَّثنا محمّد بن حَمدانَ المدائنيِّ ، عن زياد القنديِّ « قال : قال أبو الحسن موسى عليه‌السلام : اُحبُّ لك ما اُحبُّ لِنفسي ، وأكرِهُ لك ما أكرِهُ لِنفسي ، أتمُّ الصّلاة في الحَرَمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه‌السلام ».

__________________

١ ـ كذا ، والظّاهر سقط هنا « عن محمّد بن سِنان ».

٢٦٣

٧ ـ حدَّثني عليُّ بن حاتم القزوينيُّ قال : أخبرنا محمّد بن أبي عبدالله الأسديّ قال : حدَّثنا القاسم بن الرَّبيع الصَّحّاف ، عن عَمرِو بن عثمان ، عن عَمرِو بن مَرزوق « قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصّلاة في الحَرَمين وفي الكوفةَ وعند قبر الحسين عليه‌السلام ، قال : أتمَّ الصَّلاة فيهم ».

٨ ـ حدَّثني محمّد بن يعقوبَ ؛ وجماعَةُ مشايخي ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سِنان ، عن حذيفةَ بنِ منصور قال : حدَّثني مَن سمع أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : « تتمّ الصّلاة في المسجد الحرام ومسجد الرَّسول ومسجد الكوفة وحرم الحسين عليه‌السلام ».

٩ ـ ومن زيادة الحسين بن أحمدَ بن المغِيرة ما في حديث أحمدَ بن إدريس ابن أحمدَ بن زكريّا القمّيِّ قال : حدَّثني محمّد بن عبدالجبّار ، عن عليِّ بن إسماعيل ، عن محمّد بن عَمرو ، عن فائد الحنّاط ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام « قال : سألته عن الصّلاة في الحَرَمين ، فقال تتمّ ولو مَرَرْت به مارّاً ».

١٠ ـ حدَّثني أحمد بن إدريس ( كذا ) قال : حدّثني أحمد بن أبي زاهِر ، عن محمّد بن الحسين الزَّيّات ، عن الحسن (١) ، عن عمران بن حمران « قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : اُقصّر في المسجد الحرام أو أتمّ؟ قال : إن قصّرتَ فلك ، وإن أتممتَ فهو خير ، وزيادة في الخير خَيرٌ ».

الباب الثّالث والثمانون

( إنَّ الصَّلاة الفريضة عنده تَعدل حَجَّة ، والنّافلة عُمرة )

١ ـ حدَّثني جعفر بن محمّد بن إبراهيم الموسويُّ ، عن عبيدالله بن نَهيك ، عن ابن أبي عُمَير ـ عن رجل ـ عن أبي الحسن (٢) عليه‌السلام « قال : قال لرجل : يا فلانُ ما يمنعك إذا عرضت لك حاجَة أن تأتي قبر الحسين عليه‌السلام فتصلّي عنده أربعَ

__________________

١ ـ هو ابن حمّاد بن عديس.

٢ ـ في جلّ النّسخ : « عن أبي جعفر » وهذا سهوٌ أو تصحيف.

٢٦٤

رَكعات ثمَّ تسأل حاجَتَك (١) فإنَّ الصّلاة الفريضة عنده تَعدِل حجَّة ، والنّافلة تَعدِل عُمرَة ».

٢ ـ حدَّثني أبي ؛ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله ، عن أبي عبدالله الجامورانيّ الرَّازيّ ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة ، عن الحسن بن محمّد بن عبدالكريم أبي عليٍّ ، عن المفضّل بن عُمَر ، عن جابر الجعفيِّ « قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام للمفضّل (٢) ـ في حديث طويل ـ في زيارة قبر الحسين عليه‌السلام : ثمَّ تمضي إلى صلاتك ولك بكلِّ رَكعةٍ رَكعتَها عنده كثواب مَن حجّ ألفَ حجِّةٍ واعتمر ألفَ عُمرةٍ وأعتق ألفَ رَقَبةٍ ، وكأنَّما وقف في سبيل الله ألفَ مرَّةٍ مع نَبيٍّ مُرسَل ـ وذكر الحديث ـ ».

٣ ـ حدَّثني عليُّ بن الحسين ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد ؛ وحدَّثني محمّد بن الحسين بن متّ الجوهريُّ ، عن محمّد بن أحمد ، عن هارونَ بن مسلم ، عن أبي علي الحَرّانيِّ « قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : ما لمن زار قبر الحسين عليه‌السلام؟ قال : مَن أتاه وزارَه وصلّى عنده رَكعتين أو أربع رَكعات كَتَب اللهُ له حَجّة وعُمرةً ، قال : قلت : جُعِلتُ فِداك وكذلك لكلِّ مَن أتى قبر إمامٍ مفترض طاعتُه؟ قال : وكذلك لكلِّ مَن أتى قبر إمام مُفترض طاعتُه ».

حدَّثني أبي رحمه‌الله عن سعد بن عبدالله ، عن أبي القاسم ، عن أبي علي الخزاعي « قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام ـ وذكر مثله ـ.

٤ ـ حدثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى ، أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن العَلاء بن رَزين ، عن شُعيب العَقْرَقُوفيِّ (٣) ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام

__________________

١ ـ أي من الله تعالى ، لأنّ الدّعاء عند قبّته مستجاب.

٢ ـ كذا ، وتقدّم الكلام فيه ، فمن أراد الاطّلاع فليراجع ص ٢٢٥ ذيل الخبر ٥.

٣ ـ بفتح أوَّله وسكون الثّاني ـ مركّب من « عَقْر » و « قُوف » كبَعلَبَكَ ، قريةٌ مِن نواحي دُجَيل بينها وبين بغداد أربعة فراسخ وإلى جانبها تَلٌّ عظيم من تراب يرى من خمسة فراسخ كأنّه قلعة عظيمة ، وعن بعض أنّه مقبرة الملوك الكيانيّين الّذين كانوا قبل آل ساسان من النّبط ، وذكر أهل السِّيَر أنّ عَقرقوف تنسب إلى عقرقوف بن طهمورث؛ الملك المشهور. ( من العجم )

٢٦٥

« قال : قلت له : مَن أتى قبر الحسين عليه‌السلام ما له من الثَّواب والأجْر جُعِلتُ فِداك؟ قال : يا شُعيبُ ما صَلّى عِنده أحدٌ الصَّلاة إلاّ قَبِلَها اللهُ مِنه ، ولا دَعا عنده أحدٌ دَعوةَ إلاّ اسْتُجيبَ له عاجِلةً وآجِلةً ، فقلتُ : جُعلتُ فِداك زِدني فيه ، قال : يا شعيب أيْسَرُ ما يقال لزائر الحسين بن عليّ عليهما‌السلام : قد غفر [الله] لك يا عبدالله فاستأنف [اليوم] عَملاً جديداً ».

الباب الرَّابع والثّمانون

( وَداع قبر الحسين بن عليِّ عليهما السلام )

١ ـ حدَّثني أبي ؛ ومحمّد بن الحسن ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد. وحدَّثني أبي ؛ وعليُّ بن الحسين ؛ ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد. وحدّثني محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فَضالَةَ بن أيّوب ، عن نُعَيْم بن الوليد ، عن يوسفَ الكُناسيِّ ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام « قال : إذا أردتَ أن تُودِّعَ الحسين بن عليِّ عليهما‌السلام فقل : « السَّلامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، أَسْتَودِعُك اللهَ وَأقْرَءُ عَلَيْكَ السَّلامَ ، آمَنّا بِاللهِ وَوَبِالرَّسُولِ وَبِما جِئتَ بِهِ وَدَلَلْتَ عَلَيهِ ، وَاتَّبَعْنا الرَّسُولَ ، فَاكْتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ ، اللّهُمّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّا وَمِنْهُ ، اللّهُمَّ إنّا نَسْأَلُكَ أنْ تَنْفَعَنا بِحُبِّهِ ، اللّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقاماً مَحْمُوداً تَنْصُرُ بِهِ دِينَكَ وَتَقْتُلُ بِهِ عَدُوَّكَ ، وَتُبِيرُ بِهِ مَنْ نَصَبَ حَرْباً لآلِ مُحَمَّدٍ (١) فَإنَّكَ وَعَدْتَهُ ذلِكَ ، وَأنْتَ لا تُخلِفُ المِيعادَ ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، أشْهَدُ أنَّكُمْ شُهَداءُ نُجَباءُ ، جاهَدْتُمْ في سَبيل اللهِ َقاتلتُمْ عَلى مِنْهاج رَسُولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تَسْليماً ، أنْتُمُ السّابِقُونَ وَالمهاجِرُونَ وَالأنْصارُ ، أشْهَدُ أنَّكُمْ أنْصارُ اللهِ وأنْصارُ رَسُولِهِ ، فَالحَمْدُ للهِ الَّذي صَدَقَكُمْ وَعْدَهُ وأراكُمْ ما

__________________

١ ـ أباره أي أهلكه.

٢٦٦

تُحبُّونَ ، وَصَلّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، اللّهُمَّ لا تَشْغَلْني في الدُّنْيا عَنْ ذِكْرِ نِعْمَتِكَ ، لا بإكْثارِ تُلْهِيَني عَجائِبُ بَهْجَتِها ، وَتَفْتِنَني زَهَراتُ زينَتِها (١) ، وَلا بإقْلالٍ يَضُرُّ بِعَمَلي كَدُّهُ ، وَيَمْلأُ صَدْري هَمُّهُ ، أعْطِني مِنْ ذلِكَ غِنىً عَنْ شِرارِ خَلْقِكَ ، وَبَلاغاً أنالُ بِهِ رِضاكَ ، ياأرْحَمَ الرَّاحِمينَ ، وَصَلّى اللهُ عَلى رَسُولِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ ، وَعَلى أهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبينَ الأخْيارِ ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ » ».

٢ ـ حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمدَ بنِ الحسين العَسكريُّ ـ بـ « عَسْكَر مُكْرَم » (٢) ـ عن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار ، عن ابيه ، عن محمّد بن أبي عُمير ، عن محمّد بن مَروانَ ، عن أبي حمزة الثُّماليّ ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام « قال : إذا أردتَ الوداع بعد فَراغِك مِن الزِّيارات فأكثر منها مَا اسْتَطَعتَ ، ولْيَكنْ مقامك بالنِّينوى أو الغاضِريَّة ، ومتى أردتَ الزِّيارة فاغتسل وزُرْ زَرْوَة الوَداع ، فإذا فَرَغْتَ مِن زيارتك فاستقبل بِوجْهِك وَجْهَه والتمس القبر وقل :

« السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَليَّ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِاللهِ ، أنْتَ لي جُنَّةٌ مِنَ الْعَذابِ ، وَهذا أوانُ أنْصِرافي عَنْكَ ؛ غَيرَ راغِبٍ عَنْكَ ، وَلا مُسْتَبْدِلٍ بِكَ سِواكَ ، وَلا مُؤثِرٍ عَلَيْكَ غَيرَكَ ، وَلا زاهِدٍ في قُرْبِكَ (٣) ، جُدْتُ بِنَفْسي لِلْحَدَثانِ (٤) ، وَتَرَكْتُ الاُهْلَ وَالأوطانَ ، فَكُنْ لي يَومَ حاجَتي وَفَقْرِي ، وَفاقَتي ، يَومَ لا يُغْني عَنّي والِدي وَلا وَلَدي ، وَلا حَميمِي ولا قَرِيبي ، أسْألُ اللهَ الَّذي قَدَّرَ وَخَلَقَ أنْ يُنَفِّسَ بِكَ كَرْبي ، وَأسْألُ اللهَ

__________________

١ ـ قال في النّهاية : « الزّهرة : البياض النيِّر ، وزهرة الدُّنيا وزينتها ، أي حُسْنها وبَهْجَتِها وكَثْرة خَيْرها ».

٢ ـ عَسْكَرُ مُكْرَم ـ بضمِّ الميم وسكون الكاف وفتح الرّاء ـ : وهو بلد مشهور من نواحي خوزستان منسوب إلى مكرم بن معزاء الحارث أحد بني جَعْوَنَة بن الحارث بن نُمَير بن عامر بن صَعْصَة. ( من معجم البلدان ).

٣ ـ زهد فيه ، كمنع وسمِع وكرم : ضدُّ رَغِبَ. ( القاموس ).

٤ ـ أي بذلت نفسي لحدثان الزّمان ، وجعلتها عرضة لها باختيار السّفر لا سيّما هذا السّفر في تلك الأزمان المخوفة. ( ملاذ الأخيار ) وفي القاموس : « جاد بنفسه : قارب أن يَقضي ».

٢٦٧

الَّذي قَدَّر عَليَّ فِراقَ مكانِكَ أنْ لا يَجْعَلهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي وَمِنْ رَجْعَتي (١) ، وَأسْألُ اللهَ الَّذي أبْكى عَلَيْكَ عَيْني أنْ يَجْعَلَهُ سَنَداً لي (٢) ، وَأسْألُ اللهَ الَّذي نَقلَني إلَيْكَ مِنْ رَحْلي وَأهْلي أنْ يَجْعَلَهُ ذُخْراً لي ، وَأسْألُ اللهَ الَّذي أراني مَكانَكَ وَهَداني للتَّسْليم عَلَيْكَ وَلِزيارَتي إيّاك أنْ يُورِدَني حَوْضَكُمْ ، وَيَرْزُقَني مُرافِقَتَكُمْ في الجِنانِ مَعَ آبائِكَ الصّالِحينَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعين ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفْوَةَ اللهِ [وَابْنَ صَفْوَتِه] ، السَّلامُ عَلى رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ ، حَبيبِ اللهِ وَصَفْوَتِهِ ، وَأميِنِه وَرَسُولِهِ ، وَسَيِّدِ النَّبِيِّينَ ، السَّلامُ عَلى أمير المؤمنين وَوَصيّ رَسُولِ رَبِّ العالمين ، وَقائدِ الغُرِّ المحجِّلينَ ، السَّلامُ عَلَى الأئمَّةِ الرَّاشِدينَ والمَهْدِيّينَ ، السَّلام عَلى مَنْ في الحائِر مِنْكُم (٣) [وَرَحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ] ، السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللهِ الباقِينَ المقِيمِينَ ، الَّذينَ هُمْ بِأمْرِ رَبِّهِمْ قائِمونَ ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعَلى عِبادِ اللهِ الصّالِحينَ ، وَالحمْدُ لله رَبِّ العالَمِين ».

وتقول : (٤) « سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقرَّبينَ وَأنْبِيائِهِ المُرْسَلينَ ، وَعِبادِهِ الصّالِحينَ عَلَيْكَ يا ابْنَ رَسُولِ اللهِ وَعَلى رُوحِكَ وَبَدَنِكَ وَعَلى ذُرِّيَّتك وَمَنْ حَضَرَكَ مِنْ أوليائِكَ ، أسْتَودِعُكَ اللهَ وَأسْترعِيك (٥) وَأقْرَءُ عَلَيْكَ السَّلامَ ، آمَنّا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَبما جاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِاللهِ ، اللّهُمَّ اكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ » ،

وتقول (٦) : « اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَلا تَجْعَلُهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِن زيارَتي ابْن رَسُولِكَ ، وَارْزُقني زيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَني ، اللّهُمَّ انْفَعْني بِحُبِّهِ يا رَبَّ العالمِينَ ، اللّهُمَّ ابْعَثْهُ (٧) مَقاماً محمُوداً إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، اللّهُمَّ إنّي أسْألُكَ بَعْدَ الصَّلاةِ وَالتَّسْلِيمِ أنْ تُصَلّي عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأنْ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زيارَتي إيّاهُ ،

__________________

١ ـ في بعض النّسخ : « رجوعي ».

٢ ـ أي معتمداً. ( المجلسيّ ـ ره ـ ) وفي القاموس : « السَّنَد محرّكة : مُعْتَمد الإنسان ».

٣ ـ الظّاهر أنّ الخطاب متوجّهٌ إلى الأئمّة ، والمراد الحسين عليه السلام ، أو المراد من أهل بيتكم وأولادكم. ( ملاذ الأخيار )

٤ ـ في التّهذيب : « ثمّ أشر إلى القبر بمسبحتك اليُمنى وقلْ : إلخ ».

٥ ـ أي اطلب من الله حفظك ، واسترعاه إيّاه استحفظه.

٦ ـ في التّهذيب : « ثمّ ارفع يديك إلى السّماء وقل : ـ إلخ ».

٧ ـ زيد في بعض النّسخ : « أبعثني معه ».

٢٦٨

فَإِنْ جَعَلْتَهُ يا رَبِّ فَاحْشُرني مَعَهُ وَمَعَ آبائِهِ ، وَإنْ أبْقَيْتَني يا رَبِّ فَارْزُقْني الْعَوْدَ إلَيْهِ ثُمَّ الْعَوْدَ بِرَحمتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمين ، اللّهُمَّ اجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ في أولِيائِكَ ، وَحَبِّبْ إليَّ مَشاهِدَهُمْ (١) ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ ، وَلا تَشْغَلْني عَنْ ذِكْركَ بإكْثار مِنَ الدُّنْيا تَلْهِيَني عَجائبُ بَهْجَتِها وَتُفْتِنَني زَهْراتُ زِينَتِها ، وَلا بإقْلالٍ يَضُرُّني بِعَمَلي كَدُّهُ ، وَيَملأُ صَدْري هَمُّهُ ، وَأعْطِني بِذلِكَ غِنىً عَنْ شِرارِ خَلْقِكَ ، وَبَلاغاً أنالُ بِهِ رِضاكَ يا رَحْمُنُ ، والسَّلامُ عَلَيْكمْ يا مَلائِكَةَ اللهِ وزُوّارَ قَبرِ أبي عَبْدِالله عليه‌السلام » ،

ثمّ ضَع خَدَّك الأيمن على القبر مرَّةً والأيسر مرَّة ، وألحَّ في الدُّعاء والمسألة ، فإذا خرجت فلا تُوَلِّ وَجْهَك عن القبر حتّى تخرج ».

الباب الخامس والثّمانون

( زيارة قبر العبّاس بن عليٍّ عليهما السلام )

١ ـ حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمدَ بن الحسين العَسكريُّ بالعسكر ، عن الحسن بن عليٍّ بن مَهزيار ، عن أبيه عليٍّ بن مهزيار ، عن محمّد بن أبي عُمَير ، عن محمّد بن مَروانَ ، عن أبي حمزة الثّماليِّ « قال : قال الصّادق عليه‌السلام : إذا أردت زيارة قبر العبّاس بن عليِّ عليهما‌السلام ـ وهو على شطِّ الفُرات بحَذاء الحائِر ـ فقف على باب السَّقيفة وقل :

« سَلامُ الله وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ ، وَأنْبِيائِهِ المُرْسَلينَ ، وَعِبادِهِ الصّالِحينَ وَجَميع الشُّهَداءِ وَالصِّدِّيقِينَ ، وَالزَّاكياتُ الطَّيِّباتُ فيما تَغْتَدي وَتَروحُ عَلَيْكَ يا ابْنَ أمِيرِ المؤْمِنينَ ، أشْهَدُ لَكَ بالتَّسْليمِ وَالتَّصدِيقِ وَالوَفاءِ وَالنَّصِيحَةِ لِخَلَفِ النَّبيِّ المرْسَل ، وَالسِّبْطِ المنْتَجبِ ، وَالدَّليلِ العالِمِ ، وَالْوَصِيِّ المُبَلِّغِ ، وَالمظْلُومِ المهْتَضَمِ ، فَجَزاكَ اللهُ عَنْ رَسُولِهِ وَعَنْ أميرِ المؤمنين وَعَنِ الحَسَنِ والحُسين صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أفْضَلَ الجَزاءِ بِما صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ ، وَأعَنْتَ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ، لَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ جَهِلَ

__________________

١ ـ قوله : « مشاهدهم » أي مواطن حضورهم وظهورهم أحياء وأمواتاً. ( البحار )

٢٦٩

حَقَّكَ ، وَاسْتَخَفَّ بِحُرْمَتِكَ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ حالَ بَيْنَكَ وَبَين ماءِ الْفُراتِ ، أَشْهَدُ أنَّكَ قُتِلْتَ مَظْلُوماً ، وَأنَّ اللهَ مُنْجِزٌ لَكُمْ ما وَعَدَكُمْ ، جِئتُكَ يا ابْنَ أمير المؤْمِنينَ وافِداً إلَيْكُمْ ، وَقَلْبي مُسَلّمٌ لَكُمْ ، وَأنا لَكُمْ تابِعٌ ، وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعدَّةٌ حَتّى يحكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ ، إنّي بِكُم وَبإيابِكُمْ مِنَ المؤمِنينَ ، وَبِمَنْ خالَفَكُمْ وَقَتَلَكُم مِنَ الكافِرينَ ، قَتَلَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ بِالأيْدِي وَالألْسُنِِ ».

ثمَّ ادخل وانكبّ على القبر وقل :

« السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّها الْعَبْدُ الصّالِحُ ، المُطِيعُ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأمِيرِ المؤمِنينَ ، وَالحَسَنِ وَالحُسَين عليهم‌السلام ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَرِضْوانُهُ ، وَعَلىُ رُوحِكَ وَبَدَنِكَ ، وَاُشْهِدُ اللهَ أنَّكَ مَضَيْتَ عَلىُ ما مَضىُ عَلَيهِ الْبَدْرِيُّونَ ، المُجاهِدُونَ في سَبِيل اللهِ ، المُناصِحُونَ لَهُ في جِهادِ أعدائِهِ ، المُبالِغُونَ في نُصْرَةِ أولِيائِهِ ، الذَّابُّونَ عَنْ أحِبّائِهِ ، فَجزاكَ اللهُ أفْضَلَ الجَزاءِ ، وَأكْثَر الجَزاءِ ، وَأوْفَرَ الجَزاءِ ، وَأوْفى جَزاءِ أحَدٍ مِمَّنْ وَفى بِبَيْعَتِه ، وَاسْتَجابَ لَهُ دَعْوَتَهُ ، وَأطاعَ وُلاةَ أمْرِهِ ، أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بالَغْتَ في النَّصيحَةِ ، وَأعْطَيْتَ غايَةَ المَجْهُودِ ، فَبَعَثَكَ اللهُ في الشُّهَداءِ ، وَجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ أرْواحِ الشُّهَداءِ (١) ، وَأعْطاكَ مِنْ جِنانِهِ أفْسَحَها مَنْزِلاً ، وَأفْضَلَها غُرَفاً ، وَرَفَعَ ذِكْرَكَ في عِلِّيِّينَ ، وَحَشَرَكَ مَعَ النَّبِيِّينَ ، والصِّديقِينَ وَالشُّهَدآءِ وَالصّالِحينَ ، وَحَسُنَ أولئِكَ رَفيقاً ، أشْهَدُ أنَّكَ لَمْ تَهنْ وَلَمْ تَنْكُلِ ، وَأنَّكَ مَضَيْتَ عَلى بَصيرةٍ مِنْ أمْرِكَ ، مُقْتَديّاً بِالصّالِحينَ وَمُتَّبِعاً لِلنَّبيِّينَ ، فَجَمَعَ اللهُ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ ، وَبَينَ رَسُولِهِ وَأوْلِيائِهِ في مَنازِلِ المُخْبِتينَ ، فَإنَّهُ أرْحَمُ الرَّاحِمينَ » » (٢).

__________________

١ ـ في البحار : « مع أرواح السّعداء ».

٢ ـ قال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله : ذكر الأصحاب في زيارته عليه السلام الصّلاة ، والخبر خال عنها ، ولذا بعض المعاصرين يمنع من الصّلاة لغير المعصوم لعدم التَّصريح في النُّصوص بالصَّلاة لهم عند زيارتهم ، لكن لو أتى الإنسان بها لا على قصد أنّها مأثورة على الخصوص بل للعمومات الّتي في إهداء الصّلاة والصّدقة والصّوم وسائر الاُفعال الخير للأنبياء والأئمّة والمؤمنين والمؤمنات ، وأنّها تدخل على المؤمنين في قبورهم وتنفعهم لم يكن به بأس وكان حسناً ، مع أنّ المفيد و

٢٧٠

الباب السّادس والثمانون

( وَداع قَبر العَبّاس بن عَليٍّ عليهما السلام )

١ ـ حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمدَ بن الحسين العَسكريُّ بالعَسكر ، عن الحسن بن عليٍّ بن مَهزيار ، عن أبيه علىّ بن مَهزيار ، عن محمّد بن أبي عُمَير ، عن محمّد بن مَروان ، عن أبي حمزةَ الثّماليِّ ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام « قال : إذا ودَّعت العبّاس فَأته وقل : « أسْتَودِعُكَ اللهَ وَأسْتَرعِيكَ وَأقْرَءُ عَلَيْكَ السَّلامَ ، آمَنّا بِاللهِ وَبرسُولِهِ وَبِكِتابِهِ وَبِما جاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، اللّهُمَّ اكتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ ، اللّهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زيارَة قَبرِ ابْنِ أخي نَبِيّك ، وَارْزُقني زِيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَني ، وَاحْشُرني مَعَهُ وَمَعَ آبائِهِ في الجِنانِ ، وَعَرِّف بَيْني وَبَيْنَهُ وَبَينَ رَسُولِكَ وَأولِيائِكَ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَتَوَفَّني عَلَى الايمانَ بِكَ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِكَ ، وَالْوِلايَةِ لِعَليِّ ابْنِ أبي طالِبٍ وَالأئمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ ، وَالْبَراءةِ مِنْ عَدُوِّهِمْ ، فَإنّي رَضيتُ بِذلِكَ يارَبَّ ».

وتدعو لنفسك ولوالديك والمؤمنين والمسلمينَ وتخيّر من الدُّعاء ».

* * * * *

____________

غيره ـ رحمهم الله ـ ذكروها في كتبهم ، فلعلّهم وصل إليهم خبرٌ آخر لم يصلْ إلينا.

ثمّ اعلم أنّ ظاهر تلك الرّواية جواز الوقوف على قبره ـ رضي الله عنه ـ على أيِّ وجهٍ كان ، ولو كانت السّقيفة في الزّمن السّابق على نحو بناء زَماننا ، لكان ظاهر الخبر مواجهته عند الزّيارة ، لكن ظاهر كلام الأصحاب وعملهم أنّ في زيارة غير المعصوم لا ينبغي مواجهته ، بل ينبغي استقبال القبلة فيها والوقوف خلفه ، ولم أر تصريحاً في أكثر الزّيارات المنقولة بذلك.

نعم ورد في زيارة المؤمنين مطلقاً استحباب استقبال القبلة ، لكن لايبعد أن يقال كما أنّهم امتازوا عن سائر المؤمنين بهذه الزيارات المشتملة على المخاطبات ، فلعلّهم امتازوا عنهم باستقبالهم كما هو عادة المكالمات والمحاورات. لكن ورد في بعض الرّوايات المنقول الأمر باستقبال القبلة عند زيارة بعضهم كزيارة عليِّ بن الحسين عليه السلام فيما ورد عن النّاحية المقدّسة ، والتّخير فيما لم يرد فيه شيء على الخصوص أظهر ، والله يعلم ـ انتهى.

٢٧١

الباب السّابع والثّمانون

( وداع قُبور الشّهداء عليه السلام )

تقول : « اللّهُمَّ لا تجعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زيارتي إيّاهُمْ ، وَأشْرِكْني مَعَهُم في صالِحِ ما أعْطَيْتَهُمْ عَلى نَصْرِهِمْ ابْنَ بِنْتِ نَبيِّكَ ، وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ ، وَجِهادِهِمْ مَعَهُ في سَبيِلكَ ، اللّهُمَّ اجْمَعْنا وَإيّاهُمْ في جَنَّتِكَ مَعَ الشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ ، وَحَسُنَ أولئِكَ رَفيقاً ، أسْتَودِعُكُمُ اللهَ وأقْرَءُ عَلَيْكُم السَّلامُ ، اللّهُمَّ ارْزُقْني الْعَودَ إلَيْهِم ، وَاحْشُرني مَعَهُمْ يا أرْحَمَ الرَّاحِمين (١) ».

الباب الثّامن والثّمانون

( فَضل كربلاء وزيارة الحسين عليه السلام )

[ للحسين (٢) بن أحمدَ بن المغِيرَة فيه حديث رواه شيخه أبو القاسم رحمه‌الله مصنّف هذا الكتاب نقل عنه وهو عن زائدة ، عن مولانا عليِّ بن الحسين عليهما‌السلام ، ذهب على شَيخُنا رحمه‌الله أن يضمّنه كتابه هذا وهو ممّا يليق بهذا الباب ويشتمل أيضاً على مَعانٍ شتّى حَسَنٍ تامّ الألفاظ ، أحببتُ إدخاله وجعلته أوَّل الباب ، وجميع أحاديث هذا الباب وغيرها ممّا يَجري مجراها يستدلُّ بها على صِحّة قبر مولانا الحسين عليه‌السلام بكربلاء ، لأنَّ كثيراً مِنَ المخالفين يُنكرونَ أنَّ قبرَه

__________________

١ ـ قال العلاّمة المجلسيّ عليه السلام : « يظهر من القرائن أنّ وَداع الشّهداء أيضاً من تتمّة رواية الثّماليّ ، والكلّ من تتممّة الرّواية الكبيرة الّتي اسلفنا ذكرها عن الثّمالي ( ص ٢٣٦ ح ٢١ ).

٢ ـ هذا الحديث ليس من أصل الكتاب ، وإنّما أدرجه فيه بعض تلامذة المؤلّف قدّس سرّه فما في البحار مِن نقله عن الكتاب من غير تنبيه على ما ذكر ليس في محلّه. ( الأميني ـ ره ـ )

٢٧٢

بكربلاء كما ينكرون أنّ قبرَ مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام بالغَريِّ بظهر نجف الكوفة وقد كنت استفدت هذا الحديث بمصر عن شيخي أبي القاسم عليِّ بن محمّد بن عُبْدوُس الكوفيِّ رحمه‌الله ممّا نقله عن مُزاحِم بن عبدِالوارث البّصريِّ بإسناده عن قُدامَةَ بن زائِدَة ، عن أبيه زائِدَة ، عن عليِّ بن الحسين عليهما‌السلام ، وقد ذاكرتُ شيخنا ابنَ قُولُوَيْه بهذا الحديث بعدَ فَراغِه مِن تصنيف هذا الكتاب ليدخله فيه فما قضى ذلك وعاجلتْه مَنيَّته رضي‌الله‌عنه وألْحقه بمواليه عليهم‌السلام.

وهذا الحديث داخلٌ فيما أجاز لي شيخي رحمه‌الله وقد جمعت بين الرِّوايتين بالألفاظ الزَّائِدة والنّقصان والتَّقديم والتّأخير فيها حتّى صحّ بجميعه عَمّن حدَّثني به أوَّلاً ثمَّ الآن ، وذلك أنّي ما قَرَءْتُه على شيخي رحمه‌الله ولا قرءه عَليَّ ، غير أنّي أرويه عَمّن حدَّثني به عنه ، وهو :

أبو عبدالله أحمدُ بن محمّد بن عيّاش (١) قال : حدَّثني أبو القاسم جعفر بن محمّد ابن قولُوَيه قال : حدَّثني أبو عيسى عبيدالله بن الفضل بن محمّد بن هِلال الطّائيُّ البَصريُّ قال : حدَّثني أبو عثمان سعيد بن محمّد قال : حدَّثنا محمّد بن سلاَم بن يَسار (٢) الكوفيُّ قال : حدَّثني أحمدُ بن محمّد الواسطيُّ قال : حدَّثني عيسى بن أبي شَيبة القاضي قال : حدَّثني نوح بن دُرّاج قال : حدَّثني قُدامة بن زائِدة ، عن أبيه « قال : قال عليُّ بن الحسين عليهما‌السلام : بلغني يا زائِدَةُ أنّك تَزورُ قبرَ أبي عبدالله الحسين عليه‌السلام أحياناً؟ فقلت : إنَّ ذلك لَكَما بَلَغك ، فقال لي : فلما ذا تفعَلُ ذلك ولك مَكانٌ عند سُلطانك الَّذي لا يحتمل أحداً على محبّتنا وتفضيلنا وذِكرِ فضائِلنا والواجب على هذه الاُمّة مِن حَقِّنا؟ فقلت : واللهِ ما اُريد بذلك إلاّ اللهَ وَرسولَه ، ولا أحْفِلُ بسخط مَن سَخَط ، ولا يكبُرُ في صدري مكروه ينالني بسببه ، فقال : والله إنَّ ذلك لَكذلك ، فقلت : والله إنَّ ذلك لَكذلك ، يقولها ـ ثلاثاً ـ و

__________________

١ ـ هو أحمد بن محمّد بن عبيدالله بن الحسن بن عيّاش الجوهري ، المتوفّى سنة ٤٠١. قال النّجاشي رحمه الله : رأيت هذا الشّيخ وكان صديقاً لي ولوالديّ ، وسمعت منه شيئاً كثيراً ، ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أرو عنه وتجنّبته.

٢ ـ في بعض النّسخ : « سيّار ».

٢٧٣

أقولها ـ ثلاثاً ـ فقال : أبشِر ثمَّ أبشِر ثمَّ أبشِر (١) فَلأخبرنَك بخبر كان عندي في النُّخَبِ (٢) المخزونة ، فإنّه لمّا أصابنا بالطّفّ ما أصابنا وقُتِل أبي عليه‌السلام وقُتِل مَن كان معه مِن وُلده وإخوته وسائر أهلِه وحملت حُرُمه ونساؤه على الأقتاب يرادّ بنا الكوفة ، فجعلت أنظر إليهم صَرعى ولم يواروا فعظم ذلك في صدري واشتدَّ لما أرى منهم قلقي ، فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك منّي عَمّتي زَينب الكُبرى بنت عليٍّ عليهما‌السلام فقالت : ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدِّي وأبي وإخوتي؟!! فقلت : وكيف لا أجزع وأهْلَعُ وقد أرى سَيّدي وإخوتي وعُمُومتي وولد عَمّي وأهلي مُصرعين بدمائهم ، مرمّلينَ بالعرى ، مسلبين ، لا

__________________

١ ـ قال العلاّمة الأميني رحمه الله : ذهب غير واحدٍ من الفقهاء والمحقّقين إلى جواز زيارة الحسين عليه السلام مع أيّ خوف وضرر ، لإطلاق النّصوص كما مرّت في الباب ٤٥ ، ولعلّ التاريخ يملي علينا دروساً من عمل الأصحاب على عهد الأئمّة صلوات الله عليهم منضمّة بتقريرهم له ، يؤكّد ما اختاره المحقّقون ولقد حمل إلينا عن أولئك أنّهم ما صدّهم عن قصد مشهد الحسين عليه السلام ما كابدوه من المثلة والتّنكيل والعقوبة بحبس وضرب وقطع يد وهتك حرمة وقابلوها بجأش طامن ، ولبّ راجح ، وشوق متأكّد ، وهذا كتابنا ينطق عليك بالحقّ في حديث مرّ [في ص ١٣٥ تحت رقم ٢] في زيارة ابن بكير وإتيانه لها من أرّجان ( من بلاد فارس ) خائفاً مشفقاً من السّلطان والسّعاة وأصحاب المسالح ، وهو من فقهاء الطّائفة كما في رجال الكشّي ، وفيما يأتي [في الباب ٩١ تحت رقم ٧] من حديث زيارة مثل محمّد بن مسلم على خوف ووجل وهو أكبر ثقة في الطائفة ، عدّه الصّادق عليه السلام من أوتاد الأرض وأعلام الدّين ، وفي كلا الحديثين فضلاً عن تقرير الإمام عليه السلام لفعلهما بيان ثواب جميل لهما بذلك ونصّ على أنّ ما كان من هذا أشدّ فالثّواب على قدر الخوف ، ويدلّ على مختار المحقّقين حديث هشام بن سالم الثّقة الجليل المرويّ عن الصّادق عليه السلام المذكور بطوله [في ص ١٣٣ تحت رقم ٢ من الكتاب] وفيه تفصيل بيان ثواب عظيم لمن يقتل دون الحسين عليه السلام ، وأجر جميل لا يستهان به لمن حبس في إتيانه ، وجزاء جزيل لمن ضرب بعد الحبس في قصد مشهده ، إذن فلا ندحة من تعميم الحكم على جميع ما ذكر وإن صعّد وصوّب فيه المهملجون.

٢ ـ في بعض النّسخ بالحاء المهملة ، وفي بعضها : « في البحر ».

٢٧٤

يُكفَّنون ولا يُوارون ، ولا يُعَرِّج عليهم أحدٌ ، ولا يقرُبُهم بَشرٌ ، كأنّهم أهل بيتٍ مِن الدَّيْلَم والخَزَر؟!! فقالت : لا يُجْزِ عَنَّك ما ترى ، فوالله إنَّ ذلك لعهد مِن رَسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جَدِّك وأبيك وعمّك ، ولقد أخذ الله ميثاق اُناسٍ مِن هذه الاُمّة لا تعرفهم فَراعِنَة هذه الاُمّة وهم معروفون في أهل السّماوات أنَّهم يجمعون هذه الأعضاء المُتَفَرّقَةَ فيُوارونَها وهذه الجُسومَ المُضَرَّجة ، وينصبون لهذا الطّفّ عَلَماً لِقَبر أبيك سيّد الشُّهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رَسمُه على كرورِ اللّيالي والأيّام ، وليجتهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضّلالة في مَحْوِه وتطمِيسه فلايزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره الاّ عُلوّاً ، فقلت : وما هذا العهد وما هذا الخبر؟! فقالت : نَعَم ، حدَّثتني اُمُّ أيمن أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زارَ منزل فاطمة عليها‌السلام في يوم من الأيّام فعملت له حَريرة ، وأتاه عليٌّ عليه‌السلام بطبق فيه تمرٌ ، ثمَّ قالت اُمُّ أيمن : فأتيتهم بعُسٍّ (١) فيه لبن وزُبْد ، فأكل رَسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليُّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ عليهم‌السلام من تلك الحَريرة ، وشرب رَسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشربوا من ذلك اللّبن ، ثمَّ أكل وأكلوا من ذلك التَّمر والزُّبْد ، ثمَّ غَسَل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده وعلي يَصبُّ عليه الماء ، فلمّا فرغ من غَسْل يده مسح وجهه ، ثمَّ نظر إلى عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السّرور في وجهه ثمّ رمق بطرْفه (٢) نحو السّماء مليّاً ، ثمَّ [أنّه] وجّه وجهه نحو القِبلة وبسط يديه ودعا ثمّ خَرَّ ساجداً وهو يَنشِجُ (٣) فأطال النَّشوج ( كذا ) وعلا نَحِيبه وجرت دموعه ، ثمَّ رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعُهُ تقطر كأنّها صوب المطر ، فحَزنَت فاطمة وعليُّ والحسن والحسين عليهم‌السلام وحزنتُ معهم لما رَأينا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهبناه أن نسأله حتّى إذا طال ذلك قال له عليُّ؛ وقالت له فاطمة : ما يُبكيك يا رَسول الله لا أبكى الله عَينيك فقد أقرح قلوبنا ما نَرى من حالك؟!

__________________

١ ـ العُسّ ـ بالضّمّ والسّين المهملة المشدّدة ـ : القدح الكبير ، وفي بعض النّسخ : « بقعب » ـ بفتح القاف المعجمة ـ يقال للقدح من خشب مقعّر.

٢ ـ أي نظر.

٣ ـ نشج الباكي نشيجاً غُصّ بالبكاء في حلقه ، من غير انتحاب.

٢٧٥

فقال : يا أخي سَرَرت بكم ـ وقال مُزاحِم بن عبدالوارث في حديثه ههنا : ـ فقال : يا حبيبي إنّي سَرَرتُ بكم سروراً ما سَرَرت مثله قطّ وإنّي لأنظر إليكم وأحمدُ الله علىُ نعمته عليَّ فيكم إذا هبط عليَّ جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمّد إنَّ الله تبارك وتعالى اطّلع على ما في نَفسِك وعرف سرورَك بأخيك وابنتك وسِبطيك فأكمل لك النِّعمة وهَنَّأك العَطِيّة بأن جعلهم وذُرّيّاتهم ومحبِّيهم وشيعتهم مَعَكَ في الجنَّة لا يفرق بينك وبينهم يحبون كما نحبي (١) ويُعطون كما تعطى حتّى ترضى وفوق الرِّضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدُّنيا ومكاره تصيبهم بأيدي اُناس يَنتحلون مِلّتك ويزعمون أنّهم من اُمّتك بُرَآء من الله ومنك خَبْطاً خَبْطاً (٢) وقَتلاً قَتلاً ، شتّى مَصارِعُهم ، نائية قبورهم ، خيرة من الله لهم ولك فيهم ، فاحمدِ اللهَ عزَّوجَلَّ على خيرته وارضِ بقضائه.

فحمدتُ اللهَ ورَضيت بقضائِه بما اختاره لكم ، ثمَّ قال لي جبرئيل : يا محمّد إنَّ أخاك مُضطَهدٌ بعدَك مغلوبَ على اُمّتك متعوبُ من أعدائِك ، ثمَّ مقتلولٌ بعدَك يقتله أشرُّ الخلق والخَليقة ، وأشقى البَريّة ، يكون نظيرَ عاقِرِ النّاقة ببلد تكون إليه هِجرته وهو مَغرَسُ شيعته وشيعة ولده ، وفيه على كلِّ حال يكثر بَلواهم ويعظم مُصابهم ، وإنَّ سِبطَك هذا ـ وأومأ بيده إلى الحسين عليه‌السلام ـ مقتولٌ في عِصابة من ذُريّتك وأهل بيتك وأخيار من اُمّتك بضِفَّة الفرات (٣) بأرض يقال لها : كربلاء (٤) ، مِن أجلِها يكثر الكَرْب والبَلاء على أعدائك وأعداء ذرِّيتك في اليوم الّذي لا ينقضي كَربُه ، ولا تَفنى حَسرتُه ، وهي أطيب بقاع الأرض (٥) ، وأعظمها حُرْمةً ، يُقتَل فيها سِبْطُك وأهلُه ، وأنّها مِن بَطحاء الجَنّة ، فإذا كان ذلك اليَوم الَّذي يُقتَل فيه سِبطُك وأهلُه ، وأحاطتْ به كَتائبُ أهل ـ

__________________

١ ـ من الحباء وهو العطاء بلا منٍّ ولا جزاء. وفي بعض النّسخ : « يحيون كما تحيي » ، والأنسب هو ما في المتن.

٢ ـ خبط خبطاً ضرب ضرباً شديداً.

٣ ـ الضِّفَّة من النّهر جانبه ، ومن البحر ساحله.

٤ ـ في البحار : « بأرض تدعى كربلاء ».

٥ ـ في البحار : « وهي أطهر بقاع الأرض ».

٢٧٦

الكفر واللَّعنة ، تَزَعْزَعَتِ الأرضُ مِن أقطارها ومادّتِ الجبالُ وكثر اضطرابها واصطفَقَتِ (١) البِحار بأمواجِها ، وماجَتِ السّماوات بأهلها غضباً لك يا محمّد ولِذُرّيَّتك ، واستعظاماً لما يُنْتَهك مِن حُرْمَتِك ، ولشرّ ما تكافى به في ذرِّيّتك وعِترتك ، ولا يبقى شَيءٌ من ذلك إلاّ استأذن اللهَ عزَّوجَلَّ في نُصرةِ أهلك المستضعَفين المظلومين الّذين هم حُجّة الله على خَلقه بعدك فيوحي اللهُ إلى السَّماوات والأرض والجِبال والبَحار ومَن فيهنَّ : أنّي أنا الله؛ الملِكُ القادِرُ الَّذي لا يَفوتُه هاربٌ ولا يعجزه مُمتنعٌ وأنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام ، وعزَّتي وجَلالي لأُعذِّبنَّ مَن وَتر رسولي وصَفِيّي ؛ وانتَهكَ حُرمَتَه وقَتَلَ عترتَه ونبذَ عَهدَه وظَلَم أهل بَيْته (٢) عذاباً لا اُعذِّبه أحداً من العالمَينَ ، فعند ذلك يَضِجّ كلُّ شيء في السّماوات والأرضين بلَعن مَن ظَلَم عِترتَك واستحلَّ حُرمَتك ، فإذا بَرزت تلك العِصابة إلى مضاجِعها تولّى الله عزَّوجلَّ قبض أرواحها بيده وهبط إلى الأرض ملائكة من السّماء السّابعة معهم آنِيةٌ من الياقوت والزُّمرُّد مملوءة من ماء الحياة وحُلَلٌ مِن حُلَلِ الجنّة وطيبٌ من طيب الجنّة ، فغَسّلوا جثثهم بذلك الماء وألبسوها الحلل وحَنّطوها بذلك الطّيب ، وصلَّت الملائكة صَفّاً صَفّاً عليهم ، ثمَّ يبعث الله قَوماً من اُمّتك لا يَعرِفُهم الكُفّار لم يشركوا في تلك الدِّماء بقولٍ ولا فعلٍ ولا نِيّة ، فيوارُون أجسامَهم ويقيمون رَسْماً لقبر سَيّد الشّهداء بتلك البطحاء يكون عَلَماً لأهل الحقّ ، وسَبباً للمؤمنين إلى الفَوز وتحفّه ملائكة من كلِّ سماء مائة ألف ملك في كلِّ يوم وليلة ، ويصلّون عليه ويطوفون عليه ويسبّحون الله عنده ويستغفرون الله لِمَن زارَه ويكتبون أسماءَ مَن يأتيه زائراً من اُمتك مُتقرّباً إلى الله تعالى وإليك بذلك ، وأسماء آبائهم وعَشائرهم وبُلدانهم ، ويوسِمون في وجوههم بِميسم (٣) نور عرش اللهِ : « هذا زائر قبر خَيرِ الشُّهداء وابن خيرِ الأنبياء » ، فإذا كان يوم القيامه سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم

__________________

١ ـ اصطفق الأشجار اضطربت ، واهتزّتت بالرّيح والعود : تحرّكت أوتاره.

٢ ـ في بعض النّسخ : « أهله ».

٣ ـ الميسم : الحديدة أو الآلة الّتي يوسم بها.

٢٧٧

نور تغشى منه الأبصار يدلُّ عليهم ويعرفون به ، وكأنّي بك يامحمّد بيني وبين ميكائيل ، وعليُّ أمامنا ومعنا من ملائكة اللهِ ما لا يُحصىُ عَددُهم ، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتّى ينجيهم الله مِن هول ذلك اليوم وشدائده ، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زارَ قبرَك يا محمّد أو قبرَ أخيك أو قبرَ سِبطيك لا يريد به غيرَ اللهِ عزَّوجلَّ ، وسَيجتهد (١) أناس ممّن حقّتْ عليهم اللّعنة مِن الله والسَّخَط أن يعفوا رَسْم ذلك القبر ويمحو أثره فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلاً. ثمَّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فهذا أبكاني وأحْزَنني ،

قالت زَينب : فلمّا ضرب ابن مُلْجم ـ لعنه الله ـ أبي عليه‌السلام ورأيت عليه أثَر الموت منه قلت له : يا أبة حدَّثتْني اُمُّ أيمن بكذا وكذا ، وقد أحببت أن أسمعه منك ، فقال : يا بنيّة الحديث كما حدَّثَتْك اُمُّ أيمن ، وكأنّي بك وببنات أهلِك سبايا (٢) بهذا البلد أذِلاّء خاشعين تخافون أن يَتَخَطّفكم النّاس ؛ فصبراً صَبراً ، فوالَّذي فَلَق الحبَّة وبَرَءَ النَّسَمة ما لله على ظَهر الأرض يومئذٍ وليُّ غيرُكم وغيرُ مُحبّيكم وشيعتكم ، ولقد قال لنا رَسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أخبرنا بهذا الخبر : أنَّ إبليس ـ لعنه الله ـ في ذلك اليوم يطِيرُ فَرحاً فيَجول الأرض كلّها بشياطينه وعَفارِيتِه فيقول : يا معاشِرَ الشّياطين قد أدركنا مِن ذُريّة آدم الطّلبة وبلغنا في هَلاكهم الغاية وأورثناهم النّار إلاّ مَن اعتصَمَ بهذه العِصابة ، فاجعلوا شغلكم بتشكيك النّاس فيهم وحملهم على عَداوتهم ، وإغرائهم بهم وأوليائهم حتّى تستحكمـ[ـوا] ضَلالة الخلق وكفرهم ، ولا ينجو منهم ناجٍ ، ولقد صدق عليهم إبليس وهو كَذوب ، أنّه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالِح ولا يضرّ مع محبّكم وموالاتكم ذَنبٌ غير الكبائر؛

قال زائدة : ثمَّ قال عليُّ بن الحسين عليهما‌السلام بعد أن حدَّثني بهذا الحديث : خذه إليك ، أما لو ضربت في طلبه إباط الإبل حَولاً لكان قليلاً ] (٣)

__________________

١ ـ في البحار : « سيجدّ ».

٢ ـ في بعض النّسخ : « نساء ».

٣ ـ في صحّة الحديث وعدم صحّته أقوال لا يسعنا ذكرها.

٢٧٨

رَجعنا إلى الأصل

١ ـ أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولُوَيه القمّيُّ الفقيه رحمه‌الله قال : حدَّثني أبي ؛ وعليُّ بن الحسين ؛ وجماعة مشايخي رحمهم‌الله عن سعد بن عبدالله بن أبي خَلَف ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سِنان ، عن أبي سعيد القَمّاط قال : حدَّثني عبدالله بن أبي يَعفور « قال : سمعتُ أبا عبدالله عليه‌السلام يقول لرجل مِن مَواليه : يا فلان أتزورُ قبر أبي عبدالله الحسين بن عليِّ عليهما‌السلام؟ قال : نَعَم إني أزورُه بين ثلاث سنين أو سَنتين مرَّة ، قال له ـ وهو مصفرُّ الوجه ـ : أما واللهِ الَّذي لا إله إلاّ هو لَوْ زُرتَه لكان أفضل لك ممّا أنت فيه! فقال له : جُعلتُ فِداك أكلُّ هذا الفضل؟ فقال : نَعَم والله ، لو إنّي حدَّثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره لتركتمُ الحَجَّ رأساً وما حَجَّ منكم أحَدٌ ، ويحك أما تعلم أنَّ الله اتّخذ [بفضل قبره] كربلاء حَرَماً آمِناً مبارَكاً قبل أن يتّخذ مَكّة حَرَماً؟ قال ابن أبي يعفور : فقلت له : قد فرض اللهُ على النّاس حِجَّ البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسين عليه‌السلام فقال : وإن كان كذلك فإنَّ هذا شيء جعله الله هكذا ، أما سمعت قول أبي أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث يقول : إنَّ باطن القدم أحقُّ بالمسح من ظاهر القدم ولكنَّ الله فرض هذا على العِباد؟! أو ما علمتَ أنَّ الموْقف لو كان في الحَرَم كان أفضل لأجل الحَرَم ولكنَّ الله صنع ذلك في غير الحَرَم؟! ».

٢ ـ حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد ابن سِنان ، عن أبي سعيد القَمّاط ، عن عُمَرَ بن يزيدَ بيّاع السّابريّ ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام « قال : إنَّ أرض كعبة قالت : مَن مِثلي ؛ وقد بنى الله بيته على ظَهري ويأتيني النّاس من كلِّ فجِّ عَمِيق ، وجُعِلتُ حَرمَ الله وأمنه؟!! فأوحى الله إليها أن كفّي وقَرّي ؛ فَوَعِزَّتي وجَلالي ما فضل ما فضّلت به فيما أعطيت به أرض كربلاء إلاّ بمنزلة الإبرة غَمَسَت (١) في البَحر فحملت من ماء البحر ، ولو

____________

١ ـ في بعض النّسخ : « غرست ».

٢٧٩

لا تُربة كربلاء ما فضّلتك ؛ ولو لا ما تضمّنتْه أرضُ كربلاء لما خلقتك ولا خلقتُ البيت الَّذي افتخرتِ به ؛ فقرِّي واستقرِّي وكوني دَنيّاً متواضعاً ذليلاً مَهيناً غير مُستَنكفٍ ولا مُستَكبرٍ لأرض كربلاء وإلاّ سُختُ بك (١) وهَوَيتُ بك في نار جهنّم ».

وحدَّثني أبي ؛ وعليُّ بن الحسين ، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليٍّ قال : حدَّثنا عبّاد أبو سعيد العُصْفُريّ ، عن عمرَ بن يزيد بيّاع السّابري ، عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ـ وذكر مثله ـ.

٣ ـ حدَّثني أبو العبّاس الكوفيّ ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن أبي سعيد العُصْفُريّ ، عن عَمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدَّسها وبارَك عليها ، فما زالَتْ قبل خلْق الله الخلق مقدّسة مباركةً ، ولاتزال كذلك حتّى يجعلها الله أفضلَ أرْض في الجنّة وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أولياءه في الجنّة ».

٤ ـ حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن أبي سعيد ـ عن بعض رجاله ـ عن أبي الجارود « قال : قال عليُّ بن الحسين عليهما‌السلام : اتّخذ الله أرض كربلاء حَرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتّخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنّه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها رفعتْ كما هي بتربتها نوارنيّة صافية ، فجعلت في أفضل رَوضة مِن رياض الجنَّة ، وأفضل مسكنٍ في الجنَّة ، لا يسكنها إلاّ النّبيّون والمرسلون ـ أو قال أولوا العزم مِن الرُّسل ـ وأنّها لتزهر بين رياض الجنّة كما يزهر الكوكب الدُّرّيّ بين الكواكب لأهل الأرض يغشي نورها أبصار أهل الجنَّة جميعاً ، وهي تنادي : أنا أرضُ الله المقدَّسة الطيِّبة المبارَكة الّتي تضمّنت سَيّد الشّهداء وسَيّد شباب أهل الجنّة ».

__________________

١ ـ ساخت بهم الأرض أي خسفت.

٢٨٠