تفسير نور الثقلين - ج ٢

الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي

تفسير نور الثقلين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧١

٢٠ ـ في تفسير على بن إبراهيم (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

قال : حدثني ابى عن محمد بن الفضيل عن ابى الصباح الكناني عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غزوة تبوك في سنة تسع من الهجرة ، قال : وكان رسول الله لما فتح مكة لم يمنع المشركين الحج في تلك السنة وكان سنة من العرب في الحج انه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحل له إمساكها ، وكانوا يتصدقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف. فكان من وافي مكة يستعير ثوبا ويطوف فيه ثم يرده ، ومن لم يجد عارية اكترى ثيابا ، ومن لم يجد عارية ولا كرى ولم يكن له الا ثوب واحد طاف بالبيت عريانا فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة وطلبت عارية وكرى فلم تجده ، فقالوا لها : ان طفت في ثيابك احتجت ان تتصدقي بها ، فقالت : وكيف أتصدق وليس لي غيرها؟ فطافت بالبيت عريانة ، وأشرف لها الناس فوضعت احدى يديها على قبلها والاخرى على دبرها وقالت :

اليوم يبدو بعضه أو كله

فما بدا منه فلا أحله

فلما فرغت من الطواف خطبها جماعة فقالت : ان لي زوجا.

وكانت سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل نزول سورة برائة ان لا يقاتل الا من قاتله ولا يحارب الا من حاربه وأراده وقد كان نزل عليه في ذلك من الله عزوجل : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقاتل أحدا قد تنحى عنه واعتزله حتى نزلت عليه سورة برائة وامره بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله ، الا الذين قد كان عاهدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح مكة الى مدة ، منهم صفوان بن امية وسهيل بن عمرو ، فقال الله عزوجل : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ثم يقتلون حيث ما وجدوا ، فهذه أشهر السياحة عشرين من ذي الحجة الحرام والمحرم وصفر وربيع الاول وعشرين من ربيع الآخر ، فلما نزلت الآيات من أول برائة دفعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى أبى بكر وأمره أن يخرج الى مكة ويقرأها على الناس بمنى

١٨١

يوم النحر فلما خرج أبو بكر نزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد لا يؤدى عنك الا رجل منك ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين عليه‌السلام في طلبه فلحقه بالروحا فأخذ منه الآيات فرجع أبو بكر الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله أنزل في شيء؟ فقال : لا ان الله أمرنى ان لا يؤدى عنى الا أنا أو رجل منى.

٢١ ـ قال وحدثني أبى عن محمد بن الفضيل عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرنى عن الله ان لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام ، وقرأ عليهم : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فأجل الله المشركين الذين حجوا تلك السنة اربعة أشهر حتى يرجعوا الى مأمنهم ثم يقتلون حيث وجدوا.

٢٢ ـ في مجمع البيان وروى أصحابنا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولاه أيضا الموسم ، وانه حين أخذ برائة من ابى بكر رجع.

٢٣ ـ وروى عاصم بن حميد عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : خطب على عليه‌السلام واخترط سيفه (١) فقال : لا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يحجن البيت مشرك ومن كانت له مدة فهو الى مدته ومن لم تكن له مدة فمدته اربعة أشهر ، وكان خطب يوم النحر فكان عشرون من ذي الحجة ومحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من ربيع الآخر.

٢٤ ـ وروى انه عليه‌السلام قام عند جمرة العقبة وقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) بأن لا يدخل كافر ولا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عهد عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فله عهده الى اربعة أشهر ومن لا عهد له فله بقية الأشهر الحرم ، وقرأ عليهم سورة برائة وقيل. قرأ عليهم ثلثة عشرة آية من أول برائة.

٢٥ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن الحسين بن خالد قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام لأي شيء صار الحاج لا يكتب عليه الذنب

__________________

(١) اخترط السيف : استله وأخرجه من غمده.

١٨٢

أربعة أشهر؟ قال : ان الله عزوجل أباح المشركين الحرم في اربعة أشهر إذ يقول : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ثم وهب لمن يحج من المؤمنين البيت الذنوب اربعة أشهر.

٢٦ ـ على بن إبراهيم باسناده قال : أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وأشهر السياحة عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من شهر ربيع الآخر.

٢٧ ـ في تفسير العياشي جعفر بن احمد عن على بن محمد بن شجاع قال : روى أصحابنا لأبي عبد الله عليه‌السلام بم صار الحاج لا يكتب عليه ذنب اربعة أشهر؟ قال : ان الله جل ذكره أمر المشركين فقال (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ولم يكن يقصر بوفده عن ذلك.

٢٨ ـ عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما‌السلام عن قول الله : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) قال : عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من ربيع الآخر.

٢٩ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن على بن الحكم عن ابى أيوب عن سعد الإسكاف قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ان الحاج إذا أخذ في جهازه الى قوله : «وكان ذا الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول اربعة أشهر تكتب له الحسنات ، ولا تكتب عليه السيئات ، الا ان يأتى بموجبه فاذا مضت الاربعة الأشهر خلط بالناس.

٣٠ ـ في تفسير على بن إبراهيم : حدثني ابى عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان بن حكيم بن جبير عن على بن الحسين عليهما‌السلام في قوله : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) قال : الأذان أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٣١ ـ وفي حديث آخر قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كنت انا الأذان في الناس.

٣٢ ـ في أمالي شيخ الطائفة «قدس‌سره» باسناده الى عبد الرحمان بن ابى ليلى قال : قال ابى : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام في كلام طويل : أنت الذي انزل الله فيه : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ).

١٨٣

٣٣ ـ في كتاب الخصال في احتجاج على عليه‌السلام على ابى بكر قال : فأنشدك بالله انا الأذان لأهل الموسم ولجميع الامة بسورة برائة أم أنت؟ قال : بل أنت.

٣٤ ـ في كتاب معاني الاخبار خطبة لعلى عليه‌السلام يذكر فيها نعم الله عزوجل عليه وفيها يقول عليه‌السلام : ألا وانى مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم ، انا المؤذن في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ، انا ذلك المؤذن ، وقال : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) وأنا ذلك الأذان.

٣٥ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضى الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن ابى الخطاب عن على بن أسباط عن سيف بن عميرة عن الحارث بن مغيرة النصرى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) فقال : اسم نحلة الله عزوجل عليا عليه‌السلام من السماء ، لأنه الذي أدى عن رسوله برائة ، وقد كان بعث بها مع أبى بكر اولا فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد ان الله يقول لك : لا يبلغ عنك الا أنت أو رجل منك ، فبعث رسول الله عند ذلك عليا عليه‌السلام فلحق أبا بكر وأخذ الصحيفة من يده ، ومضى الى مكة فسماه الله تعالى (أَذانٌ مِنَ اللهِ) انه اسم نحلة الله من السماء لعلى.

٣٦ ـ في عيون الاخبار باسناده الى الرضا عن أبيه عن آبائه عن على عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل يقول فيه لعلى : وقال عزوجل : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) وكنت أنت المبلغ عن الله عزوجل ورسوله.

٣٧ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده الى حفص بن غياث النخعي القاشي قال : سألت أبا عبد الله عن قول الله عزوجل : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) قال : فقال أمير المؤمنين كنت انا الأذان في الناس ، قلت فما معنى هذه اللفظة : الحج الأكبر؟ قال : انما سمى الأكبر لأنها كانت سنة حج فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحج المشركون بعد تلك السنة.

٣٨ ـ في تفسير العياشي عن جابر عن جعفر بن محمد وابى جعفر (ع) في قول الله : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ ، يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) قال : خروج القائم ، وأذان : دعوته الى نفسه ،

١٨٤

٣٩ ـ عن حريز عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : في الأذان هو اسم في كتاب الله لا يعلم ذلك أحد غيري.

٤٠ ـ في كتاب معاني الاخبار حدثنا ابى «رحمة الله عليه» قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الاصبهانى عن سليمان بن داود المنقري عن فضيل بن عياض (١) عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ، سألته عن الحج الأكبر؟ فقال : أعندك فيه شيء؟ فقلت : نعم كان ابن عباس يقول : الحج الأكبر يوم عرفة ، يعنى انه من أدرك يوم عرفة الى طلوع الشمس (الفجر خ ل) من يوم النحر فقد أدرك الحج ، ومن فاته ذلك فقد فاته الحج فجعل ليلة عرفة لما قبلها ولما بعدها والدليل على ذلك ان من أدرك ليلة النحر الى طلوع الشمس فقد أدرك الحج واجزأ عنه من عرفة فقال ابو عبد الله : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الحج الأكبر يوم النحر ، واحتج بقول الله : عزوجل : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فهي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الاول وعشر من شهر ربيع الاخر ، ولو كان الحج الأكبر يوم عرفة لكان اربعة (٢) أشهر ويوما ، واحتج بقول الله عزوجل : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)؟ وكنت انا الأذان في الناس ، فقلت له : فما معنى هذه اللفظة : (الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)؟ فقال : انما سمى الأكبر لأنها كانت سنة حج فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحج المشركون بعد تلك السنة.

٤١ ـ ابى «رحمه‌الله» قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن صفوان بن يحيى عن ذريح المحاربي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : الحج الأكبر يوم النحر.

٤٢ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)؟ فقال : هو يوم النحر ، والأصغر العمرة.

٤٣ ـ ابى «رحمه‌الله» قال : حدثنا على بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد الله

__________________

(١) وفي نسخة «فضيل بن غياث» لكن الظاهر هو المختار كما في المصدر.

(٢) وفي المصدر «لكان السيح أربعة أشهر ويوما».

١٨٥

ابن المغيرة عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : الحج الأكبر يوم الأضحى. حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى بن عبيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثل ذلك.

٤٤ ـ ابى «رحمه‌الله» قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه على عن الحسين عن حماد بن عيسى عن شعيب عن ابى بصير ، والنضر عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الحج الأكبر يوم الأضحى.

٤٥ ـ في الكافي على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)؟ فقال : هو يوم النحر والأصغر العمرة.

٤٦ ـ ابو على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن ذريح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الأكبر يوم النحر.

٤٧ ـ في تفسير العياشي عن عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) يوم النحر ، والحج الأصغر العمرة.

٤٨ ـ وفي رواية ابن سرحان عنه عليه‌السلام قال : الحج الأكبر يوم عرفة وجمع (١) ورمى الجمار بمنى والحج الأصغر العمرة.

٤٩ ـ في الكافي على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن عمر بن أذينة قال : كتبت الى أبي عبد الله عليه‌السلام بمسائل الى قوله : وسألته عن قول الله تعالى : «الحج الأكبر» ما يعنى بالحج الأكبر؟ فقال : الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمى الجمار ، والحج الأصغر العمرة.

__________________

(١) قال الطريحي (ره) جمع ـ بالفتح فالسكون ـ المشعر الحرام ، وهو أقرب الموقفين الى مكة المشرفة ، ومنه حديث آدم (ع) ثم انتهى الى جمع فجمع فيها بين المغرب والعشاء ، قيل : سمى به لان الناس يجتمعون فيه ويزدلفون الى الله تعالى اى يتقربون اليه بالعبادة والخير والطاعة ، وقيل لان آدم اجتمع فيها مع حواء فازدلف ودنا منها ، وقيل لأنه يجمع فيها المغرب والعشاء.

١٨٦

٥٠ ـ في مجمع البيان قال : وقد روى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حديثا طويلا وروى انه (ع) لما نادى فيهم (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) قال المشركون : نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك.

٥١ ـ في تفسير العياشي عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) قال : هي يوم النحر الى عشر مضين من شهر ربيع الاخر.

٥٢ ـ في كتاب الخصال عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل وفيه (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ، وذو القعدة وذو الحجة والمحرم.

٥٣ ـ وعن محمد بن أبي عمير حديث يرفعه الى أبي عبد الله عليه‌السلام وفيه (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من ربيع الاخر ، وستقف على هذين الحديثين عند قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ) الآية إنشاء الله تعالى.

٥٤ ـ في تهذيب الأحكام عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سأل رجل ابى عن حروب أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان السائل من محبينا فقال له ابى : ان الله تعالى بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة أسياف ، ثلثة منها شاهرة لا تغمد الى ان (تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فاذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم ، فيومئذ (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) ، وسيف منها ملفوف وسيف منها مغمود سله الى غيرنا وحكمه إلينا ، فاما السيوف الثلاثة الشاهرة فسيف على مشركي العرب قال الله تبارك وتعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا) يعنى فان آمنوا (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) فهؤلاء لا يقبل منهم الا [السيف و] القتل أو الدخول في الإسلام وما لهم في ذراريهم سبى على ما امر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانه سبى وعفا ، وقيل : الفداء.

٥٥ ـ في الكافي على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار قال : أظنه عن ابى حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد

١٨٧

ان يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول : سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا تغلوا ولا تمثلوا (١) ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة ولا تقطعوا شجرا الا ان تضطروا إليها ، وأيما رجل من ادنى المسلمين أو أفضلهم نظر الى رجل من المشركين فهو جار (٢) (يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) ، فان تبعكم فأخوكم في الدين وان أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا بالله عليه (٣).

٥٦ ـ في تفسير على بن إبراهيم ثم قال : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) قال : اقرأ عليه وعرفه ثم لا تتعرض له حتى يرجع الى مأمنه.

٥٧ ـ في نهج البلاغة وانما كلامه سبحانه فعل منه ، انشأه ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا.

٥٨ ـ في تفسير على بن إبراهيم واما قوله : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) الآية فانها نزلت في أصحاب الجمل وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الجمل : ما قاتلت هذه الفئة الناكثة الا بآية من كتاب الله يقول الله : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ).

٥٩ ـ في مجمع البيان قرأ ابن عامر لا ايمان بكسر الهمزة ورواه ابن عقدة باسناده عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام.

٦٠ ـ في قرب الاسناد للحميري حدثني محمد بن عبد الحميد وعبد الصمد بن محمد جميعا عن حنان بن سدير قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : دخل على أناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة والزبير؟ فقلت لهم : كانا من أئمة الكفر ، ان عليا يوم

__________________

(١) الغلول : الخيانة ، وأكثر ما يستعمل في الخيانة في الغنيمة ، والتمثيل : قطع الاذن والأنف وما أشبه ذلك.

(٢) قوله عليه‌السلام : نظر الى رجل من المشركين اى نظر اشفاق ورحمة. والجوار ـ بالكسر ـ : أن تعطى الرجل ذمة فيكون بها جارك فتجيره اى تنقذه وتعيذه.

(٣) قال الغيض (ره) : اى على ايمانه أو قتله.

١٨٨

البصرة لما صف الخيول قال لأصحابه : لا تعجلوا على القوم حتى أعذر فيما بيني وبين الله عزوجل وبينهم ، فقام إليهم فقال : يا أهل البصرة هل تجدون على جورا في حكم الله؟ قالوا : لا ، قال : فحيفا في قسم (١) قالوا : لا قال : فرغبت في دنيا أخذتها لي ولأهل بيتي دونكم فنقمتم على فنكثتم بيعتي؟ قالوا : لا ، قال : فأقمت فيكم الحدود وعطلتها عن غيركم؟ قالوا : لا ، قال فما بال بيعتي تنكث وبيعة غيري لا تنكث؟ انى ضربت الأمر أنفه وعينه فلم أجد الا الكفر أو السيف ثم ثنى الى أصحابه فقال : ان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام والذي فلق الحبة وبرىء النسمة واصطفي محمدا بالنبوة انهم لأصحاب هذه الآية وما قوتلوا منذ نزلت.

٦١ ـ في أمالي شيخ الطائفة «قدس‌سره» باسناده الى ابى عثمان البجلي مؤذن بنى أقصى قال بكير اذن لنا أربعين سنة ، قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) ثم حلف حين قرأها انه ما قوتل أهلها منذ نزلت حتى اليوم ، قال بكير : فسألت عنها أبا جعفر عليهما‌السلام؟ فقال : صدق الشيخ هكذا قال على عليه‌السلام هكذا كان.

٦٢ ـ في تفسير العياشي عن أبى الطفيل قال : سمعت عليا عليه‌السلام يوم الجمل وهو يحض الناس على قتالهم يقول : والله ما رمى أهل هذه الآية بكنانة قبل اليوم : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) فقلت لأبي الطفيل : ما الكنانة قال : السهم يكون موضع الحديد فيه عظم تسميه بعض العرب الكنانة.

٦٣ ـ عن الحسن البصري قال : خطبنا على بن أبى طالب عليه‌السلام على هذا المنبر وذلك بعد ما فرغ من امر طلحة والزبير وعائشة صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : [يا] ايها الناس والله ما قاتلت هؤلاء الا بآية تركتها في كتاب الله ، ان الله يقول : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ

__________________

(١) قسم ـ كعنب ـ : جمع القسمة.

١٨٩

إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) اما والله لقد عهد الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا على لتقاتلن الفئة الباغية والفئة الناكثة والفئة المارقة.

٦٤ ـ عن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من طعن في دينكم فهذا فقد كفر قال الله : (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) الى قوله (يَنْتَهُونَ).

٦٥ ـ عن الشعبي قال : قرأ عبد الله (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) الى آخر الآية ثم قال : ما قوتل أهلها بعد ، فلما كان يوم الجمل قرأها على عليه‌السلام ثم قال : ما قوتل أهلها منذ يوم نزلت حتى كان اليوم.

٦٦ ـ عن ابى عثمان مولى بنى أقصى (١) قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : عذرني الله من طلحة والزبير بايعاني طائعين غير مكرهين ثم نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته ، والله ما قوتل أهل هذه الآية منذ نزلت حتى قاتلتهم (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) الآية.

٦٧ ـ عن على بن عقبة عن أبيه قال : دخلت انا والمعلى على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : أبشروا أنتم (٢) على احدى الحسنيين شفي الله صدوركم وأذهب غيظ قلوبكم ، وأنا لكم على عدوكم ، وهو قول الله : و (يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) وان مضيتم قبل ان ان يروا ذلك مضيتم على دين الله الذي رضيه لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولعلى عليه‌السلام.

٦٨ ـ عن أبى الأغر اليمنى قال : انى لواقف يوم صفين إذا نظرت الى العباس ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب شاك في السلاح (٣) على رأسه مغفر وبيده صفيحة يمانية وهو على فرس أدهم (٤) إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عرار بن أدهم يا عباس هلم الى البراز قال : ثم تكافحا بسيفيهما (٥) مليا من نهارهما لا يصل واحد

__________________

(١) وفي المصدر «بنى قصي» بدل «بنى أقصى» ولم أقف على اسمه ولا حاله في كتب الرجال وقد مر عنه نظير هذه الرواية أيضا عن أمالي الشيخ.

(٢) وفي المصدر «انكم».

(٣) رجل شاك السلاح اى ذو شوكة وحدة في سلاحه.

(٤) الصفيحة : السيف العريض. والأدهم الأسود.

(٥) تكافحا اى تضاربا. والمليء : الساعة الطويلة من النهار. الزمان الطويل.

١٩٠

منهما الى صاحبه لكما لأمته الى أن لاحظ العباس وهيا (١) في درع الشامي فأهوى اليه بالسيف فانتظم به جوانح الشامي (٢) وخر الشامي صريعا بخده وأم في الناس وكبر الناس تكبيرة ارتجت لها الأرض (٣) فسمعت قائلا يقول : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) فالتفت فاذا هو أمير المؤمنين عليه‌السلام والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٩ ـ عن ابن أبان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : يا معشر الاحداث اتقوا الله ولا تأتوا الرؤساء ، دعوهم حتى يصيروا أذنابا ، لا تتخذوا الرجال ولا يج (٤) من دون الله انا والله خير لكم منهم ، ثم ضرب بيده الى صدره.

٧٠ ـ عن ابى الصباح الكناني قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : إياكم والولايج فان كل وليجة دوننا في طاغوت ـ أو قال : ند.

٧١ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده الى سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيام خلافة عثمان ، فأنشدكم الله عزوجل أتعلمون حيث نزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وحيث نزلت : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) وحيث نزلت (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) قال الناس : يا رسول الله هذه خاصة لبعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟ فأمر الله عزوجل نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يعلمهم ولاة أمرهم ، وان يفسر

__________________

(١) اللامة الدرع والوهى : الشق في الشيء.

(٢) الجوانح جمع الجانحة : الأضلاع تحت الترائب مما يلى الصدر كالضلوع مما يلى الظهر.

(٣) ارتج البحر وغيره : اضطرب.

(٤) الولايج جمع الوليجة : البطانة وخاصتك من الرجال أو من تتخذه معتمدا عليه من غير أهلك.

١٩١

لهم من الولاية ما فسر لهم من صلوتهم وزكوتهم وصومهم وحجهم فنصبني للناس بغدير خم الى قوله : فقام ابو بكر وعمر فقالا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآيات خاصة لعلى؟ قال : بلى فيه (١) وفي أوصيائى الى يوم القيامة ، قالا : يا رسول الله بينهم لنا : قال : على أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولى كل مؤمن بعدي ثم إبني الحسن ثم إبني الحسين ، ثم تسعة من ولد الحسين عليهم‌السلام واحد بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن ، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على حوضي؟ قالوا : اللهم نعم قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء ، والحديث بتمامه مذكور في النساء والمائدة عند الآيتين.

٧٢ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشاء عن مثنى عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) يعنى بالمؤمنين الائمة عليهم‌السلام لم يتخذوا الولايج من دونهم.

٧٣ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد مرسلا قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : لا تتخذوا من دون الله وليجة فلا تكونوا مؤمنين ، فان كل سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشبهة منقطع الا ما أثبته القرآن.

٧٤ ـ على بن محمد ومحمد بن أبى عبد الله عن اسحق بن محمد النخعي قال : حدثني سفيان بن محمد الضبعي قال : كتبت الى أبى محمد اسأله عن الوليجة وهو قول الله : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) وقلت في نفسي لا في الكتاب : من يرى المؤمنين هاهنا فرجع الجواب : الوليجة الذي يقام دون ولى الأمر ، وحدثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع ، فهم الائمة الذين يؤمنون على الله فيجيز أمانهم.

٧٥ ـ في تفسير على بن إبراهيم وفي رواية ابى الجارود عن أبى جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) وفي نسخة هكذا : «فقالا : يا رسول الله هذه الآيات خاصة؟ قال : بلى في وفي أوصيائي ... اه» :

١٩٢

في قوله : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) يعنى بالمؤمنين آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والوليجة البطانة قوله : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ) الاخر (وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) فانه حدثني أبى عن صفوان عن ابن مسكان عن أبى بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : نزلت في على وعباس وشيبة (١) قال العباس : أنا أفضل لان سقاية الحاج بيدي ، وقال شيبة : أنا أفضل لان حجابة البيت بيدي وقال على (ع) : أنا أفضل فانى آمنت قبلكما ثم هاجرت وجاهدت ، فرضوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأنزل الله : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) الى قوله (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).

٧٦ ـ وفي رواية ابى الجارود عن أبي جعفر (ع) قال : نزلت هذه الآية في على ابن أبي طالب (ع) قوله : (كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

٧٧ ـ في كتاب الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن على بن ابى ـ طالب عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : في وصية له : يا على ان عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام ، الى قوله : ولما حفر زمزم سماه سقاية الحاج ، فأنزل الله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).

٧٨ ـ في روضة الكافي أبو على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان ابن يحيى عن ابن مسكان عن أبى بصير عن أحدهما عليهما‌السلام في قول الله عزوجل : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) نزلت في حمزة وعلى وجعفر والعباس وشيبة انهم فخروا بالسقاية والحجابة فأنزل الله عز ذكره : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وكان على وحمزة وجعفر (ع) الذين آمنوا بالله واليوم الاخر (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ).

__________________

(١) وفي المصدر «نزلت في على (ع) وحمزة وعباس وشيبة ... اه».

١٩٣

٧٩ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي «رحمه‌الله» عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حديث طويل يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطاب : نشدتكم بالله هل فيكم أحد أنزل الله تعالى فيه : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) غيري؟ قالوا : لا.

٨٠ ـ في مجمع البيان قرأ محمد بن على الباقر عليه‌السلام : سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام قيل : ان عليا عليه‌السلام قال للعباس : يا عم ألا تهاجر؟ الا تلحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : ألست في أعظم من الهجرة؟ أعمر المسجد الحرام وأسقى حاج بيت الله ، فنزل : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).

٨١ ـ وروى الحاكم ابو القاسم الحسكاني باسناده عن ابن بريدة عن أبيه قال : بينا شيبة والعباس يتفاخران إذ مر بهما على بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : بما ذا تتفاخران؟ فقال العباس : لقد أوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد سقاية الحاج ، وقال شيبة : أوتيت (عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، فقال على عليه‌السلام : استحييت لكما فقد أوتيت على صغرى ما لم تؤتيا فقالا : وما أوتيت يا على؟ فقال : ضربت خراطيمكما بالسيف حتى آمنتما بالله ، فقام العباس مغضبا يجر ذيله حتى دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : أما ترى الى ما استقبلني به على؟ فقال : ادعوا الى عليا ، فدعى له فقال : ما دعاك الى ما استقبلت به عمك؟ فقال يا رسول الله صدمته (١) بالحق فمن شاء فليغضب ومن شاء فليرض ، فنزل جبرئيل وقال : يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول : اتل عليهم : «أجعلتم سقاية الحاج» الآيات ، فقال العباس : انا قد رضينا ، ثلث مرات.

٨٢ ـ في تفسير العياشي عن ابى بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قيل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين أخبرنا بأفضل مناقبك ، قال : نعم كنت انا وعباس وعثمان بن أبى شيبة في المسجد الحرام ، قال عثمان بن أبى شيبة : أعطاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخزانة يعنى مفاتيح الكعبة ، وقال العباس : أعطانى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله السقاية وهي زمزم ولم يعطك شيئا يا على ، قال : فأنزل الله : «أجعلتم سقاية الحاج

__________________

(١) صدمه : دفعه وضربه.

١٩٤

(وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ).

٨٣ ـ عن جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن هذه الآية في قول الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ) الى قوله : (الْفاسِقِينَ) فاما (لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) فان الكفر في الباطن في هذه الآية ولاية الاول والثاني وهو كفر ، وقوله على الإيمان فالإيمان ولاية على بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

٨٣ ـ في مجمع البيان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ) الآية

روى عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما‌السلام انها نزلت في حاطب بن ابى بلتعة حيث كتب الى قريش يخبرهم بخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد فتح مكة.

٨٥ ـ في اعتقادات الامامية للصدوق رحمه‌الله ولما نزلت هذه الآية : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء عليهم‌السلام قبلي ، ومن تولى ظالما فهو ظالم ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

٨٦ ـ في نهج البلاغة ولقد كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نقتل آبائنا وأبنائنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيد نا ذلك الا ايمانا وتسليما ومضيا على اللقم ، وصبرا على مضض الألم (١) وجدا على جهاد العدد (٢).

__________________

(١) لقم الطريق : الجادة الواضحة : والمضض ، لذع الألم وحرقته.

(٢) وهذه الخطبة من عجائب خطبه (ع) حيث قال بعد طرف من الكلام : «فلما راى الله صدقنا انزل بعدونا الكبت وانزل علينا النصر ... اه» فمنه يعلم ان نصر الله عزوجل بعد المجاهدة الصادقة وان الفتح عقيب الصبر على اللأواء والشدائد والصدق في الايمان الاستقامة حتى انه لو اقتضى الذب عن الدين وترويج الشريعة الى قتل الآباء والأبناء لفعل ثم لا يزيده ذلك الا ايمانا وتسليما ، قال المحقق البحراني (ره) وقوله : «فلما رأى الله صدقنا ، الى قوله : النصر» *

١٩٥

٨٧ ـ في تفسير العياشي يوسف بن السخت قال : اشتكى المتوكل شكاة شديدة فنذر الله ان شفاه الله يتصدق بمال كثير ، فعوفي من علته فسأل أصحابه عن ذلك فأعلموه ان أباه تصدق بثمانية ألف ألف درهم وان أراه تصدق بخمسة ألف ألف درهم ، فاستكثر ذلك فقال يحيى بن ابى منصور المنجم : لو كتبت الى ابن عمك يعنى أبا الحسن عليه‌السلام؟ فامر أن يكتب له فيسأله ، فكتب ابو الحسن : تصدق بثمانين درهما فقالوا : هذا غلط سلوه من أين قال هذا؟ فكتب : قال الله لرسوله : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) والمواطن التي نصر الله رسوله عليه وآله السلام ثمانون موطنا ، فثمانون درهما من حله مال كثير.

٨٨ ـ في كتاب معاني الاخبار حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال : حدثنا على بن الحسين السعد آبادى عن احمد بن ابى عبد الله البرقي عن أبيه عن محمد ابن ابى عمير عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه قال في رجل نذر أن يتصدق بمال كثير فقال : الكثير ثمانون فما زاد ، لقول الله تبارك وتعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) وكانت ثمانين موطنا.

٨٩ ـ في تفسير على بن إبراهيم حدثني محمد بن عمير (عمر وخ ل) قال : كان المتوكل اعتل علة شديدة ، فنذر ان عافاه الله ان يتصدق بدنانير كثيرة أو قال : بدراهم كثيرة ، فعوفي فجمع العلماء فسألهم عن ذلك فاختلفوا عليه ، قال أحدهم : عشرة آلاف ، وقال بعضهم مأة فلما اختلفوا قال له عبادة : ابعث الى ابن عمك محمد بن على الرضا عليه‌السلام ، فاسئله فبعث اليه فسأله فقال : الكثير ثمانون ، فقالوا : رد اليه الرسول فقل : من أين قلت ذلك؟ فقال : من قول الله تبارك وتعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ)

__________________

فيه تنبيه على ان الجود الإلهي لا بخل فيه ولا منع من جهته وانما هو عام الفيض على كل قابل استعد لرحمته وأشار برؤية الله صدقهم الى علمه باستحقاقهم واستعدادهم بالصبر الذي أعدهم به ، وبانزال النصر عليهم والكبت لعدوهم الى إفاضته على كل منهم ما استعد له «انتهى» رزقنا الله وجميع المؤمنين الثبات في الدين والاستقامة في ترويج شريعة سيد المرسلين وطريقة الائمة المعصومين وجعلنا من المستعدين لانزال مواهبه آمين يا رب العالمين.

١٩٦

وكانت المواطن ثمانين موطنا.

٩٠ ـ في الكافي على بن إبراهيم عن بعض أصحابه ذكره قال : لما سم المتوكل نذر : ان عوفي أن يتصدق بمال كثير ، فلما عوفي سأل الفقهاء عن حد المال الكثير فاختلفوا عليه ، فقال بعضهم : مأة الف وقال بعضهم : عشرة آلاف فقالوا فيه أقاويل مختلفة فاشتبه عليه الأمر ، فقال رجل من ندمائه يقال له صنعان : الا تبعث الى هذا الأسود فتسأل منه؟ فقال له المتوكل : فمن تعنى ويحك؟ فقال له ابن ابن الرضا عليه‌السلام؟ فقال له : وهو يحسن من هذا شيئا؟ فقال له : ان أخرجك من هذا فلي عليك كذا وكذا ، والا فاضربني مأة مقرعة (١) فقال المتوكل : قد رضيت ، يا جعفر بن محمود صر اليه وسل عن حد المال الكثير ، وصار جعفر بن محمود الى ابى الحسن على بن محمد (ع) فسأله عن حد المال الكثير فقال له : الكثير ثمانون فقال له جعفر : يا سيدي انه يسألني عن العلة فيه؟ فقال ابو الحسن عليه‌السلام ان الله عزوجل يقول : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) فعددنا المواطن فكانت ثمانين.

٩١ ـ في تفسير على بن إبراهيم قوله : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) فانه كان سبب غزوة حنين انه لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى فتح مكة أظهر انه يريد هوازن وبلغ الخبر هوازن فتهيأوا وجمعوا الجموع والسلاح واجتمعوا واجتمع رؤساء هوازن الى مالك بن عوف النضري فرأسوه عليهم (٢) وخرجوا وساقوا معهم أموالهم ونسائهم وذراريهم ومروا حتى نزلوا بأوطاس (٣) وكان دريد بن الصمة الخيثمى في القوم وكان شيخا كبيرا قد ذهب بصره من الكبر فلمس الأرض بيده فقال : في أى واد أنتم؟ قالوا : بوادي أوطاس ، قال : نعم مجال

__________________

(١) المقرعة : السوط.

(٢) اى جعلوه رئيسا.

(٣) أوطاس : واد في ديار هوازن ، كانت فيه وقعة حنين ، وفيها قال النبي (ص): الآن حمى الوطيس وذلك حين استعرت الحرب وهي من الكلم التي لم يسبق النبي (ص) إليها.

١٩٧

الخيل! لا حزن ضرس ولا سهل دهس (١) ما لي اسمع رغاء البعير ونهيق الحمار وخوار البقر وثغاء الشاة وبكاء الصبى؟ فقالوا له : ان مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونسائهم وذراريهم ليقاتل كل امرء عن نفسه وماله واهله ، فقال دريد : راعى ضأن ورب الكعبة ماله وللحرب؟ ثم قال : ادعو الى مالكا ، فلما جاء قال له : يا مالك ما فعلت؟ قال : سقت مع الناس أموالهم ونسائهم وأبناءهم ليجعل كل رجل أهله وماله وراء ظهره فيكون أشد لحربه ، فقال : يا مالك انك أصبحت رئيس قومك وانك تقاتل رجلا كريما ، وهذا اليوم لما بعده ولم تصنع في تقدمة بيضة (٢) هوازن الى نحور الخيل شيئا ويحك وهل يلوى المنهزم على شيء؟ (٣) اردد بيضة هوازن الى عليا بلادهم وممتنع محالهم ، فألق الرجال على متون الخيل ، فانه لا ينفعك الا رجل بسيفه وفرسه ، فان كان لك لحق بك من ورائك ، وان كان عليك لا تكون قد فضحت في أهلك وعيالك ، فقال له مالك : انك قد كبرت وكبر علمك [وعقلك] فلم يقبل من دريد ، فقال دريد : ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا : لم يحضر منهم أحد ، قال : غاب الحد والحزم لو كان يوم علاء وسعادة ما كانت تغيب كعب ولا كلاب ، فمن حضرها من هوازن؟ قالوا : عمرو بن عامر وعوف بن عامر ، قال : ذانك الجذعان (٤) لا ينفعان ولا يضران ، ثم تنفس دريد وقال : حرب عوان (٥).

يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع

__________________

(١) الحزن : المرتفع من الأرض. والضرس : الذي فيه حجارة محددة. والدهس : اللين الكثير التراب.

(٢) بيضة هوازن : جماعتهم.

(٣) وفي السيرة لابن هشام «وهل يرد المنهزم شيء؟».

(٤) الجذع من البهائم : الشاب الحدث. يريد انهما ضعيفان في الحرب ، بمنزلة الجذع في سنه.

(٥) الحرب العوان : أشد الحروب.

١٩٨

أقود وطفاء الزمع

كأنها شاة صدع (١)

وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اجتماع هوازن بأوطاس فجمع القبايل ورغبهم في الجهاد ووعدهم النصر ، وان الله قد وعده ان يغنمه أموالهم ونساءهم وذراريهم ، فرغب الناس وخرجوا على راياتهم ، وعقد اللواء الأكبر ودفعه الى أمير المؤمنين عليه‌السلام وكل من دخل مكة براية أمره ان يحملها ، وخرج في اثنى عشر الف رجل ، عشرة آلاف ممن كانوا معه وفي رواية ابى الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام وكان معه من بنى سليم الف رجل رئيسهم عباس بن مرداس السلمي ، ومن مزينة الف رجل.

رجع الحديث الى على بن إبراهيم قال : فمضوا حتى كان من القوم على مسيرة ليلة قال : وقال مالك بن عوف لقومه : ليصير كل رجل منكم اهله وماله خلف ظهره ، واكسروا جفون سيوفكم واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشجر فاذا كان في غلس الصبح (٢) فاحملوا حملة رجل واحد وهدوا القوم (٣) فان محمدا لم يلق أحدا يحسن الحرب فلما صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الغداة انحدر في وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد وكانت بنو سليم على مقدمته ، فخرج عليهم كتائب هوازن من كل ناحية فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد الا انهزم ، وبقي أمير المؤمنين عليه‌السلام يقاتلهم في نفر قليل ومر المنهزمون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يلوون على شيء (٤) وكان العباس أخذ بلجام بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمينه وابو سفيان بن حارث بن عبد المطلب عن يساره ، فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينادى : يا معشر الأنصار الى أين المفر انا رسول الله فلم يلوا أحد عليه ، وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو في وجوه المنهزمين التراب وتقول : الى أين

__________________

(١) الجذع : الشاب. والخبب والوضع : ضربان من السير. والوطفاء : الطويلة الشعر. والزمع : الشعر الذي فوق مربط قيد الدابة ، يريد فرسا صفتها هكذا ، وهو محمود في وصف الخيل والشاة هنا : الوعل وصدع اى وعل بين الوعلين ليس بالعظيم ولا بالحقير.

(٢) الغلس : ظلمة آخر الليل.

(٣) هد الشيء : كسره.

(٤) اى لا يلتفتون ولا يعطفون عليه.

١٩٩

تفرون عن الله وعن رسوله؟ ومر بها عمر فقالت له : ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها هذا من الله ، فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الهزيمة ركض نحوم (١) على بغلته وقد شهر سيفه فقال : يا عباس اصعد هذا الظرب (٢) وناد : يا أصحاب البقرة ويا أصحاب الشجرة (٣) الى أين تفرون؟ هذا رسول الله ، ثم رفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده فقال : اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان ، فنزل اليه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا رسول الله دعوت بما دعا به موسى حين فلق الله له البحر ونجا من فرعون ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي سفيان بن الحارث : ناولني كفا من حصى فناوله فرماه وجوه المشركين ثم قال : شاهدت الوجوه (٤) ثم رفع رأسه الى السماء فقال : اللهم ان تهلك هذه العصابة لم تعبد وان شئت ان لا تعبد لا تعبد ، فلما سمعت الأنصار نداء العباس عطفوا وكسروا جفون (٥) سيوفهم وهم يقولون : لبيك ، ومروا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستحيوا ان يرجعوا اليه ولحقوا بالراية ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للعباس : من هؤلاء يا أبا الفضل ، فقال : يا رسول الله هؤلاء الأنصار ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الآن حمى الوطيس (٦) ونزل النصر من السماء وانهزمت هوازن ، وكانوا يسمعون قعقعة السلاح (٧) في الجو وانهزموا في كل وجه وغنم الله رسوله أموالهم ونسائهم وذراريهم ، وهو قول الله : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ).

__________________

(١) كذا في النسخ وفي نسخة «بحرم» وفي المصدر «ركض نحو على بغلته» وهو أيضا غير صحيح والكل مصحف ويمكن ان يكون صحيح اللفظة «بجذم» والجذم : بقية السوط بعد ذهاب طرفه وركض اى ضرب قال الله تعالى «اركض برجلك» والمعنى : ضرب بسوط على بغلته.

(٢) الظرب : النل من الرمل.

(٣) وفي مجمع البيان «يا أصحاب سورة البقرة ، ويا أهل بيعة الشجرة».

(٤) شاه وجهه : قبح.

(٥) جمع الجفن : غمد السيف.

(٦) الوطيس. وحمى الوطيس اى اشتد الحرب.

(٧) القعقعة : حكاية صوت السلاح.

٢٠٠