تفسير نور الثقلين - ج ٢

الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي

تفسير نور الثقلين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧١

ـ لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

٢١ ـ عن داود بن فرقد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما الأنفال؟ قال : بطون الاودية ورؤس الجبال والاجام والمعادن ، وكل أرض لم يوجف عليها خيل ولا ركاب ، وكل أرض ميتة قد جلى أهلها وقطايع الملوك.

٢٢ ـ عن أبى مريم الأنصاري قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ) وللرسول» قال : سهم لله وسهم للرسول قال : قلت : فلمن سهم الله؟ فقال : للمسلمين.

٢٣ ـ في تفسير على بن إبراهيم قوله : (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) فانها نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبا ذر وسلمان والمقداد رضى الله عنهم.

٢٤ ـ في أصول الكافي على بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن يزيد قال : حدثنا أبو عمر والزبيري عن أبى عبد الله عليه‌السلام انه قال : بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة ، وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله ، وبالنقصان دخل المفرطون النار.

٢٥ ـ في مجمع البيان : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ) في حديث أبى حمزة فالله ناصرك كما أخرجك من بيتك.

٢٦ ـ في تفسير على بن إبراهيم ثم ذكر بعد ذلك الأنفال وقسمة الغنايم [و] خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى الحرب فقال : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) وكان سبب ذلك ان غير القريش (١) خرجت الى الشام فيها خزائنهم ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخروج ليأخذوها ، فأخبرهم الله ان الله وعده احدى الطائفتين اما العير أو قريش ان ظفر بهم ، فخرج في ثلاثمائة وثلثة عشر رجلا فلما قارب بدرا كان أبو سفيان في العير ، فلما بلغه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خرج يتعرض للعير خاف خوفا

__________________

(١) العير : قافلة الحمير مؤنثة ، ثم كثرت حتى سميت بها كل قافلة.

١٢١

شديدا ومضى الى الشام ، فلما وافي النقرة (١) اكترى ضمضم بن عمر والخزاعي بعشرة دنانير وأعطاه قلوصا (٢) وقال له : امض الى قريش وأخبرهم ان محمدا والصباة (٣) من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعير كم فأدركوا العير وأوصاه أن يخرم ناقته (٤) ويقطع أذنها حتى يسيل الدم ويشق ثوبه (٥) من قبل ودبر ، فاذا دخل مكة ولى وجهه الى ذنب البعير وصاح بأعلى صوته : يا آل غالب يا آل غالب! اللطيمة اللطيمة! العير العير! أدركوا أدركوا وما أريكم تدركون! فان محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم ، فخرج ضمضم يبادر الى مكة. ورأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلثة أيام كأن راكبا قد دخل مكة فينادى يا آل غدر ويا آل فهر اغدوا الى مصارعكم صبح ثالثة ، ثم وافي بجمله الى أبى قبيس فأخذ حجرا فدهدهه (٦) من الجبل ، فما ترك دارا من قريش الا أصابه منه فلذة ، وكأن وادي مكة قد سال من أسفله دما فانتبهت ذعرة فأخبرت العباس بذلك فأخبر العباس عتبة بن ربيعة ، فقال عتبة : هذه مصيبة تحدث في قريش وفشت الرؤيا في قريش وبلغ ذلك أبا جهل فقال : ما رأت عاتكة هذه الرؤيا ، وهذه نبية ثانية في بنى عبد المطلب واللات والعزى لننظرن ثلثة أيام فان كان ما رأت حقا فهو كما رأت ، وان كان غير ذلك لنكتبن بيننا كتابا : انه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ونساء من بنى هاشم ، فلما مضى يوم قال أبو جهل : هذا يوم قد مضى ، فلما كان

__________________

(١) النقرة ـ بفتح النون وسكون القاف أو كسرها : موضع في طريق مكة كما قاله الحموي وفي المصدر «البهرة» بدل «النقرة» قال الفيروزآبادي : البهرة ـ بالضم ـ : موضع بنواحي المدينة.

(٢) القلوص من الإبل : الشابة.

(٣) صباة ـ كغلاة ـ جمع الصابئ وهو الذي خرج من دين الى دين آخر.

(٤) اى يشق وترة أنفه.

(٥) وفي المصر «ويستوثق به» والظاهر انه مصحف.

(٦) دهده الحجر : دحرجة.

١٢٢

اليوم الثاني قال أبو جهل هذان يومان قد مضيا. فلما كان اليوم الثالث وافي ضمضم ينادى في الوادي : يا آل غالب اللطيمة اللطيمة العير العير ، أدركوا أدركوا ما وراكم وما أراكم تدركون ، فان محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم التي فيها خزائنكم ، فتصايح الناس بمكة وتهيئوا للخروج ، وقام سهيل بن عمر وو صفوان بن امية وابو البختري بن هشام ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ، ونوفل بن خويلد فقالوا : يا معشر قريش والله ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه أن يطمع محمد والصباة من أهل يثرب أن يتعرضوا لعير كم التي فيها خزائنكم ، فو الله ما قرشي ولا قرشية الا وله في هذه العير نش (١) فصاعدا ، ان هو الا الذل والصغار أن يطمع محمد في أموالكم ، ويفرق بينكم وبين متجركم فاخرجوا ، وأخرج صفوان بن امية خمسمائة دينار وجهز بها ، واخرج سهيل بن عمرو وما بقي أحد من عظماء قريش الا اخرجوا مالا وحملوا وقودا وخرجوا على الصعب والذلول لا يملكون أنفسهم كما قال الله تبارك وتعالى : (خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) وخرج معهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن حارث وعقيل بن أبى طالب واخرجوا معهم القينات (٢) يشربون الخمر ويضربون بالدفوف. وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ثلاثمائة وثلثة عشر رجلا فلما كان بقرب بدر على ليلة منها بعث بشير بن ابى الزغباء ومجدي بن عمرو يتجسسان خبر العير فأتيا ماء بدر وأناخا راحلتيهما واستعذبا من الماء وسمعا جاريتين قد تشبثت إحديهما بالأخرى تطالبها بدرهم كان لها عليها ، فقالت : عير قريش نزلت أمس في موضع كذا وهي تنزل غدا هاهنا وانا أعمل لهم وأقضيك ، فرجع أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبراه بما سمعا ، فاقبل ابو سفيان بالعير ، فلما شارف بدرا تقدم العير وأقبل وحده حتى انتهى الى ماء بدر ، وكان بها رجل من جهينة يقال له كسب الجهني ، فقال له : يا كسب هل لك علم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : لا ، قال : واللات والعزى لئن كتمتنا امر محمد لا تزال قريش لك

__________________

(١) النش : نصف الاوقية ، وكانت الاوقية عند العرب أربعين درهما.

(٢) القينات جمع القينة ، الامة المغنية.

١٢٣

معادية آخر الدهر ، فانه ليس أحد من قريش الا وله في هذه العير نش فصاعدا فلا تكتمني فقال : والله ما لي علم بمحمد وأصحابه بالتجار الا انى رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا واستعذبا من الماء وأناخا راحلتيها ورجعا فلا أدري من هما؟ فجاء ابو سفيان الى موضع مناخ ابلهما ففت (١) ابعار الإبل بيده فوجد فيها النوى ، فقال : هذه علائف يثرب ، هؤلاء والله عيون محمد ، فرجع مسرعا وامر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر وتركوا الطريق ومروا مسرعين. ونزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره ان العير قد أفلتت وان قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وأمره بالقتال ووعده النصر ، وكان نازلا بالصفراء (٢) فأحب ان يبلو الأنصار لأنهم انما وعدوه ان ينصروه في الدار ، فأخبرهم ان العير قد جازت وان قريشا أقبلت لتمنع عن عيرها ، وان الله تبارك وتعالى قد أمرنى بمحاربتهم فجزع أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك وخافوا خوفا شديدا فقال رسول الله أشيروا على ، فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله انها قريش وخيلاها (٣) ما آمنت منذ كفرت ولا ذلت منذ عزت ولم نخرج على هيئة الحرب فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اجلس فجلس ، فقال أشيروا على فقام عمر فقال مثل مقالة ابى بكر ، فقال : اجلس ، ثم قام المقداد فقال : يا رسول الله انها قريش وخيلاها وقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا ان ما جئت به حق من عند الله ولو أمرتنا ان نخوض جمر الغضا وشوك الهراس (٤) لخضنا معك ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه‌السلام (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ولكننا نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا انا

__________________

(١) فت الشيء : دقه وكسره بالأصابع.

(٢) هي قرية بين جبلين.

(٣) الخيلاء : الكبر والاعجاب.

(٤) الجمر : النار المتوقد والغضاة شجر عظيم وخشبة من أصلب الخشب وهو حسن النار ، وجمره يبقى زمانا طويلا لا ينطفئ. والشوك : ما يخرج من النبات شبيها بالابر. والهراس : شجر كثير الشوك طويلة.

١٢٤

معكما مقاتلون ، فجزاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خيرا ثم جلس ، ثم قال : أشيروا على ، فقام سعد بن معاذ فقال : بأبى أنت وأمي يا رسول الله كأنك أردتنا؟ قال : نعم ، قال : فلعلك خرجت على امر قد أمرت بغيره؟ قال : نعم ، قال : بابى أنت وأمي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اننا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت وخذ من أموالنا ما شئت ، واترك منه ما شئت والذي أخذت منه أحب الى من الذي تركت منه ، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضنا معك ، ثم قال : بأبى أنت وأمي يا رسول الله والله ما أخذت هذا الطريق قط وما لي به من علم وقد خلفنا بالمدينة قوما ليس نحن بأشد جهادا لك منهم ، ولو علموا انه الحرب لما تخلفوا ، ولكن نعد لك الرواحل ونلقى عدونا صبر عند اللقاء أنجاد في الحرب (١) وانا لنرجو ان يقر الله عزوجل عينيك بنا فان يك ما تحب فهو ذاك ، وان لم يكن غير ذلك قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أو يحدث الله غير ذلك؟ كأنى بمصرع فلان هاهنا وبمصرع فلان هاهنا ، وبمصرع أبى جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومنبه وبنيه ابنا الحجاج ، فان الله قد وعدني احدى الطائفتين ولن يخلف الله الميعاد ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الآية (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) الى قوله و (لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرحيل حتى نزل عشاء على ماء بدر وهي العدوة الشامية ، وأقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانية وبعثت عبيدها تستعذب من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحبسوهم فقالوا لهم : من أنتم؟ قالوا : نحن عبيد قريش قالوا : فأين العير؟ قالوا : لا علم لنا بالعير ، فأقبلوا يضربونهم وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلى ، فانفتل من صلوته (٢) فقال : ان صدقوكم ضربتموهم وان كذبوكم تركتموهم؟ على بهم ، فأتوا بهم فقال لهم : من أنتم؟ قالوا : يا محمد نحن عبيد قريش قال : كم القوم؟ قالوا : لا علم لنا بعددهم ، قال : كم ينحرون في كل يوم جزورا (٣)

__________________

(١) انجاد جمع نجد : الشجاع الماضي في ما يعجزه غيره ، سريع الاجابة فيما دعا اليه.

(٢) انفتل عن الصلاة : انصرف عنها.

(٣) الجزور : الناقة التي تنجر.

١٢٥

قالوا : تسعة الى عشرة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله القوم تسعمأة الى ألف ، قال : فمن فيهم من بنى هاشم؟ قالوا : العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبى طالب فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهم فحبسوا ، فبلغ قريشا ذالك وخافوا خوفا شديدا. ولقى عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام فقال له : اما ترى هذا البغي والله ما أبصر موضع قدمي ، خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت فجئنا بغيا وعدوانا والله ما أفلح قوم قط بغوا ، ولوددت ان ما في العير من اموال بنى عبد مناف ذهب كله ولم نسر هذا المسير ، فقال له أبو البختري : انك سيد من سادات القريش وتحمل العير التي أصابها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه بنخلة ودم ابن الحضرمي (١) فانه حليفك فقال عتبة : أنت على بذلك (٢) وما على أحد منا خلاف ذلك الا ابن الحنظلية يعنى أبا جهل فسر اليه انى قد تحملت العير التي قد أصابها محمد ودم ابن الحضرمي فقال ابو البختري : فقصدت خباه (٣) وإذا هو قد أخرج درعا له ، فقلت له : ان أبا الوليد بعثني إليك برسالة فغضب ، ثم قال : اما وجد عتبة رسولا غيرك؟ فقلت : اما والله لو غيره أرسلنى ما جئت ولكن أبا الوليد سيد العشيرة فغضب غضبة اخرى فقال : تقول : سيد العشيرة؟ فقلت : أنا أقوله وقريش كلها تقول ، انه قد تحمل العير ودم ابن الحضرمي؟ فقال : ابن عتبة أطول الناس لسانا وأبلغهم في الكلام ويتعصب لمحمد فانه من بنى عبد مناف

__________________

(١) هذا اشارة الى قصة عبد الله بن جحش وسريته التي سار فيها الى نخلة وقتل فيها عمرو بن الحضرمي ـ وكان حليف عتبة بن ربيعة وكان اخوه عامر بن الحضرمي في المشركين في وقعة بدر ـ وقتال عبد الله مع المشركين في تلك السرية حتى غلبهم وأسر منهم عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وهزم الباقي ، فأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير وبالاسيرين الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان ذلك في رجب فأنكر النبي صلى الله على وآله والناس ذلك منهم وقال : ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام «فنزل (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) ... اه» الى آخر ما ذكره المؤرخون فراجع النهاية والطبري والسيرة لابن هشام وغيرها.

(٢) اى قد فعلت وأنت الشاهد على ذلك.

(٣) الخباء : الخيمة إذا كانت من صوف أو وبر أو شعر.

١٢٦

وابنه معه ويريد أن يحذر الناس ، لا واللات والعزى حتى نقحم عليهم (١) بيثرب ، ونأخذهم أسارى فندخلهم مكة وتتسامع العرب بذلك ، ولا يكون بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه. وبلغ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كثرة القريش ففزعوا فزعا شديدا وشكوا وبكوا واستغاثوا فأنزل الله عزوجل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) العزيز الحكيم فلما امسى قابل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجنه الليل (٢) ألقى الله على أصحابه النعاس حتى ناموا ، وأنزل الله تبارك وتعالى عليهم السماء (٣) وكان نزول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في موضع لا يثبت فيه القدم ، فأنزل عليهم السماء ولبد الأرض (٤) حتى ثبتت أقدامهم وهو قول الله تعالى : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) وذلك أن بعض أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله احتلم (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) وكان المطر على قريش مثل العزالى (٥) وكان على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رذاذا (٦) بقدر ما لبد الأرض وخافت قريش خوفا شديدا ، فأقبلوا يتحارسون يخافون البيات ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود فقال : ادخلا في القوم وأتونا بأخبارهم فكانا يجولان في عسكرهم فلا يرون الا خائفا ذعرا إذا سمعوا صهل الفرس وثبت على جحفلته (٧) فسمعوا منبه بن الحجاج يقول :

__________________

(١) اى نهجم عليهم.

(٢) جن عليه الليل وجنه : ستره وأظلم عليه.

(٣) السماء هنا بمعنى المطر. وفي المصدر «الماء» بدل «السماء».

(٤) التلبيد : الإلصاق.

(٥) العزالى جمع العزلاء : مصيب الماء من الراوية ، ومنه قولهم : أرخت السماء عزاليها.

(٦) الرذاذ. المطر الضعيف.

(٧) صهل الفرس : صوت. الجحفلة لذي الحافر كالشفة للإنسان.

١٢٧

لا يترك الجوع لنا مبيتا لا بد ان نموت أو نميتا قال : قد والله كانوا أشباعا ولكنهم من الخوف قالوا هذا ، والقى الله في قلوبهم الرعب كما قال تبارك وتعالى (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) فلما أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عبأ (١) أصحابه وكان في عسكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرسان : فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد ، وكان في عسكر أصحابه سبعون جملا يتعاقبون عليها ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى بن أبي طالب عليه‌السلام ومرثد بن أبى مرثد الغنوي على جمل يتعاقبون عليه والجمل للمرثد ، وكان في عسكر قريش اربعمأة فرس ، فعبأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بين يديه ، فقال : غضوا أبصاركم ولا تبدوهم بالقتال ولا يتكلمن أحد. فلما نظرت قريش الى قلة أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ابو جهل : ما هم الا اكلة رأس ولو بعثنا إليهم عبيدنا لاخذوهم أخذا باليد ، فقال عتبة : أترى لهم كمينا ومددا فبعثوا عمرو بن وهلب الجمحي وكان شجاعا فجال بفرسه حتى طاف على عسكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم صعد في الوادي وصوت ثم رجع الى قريش فقال : ما لهم كمين ولا مدد ، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع (٢) أما ترونهم خرساء لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي (٣) ما لهم ملجأ الا سيوفهم وما أراهم يولون حتى يقتلون ، ولا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم فارتأوا رأيكم؟ فقال ابو جهل : كذبت وجبنت وانتفخ سحرك (٤) حين نظرت الى سيوف أهل يثرب وفزع أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين نظروا الى كثرة قريش وقوتهم ، وانزل الله عزوجل على رسوله : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) وقد علم الله عزوجل انهم لا يجنحون ولا يجيبوا الى السلم وانما أراد بذلك ليطيب قلوب أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فبعث رسول الله الى قريش ، فقال : يا معشر قريش ما أجد من العرب أبغض الى من أن أبدأ بكم فخلوني

__________________

(١) عبأ الجيش للحرب : جهزه وهيأه.

(٢) النواضح : الإبل القمى يستقى عليها الماء : والناقع : الثابت البالغ في الافناء.

(٣) تلمظ الحية : اخرج لسانها.

(٤) السحر : الرية ، وانتفاخ السحر كناية عن الجبن.

١٢٨

والعب ، فان أك صادقا فأنتم أعلى بى عينا ، وان أك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب (١) أمرى فارجعوا فقال عتبة : والله ما أفلح قوم قط ردوا هذا ، ثم ركب جملا له أحمر فنظر اليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجول في العسكر وينهى عن القتال فقال : ان يك عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر ان يطيعوه يرشدوا فأقبل عتبة يقول : يا معشر قريش اجتمعوا واسمعوا ثم خطبهم فقال : يمن مع رحب ورحب مع يمن يا معشر قريش أطيعونى اليوم واعصوني الدهر ، وارجعوا الى مكة واشربوا الخمور وعانقوا الحور فان محمدا له إل وذمة وهو ابن عمكم ، فارجعوا فلا تردوا رأيى ، وانما تطالبون محمدا بالعير التي أخذها بنخلة ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعلى عقله ، فلما سمع أبو جهل ذلك غاظه وقال : ان عتبة أطول الناس لسانا وأبلغهم في الكلام ، ولئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريش آخر الدهر ، ثم قال : يا عتبة نظرت الى سيوف بنى عبد المطلب وجبنت وانتفخ سحرك ، وتأمر الناس بالرجوع وقد رأينا آثارنا بأعيينا ، فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبى جهل وكان على فرس وأخذ بشعره فقال الناس : يقتله فعرقب فرسه (٢) فقال : أمثلى يجبن؟ وستعلم قريش اليوم أينا ألام وأجبن ، وأينا المفسد لقومه لا يمشى الا أنا وأنت الى الموت عيانا ، ثم قال : هذا جناي وخياره فيه وكل جان يده الى فيه (٣)

__________________

(١) ذؤبان جمع الذئب.

(٢) عرقبه : قطع عرقوبه ، والعرقوب : عصب غليظ فوق عقب الإنسان ومن الدابة في رجلها.

(٣) الجنى : المجنى ، وأول من تكلم بهذا المثل عمرو بن عدى بن أخت جذيمة ، وذلك ان جذيمة خرج مبتديا بأهله وولده في سنة مكلئة وضربت أبنيته في زهر وروضة فأقبل ولده يجنون الكماة ، فاذا أصاب بعضهم كماة جيدة أكلها ، وإذا أصابها عمرو خبأها في حجزته فأقبلوا يتعادون الى جذيمة وعمرو يقول وهو صغير : «هذا جناي وخياره فيه* إذ كل جان يده الى فيه» فضمه جذيمة اليه والتزمه وسر بقوله وفعله وأمر أن يصاغ له طوق فكان أول عربي طوق ، وكان يقال له عمرو ذو الطوق ، وهو الذي قبل فيه ـ

١٢٩

ثم أخذ بشعره يجره فاجتمع اليه الناس فقالوا : يا أبا الوليد الله الله! لا تفت في أعضاد الناس تنهى عن شيء تكون أوله ، فخلصوا أبا جهل من يده فنظر عتبة الى أخيه شيبة ونظر الى ابنه الوليد فقال : قم يا بنى ثم لبس درعه وطلبوا له بيضة تسع رأسه فلم يجدوها لعظم هامته فاعتجر بعمامتين (١) ثم أخذ سيفه وتقدم هو وأخوه وابنه ونادى : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، فبرز اليه ثلثة نفر من الأنصار عوذ ومعوذ وعوف بنى عفرا فقال عتبة : من أنتم انتسبوا لنعرفكم؟ فقالوا : نحن بنو عفرا أنصار الله وأنصار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : ارجعوا فانا لسنا إياكم نريد ، انما نريد الأكفاء من قريش ، فبعث إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان ارجعوا فرجعوا ، وكره أن يكون أول الكرة بالأنصار فرجعوا ووقفوا مواقفهم. ثم نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وكان له سبعون سنة فقال له : قم يا عبيدة فقام بين يديه بالسيف ، ثم نظر الى حمزة بن عبد المطلب فقال له : قم يا عم ، ثم نظر الى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : قم يا على ، وكان أصغر القوم ـ فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم ، فقد جاءت قريش بخيلاها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله و (يَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبيدة عليك بعتبة ، وقال لحمزة : عليك بشيبة ، وقال لعلى عليه‌السلام : عليك بالوليد بن عتبة فمروا حتى انتهوا الى القوم فقال عتبة : من أنتم انتسبوا لنعرفكم؟ فقال : انا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، فقال. كفو كريم فمن هذان؟ فقال : حمزة بن عبد المطلب وعلى بن أبى طالب ، فقال : كفوان كريمان ، لعن الله من أوقفنا وإياكم هذا الموقف ، فقال شيبة لحمزة : من أنت؟ فقال : أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، فقال له شيبة : لقد لقيت

__________________

ـ المثل المشهور «كبر عمرو عن الطوق» وتقدير المثل : هذا ما اجتنيته ولم آخذ لنفسي خير ما فيه إذ كل جان يده مائلة الى فيه يأكله ، هذا وقد تمثل أمير المؤمنين عليه‌السلام بهذا الشعر كما رواه العامة بعد ما كان يفرق بيت المال على مستحقة ويقول : يا صفراء غرى غيري ويا بيضاء غرى غيري ، ذكره الإربلي (ره) في كشف الغمة وغيره في غيره.

(١) الهامة : الرأس : والاعتجار : لف العمامة على الرأس.

١٣٠

أسد الحلفاء فانظر كيف تكون صولتك يا أسد الله فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلق هامته ، وضرب عتبة عبيدة على ساقه وقطعها وسقطا جميعا ، وحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيفين حتى تثلما (١) وكل واحد منهما يتقى بدرقته (٢) وحمل أمير المؤمنين صلوات الله عليه على الوليد بن عتبة فضربه على حبل عائقه فأخرج السيف من إبطه (٣) فقال على صلوات الله عليه : فأخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي فظننت ان السماء قد وقعت على الأرض ، ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون : يا على أما ترى الكلب قد بهر عمك (٤) فحمل عليه على عليه‌السلام فقال : يا عم طأطئ رأسك وكان حمزة أطول من شيبة فادخل حمزة رأسه في صدره ، فضربه أمير المؤمنين على رأسه فطير نصفه ، ثم جاء الى عتبة وبه رمق فأجهز عليه وحمل عبيدة بين حمزة وعلى عليه‌السلام حتى أتيا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنظر اليه رسول الله واستعبر (٥) فقال : يا رسول الله بأبى أنت وأمي ألست شهيدا؟ فقال : بلى وأنت أول شهيد من أهل بيتي فقال : اما لو ان عمك حيا لعلم انى أولى بما قال منه ، قال : وأى أعمامى تعنى؟ قال : أبو طالب حيث يقول :

كذبتم وبيت الله نبرى محمدا

ولما نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتى ينصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل (٦)

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله ، وابنه الاخر في جهاد الله تعالى بأرض الحبشة ، فقال : يا رسول الله أسخطت على في

__________________

(١) اى انكسرا.

(٢) الدرقة ـ محركة ـ : الترس.

(٣) حبل العاتق : عصب بين العنق ورأس الكتف والإبط : باطن المنكب.

(٤) بهره : غلبه.

(٥) اى بكى صلوات الله عليه.

(٦) ناضله مناضلة : باراه في رمى السهام ، وناضل عنه : حامي وجادل ودافع عنه وصرعة : طرحه على الأرض شديدا ، والحلائل جمع الحليلة : الزوجة.

١٣١

هذه الحالة؟ فقال : ما سخطت عليك ولكن ذكرت عمى فانقبضت لذلك. وقال أبو جهل لقريش : لا تعجلوا ولا تبطروا كما عجل وبطرا بنا ربيعة ، عليكم بأهل يثرب فاجزروهم جزرا وعليكم بقريش فخذوهم أخذا حتى ندخلهم مكة فنعرفهم ضلالتهم التي كانوا عليها ، وكانت فئة من قريش أسلموا بمكة فاحتبسهم آباؤهم ، فخرجوا مع قريش الى بدر وهم على الشك والارتياب والنفاق ، منهم قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكهة ، والحارث بن ربيعة ، وعلى بن امية بن خلف ، والعاص بن المنبه ، فلما نظروا الى قلة أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قالوا : مساكين هؤلاء غرهم دينهم فيقتلون الساعة ، فأنزل الله عزوجل على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). وجاء إبليس الى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم : أنا جاركم فادفعوا الى ـ رايتكم فدفعوها اليه ، وجاء بشياطينه يهول بهم على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويخيل إليهم ويفزعهم ، وأقبلت قريش يقدمها إبليس ومعه الراية ، فنظر اليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : غضوا أبصاركم وعضوا على النواجذ (١) ولا تستلوا سيفا حتى آذن لكم ، ثم رفع يده الى السماء وقال : يا رب ان تهلك هذه العصابة لم تعبد وان شئت ان لا تعبد لا تعبد ، ثم اصابه الغشي فسرى عنه وهو يسكب العرق (٢) عن وجهه ويقول : هذا جبرئيل عليه‌السلام قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين ، قال : فنظرنا فاذا بسحابة سوداء فيها برق لائح قد وقعت على عسكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقائل يقول : أقدم حيزوم أقدم حيزوم (٣) وسمعنا قعقعة السلاح من الجو. ونظر إبليس عليه اللعنة الى جبرائيل عليه‌السلام فتراجع ورمى باللواء فأخذ منبه

__________________

(١) النواجذ جمع الناجذ وهي أقصى الأضراس ، أربعة وهي أضراس الحلم لأنها تنبت بعد البلوغ وكما العقل ، والعض على النواجذ كناية عن الصبر.

(٢) سكب الماء : صب. وفي بعض النسخ «يسلت» ومعناه يمسحه عن وجهه.

(٣) حيزوم : اسم فرس جبرئيل اى أقدم يا حيزوم فحذف حرف النداء.

١٣٢

ابن الحجاج بمجامع ثوبه ثم قال : ويلك يا سراقة تفت في أعضاد الناس؟ فر كله إبليس ركلة في صدره (١) و (قالَ : إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ) وهو قول الله عزوجل : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) ثم قال عزوجل : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) وحمل جبرئيل عليه‌السلام على إبليس لعنه الله فطلبه حتى غاص في البحر وقال : رب أنجز لي ما وعدتني من البقاء الى يوم الدين. وروى في الخبر ان إبليس التفت الى جبرئيل عليه‌السلام وهو في الهزيمة فقال : يا هذا بدا لكم فيما أعطيتمونا؟ فقيل لأبي عبد الله عليه‌السلام أترى كان يخاف ان يقتله؟ فقال : لا ولكنه كان يضربه ضربة يشينه منها الى يوم القيمة ، وانزل الله على رسوله (: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) قال : أطراف الأصابع ، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريدان تطفئ نور الله و (يَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ). وخرج ابو جهل من بين الصفين فقال : اللهم ان محمدا قطعنا الرحم وأتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة (٢) فانزل الله عزوجل على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان تستفتحوا فقد جائكم (الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) ثم أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفا من حصاة فرمى به في وجوه قريش وقال : شاهت الوجوه شاهت الوجوه ، فبعث الله عزوجل رياحا تضرب في وجوه قريش فكانت الهزيمة ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم لا يغلبك فرعون هذه الامة : ابو جهل بن هشام فقتل منهم سبعون وأسر سبعون والتقى عمر وبن الجموح مع ابى جهل فضرب عمر وأبا جهل على فخذه وضرب ابو جهل عمروا على يده فأبانها من

__________________

(١) الركل : الضرب برجل واحدة.

(٢) احنه اى أهلكه.

١٣٣

العضد ، فتعلقت بجلده فاتكى عمر وعلى يده برجله ثم تراخى في السماء حتى انقطعت الجلدة ورمى بيده. وقال عبد الله بن مسعود : انتهيت الى ابى جهل وهو يتشحط بدمه (١) فقلت : الحمد لله الذي أخزاك ، فرفع رأسه فقال : انما اخزى الله عبد بن أم عبد ، لمن الدين ويلك (٢)؟ قلت : لله ولرسوله وانى قاتلك ، ووضعت رجلي على عنقه فقال : لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم ، اما انه ليس شيء أشد من قتلك إياي في هذا اليوم الا تولى قتلى رجلا من المطلبيين أو رجلا من الاحلاف؟ فانقلعت بيضة كانت على رأسه فقتلته وأخذت رأسه وجئت به الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت : يا رسول الله البشرى هذا رأس ابى جهل بن هشام فسجد لله عزوجل شكرا. وأسر ابو يسر الأنصاري العباس بن عبد المطلب وعقيل بن ابى طالب وجاء بهما الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : هل أعانك عليهما أحد؟ قال : نعم رجل عليه ثياب بيض ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ذاك من الملائكة ، ثم قال رسول الله للعباس افد نفسك وابن أخيك ، فقال : يا رسول الله لقد كنت أسلمت ولكن القوم استكرهوني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله اعلم با بإسلامك ، ان يكن ما تذكر حقا ، فان الله عزوجل يجزيك عليه ، فأما ظاهر أمرك فقد كنت علينا ثم قال : يا عباس انكم خاصمتم الله فخصمكم ، ثم قال : أفد نفسك وابن أخيك وقد كان العباس أخذ معه أربعين أوقية من ذهب فغنمها رسول الله فلما قال رسول الله للعباس : افد نفسك ، قال : يا رسول الله احسبها من فدائى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك فأفد نفسك وابن أخيك ، فقال العباس : ليس لي مال غير الذي ذهب منى ، قال : بل المال الذي خلفته عند أم الفضل بمكة فقلت لها : ان حدث على حدث فاقسموه بينكم؟ فقال له : أتتركني وانا اسأل الناس بكفي؟ فأنزل الله على رسوله في ذلك : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ

__________________

(١) تشحّط بالدم : تضرج به وتمرغ فيه.

(٢) الدين : القهر والغلبة والاستعلاء ، وفي السيرة لابن هشام : «لمن الدائرة ... اه».

١٣٤

مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ثم قال الله تبارك وتعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعقيل : قد قتل الله تبارك وتعالى يا با يزيد أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، ونوفل بن خويلد ، وأسر سهيل بن عمرو والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبى معيط وفلان وفلان ، فقال عقيل : إذا لا تنازعوا في تهامة فان كنت قد أثخنت القوم والا فاركب أكتافهم ، فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله وكان القتلى ببدر سبعين والأسرى سبعين ، قتل منهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه سبعة وعشرين ولم يؤسر أحدا فجمعوا الأسارى وقرنوهم في الحبال وساقوهم على أقدامهم ، وجمعوا الغنايم وقتل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تسعة رجال ، منهم سعد بن خيثمة وكان من النقباء فرحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونزل الأثيل عند غروب الشمس وهو من بدر على ستة أميال ، فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى عقبة بن أبى معيط والى النضر ابن الحارث بن كلدة وهما في قرن واحد (١) فقال النضر لعقبة : يا عقبة انا وأنت مقتولان ، قال : عقبة من بين قريش؟ قال : نعم لان محمدا قد نظر إلينا نظرة رأيت فيها القتل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا على على بالنضر وعقبة وكان النضر رجلا جميلا عليه شعر ، فجاء على فأخذ بشعره فجره الى رسول الله فقال النضر : يا محمد أسئلك بالرحم بيني وبينك الا أجريتنى كرجل من قريش ان قتلتهم قتلتني وان فاديتهم فاديتنى وان أطلقتهم أطلقتنى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا رحم بيني وبينك ، قطع الله عزوجل الرحم بالإسلام قدمه يا على فاضرب عنقه ، فقال عقبة : يا محمد ألم تقل لا تصبر قريش اى لا يقتلون صبرا؟ قال : وأنت من قريش؟ انما أنت علج من أهل صفورية لانت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى اليه ليس منها ، قدمه يا على فاضرب عنقه فقدمه فضرب عنقه.

فلما قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النضر وعقبة خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلهم ،

__________________

(١) القرن ـ محركة ـ : الحبل يجمع به البعيران.

١٣٥

فقالوا الى رسول الله فقالوا : يا رسول الله قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين وهم قومك وأساراك هبهم لنا يا رسول الله وخذ منهم الفداء وأطلقهم ، فأنزل الله : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) فأطلق لهم ان يأخذوا الفداء ويطلقوهم ، وشرط ان يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذوا منهم الفداء فرضوا منه بذلك ، فلما كان يوم أحد قتل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعون رجلا ، فقال من بقي من أصحابه : يا رسول الله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا بالنصر؟ فأنزل الله عزوجل فيهم : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) ببدر قتلتم سبعين وأسرتم سبعين (قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) بما اشترطتم.

رجع الحديث الى تفسير الآيات التي لم تكتب قوله : و (إِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) قال : العير أو قريش وقوله عزوجل : (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) قال : ذات الشوكة الحرب ، قال : تودون العير لا الحرب و (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) قال : الكلمات الائمة صلوات الله عليهم.

٢٧ ـ في تفسير العياشي عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) فقال : الشوكة التي فيها القتال.

٢٨ ـ عن جابر قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن تفسير هذه الاية في قول الله (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) قال ابو جعفر عليه‌السلام : تفسيرها في الباطن (يُرِيدُ اللهُ) فانه شيء يريده ولم يفعله بعد ، واما قوله : (يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) فانه يعنى يحق حق آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله واما قوله : «بكلماته» قال : كلماته في الباطن على هو كلمات الله في الباطن واما قوله : (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) فهو بنى امية هم الكافرون يقطع الله دابرهم واما قوله (لِيُحِقَّ الْحَقَّ) فانه يعنى ليحق حق آل محمد حين يقوم القائم عليه‌السلام واما قوله : (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) يعنى القائم فاذا قام يبطل باطل بنى امية وذلك (لِيُحِقَ

١٣٦

الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).

٢٩ ـ في مجمع البيان (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) الآية قيل : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما نظر الى كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم ان تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال يهتف به مادا يديه حتى سقط رداؤه من منكبه ، فأنزل الله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) الاية وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : ولما أمسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجنه الليل ألقى الله على أصحابه النعاس وكانوا قد نزلوا في موضع كثير الرمل لا يثبت فيه قدم ، فأنزل الله عليهم المطر رذاذا حتى لبدوا وثبتت أقدامهم ، وكان المطر على قريش مثل العزالى ، والقى الله في قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ).

قال مؤلف هذا الكتاب «عفي عنه» : قوله عزوجل : (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) سبق في القصة عن على بن إبراهيم له بيان ، وقوله : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) وقوله : (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) سبق لهما بيان في القصة ، وفي ما نقلناه عن مجمع البيان وقوله : (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) سبق له بيان في القصة.

٣٠ ـ في كتاب الخصال عن أمير المؤمنين عليه‌السلام اشربوا ماء السماء فانه يطهر البدن ويدفع الأسقام ، قال الله تبارك وتعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) وفي الكافي باسناده الى أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

٣١ ـ في تفسير العياشي عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن هذه الآية في البطن (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) فالسماء في الباطن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والماء على عليه‌السلام ، جعل الله عليا عليه‌السلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذلك قوله : (ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) [فذلك على يطهر الله به] قلب من والاه ، واما قوله : (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ)

١٣٧

من والى عليا يذهب الرجز عنه ويقوى عليه (١) (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) فانه يعنى عليا من والى عليا يربط الله على قلبه بعلى فيثبت على ولايته.

٣٢ ـ عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله : (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ ـ الشَّيْطانِ) قال : لا يدخلنا ما يدخل الناس من الشك.

٣٣ ـ عن محمد بن يوسف قال : أخبرني ابى قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام فقلت : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) قال : القائم.

قال مؤلف هذا الكتاب «عفي عنه» قوله عزوجل : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) سبق له بيان في القصة وفيما نقلناه عن مجمع البيان : وقوله : (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) سبق له بيان في القصة.

٣٤ ـ في الكافي على بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن ابى حمزة عن عقيل الخزاعي ان أمير المؤمنين عليه‌السلام كان إذا حضر الحرب يوصى المسلمين بكلمات : يقول : تعاهدوا الصلوة الى ان قال عليه‌السلام : ثم ان الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد والمتوازرين على الضلال ضلال في الدين ، وسلب للدنيا مع الذل والصغار وفيه استيجاب النار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال يقول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ).

٣٥ ـ احمد بن محمد الكوفي عن ابن جمهور عن أبيه عن محمد بن سنان عن مفضل ابن عمر عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، وعن عبد الله بن عبد الرحمان الأصم عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لأصحابه : إذا لقيتم عدوكم في الحرب فأقلوا الكلام واذكروا الله عزوجل ولا تولوهم الأدبار فتسخطوا الله تبارك وتعالى وتستوجبوا غضبه.

٣٦ ـ في عيون الاخبار في باب ما كتب به الرضا عليه‌السلام الى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل : وحرم الله تعالى الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين والاستخفاف بالرسل والائمة العادلة عليهم‌السلام ، وترك نصرتهم على الأعداء

__________________

(١) وفي المصدر «ويقوى قلبه».

١٣٨

والعقوبة لهم على انكار ما دعوا اليه من الإقرار بالربوبية وإظهار العدل وترك الجور وإماتة الفساد (١) لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين وما يكون من السبي والقتل وابطال دين الله عزوجل وغيره من الفساد.

٣٧ ـ في كتاب الخصال في مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام وتعدادها قال عليه‌السلام : واما الثالثة والستون فانى لم أفر من الزحف قط ، ولم يبارزني أحد الا سقيت الأرض من دمه.

٣٨ ـ في تفسير العياشي عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت : الزبير شهد بدرا؟ قال : نعم ولكنه فر يوم الجمل ، فان كان قاتل المؤمنين فقد هلك بقتاله إياهم ، وان كان قاتل كفارا (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) حين ولاهم دبره.

٣٩ ـ عن أبى جعفر عليه‌السلام : ما شأن أمير المؤمنين عليه‌السلام حين ركب منه ما ركب لم يقاتل؟ فقال : للذي سبق في علمه (٢) ان يكون ما كان لأمير المؤمنين عليه‌السلام أن يقاتل وليس معه الا ثلثة رهط ، فكيف يقاتل؟ ألم تسمع قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) الى (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) فكيف يقاتل أمير المؤمنين عليه‌السلام بعدها؟ فانما هو يومئذ ليس معه مؤمن غير ثلثة رهط.

٤٠ ـ عن ابى اسامة زيد الشحام قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك انهم يقولون ما منع عليا ان كان له حق ان يقوم بحقه؟ فقال : ان الله لم يكلف هذا أحدا الا نبيه عليه وآله السلام قال له : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) وقال لغيره : (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) فعلى لم يجد فيه ولو وجد فيه لقاتل ثم قال : لو كان جعفر وحمزة حيين انما بقي رجلان ، (٣) قال : (مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) قال : متطردا (٤) يريد الكرة عليهم ، أو متحيزا يعنى متأخرا الى أصحابه من غير هزيمة ، فمن انهزم حتى يجوز صف أصحابه (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ).

٤١ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن الحسن بن صالح عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : كان يقول ، من فر من رجلين في القتال

__________________

(١) في نسخة «وإماتته والفساد».

(٢) في المصدر «في علم الله».

(٣) للمجلسي (ره) بيان فيه راجع البحار ج ٨ : ١٥٢.

(٤) الطرد ـ ويحرك ـ : الابعاد ومتطردا اى متباعدا.

١٣٩

من الزحف فقد فر ، ومن فر من ثلثة في القتال من الزحف فلم يفر.

٤٢ ـ في تفسير العياشي عن محمد بن كليب الأسدي عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) قال على عليه‌السلام : ناول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله القبضة التي رمى بها.

٤٣ ـ وفي خبر آخر عنه : ان عليا ناوله قبضة من تراب رمى بها.

٤٤ ـ عن عمرو بن أبى المقدام عن على بن الحسين قال : ناول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على بن ابى طالب كرم الله وجهه قبضة من التراب التي رمى بها في وجوه المشركين فقال الله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).

٤٥ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي «رحمه‌الله» عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حديث طويل وفيه وقال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) فسمى فعل النبي فعلا له ، الا ترى تأويله على غير تنزيله.

٤٦ ـ في كتاب الخصال في مناقب أمير المؤمنين وتعدادها قال عليه‌السلام : واما الخامسة والثلاثون فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجهني يوم بدر فقال : ايتني بكف حصيات مجموعة في مكان واحد ، فأخذتها ثم شممتها فاذا هي طينة يفوح منها رائحة المسك ، فأتيته بها فرمى بها وجوه المشركين ، وتلك الحصيات اربع منها كن من الفردوس ، وحصاة من المشرق ، وحصاة من المغرب ، وحصاة من تحت العرش ، مع كل حصاة مأة الف ملك مددا لنا لم يكرم الله عزوجل بهذه الفضيلة أحدا قبلنا ولا بعدنا قال مؤلف هذا الكتاب «عفي عنه» سبق لهذه الآية بيان في القصة الطويلة المنقولة عن على بن إبراهيم.

٤٧ ـ في مجمع البيان : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) وفي حديث ابى حمزة قال ابو جهل : اللهم ربنا ديننا القديم ودين محمد الحديث فأى دينين كان أحب إليك وارضى عندك فانصر اهله اليوم. قال مؤلف هذا الكتاب «عفي عنه» : قد سبق لهذه أيا بيان في القصة السابقة.

٤٨ ـ في مجمع البيان : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُ) الآيتين وقال الباقر

١٤٠