الحدائق الناضرة - ج ٢١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٥

الى يد صاحبه ، فلو لم يسلم لم يحصل ذلك كالمبيع إذا تلف قبل القبض ، الى أن قال : فالحكم غير خال من وجه مع شهرته ، بل كاد أن يكون إجماعا ، إذ المخالف غير ظاهر مع التتبع ، غير ما نقل عن ابن إدريس رحمه‌الله ، من منع هذه المعاملة.

وهو غير جيد للنصوص المتقدمة وعموم أدلة العقود والشروط نعم قد يحصل التردد في بعض اللوازم ، مثل توقفه على السلامة ، مع كونه لازما ، على ذلك غير بعيد لما قدمناه مع عدم الخلاف من القائلين به فتأمل ، انتهى.

وبالجملة فإن الحكم المذكور محل الاشكال لما عرفت من ظهور الاخبار في لزوم هذه المعاملة وصحتها ، وقضية ذلك ان ذهابه بالآفة من مال المتقبل خاصة ، مع ظهور اتفاقهم على خلافه كما عرفت.

وقال في المسالك بعد ذكر تخير الزارع في القبول وعدمه : ما لفظه وعلى تقدير قبوله يتوقف نقله اليه على عقد ـ كغيره من الأموال ـ بلفظ الصلح أو التقبيل على ما ذكره الأصحاب.

أقول : لا يخفى أن غاية ما يفهم من الاخبار المتقدمة التي هي المستند في هذه الأحكام هو حصول التراضي بينهما كيف اتفق ، كما هو القدر المحقق من الاخبار في سائر العقود التي اشترطوا فيها ما اشترطوه من القيود الكثيرة ، نعم يمكن القول بكون ذلك من قبيل الصلح ، فإنه كما تقدم تحقيقه ، لا شرط فيه زيادة على ما يدل على التراضي بينهما بالألفاظ الجارية في المحاورة في ذلك المقام.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد قال الشيخ في النهاية : ومن زارع أرضا على ثلث أو ربع وبلغت الغلة جاز لصاحب الأرض أن يخرص عليه الغلة ، ثمرة كانت أو غيرها ، فإن رضي المزارع بما خرص أخذها وكان عليه حصة صاحب الأرض ، سواء نقص الخرص أو زاد ، وكان له الباقي ، فإن هلكت الغلة بعد الخرص بآفة سماوية لم يكن عليه للمزارع شي‌ء انتهى ، وعلى هذه المقالة وما تضمنته من

٣٤١

جميع الأحكام جرى الأصحاب ممن تأخر عنه.

وقال ابن إدريس : الذي ينبغي تحصيله انه لا يخلو أن يكون قد باعه حصته من الغلة والثمرة بمقدار ما في ذمته من الغلة والثمرة ، أو باعه الحصة بغلة من هذه الأرض ، فعلى الوجهين معا البيع باطل ، لانه داخل في المزابنة والمحاقلة ، وكلاهما باطلان وان كان ذلك صلحا لا بيعا فان ذلك بغلة وثمرة في ذمة الأكار الذي هو الزارع فإنه لازم له ، سواء هلكت الغلات بالآفة السماوية أو الأرضية ، وان كان ذلك الصلح بغلة من تلك الأرض ، فهو صلح باطل لدخوله في باب الغرر ، لانه غير مضمون فان كان ذلك فالغلة بينهما سواء ، زاد الخرص أو نقص ، تلفت منهما أو سلمت لهما ، فليلحظ ذلك ، فهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا ، وتشهد به الأدلة فلا يرجع عنها بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، انتهى كلامه.

أقول : لا يخفى ان هذه الأصول التي يستند في غير مقام إليها والأدلة التي نبذه بالاعتماد عليها ان كانت من الاخبار المعلومة من الأئمة الأطهار (عليهم‌السلام) فهي لا تخرج عما رده هنا من هذه الاخبار ، لان الجميع مشترك في نسبته إليهم ، وثبوته عنهم (عليهم‌السلام) فان سماها أخبار آحاد ، لم ينقل عنهم في حكم من الأحكام الفقهية أخبار بطريق التواتر ، ليكون مقابلة لهذه الاخبار ، بل ليس الا هذه الاخبار المروية في الكتب الأربعة المشهورة ونحوها ، وان سماها بما ذكره ، وان كانت من القرآن فمن المعلوم بطلانه ، لان القرآن لم يتضمن أمثال هذه الجزئيات والخصوصيات ، وان كان الإجماع فهو غير حقيق بالاستماع ، ولا جدير بالاتباع ، وليس فيه الا تضييع المداد ، وتكثير السواد كما لا يخفى على أدنى ذي مسكة من العباد ، فضلا عن ذي الفهم النقاد.

ومن الاخبار الزائدة على ما قدمناه صحيحة الحلبي (١) عن أبى عبد الله

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٦٦ ح ١ ، التهذيب ح ٧ ص ١٩٣ ح ١ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٨ ح ٢.

٣٤٢

(عليه‌السلام) أن أباه حدثه أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعطى خيبر بالنصف أرضها ونخلها فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة وقوم عليهم قيمة فقال لهم : اما أن تأخذونه وتعطوني نصف الثمن ، واما أن أعطيكم نصف الثمن وآخذه ، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض».

على أن لقائل أن يقول أنه لا دليل على انحصار النقل في هذه العقود المشهور بينهم من البيع والصلح ونحوهما ، لوجود جملة من المواضع قد دلت الاخبار على حصول النقل فيها مع خروجها عن هذه المواضع ، كالأخبار الدالة على جواز قبالة الأرض بما عليها من الخراج ، وقد تقدمت في المسألة التاسعة والاخبار الدالة على جواز قبالة الأرض لمن يعمرها ويؤدى خراجها ويأكل حاصلها ، وقدمت في الشرط الثاني من شروط المزارعة ، فلتكن هذه الاخبار هنا من قبل ذلك ، وان أمكن إدراج الجميع في الصلح ، إذ لا دليل على تخصيصه بما اصطلحوا عليه وخصصوا به من الشروط.

وبالجملة فإنه حيث تكاثرت الأخبار بصحة هذه المعاملة واستحقاق ذلك بعد التخيير والقبول ووجوب دفع الحصة المشترطة على المتقبل ، فإنه لا يلتفت الى كلامه ، وانما يبقى الاشكال فيما ذكروه من اشتراط السلامة كما عرفت والله العالم.

الثانية عشر ـ نقل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : لو استحقت الأرض كان للمالك أن يطالب الزارع بقلع الزرع ، الا أن يكون في ذلك ضرر على أهل الزكاة وغيرهم ، بتلف حقوقهم منه ، فان ضمنه رب الأرض لهم وقلع الزرع كان مخيرا بين أن يأخذ الجزء منه على تلك الحال ، وبين أن يضمن الذي غر الزارع قيمة نصف الزرع ثابتا وسلم الزرع كله اليه.

ثم اعترضه فقال : والوجه أن للمالك قلع الزرع مطلقا وان تضرر أرباب الزكاة ، ويأخذ أرباب الزكاة نصيبهم من العين ، إذا تعلقت بها الزكاة ، وله الرجوع

٣٤٣

في الزرع بالأجرة ويرجع الزارع على الغار ، انتهى وهو جيد.

الثالثة عشر ـ روى ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب عن عبد الله بن سنان (١) في الصحيح ، انه قال : في الرجل يزارع فيزرع أرض غيره ، فيقول ثلث للبقر ، وثلث للأرض ، وثلث للبذر ، قال : لا يسم شيئا من الحب والبقر ، ولكن يقول : ازرع فيها كذا وكذا ان شئت نصفا وان شئت ثلثا».

وعن سليمان بن خالد (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يزرع أرض آخر فيشترط للبذر ثلثا وللبقر ثلثا؟ قال : لا ينبغي أن يسمى بذرا ولا بقرا فإنما يحرم الكلام».

وروى الشيخ في التهذيب عن أبى الربيع الشامي (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) مثل الخبر الثاني : وزاد قبل قوله «وانما يحرم الكلام» «ولكن يقول لصاحب الأرض : ازرع في أرضك ولك منها كذا وكذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط ولا يسمى بذرا ولا بقرا».

وروى في الفقيه عن أبى الربيع (٤) «عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في الرجل يزرع أرض رجل على أن يشترط للبقر الثلث ، ولصاحب الأرض الثلث ، فقال : لا ينبغي أن يسمى بقرا ولا بذرا ، ولكن يقول لصاحب الأرض : ازرع في أرضك ولك كذا وكذا مما أخرج الله تعالى».

وروى في الكافي في الصحيح عن الحلبي (٥) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يزرع الأرض فيشترط للبذر ثلثا وللبقر ثلثا؟ قال : لا ينبغي أن يسمى شيئا فإنما يحرم الكلام».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٦٧ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ١٩٧ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٣ ص ٢٠٠ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٦٧ ح ٥ ، الوسائل ج ١٣ ص ٢٠٠ ح ٦.

(٣) التهذيب ح ٧ ص ١٩٤ ح ٣ ، الوسائل ج ١٣ ص ٢٠١ ح ١٠.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ١٥٨ ح ٢ ، الوسائل ج ١٣ ص ٢٠١ ح ١٠.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٢٦٧ ح ٦ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٩ ح ٤.

٣٤٤

أقول : وهذه الاخبار قد اشتركت في الدلالة على تحريم اشتراط شي‌ء للبقر والبذر كما عرفت ، ولم أقف على قائل بذلك إلا في كلام ابن الجنيد وابن البراج.

قال ابن الجنيد : ولا بأس باشتراك العمال بأموالهم وأبدانهم في مزارعة الأرض وإجارتها ، إذا كان على كل واحد قسط من المؤنة والعمل ، وله جزء من الغلة ، ولا يقول أحدهم : ثلث للبذر ، وثلث للبقر ، وثلث للعمل ، لان صاحب البذر يرجع اليه بذره ، وثلث الغلة من الجنس ، وهذا ربا ، فان جعلت البذر دينا جاز ذلك ، وقال ابن البراج : لا يجوز أن يجعل للبذر ثلثا وللبقر ثلثا.

والعلامة في المختلف بعد أن نقل عنهما ذلك واستدل لهما برواية أبي الربيع المروية في التهذيب قال : والوجه الكراهة ، ولا ربا هنا ، إذ الربا انما يثبت في البيع خاصة.

أقول : أنت خبير بان الدليل غير منحصر في رواية أبي الربيع المذكور ، لما عرفت من الروايات الصحيحة الصريحة في التحريم غيرها ، وعدم ظهور الوجه لنا في التحريم لا يدل على نفيه فلعل هنا علة لا يدركها فهمنا ، على أن ما ذكره من اختصاص الربا بالبيع خاصة قد تقدم ما فيه ، وأنه ثابت في غيره أيضا.

قال بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين في حواشيه على التهذيب : وقوله للبذر ثلثا وللبقر ثلثا يحتمل وجهين ، أحدهما أن يكون اللام للتمليك ، فالنهي لكونهما غير قابلين للملك ، وثانيهما أن يكون المعنى ثلث بإزاء البذر ، وثلث بإزاء البقر ، فالنهي لشائبة الربا في البذر ، وقال العلامة في المختلف : بالكراهة ، وابن البراج وابن الجنيد ذهبا إلى الحرمة ، ولا يخلو من قوة ، انتهى.

تتميم نفعه عميم في استحباب المزارعة والغرس ، وما يقال ويفعل وقت الحرث والزرع ونحو ذلك قد استفاضت الاخبار باستحباب الزرع ، فروى

٣٤٥

المشايخ الثلاثة عن سيابة (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : سأله رجل فقال له : جعلت فداك أسمع قوما يقولون : ان الزراعة مكروهة ، فقال : ازرعوا واغرسوا فلا والله ما عمل الناس عملا أحل ولا أطيب منه ، والله ليزر عن الزرع وليغرسن النخل بعد خروج الدجال».

وروى في الكافي والفقيه عن محمد بن عطية (٢) قال : سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان الله تعالى اختار لأنبيائه الحرث والزرع كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء». وزاد في الفقيه (٣) «وسئل عن قول الله تعالى «وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ» قال : الزارعون.

وروى في الكافي عن سهل (٤) رفعه قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): ان الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع لئلا يكرهوا شيئا من قطر السماء».

وعن مسمع (٥) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لما هبط آدم (عليه‌السلام) الى الأرض احتاج الى الطعام والشراب فشكى ذلك الى جبرئيل (عليه‌السلام) فقال له جبرئيل : يا آدم كن حراثا قال : فعلمني دعاء قال : قل : اللهمّ اكفني مؤنة الدنيا وكل هول دون الجنة ، وألبسني العافية حتى تهنئني المعيشة».

وروى في الكافي مرسلا (٦) قال : «روى أن أبا عبد الله (عليه‌السلام) قال : الكيمياء الأكبر الزراعة».

وعن يزيد بن هارون الواسطي (٧) قال : سألت جعفر بن محمد (عليهما‌السلام)

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٦٠ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٣٦ ح ٥٣ ، الفقيه ج ٣ ص ١٥٨ ح ٥ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٣ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٦٠ ح ١ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٣ ح ٣.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ١٦٠ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٣ ح ٤.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٢٦٠ ح ٢ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٣ ح ٢.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٢٦٠ ح ٤ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٤ ح ٥.

(٦) الكافي ج ٥ ص ٢٦١ ذيل ح ٦ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٤ ح ٨.

(٧) التهذيب ج ٦ ص ٣٨٤ ح ٢٥٩ ، الوسائل ج ١٢ ص ٢٥ ح ٣.

٣٤٦

عن الفلاحين فقال هم الزارعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شي‌ء أحب الى الله من الزراعة ، وما بعث الله نبيا الا زراعا إلا إدريس فإنه كان خياطا.

وعن يزيد بن هارون (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيبا أخرجه الله عزوجل ، وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاما وأقربهم منزلة يدعون المباركين.

وروى في الكافي عن السكوني (٢) «عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : سئل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أى المال خير؟ قال : الزرع زرعه صاحبه ، وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده ، قال : فأي المال بعد الزرع خير؟ قال : رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ، ويؤتى الزكاة ، قال : فأي المال بعد الغنم خير؟ قال : البقر تغدو بخير وتروح بخير ، قال : فأي المال بعد البقر خير؟ قال : الراسيات في الوحل والمطعمات في المحل. نعم الشي‌ء النخل من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدت به الريح في يوم عاصف إلا أن يخلف مكانها ، قيل : يا رسول الله فأي المال بعد النخل خير؟ قال : فسكت قال : فقام اليه رجل فقال له : يا رسول الله فأين الإبل؟ قال : فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار ، تغدو مدبرة وتروح مدبرة ، لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم ، أما أنها لا تعدم الأشقياء الفجرة».

ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (٣) قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الحديث ،. ثم قال : معنى قوله لا يأتي خيرها الا من جانبها الأشأم هو أنها لا تحلب ولا تركب الا من الجانب الأيسر.

وفي معاني الأخبار (٤) يقال لليد الشمال : الشؤم ، منها قال الله تعالى

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٦٠ ح ٧ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٤ ح ٧.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ١٩٠ ح ٦.

(٤) معاني الأخبار ص ٣٢٢ ط طهران ١٣٧٩.

٣٤٧

«وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ» (١) يريد أصحاب الشمال.

وقال في الوافي : ومعنى قوله «لا تعدم الأشقياء الفجرة» أن الإبل لا تزال تجد أشقياء يتخذونها ، انتهى.

ونحوه نقل عن بعض المشايخ أيضا حيث قال : أريد أنه من جملة مفاسد الإبل أنه يكون معها غالبا الأشقياء الفجرة ، وهم الجمالون الذين هم شرار الناس ، انتهى.

أقول : قد روى الصدوق في كتابي الخصال ومعاني الاخبار (٢) عن الصادق (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): الغنم إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت ، والبقر إذا أقبلت أقبلت ، وإذا أدبرت أدبرت ، والإبل أعنان الشياطين إذا أقبلت أدبرت وإذا أدبرت أدبرت ولا يجي‌ء خيرها الا من جانبها الأشأم ، قيل يا رسول الله : فمن يتخذوها بعد ذا قال : فأين الأشقياء الفجرة».

وحينئذ فالظاهر حمل إجمال الخبر الأول على هذا الخبر ، ويكون حاصل المعنى في الخبر الأول أن هذا الكلام منى لا يصير سببا للناس في ترك اتخاذها ، فإنه يتخذها الأشقياء الفجرة.

وروى في الكافي عن شعيب العقرقوفي (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا بذرت فقل اللهم قد بذرنا وأنت الزارع واجعله حبا متراكما».

وعن بكير في الحسن (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا أردت أن تزرع زرعا فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة ، وقل «أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ» (٥) ثلاث مرات ثم تقول بل الله الزارع ثلاث

__________________

(١) سورة الواقعة الآية ٩.

(٢) معاني الأخبار ص ٣٢١ ، الوسائل ج ٨ ص ٣٩٣ ح ٤ ط طهران ١٣٧٩.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٦٣ ح ٢ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٧ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٢٦٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٧ ح ٣.

(٥) سورة الواقعة الآية ٦٢ و ٦٣.

٣٤٨

مرات ثم قل : اللهم اجعله حبا مباركا وارزقنا فيه السلامة ، ثم انثر القبضة التي في يدك في القراح».

وعن على بن محمد (١) رفعه قال : «قال على (عليه‌السلام) إذا غرست غرسا أو نبتا فاقرأ على كل عود أو حبة سبحان الباعث الوارث ، فإنه لا يكاد يخطئ إنشاء الله تعالى».

وعن محمد بن يحيى رفعه (٢) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «تقول إذا غرست أو زرعت ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين باذن ربها».

وروى الصدوق في كتاب العلل بسنده فيه عن عيسى بن جعفر العلوي (٣) عن آبائه أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : مر أخي عيسى بمدينة فإذا في ثمارها الدود. فسألوا إليه ما بهم ، فقال : دواء هذا معكم وليس تعلمون ، أنتم قوم إذا غرستم الأشجار صببتم التراب ، وليس هكذا يجب ، بل ينبغي أن تصبوا الماء في أصول الشجر ثم تصبوا التراب لكيلا يقع فيه الدود ، فاستأنفوا كما وصف فذهب عنهم ذلك».

وروى في الكافي عن ابن عرفه (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): من أراد أن يلقح النخيل إذا كان لا يجود حملها ولا يتبعل النخل فليأخذ حيتانا صغارا يابسة فيدقها بين الدقتين ثم يذر في كل طلعة منها قليلا ويصر الباقي في صرة نظيفة ثم يجعله في قلب النخلة ينفع باذن الله تعالى».

وعن صالح بن عقبة (٥) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) قد رأيت حائطك فغرست فيه شيئا بعد قال : قلت : قد أردت أن آخذ من حيطانك وديا

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٦٣ ح ٥ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٧ ح ٤ و ٥.

(٣) علل الشرائع ص ٥٧٤ ح ١ باب ٣٧٦ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٢ ح ١.

(٤ و ٥) الكافي ج ٥ ص ٢٦٣ ح ٣ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٧ ح ١ من باب ٦.

٣٤٩

قال : أفلا أخبرك بما هو خير لك منه ، وأسرع ، قلت : بلى قال : إذا أينعت البسرة وهمت أن ترطب فاغرسها ، فإنها تؤدي إليك مثل الذي غرستها سواء ففعلت ذلك فنبتت مثله سواء».

٣٥٠

المطلب الثاني في المساقاة

وهي معاملة على أصول ثابتة بحصة من ثمرها ، فالمعاملة بمنزلة الجنس ، لتناولها لجميع عقود المعاوضات ، وقولنا على الأصول بمنزلة الفصل ، ويخرج به المزارعة ، وقولنا ثابتة لإخراج مالا ثبوت لأصله ، وعرقه في الأرض مثل الخضروات ، والورد الذي لم يغرس ، والمغروس قبل ثبوت عروقه واستقرارها ، ونقل في المختلف عن الشيخ أنه يجوز المساقات على البقل جرة بعد جرة للأصل ، ثم رده فقال : والأقرب المنع ، لأنها معاملة على مجهول ، فتصح في موضع الإجماع ، انتهى.

وقولنا : بحصة من ثمرها يخرج به الإجارة ، فإنها وان صحت على الأصول الثابتة لكن لا بحصة من الثمرة ، بل بأجرة معينة معلومة أو مضمونة ، وهل المراد بالثمرة هنا المعنى المتبادر ، أو ما يدخل فيه النماء للشجرة ، فتصح المساقاة على ما يقصد ورده ، وورقه ، كشجرة الحناء والتوت اشكال ، ولعل الأرجح الأول ، حملا للفظ على المعنى المعهود المتبادر من اللفظ ، فلا تصح المساقاة الا على أصول لها ثمرة متعارفة ، ويؤيده عدم وجود نص في المساقاة على ما كان كذلك ، والأصل العدم ، وأما دليل صحة هذه المعاملة فالإجماع والنصوص.

٣٥١

ومنها صحيحة يعقوب بن شعيب (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) وفيها قال : سألته عن الرجل يعطى الرجل أرضه وفيها الرمان والنخل والفاكهة ويقول اسق هذا من الماء وأعمره ولك نصف مما خرج ، قال : لا بأس».

وصحيحة الحلبي (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «أن أباه حدثه أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعطى خيبر بالنصف أرضها ونخلها» الحديث.

والمراد أنه ، أعطى أرضها بالمزارعة ونخلها بالمساقاة ، ونحوه غيره من أخبار خيبر ، إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام هنا يقع في فصلين.

الفصل الأول في الأركان :

وهي خمسة ، العقد ، والمحل الذي تقع المساقاة عليه ، والمدة ، والعمل ، والفائدة ، وحينئذ فالبحث يقع في مقامات خمسة :

الأول ـ العقد ، وحيث كانت المساقاة عندهم من العقود اللازمة ، صرحوا فيها بما يشترط في غيرها من العقود اللازمة ، كالبيع وأمثاله ، فأوجبوا فيها الإيجاب والقبول ، بأن يقول : ساقيتك وعاملتك أو سلمت إليك ، وعقدت معك عقد المساقاة ، وقبلتك عملها ، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على الإنشاء بلفظ الماضي.

قالوا : واللفظ الصريح من ذلك لفظ ساقيتك ، وزاد في التذكرة على ما تقدم من الألفاظ أتعهد نخلي بكذا وكذا ، وأعمل فيه كذا وكذا.

قال في المسالك بعد نقل ذلك عنه : ويشكل بما مر في نظيره من عدم صراحة الأمر في الإنشاء ، ولا وجه لإخراج هذا العقد اللازم من نظائره ، وقد نوقش في الاكتفاء به في المزارعة بلفظ الأمر مع الاستناد فيها الى النص ، وهو

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٦٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ١٩٨ ح ٢٢ ، الوسائل ج ١٣ ص ٢٠٢ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٦٦ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ١٩٣ ح ١ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٩٩ ح ٢.

٣٥٢

منتف هنا ، وجريان المعاطاة هنا بعيد ، لاشتمال هذا العقد على الغرر وجهالة العوض ، بخلاف البيع والإجارة ، فينبغي الاقتصار فيه على موضع اليقين ، انتهى.

وأنت خبير بما فيه مما أسلفنا بيانه في غير مقام مما تقدم ، ولا سيما في كتاب البيع (١) وبالجملة فالمستفاد من الاخبار على وجه لا يعتريه شائبة الإنكار ، هو الاكتفاء بالألفاظ الدالة على التراضي بذلك على أى نحو اتفق.

ومنها صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة ، فإن ما اشتملت عليه من قول المالك «اسق هذا من الماء وأعمره ولك نصف ما خرج» هو عقد المساقاة الذي أوجبوا ترتب أحكام المساقاة عليه ، وهو ظاهر أيضا في أنه يكفى في القبول الرضا الفعلي ، دون القولي كما تقدم نظيره في المزارعة ، والمفهوم أيضا من أخبار خيبر ودفع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أرضها ونخلها لهم بالنصف ، هو مجرد التراضي على ذلك بقول أو فعل بأي نحو كان ذلك.

على أن ما ادعوه من لفظ المساقاة في هذه المعاملة ـ وتسميتها بهذا الاسم فضلا عن كونه أصرح ألفاظها ـ لم يرد في خبر من الاخبار بالكلية ، وانما هو شي‌ء اصطلحوا عليه ، وتبعوا العامة في التسمية بهذا الاسم ، ولفظ المزارعة وان وجد في الاخبار الا أن هذا اللفظ لم نقف عليه في خبر منها بالكلية ، والذي وجدناه من أخبارها هو ما قدمناه وربما أطلق عليها في بعض الاخبار لفظ القبالة.

وبالجملة فإن ما ذكروه في المقام كما ذكروه في غير نفخ في غير ضرام لعدم ثبوته في شي‌ء من أخبارهم (عليهم‌السلام) التي هي المعتمد ، وعليها المعول في النقض والإبرام.

تنبيهات :

الأول ـ الظاهر أنه لا خلاف بينهم في أنه يكون عقد المساقاة من العقود اللازمة ، واستندوا في ذلك الى الأدلة العامة ، مثل قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٢)

__________________

(١) ج ١٨ ص ٣٤٨.

(٢) سورة المائدة ـ الاية ١.

٣٥٣

«والمسلمون عند شروطهم» (١). فلا يجوز لأحدهما فسخه الا مع التراضي والتقايل من الطرفين.

نعم ربما يعرض له البطلان بأسباب آخر من خارج ، مثل عدم حصول شرط ، والبطلان لعدم الانتفاع ، مثل انقطاع الماء ونحوه مما تقدم في المزارعة.

الثاني ـ لا خلاف في صحة المساقاة قبل ظهور الثمرة بالكلية ، لظهور تأثير العمل في استحقاق الحصة ، مضافا إلى عموم الأدلة المشار إليها آنفا ، وكذا لا خلاف في عدم الصحة بعدم الظهور على وجه لا يفيد العمل فيها زيادة.

وانما الخلاف فيها لو كان بعد الظهور ، وقد بقي عمل يحصل به الزيادة والنماء في الثمرة ، فقيل : بالصحة وهو اختيار المحقق بعد التردد في المسئلة واستجوده في المسالك ، وبه صرح العلامة في التذكرة ، قال (رحمه‌الله) في الكتاب المذكور : لا تصح المساقاة على ثمرة قد وجدت وبد إصلاحها ، واستغنت عن السقي ، ولم يبق لعمل العامل فيها مستزاد إجماعا ، لأنها والحال هذه قد ملكها رب البستان ، ولم يحصل بالمساقاة زيادة الثمار ، والغرض بها تحصيل الثمار أو جودة أنواعها ، وإذا لم يحصل الغرض ، خلا العقد من الفائدة ، فيكون باطلا ، وأما إذا كانت الثمار قد ظهرت ولم يبدو صلاحها ، فإن بقي للعامل ما فيه مستزاد الثمرة كالتأبير والسقي وإصلاح الثمرة جازت المساقاة ، تحصيلا لتلك الفائدة ، انتهى.

وأيد القول بالصحة في المسالك أيضا ، قال ولان العقد حينئذ أبعد عن الغرر للوثوق بالثمرة فيكون أولى مما لو كانت معدومة انتهى واليه يميل كلام المحقق الأردبيلي أيضا ، والظاهر أنه المشهور وقيل : بعدم الجواز نظرا الى أن الثمرة إذا ظهرت فقد حصل المقصود فصار بمنزلة القراض بعد ظهور الربح ، ولان المقصود من المساقاة ظهور الثمرة بعمله ، قال : في المسالك بعد نقل ذلك : وفيها منع

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ١٢٧ ج ٥ ، الوسائل ج ١٢ ص ٣٥٣ ح ١.

٣٥٤

ظاهر ، والمسئلة لا تخلو من نوع توقف ، لعدم النص وان كان القول الأول لا يخلو من قوة ورجحان ، والله العالم.

الثالث ـ المشهور بين الأصحاب أنه لا تبطل المساقاة بموت المساقى ولا بموت العامل ، ولا بموتهما معا.

وقال الشيخ في المبسوط : إذا مات أحدهما أو ماتا انفسخت المساقاة ، كالإجارة عندنا ، ومن خالف في الإجارة خالف هنا.

والظاهر هو القول المشهور ، لان ذلك هو مقتضى لزوم العقد حتى يقوم دليل على البطلان ، الا أن يكون المالك قد شرط على العامل العمل بنفسه ، فإنها تبطل بموت العامل قبل ظهور الثمرة ، بلا اشكال.

وأما بعد ظهورها فإشكال ينشأ من حصول ملكه ، لما ظهر منها بالعمل السابق ، فلا يزول بموته ، ومن أن الظاهر من إطلاق المساقاة هو أن الملك مشروط بإكمال العمل ولم يحصل ، فيكون الملك قبل ذلك بمنزلة المتزلزل ، وأطلق جمع من الأصحاب البطلان إذا شرط عليه العمل بنفسه.

وفيه ما عرفت ، ولعله بناء منهم على ما أشرنا إليه من أن ملك الحصة انما يستقر بإتمام العمل ، والا نسب بما تقدم ـ من جواز المساقاة بعد ظهور الثمرة مع بقاء عمل يحصل به الزيادة فيها كما هو ظاهر المشهور ـ هو الأول من وجهي الإشكال هنا ، لاشتراكهما في التبعض ، وعدم الإكمال.

ثم انه ان كان الميت المالك استمر العامل على عمله ، وقاسم الوارث ، لما عرفت من عدم بطلانها بموت أحد منهما ، وان كان الميت هو العامل ، رجع الأمر إلى التفصيل المتقدم من أنه مع شرط العمل عليه بنفسه ، هل موته قبل ظهور الثمرة ، أو بعدها ، وقد عرفت الكلام في ذلك.

وانما بقي الكلام فيما لم يشترط عليه العمل بنفسه ، بل هو في ذمته ، فإنه يقوم وارثه مقامه في العمل ، الا أنه صرح في المسالك بأنه ليس للمالك منعه

٣٥٥

في هذه الحال ، ولا إجباره لو امتنع من العمل ، قال : لان الوارث لا يلزمه حق لزم المورث الا ما أمكنه دفعه من ماله ، والعمل ليس بمال المورث ، فلا يجب على الوارث ، كما لا يؤدى الحقوق من مال نفسه ، ثم ان خلف العامل تركة تخير الوارث بين العمل ، وبين الاستيجار عليه من التركة ، فإن امتنع منهما استأجر الحاكم عليه من التركة ، فان لم يتفق ذلك تخير المالك بين الفسخ والإنفاق من ماله ، بنية الرجوع كما سيأتي تحقيقه فيما لو هرب العامل ، انتهى.

المقام الثاني ـ في المحل الذي يرد عليه عقد المساقاة وهو كل أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه ، والمراد بالأصل الثابت كالنخل ، والشجر الذي له ساق ، فلا تصح المساقاة على نحو البطيخ والباذنجان والقطن وقصب السكر والبقول قال في التذكرة : لا يثبت المساقاة عليها إجماعا ، لأن أصول هذه لا بقاء لها غالبا واضمحلالها معلوم عادة ، ولا عبرة بالنادر إذا ثبت في بعضها.

بقي الكلام هنا في موضعين أحدهما ـ ما لا ثمرة له ، انما له ورق ينتفع به ، أو ورد ، أو نحو ذلك كالحناء وشجر الورد والتوت ونحوها وقد تردد المحقق في صحة المساقاة على ذلك ، ولم يرجح شيئا ووجه الشارح في المسالك التردد المذكور بان منشأه من أن هذه المعاملة باشتمالها على ضرب من الغرر ، بجهالة العوض على خلاف الأصل ، فيقتصر بها على محل الوفاق ، وهو شجر الثمر ، ومن أن الورق المقصود كالثمرة في المعنى فيكون مقصود المساقاة حاصلا به ، قال : وفي بعض الاخبار ما يقتضي دخوله ، ثم قال : والقول بالجواز لا يخلو من قوة ، ومثله ما يقصد زهره كالورد ، انتهى ، والعلامة في القواعد بعد أن استشكل في الحكم المذكور مال الى الجواز.

أقول : ما ذكره في المسالك من أن في بعض الاخبار ما يقتضي دخوله لم أقف عليه ، فان ثبت ذلك فلا معدل عنه ، والا فالحكم مشكل ، وترجيح العدم كما قدمنا ذكره في صدر البحث أقرب ، ولم أقف في الاخبار على ما يتضمن

٣٥٦

جواز هذا العقد ، الا على الخبرين المتقدمين ، ونحوهما أخبار خيبر ، ومورد الجميع الشجر والنخل.

وبمثل ما ذكرنا صرح المحقق الأردبيلي أيضا ، فقال بعد أن نقل عن المسالك ذلك : ما رأيت شيئا خاصا الا ما يدل على عموم الفواكه في الجملة ، ولعله يريد العمومات كما أشرنا إليه ، لكنها موجودة في الكتاب أيضا ، انتهى.

ثم انه لا يخفى أن التوت المذكور مع الحناء في كلامهم وأنه محل الاشكال والتردد ، مراد به الذكر منه ، وهو الذي لا يقصد ثمرته ، أما الأنثى المقصود منه الثمرة فإنه لا اشكال ولا خلاف في جواز المساقاة عليه.

قال في التذكرة : أما التوت الأنثى فإنه يجوز المساقاة عليه عندنا ، لانه مثمر ، وأما التوت الذكر وما أشبهه مما يقصد ورقه كالحناء وشبهه ففي جواز المساقاة عليه خلاف ، والأقرب جوازها ، لان الورق في معنى الثمرة ، ولكونه مما يتكرر في كل عام ، ويمكن أخذه ، والمساقاة عليه بجزء منه ، فيثبت له مثل حكم غيره ، وكذا شجر الخلاف لاغصانها التي تقصد كل سنة أو سنتين ، والأقرب الجواز في التوت بنوعيه ، وكلما يقصد ورقه أو ورده كالنيلوفر والياسمين والأس وأشباه ذلك ، وكذا في فحول النخل ، لان لها طلع يصلح كشا للتلقيح ، فأشبهه الثمرة.

قال المحقق الأردبيلي بعد نقل ذلك عنه : ولا يبعد قرب ما قربه ، لعموم «أَوْفُوا» (١) و «المسلمون عند شروطهم» (٢). و «لان الناس مسلطون على أموالهم» (٣). فلهم ما يفعلون الا ما منع ، ثم أطال بنحو ذلك من التقريبات الى أن قال : ولو لا نقل الإجماع المذكور ـ في شرح الشرائع في عدمها في غير

__________________

(١) سورة المائدة ـ الاية ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٦٩ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ١٢٧ ح ٥ ، الوسائل ج ١٢ ص ٣٥٣ ح ١.

(٣) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ ح ٧.

٣٥٧

المغروس ونحوه ـ لكان القول بالجواز فيه متجها لما تقدم ، انتهى.

وبالجملة فالمسئلة لما عرفت غير خالية من شوب الاشكال ، قال في المسالك : والتوت بالتائين المثناتين من فوق وفي لغة نادرة بالثاء المثلثة أخيرا وردها الجوهري.

أقول : قال في القاموس في باب الثاء المثلثة التوت الفرصاد لغة في المثناة ، حكاه ابن فارس.

الثاني : أنهم قالوا لو ساقاه على ودى أو شجر غير ثابت لم يصح ، اقتصارا على موضع الوفاق ، أما لو ساقاه على ودى مغروس إلى مدة يحمل مثله فيها غالبا صح ولو لم يحمل فيها ، وان قصرت المدة المشترطة عن ذلك غالبا أو كان الاحتمال على السواء لم يصح.

أقول : الودي بفتح الواو وكسر الدال المهملة وتشديد الياء كغني : فسيل النخل ، قبل أن يغرس ، كذا ذكره في المسالك ، والذي في القاموس وكذا في المصباح المنير للفيومى أنه صغار الفسيل ، وقال في كتاب مجمع البحرين : والودي بالياء المشددة : هو صغار النخل قبل أن يحمل ، الواحدة ودية ، ومنه لو ساقاه على ودى غير مغروس ففاسد ، انتهى.

والفسيل على ما ذكره في كتاب المصباح هو ما ينبت مع النخل ويقطع منها ، قال : الفسيل صغار النخل ، وهي الودي والجمع فسلان ، مثل رغيف ورغفان ، الواحدة فسيلة ، وهي التي تقطع من الأم أو تقلع من الأرض ، فتغرس ، وهو ظاهر في أن إطلاق الفسيلة عليها انما هو بعد القلع أو القطع ، وبه يظهر أن إطلاقه في المجمع تفسير الودي بصغار النخل قبل أن يحمل لا يخلو من تسامح.

ثم ان ما أشار إليه من الحديث الدال على فساد المساقاة على الودي لم نقف عليه في أخبارنا ، ولا نقله غيره في ما أعلم من الأصحاب ، إذا عرفت هذا فاعلم أنه لو ساقاه على ودى أو شجر غير ثابت لم يصح بلا خلاف نصا وفتوى.

٣٥٨

أما لو كان مغروسا ثابتا فإنه قد اشتمل على شرط الصحة من جهة المحل ، ولكن بقي الاشكال وتطرق الاختلال من جهة المدة التي توجد فيها الثمرة ، فإن ساقاه إلى مدة معينة لا يثمر ، مثل هذا الودي فيها علما أو ظنا متاخما له بالنظر الى العرف والعادة ، أو يكون الاحتمالان متساويين في وجود الثمر تلك المدة وعدمه ، فإنها تكون باطلة لجهالة المدة ، وعدم الجزم بحصول الثمرة.

ولو فرض تخلف الظن بأن حصلت الثمرة في المدة ، فلا يبعد صحة العقد لحصول الاحتمال وقت العقد ، مع مطابقته الواقع فيأخذ العامل الحصة وحينئذ ينبغي تقييد ما ذكروه بعدم الحصول فإنه كما عرفت لو حصلت لا يبعد الحكم بالصحة ، وعلى تقدير البطلان فان كان العامل عالما بذلك فليس له أجرة المثل ، لانه متبرع كمن زارع على أن لا يكون له شي‌ء أو استأجر على أن لا يكون له أجرة.

وان كان جاهلا فله أجرة المثل ، خصوصا مع علم صاحب الأرض ، فإن ذلك مقتضى قاعدتهم المصرح بها في كلامهم من أنه متى بطل العقد فللعامل أجرة المثل ، لان الحاصل لصاحب الأرض خاصة لبطلان العقد ، فلا بد للعامل في مقابلة عمله من عوض ، وهو المراد بأجرة المثل وان ساقاه إلى مدة يحمل مثله غالبا صح وان لم يحصل الحمل على خلاف العادة. لأن مناط الصحة تجويز ظهور الثمرة ، وظنه بحسب العادة فإذا حصل المقتضى صح ، وان تخلف الغرض منها كما لو ساقاه على شجر كثير فاتفق أنه لم يحمل تلك المدة ، وظاهرهم أنه ليس له أجرة المثل هنا على جميع العمل ، لقدومه على ذلك ، وأنه يجب عليه إتمام العمل وان علم الانقطاع قبله ، فان عدم الثمرة غير قادح في صحة المساقاة إذا كان حصولها مظنونا عادة وقت العقد ، إذ هو المناط في الصحة كما عرفت ونظيره ما لو تلفت الثمرة كلها أو أكلها الجراد أو غصبها غاصب ، فإنه في جميع ذلك يجب على العامل إتمام العمل ؛ ولا أجرة له وان تضرر كما يجب على عامل المضاربة انضاض المال وان ظهر الخسران ، بل هنا أقوى ، للزوم العقد ووجوب العمل.

٣٥٩

واستشكل الحكم المذكور في التذكرة ، واحتمل انفساخ العقد لو تلف الثمار بأسرها ، وأيده المحقق الأردبيلي بعد نقل ملخص كلامه المذكور.

وفيه اشكال كما نقل عن التذكرة ، والظاهر العدم ، فان الظاهر أنه كالمعاوضة ، فمع عدم العوض لا ينبغي التكليف ، فإنه مثل تلف المبيع قبل القبض ولو سلم في القراض ما ذكر لدليل ، فلا يقاس والا يجي‌ء المنع فيه أيضا مع إمكان الفرق فتأمل ، انتهى.

وبالجملة فالمسئلة لعدم الدليل الواضح فيها لا يخلو من شوب الاشكال ، كما في أمثالها من هذا المجال ، والله العالم.

المقام الثالث في المدة ـ المشهور بين الأصحاب اشتراط مدة معينة وأجل مضبوط في عقد المساقاة بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، كقدوم الحاج وإدراك الغلة وان كانت الغلة المعامل عليها وقوفا فيما خالف الأصل ، واحتمل الغرر والجهالة على موضع اليقين ، وقال ابن الجنيد : ولا بأس بمساقاة النخل وما شاكله سنة وأكثر من ذلك إذا حضرت المدة أو لم تحصر كذا نقل عنه في المختلف.

ونقل عنه في المسالك أنه اكتفى بتقديرها بالثمرة المساقى عليها نظرا إلى أنه بالنسبة إلى ثبوته عادة ، كالمفهوم ، ولان المقصود منها هو العمل الى كمالها ولان العقد مبنى على الغرر والجهالة ، فلا يقدحان فيه ، ثم قال : والأجود الأول وان كان كلامه لا يخلو من وجه.

أقول : لا يخفى أن العبارة المنقولة عنه أعم مما نقله عنه في المسالك ، الا أن يحمل إطلاق عبارته على ذلك.

ومن ثم أنه احتج له في المختلف بعد نقل عبارته المذكورة فقال : احتج بأن ضبط الثمار يكفى عن الأجل ، إذ القصد ذلك.

وما رواه يعقوب بن شعيب (١) في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٦٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ١٩٨ ح ٢٢ ، الوسائل ج ١٣ ص ٢٠٢ ح ٢.

٣٦٠