الحدائق الناضرة - ج ٢١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٥

ذلك تكذيب للبينة ، ولا للدعوى الثانية فإن المال إذا تلف بغير تفريط لا يستحق عليه بسببه شيئا ، وحينئذ فيقبل قوله في التلف من غير تفريط بيمينه ، وثبوت القراض بالبينة لا ينافي جواز تلفه بعد ذلك بغير تفريط ، وقد تقدم أن العامل أمين يقبل قوله بيمينه ، وهو ظاهر.

ولو ادعى الغلط في الربح أو قدره بأن قال أولا ربحت ، أو ربحت كذا ، ثم ادعى الغلط في ذلك ، وانه ما ربح شيئا أو ربح شيئا أقل مما ذكره أولا ، فإنه يؤخذ بإقراره الأول ، ولا يسمع دعوى الغلط كما هو شأن جميع الأقارير.

نعم لو قال : خسرت بعد ذلك أو تلف ، فإنه يقبل قوله بيمينه كما تقدم.

ولو ذكر لما ادعاه من الغلط وجها يمكن استناده اليه وابتناءه عليه فلا يبعد قبول قوله ، كما مر مثله ، بأن ظن هنا أن متاعه يشترى بكذا وكذا زيادة على القيمة التي ابتاع بها ، فظهر كذب ظنه ، ونحو ذلك فليس فيه الا ارتكاب التجوز في اخباره بالبناء على الظن ، ومثله في باب المجاز غير عزيز والله العالم.

الثامنة : ـ الظاهر أنه لا خلاف في أنه ليس لأحد من العامل والمالك استحقاق شي‌ء من الربح استحقاقا تاما حتى يستوفى المالك جميع رأس ماله ، فلو كان في المال خسران وربح جيرت الوضيعة من الربح ، سواء كان الخسران والربح في مرة واحدة ، أو الخسران في صفقة ، والربح في أخرى أو الربح في سفر ، والخسران في سفر آخر لان معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال ، وإذا لم يفضل شي‌ء فلا ربح.

قال في التذكرة بعد ذكر الحكم المذكور : ولا نعلم في هذا خلافا ، إذا تقرر ما ذكرناه فاعلم : أنهم قد صرحوا بأنه ليس لأحدهما قسمة الربح قبل فسخ العقد قسمة إجبار ، بل يتوقف على رضاهما معا ، فلا يجبر أحدهما لو امتنع.

أما العامل فإنه لا يجبر لو طلب المالك القسمة ، لأنه لا يأمن أن يخسر المال بعد ذلك ، ويكون قد خرج ما أخذه من الربح ، وفات من يده ، فيحتاج

٢٦١

الى غرم ما حصل له بالقسمة ، وفي ذلك ضرر عليه ، فلا يلزم الإجابة الى ما فيه ضرر عليه.

وأما المالك فإنه لا يجبر أيضا على القسمة لو طلبها العامل ، لان الربح وقاية لرأس ماله ، فله أن يقول : لا ادفع إليك شيئا من الربح حتى يسلم لي رأس مالي ، ثم انه لو تراضيا بالقسمة قبل الفسخ ، فقد عرفت أنه لم يحصل استقرار الملك للربح ، وعلى هذا فلو حصل الخسران بعد ذلك صبر المالك الى أن ينجبر هذا النقص بتجارة أخرى ، والا فإنه يجب على العامل جبره بما أخذ من الربح ، لانه لم يملك ما أخذه ملكا مستقرا ، بل مراعى بعدم الحاجة إليه لجبر الخسران ، وحينئذ فإذا اتفق الخسران بعد قسمتهما الربح رد العامل أقل الأمرين مما وصل اليه من الربح ، ومما يصيبه من الخسران ، لأن الأقل ان كان هو الخسران ، فلا يلزمه سوى جبر المال ، والفاضل له ، وان كان هو الربح ، فلا يلزمه الجبر الا به ، وكذا يحتسب المالك برجوع أقل الأمرين اليه.

وتوضيح ذلك بأن نفرض أن أصل المال مأة درهم ، والربح عشرون درهما ، والشرط أن يكون الربح بينهما نصفين ، وبموجبه يكون النقصان كذلك ، فاقتسما الربح وصار حصة العامل عشرة دراهم ثم انه اتفق نقصان المال من التجارة عشرين درهما ، فعلى العامل عشرة دراهم ، وهي تمام حصته ، لان له نصف الربح فعليه نصف النقصان ، وباقي النقصان على حصة المالك ، ولو كان الخسران ثلاثين درهما والربح كما تقدم ، فان حصته من النقصان بموجب ما عرفت خمسة عشر درهما ، وحصته من الربح انما هي عشرة ، فيأخذ هنا بالأقل الذي هو حصته من الربح ، فإنه لا يلزم بأزيد مما يأخذه ، ولا يكلف بالجبر من غير الربح ، ولو كان الخسران عشرة دراهم فان حصته من الخسران خمسة دراهم بموجب ما عرفت ، وهي أقل من حصته من الربح التي هي عشرة كما عرفت فيؤخذ بالأول الذي هو الأقل والخمسة الأخرى على المالك ، وعلى هذا يكون الزائد له ، لأن الأمر هنا بالحصة ،

٢٦٢

والرصد والذي يتعلق بالعامل من ذلك هو النصف ، والنصف الأخر بالمالك ، ومنه يعلم ما يتعلق بالمالك.

التاسعة : الظاهر أنه لا خلاف في أن التالف من مال التجارة كلا أو بعضا بعد دورانه في التجارة يجبر بالربح ، والمراد بدورانه في التجارة التصرف فيه بالبيع والشراء ، لا مجرد السفر به ، قبل وقوع شي‌ء من ذلك ، ويمكن أن يستدل على هذا الحكم أعنى جبر الفائت كلا أو بعضا بالربح بالأخبار الكثيرة المتقدمة ، الدالة على أنه مع المخالفة يضمن المال ، والربح بينهما.

ومنها صحيحة محمد بن مسلم (١) «عن أحدهما (عليهما‌السلام) «قال : سألته عن الرجل يعطى المال مضاربة وينهى أن يخرج به ، فيخرج قال : يضمن المال والربح بينهما».

والتقريب فيها ما تقدم من أن الربح هو الفاضل عن رأس المال فيما لم يفضل عن رأس المال شي‌ء فلا ربح ، وقد ادعى عليه في التذكرة الإجماع ، كما تقدمت الإشارة اليه ، وحينئذ فلا بد من جبر التالف ليحصل بقاء المال ، فما زاد على ذلك يتصف بكونه ربحا يتعلق به القسمة بينهما ، وظاهر الأصحاب أنه لا فرق في الفوائت التي يترتب عليها الخسران بين أن يكون بآفة سماوية أو بغصب غاصب أو سرقة أو نحو ذلك.

ووجه الإطلاق في ذلك ما عرفت من أن الربح وقاية لرأس المال فما دام المال لا يكون موجودا بكماله ، فلا ربح ، وربما قيل : باختصاص الحكم بما لا يتعلق فيه الضمان بذمة المتلف ، لأنه حينئذ بمنزلة الموجود فلا حاجة الى جبره ، ولانه نقصان لا يتعلق بتصرف العامل وتجارته بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ونحوه : والمشهور عدم الفرق.

قال في التذكرة : لو حصل في المال نقص بانخفاض السوق ، فهو خسران

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٤٠ ح ٢ الوسائل ج ١٣ ص ١٨١ ح ١.

٢٦٣

مجبور بالربح ، وكذا ان نقص المال بمرض حادث أو بعيب متجدد ، وأما ان حصل نقص في العين بأن يتلف بعضها فان حصل بعد التصرف في المال بالبيع والشراء ، فالأقرب انه كذلك ، وأكثر الشافعية على أن الاحتراق وغيره من الآفات السماوية خسران مجبور بالربح أيضا.

وأما التلف بالسرقة والغصب ففيه لهم وجهان ، وفرقوا بينهما بأن في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق ، وهو يجبر النقص فلا حاجة الى جبره بمال القراض ، وأكثرهم لم يفرقوا بينهما ، وسووا بين التلف بالآفة السماوية وغيرها ، فجعلوا الوجهين في النوعين : أحدهما المنع ، لانه نقصان لا تعلق له بتصرف العامل وتجارته ، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ، وليس هو بناش من نفس المال الذي اشتراه العامل ، بخلاف المرض والعيب فلا يجب على العامل جبره.

وكيف كان فالأصح عندهم أنه مجبور بالربح انتهى كلامه.

وبه يظهر لك أن ما ذكره الأصحاب في المقام مأخوذ من كلام الشافعية هنا ، كما أشرنا إليه فيما تقدم ، وهذا كله فيما إذا حصل التلف في المال بعد دورانه في التجارة.

أما لو كان قبل ذلك فلا يخلو اما أن يكون التالف الجميع أو البعض ، وعلى الثاني فالأقرب عندهم جبره بالربح ، كما لو دفع له مأة فتلف منها قبل الاستعمال خمسون ، فإنه يجبر التالف بالربح ، لانه تعين للقراض بالعقد والدفع الى العامل وقبض العامل له ، وحينئذ يكون رأس المال مأة كذا صرح به في التذكرة.

وعلى الأول فالذي صرح به في التذكرة ، هو أنه ان كان التلف بآفة سماوية أو من جهة المالك انفسخ العقد ، لزوال المال الذي تعلق به العقد ، فان اشترى بعد ذلك للمضاربة كان لازما له ، والثمن عليه ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك ، الا أن يجيز المالك الشراء ، فإن أجاز احتمل أن يكون

٢٦٤

قراضا ـ كما لو لم يتلف المال ـ وعدمه كما لو لم يأخذ شيئا من المال ، أما لو أتلفه أجنبي قبل دورانه في التجارة ، وقبل تصرف العامل فيه ، فان العامل يأخذه بماله ، ويكون القراض باقيا فيه ، لان القراض كما يتناول عين المال فكذا يتناول بدله كاثمان السلعة التي يبيعها العامل ، والمأخوذ من الأجنبي عوضا بدل.

وقال في المسالك : أنه أى تلف المال كلا قبل الدوران موجب لبطلان العقد ، فلا يمكن جبره ، الا أن يحمل على ما لو أذن له في الشراء في الذمة فاشترى ، ثم تلف المال ونقد عنه الثمن ، فان القراض يستمر ويمكن جبره حينئذ بالربح المتجدد ، كلامهما متفق على البطلان في الصورة المذكورة إلا مع التأويل بما ذكره كل منهما ، وان تغاير التأويلان.

وقال في الشرائع : إذا تلف مال القراض أو بعضه بعد دورانه في التجارة احتسب التالف من الربح ، وكذا لو تلف قبل ذلك ، وفي هذا تردد.

قال في المسالك : وجه التردد فيما لو كان تلفه قبل الدوران من أن وضع المضاربة على أن الربح وقاية لرأس المال ، فلا يستحق العامل ربحا الا بعد أن يبقى رأس المال بكماله ، لدخوله على ذلك ، وعدم دورانه لا دخل له في الحكم بخلافه ، ومن أن التلف قبل الشروع في التجارة يخرج التالف عن كونه مال قراض ، والأقوى عدم الفرق ، لأن المقتضي لكونه مال قراض هو العقد ، لا دورانه في التجارة ، فمتى تصور بقاء العقد وثبوت الربح جبر ما تلف مطلقا انتهى.

أقول : قد عرفت أن مقتضى تلف المال قبل الدوران هو بطلان المضاربة كما اعترف به فيما قدمنا نقله عنه ، وكذا في ما قدمناه من كلام التذكرة ، ومقتضى ذلك أنه لا ربح هنا بالكلية ليحصل به الجبران ، ولم يبق الا الحمل على ما ذكره من التأويل ، وهو مع بعده عن ظاهر عبارة المصنف غاية البعد ، مدخول بأن الظاهر انما هو عدم الجبران.

قوله : ان وضع المضاربة على أن الربح وقاية لرأس المال الى آخره مسلم

٢٦٥

الا أنه فرع وجود رأس المال فإن رأس المال انما يصدق كما هو المتبادر على المبلغ الذي دفعه المالك ، وهو قد تلف كما هو المفروض ، والربح الذي يجب الجبر به انما هو ما حصل من ذلك المال بعد المعاملة به ، وهذا الربح الذي حصل بالشراء في الذمة لم يترتب على ذلك المال المقروض ، لانه قد ذهب قبل دورانه ، ويؤيده أن الأصل بقاء ملك العامل لهذا الربح وخروجه عنه الى أن يجبر به الفائت يحتاج الى الدليل.

نعم قام الإجماع. وظاهر ما تقدم من الاخبار على الجبر بعد الدوران ، فيبقى ما عداه على حكم الأصل ، وبذلك يظهر أن قوله وعدم دورانه لا دخل له في الحكم بخلافه ليس في محله.

وبالجملة فإنا لا نمنع بقاء العقد في صورة التأويل الذي فرضه ـ وبنى عليه الكلام ، لعدم فسخه وارتفاعه مع الاذن في الشراء في الذمة ، وظهور ربح هناك ـ وانما نمنع من جبر التالف بهذا الربح ، إذ المتبادر من الاخبار وكلام الأصحاب أن الربح الذي يجبر التالف انما هو ربح ذلك المال الذي وقعت المعاملة به ، ورأس المال الذي يخرج أولا انما هو المستعمل في التجارة وكونه مال التجارة ، إنما يصدق حقيقة بعد الدوران لا قبله ، بمعنى جبر التالف بالربح أي الذي عرض له التلف بعد حصول الربح فيه ، لا ما لم يكن كذلك.

وكيف كان فالمانع مستظهر ، والله العالم.

العاشرة : يجوز تعدد كل من العامل والمالك فيضارب المالك اثنين ، وبالعكس ، فإذا تعدد العامل بأن قارض الواحد اثنين ، اشترط تعين الحصة لهما ولا يجب عندهم تفصيلها ، بل يجوز أن يجعل النصف لهما ، فيحكم بالنصف لهما بالسوية ، لاقتضاء الإطلاق ذلك ، وأصالة عدم التفصيل ،

وفيه نظر قد تقدم ذكره في المسئلة الرابعة من المقصد الثالث في

٢٦٦

الربح ولو شرط التفاوت بينهما بأن جعل لأحدهما ثلث الربح ، وللآخر ربعه فأبهم ولم يعين بطل ، ولو عين الثلث لواحد بعينه ، والربح للآخر صح ، لان عقد الواحد مع اثنين في حكم عقدين قد قارض في أحدهما بثلث الربح ، وفي الأخر بالربع ، وقد تقدم إيضاح ذلك في المسئلة المذكورة ، وإذا اتحد العامل وتعدد المالك فلو بينا نصيب العامل من الربح بأن جعلا له نصف الربح ، ولهما الباقي يكون بينهما على ما يشترطانه من التفاضل والتساوي ، سواء كان على نسبة المالين أم لا ، وبه أفتى في التذكرة ونقل عن الشافعي المنع من التفاضل مع تساوى المالين ، والتساوي مع تفاضلهما ، لان الربح يكون تابعا للمال ، فإذا شرطا له النصف كان النصف الأخر بينهما بالسوية ، فشرط التفاوت فيه يكون شرطا لاستحقاق ربح بغير عمل ولا مال.

ولو شرط أحدهما للعامل النصف من حصته من الربح ، وشرط الأخر له الثلث على أن يكون الباقي بينهما نصفين صح على القول الأول ، وبطل على قول الشافعي ، قال : انه لا يجوز ، لأن أحدهما يستحق مما بقي بعد شرطه النصف والأخر يستحق الثلثين ، ولا يجوز أن يشترط التساوي ، فيكون قد شرط أحدهما على الأخر من ربح ماله بغير عمل عمله ، ولا مال يملكه.

أجاب القائلون بالقول الأول بأن الفاضل الذي أخذه الشريك من حصة العامل ، لا من حصة شريكه ، وتوضيحه أن الأصل لما اقتضى التساوي في الربح للشريكين مع التساوي في المال كان شرط التفاوت المذكور منصرفا إلى حصة العامل ، بمعنى أن شارط الزيادة يكون قد جعل للعامل أقل مما جعل له أخذ النقيصة ، وهو جائز ، ومنه علم حجة القول الأول.

أقول : ومن تعارض هذين الوجهين في المسئلة تردد المحقق في المسئلة المذكورة وهو في محله ، لعدم النص الواضح في المقام ، وان كان القول الأول لا يخلو من قوة.

٢٦٧

هذا فيما لو اشترطا التفاضل في القسمة مع إطلاق النصف الذي عيناه للعامل بمعنى أنه لم يعين نصيب كل منهما من ذلك النصف الذي جعلاه له ، أما لو عيناه بأن قالا لك نصف الربح على أن يكون بالمناصفة بيننا ، فيرجع الى أنه قد جعل له كل واحد منهما ربع الربح ، فإنه بهذا التعيين يخرج المسئلة عما قلناه هنا من الخلاف ، ويرجع الكلام في ذلك الى ما تقدم في كتاب الشركة من اشتراط التفاوت في الربح مع تساوى المالين ، وبالعكس وقد تقدم البحث في ذلك في المسئلة الخامسة (١) من الفصل الأول من الكتاب والله العالم.

الحادية عشر ـ اختلف الأصحاب في ما لو اشترى العامل شيئا للقراض فتلف الثمن قبل دفعه البائع ، قال الشيخ في الخلاف : إذا دفع إليه ألفا للقراض فاشترى به عبدا للقراض ، فهلك الالف قبل أن يدفعه في ثمنه ، اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب ، قال أبو حنيفة ومحمد : يكون المبيع لرب المال ، وعليه أن يدفع إليه ألفا غير الأول ، ليقضي به دينه ، ويكون الأول والثاني قراضا وهما معا رأس المال ، وقال مالك : رب المال بالخيار بأن يعطيه ألفا غير الأول ليقضي به الدين ويكون الألف الثاني رأس المال دون الأول ، أو لا يدفع إليه شيئا ، فيكون المبيع للعامل ، والثمن عليه ، ونقل البزنطي عن الشافعي أن المبيع للعامل ، والثمن عليه ، ولا شي‌ء على رب المال ، وهو اختيار أبى العباس ، قال الشيخ : وهو الذي يقوى في نفسي لأنه لا يخلو اما أن يكون الالف تلف قبل الشراء ، أو بعده ، فان كان تلف قبل الشراء وقع الشراء للعامل ، لانه اشتراه بعد زوال القراض ، وان كان التلف بعد الشراء فالبيع وقع لرب المال ، وعليه أن يدفع الثمن من ماله الذي سلمه اليه ، فإذا هلك المال فحول الملك الى العامل ، وكان الثمن عليه ، لان رب المال انما فسخ للعامل في التصرف في ألف اما أن يشترى به بعينه ، أو في الذمة ، وينقد عنه ، ولم يدخل على أن يكون له في القراض أكثر منه.

__________________

(١) ص ١٦٣.

٢٦٨

وقال في المبسوط : إذا دفع ألفا قراضا فاشترى به عبدا للقراض فهلك الالف قبل أن يدفعه ، قال قوم : ان المبيع للعامل والثمن عليه ولا شي‌ء على رب المال وقال قوم : المبيع لرب المال ، وعليه أن يدفع إليه ألفا غير الأول ، فيقضي به دينه ، ويكون الألف الأول والثاني قراضا وهما معا رأس المال وهو الأقوى ، وبه قال ابن البراج ، ثم نقل مذهب مالك الذي قدمنا نقله عنه في الخلاف ، ثم قال : وإذا سرق المال قبل أن يدفعه في ثمن المبيع قال قوم : يكون للعامل والثمن عليه ، ولا شي‌ء على رب المال ، وفي الناس من قال : إذا تلف المال قبل الشراء ، فالمبيع للمشتري ، لأنه اشتراه بعد زوال عقد القراض ، وان كان بعد الشراء كان الشراء للقراض ووقع الملك لرب المال ، لانه اشتراه والقراض بحاله ، لأن الإذن قائم ، وإذا كان الشراء له كان الثمن عليه ، وإذا دفع إليه ألفا آخر ليدفعه في الثمن ، نظرت فان سلم فلا كلام ، وان هلك فعليه غيره كذلك أبدا ، فعلى هذا إذا هلك الالف الأول ، ودفع إليه ألفا آخر فدفعه في الثمن ، فإن الألفين يكون رأس المال ، وهو الصحيح ، لأن الألف تلف بعد أن قبضه العامل ، فلم يكن من أصل المال ، كما لو كان في التجارة ، انتهى.

وقال الشيخ المفيد : إذا ابتاع المضارب متاعا لصاحب المال ، وأراد نقد الثمن ، فوجد المال قد هلك ، فنقد من عنده في المتاع كان المتاع له دون صاحب المال ، وكان الربح له والخسران عليه ، ولم يكن لصاحب المال فيه نصيب على حال.

وقال ابن إدريس : ان كان المضارب اشترى العبد بثمن في الذمة لا بعين المال فالعبد للمضارب دون رب المال ، ويجب على العامل الذي هو المضارب أن يدفع من ماله ألفا ثمن العبد ، والبيع لا ينفسخ ، لأن الأثمان إذا كانت في الذمة لا ينفسخ البيع بهلاكها ، لأنها غير معينة ، وان اشترى بعين مال المضاربة انفسخ البيع ، وكان العبد ملكا لبائعه ، على ما كان دون العامل ، ودون رب مال المضاربة لان

٢٦٩

هلاك الثمن المعين يوجب الفسخ ، قال : وهذا الذي اخترناه مذهب شيخنا في مواضع كثيرة من كتب مسائل الخلاف والمبسوط ، انتهى.

أقول : والمسئلة المذكورة وان كانت خالية من النصوص على العموم والخصوص ، الا أن مقتضى قواعدهم في هذا الباب هو التفصيل ، بأن يقال : ان كان تلف المال بعد الشراء بتفريط من العامل اما بعدم الحفظ أو بالتأخير عن الدفع فإنه يكون ضامنا ، ويكون القراض باقيا ويجب عليه الدفع إلى البائع ، وان لم يكن بتفريط ، فلا يخلو اما أن يكون الشراء بالعين أو في الذمة ، فإن كان الشراء بالعين بطل البيع ، ووجب دفع المبيع إلى بائعه كما ذكره ابن إدريس ، وان كان في الذمة فإن كان مأذونا من المالك وقع الشراء للقراض ، ووجب على المالك دفع الثمن عوض التالف ، ويكون الجميع رأس المال فيجبر بالربح عندهم ، كما تقدم.

وان لم يكن مأذونا من المالك بطل الشراء ان أضاف ذلك الى المالك والقراض ، وترد المبيع على بائعه ، الا أن يجيز المالك ذلك بناء على صحة العقد الفضولي ، فإن أجاز المالك وجب عليه دفع الثمن ثانيا وثالثا وهكذا ، ويكون الجميع رأس المال كما تقدم ، وان لم يضف ذلك الى المالك ولا القراض ، بل أضافه الى نفسه أو أطلق وقع الشراء للعامل ، وعليه دفع الثمن ، وعليه يحمل إطلاق كلام ابن إدريس هذا مقتضى قواعدهم في الباب والله العالم بحقيقة الحق والصواب.

الثانية عشر ـ إذا دفع اليه مالا قراضا وشرط عليه أن يأخذ له بضاعة ، فهل يصح القراض والشرط ، أولا يصح شي‌ء منهما ، أو يصح القراض ويبطل الشرط؟ أقوال : أولها ـ للعلامة في المختلف والمحقق في الشرائع ، وثانيهما ـ أحد قولي الشيخ وبه جزم ابن البراج ، وثالثهما ـ للشيخ أيضا.

٢٧٠

قال في المبسوط : إذا دفع إليه ألفا قراضا بالنصف على أن يأخذ منه ألفا بضاعة بطل الشرط ، لان العامل في القراض لا يعمل عملا بغير جعل ، ولا قسط من الربح ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ، لان قسط العامل يكون مجهولا ، لان المالك انما يحصل له النصف حتى اشترط العامل له عملا بغير جعل ، فيذهب من نصيب العامل قدر ما زيد فيه لأجل البضاعة ، وهو مجهول.

ثم قال : وان قلنا أن القراض صحيح ، والشرط جائز ـ لكنه لا يلزم الوفاء به ، لأن البضاعة لا يلزم القيام بها ـ كان قويا ، وجزم ابن البراج بالأول.

وقال في المختلف بعد نقل ذلك : والحق صحة الشرط والعقد ، وأي منافاة بين أن يعمل العامل عملا في مال بعوض ، وفي غيره بغير عوض ، لنا وجود المقتضى وهو العقد ، وقوله (عليه‌السلام) (١) : «المؤمنون عند شروطهم». والمانع منتف لما بيناه ، فيثبت القراض والشرط ، ويجب عليه القيام به ، لقوله (عليه‌السلام) «المؤمنون عند شروطهم» ، وقال في المسالك : وهو الأقوى.

أقول ، وملخص حجة القول ببطلان الجميع أن وضع القراض على أن يكون للعامل في مقابلة عمله جزء من الربح ، وهذا العمل ليس في مقابلة شي‌ء فيفسد الشرط ، ويتبعه العقد ، لان قسط العامل يكون مجهولا ، لاقتضاء الشرط قسطا من الربح ، وقد بطل ، فيبطل ما يقابله فيجهل الحصر في النصف.

ورد بمنع منافاة هذا الشرط لمقتضى العقد ، فان مقتضاه أن يكون عمله في مال القراض بجزء من الربح ، أما غيره فلا ، فإذا تناوله دليل مجوز لزم القول بجوازه.

وأنت خبير بأن المسئلة غير خالية من الاشكال على كل من هذه الأقوال ، وتوضيح ذلك أن البضاعة لا يجب القيام بها ، لان مبناها على الجواز ، والقراض

__________________

(١) الوسائل ج ١٥ ص ٣٠ ح ٤.

٢٧١

أيضا من العقود الجائزة كما عرفت لا يلزم الوفاء به ، فلا يلزم الوفاء بما شرط في عقده ، لأن الشرط كالجزء من العقد تابع له ، فلا يزيد عليه ، والحال أن المالك لم يعين للعامل هذه الحصة الا من حيث هذا الشرط ، فإن وفى به فلا بحث ، والا أشكل الأمر.

ومقتضى القواعد كما عرفت أنه لا يلزم للعامل الوفاء به ، فمتى أخل به تسلط المالك على الفسخ ، ولو كان ذلك له بدون الشرط الا أن هذا سبب زائد ، فلو فسخ والحال هذه فان كان قبل ظهور ربح ، فمقتضى قواعدهم أن للعامل عليه الأجرة كما تقدم ، وان كان بعد ظهوره فهل يكون جميع الربح للمالك نظرا إلى أنه لم يبذله للعامل الا بالشرط ، وقد فات ، أو للعامل حصته المعينة ، نظرا الى ملكه لها بالظهور قبل الفسخ ، والأصل بمعنى الاستصحاب يقتضي بقائه ، ويؤيده أن المالك قد قدم على ذلك حيث اقتصر على شرط ذلك في عقد لا يلزم الوفاء فيه بالشرط اشكال ، وقيل : هنا بالأول ، وفيه ما عرفت ، والله العالم.

الثالثة عشر ـ لا خلاف ولا إشكال في أنه لو اشترى جارية للقراض لم يجز له وطئها ، لأنها ملك لرب المال ، ظهر فيها ربح أم لا ، غاية الأمر بظهور الربح أن تكون مشتركة بين المالك والعامل ، والجارية المشتركة لا يجوز لأحد الشريكين وطئها بدون إذن الأخر ، فإن وطأها والحال كذلك فقد تقدم الكلام في تحقيق القول في ذلك بالنسبة إلى الحد والمهر والولد في كتاب البيع في المسئلة الرابعة عشر من المقصد الثاني من الفصل التاسع في بيع الحيوان (١).

وقد صرح العلامة في التذكرة هنا بأن المهر المأخوذ منه هنا يجعل في مال القراض ، قال : لانه ربما وقع خسران فيحتاج الى الجبر.

وقال في التذكرة أيضا : أنه لا يجوز للمالك أن يطأها أيضا سواء كان هناك ربح أم لا ، لان حق العامل قد تعلق بها ، والوطي ينقصها ان كانت بكرا ، أو

__________________

(١) ج ١٩ ص ٤٧٤.

٢٧٢

يؤدى الى خروجها من المضاربة ، لأنه ربما يؤدى الى إحبالها ، الى أن قال : ولو لم يكن فيها ربح لم يكن للمالك أيضا ، لأن انتفاء الربح في المتقومات غير معلوم ، وانما يتيقن الحال بالتنضيض للمال ، اما لو تيقن عدم الربح فالأقرب أنه يجوز له الوطي ، انتهى.

أقول : وعلى هذا ينبغي أن يحمل قوله أولا لا يجوز للمالك أن يطأها سواء كان هنا ربح أم لا ، على الربح الذي من أصل المال ، لا من الجارية جمعا بين كلاميه ، وانما الخلاف والاشكال فيما إذا أذن له في شراء الجارية ووطأها ، فالمشهور أنه كالأول ، لأن الإذن قبل الشراء لا أثر لها في التحليل ، سواء قلنا أن التحليل تمليك أو عقد ، فإنه على تقدير كل منهما لا يحصل شي‌ء منهما قبل الشراء ، فلا يدخل تحت الحصر في قوله تعالى «إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» (١) الا انه قد روى الشيخ في التهذيب عن الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد بن زياد عن عبد الله بن يحيى الكاهلي (٢) عن أبى الحسن (عليه‌السلام) قال : «قلت : رجل سألني أن أسألك أن رجلا أعطاه مالا مضاربة يشترى له ما يرى من شي‌ء ، فقال : اشتر جارية تكون معك ، والجارية انما هي لصاحب المال ان كان فيها وضيعة فعليه ، وان كان فيها ربح فله ، للمضارب أن يطأها؟ قال : نعم».

وبهذا الرواية أفتى الشيخ في النهاية ، وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي الميل الى ذلك ، حيث قال : وانما أجاز له وطأها لأن قوله تكون معك تحليل لها إياه ، انتهى.

والأصحاب قد ردوها بما عرفت ، قال في المسالك : والقول بالجواز للشيخ في النهاية استنادا إلى رواية ضعيفة السند ، مضطربة المفهوم ، قاصرة الدلالة.

__________________

(١) سورة المؤمنون ـ الاية ٦.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ١٩١ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٣ ١٩٠ باب ١١.

٢٧٣

أقول : أما ضعف السند فهو غير وارد على الشيخ وأمثاله من المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم ، بل الاخبار كلها صحيح باصطلاحهم ، الا ما نصوا عليه ، وقد تقدم تحقيق ذلك في المجلد الأول من الكتاب (١).

وأما قصور الدلالة فهو مردود بأنه لا أصرح في الجواز من قوله (عليه‌السلام) «نعم» بعد قول السائل «إله أن يطأها» وأما اضطراب المفهوم فهو غير مفهوم ولا معلوم ، وأما ما استندوا اليه من أن الاذن قبل الشراء لا أثر له في التحليل فهو أول المسئلة ومحل البحث ، وأى مانع منع منه «قولهم : سواء قلنا أن التحليل تمليك أو عقد» مدخول بعدم الانحصار في القسمين المذكورين ، فان التحليل قسم ثالث ، ليس بتمليك ولا عقد ، وقد دلت الاخبار على جواز النكاح به ، وان كان ظاهر كلامهم إرجاعه الى أحد القسمين المتقدمين ، الا أن ظاهر الاخبار كونه قسما برأسه.

وبالجملة فإن رد الخبر من غير معارض مشكل ، والركون الى هذه التعليلات العليلة ورد الخبر بها مجازفة ظاهرة ، هذا كله فيما إذا كان الاذن قبل الشراء.

أما لو كان بعد الشراء فان الظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في جواز الوطي الا أن يكون الشراء للقراض ويكون قد ظهر فيها ربح ، فإنه تصير المسئلة هنا راجعة إلى مسئلة تحليل أحد الشريكين لصاحبه ، وفيها خلاف وإشكال سيأتي التنبيه عليه في محله ان شاء الله ، ومنشؤه من حيث لزوم حل النكاح بسببين مختلفين ، الا أن هذا خارج عن مورد الخبر المذكور ، فان ظاهره أن الجارية للمالك خاصة ، وليست من القراض في شي‌ء.

وكيف كان فالمسئلة لما عرفت محل توقف واشكال ، والاحتياط فيما ذكره الأصحاب والله العالم.

الرابعة عشر ـ إذا مات وفي يده أموال مضاربة فان علم مال أحدهم بعينه

__________________

(١) ج ١ ص ٢٥.

٢٧٤

حكم له به ، وان جهل كانوا فيه سواء ، فان جهل كونه مضاربة حكم به للورثة ، ويدل على الأولين ما رواه الشيخ في التهذيب عن السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن على (عليهم‌السلام) انه كان يقول : من يموت وعنده مال مضاربة قال : ان سماه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلان فهو له ، وان مات ولم يذكر فهو أسوة الغرماء». ورواه الصدوق مرسلا ، ويدل على الثالث أصالة العدم ، والحكم باليد ، ثم انه على تقدير الثاني فالمراد باستوائهم في المال كما ذكره الأصحاب هو أن يقسم بينهم على نسبة أموالهم لا بمعنى أن يقسم بالسوية كما في اقتسام غيرهم من الشركاء.

هذا إذا كانت أموالهم مجتمعة في يده على حده ، وأما ان كان المال ممتزجا مع جملة ماله مع العلم بكونه موجودا فالغرماء بالنسبة الى جميع التركة كالشريك ان وسعت التركة أموالهم أخذوها ، وان قصرت تحاصوا وعلى تقدير الثالث فالمراد به أن العامل كان في يده مضاربة في الجملة ، ولكن لم يعلم بقاؤها ولا تلفها ومن أجل ذلك حصل الجهل بكون المال الذي في يده مضاربة ، إذ كما يحتمل أن يكون من مال المضاربة ، يحتمل أن يكون من ماله ، فيحكم بكونه ميراثا ، عملا بظاهر اليد ، ولكن يبقى الإشكال في أنه هل يحكم بضمانه لمال المضاربة من حيث أصالة بقائها الى أن يعلم التلف بغير تفريط ولعموم «على اليد ما أخذت حتى تؤدى» (٢). أم لا؟ لأصالة براءة الذمة ، وكون مال المضاربة أمانة غير مضمونة ، وأصالة بقائه لا يقتضي ثبوته في ذمته مع كونه أمانة إشكال ، ولعل الثاني أقوى والله العالم.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٩٢ ح ٣٧ الفقيه ج ٣ ص ١٤٤ ح ٦ الوسائل ج ١٣ ص ١٩١ باب ١٣.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٥٠٤ كتاب الوديعة.

٢٧٥
٢٧٦

كتاب المزارعة والمساقاة

والكلام في هذا الكتاب يقع في مطلبين الأول ـ في المزارعة ، وهي مفاعلة من الزرع ، ومقتضى الصيغة الوقوع منهما معا كما هو قضية باب المفاعلة ولعله هنا باعتبار أن أحدهما زارع ، والأخر آمر به ، فكأنه لذلك فاعل من حيث السببية ، كما قيل : مثله في باب المضاربة ، وهنا فوائد يحسن التنبيه عليها قبل الشروع في المقصود.

الاولى ـ وقد ذكر جملة من الأصحاب أن المزارعة قد يعبر عنها بالمخابرة اما من الخبير ، وهو الأكار ، أو من الخبارة وهي الأرض الرخوة ، أو مأخوذ من معاملة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أهل خيبر حيث جعلها في أيديهم على النصف من حاصلها ، فقيل : خابرهم أى عاملهم في خيبر.

قال الصدوق في كتاب معاني الأخبار (١) بعد أن روى مرفوعا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أنه نهى عن المخابرة وهي المزارعة بالنصف والثلث والربع وأقل من ذلك وأكثر. وهو الخبر وكان أبو عبيد يقول : لهذا سمى الأكار

__________________

(١) معاني الأخبار ص ٢٧٨ ط طهران ١٣٧٩.

٢٧٧

الخبير ، لانه يخبر الأرض والمخابرة المؤاكره ، والخبرة بالفعل والخبير الرجل ، ولهذا سمى الأكار لانه يواكر الأرض أي يشقها ، انتهى.

قال بعض أصحابنا : وما روى أنه (عليه‌السلام) نهى عن المخابرة ، كان ذلك حين تنازعوا فنهاهم عنها.

أقول : الظاهر أنه أشار الى هذا الخبر فانى لم أقف في أخبارنا على ما يدل على النهى عنها ، بل الاخبار كما سيأتيك إنشاء الله تعالى ظاهرة في مشروعيتها وصحتها ، ولم ينقل الخلاف في ذلك عن أحد من أصحابنا ، ولا من العامة إلا عن أبي حنيفة والشافعي في بعض المواضع ، وأيضا فإن الظاهر ان هذا الخبر الذي نقله الصدوق هنا انما هو من طريق العامة ، حيث أنه رواه عن محمد بن هارون عن على بن عبد العزيز عن أبى عبيد (١) رفعه إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أنه نهى الخبر والله العالم.

الثانية ـ قد عرفوا المزارعة بأنها معاملة على الأرض بحصة من حاصلها ، والصيغة فيها زارعتك أو ازرع هذه الأرض أو سلمتها إليك ونحو ذلك مما يفيد هذا المعنى مدة كذا بحصة معلومة من حاصلها ، والظاهر أنه لا خلاف بينهم في كونها من العقود اللازمة التي لا تنفسخ الا بالتقايل فلا بد فيها من الإيجاب والقبول الدالين على الرضا بالتسليم وفي المسالك «أنه لا بد من كونهما بالعربية والماضوية ، فلا تصح بلفظ الأمر وأن الأقوى اعتبار القبول اللفظي كغيره من العقود اللازمة ، وفي الجميع نظر قد تقدم في كتاب البيع ، وتقدم من هذا القائل ثمة ما يوهن ما ذكره في هذا المقام وأمثاله ، ويدل على وقوعها ، وكذا وقوع المساقاة بلفظ الأمر الذي منع منه هنا جملة من الاخبار.

ومنها ما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب (٢) في الصحيح عن أبى عبد الله

__________________

(١) معاني الأخبار ص ٢٧٨ ط طهران سنة ١٣٧٩ ، الوسائل ج ١٢ ص ٢٦٦ ح ١٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٦٨ ح ٢ ، الوسائل ج ١٣ ص ٢٠٣ ح ٢.

٢٧٨

(عليه‌السلام) في حديث قال : «سألته عن رجل يعطى الرجل أرضه وفيها رمان أو نخل أو فاكهة ، ويقول : اسق هذا من الماء ، وأعمره ولك نصف ما خرج قال ، لا بأس».

وبذلك يظهر لك ما في قوله في المسالك ، وأما قوله ازرع هذه الأرض بصيغة الأمر فإن مثل ذلك لا يجيزونه في نظائره من العقود ، ولكن المصنف (رحمة الله عليه) اجازه هنا استنادا إلى روايتي أبي الربيع الشامي والنضر بن سويد عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) وهما قاصرتان عن الدلالة ، فالاقتصار على لفظ الماضي أقوى.

أقول : أما رواية أبي الربيع (١) التي أشار إليها وهي ما رواه الشيخ عنه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «انه سئل عن رجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر وثلثا للبقر فقال : لا ينبغي أن يسمى بذرا ولا بقرا ، ولكن يقول لصاحب الأرض ازرع في أرضك ولك منها كذا وكذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط» ولا يسمى بذرا ولا بقرا الحديث.

وأما رواية النضر فالظاهر أن نسبتها الى النضر سهو من قلمه (رحمة الله عليه) وانما هي رواية عبد الله بن سنان (٢) وان كان الراوي عنه النضر كما هو في التهذيب فانا لم نقف على روايتي النضر بما قاله ، فان سندها في التهذيب الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان «انه قال : في الرجل يزارع أرض غيره فيقول : ثلث للبقر ، وثلث للبذر ، وثلث للأرض قال : لا يسمى شيئا من الحب والبقر ، ولكن يقول : ازرع ولي فيها كذا وكذا ان شئت نصفا ، وان شئت ثلثا».

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٧ ص ١٩٤ ح ٣ ، الوسائل ج ١٣ ص ٢٠١ ح ١٠ وص ٢٠٠ ح ٥.

٢٧٩

وأشار بقصورهما عن الدلالة إلى احتمال كون أزرع بلفظ المستقبل ، بل هو الظاهر من الرواية الاولى.

وفيه أولا انه وان كان بلفظ المستقبل الا أن فيه ردا عليه فيما ادعاه من الانحصار في لفظ الماضي ، وثانيا ما عرفت من الصحيحة المتقدمة الصريحة في وقوع المساقاة والمزارعة بلفظ الأمر ، ثم انه قال : أيضا وفي عبارة المصنف تجوز ، لانه قال : وعبارتها كذا ولم يذكر القبول ، مع أنه أحد ركني العبارة عنها ، فلا بد من ذكره ، ولعله أشار بما ذكر الى الاكتفاء بالقبول الفعلي كما اختاره العلامة في القواعد ، فتنحصر العبارة في الإيجاب ، والأقوى اعتبار القبول اللفظي كغيره من العقود اللازمة.

أقول : فيه ان المفهوم من الاخبار كصحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة ، وجملة من الاخبار التي قدمناها في كتاب البيع أن المدار في القبول على حصول الرضا بما دل عليه الإيجاب ، وان لم يكن بلفظ ، وكذا في جانب الإيجاب الا ان الأظهر اشتراط اللفظ في جانب الإيجاب ، وان كان بعض متأخري المحدثين ، قد اكتفى أيضا بمجرد الرضا ، وما ذكره في الصحيحة المذكورة هو صورة عقد المساقاة ، وهو خال من ذكر لفظ القبول ، كما ادعاه.

وكذلك جملة من العقود التي وردت بها الاخبار كما لا يخفى على من راجع الروايات التي قدمناها في كتاب البيع ، وبه يظهر ضعف ما ادعاه من أن الأقوى اعتبار القبول اللفظي ، فإنه ـ مع كونه لا دليل عليه ـ مردود بظهور الدليل على خلافه كما عرفت.

الثالثة ـ المفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك أنه لا بد من كون الأرض ملكا لأحدهما عينا أو منفعة ، لأنه المستفاد من حقيقة المزارعة وصيغتها ، فلا تشرع المزارعة في الأرض الخراجية إلا باستعمال حيلة من الحيل الشرعية.

٢٨٠