الحدائق الناضرة - ج ٢١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٥

عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) مثله بأدنى تفاوت ، والمراد بكون الدرهمين معهما كما تضمنه الخبران هو كونهما تحت يديهما معا ، ليتساويا في الدعوى ، فلو كانا في يد مدعى الدرهمين لقدم قوله فيهما بيمينه ، ولو كانا في يد مدعى الدرهم لقدم قوله فيه بيمينه وأما إذا كانا في يديهما معا فالحكم ما ذكره (عليه‌السلام).

والوجه في أحد الدرهمين واضح ، لان مدعى الدرهم قد اعترف لصاحبه بأنه لا يستحق من الدرهم الثاني شيئا ، وانما يبقى النزاع بينهما في درهم ، وكل منهما يدعيه ، وقد حكم عليه‌السلام بالقسمة بينهما أيضا ، وحينئذ فلمدعي الدرهمين درهم ونصف ، أما الدرهم فلاعتراف صاحبه له به ، وأما النصف من الدرهم الثاني فمن حيث حكمه (عليه‌السلام) في الدعوى على هذه الكيفية بالقسمة انصافا.

ويستفاد منه كون الحكم كذلك في كل عين ادعاها اثنان مع إثبات يديهما عليهما ولا بينة ، أو يكون لكل منهما بينة ، الا أنه لا رجحان لإحديهما على الأخرى وظاهر الرواية المذكورة وكذا كلام جملة ممن ذكر المسئلة هو أن الدرهم يقسم بينهما انصافا من غير يمين.

والمفهوم من كلام جملة من المتأخرين أنه لا بد من أن يحلف أولا كل منهما للآخر على استحقاق النصف ، ومن نكل من أحدهما قضى به للآخر ، ولو نكلا معا أو حلفا قسم بينهما نصفين ، بل صرح بذلك في التذكرة فقال : لو كان في يد شخصين درهمان فادعاهما أحدهما وادعى الأخر واحدا منهما اعطى مدعيهما معا درهما وكان الأخر (١) بينهما نصفين ، لان مدعى أحدهما غير منازع في الدرهم الأخر فيحكم به لمدعيهما ، وقد تساويا في دعوى أحدهما يدا ودعوى فيحكم به لهما.

هذا إذا لم يوجد بينة ، والأقرب أنه لا بد من اليمين فيحلف كل واحد منهما على استحقاق نصف الأخر الذي تصادم دعواهما فيه ، فمن نكل منهما قضى به للآخر ، ولو نكلا معا أو حلفا معا قسم بينهما نصفين لما رواه عبد الله بن المغيرة ، ثم ساق الرواية كما قدمناه. انتهى.

__________________

(١) أى الدرهم الأخر الذي هو محل الدعوى. منه رحمه‌الله.

١٠١

وظاهره حمل إطلاق الخبر على هذا التفصيل الذي ذكره حيث أنه مقتضى القواعد عندهم ، وقال في الدروس بعد فرض المسئلة وان في الرواية المشهورة للثاني نصف درهم ، والباقي للأول ما لفظه ويشكل إذا ادعى الثاني النصف مشاعا فإنه يقوى القسمة نصفين ، ويحلف الثاني للأول وكذا كل مشاع. انتهى.

قال بعض الأفاضل (١) : وكأن نظره (٢) على أن النصف في الحقيقة بيد الأول والنصف بيد الثاني ، فمدعى التمام خارج بالنسبة الى الثاني ، فيكون البينة على الأول واليمين على الثاني ، لكن العدول عن الرواية المعتبرة مشكل ، وسيأتي إنشاء الله تعالى في لاحق هذه المسئلة ما فيه مزيد إيضاح للمقام.

ومنها ما لو أودعه إنسان دينارين وآخر دينارا وامتزج الجميع ثم تلف أحد الدنانير الثلاثة ، فإن الحكم هنا كما في سابق هذه المسئلة ، لما رواه

في الفقيه والتهذيب عن السكوني (٣) عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) «في رجل استودع رجلا دينارين واستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها فقضى أن لصاحب الدينارين دينارا ويقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين».

وجملة من المتأخرين قيدوا الحكم المذكور بما إذا كان امتزاج الدنانير وكذا ضياع أحدهما بغير اختيار ولا تفريط من الأمين ، والا لكان ضامنا ، فيخرج

__________________

(١) هو الفاضل الخراساني في الكفاية. منه رحمه‌الله.

(٢) قوله وكأن نظره الى آخره ، أقول : توضيحه هو أنه من حيث كون الدرهمين في يديهما معا فكان الأمر يرجع في الحقيقة الى أن درهما في يد الأول وهو مدعى الدرهمين ، ودرهما في يد الثاني وهو مدعى الدرهم ، وحينئذ فمدعى الدرهمين خارج لكون ما يدعيه من الدرهمين ، ليس في يده ، وانما في يده واحد خاصة فيكون عليه البينة من حيث كونه خارجا ، واليمين على الثاني من حيث كونه منكرا لدعوى الدرهمين فيقدم قوله بيمينه ، فإذا حلف على نفى استحقاقه الدرهمين بقي الأخر بينهما انصافا أيضا ، قال : وهكذا في كل مشاع كما ذكر الشهيد ، ومنها لو كان في يديهما ثوب ادعاه أحدهما كملا وادعى الأخر نصفه ، فإنه يقدم قول الأخر بيمينه ويقسم الثوب بينهما انصافا ، والوجه في قسمة الدرهم الباقي إنصافا بعد التمثيل أنه قد سقط دعوى صاحب الدرهمين باليمين ، والأخر انما يدعى درهما خاصة ، وهو يتضمن الإقرار لصاحبه بدرهم ، فيبقى الدرهم الأخر بينهما. منه رحمه‌الله.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٣ ح ١٢ ، التهذيب ج ٧ ص ١٨١ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٧١ ح ١.

١٠٢

عن محل المسئلة ، لأنها بعد تضمينه يقتسمان بغير كسر وهو حسن ، قال في التذكرة فإن كان بغير تفريط في الحفظ ولا في المزج بأن أذن له في المزج أو حصل المزج بغير فعله ولا اختياره ، فلا ضمان عليه ، لأصالة البراءة ، ولو فرط ضمن التالف.

وقال في الدروس بعد ذكر هذه المسئلة على أثر سابقتها : وهنا الإشاعة ممتنعة ، ولو كان ذلك في اجزاء ممتزجة كان الباقي أثلاثا ، ولم يذكر الأصحاب في هاتين المسئلتين يمينا ، وذكروهما في باب الصلح فجاز أن يكون ذلك الصلح قهريا ، وجاز أن يكون اختيارا. فان امتنعا فاليمين. انتهى.

أقول : أما قوله «ولم يذكر الأصحاب في هاتين المسئلتين يمينا» فان فيه أن ما قدمنا نقله عن التذكرة ، في المسئلة السابقة صريح في اختياره اليمين ثمة ، والظاهر أنه غفل عن الوقوف عليه في الكتاب المذكور ، وهو ظاهر جملة ممن تأخر عنه منهم الشهيد الثاني وغيره.

نعم لم أقف على من ذكر اليمين هنا وبذلك اعترف في المسالك أيضا.

وأما ما ذكره من أن الأصحاب ذكروهما في باب الصلح فجاز أن يكون الصلح قهريا ، ففيه ما قدمنا ذكره في صدر المسئلة من أن إيرادهما في هذا الباب لا وجه له بالكلية ، لعدم انطباق العنوان عليهما ، وعدم جريان الشروط فيهما ، بل ظاهر الروايات المذكورة هو كونه صلحا قهريا كما احتمله وأنه ليس من باب الصلح الاختياري الذي هو موضوع هذا الباب.

وأما قوله «ولو كان ذلك في أجزاء ممتزجة كان الباقي أثلاثا» فتوضيحه أنه لو كان بدل الدنانير المفروضة في هذه المسئلة ما يمتزج أجزاؤه مع تساوى الاجزاء بحيث لا يتميز كالحنطة أو الشعير أو الأرز أو نحوها ، فأودعه أحد قفيزين من حنطة مثلا واستودعه الأخر قفيزا منها أيضا ، فامتزج الجميع وتلف قفيز منها بعد الامتزاج فإنهم قالوا أنه يقسم المال التالف على نسبة المالين ، وكذا الباقي فيكون لصاحب القفيزين قفيز وثلث قفيز ، ولصاحب القفيز ثلثا قفيز ، والفرق ظاهر ، لان الذاهب هنا عليهما معا من حيث الامتزاج ، وتساوى الاجزاء بخلاف الدنانير ، فان الذاهب مختص بأحدهما ، أما صاحب الدينارين ، أو صاحب الدينار.

١٠٣

بقي الإشكال هنا من وجه آخر ، كما نبه عليه شيخنا الشهيد الثاني ، قال في المسالك بعد ذكر المسئلة : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ومستنده رواية السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) ويشكل الحكم ـ مع ضعف المستند ـ بأن التالف لا يحتمل كونه بينهما بل هو من أحدهما خاصة ، لامتناع الإشاعة هنا والموافق للقواعد الشرعية القول هنا بالقرعة ، ومال إليه في الدروس الا أنه تحاشي عن مخالفة الأصحاب ، ومقتضى الرواية أنه يقسم كذلك وان لم يتصادم دعواهما في الدينار ، وأنه لا يمين ، وكذا لم يذكر الأصحاب هنا يمينا ، بناء على كون الحكم المذكور قهريا كما ذكروه في المسئلة السابقة ، وربما امتنعت اليمين هنا ، إذا لم يعلم كل منهما بعين حقه. انتهى. وهو جيد.

وبالجملة فالظاهر من روايات المسئلتين المذكورتين أن الحكم المذكور فيهما قهري غير مشروط بشي‌ء من القيود التي ذكروها من يمين وغيرها والله العالم.

ومنها أنه لو كان لواحد ثوب بعشرين درهما وللآخر ثوب بثلاثين درهما ثم اشتبها فان خير أحدهما صاحبه فقد أنصفه وان تعاسرا بيع الثوبان وقسم الثمن بينهما ، وأعطى صاحب العشرين سهمين من الثمن ، وصاحب الثلاثين ثلاثة أسهم.

والمستند في ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن إسحاق بن عمار (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام)» في الرجل يبعضه الرجل ثلاثين درهما في ثوب وآخر عشرين درهما في ثوب ، فبعث بالثوبين ولم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه قال : يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، والأخر خمسي الثمن قال : فقلت : فان صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين. اختر أيهما شئت ، قال : قد أنصفه».

وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا المقام فذهب الشيخ وجماعة منهم المحقق وغيره الى الوقوف على ما دلت عليه الرواية ، وذهب ابن إدريس إلى العمل بالقرعة ، قال بعد ذكر المسئلة : ان استعملت القرعة كان أولى للإجماع على أن كل أمر ملتبس فيه القرعة ، وهذا من ذاك ، واليه يميل كلام شيخنا الشهيد

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٣ ح ١١ ، التهذيب ج ٦ ص ٢٠٨ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٧٠ ح ١.

١٠٤

الثاني في المسالك.

ورده العلامة في المختلف فقال بعد نقل ذلك عنه : وليس بجيد ، إذ لا اشكال مع ورود النقل ايضا ، وهذا المجموع بضاعة لشخصين لكل واحد منهما قدر معين ، فيباع ويبسط الثمن على نسبة المالين كغيرهما من الأموال ، وكما لو اشتراهما بالشركة مع الإذن ، فإن الشركة قد تحصل ابتداء ، وقد تحصل بالمزج الموجب للاشتباه كما هي هنا ، وإذا كانا شريكين كان لكل منهما بقدر رأس المال الذي له كما لو امتزج الطعامان.

ونقل في المسالك عن العلامة هنا القول بالتفصيل (١) فقال : ان أمكن بيعهما منفردين وجب ، ثم ان تساويا فلكل واحد منهما ثمن ثوب ولا اشكال ، وان اختلفا فالأكثر لصاحبه ، وكذا الأقل بناء على الغالب وان أمكن خلافه ، الا أنه نادر لا أثر له شرعا وان لم يمكن صارا كالمال المشترك شركة اختيارية ، كما لو امتزج الطعامان فيقسم الثمن على رأس المال ، وعليه تنزل الرواية.

واعترضه في المسالك بأن ما ذكره من البناء على الغالب ليس أولى من القرعة ، لأنها دليل شرعي على هذه الموارد ، ومن الجائز اختلاف الأثمان ، والقيم بالزيادة والنقصان لاختلاف الناس في المساهلة والمماكسة.

أقول : فيه ما قدمنا نقله عن العلامة في رده لكلام ابن إدريس من أن موضوع القرعة كل أمر مشكل ، والحال أنه لا اشكال بعد ورود النص بالحكم المذكور ، وبه يظهر ضعف قوله «لأنها دليل شرعي على هذه الموارد» ، وأن البناء على الغالب في موارد الأحكام الشرعية ، من القواعد الكلية المتفق عليها في كلامهم ، والمتداولة على رؤس أقلامهم.

__________________

(١) أقول : ما نقله عنه من التفصيل قد جعله في المختلف أحد الاحتمالين حيث أنه بعد الرد على ابن إدريس مما نقلناه في الأصول قال : إذ نقول ان كان الثوبان متساويين فلكل واحد منهما ثوب ، إذ قد اشترى بمال كل منهما ثوبا بانفراده ، وان تفاوتا أعطى صاحب الثلاثين الأجود منهما إذ الظاهر ذلك وان جاز خلافه فهو نادر لا اعتبار في نظر الشرع له ، فالقرعة لا وجه لها البتة كما توهمه ابن إدريس. انتهى وهو تقرير لما نقله عنه في المسالك بنوع آخر وان رجع في المعنى الى ما نقله. منه رحمه‌الله.

١٠٥

ثم انه قال في المسالك : وعلى تقدير العمل بالرواية يقصر حكمها على موردها ، ولا يتعدى الى الثياب المتعددة ، ولا الى غيرهما من الأمتعة والأثمان ، مع احتماله لتساوى الطريق.

واستقرب في الدروس القرعة في غير مورد النص. وهو حسن ، ولو قيل به فيه كما اختاره ابن إدريس كان حسنا أيضا انتهى.

أقول : ذهاب ابن إدريس إلى القرعة هنا ـ بناء على أصله الغير الأصيل من رد الأخبار بأنها أخبار آحاد لا يفيد علما ولا عملا جيد ، أما على مذهبه (قدس‌سره) فهو غير جيد ، ولهذا أنه قال أولا في صدر كلامه بعد نقل قول الشيخ وقول العلامة بالتفصيل ، ما صورته : وأنكر ابن إدريس ذلك كله ، وحكم بالقرعة ، لأنها لكل أمر ملتبس ، وهو هنا حاصل ، وهو أوجه من الجميع ، لو لا مخالفة المشهور ، وظاهر النص مع أنه قضية في واقعة يمكن قصره عليها ، والرجوع الى الأصول الشرعية انتهى.

وهو ظاهر في التوقف من حيث النص ، ولكنه هنا عدل عن ذلك ، وهو غير جيد لما عرفت ، وبالجملة فالأظهر الوقوف على النص المذكور في مورده ، والقول بالقرعة فيما خرج عن مورد الخبر كما اختاره في الدروس واستحسنه في المسالك وكيف كان فان الصلح هنا بمقتضى العمل بالخبر قهري ، كما في سابقيه.

والله العالم.

المسئلة السابعة ـ لو صالحه على عين بعين أو على منفعة بمنفعة أو على عين بمنفعة أو بالعكس صح ، والوجه فيه أن الصلح لما كان مفاده مفاد غيره من العقود المتقدمة ، وتلك العقود المشار إليها متعلق بعضها العين ومتعلق بعضها المنفعة لم يمتنع صحة الصلح كذلك ، بل لا يختص جوازه بما ذكر ، فلو صولح على إسقاط خيار ، أو على إسقاط حق أولوية تحجير في سوق أو مسجد ، صح أيضا بعين أو منفعة لعين ما ذكر.

وكيف كان فلو بان أن أحد العوضين كان مستحقا بطل الصلح ، إذا كان ذلك العوض معينا في العقد ولو كان مطلقا رجع ببدله ، قالوا : ولو ظهر فيه عيب فله الفسخ وفي تخيره بينه وبين الأرش وجه.

١٠٦

قال في المسالك : ولو ظهر غبن لا يتسامح بمثله ففي ثبوت الخيار وجهان : أجودهما ذلك دفعا للإضرار وان لم يحكم بالفرعية وهو خيرة الدروس ، وقد تقدم في خيار الغبن من البيع انه لا نص عليه بالخصوص فيمكن استفادته هنا كما استفيد هناك من الأدلة العامة انتهى.

المسألة الثامنة ـ لو صالحه على دراهم بدنانير أو بدراهم فعلى المشهور من أن الصلح عقد مستقل بنفسه يصح ، وعلى قول الشيخ بالفرعية تصير الصحة مراعاة لحصول شروط الصرف والربا.

قال في المبسوط : إذا ادعى دراهم أو دنانير في ذمته ، فاعترف بها ثم صالحه بدراهم ودنانير صح الصلح ، وهو فرع الصرف ، فما صح فيه صح في الصلح ، وما بطل في الصرف بطل فيه ، ولا يجوز حتى يتقابضا ، فان كان المقر به دراهم ، فصالحه على دنانير معينة أو موصوفة فعينها وقبضها قبل التفرق جاز ، ولو قبض البعض وفارقه بطل الصرف فيما لم يقبض ، ولو ادعى عليه دراهم فأقربها ثم صالحه منها على بعضها لم يجز ، لانه ربا ، ولكن ان قبض بعضها وأبرئه من الباقي صح ، وكان هذا الصلح فرع الإبراء انتهى.

وعلى المشهور لا يتعلق به حكم الصرف من وجوب التقابض قبل التفرق ، وأما حكم الربا فإنه يبنى على الخلاف المتقدم في باب الربا من انه هل يثبت في كل معاوضة؟ أم يختص بالبيع؟ وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في بابه ، فعلى الأول ينبغي مراعاته هنا أيضا دون الثاني.

وممن جزم بالأول هنا بناء على ذلك الشهيد الثاني في المسالك ، وممن جزم بالثاني العلامة في المختلف ، ومما يتفرع على الخلاف المذكور هنا أيضا ما لو أتلف على رجل ثوبا قيمته درهم مثلا فصالحه عنه على درهمين ، فإنه ان قلنا ان الواجب ضمان القيمي بمثله كما هو أحد القولين ليكون الثابت في الذمة ثوبا صح الصلح المذكور ، لان الصلح وقع عن الثوب ، لا عن الدراهم الذي هو قيمته ، وان قلنا أن القيمي يضمن بقيمته ، فاللازم لذمة المتلف انما هو الدراهم ، فعلى هذا إذا صالحه بدرهمين تفرع صحة الصلح هنا على الخلاف المتقدم للزوم الربا ، فيصح الصلح عند من قال بتخصيص التحريم بالبيع ، ويبطل

١٠٧

عند من قال بالعموم في جميع المعاوضات ، ولهذا اختار في المسالك هنا البطلان ، بناء على ما اختاره أيضا من وجوب ضمان القيمي بقيمته.

المسئلة التاسعة ـ لو ادعى اثنان عينا في يد ثالث من دار أو ثوب أو نحوهما بأنهما لهما بالمناصفة ، وصرحا معا بالسبب الموجب للملك من أنهما ورثاهما معا أو وكلا من شراها لهما معا بالمناصفة ، أو نحو ذلك فصدق المدعى عليه أحدهما فيما يدعيه من أن النصف له ، وكذب الأخر ، ثم انه صالح المدعى عليه ذلك الذي صدقه على النصف الذي أقر له به بعوض ، وحينئذ فإن كان هذا الصلح باذن شريكه سابقا على الصلح ، أو لاحقا بناء على صحة الفضولي صح الصلح على تمام النصف الذي وقع العقد عليه ، ويكون العوض بينهما نصفين ، كما أن الأصل كان كذلك ، وان لم يكن الصلح باذن شريكه صح الصلح في حقه المقر له. وهو الربع الذي هو نصف ما وقع عليه الصلح ، وبطل في ربع شريكه ، ويكون شريكا مع المدعى عليه بذلك الربع ، والوجه في ذلك انه لما اتفق المدعيان على كون سبب ملكهما مقتضيا للشركة بالمناصفة كما فرضناه سابقا ، فإقرار المدعى عليه لأحدهما يقتضي اشتراكهما فيما أقر به ، وان لم يصدق هما على السبب الموجب للاشتراك ، لان مقتضى السبب المذكور كالميراث ونحوه هو التشريك ، ويمتنع استحقاق المقر له بالنصف خاصة دون شريكه ، كما أن الفائت يكون ذاهبا عليهما بمقتضى إقرارهما بسبب الشركة ، ومن أجل ذلك تفرع عليه ما قدمناه من التفصيل بصحة الصلح على النصف مع اذن الشريك ، والاشتراك في العوض وعدم الصحة إلا في الربع مع عدم الاذن ، وكون الشريك حينئذ شريكا للمدعى عليه بالربع.

هذا كله فيما إذا صرحا بالسبب الموجب للملك بالإشاعة والمناصفة ، أما لو لم يصرحا بما يقتضي الشركة سواء صرحا بما ينافيه أم لا كما لو ادعى أحدهما ملك نصف المدعى فيه بالميراث ، وادعى الأخر ملكه بالشراء ، فإنهما لا يشتركان فيما أقر به المدعى عليه ، فان ملك أحدهما لا يستلزم ملك الأخر ، فلا يقتضي

١٠٨

الإقرار لأحدهما بما يدعيه مشاركة الأخر إياه. (١)

قال في المسالك بعد ذكر الحكمين المذكورين : هذا تقرير ما ذكره المنصف وجماعة في القسمين ، وفيه بحث ، لان هذا لا يتم الا على القول بتنزيل البيع والصلح على الإشاعة ، كالإقرار ، وهم لا يقولون به بل يحملون إطلاقه على ملك البائع والمصالح ، حتى لو باع ابتداء مالك النصف نصف العين مطلقا انصرف الى نصيبه ، ووجهوه بأن اللفظ من حيث هو وان تساوت نسبته الى النصفين ، الا أنه من خارج قد ترجح انصرافه الى النصف المملوك للبائع ، نظرا الى ان إطلاق البيع انما يحمل على المتعارف في الاستعمال ، وهو البيع الذي يترتب عليه انتقال الملك بفعل المتعاقدين ، ولا يجرى ، ذلك إلا في المملوك بخلاف الإقرار ، فإنه اخبار عن ملك الغير بشي‌ء ، فيستوي فيه ما هو ملكه وملك غيره ، وحينئذ فاللازم هنا أن ينصرف الصلح الى نصيب المقر خاصة ، فيصح في جميع الحصة بجميع العوض ، وتبقى المنازعة بين الأخر والمتشبث.

هذا ان وقع الصلح على النصف مطلقا أو على النصف الذي هو ملك المقر له. أما لو وقع على النصف الذي أقر به المتشبث توجه قول الجماعة لأن الإقرار ينزل على الإشاعة والصلح وقع على المقر به ، فيكون تابعا له فيها ، وعلى هذا ينبغي حمل كلامهم ، لئلا ينافي ما ذكروه من القاعدة التي ذكرناها.

وهذا توجيه حسن لم ينبهوا عليه ، وانما ذكر الشهيد (رحمة الله عليه) في بعض تحقيقاته احتمال انصراف الصلح إلى حصة المقر له من غير مشاركة الأخر مطلقا ، وتبعه عليه الشيخ على (رحمة الله عليه) انتهى.

أقول : وينبغي أولا إيضاح ما ذكره ، ثم بيان ما فيه فنقول : قوله ان هذا لا يتم الا على القول بتنزيل البيع والصلح على الإشاعة ، الى آخره بمعنى أنه لو باع

__________________

(١) قيل : ومثله ما لو ادعى كل منهما أنه اشترى النصف من غير تقييد بالمقيد نعم لو قالا اشتريناها معا أو اتهبناها وقبضنا معا ونحو ذلك ، فقد حرر في التذكرة أن الحكم فيه كالأول لاعتراف المقر بأن السبب المقتضى لتملكه قد افتقر بتملك الأخر ، ويحتمل العدم ، لان نقل الملك لاثنين بهذا الوجه بمنزلة الصفقتين. منه رحمه‌الله.

١٠٩

شخص حصته من مال مشترك بينه وبين غيره كالنصف مثلا فإنه بمقتضى تقريرهم لم ينصرف الى ماله ، بل الى النصف المعلوم المشاع مطلقا بينه وبين شريكه ، فيكون المبيع ربع البائع وربع الشريك ، وهم لا يقولون به في البيع ، ولا في الصلح ، بل يخصونه بنصف البائع والمصالح ، وانما ينزل على الإشاعة الإقرار ، فلو أقر بالنصف للغير يكون إقرارا بربعه وربع الشريك ، ووجه الفرق بين الأمرين أن البائع إنما يبيع مال نفسه ، ولا يصح بيع مال غيره الا فضولا على القول به ، أو وكالة ، وهما منتفيان هنا ، فينصرف الى ماله كما هو المتبادر والمتعارف ، بخلاف الإقرار فإنه كالشهادة بأنه للغير ، وهو قد يكون في ماله ، وقد يكون في مال غيره ، فهنا ينبغي أن يكون ما يصالح عليه هو نصف المقر به ، وهو الربع بالنسبة إلى المجموع ، فيكون العوض كله له ، لا أنه يكون انصافا كما ذكروه ، والنزاع يبقى للشريك الأخر مع المدعى عليه.

هذا إذا كان الصلح على النصف مطلقا ، أو على النصف الذي هو ملك المقر له ، وأما إذا صالح المقر له على النصف الذي أقر له به كان الصلح هنا منزلا على الإشاعة ، لأنه تابع للإقرار المنزل على ذلك كما عرفت ، فيكون قول الجماعة متجها على هذا الوجه ، وعلى هذا ينبغي حمل كلامهم ، هذا حاصل ما ذكره (قدس‌سره).

وفيه أولا أن الظاهر أن قول الجماعة ـ بأن إطلاق البيع والصلح انما ينصرف الى ملك البائع والمصالح دون الشائع ـ انما هو في المال المشترك الخالي عن النزاع ، والقاعدة المذكورة إنما هي بالنسبة الى ذلك ، وما نحن فيه ليس كذلك لوجود النزاع وعدم ثبوت نصف خالص للمصالح ، بل الثابت له بحسب الشرع انما هو الربع كما عرفت ، لان الفرض أن ما اعترف به المدعى عليه ، مشترك بينه وبين شريكه بحسب نفس الأمر ، وظاهر الشرع من حيث إقرارهما بموجب الشركة ، ولا نزاع في أن ما أقر به المدعى عليه مشترك بينه وبين شريكه ، فهو انما صالح على ربعه وربع شريكه ، إذ ليس نصف المصالح عليه الا ذلك ، وبه يظهر أن ما نحن فيه ليس من جزئيات القاعدة المذكورة ، ولا من أفرادها لتحصيل المنافاة

١١٠

كما زعمه (قدس‌سره).

وثانيا ـ أنه مع الإغماض عن ذلك ـ فان الظاهر من المقام والمتبادر من سياق الكلام كما صرح به من ذكر المسئلة من علمائنا الاعلام (١) أن الصلح انما وقع على النصف الذي أقر له به المدعى عليه ، ولم يقصد المدعى عليه ، والذي أقر له الا ذلك ، لا أن الصلح وقع على نصفه الذي له في نفس الأمر والخروج عن قاعدة البيع والصلح انما يحصل على الثاني ، دون الأول وبما ذكرناه يظهر أيضا أن الاحتمال الذي ذكره الشهيد (رحمة الله عليه) وتبعه عليه الشيخ على (رحمة الله تعالى عليه) ليس بجيد ، والله العالم.

المسئلة العاشرة ـ قالوا : لو ادعى عليه شيئا فأنكر فصالحه المدعى عليه على سقى زرعه أو شجره بمائه ، قيل : لا يجوز ، لان العوض وهو الماء مجهول ، وهذا القول منقول عن الشيخ (رحمة الله عليه) والمشهور الجواز مع ضبط السقي بمدة معلومة ، ومثله ما لو كان الماء معوضا.

وبالجملة فإنه يجوز السقي بالماء عوضا للصلح ، بأن يكون مورده أمرا آخر من عين أو منفعة ، وكذا يجوز كونه موردا له ، وعوضه أمر آخر من عين أو منفعة ، كل ذلك مع ضبطه بمدة معلومة.

والشيخ قد خالف في الجميع ، محتجا بجهالة الماء مع أنه جوز بيع ماء العين والبئر وبيع جزء مشاع منه ، وجوز جعله عوضا للصلح ، كذا قالوا.

__________________

(١) ومن ذلك عبارة المحقق في الشرائع حيث قال : ولو ادعى اثنان دارا في يد ثالث بسبب موجب للشركة كالميراث فصدق المدعى عليه أحدهما ، وصالحه على ذلك النصف بعوض ، فان كان باذن صاحبه صح الصلح في النصف أجمع ، وكان العوض بينهما وان كان بغير اذنه صح في حقه ، وهو الربع. انتهى ، ولا يخفى أن قوله فصالحه على ذلك النصف مراد به النصف الذي أقر له بالذي صار بالإقرار مشتركا بينه وبين صاحبه ، فالإشارة راجعة إليه كما هو ظاهر ، والشارح قد جرى في تقرير معنى العبارة على ذلك أيضا ، فقال في أثناء الكلام : فإذا صالح المقر له المثبت على النصف المقر له فان كان الصلح باذن صاحبه الى آخره وهو ظاهر في أن الصلح انما وقع على ذلك النصف المقر به ، وعلى هذا النهج كلام غيرهما من الأصحاب (رضوان الله عليهم). منه رحمه‌الله.

١١١

أقول : ويمكن أن يكون منعه من الصلح على السقي المذكور من حيث عدم الضبط بالمدة ، فإنهم إنما جوزوا ذلك مع الضبط بها ، ويدل عليه إطلاق كلامه ، فإنه لا دلالة فيه على المنع مع الضبط ، بالمدة ليتجه نسبة الخلاف إليه في المقام.

وبالجملة فإنه يمكن تخصيصه المنع هنا بغير المضبوط ، فيكون موافقا لما ذكروه ، والاعتراض عليه ـ بأنه صرح بجواز بيع ماء العين والبئر وجزء مشاع منه وجوز جعله عوضا للصلح ـ يمكن دفعه بأن الماء في صورة محل البحث مجهول لا يدخل في أحد الأقسام المذكورة ، لأنه لم يستحق بالصلح جميع الماء ، ولا بعضا منه معينا ، وانما استحق سقيا لا يعرف قدره ، ولا مدة انتهائه ، ومن ثم شرطوا في الجواز ضبط المدة ، وهو لم يصرح بالمنع مع الضبط كما عرفت.

بقي الكلام فيما لو تعلق الصلح بسقي شي‌ء مضبوط دائما أو بالسقي بالماء أجمع دائما وان جهل السقي ، ونفى البعد عن الصحة شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة ، للتسامح بذلك في باب الصلح ، وهو غير بعيد لما قدمناه وذكره غير واحد من الأصحاب من أن مبنى الصلح على المساهلة والمسامحة.

قالوا : وكذا يصح الصلح على اجزاء الماء على سطحه أو ساحته بعد العلم بالموضع الذي يجري فيه الماء ، بأن يعرف مجراه طولا وعرضا ، ليرتفع الجهالة عن المحل المصالح عليه ، ولا يعتبر تعيين العمق ، لان من ملك شيئا ملك قراره الى تخوم الأرض ، ولا فرق في ذلك بين جعله عوضا بعد المنازعة وبين إيقاعه ابتداء ، وقد أطلق جملة منهم حكم الماء من غير أن يشترطوا مشاهدته ليرتفع الغرر ، وقيد آخرون بمشاهدته أو وصفه خروجا من الغرر ، لاختلاف الحال بقلته وكثرته ، فقد يتعلق الغرض بأحدهما دون الأخر ، ولو سقط السطح بعد الصلح أو احتاجت الساقية إلى إصلاح فعلى مالكهما ، لتوقف الحق عليه ، وليس على المصالح مساعدته.

المسئلة الحادية عشر ـ الظاهر أنه لا خلاف في أنه لو قال المدعى عليه : صالحني عليه فان ذلك لا يكون إقرارا بالملك ، لان الصلح يصح مع الإنكار ،

١١٢

فطلبه هنا لا يستلزم الإقرار ، إذ قد يكون ذلك لأجل رفع المنازعة والمخاصمة وخالف فيه بعض العامة حيث زعم أن الصلح لا يصح الا مع الإقرار : وفرع على ذلك ان المدعى عليه لو قال قبل الإقرار صالحني على العين التي أدعيتها يكون ذلك منه إقرارا ، لأنه طلب منه التمليك ، وهو يتضمن الاعتراف بالملك ، فصار كما لو قال : ملكني وفيه أنه متجه بناء على أصله المذكور من حيث تخصيص الصلح بالإقرار وأما على ما هو المتفق علة عندنا وعند جملة منهم من صحة وقوعه على الإقرار والإنكار ، فطلبه لا يكون موجبا للإقرار.

نعم لو قال : بعني أو ملكني اقتضى ذلك الإقرار بعدم ملكه له ، لانه صريح في طلب التمليك المنافي لكونه ملكا له ، لاستحالة تحصيل الحاصل ، وبالجملة فإنه لا إشكال في إقراره بعدم الملك بقوله ذلك.

بقي الكلام في أنه هل يكون بذلك ملكا لمن طلب منه البيع أو التمليك أم لا؟ الأقرب العدم ، لانه يحتمل أن يكون المطلوب منه وكيلا ، وإذا قام احتمال ذلك لم تتم الدلالة على كونه ملكا له.

وبالجملة فالمترتب على الإقرار المذكور هو كونه مالكا ليبيع ، لا مالكا للمبيع ، لأنه أخص ، والعام لا يدل على الخاص.

وقيل : نعم لو اقترن بذلك كون المطلوب بيعه تحت يد المخاطب ترجح جانب ملكه ، لدلالة اليد على الملكية ، والأصل عدم مالك آخر ، قال في المسالك : وقد تنبه لذلك العلامة في المختلف والشهيد في الدروس وهو قوى. انتهى.

أقول : لا يخفى أن ما تقدم من الكلام وبه صرحوا أيضا أن مبنى الشك في كونه ملكا لمن طلب منه البيع وعدمه ـ انما هو على إقراره من غير انضمام شي‌ء آخر له من خارج يدل على الملكية أو عدمها ، والا فمع انضمام ما يدل على أحد الأمرين لا إشكال في الحكم بما دل عليه.

وبه يظهر أن ما ذكروه من هذا الفرع لا أعرف له مزيد فائدة على أن ما ذكروه من مجرد دلالة اليد على الملكية محل توقف ، بل لا بد مع ذلك من ادعاء الملكية ، والا فإن المال في يد الوكيل أيضا لكنه معترف بالوكالة عن الغير ،

١١٣

هذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.

الثانية عشر ـ وفيها حكمان ـ أحدهما انه لو ضمن شخص عن شخص مالا باذنه ثم صالح الضامن المضمون له بأقل مما ضمنه لم يكن له الرجوع على المضمون عنه الا بما صالح به ، والظاهر أنه لا خلاف فيه ، وعليه تدل موثقة عمر بن يزيد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل ضمن ضمانا ثم صالح عليه قال : ليس له الا الذي صالح عليه».

رواه الكليني والشيخ (رحمة الله عليهما). وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب عبد الله بن بكير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثم صالح على بعض ما صالح عليه قال : ليس عليه الا الذي صالح عليه».

والخبران وان كانا مطلقين بالنسبة إلى اذن المضمون عنه وعدمه الا أنه يجب تقييدهما بالاذن ، لما تقدم في كتاب الضمان أنه لا رجوع الا مع الاذن ، وبدونه لا رجوع.

وكذا لو صالح الضامن المضمون له عن المال الذي ضمنه بعروض دفعها إليه ، فإنه لا يرجع على المضمون عنه الا بأقل الأمرين من قيمة العروض وما كان في ذمة المضمون عنه ، وقد تقدم ذكر هذه المسئلة وتحقيق الكلام فيها في كتاب الضمان فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه.

الثاني ـ يجوز الصلح على تعجيل بعض الدين المؤجل بنقصان منه ، ولا يجوز تأجيل شي‌ء منه بزيادة ، ولا يجوز الصلح على تعجيل البعض أيضا بمد الأجل في الباقي. ويدل على ذلك ما رواه

المشايخ الثلاثة بأسانيد عديدة فيها الصحيح والحسن عن الحلبي (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : سئل عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول : انقدني كذا وكذا وأضع عنك بقيته ، أو يقول :

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٥٩ ح ٧ التهذيب ج ٦ ص ٢١٠ ح ٧.

(٢) التهذيب ج ٦ ص ٢١٠ ح ٦ والوسائل ج ١٣ ص ١٥٣ ح ١ و ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٥٩ ح ٤ ، التهذيب ج ٦ ص ٢٠٧ ح ٦ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٦٨ ح ١.

١١٤

انقدني بعضه وأمد لك في الأجل فيما بقي عليك قال : لا أرى به بأسا ، انه لم يزد على رأس ماله ، قال الله عزوجل (١) فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ » وفي قوله (عليه‌السلام)» انه لم يزدد على رأس ماله». ثم أورد الآية إشارة الى عدم جواز التأجيل بالزيادة على الحق ، وان كان على سبيل الصلح ، فإنه رباء كما يدل عليه إيراد الآية ، فيمكن الاستدلال بالخبر المذكور على تحريم الربا في الصلح أيضا الا أن الربا لازم هنا مع النقصان أيضا ، وكأنه حينئذ مستثنى بالخبر ، ويعضده أيضا حسنة أبان (٢) عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال ، سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيقول له قبل أن يحل الأجل عجل لي النصف من حقي على أن أضع عنك النصف ، أيحل ذلك لو أحد منهما ، قال. نعم».

المطلب الثاني في تزاحم الحقوق والتنازع في الاملاك :

والكلام فيه يقع في مقامات المقام الأول ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يجوز إخراج الرواشن (٣) والأجنحة إلى الطرق النافذة إذا كانت عالية لا تضر بالمارة ، وهما عبارة عن إخراج خشب من حائط المالك الى الطريق بحيث لا يصل الى الجدار المقابل له ويبنى عليها ، ولو وصل الى الجدار سمى ساباطا وعلى هذا فهما عبارة عن أمر واحد ، وربما فرق بينهما بأن الأجنحة ينضم إليها مع ما ذكر أن يوضع لها أعمدة من الطريق ، وربما قيل ذلك في الرواشن.

والكلام هنا يقع في مواضع الأول ـ المرجع في التضرر الى العرف بالنظر

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٧٩.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٥٨ ح ٣ ، التهذيب ج ٦ ص ٢٠٦ ح ٥ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٦٨ ح ٢.

(٣) قال في مجمع البحرين : الرواشن جمع الروشن وهي أن يخرج اخشابا الى الدرب ويبنى عليها ويجعل عليها قوائم من أسفل. انتهى ، وفي اللغويين الروشن بأنه الكوة كذا ذكره المحقق الشيخ على على ما في شرح القواعد. وفي القاموس : الروشن الكورة ، فليتأمل فلعل الغلط في أحد الموضعين ، ولا يحضرني الان من نسخ الكتابين ما يمكن تحقيق الحال منه فان تحريف الكوة بالكورة أو بالعكس قريب فليلاحظ منه رحمه‌الله.

١١٥

الى المارة في تلك الطريق وما يليق بها ، فلو كانت من الطرق التي تمر فيها الجيوش والجمال والفرسان وجب أن لا يضر بالعماريات والكنائس ، واعتبر ارتفاع ذلك بحيث يمر فيه الفارس لا يصدم رمحه مما لا على عنقه ، واعتبر العلامة في التذكرة أن يتمكن الفارس من الممر تحته ورمحه منتصب لا يبلغه ، قال : لانه قد تزاحم الفرسان فيحتاج الى أن تنصب الرماح ، ومنعه في الدروس لندرته ، وقواه في المسالك لإمكان اجتماعهم مع إمالته بحيث لا يبلغهم.

الثاني ـ المفهوم من كلامهم وتقييد الضرر بالمارة كما قدمنا ذكره أنه لو أضر بغيرهم من جار ونحوه بحيث استلزم الاشراف عليه لم يمنع منه ، كما لا يمنع لو كان وضع الجناح والروشن في ملكه فاستلزم الاشراف على جاره.

وخالف في ذلك العلامة في التذكرة فقال : بالمنع من ذلك فارقا بينه وبين الوضع في ملكه ، قال في الكتاب المذكورة : إذا أخرج جناحا أو روشنا في الشارع النافذ فقد بينا أنه ليس لأحد منعه مع عدم التضرر به ، فلو تضرر جاره بالإشراف عليه فالأقرب أن له المنع ، لانه قد حصل به الضرر ، بخلاف ما لو كان الوضع في ملكه فإنه لا يمنع وان حصل معه الاشراف ، لأن للإنسان التصرف في ملكه كيف شاء ، ويمنع في الملك من الاشراف على الجار لا من التعلية المقتضية لإمكانه ، قال : ولست أعرف في هذه المسئلة بالخصوصية نصا من الخاصة ولا من العامة ، وانما صرت الى ما قلت عن اجتهاد ، ولعل غيري يقف عليه أو يجتهد فيؤديه اجتهاده الى خلاف ذلك انتهى ملخصا.

واعترضه في المسالك فقال : وفيه نظر لان المعتبر في الموضوع في الطريق عدم الإضرار بأهل الطريق ، لانه موضوع للاستطراق فيمتنع ما ينافيه ، أما اعتبار عدم الإضرار بغيرهم فلا دليل على المنع منه ، بل قد تقدم أنه لا يمنع مما يضر بغير من يعتاد سلوكه خاصة ، فضلا عن غير المار ، والجار خارج عن ذلك كله ، فلا وجه للمنع مما يقتضي إضراره ، كما لو أحدث بناء في مباح يقابله واستلزم الاشراف عليه ، وكلام العلامة وغيره حيث قيدوا الضرر بالمارة دليل عليه ؛ وانما عمم هو الضرر في فرعه ، انتهى.

١١٦

أقول : ويقول العلامة (قدس‌سره) في هذه المسئلة ولست أعرف في هذه المسئلة نصا وانما صرت الى ما قلت عن اجتهاد ، تعلق المحدث الأمين الأسترآبادي ونحوه من الأخباريين في التشنيع على المجتهدين ، ويمكن الاعتذار عنه (قدس‌سره) بأن مراده بالاجتهاد انما هو الاستنباط من الأدلة العامة ، فإنه إنما نفى وجود الخبر الخاص بهذه المسئلة ، فلا ينافيه إمكان استنباط دليل لها من الأدلة العامة ، وهو هنا حديث (١) «لا ضرر ولا ضرار». لأنه إنما استند في المنع بضرر الجار بذلك.

نعم يمكن أن يجاب عن ذلك بأن الضرر المنهي عنه انما هو نفس الاشراف ، لا الروشن المقتضى له ، كما لو فعله في ملكه أو أحدث بناء في مباح يقابله واستلزم الاشراف كما تقدم في كلام شيخنا المتقدم ذكره.

الثالث ـ ما قدمنا ذكره من جواز إخراج الرواشن والأجنحة إلى الطرق النافذة ما لم يضر بالمارة هو المشهور ، سواء عارضه فيه مسلم أو لم يعارضه أحد ، وهو قول الشيخ في الخلاف.

وقال في المبسوط : بأنه لو عارض فيه مسلم وجب قلعه ، وبه قال ابن البراج ، والأول اختيار ابن إدريس ، مستندا الى جريان العادة من غير أن ينكره أحد ، قال : وسقيفة بني ساعدة وبنى النجار مشهورتان ، ولم ينكرهما أحد من المسلمين ، ونفس الطريق غير مملوكة ، وانما يملك المسلمون منافعها دون رقبتها ، انتهى.

وبه قال العلامة وغيره ، وما ذهب اليه الشيخ في المبسوط هنا نقله في التذكرة عنه ، وعن أبي حنيفة ، قال : وقال الشيخ (رحمه‌الله) وأبو حنيفة لا عبرة بالضرر وعدمه ، بل ان عارضه فيه رجل من المسلمين نزع ووجب قلعه وان لم يكن مضرا به ولا بغيره ، والا ترك ، لانه بنى في حق غيره بغير اذنه ، فكان له مطالبته بقلعه ، كما لو بنى دكة في المسلوك ، أو وضع الجناح في ملك غيره ، ثم رده بان القياس ممنوع ، فان الضرر يحصل ببناء الدكة ، بخلاف الجناح والساباط والرواشن ، لان الأعمى يعتبر بها ، وكذا في الليل المظلم يعثر البصير بها ، ويضيق الطريق بها بخلاف الجناح ، وملك الغير لا يجوز التصرف فيه الا بإذنه ، بخلاف الطريق فافترقا.

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٤٧ ح ١٨ ، الكافي ج ٥ ص ٢٩٢ ح ٢ ، الوسائل ج ١٧ ص ٣٤١ ح ٣.

١١٧

أقول : والعمدة في ذلك كله هو اباحة الهواء ، وانه غير مملوك هنا للمارة ولا لغيرهم فلا مانع من التصرف فيه الا على وجه يتضرر به المارة ، والمفروض عدمه ، فلو حصل الضرر به وجب إزالته ولا يختص الوجوب بالواضع ، وان كان آكد ، بل يجب على كل من له قدرة بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

الرابع ـ المفهوم من تقييدهم الطرق بالنافذة عدم الجواز في الطرق المرفوعة ، والوجه فيه ظاهر ، لأنها ملك لأربابها ، كسائر الأملاك المشتركة لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن أربابها فلا يجوز لأحد منهم احداث جناح أو باب شارع إلا بإذن الباقين ، سواء أضر بهم أم لم يضر ، للمنع من التصرف في مال الغير إلا بإذنه مطلقا ، والمراد بالمرفوعة المسدودة التي لا ينتهي إلى طريق آخر ولا مباح ، بل الى ملك الغير ، والمراد بأربابها من له باب شارع إليها ، ومما يترتب على ملكهم لها جواز سدهم لها عن السكة ، مع اتفاقهم على ذلك ، وكما يحرم التصرف فيها بما تقدم ذكره كذلك يحرم بغيره من أنواع التصرفات ، فلا يجوز المرور فيها إلا بإذنهم ولا الجلوس فيها ، ولا إدخال الدواب فيها ونحو ذلك الا مع الاذن ، ويمكن الاكتفاء في جواز المرور بشاهد الحال ، وكذا الجلوس خفيفا ، فلو اتفق في تلك الطرق المرفوعة السلوك الى مسجد أو رباط أو مطهرة أو نحوها من المشتركات بين العامة لم يكن لأصحاب الطريق المنع من السلوك إليها ، ولا احداث ساباط أو جناح يضر بالمارة وان رضى أهل السكة ، لأنها صارت مشتركة بينهم وبين عامة الناس المترددين الى تلك المواضع ، ونحوه لو جعل أحدهم داره أحد تلك المواضع ، والوجه فيه ظاهر مما تقدم.

هذا والمفهوم من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف هو أن الطرق المرفوعة ملك لأربابها ، وظاهر المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله عليه) هنا المناقشة في ذلك مستندا الى المنع من ذلك الا أن يعلم بدليل شرعي ، ولو بدعوى الملكية بشرط أن لا يكون مستنده مجرد الاستطراق ، فإن الذي علم من الاستطراق استحقاقهم ذلك لا غير ، ولما كان أكثر الطرق والاستطراق يحصل في غير الملك لا يعلم منه الملكية التي هي منفية بالأصل ، إذ لا فرق بين المسلوك والمرفوع في الحصول ، الا أن المترددين في الأول أكثر ، هذا غاية ما استند اليه (قدس‌سره).

١١٨

وفيه نظر ، إذ لا يخفى أن الظاهر أنه لا خلاف في أن التصرف امارة الملك ، فلو تصرف أحد في شي‌ء ومات وهو في تصرفه حكم به ميراثا لورثته ، ولو ادعى مدع في أن تصرفه عاد طولب بالبينة ، ولا يخفى أيضا أن التصرف غير مضبوط بحد معلوم وانما هو في كل شي‌ء بنسبته ، يعنى بالنظر الى المنافع المترتبة على ذلك الشي‌ء فكل من تصرف في شي‌ء بتحصيل المنافع المترتبة عليه ثبت له الملك ، والمنافع المترتبة على الطريق التي بها ثبت التصرف ليس الا الاستطراق ، لأنها موضوعة له وان أمكن وجود منافع آخر أيضا ، الا أن هذا هو المقصود منها والغالب عليها ،

وأما ما ذكره من أن الاستطراق يحصل في غير الملك ـ فلا يدل على الملكية كما في الاستطراق في الشوارع ـ ففيه أن ما ذكرنا من أن التصرف امارة الملك فان التصرف في كل شي‌ء انما هو بنسبة حاله ، مما يثبت به المدعى ، إذ لا خلاف في هاتين المقدمتين فيما أعلم ، وعدم ثبوت ذلك في الشوارع انما هو من حيث عدم حصر السالك فيها ، والمالك لا بد أن يكون له مالك معين ، والتصرف الموجب للملك الذي يكون في كل شي‌ء بنسبته لا بد أن يكون مستمرا كما في التصرفات في سائر الاملاك.

وحينئذ فلو مر شخص في الجادة يوما ولم يعد إليها في باقي عمره لا يعد مالكا ، وان كان قد تصرف مرة ، وهكذا في سائر السالكين وان تفاوتوا ، بخلاف ملاك السكة المرفوعة. فإنهم مستمرون على الاستطراق منها الى بيوتهم كما في جملة التصرفات في الاملاك مع كونهم معينين محصورين ، وبذلك يظهر لك الفرق بين الطريقين ، وعدم قياس إحديهما على الأخرى في البين. والله العالم.

الخامس ـ قد عرفت أن الأظهر أنه ليس لأحد من المسلمين معارضته في إخراج الجناح والروشن ، ويدخل فيه الجار ، فليس له المعارضة ، ليكون الهواء بينهما ، بل أيهما سبق استحق ذلك.

نعم للآخر إخراج روشن فيما بقي من الهواء ، وليس لصاحب الأول منعه ما لم يضع على خشبته شيئا منه ، ويجوز للآخر إخراج روشنه فوق الأول أو تحته ما لم يضر به ، ويعتبر أن يكون عاليا لا يضر بالمارة على الوجه المتقدم ، ولو أظلم

١١٩

الطريق بوضع الثاني أزيل خاصة ، لأن الضرر انما حصل به ، وان كان للأول أيضا أثر في ذلك الا أن الحد الموجب للضرر انما حصل بالثاني.

السادس ـ قال في التذكرة : لو صالح واضع الروشن أو الجناح أو الساباط أرباب الدرب ، وأصحاب السكة على وضعه جاز على الأظهر عندنا ، لكن الاولى اشتراط زمان معين ، لانه حق مالي بتعين المالك فجاز الصلح عليه ، وأخذ العوض عنه كما في القرار ، ومنع منه الشافعية ، بناء منهم على أن الهواء تابع ، فلا يفرد بالمال صلحا كما لا يفرد به بيعا ، ونمنع مانعية التبعية من الانفراد بالصلح ، بخلاف البيع لانه يتناول الأعيان ، والصلح هنا واقع عن الوضع مدة ، وكذا الحكم في صلح مالك الدار عن الجناح المشرع إليها من الجواز عندنا ، والمنع عندهم. انتهى.

وظاهره أن الحكم إجماعي عندنا في كل من الموضعين ، وانما المخالف فيه الشافعية خاصة ، مع أن عبارة الشيخ في المبسوط ظاهرة في ما نقله عن الشافعية حيث قال : إذا أخرج جناحا الى زقاق غير نافذ لم يجز ، لأن أربابه معينون ، فان صالحوه على تركه بعوض يأخذونه منه لم يجز ، لأن في ذلك افرادا للهواء بالبيع ، وذلك لا يصح. انتهى.

والأصحاب قد نقلوا ذلك عنه أيضا ، والظاهر أنه غفل عن مراجعة ذلك ، والمحقق في الشرائع قد تردد في المسئلة من أجل خلاف الشيخ أيضا.

وكيف كان فان الظاهر أن كلام الشيخ هنا (رحمه‌الله) مبنى على ما تقدم نقله عنه من فرعية الصلح على البيع كما هو مذهب الشافعية ، وقد تقدم نقله عن الجميع وبيان ضعفه ، والمفهوم من كلامهم كما هو ظاهر عبارة التذكرة المذكورة استحقاق جميع ملاك الطريق المرفوعة لذلك ، وهو مخالف لما صرحوا به كما سيأتي ان شاء الله تعالى من اختصاص الداخل منهم بما بين البابين ، واشتراك الجميع انما يحصل فيما خرج عن الأبواب كملا ، فالمناسب للتفريع على ذلك أن يقال : أن الروشن المحدث ان كان خارجا عن جميع الأبواب فالحق للجميع ، والصلح على إخراج الروشن مع الجميع ، وان كان داخلا عن بعضها لم يتوقف على اذن الخارج ، وقيل : يتوقف على رضى الجميع كالأول ، وقواه في الدروس ، وسيأتي

١٢٠