الحدائق الناضرة - ج ٢٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غير ، فباع أحدهما نصيبه» الحديث.

ومنها روايتا منصور بن حازم المتقدمتان في الشرط الأول من هذا المقصد (١) فان موردهما البيع ، الى غير ذلك من الاخبار.

الثالث من الشروط المعتبرة في الشفعة : أن لا يكون الشريك أكثر من واحد على المشهور ، واليه ذهب الشيخان والمرتضى وأتباعهم ، حتى ادعى ابن إدريس عليه الإجماع ، ونقل في المختلف عن الشيخين ، وعلى بن بابويه ، والسيد المرتضى وسلار ، وأبى الصلاح ، وابن البراج ، وابن حمزة ، والطبرسي ، وابن زهرة ، وقطب الدين الكيدري ، وابن إدريس ، ونقله في المختلف أيضا عن والده.

والصدوق في المقنع وافق المشهور ، ونسب ثبوتها مع الكثرة إلى الرواية وفي الفقيه ذهب الى ثبوتها مع الكثرة في غير الحيوان ، فإنه روى فيه رواية طلحة بن زيد (٢) الدالة على ثبوت الشفعة على عدد الرجال ، ثم قال بعد نقل روايات في البين (٣) : «وسئل الصادق عليه‌السلام عن الشفعة لمن هي وفي أي شي‌ء هي؟ وهل تكون في الحيوان شفعة؟ قال : الشفعة واجبة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه ، فشريكه أحق به من غيره ، فإذا زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم».

ثم قال : قال المصنف هذا الكتاب : يعنى بذلك الشفعة في الحيوان وحده فاما في غير الحيوان فالشفعة واجبة للشركاء ، وان كان أكثر من اثنين ، وتصديق ذلك ما رواه أحمد بن محمد بن ابى نصر عن عبد الله بن سنان (٤) قال : «سألته عن مملوك». ثم ساقه كما سنذكره هنا إنشاء الله تعالى.

وذهب ابن الجنيد الى ثبوتها مع الكثرة مطلقا ، وقواه العلامة في المختلف بعد ذهابه الى المشهور ، وخطأ ابن إدريس في دعواه الإجماع ، ونقل المحقق

__________________

(١) ص ٢٩٤.

(٢ ـ ٣ ـ ٤) الفقيه ج ٣ ص ٤٥.

٣٠١

قولا بثبوتها مع الكثرة في غير العبد.

أقول : والأصل في هذا الخلاف اختلاف الاخبار في هذه المسألة فمما يدل على القول المشهور ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما ، وإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة».

وعد هذه الرواية في المسالك صحيحة ، مع أن في سندها محمد بن عيسى عن يونس ، وهو يعد هذا السند دائما في الضعيف ، فوصفه هنا بالصحة غفلة منه (قدس‌سره).

ومنها مرسلة يونس (٢) المتقدمة وهي التي ذكرها الصدوق هنا مرسلة عنه عليه‌السلام «وفيها والشفعة جائزة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غير ، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره ، فإذا زاد على الاثنين فلا شفعة لهم».

وما رواه في التهذيب عن عبد الله بن سنان (٣) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه ، فقال أحدهما : أنا أحق به إله ذلك؟ قال : نعم إذا كان واحدا».

ومنها ما رواه في الفقيه في الصحيح عن البزنطي عن عبد الله بن سنان (٤) قال : «سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه قال : يبيعه ، قلت : فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلما أقدم على البيع قال له شريكه : أعطني قال : أحق به ، ثم قال عليه‌السلام : لا شفعة في حيوان الا أن يكون الشريك فيه واحدا».

__________________

(١ ـ ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٨١ التهذيب ج ٧ ص ١٦٤ واخرج الأخير الفقيه ج ٣ ص ٤٦.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ١٦٦.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٤٦.

٣٠٢

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح والحسن أو الصحيح عن الحلبي (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «أنه قال في المملوك يكون بين الشركاء فيبيع أحدهم نصيبه فيقول صاحبه : أنا أحق به إله ذلك ، قال : نعم إذا كان واحدا ، قيل له : في الحيوان شفعة؟ قال : لا».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) قال (عليه‌السلام): «وروى أن الشفعة واجبة في كل شي‌ء من الحيوان أو العقار والرقيق إذا كان الشي‌ء بين شريكين فباع أحدهما فالشريك أحق به من الغريب ، وإذا كان الشركاء أكثر من اثنين فلا شفعة لواحد منهم».

وأما ما يدل على الشفعة مع الكثرة فمنه ما رواه في التهذيب والفقيه عن السكوني (٣) «عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) عن على (عليه‌السلام) قال : الشفعة على عدد الرجال».

وما رواه في الفقيه عن طلحة بن زيد (٤) «عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم‌السلام قال : قال على (عليه‌السلام) : الشفعة على عدد الرجال».

هذا ما حضرني من روايات هذا الحكم ، والشيخ قد حمل الروايتين الأخيرتين على التقية ، قال ، لموافقتهما بعض العامة وهو جيد ، ويؤيده أن رواتهما من رجال العامة ، وأنت خبير بأنه مع قطع النظر عن ذلك ، فان هاتين الروايتين لا يبلغ قوة في معارضة الأخبار المتقدمة ، ومن قواعدهم أنهم لا يجمعون بين الاخبار الا مع المعارضة ، والا فإنهم يطرحون المرجوح منها.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢١٠ التهذيب ج ٧ ص ١٦٦ الصحيح في رواية التهذيب والحسن أو الصحيح في رواية الكافي باعتبار إبراهيم ابن هاشم ـ منه رحمه‌الله.

(٢) المستدرك ج ٣ ص ١٤٨.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ١٦٦ الفقيه ج ٣ ص ٤٥.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٤٥.

٣٠٣

وأما جمع الصدوق في الفقيه بينها بحمل الأخبار الدالة على التخصيص بالاثنين على الحيوان خاصة ، وجواز الشفعة مع الكثرة في غيره.

فيرده تصريح جملة من الاخبار الدالة على اشتراط كونها اثنين في غير الحيوان ، مثل مرسلة يونس ، ورواية كتاب الفقه الرضوي ، وهو معتمد عليه عنده ، وقد أكثر الإفتاء بعبائره في كتابه كما قدمنا ذكره ، سيما في كتب العبادات.

وأما قوله في ما تقدم نقله عنه بعد إيراد مضمون مرسلة يونس : يعنى بذلك الشفعة في الحيوان وحده» فهو عجيب من مثله (قدس‌سره) فان سياق كلامه عليه‌السلام أن الشفعة واجبة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع بشرط أن يكون ذلك الشي‌ء بين اثنين لا أزيد ، فأي مجال هنا للتخصيص بالحيوان كما زعمه ، على أن المتبادر من الحيوان في هذه الروايات انما هو الحيوان الغير الأناسي ، كما هو صريح صحيحة الحلبي ، حيث صرح فيها باشتراط الاثنينية في المملوك ، وأنه لا يجوز الشفعة فيه الا بذلك ، ثم نفى الشفعة عن الحيوان ، وحينئذ فيكون الروايات الدالة على اشتراط الاثنينية في العبد مخالفة لما ذكره.

وبالجملة فالأظهر عندي هو القول المشهور ، وحمل خبري السكوني وطلحة بن زيد على التقية. نعم ربما أوهم الدلالة على هذا القول روايتا منصور بن حازم المتقدمتان ، مع اعتبار إسناديهما كما أشرنا إليه آنفا.

ومثلهما رواية عقبة بن خالد (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالشفعة بين الشركاء». وتوجيه الاستدلال بهذه الأخبار بأنها وردت بلفظ الجمع في الشركاء ، وأقله ثلاثة ، وكذا لفظ القوم في إحدى روايتي منصور بن حازم وأجاب الشهيد في الدروس عن روايتي منصور بالحمل على التقية ، قال : لموافقتهما لمذهب العامة ، وهو جيد.

ويمكن الجواب أيضا بحمل الجمع على الاثنين ، فإنه وان كان مجازا على

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٨٠.

٣٠٤

المشهور بين الأصوليين ، الا أنه لا بأس به في مقام الجمع بين الاخبار ، واليه يميل كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، ونقله أيضا عن الاستبصار ، قال : فإنه يصح إطلاق الجمع على الاثنين بل على الواحد ، كالقوم ، وان كان مجازا ، لجمع بين الأدلة ، ثم ذكر الحمل على التقية أيضا.

أقول : ويؤيده ما قدمنا نقله عن كتاب الفقه الرضوي ، حيث أن ظاهر عبارته كون الشريك في هذه الصورة المفروضة في هذا الخبرين واحدا ، كما قدمنا الإشارة إليه.

ثم أقول : لا يخفى أن ما قدمناه في سابق هذا الشرط من التحقيق ، وأن الأصل ـ بمقتضى الأدلة العقلية والنقلية كتابا وسنة والإجماع ـ هو عدم جواز الشفعة التي هي عبارة عن التصرف في مال الغير بغير اذنه ، فيتوقف الخروج عن هذا الأصل الأصيل على دليل واضح صريح صحيح في جواز الشفعة ، والذي دلت عليه الاخبار المعتمدة بصريحها هو التخصيص بصورة ما إذا كانا اثنين خاصة.

وما دل على أكثر ، لتطرق الاحتمال اليه بالحمل على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، واحتمال الحمل على التجوز الذي هو باب واسع في الآيات والروايات ، وكلام البلغاء لا يمكن الخروج به عن ذلك الأصل المشار اليه.

وما ادعاه في المسالك ـ من أن روايات هذا القول أكثر وأوضح دلالة وأن رواية منصور أصح طريقا ـ ففيه أنه لم يورد من روايات القول المشهور إلا رواية عبد الله بن سنان ـ التي قدمنا النقل عنه أنه وصفها بالصحة ـ ومرسلة يونس ، والحال كما عرفت أن دليل القول المشهور هو جملة الروايات التي قدمناها ، وهي أكثر عدوا وأصرح دلالة ، وفيها جملة من الصحاح ، وما ذكره من صحة صحيحة منصور مسلم ، لكنها غير صريحة ، لما عرفت من تطرق الاحتمالات إليها ، بخلاف تلك الروايات.

وكيف كان فإنه ينبغي أن يستثني المملوك من محل الخلاف ، لما تضمنه

٣٠٥

جملة من الاخبار الصحيحة الصريحة في اشتراط وحدة الشريك في صحة الشفعة فيه ، ويجعل محل الخلاف فيما عداه ، وبه يظهر قوة القول الذي نقله المحقق كما قدمنا ذكره في جملة أقوال المسألة : والله العالم.

تنبيه : قال في المسالك ـ بعد تمام البحث في المسألة المذكورة ـ : إذا عرفت ذلك فقد اختلف القائلون بثبوتها مع الكثرة ، هل هي على عدد الرؤوس ، أو على قدر السهام ، صرح الصدوق بالأول ، ونقله الشيخ عنهم مطلقا ، وقال ابن الجنيد : الشفعة على قدر السهام من الشركة ، ولو حكم بها على عدد الشفعاء جاز ، ويدل على الأول رواية طلحة بن زيد «أن عليا (عليه‌السلام) قال : الشفعة تثبت على عدد الرجال».

أقول : ومثلها رواية السكوني أيضا كما تقدم ، وبه يظهر رجحان هذا القول على تقدير العمل بروايات الكثرة ، إلا أنك قد عرفت حمل الخبرين المذكورين على التقية ، والكلام في هذا الفرع لا محصل له على ما اخترناه.

الرابع ـ ما ذكره جملة من المتأخرين كالعلامة في الإرشاد من أن من شروط الشفعة أن يكون مما يمكن قسمته ، ونقل عنه في التذكرة أن هذا شرط عند أكثر علمائنا.

أقول : قد عرفت في صدر المقصد الأول الخلاف في هذا المقام ، وأن المشهور بين المتقدمين وجملة من المتأخرين هو ثبوتها في كل مبيع منقول أو غيره قابل للقسمة أم لا ، فلعل ما نقل عن التذكرة من نسبة هذا القول الى أكثر علمائنا يعنى المعاصرين له ، والا فإن ابن إدريس ومن تقدم كما تقدم ذكره انما هم على خلاف ذلك ، وشهرة هذا القول بين المتأخرين كما تقدم نقله عنهم انما وقع بعد العلامة.

وبالجملة فإن نسبته الى أكثر علمائنا لا يخلو من الاشكال لما عرفت ، وتحقيق الكلام في هذا الشرط قد تقدم في المقصد الأول (١).

__________________

(١) ص ٢٩٩.

٣٠٦

المقصد الثالث في الشفيع

قالوا : وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن ، ويشترط فيه الإسلام إذا كان المشترى مسلما.

أقول. وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع الأول ـ قد عرفت في الشرط الأول من المقصد الثاني أن من شروط الشفعة الشركة بحصة مشاعة ، فلا شفعة فيما قسم ، ولا في الجوار الا فيما تقدم من صورة الاشتراك في الطريق ، كما تقدم تحقيقه.

الثاني ـ قالوا : المراد بالقادر على الثمن ما يشمل القدرة بالفعل أو القوة ، ليدخل فيه الفقير القادر على دفعه ولو بالاقتراض ، واستشكلوا في المماطل والهارب ، لصدق القدرة عليهما بالفعل ، فضلا عن القوة ، فتصح الشفعة بناء على ذلك الحكم ، الا ان اللازم من ذلك الضرر على المشترى ، والظاهر كما استظهره المحقق الأردبيلي عدم صدقه عليهما ، لأنهما في قوة العاجز عن الثمن بل أقبح ، ومن هنا قالوا : لو ماطل القادر على الأداء بطلت الشفعة ، قالوا : ولو ادعى غيبة الثمن فان ذكر أنه ببلده ، أخر ثلاثة أيام من وقت حضوره للأخذ ، وان ذكر أنه ببلد آخر أجل بمقدار ذهابه اليه وأخذه وعوده وثلاثة أيام.

والذي وقفت عليه من الاخبار هنا ما رواه الشيخ في التهذيب عن على بن مهزيار (١) في الحسن قال : «سألت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على أن يحضر المال فلم ينض ، فكيف يصنع صاحب الأرض ان أراد بيعها أيبيعها أو ينتظر مجي‌ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال : ان كان معه في المصر فلينتظر به ثلاثة أيام ، فإن أتاه بالمال والا فليبع وبطلت شفعته في الأرض ، وان طلب الأجل لي أن يحمل المال من بلد الى بلد آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل الى تلك البلدة وينصرف ، وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم ، فان وافاه وإلا فلا شفعة له».

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٦٧.

٣٠٧

وأنت خبير بأن مورد الرواية المذكورة انما هو الشفعة قبل البيع ، وأن الذي ينتظر الشريك الذي يريد أن يبيع لا المشترى ، والأصحاب قد استدلوا بها على الشفعة بعده ، ولعلهم قاسوا حال المشترى على البائع ، وهو مشكل ،

وأيضا فظاهر الخبر الجواز ، أعم من أن يكون في ذلك ضرر أم لا ، وهم قد قيدوا الجواز بعدم الضرر ، وكأنهم قيدوا الخبر بذلك ، لأنه منفي بالعقل والنقل وحينئذ فلو كان البلد بعيدا جدا ويتضرر بالتأخير فلا شفعة ، وما ذكره المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) من المناقشة هنا الظاهر ضعفه (١).

الثالث لا خلاف بين الأصحاب كما نقله في المختلف في الثمن إذا كان من ذوات الأمثال تثبت الشفعة ، إنما الخلاف فيما إذا كان من ذوات القيم ، فذهب الشيخ في الخلاف الى بطلان الشفعة ، ونقله في المبسوط عن بعض أصحابنا ، وهو منقول أيضا عن الطبرسي وابن حمزة ، واختاره العلامة في المختلف (٢).

__________________

(١) حيث قال : وظاهر الرواية غير مقيد بعدم الضرر فكأنهم قيدوا بعدم الضرر ، لأنه منفي بالعقل والنقل ، لكنه غير ظاهر ، لأنا نجد وقوعه في الشرع كثيرا فليس له ضابط واضح خصوصا مع وجود النص. انتهى ، وفيه أن ما ادعاه عن وقوعه في الشرع كثيرا في محل المنع ، ومع تسليمه فيجب الاقتصار به على موضعه ، ويخص به الدليل العقلي والنقلي الدال على عدم جوازه. وما أطلق من هذه الرواية ونحوها يجب تخصيصها بالأدلة المذكورة كما هو مقتضى القواعد المقررة ، وبالجملة ، فإن مناقشته بمحل من الضعف والنظر ـ منه رحمه‌الله.

(٢) أقول : ويؤيد القول بالبطلان أن الشفعة انما يكون بمثل الثمن ، والثمن هنا ليس من ذوات الأمثال ، والقائلون بالجواز انما يوجبون القيمة وقت العقد ، وهي ليست مثل الثمن والمثمن ، ويشير الى ذلك أيضا رواية الغنوي المتقدمة في المقصد الأول ، وقوله فيها فهو أحق بها من غيره بالثمن ، وهو انما يتحقق بالمثل ، لان الحمل على الثمن الحقيقي متعذر فيصار حينئذ إلى أقرب المجازات وهو المثل والمحقق في النافع بعد أن اختار جواز الشفعة نسب القول بسقوط الشفعة إلى رواية

٣٠٨

وقال الشيخ : بصحة الشفعة ، وأنه يأخذ بقيمته ، وبه قال المفيد ، وأبو الصلاح وابن إدريس ، والمحقق في النافع ، والأقرب الأول تمسكا بما ذكرنا من الأصل المتقدم ذكره حتى يقوم الدليل على جواز الشفعة في موضع البحث ، ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابن رئاب (١) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام في رجل اشترى دارا برقيق ومتاع وبز وجوهر قال : ليس لأحد فيها شفعة».

استند أصحاب القول الثاني إلى عموم ثبوت الشفعة ، وفيه أن العموم مخصص بما ذكرناه من الدليل.

الرابع : هل يدخل الموقوف عليه فيمن يجوز له الأخذ بالشفعة أم لا؟ وتوضيح ذلك أنه إذا كان بعض الدار أو الأرض وقفا والبعض الأخر طلقا ، فان بيع الوقف على وجه يصح بيعه فالظاهر أنه لا إشكال في أن للشريك وهو صاحب الطلق الشفعة ، لوجود المقتضى وعدم المانع.

إنما الاشكال والخلاف فيما إذا بيع الطلق ، وقال السيد المرتضى (رضى الله عنه) : لإمام المسلمين وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظرون فيها على المساكين ، أو على المساجد ومصالح المسلمين ، وكذلك كل ناظر بحق في وقف من وصى وولى ، له أن يطالب بشفعته.

وقال الشيخ (٢) في المبسوط : إذا كان نصف الدار وقفا ونصفها طلقا فبيع الطلق

__________________

فيها احتمال ، وقال بعض الأصحاب في الاحتمال المذكور قصر الرواية على موردها ولا يخفى ما فيه من البعد سيما مع اعتضاد الرواية المذكور بما ذكرناه في الأصل منه رحمه‌الله.

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٦٧.

(٢) قال في الكتاب المذكور : لو كانت الدار وقفا وبعضها طلقا فبيع الطلق لم يكن للموقوف عليهم شفعة ولو كان واحدا ، لانه ليس مالكا للرقبة على الخصوص انتهى. منه رحمه‌الله.

٣٠٩

لم يستحق أهل الوقف الشفعة بلا خلاف ، وتبعه المحقق في الشرائع والشهيد في الدروس.

وقال ابن إدريس : ان كان الموقوف ، عليه واحدا صحت الشفعة ، والا فلا ، واختاره العلامة في المختلف واحتج عليه بأنه مع الاتحاد يصدق شريك واحد في بيع ، فكان له الشفعة كالطلق ، ثم نقل عن الشيخ الاحتجاج بعدم انحصار الحق في الموقوف عليه ، وبعدم الانتقال اليه.

قال : والجواب المنع من المتقدمتين وهذا القول هو المشهور بين المتأخرين ، والظاهر أن الخلاف المذكور مبنى على أنه هل ينتقل الوقف الى الموقوف عليه مطلقا ، أو مع اتحاده ، أو لا مطلقا؟ فيرجع كل من الأقوال الثلاثة الى ذلك ، الا أن الشهيد في الدروس ـ مع اختياره في الوقف انتقاله الى الموقوف عليه ـ حكم هنا بعدم الشفعة ، معللا بنقص الملك ، بمعنى أن تملك الموقوف عليه تملك ناقص ، ولهذا لا ينفذ تصرفه فيه ، فلا يتسلط على الأخذ بالشفعة.

وأورد عليه بأن المعتبر في ثبوتها ، الشركة المتحققة بالملك في الجملة ، نقصه بالحجر على المالك في التصرف لا ينافي كونه مالكا ، ومن ثم ثبتت لغيره ممن يجرى عليه في التصرف. أقول : والمسألة لعدم النص في محل الاشكال. والله العالم.

الخامس ـ قد صرح جملة من الأصحاب : بأنه يشترط في الشفيع الإسلام إذا كان المشترى مسلما ، قالوا : لان الشفيع انما يأخذ من المشترى قهرا وأخذه منه على وجه القهر سبيل على المسلم ، وهو منفي بقوله عزوجل (١) «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً».

وفيه أن المراد من الآية المذكورة كما قدمناه في كتاب البيع انما هو السبيل من جهة الحجة ، كما ورد به النص في تفسيرها عنهم عليهم‌السلام وان كانوا (رضوان الله

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٤١.

٣١٠

عليهم) قد أكثروا من الاستدلال بها في مثل هذا الموضع.

نعم يدل على ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، ورواه في الفقيه مرسلا عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس لليهود ولا للنصارى شفعة».

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه (٢) «ولا شفعة ليهودي ولا نصراني ولا مخالف». وهو صريح في عدم جواز الشفعة للمخالف ، وفيه رد على من حكم بإسلام المخالفين من أصحابنا (رضوان الله عليهم) فان الظاهر منهم بناء على حكمهم بإسلام المخالفين ، ثبوت الشفعة لهم ، وأما من يحكم من أصحابنا بكفرهم كما هو المشهور بين المتقدمين فلا ، وكلامه عليه‌السلام هنا مؤيد لذلك ، وفي التقييد في نفى شفعتهم بكون المشترى مسلما إشارة إلى أنه لو كان المشترى منهم فلهم الشفعة ، وهو كذلك بغير خلاف ، وعليه يحمل إطلاق الخبرين المذكورين ايضا (٣) والله العالم.

السادس ـ قد تقدم اشتراط قدرة الشفيع على الثمن ، وحينئذ فلو كان عاجزا عن الثمن فلا شفعة له ، ويتحقق العجز باعترافه بذلك ، والظاهر أن المراد بالعجز ما هو أعم من إعساره عن الثمن ، والعجز عن تحصيله ، ولو على جهة القرض ، بمعنى أنه عاجز عن تحصيله بكل وجه من الوجوه ، لما تقدم من أن المراد بالقدرة ما هو أعم من أن يكون بالفعل أو القوة ، فيدخل فيه الفقير القادر على القرض.

وبذلك يظهر لك ما في كلامه في المسالك حيث قال ـ بعد أن حكم بتحقق العجز باعترافه : وفي تحققه بإعساره وجهان : أجودهما العدم ، لإمكان تحصيله

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٨١ التهذيب ج ٧ ص ١٦٦ الفقيه ج ٣ ص ٤٥.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ١٤٨.

(٣) بمعنى ان إطلاق الخبرين دال على نفى الشفعة أعم من أن يكون المشترى مسلما أم لا ، ولا بد من تقييده بكونه مسلما ، لعدم الخلاف في جواز الشفعة لو كان منهم. منه رحمه‌الله.

٣١١

بقرض ونحوه ، مع أنه سابقا فسر القدرة بما ذكرناه ، من أنها أعم من القادر بالفعل أو القوة ، ليدخل الفقير القادر على القرض.

وحينئذ فإذا كان الفقير القادر على القرض داخلا في القادر على تحصيل الثمن. فلا معنى للتردد في تحقق العجز بالإعسار حتى أنه يتردد هنا في ذلك ، ثم يقول : والأجود العدم ، بل مقتضى ما قدمه أن المعسر ليس بعاجز ، لإمكان تحصيله بالقرض فلا وجه للتردد بالكلية.

ثم أنه حكم في المسالك بأن المعسر ينظر ثلاثة أيام كمدعي غيبته ، وفيه إشكال فإنه مع تسليم دلالة الرواية على ما ادعاه ـ مع ما عرفت آنفا من أن موردها انما هو الشفعة قبل البيع ، فهي خارجة عن محل البحث ، ومحض قياس ، فان مورد النص بناء على ما يدعيه غيبة الثمن ، فإلحاق المعسر به قياس محض.

نعم يمكن أن يقال : ان الرواية ليست صريحة في أن التأخير من حيث غيبة المال ، بمعنى أن المال موجود ولكنه غير حاضر ، بل الظاهر منها ما هو أعم من ذلك ومن عدمه بالكلية ، لأنه قال فيها : «مذهب على أن يحضر المال فلم ينض (١)» اى لم يحصل فجوز عليه‌السلام له النظرة إلى ثلاثة أيام ، وظاهر عدم الحصول هو المعنى الثاني الذي ذكرناه.

ثم انهم حكموا بأن المماطل والهارب كالعاجز لا شفعة بهما ، والمراد بالمماطل هو القادر على الثمن ولا يؤدى ، قال في المسالك : ولا يشترط فيه مضى ثلاثة أيام ، لأنها محدودة للعاجز ، ولا عجز هنا ، ويحتمل الحاقه به بظاهر رواية على بن مهزيار (٢) عن الجواد (عليه‌السلام) بانتظاره ثلاثة أيام حيث لم ينض الثمن. انتهى.

__________________

(١) قال في كتاب المصباح المنير : نض الثمر : حصل وتعجل ، وقال ابن الفوته نض الشي‌ء : حصل ـ الى أن قال ـ لانه يقال ما نض بيدي من شي‌ء : أي ما حصل انتهى. منه رحمه‌الله.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ١٦٧.

٣١٢

وفيه ما عرفت آنفا ثم قال : وأما الهارب فان كان قبل الأخذ فلا شفعة له ، لمنافاته الفورية على القول بها ، وان كان بعده ، فللمشتري الفسخ ، ولا يتوقف على الحاكم لعموم «لا ضرر ولا ضرار».

السابع قد صرح الأصحاب بثبوت الشفعة للغائب والصبي والمجنون ، ويتولى الأخذ وليهما مع الغبطة.

أقول : ويدل عليه بالنسبة إلى الغائب والصبي ما رواه المشايخ الثلاثة عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) اما الكليني والشيخ فبطريق السكوني (١) المتقدم في الموضع الخامس ، وأما الصدوق فبالإرسال عنه (عليه‌السلام) في حديث قد تقدم ذكره في الموضع المشار اليه قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وصى اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة ، إذا كان له فيه رغبة : وقال : للغائب شفعة» (٢). وكأنهم حملوا المجنون على الصبي ، الا أن ظاهر كلامهم أن ثبوت هذا الحكم لهؤلاء انما هو بالأدلة العامة ، دون هذه الرواية.

قال في المسالك ـ بعد ذكر المصنف ثبوتها للغائب والسفيه والمجنون والصبي ـ ما صورته : لا شبهة في ثبوتها لمن ذكر لعموم الأدلة المتناولة للمولى عليه وغيره ، وهو جيد ، مؤيد بالرواية المذكورة ، وحينئذ فثبوت الشفعة للغائب بعد حضوره وان طال زمان الغيبة فيتولى الشفعة بنفسه.

قالوا : ولو تمكن من المطالبة في الغيبة بنفسه أو وكيله فكالحاضر ، وفي حكمه المريض الذي لا يتمكن من المطالبة ، وكذا المحبوس ظلما أو بحق يعجز عن أدائه ، وفيه توقف ، وأما الصبي والمجنون والسفيه فيطالب لهم الولي مع الغبطة كما أشار إليه في الرواية ، لقوله «إذا كان له فيه رغبة» والظاهر أنه لو ترك الولي

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٦٦ الكافي ج ٣ ص ٤٥.

(٢) أقول فيه دلالة على ان الوصي بمنزلة الأب حتى في الأخذ بالشفعة منه رحمه‌الله.

٣١٣

الأخذ مع الغبطة لم يسقط حقهم من الشفعة ، بل لهم الأخذ بها بعد زوال المانع لأن التأخير وقع لعذر كالغائب.

الثامن ـ لا إشكال في أن لولي اليتيم أن يبيع ماله لمصلحته ، كالإنفاق عليه ونحوه ، سواء كان أبا أو جدا أو وصيا ، انما الكلام في ثبوت الشفعة للولي إذا كان شريكا لليتيم في ذلك الشقص ، فقيل : لا يصح بالشفعة مطلقا ، لرضا الولي بالبيع فإنه مسقط للشفعة وان كان قبل العقد ، وبه صرح العلامة في المختلف.

وفصل الشيخ في المبسوط فقال : إذا باع ولى اليتيم حصته من المشترك بينه وبينه ، لم يكن له الأخذ بالشفعة ، الا أن يكون أبا أو جدا ، لأن الوصي متهم ، فيؤثر تقليل الثمن ، ولانه ليس له أن يشترى لنفسه ، بخلاف الأب والجد ، فإنهما غير متهمين ، ولهما أن يشتريا لأنفسهما.

وما ذكره الشيخ هنا من أنه ليس للوصي أن يشترى لنفسه كالأب والجد منعه العلامة في المختلف ، فقال : ويجوز عندنا أن يشترى الوصي لنفسه كالأب والجد.

وظاهر المحقق في الشرائع القول بالجواز مطلقا ، وظاهره في المسالك الميل اليه ، حيث أنه قرره وأوضحه ، ولم يتعرض عليه ، فأجاب عن إبطال الشيخ شفعة الوصي بالتهمة ، بأن المفروض وقوع البيع على الوجه المعتبر ، وأجاب عن تعليل العلامة البطلان برضا الولي ، فقال : ولا يتم أن الرضا بالبائع قبله يسقط الشفعة ، لأن ذلك تمهيد للأخذ بالشفعة وتحقيق لسببه ، فلا يكون الرضا به مسقطا لها ، إذ الرضا بالسبب من حيث هو سبب يقتضي الرضا بالمسبب ، فكيف يسقطه ،

والمسألة لخلوها عن النص محل اشكال ، ومرجع قول المحقق الى تفريع الأخذ بالشفعة على جواز الشراء ، ولا يخلو من قرب والله العالم.

٣١٤

المقصد الرابع في كيفية الأخذ بالشفعة

وفيه مسائل الاولى ـ الظاهر أنه لا خلاف كما نقله في المسالك في أنه لو اشتمل البيع المشفوع على خيار وكان الخيار للمشتري فإن للشفيع الشفعة بنفس العقد ، ولا يتوقف على انقضاء الخيار ، قالوا : لان انتقال الملك عن البائع يحصل بالعقد من غير توقف على انقضاء الخيار ، والشفعة مترتبة على صحة البيع والانتقال إلى المشتري ليؤخذ منه.

وظاهرهم سقوط خياره ، لانتفاء الفائدة من فسخه ، لان غرضه على تقدير الفسخ حصول الثمن ، وقد حصل من الشفيع بالشفعة ، فلا ثمرة تترتب على فسخه ، بخلاف فسخ البائع ، لأن غرضه الرجوع الى المبيع.

وأما لو كان الخيار للبائع أولهما ، أو للبائع وأجنبي ، فإن قلنا بانتقال المبيع بنفس العقد كما هو الأشهر الأظهر ، ثبتت الشفعة ، لحصول المقتضى ، وهو البيع الناقل للملك مع وجود الشريك ، وانتفاء المانع ، إذ ليس الا الخيار وهو غير صالح للمانعية ، لأن غايته كون العقد بسبب الخيار متزلزلا ، ولم يثبت كونه مؤثرا في المنع ، وان لم نقل بالانتقال بنفس العقد ، بل يتوقف على مضى الخيار ، كما هو قول الشيخ ، فلا شفعة حتى ينقضي الخيار ، لأن الشفعة مترتبة على الانتقال والملك ، وهو لا يحصل الا بعد مضى الخيار.

ثم انه على تقدير القول المشهور من الانتقال بنفس العقد ، فهل يسقط خيار البائع بالأخذ بالشفعة؟ لانتقال الملك عن المشتري ، لأن البائع إذا فسخ انما يرجع على المشترى ، والحال أن المبيع قد خرج عن ملك المشترى ، وصار الى مالك آخر أم لا يسقط؟ لأن الأصل بقاء الخيار ، فان فسخ البائع أو ذو الخيار بطلت الشفعة ، وان لم يفسخ حتى انقضت مدة الخيار ثبتت الشفعة ، قولان : وثانيهما لا يخلو من قوة ، وهو اختياره في المسالك.

بقي هنا شي‌ء ينبغي التنبيه عليه ، وهو أن ما ذكرنا من التفصيل من كون الخيار

٣١٥

للمشتري أو للبائع ، وأنه على الأول ينتقل المبيع إلى المشتري ، بخلاف الثاني لما فيه من الخلاف ، صرح به الشيخ في الخلاف والمبسوط في باب الشفعة ، مع أنه في الخلاف في باب الخيار من كتاب البيع قال : انه إذا كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد ، لكنه لم ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار فإذا انقضى ملك المشترى بالعقد الأول.

ومقتضى هذا الكلام التسوية عنده بين البائع والمشترى في عدم ثبوت الشفعة مع الخيار مطلقا ، لعدم انتقال الملك إلى المشترى ، والشفعة متوقفة على ذلك كما اعترف به هو وغيره ، الا أنه لما كان هذا القول لم يقل به غيره ـ مع موافقته في باب الشفعة من الخلاف والمبسوط على ما قدمنا نقله عنه ـ لم يتحقق الخلاف في المسألة زيادة على ما قدمناه من التفصيل

الثانية ـ لا يخفى أن مقتضى الأدلة الدالة على الشفعة ، هو استحقاق الشفيع لمجموع الشقص المشترك إذا أخذه بالشفعة ، وأن ذلك حقه شرعا ، وحينئذ فهل له تبعيض حقه بأن يشفع في بعضه ويترك بعضا أم لا؟ ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف هو الثاني ، لما في التبعيض من الإضرار بالمشتري ، ولا يناسب بناء الأخذ بالشفعة الذي شرع لدفع الإضرار على الإضرار.

والأظهر في تعليل ذلك انما هو ما قدمناه من أن الأصل بمقتضى الأدلة العقلية والنقلية كتابا وسنة هو عدم الأخذ بالشفعة ، فيقتصر في جواز الأخذ بها على ما قام عليه الدليل ، والاخبار الواردة بالشفعة على كثرتها وتعددها انما وردت باعتبار المجموع ، وما عداه تبقى صحته موقوفة على الدليل.

ومما فرعوه على ذلك أنه لو قال : أخذت نصف الشقص بناء على اعتبار وجوب الفورية ، بطلت شفعته ، لأن المأخوذ لا تصح الشفعة فيه لما عرفت ، وأما الباقي فإن ظهر منه إسقاط حقه منه فظاهر ، والا فقد حصل التراخي الموجب لفوات الفورية ، وحينئذ فتبطل الشفعة في الجميع.

وربما قيل بالصحة في الجميع إذا وقعت الشفعة على الوجه المذكور نظرا

٣١٦

الى أن أخذ البعض يستلزم أخذ الجميع لعدم صحة أخذه وحدة ، وضعفه ظاهر ، لمنع الاستلزام ، وجواز تعلق الغرض بالبعض خاصة.

الثالثة ـ مقتضى الأدلة وبه صرح الأصحاب أنه يأخذه بالثمن الذي وقع العقد عليه وان كان قيمة الشقص المشفوع في حد ذاته أكثر أو أقل ولا يلزمه ما يغرمه المشترى من المؤن كأجرة الدلال والوزان ونحو ذلك ، والمراد من أخذه بالثمن يعنى مثله ، لعدم إمكان الأخذ به نفسه غالبا.

الرابعة ـ يدفع الشفيع مثل الثمن لو كان الثمن مثليا كالذهب والفضة بلا خلاف ، وانما الخلاف فيما لو كان قيميا كالحيوان والثوب والجواهر ونحوها ، فهل تصح الشفعة أم لا؟ وقد تقدم نقل الخلاف المذكور في الموضع الثالث من سابق هذا المقصد (١) وذكرنا أن الأقرب العدم ، الا أن لشيخنا الشهيد الثاني هنا في المسالك كلاما يتضمن نصرة القول بالصحة لم ننقله فيما سبق ، ولا بأس بنقله ، وبيان ما فيه.

قال بعد الطعن في رواية ابن رئاب المتقدمة : ودلالته على موضع النزاع ممنوعة ، فان نفى الشفعة أعم من كونه بسبب كون الثمن قيميا أو غيره ، إذ لم يذكر أن في الدار شريكا ، فجاز نفى الشفعة لذلك عن الجار وغيره ، أو بكونها غير قابلة للقسمة أو لغير ذلك.

وبالجملة فإن المانع من الشفعة غير مذكور وأسباب المنع كثيرة فلا وجه لحمله على المتنازع أصلا ، والعجب مع ذلك من دعوى أنها نص في الباب ، مع أنها ليست من الظاهر فضلا عن النص انتهى.

أقول : لا يخفى على المتدرب في الصناعة ، والمتأمل في الاخبار بعين التدبر والاعتبار أن الأجوبة فيها انما تخرج على وفق ما يفهم من الاسؤلة وما يظهر منها.

ومن الظاهر أن السؤال في الرواية المشار إليها انما أريد به من حيث الشراء

__________________

(١) ص ٣٠٨.

٣١٧

بذلك الثمن ، وأنه هل يجوز الشفعة إذا كان الشراء بهذا الثمن أم لا؟ ولو كان المراد من السؤال معنى آخر من كون الدار لا شريك فيها ، وأن المراد نفى الشفعة بالجوار لما كان لذكر القيمة وجه بالكلية ، ولكان حق السؤال التصريح بذلك ، وأن يؤتى بعبارة تؤدي هذا المعنى ، والا فإن فهمه من عبارة الخبر انما هو من قبيل التعمية ، والألغاز الذي هو بعيد عن الحقيقة بمراحل بل المجاز.

وبالجملة فإن غاية ما يتعلق به هنا هو إطلاق الشفعة في الدار من غير تصريح بكونها مشتركة ، ومثل هذا الإطلاق في الاخبار أكثر كثير ، اعتمادا على قرائن الحال وقت السؤال ، كما لا يخفى على الناظر فيها ، وسياق السؤال في الخبر المذكور ظاهر فيما قلناه ، وهو الذي فهمه من عداه من الأصحاب كالشيخ والعلامة وغيرهما.

واستدل جملة من الأصحاب منهم العلامة في المختلف على المنع أيضا بحسنة هارون بن حمزة الغنوي المتقدمة ، بقوله فيها «وهو أحق بها من غيره بالثمن» وهو انما يتحقق في المثلي ، لأن الحقيقة غير مرادة إجماعا ، فيحمل على أقرب المجازات إلى الحقيقة وهو المثل.

ثم انه على تقدير القول بثبوت الشفعة مع كون الثمن قيميا فهل المعتبر قيمته وقت العقد؟ لانه وقت استحقاق الثمن ، والعين متعذرة ، فوجب الانتقال إلى القيمة ، أو المعتبر وقت الأخذ؟ لوجوبه حينئذ على الشفيع ، فيعتبر قيمته وقت الوجوب بتعذر العين ، أو يعتبر الأعلى من وقت العقد الى وقت الأخذ كالغاصب؟ أقوال : أضعفها الأخير وأشهرها الأول.

الخامسة ـ ظاهر متأخري الأصحاب أنه يجب على المشترى دفع الشقص المشفوع بعد الشفعة ما لم يدفع الشفيع الثمن ، فاعتبروا هنا دفع الثمن أولا ، ولم يعتبروا ذلك في غير باب الشفعة من المعاوضات كالبيع وغيره ، بل صرحوا ثمة بوجوب التسليم على الجميع من غير أولوية تقدم أحدهما على الأخر.

قيل : ووجه الفرق بين الشفعة وغيرها لأن الشفعة معاوضة قهرية ، أخذ العوض

٣١٨

فيها بغير رضا المشترى ، فجبر وهن قهره بتسليم الثمن إليه أولا ، بخلاف البيع ، فان مبناه على الاختيار ، فلم يكن أحد من المتبايعين أولى بالبدأة من الأخر.

قال شيخنا في المسالك ونعم ما قال : وهذه في الحقيقة علة مناسبة ، لكن لا دلالة في التعويض عليها ، وإثباتها بمجرد ذلك لا يخلو من اشكال.

نعم اعتبرها العامة في كتبهم وهي مناسبة على قواعدهم ، ولو قيل هنا المعتبر التقابض كالبيع كان وجها انتهى.

وكيف كان فالظاهر أن الشفيع يملك الشقص بمجرد الشفعة ، كما أن المشترى يملك المبيع بمجرد العقد ، لكن هل يتم الملك بمجرد الأخذ القولي بدون تسليم الثمن ، أم يتوقف على التقابض؟ قولان : وعلى الأول هل يكون دفع الثمن جزءا من السبب للملك؟ أم كاشفا عن حصول الملك بالأخذ القولي؟ وجهان : ويظهر الفائدة في النماء المتخلل ، والأقرب أن الكلام هنا كما حققناه في البيع من أن كلا منهما قد وجب عليه تسليم ما انتقل عنه الى صاحبه ، ولا أولوية في تقدم أحدهما على الآخر ، وعدم دفع أحدهما لو أحل بما وجب عليه ، لا يقتضي جواز التأخير للآخر مع وجوب الدفع عليه والله العالم.

السادسة ـ المشهور وجوب الفورية في الشفعة ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة والطبرسي والعلامة ، ونقله في المختلف عن والده ، وادعى الشيخ عليه الإجماع.

وقال السيد المرتضى (رضى الله عنه) أنها على التراخي ، ولا تسقط إلا بالإسقاط ، وادعى عليه الإجماع ، وبه قال ابن الجنيد ، والشيخ على بن بابويه ، وابن إدريس ، وظاهر كلام أبى الصلاح ، وبالأول قال الشهيدان في اللمعة وشرحها ، والمحقق في الشرائع وغيرهم.

وظاهر الشهيد الثاني في المسالك التوقف في المسألة ، وفي الدروس بعد أن نقل أولا القول بالفورية عن الشيخ واتباعه ، ثم نقل العدم عن المرتضى ومن

٣١٩

تبعه ، قال : ولم نظفر بنص قاطع من الجانبين ، ولكن في رواية على بن مهزيار (١) دلالة على الفور مع اعتضادها بنفي الضرر عن المشتري ، لأنه ان تصرف كان معرضا للنقص ، وان أهمل انتفت فائدة الملك ، الى أن قال : والوجه الأول لما اشتهر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) «الشفعة كحل عقال». أي إذا لم يبتدر فات كالبعير يحل عقاله انتهى.

وظاهر صدر كلامه التوقف في المسألة ، لعدم النص القاطع ، وفي آخر كلامه جزم باختيار القول الأول ، للخبر الذي ذكره مع أنه عامي كما صرح به الشهيد الثاني في الروضة ، وهو كذلك فانا لم نقف عليه في كتب أخبارنا.

احتج القائلون بالقول الأول بأن الأصل عدم الشفعة ، وعدم التسلط على ملك الغير بغير رضاه ، فيفتقر فيها على موضع الوفاق ، ولأن التراخي فيها لا ينفك عن ضرر على المشترى ، فإنه لا يرغب في عمارة ملكه مع علمه بتزلزله ، وانتقاله عنه فيؤدي إلى تعطيل حكمة ملكه ، وذلك ضرر عظيم.

واحتج في المختلف أيضا على ذلك برواية على بن مهزيار التي أشار إليها في الدروس بأن فيها دلالة ما ، وهذه الرواية قد تقدمت في صدر المقصد الثالث ، قال بعد إيرادها ، وجه الاستدلال أنه عليه‌السلام حكم ببطلان الشفعة بعد مضى ثلاثة أيام ، ولو كان حق الشفعة ثابتا على التراخي لم تبطل شفعته ، بل كانت تثبت له متى حصل الثمن ، لأنها تثبت كذلك وان لم يطالب ، فلا تؤثر المطالبة بها الذي هو أحد أسباب وجودها في عدمها.

احتج الآخرون بالإجماع الذي ادعاه المرتضى ، وبأن البيع سبب في استحقاق الشفعة ، والأصل ثبوت الشي‌ء على ما كان عملا بالاستصحاب.

قال المرتضى (رضى الله عنه) : ويقوى ذلك أن الحقوق في أصول الشريعة وفي العقول أيضا لا تبطل بالإمساك عن طلبها ، فكيف خرج حق الشفعة عن أصول

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٦٧.

(٢) سنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٣٥ ط دار احياء الكتب العربية ستة ١٣٧٣.

٣٢٠