الحدائق الناضرة - ج ٢٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام القول قول صاحب المال مع يمينه» ، ونحوها الموثقة الأخرى ،

وبعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين احتمل في صحيحة ابن ابى يعفور الحمل على التقية ، أو على ما إذا اعترف بالمال ، وأنكر الرهن أو على ما إذا دلت عليه القرائن.

أقول : ومرجع الثاني من هذه الاحتمالات الثلاثة الى ما ذهب اليه ابن حمزة واحتج في الكفاية بقول الشيخ والصدوق حيث اختاره بروايات الثلاثة ، قال : ويدل على قول الشيخ أخبار ثلاثة أحدها ـ صحيحة أبان أوردها الصدوق في الفقيه وثانيها ـ رواية عبد الله بن أبى يعفور ، وثالثها ـ رواية عباد بن صهيب. انتهى ملخصا.

وفيه أن رواية أبان المروية في الفقيه هي بعينها رواية ابن أبى يعفور التي رواها الشيخ ، الا أن الشيخ نقلها عن أبان عن ابن أبى يعفور ، والصدوق في الفقيه نقلها عن أبان عن أبى عبد الله من غير واسطة ابن أبى يعفور ، والمتن واحد ، فعدها روايتين مجازفة ، نعم هي في الفقيه صحيحة ، وفي التهذيب موثقة.

وباختيار القول المشهور صرح أيضا المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، اعتمادا على صحيحة محمد بن مسلم ، وضعف ما عارضها بناء على ما ذكره العلامة وصاحب المسالك ولم يقف على رواية صاحب الفقيه التي ذكرناها.

وأما ما ذكره ابن حمزة مما قدمنا نقله عنه ، فالظاهر أن وجهه الجمع بين أخبار المسألة ، فإن الاعتراف بالدين قرينة على صحة دعوى الرهن ، وفيه ما لا يخفى من أن بناء الأحكام الشرعية على هذه الاحتمالات مجازفة محضة.

وبالجملة فالمسألة في محل من الاشكال لتعارض الأخبار المذكورة ، وبعد ما ذكروه من التأويلات في كل من الجانبين مع تعارضها كما عرفت والله العالم.

المسألة الثالثة ـ إذا تلف الرهن بتفريط المرتهن واختلفا في القيمة فهاهنا مقامان الأول ـ أنه هل القول في ذلك قول الراهن أو المرتهن؟ المشهور الأول ، وهو

٢٨١

قول الشيخين ، وسلار وأبى الصلاح. وابن البراج ، وابن حمزة ، وابن الجنيد.

وقال ابن إدريس : القول قول المرتهن ، وتبعه المحقق والعلامة وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين ، وعلله في المسالك بأنه منكر الزائد ، والأصل عدمه ، وبراءته منه ، ثم نقل عن الأكثر الاستناد فيما ذهبوا إليه الى أن المرتهن صار خائنا فلا يقبل قوله ، قال : ويضعف بانا لم نقبل قوله من هذه الحيثية ، بل لما ذكرناه.

أقول : ومرجعه الى أن خيانته وسقوط عدالته الموجب لرد قوله لا يوجب سقوط ما دلت عليه الاخبار من (١) «أن البينة على المدعى واليمين على المنكر». وبذلك يظهر قوة القول الثاني.

المقام الثاني في تعيين القيمة هل هي قيمته يوم هلاكه أو يوم قبضه أو أعلى القيم؟ أقوال : والمشهور الأول ، نظرا إلى أنه وقت الحكم بضمان القيمة ، لأن الحق قبله كان منحصرا في العين وان كانت مضمونة.

والثاني مذهب المحقق في الشرائع ، واعترضه في المسالك قال : وحكم المصنف باعتبار قيمته يوم قبضه مبنى على أن القيمي يضمن بمثله ، ومع ذلك ففي اعتبار يوم القبض نظر ، لانه ثم لم يكن مضمونا ، فينبغي على ذلك اعتبار المثل يوم الضمان انتهى.

وأما القول الثالث فقد اختلفوا في تشخيصه ، وما المراد من هذه العبارة هل المراد أعلى القيم من يوم القبض الى يوم التلف؟ كما نقله المحقق في النافع قولا في المسألة ، نسب الى الشيخ في المبسوط أو المراد أعلى القيم من يوم التلف الى حكم الحاكم عليه بالقيمة؟ كما هو قول ابن الجنيد أو المراد أعلى القيم من حين التفريط الى وقت التلف؟ وهو ظاهر العلامة ، واختاره ابن فهد في موجزه ، قال : لانه من حين التفريط كالغاصب ، وأطلق جماعة من غير إشارة الى هذه الأقوال.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.

٢٨٢

ويضعف القول الأول من هذه الأقوال الثلاثة بأنه غير مضمون قبل التفريط ، فلا وجه لاعتبار قيمته ، وحمله على الغاصب قياس مع الفارق (١) ويضعف قول ابن الجنيد بأن المطالبة لا دخل لها في ضمان القيمة ، بل الضمان ثابت وأن لم يطالب.

أقول : والأنسب بالقواعد من هذه الأقوال أن يقال : ان قلنا في الغاصب بأن الواجب عليه أعلى القيم ، وجب هنا على المرتهن أعلى القيم من حين التفريط الذي صار به كالغاصب الى وقت التلف ، وان قلنا بأن الواجب عليه قيمة يوم التلف فكذا هنا ، أعنى الحكم بقيمة يوم التلف إذا كان اختلاف القيم بسبب السوق أو بسبب نقص في العين غير مضمون ، أما لو كان مضمونا كما لو فرط فنقصت العين بهزال ونحوه ، تعين الأول ، وهو أن يعتبر أعلى القيم من حين التفريط الى حين التلف ، هذا كله فيما إذا كان الرهن قيميا.

أما لو كان مثليا فإنه يضمن بمثله ان وجد ، والا فقيمة المثل يوم الأداء على الأظهر ، لأن الواجب قبل التعذر انما كان المثل ، وانما وقع الرجوع الى القيمة بعد تعذره ، بخلاف القيمي فإن القيمة استقرت في الذمة من حين التلف قطعا ، وانما وقع الاختلاف والاشتباه في قدرها بسبب الاعتبارات المتقدمة والله العالم.

المسألة الرابعة ـ إذا اذن المرتهن للراهن في البيع ثم رجع فاختلفا ، فقال المرتهن رجعت قبل البيع ، وبموجبه يكون الرهن باقيا ، والبيع باطل ، وقال الراهن : انما رجعت بعد البيع فالبيع صحيح ، والرهن باطل.

قيل : القول هنا قول المرتهن ، ترجيحا لجانب الوثيقة ، بمعنى أن الدعويين متكافئان ، وذلك أن الراهن يدعى تقدم البيع على الرجوع ، والأصل عدمه ، والمرتهن يدعى تقدم الرجوع على البيع ، والأصل أيضا عدمه ، فقد تعارض الأصلان

__________________

(١) فإنه في الغاصب مضمون عليه بمجرد الغصب ، بخلاف الرهن فإنه قبل التفريط غير مضمون منه رحمه‌الله.

٢٨٣

فيتساقطان ، ويبقى حكم الرهن على العين باقيا ، لأن الأصل بقاء الرهن واستصحابه ، وبه يظهر أن القول قول المرتهن.

وقيل : ان أصالة بقاء الرهن معارض بأصالة بقاء البيع ، فان وقوعه معلوم كما ان وقوعه الرهن معلوم فيتعارضان أيضا ويتساقطان ويبقى ، مع الراهن ملكية المرتهن ، وصحة تصرفه فيه المتفرع على ذلك ، «فان الناس مسلطون على أموالهم» فيكون القول حينئذ قول الراهن ، ويمكن أن يجاب عنه بأن الرجوع هنا متحقق ، وأصالة بقاء البيع لو لم يكن المانع متحققا ، والمانع وهو الرجوع هنا موجود.

وبالجملة فالمسألة محل اشكال لعدم النص فيها ، والرجوع الى هذه التعليلات العقلية ، سيما مع تعارضها وتدافعها غير جائز عندي ، لما دلت عليه الآيات والروايات من انحصار أدلة الأحكام الشرعية في الكتاب والسنة ، ولأصحابنا في هذا الباب فروع أكثروا فيها من البحث ، طوينا ذكرها في هذا الكتاب لما ذكرناه والله العالم بحقائق أحكامه ، ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.

كتاب الشفعة

وعرفها المحقق في الشرائع بأنها استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه بسبب انتقالها بالبيع ، واعترضه في المسالك في هذا التعريف ، وأطال في ذلك وأجاب عنه المحقق الأردبيلي منتصرا للمحقق بما لا مزيد فائدة في التعرض الى نقله.

ولهذا قال المحقق المذكور في آخر كلامه ، ونعم ما قال : ثم إني أظن عدم مناسبة هذه المضايقات في هذه التعريفات اللفظية في الفقه التي المقصود منها التمييز في الجملة ، ولكن لما تعرض الشارح لأمثالها أطنبت فيه بما عرفت ، فخرجت عن مقصود التعلق بذلك ، ولدفع الشبهة عن مثل المحقق وغيره ، والا فظني أن التوجه الى مثلها والتعرض للعبارات غير مناسب ، وليس وظيفة الفقيه ، بل ينبغي له ان يبذل جهده في تحقيق المسألة وتحريرها وتوضيحها مع الخفاء ، ودليلها وإثباتها لا غير انتهى ملخصا. وعلى ما ذكره «قدس‌سره» قد جرينا في هذا الكتاب كما لا يخفى على

٢٨٤

من لاحظه في جميع الأبواب.

وكيف كان فالكلام في هذا الكتاب يقع في مقاصد الأول فيما تثبت فيه الشفعة ، لا خلاف بين الأصحاب كما نقله غير واحد في ثبوتها في العقار الثابت القابل للقسمة كالأراضي والبساتين والمساكن ، وانما الخلاف فيما عدا ذلك.

فذهب جملة من المتأخرين وأكثر المتقدمين الى ثبوتها في كل مبيع ، منقولا كان أم لا ، قابلا للقسمة أم لا ، واليه مال الشهيد في الدروس ونفى عنه البعد ، وقيده جماعة بالقابل للقسمة ، وحكم بعضهم بثبوتها للمقسوم أيضا ، ونقله في المسالك عن ابن أبى عقيل.

وذهب أكثر المتأخرين إلى اختصاصها بغير المنقول عادة مما يقبل القسمة ، وأضاف بعض هؤلاء العبد ، دون غيره من المنقولات ، ولا بأس بنقل جملة من عبائر المتقدمين.

قال الشيخ في النهاية : كل شي‌ء كان بين الشريكين من ضياع أو عقار أو حيوان أو متاع ثم باع أحدهما نصيبه كان لشريكه المطالبة بالشفعة ، ثم قال : ولا شفعة فيما لا يصح قسمته وهو ظاهر في الشفعة في المنقولات القابلة.

وقال في الخلاف : لا شفعة في السفينة وكلما يمكن نقله من الثياب والحيوان والجرب والسفن وغير ذلك عند أكثر أصحابنا ، وعلى الظاهر من رواياتهم ، وحكى المالك أن الشفعة في كل شي‌ء من الأموال والثياب والطعام والحبوب والحيوان ، وفي أصحابنا من قال بذلك ، وهو اختيار المرتضى رحمه‌الله.

وقال الصدوق في المقنع : لا شفعة في سفينة ، ولا طريق ، ولا حمام ، ولا رحى ، ولا نهر ، ولا ثوب ، ولا في شي‌ء مقسوم ، وهي واجبة في كل شي‌ء عدا ذلك من حيوان وأرض ورقيق وعقار ، ورواه في الفقيه وقال أبوه؟ الشفعة واجبة في كل شي‌ء من حيوان أو عقار أو رقيق إذا كان الشي‌ء بين شريكين ، وليس في الطريق شفعة ، ولا في نهر ، والارحى ، ولا في حمام ، ولا في ثوب ، ولا في شي‌ء مقسوم.

وقال ابن أبى عقيل : لا شفعة في سفينة ولا رقيق.

٢٨٥

وقال المرتضى مما انفردت به الإمامية إثباتهم حق الشفعة في كل شي‌ء من المبيعات من عقار وضيعة ومتاع وعروض وحيوان ، كان ذلك مما يتحمل القسمة أو لا يتحملها ، ونقل ذلك عن ابن الجنيد وأبى الصلاح وابن البراج وابن إدريس.

قال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والمعتمد أنها انما تثبت فيما يصح قسمته خاصة إلا المملوك ، وظاهره ما يصح قسمته منقولا كان أو غير منقول.

وقال المحقق في النافع وفي ثبوتها في الحيوان قولان : المروي أنها لا تثبت ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره ، والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من الاخبار المتعلقة بالمقام ثم النظر فيما يظهر منها من الأحكام.

فمن الاخبار المشار إليها ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن عقبة بن خالد (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام «قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن ، وقال : لا ضرر ولا ضرار ، وقال : إذا أرفت الأرف ـ وفي الفقيه وقال الصادق عليه‌السلام : إذا أرفت ـ وحدت الحدود فلا شفعة». قال الفيومي في كتاب المصباح المنير : «الأرفة الحد الفاصل بين الأرضين ، والجمع أرف مثل غرفة وغرف» انتهى وحينئذ فالعطف في قوله وحدت الحدود تفسيري.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن يونس (٢) عن بعض رجاله عن أبى عبد الله «عليه‌السلام» وفي الفقيه عن أبى عبد الله عليه‌السلام مرسلا «قال : سألته عن الشفعة لمن هي؟ وفي أي شي‌ء هي؟ ولمن تصلح وهل تكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ فقال : الشفعة جائزة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره ، وان زاد على الاثنين فلا شفعة ، لأحد منهم». وزاد في الكافي وروى أيضا : أن الشفعة لا تكون إلا في الأرضين والدور فقط.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٨٠ التهذيب ج ٧ ص ١٦٤ الفقيه ج ٣ ص ٤٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٨١ التهذيب ج ٧ ص ١٦٤ الفقيه ج ٣ ص ٤٦.

٢٨٦

وما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا شفعة في سفينة ، ولا في نهر ، ولا في طريق».

وما رواه الصدوق في الفقيه عن السكوني (٢) «عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن على عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا شفعة في سفينة ، ولا في نهر ، ولا في طريق ، ولا في رحى ، ولا في حمام».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن سليمان بن خالد (٣) في الموثق عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس في الحيوان شفعة».

وعن عبد الله بن سنان (٤) بسند صحيح وآخر موثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه فقال أحدهما : أنا أحق به إله ذلك؟ قال : نعم إذا كان واحدا».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن الحلبي (٥) «عن أبى عبد الله «عليه‌السلام» : أنه قال في المملوك يكون بين الشركاء فيبيع أحدهم نصيبه فيقول صاحبه : أنا أحق به إله ذلك؟ قال : نعم إذا كان واحدا ، قيل له في الحيوان شفعة؟ فقال : لا».

وما رواه في الفقيه عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن عبد الله بن سنان (٦) قال : «سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه؟ قال : يبيعه ، قلت : فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلما أقدم على البيع قال له شريكه : أعطني قال : هو أحق به ، ثم قال عليه‌السلام لا شفعة في حيوان الا أن يكون الشريك فيه واحدا».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٨٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٤٦.

(٣ ـ ٤) التهذيب ج ٧ ص ١٦٥.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ١٦٦.

(٦) الفقيه ج ٣ ص ٤٦.

٢٨٧

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) «وروى أن الشفعة واجبة في كل شي‌ء من الحيوان والعقار والرقيق إذا كان بين شريكين ، فباع أحدهما فالشريك أحق به من الغريب ، وإذا كان الشركاء أكثر من اثنين فلا شفعة لواحد منهم الى أن قال وروى أنه ليس في الطريق شفعة ، ولا في النهر ، ولا في رحاء ، ولا في حمام ، ولا في ثوب ، ولا في شي‌ء مقسوم». انتهى.

هذا ما حضرني من أخبار المسألة وباختلافها كما ترى اختلف كلام الأصحاب ويدل على القول الأول من هذه الاخبار مرسلة يونس المتقدمة ، وهو ظاهر الرواية الاولى من الروايتين المنقولتين في كتاب الفقه الرضوي.

الا أن هذا العموم مما ينافيه جملة من أخبار المسألة كالمرسلة المنقولة من الكافي ، الدالة على انحصار الشفعة في الأرضين والدور ، والظاهر ان المراد منها العقار مطلقا ، وما ذكر فيها من الفردين المذكورين انما خرج مخرج التمثيل ، ونحوها مفهوم رواية عقبة بن خالد الدالة على الأرضين والمساكن ، فإنها وان لم يكن مثل الاولى صريحة ، الا ان ظاهرها ذلك والاخبار الدالة على نفى الشفعة في السفينة والنهر في الطريق.

وفي رواية السكوني وكذا رواية كتاب الفقه اضافة الرحى والحمام ، وهو فتوى الشيخ على بن بابويه كما تقدم ، والظاهر أن مستنده انما هو الكتاب المذكور كما عرفته في غير موضع ، ولا سيما في كتب العبادات.

وأما صحيحة الحلبي الدالة على نفى الشفعة في الحيوان يعنى غير الأناسي بقرينة جوازها في العبد وكذا موثقة سليمان بن خالد فيجب تقييدها بما دل عليه رواية ابن سنان من الجواز إذا كان بين شريكين ، فيخص النفي بما إذا كان أزيد وبذلك يظهر ضعف القول المذكور.

ويمكن تأييد مرسلة يونس المذكورة بما رواه في الكافي والتهذيب عن

__________________

(١) المستدرك ج ٣ ص ١٤٨.

٢٨٨

هارون بن حمزة الغنوي (١) ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الشفعة في الدور أشي‌ء واجب للشريك ويعرض على الجار فهو أحق بها من غيره؟ فقال : الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من غيره بالثمن».

وعن جميل بن دراج (٢) عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «الشفعة لكل شريك لم يقاسم».

وأما القول المشهور بين أكثر المتأخرين وهو اختصاصها بغير المنقول عادة مما يقبل القسمة ، فقد استدل عليه بأن الأدلة عقلا ونقلا كتابا وسنة مما تدل على عدم جواز التسلط على مال المسلم الا بطيب نفسه منه ، والأخذ بالشفعة مناف لذلك ، خرج منه ما وقع عليه الإجماع ، وهو ما لا ينقل ، وبقي الباقي تحت المنع بالأدلة المتقدمة.

ويؤيده مرسلة الكافي المتقدمة ، وما ورد من نفى الشفعة في الجملة من المعدودات في الاخبار كالسفينة والنهر ونحوهما مما تقدم ، والحيوان في روايتي الحلبي وسليمان بن خالد ، ولا ينافي ذلك صريحا إلا مرسلة يونس ، وقد حملها بعض محققي متأخري المتأخرين على التقية.

أقول : ومثلها رواية كتاب الفقه فإنه يجب حملها على ذلك أيضا ، إلا أنك قد عرفت أن روايتي الحلبي وسليمان بن خالد مخصصان برواية عبد الله بن سنان ، فيشكل حينئذ الاستناد إليهما في ذلك ، وأما التقييد بقبول القسمة فاستدل عليه بالأخبار الدالة على نفى الشفعة في السفينة ونحوها مما ذكر في رواية السكوني وغيرها.

وأنت خبير بأنه لا دلالة فيها على ذلك ، إذ لا تعرض فيها لذكر القسمة وعدمها ، وكأنهم بنوا على أن العلة في النفي في هذه الأفراد انما هي من حيث عدم قبول هذه الأشياء القسمة.

__________________

(١ ـ ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٨١ و ٢٨٠ التهذيب ج ٧ ص ١٦٤.

٢٨٩

وفيه أن هذه علة مستنبطة لا يجوز العمل عليها عندنا. نعم يمكن الاستدلال عليه بما في رواية عقبة بن خالد من قوله عليه‌السلام «إذا رفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة». وفي معناها روايات أخر ، فإن ظاهرها أنه لا شفعة إلا فيما يقع فيه الحدود ، وتضرب له الطرف ويقع فيه السهام.

وأما القول بثبوتها في المقسوم كما ذهب اليه ابن ابى عقيل ، فيرده رواية عقبة بن خالد ، والرواية الثانية من روايتي كتاب الفقه الرضوي ، ومرسلة جميل بن دراج المتقدمة هنا ، ورواية محمد بن مسلم (١) «عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة». ونحوه روايات أخر أعرضنا عن ذكرها فالقول المذكور بمحل من الضعف والقصور.

وأما ما ذكره المحقق في النافع من القول بعدم ثبوتها في الحيوان.

ففيه ما عرفت من أنه وان دل على ذلك بعض الأخبار الا أن البعض الآخر دل على جوازها مع اتحاد الشريك ، فيجب تقييد ما أطلق به.

وكيف كان فالمسألة لا تخلو من الاشكال ، والقدر المعلوم جواز الشفعة فيه هو ما وقع عليه الاتفاق مما قدمنا ذكره ، وما عداه فهو محل توقف واشكال.

نعم يمكن القول بالجواز في العبد ، لدلالة جملة من الاخبار عليه ، ومنها صحيحة عبد الله بن سنان ، وصحيحة الحلبي ، ورواية عبد الله بن سنان الثانية ، وظاهر جملة من المتأخرين التوقف في المسألة ، كشيخنا الشهيد الثاني في المسالك والمحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، والمحدث الكاشاني ، في المفاتيح ، والفاضل الخراساني في الكفاية ، وهو في محله بالنسبة الى ما عدا ما ذكرناه والله العالم.

تنبيهات

الأول ـ إذا بيعت الأرض وما فيها من نخل أو شجر أو أبنية فالظاهر ثبوت الشفعة

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٨٠.

٢٩٠

في تلك التي في الأرض تبعا لها ، بل الظاهر أنه لا اشكال فيه لدخولها في عموم النصوص الدالة على ثبوتها في الرباع والمساكن والدور ، كما تقدم في رواية عقبة بن خالد ، ومرسلة الكافي وللرواية الاولى من روايتي كتاب الفقه ، ورواية الغنوي.

أما لو بيعت منفردة نازعة عن تلك الأرض أو منضمة إلى أرض أخرى غير ما هي فيها بنى جواز الشفعة فيما على ما تقدم من القول بالعموم في كل مبيع ، فتجوز الشفعة فيها.

وعلى ما قيل : من التخصيص بالأرضين والمساكن والبساتين كما هو المتفق عليه ، فإنه لا شفعة فيها ، لأنها لا تدخل منفردة في شي‌ء من هذه المذكورات ، لان المساكن اسم للمجموع المركب من الأرض والأبنية التي فيها ، وكذا البساتين بالنسبة إلى الشجر ، وضمها الى غير أرضها غير نافع ، لعدم الصدق ، فلا تكون تابعة لها.

الثاني ـ هل يثبت الشفعة في الثمرة وان بيعت على رؤس النخل والشجر منضمة إليها قولان : مبنيان على ما تقدم من القول بالعموم في كل مبيع ، كما هو قول أكثر المتقدمين ، وجملة من المتأخرين ، فيثبت الشفعة فيها.

وما تقدم مما هو المشهور بين المتأخرين من الاختصاص بغير المنقول ، والثمرة في حكم المنقول إذ لا يراد دوامها ، وانما له أجل معين ينتظر وصوله فتقطع ، ولأنها غير داخلة في مفهوم البستان ، ونحوه ومن ثم لا يدخل في بيع الأصل بعد الظهور ، كما تقدم ، فلا يثبت الشفعة فيها ، وفي معناها الزرع الثابت.

قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إذا باع النخل منضما إلى الأرض وهو مثمر ، وشرط الثمرة في البيع (١) كان للشفيع أخذ ذلك أجمع.

قال العلامة في المختلف بعد نقله عنه : وقال بعض فقهائنا : ليس للشفيع

__________________

(١) معنى قوله وشرط الثمرة في البيع : أى دخولها لأنها لو شرط بعد الظهور لا تدخل من غير تقدم دخولها في مسمى النخل كما تقدم تحقيقه في موضعه ـ منه رحمه‌الله.

٢٩١

أخذ الثمرة ، بل يأخذ النخل والأرض بحصتهما من الثمن ، وهو المعتمد ، لنا الأصل عدم الأخذ بالشفعة ، ولأنا قد بينا أن الشفعة لا تثبت فيما ينقل ويحول ، والثمرة على رؤس النخل من هذا الباب ، فلا شفعة فيها ، ثم نقل عن الشيخ الاحتجاج بعموم الأخبار المروية في وجوب الشفعة في البيع ، وأجاب بأن العام قد يخص بدليل أقوى.

أقول : وقد عرفت الكلام في ذلك ، وأن ما نقل عن الشيخ هنا هو مقتضى ما نقل عن السيد المرتضى ومن تبعه كما تقدم ذكره ، وبالجملة فإنه هو المشهور بين المتقدمين كما عرفت.

الثالث ـ المشهور بين المتأخرين عدم ثبوت الشفعة في النهر والطريق والحمام ونحو ذلك مما تضر قسمته ، وأنه يشترط في الأخذ بالشفعة كونه مما يقبل القسمة الإجبارية ، ولو أضرت به القسمة فلا شفعة ، استنادا الى ما تقدم من رواية السكوني ، ونحوها رواية فقه الرضا عليه‌السلام قالوا : وليس المراد من الطريق فيهما والنهر والحمام ما كان واسعا فيكون المراد ما كان ضيقا.

وما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد (١) «عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال : لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم» (٢).

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٦٧.

(٢) أقول : ونحو رواية طلحة المذكورة ـ موثقة أبي العباس وعبد الرحمن بن أبى عبد الله «قالا سمعنا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الشفعة لا تكون الا لشريك لم يقاسم». وأنت خبير بأن غاية ما يدل عليه الخبران المذكوران هو أن الشفعة لا يكون بعد القسمة ، يعني بالنسبة الى ما يقبل القسمة ، وفيه رد على العلامة والقائلين بجواز الشفعة ، وان كان بعد القسمة ، كما هو مذهب ابن ابى عقيل ، ولا دلالة فيه صريحا ولا ظاهرا على اشتراط قبول القسمة في جواز الشفعة ـ منه رحمه‌الله.

٢٩٢

قال في المسالك : ولا يخفى عليك ضعف هذه الأدلة ، ومن ثم ذهب المرتضى وابن إدريس رحمهما‌الله ، الى عدم اشتراطه ، لعموم الأدلة الدالة على ثبوتها من غير تخصيص ، ولأن المقتضي لثبوت الشفعة وهو ازالة الضرر عن الشريك قائم في غير المقسوم بل أقوى ، لأن المقسوم يمكن التخلص من ضرر الشريك بالقسمة ، بخلاف غيره انتهى.

واقتفاه في ذلك المحدث الكاشاني في المفاتيح ، وهو جيد لما عرفت آنفا ، فان هذين الخبرين لإجمالهما مضافا الى ضعفهما لا يبلغان قوة في تخصيص ما دل على العموم صريحا ، ثم انه بناء على القول المذكور فهل المراد من الضرر الرافع للإجبار عن القسمة هو المبطل لمنفعة المال بالكلية ـ بمعنى أنه متى قسم خرج عن حد الانتفاع به لضيقه أو لقلة النصيب ، أو لأن أجزاءه غير منتفع بها كالأمثلة المذكورة إذا كانت بالغة في الصغر هذا الحد ، فلو بقي للسهم بعد القسمة نفع ما ، يثبت الشفعة ـ أو أن المراد بالضرر هو أن ينقص قيمة المقسوم بسبب القسمة نقصا فاحشا ـ أو أن المراد أن يبطل منفعته المقصودة قبل القسمة ، وان بقيت فيه منافع ، كالحمام والرحى إذا خرجا بالقسمة عن صلاحية الانتفاع بهما في الغسل والطحن على الوجه الأول؟ احتمالات ، سيأتي تحقيق الكلام فيها إنشاء الله تعالى في محله اللائق به ثم أنه يأتي على المعنى الأول من هذه الثلاثة المذكورة أنه لو كان الحمام أو الطريق أو النهر واسعا لا تبطل منفعته بالقسمة أجبر الممتنع من القسمة ، وتثبت الشفعة.

المقصد الثاني في الشروط

وهي أمور الأول ـ الشركة ، على الأشهر الأظهر ، فلو كان مقسوما فلا شفعة ، خلافا لابن أبى عقيل كما تقدم نقله عنه ، وقد تقدمت جملة من الروايات الدالة على ذلك ، ولا تثبت بالجواز عندنا.

نعم قد اتفق النص والفتوى عن استثناء صورة واحدة ، وهي ما إذا كانت دار فيها دور مقسومة لكل طرف مالك على حده ، وطريق الجميع واحدة ، فباع أحد

٢٩٣

المالكين منزله وما يخصه من الطريق ، فإن الشفعة حينئذ تثبت في مجموع المبيع وان كان بعضه غير مشترك ، فلو انفردت الدار بالبيع ، دون الطريق فلا شفعة ، ولو بيعت الطريق خاصة تثبت الشفعة إذا كانت الطريق واسعة ، بناء على اشتراط قبول القسمة.

والذي وقفت عليه مما يتعلق بهذا الحكم من الاخبار ما رواه الكليني عن منصور بن حازم (١) في الحسن قال : «قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : دار بين قوم اقتسموها فأخذ كل واحد منهم قطعة ، فبناها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرهم ، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم إله ذلك؟ قال : نعم ولكن يسد بابه ، ويفتح بابا الى الطريق ، أو ينزل من فوق البيت ويسد بابه ، فإن أراد صاحب الطريق بيعه ، فإنهم أحق به ، والا فهو طريقه يجي‌ء حتى يجلس على ذلك الباب».

وعد هذه الرواية في الصحيح جملة من الأصحاب أولهم العلامة في التذكرة وتبعه جمع ممن تأخر عنه منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.

وفيه أن في سندها الكاهلي وهو غير موثق. نعم هو ممدوح ، فحديثه في الحسن ، لا الصحيح ، ورواه الشيخ عن منصور في الموثق مثله ، الا أنه قال : «أو ينزل من فوق البيت ، فإن أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فإنهم أحق به ، وان أراد يجي‌ء حتى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه».

وما رواه في الكافي عن منصور بن حازم (٢) في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دار فيها دور وطريقهم واحد في عرصة الدار ، فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال : ان كان باع الدار وحول بابها الى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم ، وان باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة». ورواه الشيخ مثله.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٨١ التهذيب ج ٧ ص ١٦٧.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٨٠ التهذيب ج ٧ ص ١٦٥.

٢٩٤

وأنت خبير بأن الرواية الاولى لا دلالة لها على محل البحث ، لأنها انما تضمنت التفصيل بين بيع الدار دون حصة من الساحة ـ وهي الطريق ، وقد حكم عليه‌السلام بأن المشتري يسد بابه الشارع إلى المساحة ويفتح له بابا الى الطريق ، أو ينزل من فوق البيت لعدم استحقاقه المرور من تلك الساحة ، حيث أنها غير داخلة في البيع ، ولا شفعة هنا لعدم الشركة ـ وبين بيع حصته من الساحة خاصة التي هي الممر ، وللشركاء حينئذ الشفعة من حيث الشركة ـ فيها ، دون الدار ، لانه لم يبعها معها فلا شفعة فيها ، وان لم يبع حصته من تلك الطريق بعد بيعه الدار فله المجي‌ء والسلوك فيها الى أن ينتهي الى ذلك الباب المسدود ، ولا تعرض في الرواية لبيع الدار مع الطريق ، كما هو موضوع المسألة.

واما الثانية ـ فهي صريحة في ذلك حيث قال : «وان باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة» وقد عد العلامة في التذكرة وغيره الرواية الأولى دليلا للمسألة المذكورة.

ويمكن أن يكون منشأ توهمهم ذلك حمل قوله فيها برواية الكافي «فإن أراد صاحب الطريق بيعه» على معنى بيع الطريق مع الدار ، وهو غلط ، فإن العبارة ظاهرة بل صريحة في كون البيع ، انما وقع على الطريق خاصة. وأصرح منها قوله في رواية الشيخ «وان أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فهم أحق به» ويؤيده أيضا قوله بعد هذه العبارة «والا فهو طريقه» كما في الكافي وقوله «وان أراد يجي‌ء» الى آخره كما في رواية التهذيب ، فإنه ظاهر في انه قد باع الدار أولا.

وهذا الكلام في الطريق خاصة بعد بيعه الدار ، وأنه ان باع حصته منها فللشريك فيها الشفعة ، والا فالطريق له يجي‌ء ويمضى منه الى أن ينتهي الى باب الدار المسدود ، هذا ظاهر الخبرين كما هو رأى العين.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) «فإذا كانت دار فيها دور وطريق أبوابها في عرصة واحدة ، فباع رجل داره منها من رجل كان لصاحب الدار الأخرى شفعة ،

__________________

(١) المستدرك ج ٣ ص ١٤٧.

٢٩٥

إذا لم يتهيأ له أن يحول باب الدار التي اشتراها الى موضع آخر ، فان حول بابها فلا شفعة لأحد عليه». انتهى.

والظاهر أن قوله : «إذا لم يتهيأ له أن يحول» الى آخره كناية عن دخول الطريق في البيع وعدمه ، بمعنى أنه ان باع الدار وحدها من غير دخول الطريق معها ، فلا شفعة لما عرفت من عدم موجب الشفعة ، وان أدخل الطريق في البيع لعدم إمكان طريق له غير ذلك فله الشفعة في الجميع.

وينبغي التنبيه على أمور الأول لا يخفى أن مورد الخبرين المذكورين انما هو الطريق كما عرفت ، والأصحاب قد أضافوا إليها الشرب ، وهو النهر الذي يجري فيه الماء إلى الأرض المقسومة ، بمعنى أن الأرض مقسومة ، والنهر مشترك ، فلو باع أحد الشريكين حصته من الأرض مع حصته من النهر ، فللشريك الأخر الشفعة ولا يخفى ما فيه ، فان الحكم على خلاف أصولهم المقررة ، والروايات المعتبرة من عدم جواز الشفعة في المقسوم مؤيدا بأصالة عدم التسلط على مال الغير ، فالواجب الوقوف فيما خالف ذلك على مورد النص ، كما قرروه في غير مقام.

الثاني ـ إطلاق الرواية الاولى من الروايتين المذكورتين يدل على جواز الشفعة في الطريق ، متى بيعت وحدها ، سواء كانت قابلة للقسمة أم لا ، والمشهور بين المتأخرين اعتبار قبولها ذلك ، أما في صورة بيعها مع الدار كما هو موضوع المسألة فالظاهر من كلامهم عدم اشتراط ذلك ، نظرا الى أن الطريق تابعة ، والمبيع حقيقة انما هو الدار ، فيكفي قبولها للقسمة.

الثالث ـ هل يشترط في جواز الشفعة في هذه المسألة كون الدور مقسومة بعد الشركة أو لا؟ أو يكفي كونها منفردة من أصلها ، وكل منها على حدة من غير تقدم شركة وان اشتركت في الطريق؟ فعلى هذا يجوز الشفعة فيها أعم من أن يكون مشتركة في الأصل ، أم لا؟ قولان : وبالثاني صرح العلامة في التذكرة ، وهو اختياره في المسالك.

وعليه تدل ظاهر الرواية الثانية ، حيث أن السؤال فيها عن دار فيها دور ، وهو أعم

٢٩٦

من كونها مقسومة بعد الاشتراك أم لا ، وبالأول صرح المحقق في الشرائع ، وغيره في غيره.

قال في المسالك بعد نقله الثاني عن التذكرة : وهو الظاهر ، لان هذا مستثنى من اعتبار الشركة ، ويكتفى فيه بالشركة في الطريق ، ولان زوال الشركة بالقسمة قبل البيع يلحقها بالجواز ، فلا وجه لاعتبارها.

ويظهر من عبارة المصنف وجماعة ـ حيث فرضوا الحكم في الأرض المقسومة مع الاشتراك في الطريق ـ اعتبار الشركة في الأصل ، واحتج له بأن ضم غير المشفوع الى المشفوع لا يوجب ثبوت الشفعة في غير المشفوع اتفاقا ، والمبيع الذي لا شركة فيه في الحال ولا في الأصل ، ليس من متعلقات الشفعة ، إذ لو بيع وحده لم يثبت فيه شفعة بحال ، وإثباتها لا يكون الا بمحض الجوار ، وإذا ضم الى المشترك وجب أن يكون الحكم كذلك ، ولعموم قوله عليه‌السلام «لا شفعة إلا لشريك مقاسم».

ولا شريك هنا لا في الحال ، ولا في الأصل ، ولرواية أبي العباس (١) «الشفعة لا تكون الا لشريك». وغير ذلك مما في معناه. ولا يخفى عليك ضعف هذا الاحتجاج ، لان هذه الصورة مستثناة من اشتراط الشركة بالنص والإجماع ، فلا يقدح فيها ما دل على اشتراط الشركة ، ولا على نفى الشفعة بضميمة غير المشفوع اليه ، من أن المقسوم خرج عن تعلق الشفعة عندهم ، فضميمته كضميمة غيره لولا الطريق المشتركة ، ولان مدلول هذه الروايات اعتبار الشركة بالفعل ، وهو منتف مع القسمة ، ولو أريد منها ما يعم السابقة لزم ثبوتها في المقسوم ، وان لم يكن له شركة في الطريق.

وأما معارضة رواية منصور الصحيحة والحسنة بتلك الأخبار ـ الدالة على اعتبار الشركة ، وترجيح تلك بالكثرة ، وموافقتها للأصل ـ فعجيب ، لان مدلولها على تقدير قطع النظر عن سندها اعتبار الشركة بالفعل كما ذكرناه ، وروايات منصور دلت على الاكتفاء بالشركة في الطريق ، فهي خاصة ، وتلك عامة ، فيجمع

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٦٥.

٢٩٧

بينهما بتخصيص العام بما عدا ذلك انتهى.

وهو جيد وجيه ، الا أن في اعتضاده بروايات منصور ما عرفته آنفا من أن ذلك انما هو مدلول إحديهما دون الأخرى.

الرابع ـ ظاهر روايتي منصور المتقدمتين مع اعتبار إسناديهما كما عرفت جواز الشفعة مع تعدد الشركاء ، وهو خلاف فتوى جمهور الأصحاب ، وخلاف ما دل عليه غيرهما من الاخبار ، الا أن ظاهر كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه كون الشريك متحدا ، وسيجي‌ء الكلام في هذه المسألة إنشاء الله تعالى في المقام ،

الخامس ـ قالوا : لو باع عرصة مقسومة وشقصا من أخرى ، فالشفعة في صفقة الشقص خاصة بحصته من الثمن ، والوجه فيه ظاهر ، لان المقسوم لا شفعة فيه كما تقدم ، وليس هذا من قبيل الصورة المتقدمة المستثناة من هذه القاعدة ، وأما الشقص فالعلة الموجبة للشفعة موجودة فيه ، وهي الشركة ، فيعطى كل واحد حكمه ، ولا يقدح في ذلك كونه بيعا واحدا لصدق البيع على كل واحد بانفراده أيضا.

ومن هذا الباب لو باع البستان بثمره والأرض بزرعها ، بناء على ما هو المشهور بين المتأخرين من عدم الشفعة في الثمرة والزرع ، لكونهما مما ينقل ، والشفعة مخصوصة بما لا ينقل عندهم كما تقدم ذكره.

فعلى هذا تثبت الشفعة في غير الثمرة والزرع بحصته من الثمن ، بأن ينسب قيمة المشفوع فيه منفردا إلى قيمة المجموع ، فحصته من الثمن بتلك النسبة ، فإذا قيل : قيمة المجموع مأة ، وقيمة ما عدا الثمرة والزرع ثمانون ، أخذ الشفيع المشفوع بأربعة أخماس الثمن كائنا ما كان.

الثاني من الشرائط المتقدم ذكرها ـ انتقال الشقص بالبيع خاصة ، فلو جعله صداقا أو صدقة أو هبة أو صالح عليه فلا شفعة على الأشهر الأظهر ، بل كاد يكون إجماعا ، وخالف فيه ابن الجنيد ، فأثبت الشفعة في مجرد النقل حتى الهبة بعوض وغيرها.

قال على ما نقله عنه في المختلف : إذا زال ملك الشريك عنه بهبة منه بعوض شرط يعوضه إياه ، أو غير عوض كانت للشفيع شفعة فيه ، فان حبس ملكه أو أسكنه لم يكن للشفيع

٢٩٨

شفعة ، ثم نقل عنه أنه احتج بأن الحكمة الباعثة لإيجاب الشفعة في صورة البيع موجودة في غيره من عقود المعاوضات ، ولا اعتبار بخصوصيات العقود في ذلك في نظر الشارع ، فاما أن يثبت الحكم في الجميع ، أو ينتفي عن الجميع ، فإثباته في البعض دون البعض ترجيح من غير مرجح.

ثم أجاب عنه بأن الحكمة لا يجوز التعليل بها ، لعدم انضباطها فلا بد من ضابط ، ولما رأينا صور ثبوت الشفعة موجود فيها مطلق البيع ، جعلناه ضابطا للمناسبة والاقتران ، على أن القياس عندنا باطل انتهى.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الميل الى ما ذهب اليه ابن الجنيد هنا ، حيث قال بعد ذكر المصنف الحكم المذكور : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل كاد يكون إجماعا ، وليس عليه دليل صريح ، وانما تضمنت الروايات ذكر البيع ، وهو لا ينافي ثبوتها بغيره.

ومن ثم خالف ابن الجنيد ، فأثبتها لمطلق النقل ، حتى بالهبة بعوض وغيره لما أشرنا إليه من عدم دليل يقتضي التخصيص ، واشتراك الجميع في الحكمة الباعثة على إثبات الشفعة ، وهو دفع الضرر عن الشريك ، ولو خصها بعقود المعاوضات كما تقوله العامة كان أبعد ، لأن أخذ الشفيع للموهوب بغير عوض بعيد ، وبه خارج عن مقتضى الأخذ انتهى.

أقول : لا يخفى أن مقتضى الدليل العقلي والنقلي كتابا وسنة والإجماع هو عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذن منه ، والشفعة قد خرجت على خلاف مقتضى هذه الأدلة المتفق عليها وعلى قوتها والاعتماد عليها ، وحينئذ فلا بد في كل فرد ادعى فيه جواز الشفعة من دليل واضح من الكتاب أو السنة أو الإجماع الذي يعتمدونه ، ليمكن الخروج به عما اقتضته هذه الأدلة المذكورة.

وغاية ما وجد في الاخبار بالنسبة الى هذه المسألة هو جواز الشفعة بالانتقال بالبيع خاصة ، ومدعى الجواز في الانتقال بغيره عليه الدليل ، ليخرج عن عموم تلك الأدلة القاطعة المانعة من جواز التصرف في مال الغير إلا باذنه ،

٢٩٩

وبذلك يظهر لك في ما كلام شيخنا المذكور من القصور ، حيث أنه أنما مال الى مذهب ابن الجنيد ، لعدم الدليل على التخصيص بالبيع ، ومجرد ورود الروايات بالبيع لا يقتضي التخصيص به ، وغفل عن أن الشفعة إنما خرجت على خلاف الأصول المقررة ، والقواعد المعتبرة كتابا وسنة وإجماعا ، فيجب الاقتصار في ثبوتها على موارد الأدلة كما قرروه في غير مقام.

والتمويه هنا بهذه الحكمة التي يدعونها لم نقف عليه في خبر من الاخبار ، وانما استنبطوها من أخبار الشفعة الواردة في البيوع ، وعلى تقدير حكم الشارع بالشفعة في البيع لدفع الضرر عن الشريك ، فالتعدية الى غير البيع قياس محض ، لان هذه العلة مخصوصة بصورة البيع ، وحمل غيره عليه قياس محض ، إذ يمكن أن يكون للبيع خصوصية في ذلك لا نعلمها ، فكيف يمكن التعدية بمجرد ذلك.

وبالجملة فإن التمسك بذلك في مقابلة ما ذكرنا من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة مجازفة محضة هذا.

وأما الاخبار الدالة على ما هو المشهور والمؤيد المنصور فمنها ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبى بصير (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام «قال سألته عن رجل تزوج امرأة على بيت في دار له ، وله في تلك الدار شركاء قال : جائز له ولها ، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها».

ووصف هذه الرواية في المسالك بالصحة ، مع أن أبا بصير فيها مشترك ، ولا قرينة تعين كونه المرادي الثقة ، ومن قاعدتهم عدها في الضعيف ، وهي واضحة في رفع ما ادعوه من الحكمة الموجبة للعموم في جميع الانتقالات ، ومنها

رواية الغنوي المتقدمة في المقصد الأول (٢) وقوله فيها «الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فيها فهو أحق بها من غيره بالثمن».

ومنها مرسلة يونس المتقدمة ثمة أيضا وفيها «الشفعة جائزة في كل شي‌ء من

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٦٧.

(٢) ص ٢٨٩.

٣٠٠