الحدائق الناضرة - ج ٢٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

من أن الحي له ذمة يتعلق بها ديون الباقين ، ويمكن وفاءهم مع حياته ، وبعد الموت يتعلق حقوق الديان بأعيان التركة ، فيتساوى الجميع في ذلك ، نظير ما قالوه في غريم الميت الذي يجد عين ماله ، أنه ليس له أخذها ، لان دينه ودين غيره متعلق بذمة الميت ، وهم مشتركون فيه ، وان كان في ذلك كلام بيناه في محله انتهى كلامه (قدس‌سره) وهو جيد.

الموضع الخامس ـ المشهور أنه ليس للمرتهن التصرف في الرهن مطلقا الا بإذن الراهن ، فان تصرف لزمته الأجرة في ماله أجرة ، كركوب الدابة وسكنى الدار ، لانه انتفاع بمال الغير بغير اذنه ، فيضمن أجرته المثلية في المثل ، أو القيمة فيما يضمن كذلك ، كاللبن ونحوه ، ولو أنفق على الدابة فإن كان بأمر المرتهن رجع بها عليه ، والا استأذنه ، فإذا امتنع أو غاب رجع الى الحاكم الشرعي ، وان تعذر أنفق بنية الرجوع. وأشهد على ذلك ، ليثبت له به الحق.

وقال الشيخ في النهاية : وإذا كان الرهن دابة فركبها المرتهن كانت نفقتها عليه ، وكذلك ان كانت شاة شرب لبنها كانت عليه نفقتها ، وإذا كان عند الإنسان دابة أو حيوان رهنا فان نفقتها على الراهن دون المرتهن ، فإن أنفق المرتهن عليها كان له ركوبها والانتفاع بها ، أو الرجوع على الراهن بما أنفق.

وقال ابن إدريس بعد كلام في المقام : والأولى عندي أنه لا يجوز له التصرف في الرهن على حال ، للإجماع على أن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن.

وقال أبو الصلاح : يجوز للمرتهن إذا كان الرهن حيوانا ، فيكفل مؤنته أن ينتفع بظهره أو خدمته أو صوفه أو لبنه وان لم يتراضيا ، ولا يحل شي‌ء من ذلك من غير تكفل مؤنة ولا مرضاة ، والاولى ان تصرف قيمة منافعه في مؤنته.

أقول : والذي وقفت عليه في هذا المقام من الاخبار ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن أبى ولاد (١) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأخذ الدابة والبعير

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٣٦ الفقيه ج ٣ ص ١٩٦.

٢٦١

رهنا بماله أله أن يركبه؟ قال : فقال : ان كان يعلفه فله أن يركبه ، وان كان الذي رهنه عنده يعلفه ، فليس له أن يركبه». ورواه الصدوق في الفقيه عن ابن محبوب عن أبى ولاد مثله ، إلا أنه عبر بضمير التثنية في المواضع الخمسة ، ورواه الشيخ في الصحيح ايضا مثله.

وما رواه الشيخ عن السكوني (١) «عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن على عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الظهر يركب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يركبه نفقته ، والدر يشرب إذا كان مرهونا وعلى الذي يشرب نفقته». ورواه الصدوق عن إسماعيل بن مسلم عن جعفر بن محمد عليه‌السلام.

والخبران كما ترى دالان بظاهرهما على ما ذكره الشيخ في النهاية ، والأصحاب حملوهما على ما إذا أذن له الراهن في الإنفاق مع تساوى الحقين.

وأنت خبير بما فيه من البعد عن سياق الخبرين ، سيما الأول ، لأن السائل سأله عن الرجل يأخذ الدابة أو البعير إله أن يركبه يعنى من غير اذن الراهن ، والا فمع الاذن لا معنى للسؤال بالكلية ، فأجاب عليه‌السلام بأن له ذلك ان كان يعلفه ، واعتبار مساواة الحقين مع عدم انضباط الركوب ـ واحتماله القلة والكثرة ، وان أمكن انضباط العلف ـ بعيد جدا ، وتخصيص القواعد ـ التي ألجأتهم الى هذا التأويل ـ بهذين الخبرين سيما الأول لصحته وصراحته غير بعيد

ويظهر من الفاضل الخراساني في الكفاية الميل الى ما ذهب اليه الشيخ ، حيث قال بعد نقل الصحيحة المذكورة : وقول الشيخ قوى ، ويؤيده رواية السكوني انتهى وهو جيد.

ولو كان للرهن غلة وفوائد وتصرف فيها المرتهن وجب عليه أن يحتسبها من دينه ، وبذلك تكاثرت الاخبار مضافا إلى اتفاق الأصحاب.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن ابن

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٧٥ الفقيه ج ٣ ص ١٩٥.

٢٦٢

سنان (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في كل رهن له غلة أن غلته تحتسب لصاحب الرهن مما عليه».

وعن محمد بن قيس (٢) في الصحيح عن أبى جعفر عليه‌السلام «أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : في الأرض البور يزرعها الرجل ليس فيها ثمرة فزرعها وأنفق عليها من ماله : أنه تحتسب له نفقته وعمله خالصا ، ثم ينظر نصيب الأرض فيحتسب من ماله الذي ارتهن به الأرض حتى يستوفى ماله ، فليدفع الأرض إلى صاحبها».

وما رواه في الفقيه عن الحسن بن محبوب عن الكرخي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل رهن بماله أرضا أو دارا لهما غلة كثيرة ، فقال : على الذي ارتهن الأرض والدار بماله أن يحسب لصاحب الأرض والدار ما أخذ من الغلة ويطرحه عنه من الدين الذي له».

وعن محمد بن قيس (٤) في الصحيح عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : «ان رهن رجل أرضا فيها ثمرة فإن ثمرتها من حساب ماله ، وله حساب ما عمل فيها وأنفق منها ، وإذ استوفى ماله فليدفع الأرض إلى صاحبها».

وإطلاق هذه الاخبار شامل لما لو كان التصرف باذن الراهن أو بغير اذن ، ولا فرق بينهما في الحكم المذكور الا باعتبار الإثم وعدمه.

قال الصدوق في كتاب المقنع : إذا كان الرهن دارا لها غلة فالغلة لصاحب الدار ، فان سكنها المرتهن لم تكن عليه غلتها لصاحبها ، الا أن يكون استأجرها منه ، فان آجرها فعليه أن يحسب كراها من رأس ماله.

قال في المختلف : وهذا الإطلاق ليس بجيد ، بل ينبغي التقييد بالسكنى باذن الراهن ، والظاهر أن مراده ذلك.

أقول من العجب أن الصدوق لا يفتي في هذا الكتاب الا بمتون الاخبار ، مع ان

__________________

(١ ـ ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٣٥.

(٣ ـ ٤) الفقيه ج ٣ ص ١٩٦.

٢٦٣

كلامه هنا مما يخالف ما نقلناه من الاخبار ، مع عدم وجود خبر به فيما وصل إلينا من الاخبار والله العالم.

الموضع السادس ـ قد صرحوا بأنه إذا لم يكن المرتهن وكيلا في البيع اما لعدم الوكالة ، أو لبطلانها بموت الراهن كما تقدم (١) فإنه يجوز له لو مات الراهن وخاف جحود الورثة للدين أن يبيع بنفسه ، ويستوفى حقه ، ويرجع الباقي ان كان على الورثة ، وكذا يجوز له لو خاف جحود الرهن أيضا ولم يكن وكيلا ، وينبغي أن يعلم ان ذلك مع البينة التي يمكن بها إثبات الحق عند الحاكم الشرعي ، والا وجب أن يثبت عنده الدين والرهن ، ويستأذنه في البيع ، كذا قالوا :

ويدل على أصل الحكم المذكور ما رواه الصدوق والشيخ عن سليمان بن حفص المروزي (٢) «أنه كتب الى أبى الحسن عليه‌السلام في رجل مات وله ورثة ، فجاء رجل وادعى عليه مالا وأن عنده رهنا فكتب عليه‌السلام ان كان له على الميت مال ، ولا بينة له فليأخذ ماله عما في يده ، وليرد الباقي على الورثة ، ومتى أقر بما عنده أخذ به ، وطولب بالبينة على دعواه وأوفى حقه بعد اليمين ، ومتى لم يقم البينة والورثة ينكرون ، فله عليهم يمين علم ، يحلفون بالله ما يعلمون له على ميتهم حقا».

وظاهر الخبر أن أخذه مما في يده مشروطة بعدم البينة ، كما ذكره الأصحاب ، وفي معناه عدم إمكان الإثبات عند الحاكم لآمر آخر غير عدم البينة ، ويؤيده قبح التصرف في مال الغير إلا بإذنه ، خرج صورة عدم إمكان الإثبات للضرورة والإجماع ، فبقي ما عداه ، وينبغي أن يراعى في الخوف الموجب للتصرف ما كان مستندا إلى القرائن المفيدة للظن الغالب بجحود الورثة أو الراهن ، فلا يكفى مجرد توهم ذلك والله العالم.

__________________

(١) في الموضع الثالث ان الوكالة من العقود الجائزة ومن شأنها أن يبطل بالموت كما صرح به الأصحاب ـ منه رحمه‌الله.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ١٧٨ الفقيه ج ٣ ص ١٩٨.

٢٦٤

السابع : الظاهر أنه لا خلاف في تحريم التصرف لكل من الراهن والمرتهن في الرهن إلا بإذن الآخر ، أما المرتهن فظاهر ، لانه غير مالك ، ومجرد الرهن لا يستلزم جواز التصرف.

ويدل عليه أيضا جملة من الاخبار ، منها ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابن بكير (١) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) ، عن الرجل رهن رهنا ثم انطلق ، فلا يقدر عليه أيباع الرهن؟ قال : لا حتى يجي‌ء صاحبه».

وما رواه المشايخ الثلاثة «عطر الله مراقدهم ، عن ، عبيد بن زرارة (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل رهن رهنا الى وقت غير موقت ، ثم غاب هل له وقت يباع فيه رهنه؟ قال : لا حتى يجي‌ء». وفيهما دلالة لا سيما الثانية على جواز الرهن من غير تعيين وقت ، ولا وكالة في البيع ، وعلى المنع من البيع على تقدير التعذر.

وما رواه في الكافي والتهذيب والفقيه عن إسحاق بن عمار (٣) في الموثق برواية الثالث قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده الرهن ، فلا يدرى لمن هو من الناس ، فقال : لا أحب أن يبيعه حتى يجي‌ء صاحبه ، قلت : لا يدرى لمن هو من الناس؟ فقال : فيه فضل أو نقصان؟ فقلت : فان كان فيه فضل أو نقصان فقال : ان كان فيه نقصان فهو أهون يبيعه فيؤجر فيما نقص من ماله ، وان كان فيه فضل فهو أشدهما عليه يبيعه ويمسك فضله حتى يجي‌ء صاحبه» (٤). وفي رواية الفقيه قد ـ

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٦٩.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٣٤ التهذيب ج ٧ ص ١٦٩ الفقيه ج ٣ ص ١٩٧.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٣٣ التهذيب ج ٧ ص ١٦٨ الفقيه ج ٣ ص ١٩٧.

(٤) أقول : احتمل بعض مشايخنا المحدثين من متأخر المتأخرين أن يكون قوله يبيعه ويمسك فضله بأن يكون المبيع مجموع الرهن ، وعلى هذا المراد لفضله الباقي من الثمن زائدا على الدين ، وأن يكون المبيع قدر حقه ، ويكون المراد

٢٦٥

سقط بعد الناس الاولى ، الى الناس الثانية ، وحمل البيع هنا على كونه وكيلا أو بإذن الحاكم الشرعي.

قال في المختلف : إذا حل الدين لم يجز بيعه الا أن يكون وكيلا ، أو يأذن له الحاكم ، قاله ابن إدريس وهو جيد ، وأطلق أبو الصلاح جواز البيع مع عدم التمكن من استيدان الراهن ، ولا يبعد عندي العمل بظاهر الخبر في الصورة المذكورة من بيع المرتهن من غير أحد الأمرين ، بناء على ظاهر الاذن منه (عليه‌السلام) هنا ، ولعل وجه الأشدية في صورة الفضل من حيث أنه يلزمه حفظ الفضل الى أن يظهر صاحبه.

بقي الكلام في أن هذا الخبر دل على جواز البيع مع التعذر ، وما قبله دل على المنع ، كما قدمنا الإشارة اليه ، ويمكن الجمع بالفرق بين الموقت وغيره ، فيحمل الأول على غير الموقت ، كما هو ظاهر الخبر المذكور ، والثاني على الموقت والمؤجل ، فإنه متى حل الأجل جاز البيع على النحو المتقدم ، ويحتمل حمل الخبر الأول على الكراهة المؤكدة ، كما يشير اليه قوله عليه‌السلام في الخبر الثاني «لا أحب أن يبيعه حتى يجي‌ء صاحبه».

وأما الراهن فظاهر الأصحاب كما عرفت أنه كذلك ، وهو بالنسبة الى ما يخرجه عن كونه رهنا كبيع وعتق ونحوهما ، أو يوجب نقصانه ، كإجارة ونحوها مما لا اشكال فيه ، وأما التصرف بما لا يوجب شيئا من ذلك ، كتزويج العبد وتقبيل الأمة وتعليمها الصنعة ونحو ذلك فلا دليل عليه ، الا أن يدعى الإجماع في المقام ومما يؤيد ما ذكرناه ما رواه ، في الكافي في الصحيح أو الحسن عن

__________________

بالفضل باقي الرهن والأشدية على هذا الوجه لعلها باعتبار الضمان ، أو باعتبار عدم تيسر مشتر لهذا الباقي ، أقول : لا يخفى بعد الحمل الثاني وسياق الخبر انما يقتضي معنى الأول كما يشير اليه كلامه عليه‌السلام في صورة النقصان ومرجع الضمائر في سياق الخبر انما هو الى الرهن ، والحمل على قدر الحق تقتضي تفكيك الضمائر وهو معيب ـ منه رحمه‌الله.

٢٦٦

الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل رهن جارية عند قوم أيحل له أن يطأها؟ قال : ان الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها ، قلت أرأيت ان قدر عليها خاليا قال : نعم لا أرى هذا عليه حراما».

وعن محمد بن مسلم (٢) في الصحيح عن أبى جعفر عليه‌السلام «في رجل رهن جاريته قوما أيحل له أن يطأها قال : فقال : ان الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها ، قلت : أرأيت ان قدر عليها خاليا ، قال نعم لا أرى به بأسا». ورواهما الشيخ (رحمه‌الله) أيضا والصدوق روى الثاني بإسناده عن العلاء عن محمد بن مسلم مثله ، الا أنه قال «ان قدر عليها خاليا ولم يعلم به الذين ارتهنوها».

ومن العجب ما نقل عن بعضهم من عدم جواز الوطي وان أذن المرتهن ، والاخبار الصحيحة كما ترى تنادي بالجواز مع عدم الاذن.

وقال في الدروس وفي رواية الحلبي يجوز وطؤها سرا وهي متروكة ، ونقل في المبسوط الإجماع عليه ، وأنت خبير بما فيه ، فان ترك الرواية سيما مع صحة سندها وتأيدها بالصحيحة الأخرى مع عدم المعارض لا يخلو من مجازفة.

وبالجملة فإني لا أعرف لهم دليلا على ما يدعونه من العموم ، الا دعوى الإجماع ، كما سمعت من نقله عن المبسوط ، ونحوه ما تقدم في كلام ابن إدريس في الموضع الخامس ، وفيه ما عرفت في غير موضع.

قال في المسالك : لما كان الرهن وثيقة لدين المرتهن لم يتم الوثيقة إلا بالحجر على الراهن ، وقطع سلطنته ، فيتحرك إلى الأداء ، فمن ثم منع الراهن من التصرف في الرهن ، سواء أزال الملك كالبيع أم النفقة كالإجارة أم انتقض المرهون وقل الرغبة فيه ، كالتزويج ، أم زاحم المرتهن في مقصوده كالرهن لغيره ، أم أوجب انتفاعا وان لم يضر بالرهن كالاستخدام والسكنى ، ولا يمنع من تصرف يعود نفعه على الرهن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٣٥ التهذيب ج ٧ ص ١٦٩.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٣٧ التهذيب ج ٧ ص ١٦٩ الفقيه ج ٣ ص ٢٠١.

٢٦٧

كمداواة المريض ، ورعى الحيوان ، وتأبير النخل ، وختن العبد ، وخفض الجارية ان لم يؤد الى النقص انتهى.

وهو ظاهر في تخصيص جواز تصرف الراهن بما يعود به النفع على الرهن ، وأما ما عداه فهو محرم ، وحينئذ فمحل البحث معهم في ما عدا هذا الموضع ، وما عدا ما أشرنا إليه آنفا مما يخرجه عن كونه رهنا أو يوجب نقصا ، فإنه لا بحث بينهم فيه.

وظاهر كلامه هنا أن الموجب للتحريم في محل البحث هو التحرك إلى أداء الدين ، فإنه لو جاز له التصرف فيه ، والانتفاع به في الوجوه المذكورة مما عدا ما استثنى لم يتحرك إلى الأداء.

وفيه مع الإغماض عما عرفت ـ في غير مقام من عدم صلاحية أمثال هذه التعليلات لتأسيس الأحكام الشرعية ـ ان ذلك يمكن استدراكه ببيع الرهن بعد حلول الأجل ، واستيفاء الدين كما هو قضية الرهن انتفع به أو لم ينتفع به ، ونحن انما وافقناهم في صورة التصرف بما يزيل الملك أو يوجب النقصان لما في الأول من فوات الرهن ، وفي الثاني من دخول الضرر على المرتهن ، وأما ما عدا ذلك فلا وجه للمنع منه مع عدم النص ، ويخرج ما ذكرنا من الخبرين الصحيحين شاهدا.

والى ما اخترناه يميل كلام المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد حيث قال ـ بعد البحث في المقام وذكر الخبرين المتقدمين ـ ما لفظه : وبالجملة المنع مطلقا غير ظاهر الوجه ، كما هو ظاهر أكثر العبارات ، خصوصا عن الوطي ومثله ، أو أقل ضررا منه ، أو ما لا ضرر على الرهن مثل الاستخدام ، ولبس الثوب إذا لم ينقص ولا يضر ، وسكنى الدار وركوب الدابة واستكتاب المملوك الى آخر كلامه زيد في إكرامه وهو جيد.

ونحوه أيضا الفاضل الخراساني في الكفاية وهو ظاهر الصدوق بناء على نقله صحيحة محمد بن مسلم وما ذكره في صدر كتابه والله العالم.

٢٦٨

الثامن : إذا وطأ الراهن الأمة المرهونة بإذن المرتهن أو بدونه وأحبلها صارت أم ولد ، لأنها لم تخرج من ملكه بالرهن ، وان منع من التصرف فيها كما هو المشهور بينهم ، وعلى تقديره يأثم ويستحق التعزير مع عدم الاذن ، وعلى ما قدمناه في سابق هذا الموضع من دلالة الخبرين الصحيحين على صحة الوطي مع عدم الاذن فلا اثم ، ولا تعزير.

ثم انه مع الاحبال وصيرورتها أم ولد فهل تباع في دين المرتهن؟ كما هو قضية الرهن أقوال : أحدها : جواز البيع مطلقا ، عملا بما دل على بيع الرهن عند حلول الأجل وعدم أداء الراهن ، ولان حق المرتهن قد سبق الاستيلاد المانع ، وهذا القول مختار الشهيدين.

وثانيها : المنع مطلقا عملا بما دل على المنع من بيع أمهات الأولاد وهذا منها.

وثالثها : التفصيل بإعسار الراهن فتباع ، ويساره فلا تباع ، ويلزمه القيمة من غيرها يكون رهنا ، وهذا القول نقل عن الشيخ في الخلاف ، والعلامة في التذكرة.

ورابعها : التفصيل بجواز البيع مع وطئها بغير اذن المرتهن ، والعدم مع وقوعه باذنه ، ونقل عن الشهيد (رحمه‌الله) في بعض حواشيه. ومرجع الأقوال المذكورة إلى تعارض دليلي جواز بيع الرهن ، ومنع بيع أم الولد ، فمن الأصحاب من جمع بينهما بالتفصيل المذكور في القولين الأخيرين ، ومنهم من عمل بالترجيح ، كما في القولين الأولين ، فبعض رجح أدلة جواز بيع الرهن ، والآخر رجح أدلة منع بيع أم الولد ، والحق في المسألة أن ما ذكر من التفصيل في كل من القولين الأخيرين لا دليل عليه الا مجرد أمور اعتبارية ، وانما يبقى التعارض بين أدلة جواز بيع الرهن وأدلة منع بيع أم الولد.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني الاستناد في ترجيحه أدلة جواز بيع الرهن الى سبق سببه ، قال في المسالك : وأقوى ترجيح جانب الرهن بسبق سببه ، فتجويز

٢٦٩

البيع مطلقا أقوى وفيه ما لا يخفى.

وبالجملة فإنه قد تعارض إطلاق أدلة جواز بيع الرهن وإطلاق أدلة المنع من بيع أم الولد ، وتخصيص أحد الإطلاقين بالآخر يحتاج الى دليل ، الا أنى لم أقف بعد التتبع للاخبار على ما يدل منها على ما ذكروه ، وان اشتهر بينهم ، بل ادعى الإجماع عليه من اختصاص الرهن بحق المرتهن ، فيطلب من الرهن بيعه إذا لم يكن وكيلا عنه في البيع ، أو الاذن فيه ، فان فعل والا رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي كما ذكروه (رضوان الله عليهم).

بل ظاهر الاخبار المتقدمة في الموضع الرابع (١) من هذا المقام انما هو العدم ، فيما إذا مات الراهن ، واستغرقت ديونه التركة ، حيث حكم عليه‌السلام فيها بالتشريك بين جميع هذه الغرماء ، وان كان الأصحاب لم يقولوا بمضمونها ، لخروجها عن قاعدتهم المذكورة ، ولم أقف في الاخبار على ما ذكروه إلا في صورة ما لو خاف المرتهن جحود الورثة ، كما مر في الموضع السادس (٢) فإن الرواية قد صرحت في هذه الصورة بأنه يأخذ ماله مما في يده ، واما ما عدا ذلك فلا ، وحينئذ فيقوى بناء على ما ذكرناه القول بالمنع من البيع عملا بالأخبار الدالة على عدم جواز بيع أم الولد من غير معارض في هذا المقام سوى صورة خوف الجحود.

لكن ربما نافى ذلك ما ورد في جملة من أخبار الرهن من قولهم عليهم‌السلام استوثق من مالك ، إذ لا معنى للاستيثاق الا باعتبار أخذ الدين من الرهن بعد تعذر الأداء من الراهن.

ومن الاخبار الدالة على ذلك صحيحة عبد الله بن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السلم في الحيوان والطعام ويرتهن الرجل بماله رهنا؟ قال : نعم استوثق من مالك».

__________________

(١) ص ٢٥٩.

(٢) ص ٢٦٤.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ١٦٥.

٢٧٠

وفي موثقة سماعة (١) الواردة في أخذ الرهن على مال المسلم ايضا «قال عليه‌السلام : لا بأس أن تستوثق من مالك». ونحوهما غيرهما ولعل هذه الاخبار ونحوها هي مستند الأصحاب فيما ذكروه هنا ، وان كانت غير صريحة فيما ادعوه من القاعدة المذكورة ، فإن مجرد الاستيثاق لا يدل على جواز البيع ، ولعله باعتبار الحجر عن الانتفاع به.

وكيف كان فالمسألة لا يخلو من الاشكال ، ثم انه ينبغي أن يعلم أنها بالوطء بل بالحمل لا تخرج عن كونها رهنا ، إذ لا منافاة بينهما ، وان منعنا من بيع أم الولد لإمكان موت الولد ، فإنه مانع ، وإذا مات عمل السبب السابق عمله.

التاسع : لو وطأها المرتهن بغير اذن الراهن مكرها لها ، فالذي ذكره جملة من الأصحاب أن عليه عشر قيمتها ان كانت بكرا ، ونصف العشر ان كانت ثيبا ، وقيل : مهر أمثالها مطلقا ، لانه عوض الوطي شرعا.

ونقل عن الشهيد (رحمه‌الله) في بعض حواشيه القول بتخير المالك بين الأمرين وهل يجب على كل من التقديرين المذكورين أرش البكارة زائدا على المهر ، أو العشر؟ جعله شيخنا الشهيد الثاني في المسالك احتمالا ، وجزم به في الروضة ، قال : لانه حق جناية ، وعوض جزء فائت ، والمهر على التقديرين عوض الوطي.

ثم اعترض على نفسه بأنه إذا وجب أرش البكارة صارت ثيبا فيجب عليه مهر الثيب خاصة ، وأجاب بأنه إذا وطأها بكرا فقد استوفى منفعتها على تلك الحال ، وفوت جزء منها ، فيجب عوض كل منهما ، فلا يتداخلان ، ولأن أحدهما عوض جزء والأخر عوض منفعة.

وربما قيل : بدخوله في العشر ، وعدم دخوله في مهر المثل ، وأكثر عبارات الأصحاب هنا مطلقة ، ولو طاوعته فالمشهور أنه لا شي‌ء عليه ، استنادا الى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) «لا مهر لبغي». وهو نكرة في سياق النفي فيعم ، ورد بمنع دلالته على موضع النزاع ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٢ الفقيه ج ٣ ص ١٦٦.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٣٦ لكن عن ابى جعفر عن آبائه عليهم‌السلام مع اختلاف يسير.

٢٧١

لأن الأمة لا تستحق المهر ولا تملكه ، وانما هو لمولاها فلا ينافي استحقاق مولاها ، مع كون التصرف وقع في ملكه بغير اذنه ، مع أن المهر شرعا انما يطلق على عوض بضع الحرة ، حتى سميت بسببه مهيرة ، بخلاف الأمة فالنفي في النص محمول عليها ، قالوا : وبذلك يظهر أن ثبوت المهر أقوى ، والمراد به أحد الأمرين السابقين فيما تقدم من القولين ، قيل : وعلى تقدير نفيه كما هو المشهور لا شبهة في ثبوت أرش البكارة ، لأنها جناية على مال الغير ، فثبت أرشها.

أقول : لم أقف في هذا المقام على نص يتعلق بما ذكروه من هذه الأحكام بالنسبة إلى الزاني بأمة غيره ، رهنا كانت أم لا ، وان كان ظاهر كلامهم الاتفاق على جل هذه الأحكام في الجملة.

والذي وقفت عليه مما ربما يناسبه ، ويمكن أن يكون هو المستند لهم بالنسبة إلى العشر ، ونصف العشر ، ما رواه الكليني في الصحيح عن الفضيل بن يسار (١) قال : «قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : قلت له : فما تقول في رجل عنده جارية نفيسة ، وهي بكر أحل لأخيه ما دون فرجها إله أن يفتضها؟ قال : لا ليس له الا ما أحل منها ، ولو أحل له قبلة منها لم يحل له ما سوى ذلك ، قلت : أرأيت ان أحل له ما دون الفرج ، فغلبته الشهوة فافتضها ، قال : لا ينبغي له ذلك ، قلت : فان فعل أيكون زانيا قال : لا ، ولكن يكون خائنا ، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها ان كانت بكرا ، وان لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها». وصريحها أن الواطئ في هذه الصورة ليس بزان ، وكذا صحيحة الوليد بن صبيح المتقدمة في المسألة التاسعة من المقصد الثاني من الفصل التاسع في بيع الحيوان من كتاب البيع (٢) وموردها تدليس المزوج للجارية ، وهي أخص من المدعى أيضا ، فإن ظاهر كلامهم أن هذا حكم الزاني بأمة غيره ، وان كان لشبهة شراء أو تدليس أو نحو ذلك ، ولعل مستندهم

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٨.

(٢) ج ١٩ ص ٤٥٢.

٢٧٢

أنه إذا ثبت ذلك في التزويج بتدليس الولي ، وكذا في صورتي التحليل لغير الفرج وان لم يكن زانيا ففي صورة الزنا بطريق أولى ، سيما مع قوله في صحيحة الوليد المشار إليها بعد ذكر العشر ونصف العشر ، بما استحل من فرجها» فإنه ظاهر في أن وجوب ذلك مترتب على استحلاله ما ليس له شرعا «ولا ريب أنه في صورة الزنا أشد وأفضع ، ولا أعرف هنا دليلا غير هاتين الروايتين ، فانى بعد الفحص والتتبع لم أقف على غيرهما ، ومع تسليم اجراءهما في مطلق الزاني وأنه يجب أن يكون الحكم فيه كذلك ، يبقى القول الثاني والثالث عاريين عن الدليل ، ونحو ذلك القول في أرش البكارة ، سيما مع القول بزيادته على أحد الأمرين المذكورين ، كما ذكره ذلك القائل.

وقد تقدم في المسألة الرابعة عشر في الجارية المشتركة يطأها أحد الشركاء من المقصد الثاني من الفصل التاسع في بيع الحيوان (١) تحقيق البحث في هذه المسألة ، وان جملة من الأصحاب قد منعوا وجوب الأرش في الصورة المذكورة ، لعدم الدليل عليه ، والاكتفاء بوجوب المهر على القول به ، أو العشر أو نصفه على القول الآخر والله العالم.

العاشر : الظاهر من كلام جملة من الأصحاب «رضوان الله عليهم» أنه لو مات المرتهن ولم يعلم الرهن كان كسبيل ماله ، بمعنى أنه لم يعلم وجود الرهن في التركة ولا عدمه ، فإنه يكون كسبيل مال المرتهن في الحكم بكونه ميراثا ، ولا يحكم للراهن هنا بشي‌ء ، لأن الأصل براءة الذمة من حقه ، إذ الرهن لم يتعلق بالذمة حيث أنه أمانة ، ولا يتعلق أيضا بماله ، لأصالة بقاء ماله على ما كان عليه ، من عدم استحقاق أحد فيه شيئا.

هذا بالنظر الى ظاهر الأمر وان احتمل بحسب الواقع كون الرهن في التركة ومن جملتها ، فإن الأحكام الشرعية انما تبنى على الظاهر ، لا على الواقع ، سيما ان احتمال التلف بغير تفريط قائم.

__________________

(١) ج ١٩ ص ٤٧٤.

٢٧٣

والعجب أنهم «رضوان الله عليهم» ذكروا المسألة هنا كما نقلها عنهم جازمين بالحكم المذكور ، مع أنه في باب القراض والوديعة قد استشكل جملة منهم في الحكم بذلك ، نظرا الى ما ذكرناه هنا ، والى أن الأصل أيضا بقاء المال ، لان المفروض أنه في يد المرتهن ، وللخبر عنه (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله «على اليد ما أخذت حتى تؤدي». بل صرح جملة منهم في الوديعة ، وربما كان هو المشهور بأن الوديعة في الصورة المذكورة تخرج من أصل التركة ، مع تصريحهم هنا بكون الرهن كسبيل مال المرتهن ، والمسألة في المواضع الثلاثة من باب واحد ، بل الحكم في كل أمانة ، وسيأتي مزيد تحقيق لذلك إنشاء الله تعالى في كتاب الوديعة.

الحادي عشر : إذا حل الأجل وتعذر الأداء فإن كان المرتهن وكيلا فلا إشكال في جواز بيعه ، واستيفاء حقه ، والا لم يكن له البيع بنفسه ، لانه تصرف في مال الغير بغير اذنه.

ويؤيده ما تقدم في الموضع السابع (٢) من روايتي ابن بكير وعبيد بن زرارة وحينئذ فعليه أن يرجع الى الراهن ، ويلزمه بالبيع أو الاذن فيه ، فان امتنع رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي ، فيلزمه الحاكم بالبيع أو يبع عليه كما يفعل ذلك في سائر الحقوق ، على ما رواه سماعة (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام «قال كان أمير المؤمنين يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ، ثم يأمر فيقسم ماله بالحصص ، فان أبى باعه فقسمه فيهم يعنى ماله. بقي الكلام هنا في موضعين

أحدهما لو غاب الراهن ولم يقدر عليه ، والظاهر رفع الأمر إلى الحاكم ليبيع عليه ، فان تعذر فليبعه المرتهن ، وقد تقدم في موثقة إسحاق بن عمار في الموضع السابع ما يدل على جواز بيع المرتهن ، وظاهرها

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٠٣.

(٢) ص ٢٦٥.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٠٢ لكن عن عمار.

٢٧٤

عدم التوقف على الرجوع الى الحاكم ، الا أنه الاولى ، والأحوط ذلك.

وثانيهما : لو استلزم رفع الأمر إلى الحاكم إثبات الدين مع عجزه عن الإثبات ـ لعدم البينة أو تقدم حضورها أو عدم كونها مقبولة ـ فالظاهر أيضا جواز مباشرة المرتهن لذلك ، واستيفاء حقه لخبر (١) «لا ضرر ولا ضرار».

ويؤيده جواز المقاصة في صورة جحود الدين وعدم البينة كما ورد في الاخبار وخبر المروزي المتقدم في الموضع السادس (٢) الدال على جواز أخذ ماله مما في يده مع خوف جحود الورثة.

ونقل في المسالك القول بجواز مباشرة المرتهن وتوليه البيع بنفسه في صورة عدم إمكان الإثبات وعدم إمكان الوصول للحاكم ، أما لعدمه أو لكونه في بلد بعيد يشق التوصل اليه عن العلامة في التذكرة ، وهو ظاهر اختياره أيضا في الكتاب المذكور.

وقد عرفت ما يؤيده ويدل عليه ، ولو أمكن الإثبات عند الحاكم بالبينة لكن افتقر لي اليمين معها ، لكون المدعى عليه ميتا أو غائبا ، بناء على المشهور ، فيمكن أن يقال : انه غير مانع من الرجوع الى الحاكم ، فلا يجوز له الاستقلال بالأخذ بل يحلف ، وهو ظاهر اختياره في المسالك مع احتماله فيه الجواز أيضا ، دفعا لمشقة الحلف بالله تعالى ، ولو أذن المرتهن في البيع بعد الحلول جاز البيع بقي ، الكلام في التصرف في الثمن ، وقد أطلق جواز التصرف بناء على الاذن المذكور ، وفصل آخرون ـ وهو الظاهر ـ بأنه ان كان الحق موافقا للثمن جنسا ووصفا جاز التصرف ، كما قيل مثله فيما إذا كان ما في ذمة المديون ، مثل الدين جنسا ووصفا ، فإنه يجوز له الأخذ مقاصة من غير توقف على التراضي ، ولو لم يكن موافقا له لم يجز إلا بإذن الراهن ، لأنها معاوضة أخرى ، كما أنه لا يجوز له التصرف في الرهن لذلك وربما كان وجه الإطلاق هو أن جواز التصرف مفهوم من الاذن في البيع

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٩٣.

(٢) ص ٢٦٤.

٢٧٥

والتوكيل ، لأن فائدته جواز التصرف في الثمن وهو جيد ان دل عليه شي‌ء من قرائن المقام ، والا فالتفصيل أجود.

وأما لو اذن له في البيع قبل حلول الأجل جاز البيع ، ولكن ليس له التصرف في الثمن الا بعد حلول الأجل ، لعدم الاستحقاق قبله ، والاذن في البيع لا يقتضي تعجيل الاستيفاء ، وهل يكون الثمن في هذه الصورة رهنا فلا يجوز للراهن طلبه أم لا؟ اشكال ، ولم يحضرني الان تصريح أحدهم بالحكم المذكور ، ويمكن ترجيح العدم ، بأن حق المرتهن انما تعلق بالعين ، فلا يتعدى الى الثمن الا بدليل ، وليس ، فليس. والله العالم.

الفصل الرابع في جملة من المسائل المتعلقة بالنزاع

الاولى : لو اختلف الراهن والمرتهن في الدين الذي على الراهن مع عدم البينة ، فقيل : بأن القول قول الراهن بيمينه ، وهو المشهور ، ذهب اليه الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط ، والصدوق ، وأبو الصلاح ، وابن البراج ، وابن حمزة ، وابن إدريس ، والمحقق ، والعلامة ، والمتأخرون.

وقيل : بأن القول قول المرتهن ما لم يستغرق دعواه ثمن الرهن ، واليه ذهب ابن الجنيد حيث قال : والمرتهن يصدق في دعواه حتى يحيط بالثمن ما لم يكن بينة ، فان زادت دعوى المرتهن على القيمة لا يقبل إلا ببينة ، وله أن يستحلف الراهن على ما يقوله والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا المسألة ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (١) في الصحيح عن أبى جعفر «عليه‌السلام» «في رجل رهن عند صاحبه رهنا لا بينة بينهما فيه ، فادعى الذي عنده الرهن أنه بألف ، فقال صاحب الرهن : انه بمأة ، قال : البينة على الذي عنده الرهن انه بألف وان لم يكن له بينة فعلى الراهن اليمين». ورواه الشيخ في الصحيح ايضا مثله.

وما رواه الشيخان المذكوران عن ابن أبى يعفور (٢) في الموثق عن أبي

__________________

(١ ـ ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٣٧ التهذيب ج ٧ ص ١٧٤.

٢٧٦

عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا اختلفا في الرهن فقال أحدهما : رهنته بألف درهم ، وقال الأخر : بمأة درهم ، فقال يسأل صاحب الألف البينة فان لم يكن بينة حلف صاحب المأة» الحديث. وسيأتي تمامه إنشاء الله تعالى في المسألة الاتية ورواه الصدوق بإسناده عن أبان (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام مثله.

وما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة (٢) في الموثق عن أبى عبد الله عليه‌السلام «في رجل رهن عند صاحبه رهنا لا بينة بينهما فادعى الذي عنده الرهن أنه بألف وقال صاحب الرهن : بمأة فقال : البينة على الذي عنده الرهن أنه بألف فان لم يكن عنده بينة فعلى الذي له الرهن اليمين أنه بمأة».

وهذه الاخبار كلها كما ترى ظاهرة في القول المشهور ، ويعضدها أن ما دلت عليه هو مقتضى القواعد الشرعية ، لأن المرتهن يدعي الزيادة والراهن منكر ، وقد تظافرت الاخبار (٣) «بان البينة على المدعى ، واليمين على المنكر».

ومن أخبار المسألة أيضا ما رواه الشيخ عن النوفلي عن السكوني (٤) «عن جعفر عن أبيه عن على عليهم‌السلام ، في رهن اختلف فيه الراهن والمرتهن ، فقال الراهن : هو بكذا وكذا ، وقال المرتهن : هو بأكثر قال على عليه‌السلام : يصدق المرتهن حتى يحيط بالثمن ، لأنه أمينه».

ورواه الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن مسلم عن جعفر عن أبيه عليهم‌السلام مثله وهذا الخبر هو مستند ابن الجنيد فيما تقدم نقله عنه ، والشيخ قد أجاب عنه بالحمل على أن الاولى للراهن أن يصدق المرتهن.

وأقول : لا يبعد حمل الرواية المذكورة على التقية ، فإنه أحد قولي العامة ، وان كان خلاف المشهور بينهم وكيف كان فهي قاصرة عن معارضة ما قدمناه من الاخبار ،

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ١٩٩.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ١٧٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ١٧٥ الفقيه ج ٣ ص ١٩٧.

٢٧٧

فحملها على أحد الأمرين المذكور متعين ، وليس بعد ذلك الا طرحها وإرجاعها إلى قائلها.

وهنا شي‌ء ينبغي التنبيه عليه ، وهو أن بعض الأصحاب كالمحقق في الشرائع نقل عن ابن الجنيد أن القول قول المرتهن ما لم يستغرق دعواه ثمن الرهن ، والأكثر ومنهم المحقق في النافع ، عبروا بأن القول قوله ما لم يدع زيادة على ثمن الرهن ، ومقتضى العبارة الاولى أنه مع الاستغراق الذي هو أعم من الإحاطة بثمن الرهن أو الزيادة عليه لا يقدم قوله ، ومقتضى العبارة الثانية أنه لو ادعى ما يحيط بالرهن خاصة ، فإنه يقدم قوله ، والظاهر أن منشأ ذلك من عبارة ابن الجنيد المتقدمة ، فإنه في صدر العبارة جعل غاية التصديق إحاطة الدعوى بالثمن ، والغاية خارجة عن المغيا ، فمفهومه أنه مع الإحاطة لا يصدق ، ثم قال في آخر العبارة : فإن زادت دعوى المرتهن على القيمة لا يقبل ، ومفهومه أنه يقبل مع عدم الزيادة ، فإن أحاط بالثمن فقد تعارض في كلامه مفهوم الغاية ، ومفهوم الشرط ، فاختلف النقل عنه لذلك.

والمفهوم من الرواية يوافق ما ذكره ابن الجنيد في صدر عبارته ، حيث لم يتعرض في الرواية للزيادة ، وكان مبنى الاختلاف أن المحقق في الشرائع نظر الى اعتضاد صدر عبارة ابن الجنيد بالرواية ، وبنى على خروج الغاية ولم يلتفت الى مفهوم الشرط ، فنقل عنه أنه يقبل قوله ما لم يستغرق دعواه الرهن ، ومن حمله الاستغراق بالإحاطة بثمنه ، والأكثر كأنهم غفلوا عن الرواية فرجحوا العمل بمفهوم الشرط ، وحملوا مفهوم الغاية على أنه داخل هنا في المغيا ، جمعا بين المفهومين ، فنقلوا عنه أنه يقبل قوله ما لم يزدد دعواه على القيمة والله العالم.

المسألة الثانية ـ لو اختلفا فقال المالك : هو وديعة ، وقال الآخر : هو رهن ، فالمشهور بين الأصحاب «رضوان الله عليهم» ، أن القول قول المالك ، وقيل : القول قول الآخر ، ذهب اليه الصدوق والشيخ في الاستبصار ، قال الصدوق في المقنع : على صاحب الوديعة البينة ، فان لم يكن له بينة حلف صاحب الرهن ، ووافقه الشيخ في الاستبصار.

٢٧٨

وفصل ابن حمزة ، فقال : ان ادعى صاحب المتاع كونه وديعة عنده ، وخصمه كونه رهنا ، فان اعترف صاحب المتاع بالدين ، كان القول قول خصمه ، وان لم يعترف بالدين كان القول قول صاحب المتاع مع اليمين ، ومنشأ هذا الخلاف اختلاف الاخبار في المسألة.

ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) عن أبى جعفر «عليه‌السلام» أنه قال في رجل رهن عند صاحبه رهنا فقال الذي عنده الرهن : ارتهنته عندي بكذا وكذا ، فقال الأخر : انما هو عندك وديعة ، قال : البينة على الذي عنده الرهن أنه بكذا وكذا ، فان لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين.

وما رواه في الموثق عن ابن أبى يعفور (٢) عن أبى عبد الله «عليه‌السلام» في حديث تقدم صدره في المسألة السابقة ، قال : «وان كان الرهن أقل مما رهن به أو أكثر واختلفا فقال : أحدهما : هو رهن ، وقال الأخر : هو وديعة ، قال : على صاحب الوديعة البينة فان لم يكن له بينة حلف صاحب الرهن».

ورواه الصدوق بإسناده عن فضالة عن أبان عن أبى عبد الله عليه‌السلام نقله وطريقه في المشيخة صحيح ، لانه عن أبيه عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن سعيد ، عن فضالة ، ورواه في الكافي في الموثق عن ابن ابى يعفور مثله.

وما رواه الشيخ عن عباد بن صهيب (٣) قال : «سألت أبا عبد الله «عليه‌السلام» عن متاع في يد رجلين فقال : أحدهما يقول : استودعتكه ، والأخر يقول : هو رهن فقال : القول قول الذي يقول أنه رهن عندي الا أن يأتي الذي ادعى أنه أودعه بشهود. ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب عن عباد بن صهيب مثله ، إذا عرفت ذلك فاعلم أن القائلين بالقول المشهور استندوا إلى صحيحة محمد بن مسلم ، والقائلون بالقول الآخر استندوا إلى روايتي ابن أبى يعفور وعباد بن صهيب ،

__________________

(١ ـ ٢) التهذيب ج ٧ ص ١٧٤ الفقيه ج ٣ ص ١٩٩ الكافي ج ٥ ص ٢٣٧.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ١٧٦ الفقيه ص ١٩٥.

٢٧٩

والعلامة في المختلف وشيخنا الشهيد في المسالك ردوهما بضعف الاسناد ، وان كانت الأولى موثقة ، وفيه ما عرفت من أن الصدوق في الفقيه قد رواها في الصحيح عن أبان كما أوضحناه ، ولكنهم غفلوا عن ملاحظتها منه ، واعتمدوا على ما في التهذيب وهي فيه موثقة ، وبه يظهر ضعف ما ذكروه ، هذا مع البناء على اصطلاحهم المحدث ، والا فالروايات جميعا عندنا من باب واحد ، ويؤيده صحيحة محمد بن مسلم «ان الذي عنده المتاع يدعى دينا ورهنا ، والمالك ينكر كلا من الأمرين» ومقتضى القاعدة أن القول قوله بيمينه ، وان الأصل العدم في كل من الأمرين المذكورين ، والشيخ في الاستبصار قد أجاب عن الصحيحة المذكورة بأنه انما قال «عليه البينة» على مقدار الدين الذي ارتهنه به ، لا على أصل الرهن ، وحينئذ فيمين المالك مع تعذر البينة انما هي على نفى الدين ، واستبعد جملة ممن تأخر عنه.

ويمكن أن يقال عن جانب الشيخ : ان الأصل وان كان كما ذكروه ، الا أنه يجب الخروج عنه بالدليل ، وهي صحيحة أبان المؤيدة بالرواية الأخرى ، وله نظائر في الاخبار غير عزيزه.

ومنها من استودع شخصا مالا فتلف فقال صاحب المال : هو قرض في ذمتك ، وقال الآخر : هو أمانة ، فان مقتضى الأصل الذي اعتمدوه هو تقديم قول مدعى الأمانة لأن صاحب المال يدعي أمرا زائدا وهو اشتغال الذمة ، والأصل عدمه.

والحال أن موثقتي إسحاق بن عمار (١) قد صرحتا بأن القول قول مدعى القرض بيمينه ، وأن مدعى الوديعة تكلف البينة ، ومع عدمها يحلف مدعى القرض.

ومن الموثقتين المذكورتين ما رواه الراوي المذكور (٢) في الموثق عن أبى عبد الله عليه‌السلام «في رجل قال لرجل : لي عليك ألف درهم ، فقال الرجل : لا ولكنها وديعة ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٧٦ و ١٧٩.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٣٨.

٢٨٠