الحدائق الناضرة - ج ٢٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

ولا بد في الكيل والوزن من المعلومية فيما يكال به ويوزن كما صرح به في رواية غياث المتقدمة ، وصحيحة محمد الحلبي ، فلا يجزى ما كان مجهولا من مكيال أو ضنج وان تراضيا عليه ، وقد تقدم الكلام في ذلك في البيع ، وظاهر الأصحاب هنا انه لا فرق في ذلك بين ما يعتاد كيله ووزنه وما يعتاد بيعه جزافا كالحطب والقصب والحجارة ونحوها ، لأن المشاهدة ترفع الضرر ، وفي السلم حيث كان ما سلم فيه غائبا أو معدوما فلا بد من معلوميته بأحد الوجهين ليصح العقد عليه ، فعلى هذا لا يجوز السلم في القصب اطنابا ولا في الحطب حزما ولا في المجز ورجزا لما عرفت من اختلاف المذكورات الموجب للغرر في عقد السلف ، بخلاف ما لو بيع مشاهدا فإن المشاهدة ترفع الغرر عنه ، ويجوز السلم في الثوب أذرعا وان قلنا بجواز بيعه مع المشاهدة بدون الذرع ، لما عرفت من ان المشاهدة ترفع الغرر بخلاف ما لم يشاهد ، وهل يجوز الإسلاف في المعدود عددا قيل لا ، لعدم انضباط المعدود فلا يحصل العلم بقدره بدون الوزن ، وقيل بالتفصيل وعدم جواز ذلك في مثل الرمان لحصول التفاوت في أفراده ، وجواز ذلك في مثل الجوز واللوز والبيض لعدم التفاوت في بعض وقلته في آخر بحيث يتسامح به.

وفي الدروس الحق البيض بالرمان الممتنع فيه ، وعلى كل تقدير لا بد في البيض من تعيين الصنف ، ولا بد في الثمن أيضا ان يكون مقدرا بالكيل أو الوزن ، فلا يكفى مجهولا كقبضة من دراهم وصبرة من طعام ، ولا يجوز الاقتصار على مشاهدته إذا كان مما يكال أو يوزن أو يعد ، اما لو كان مما يباع جزافا جاز الاقتصاد على مشاهدته كما لو بيع ، ولو كان الثمن من المذروعات كالثوب فهل يكتفى بمشاهدته عن ذرعه كما لو بيع حسبما تقدم ، فكذا إذا كان ثمنا أم لا بد من ذرعه ، قطع الشيخ باشتراط ذرعه وتوقف العلامة في المختلف واختار في المسالك بناءه على جواز بيعه كذلك فان قلنا به في البيع أجزناه هنا ، وخالف المرتضى رضى الله عنه في ذلك كله فاكتفى بالمشاهدة في الثمن مطلقا مكيلا أو موزونا أو معدودا أو مذروعا قال في المسائل

٢١

الناصرية حيث ذكر المسألة أن معرفة مقدار رأس المال شرط في صحة السلم ، ما أعرف لأصحابنا إلى الان نصا في هذه المسألة ، الا أنه يقوى في نفسي أنه رأس مال السلم إذا كان معلوما بالمشاهدة مضبوطا بالمعاينة لم يفتقر الى ذكر صفاته ومبلغ وزنه وعدده ، وهو المعمول عليه من قول الشافعي ، ثم نقل عن أبي حنيفة القول بما عليه الأصحاب من الاشتراط إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا ، والمشهور الأول وبه صرح الشيخ في المبسوط والخلاف.

احتج العلامة في المختلف للقول المشهور قال : لنا انه غرر فيكون منهيا عنه ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) «نهى عن الغرر». ولانه عقد لا يمكن إتمامه في الحال ولا تسليم المعقود عليه ، ولا يؤمن انفساخه فوجب معرفة مقدار رأس المال ليرد بدله ، ولانه لولاه لأفضى إلى التنازع والشارع أرشد إلى المصالح النافية للتنازع ، كالشهادة وغيرها ، ومعلوم أن الضرر الناشي من تجهيل الثمن أشد من ضرر ترك الشهادة ولانه لا يؤمن أن يظهر بعض الثمن مستحقا فيفسخ العقد في قدره ، فلا يدرى كم بقي وكم انفسخ.

ونقل عن المرتضى أنه احتج بما روى عن النبي (٢) (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «انه قال : من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم». فاذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في السلم على هذه الصفات ولم يشترط سواها» ثم أجاب عنه بأنه بين أولا النهي عن الغرر ، ومن جملته جهالة الثمن ، فالإذن في السلم بعد ما بين أولا غير دال على ما ادعاه انتهى. وحاصله أن الخبر مطلق يجب تقييده بما دل على النهى عن الغرر.

وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور لأنه الأنسب بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية مع موافقته للاحتياط المطلوب في الدين كما لا يخفى على الحاذق المكين.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الرقم ٤.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٨.

٢٢

ويمكن أن يستدل على ذلك زيادة على ما ذكر بما رواه في الكافي عن ابى مريم الأنصاري (١) في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام «أن أباه لم تكن يرى بأسا بالسلم في الحيوان بشي‌ء معلوم إلى أجل معلوم». فان الظاهر ان الشي‌ء المعلوم عبارة عن الثمن بمعنى أنه يشتريه سلما بشي‌ء معلوم ، ومن الظاهر ان المعلومية في المكيل لا يتحقق الا بكيله والموزون الا بوزنه وهكذا في المعدود والله العالم.

الشرط السادس اعتبار الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، فلو ذكر أجلا مجهولا كان يقول : حتى أردت أو ما يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج أو إدراك الثمن كان كان باطلا ، وقد تقدم ما دل عليه في رواية غياث بن إبراهيم وصحيحة الحلبي وصحيحة عبد الله بن سنان أو حسنته ونحوها قوله عليه‌السلام في رواية أبي مريم الأنصاري المتقدمة بشي‌ء معلوم إلى أجل معلوم وفر له عليه‌السلام في رواية قتيبة الأعشى (٢) «أليس يسلم في أسنان معلومة إلى أجل معلوم قلت : بلى قال : لا بأس». الى غير ذلك من الاخبار المؤيدة باتفاق الأصحاب.

وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مواضع الأول ـ قال في الشرائع ولو اشتراه حالا قيل يبطل ، وقيل يصح ، وهو المروي ، لكن يشترط أن يكون عام الوجود في وقت العقد أقول قال الشيخ في النهاية لو أخل بالأجل كان البيع غير صحيح ، وفي الخلاف السلم لا يكون إلا مؤجلا ، ولا يصح أن يكون حالا ، وتبعه ابن إدريس وهو قول ابن أبى عقيل.

قال في المختلف بعد نقل ذلك والتحقيق أن نقول ان قصد السلم وجب ـ الأجل ، واما لو قصد الحال مثل ان يقول أسلمت إليك هذا الدينار في هذا الكتاب أو في قفيز حنطة فالأقرب الصحة ، وينعقد بيعا مطلقا ، لا سلما ، لنا أن البيع جزء من السلم ويصح إطلاق اسم الكل على جزئه فإذا قصداه وجب انعقاده عملا بالقصد ، ولانه عقد يصح مؤجلا فيصح حالا لبيوع الأعيان ، ولأنه إذا جاز مؤجلا كان الحال

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٢٠.

٢٣

أولى بالجواز ، لانه من الغرر أبعد ، ثم نقل عن الشيخ انه احتج بإجماع الفرقة ، وبالإجماع على الصحة مع الأجل ، وما عداه لا دليل عليه ، وبما رواه ابن عباس (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «أنه قال : من أسلف فليسلف في كيل معلوم وأجل معلوم». والأمر يقتضي الوجوب ، ولأنه أمر بهذه الأمور تثبيتا للسلم ، ولهذا لا يصح إذا انتفى الكيل أو الوزن ، فكذا الأجل ، ثم أجاب بالقول بموجب هذه الأدلة قال : لأنا نسلم ان مع قصد السلم يجب ذكر الأجل ، وليس صورة النزاع ، بل البحث فيما لو تبايعا حالا بحال بلفظ السلم انتهى.

وظاهر كلامه (قدس‌سره) أن محل الخلاف في هذه المسألة صحة وبطلانا انما هو فيما إذا تبايعا بقصد الحلول ، سواء صرح به في العقد أم لم يصرح به ، فإنه هل يكون بيعا كسائر أفراد البيوع وان وقع بلفظ السلم كما اختاره ، أو يكون باطلا بناء على أن وضع السلم على التأجيل. وأنت خبير بأنه على هذا التقدير يرجع الى الخلاف المتقدم في صدر البحث في أن البيع المطلق هل ينعقد بلفظ السلم أم لا ، فعلى القول بالانعقاد كما هو المشهور تثبت الصحة هنا ، وعلى العدم العدم.

وظاهر عبارة المحقق المتقدمة أن موضع الخلاف انما هو فيما إذ قصد السلم لا البيع المطلق ، وأخل بذكر الأجل على ذلك التقدير وأظهر منها عبارة الشهيد في الدروس حيث قال : الثالث ان يكون المسلم فيه دينا (٢) لانه موضوع لفظ السلم لغة وشرعا ، فلو أسلم في عين كان بيعا ، ولو باع موصوفا كان سلما نظرا الى المعنى في الموضعين

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٨٧.

(٢) قال المحقق الشيخ على في شرح القواعد ـ بعد قول المصنف الخامس كون المسلم فيه دينا الى آخره ـ ما لفظه وذلك لان السلم لا يكون إلا مؤجلا ، فإذا وقع حالا امتنع كونه من افراد السلم ، وكون العين موصوفة لا يصيره سلما لانتفاء الأجل ، ولكن سيأتي أنه لا بد من التصريح بالحلول. انتهى وهو ظاهر في خلاف ما اختاره في الدروس من كون ذلك سلما وأنه ليس الأجل شرطا في السلم مطلقا. منه رحمه‌الله.

٢٤

وليس المانع من السلف في العين اشتراط الأجل الذي لا يحتمله العين ، لأن الأصح انه لا يشترط الأجل ، نعم يشترط التصريح بالحلول وعموم الوجود عند العقد ، ولو قصد الحلول ولم يتلفظا به صح أيضا ، ولو قصد الأجل اشترط ذكره ، فيبطل العقد بدونه ولو أطلقا العقد حمل على الحلول انتهى.

وظاهره أن الأصح أنه لا يشترط الأجل في السلم بقول مطلق لجواز السلم في العين حالا بالشرطين المذكورين ، وانما يشترط ذكر الأجل فيه فيما إذا قصد التأجيل وخلاف الأصح هو اشتراط الأجل في السلم مطلقا ، كما هو ظاهر كلام الشيخ المتقدم ومن تبعه ، واستجود في المسالك أن هذا هو محل الخلاف دون الأول.

والظاهر ان الرواية التي أشار إليها في عبارة الشرائع هي ما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشترى الطعام من الرجل ليس عنده ، فيشترى منه حالا قال : ليس به بأس قلت : انهم يفسدونه عندنا ، قال : وأي شي‌ء يقولون في السلم؟ قلت : لا يرون به بأسا ، يقولون هذا إلى أجل ، وإذا كان الى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح ، فقال : إذا لم يكن أجل كان أجود ، ثم قال : لا بأس بأن يشترى الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل ، وحالا (٢) لا يسمى له أجلا ، الا أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه. فلا ينبغي شراء ذلك حالا».

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ١٧٩ التهذيب ج ٧ ص ٤٩.

(٢) الذي في التهذيب في هذه الرواية «قال : لا بأس بان يشترى الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل ، فقال لا يسمى له أجلا» فأبدل لفظ «وحالا» كما في الفقيه بلفظ «فقال» ولا ريب انه غلط من قلمه ، والعجب انه في الوافي نقل الرواية عن الكتابين بلفظ (فقال) مع ما عرفت فيه من الاختلال ، ولم ينبه على ما في الفقيه ، وكذا في بعض نسخ التهذيب ايضا وهو الأصح ـ منه رحمه‌الله.

٢٥

أقول : والذي يقرب عندي أنه لا ثمرة في هذا الخلاف على كل من التقديرين المذكورين ، وملخص الكلام في المقام أنه اما ان قلنا بوقوع البيع بلفظ السلم كما هو المشهور فلا مانع من البيع حالا بهذا اللفظ ، والا فلا ، وعلى هذا لو تبايعا بهذا اللفظ بشرط الحلول بنى في الصحة والبطلان على الخلاف المذكور ، وأما لو قصد السلم الذي هو عبارة عن شراء ما في الذمة فلا بد من الأجل ولا يصح بدونه كما صرح به الشيخ واتباعه ، واليه أشار في الدروس في صدر العبارة المنقولة ، واما قوله في الدروس «وليس المانع من السلف في العين اشتراط الأجل» الى آخره فإنه لا يخرج عما ذكرناه من جواز البيع والاشتراء بلفظ السلم كما هو المشهور ، والرواية المذكورة لا دلالة فيها على أزيد من جواز بيع الإنسان ما ليس عنده بشرط أن يكون عام الوجود وقت العقد ، ومثلها في هذا المعنى أخبار عديدة ولا إشارة في شي‌ء منها فضلا عن التصريح بكون ذلك سلما.

نعم المفهوم من الاخبار أن البيع قد يقع على ما في الذمة من غير اشتراط التأجيل بل قصد الحلول كما دلت عليه الأحاديث المذكورة ، وقد يقع مع اشتراط التأجيل وهو السلم المشهور وقد يقع على العين المشخصة الموجودة ، فإن أريد أن الأول من حيث كونه في الذمة يطلق عليه السلم كالثاني ويسمى سلما فلا مشاحة في ذلك.

والثاني قالوا : ولا بد أن يكون الأجل معلوما للمتعاقدين على وجه يكون مضبوطا في نفسه بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، فلا يكفى تعينه في نفسه بحيث يحتاج إلى مراجعة غيرهما في معرفته كالنيروز الذي هو عبارة عن انتهاء الشمس إلى أول برج الحمل ، وهو الاعتدال الربيعي ، والمهرجان الذي هو عبارة عن انتهائها إلى أول برج الميزان وهو الاعتدال الخريفي ولو قال : الى جمادى فهل يحمل على أقربهما ويكون العقد صحيحا أم لا لكون اللفظ مشتركا واحتمال الأمرين متساويا فلا يمكن حمل الإطلاق على أحدهما وجهان بل قولان : للأول أنه قد

٢٦

علق العقد على هذا الاسم وبدخول الأول من الشهرين يصدق الاسم فلا يعتبر غيره فيكون الإطلاق دالا عليه بالتقريب المذكور فيحمل عليه ويصح العقد.

وللثاني ما تقدم من أن اللفظ مشترك ومحتمل لهما معا فلا يمكن حمل الإطلاق على أحدهما ، وهل يكون الحكم كذلك فيما لو شرط التأجيل إلى يوم معين من أيام الأسبوع كالخميس والجمعة أم لا ، فرق في التذكرة فحكم في اليوم بحمله على الأول ، لدلالة العرف عليه ، وتردد في الأول ، واحتمل في المسالك التساوي بينهما في الحمل على الأول.

والتحقيق أن يقال : أنه ان كان فهم المتعاقدين متفقا على إرادة الأول فلا إشكال في الصحة ، وحمل إطلاقهما عليه ، لان قصد ذلك في قوة ذكره في اللفظ والا كان باطلا ، سواء اعتقد نقيضه أم لا لان ما جعلا ، من الأجل محتمل للزيادة والنقصان فلا يمكن حمل الإطلاق على أحدهما.

الثالث يحمل الشهر على الهلالي إن اتفق التأجيل في أوله سواء كان ثلاثين يوما أو أقل ، وعلى ثلاثين يوما ان اتفق في الأثناء ، ويعتبر في الأولية والأثناء العرف لا الحقيقة لانتفائها غالبا أو دائما ، إذ لا يتفق المقارنة المحضة لغروب الشمس ليلة الهلال ، فعلى هذا لا يقدح فيه نحو اللحظة ، والظاهر أن الساعة غير قادحة ايضا ، أما نصف الليل فقد صرحوا بأنه قادح ، فيرجع حينئذ إلى العدد.

ولو قال : الى شهر كذا حل بأول جزء منه ليلة الهلال ، والغاية وان اختلفت دخولا وخروجا (١) الا أن العرف هنا قاض بالخروج فيحكم به لانه المرجع حيث لا حقيقة شرعية ، كما أنه قاض بالدخول لو قال : الى شهر وأطلق ، فإنه يتمه بآخره ويكون الغاية داخلة ، والوجه فيه انه لولا ذلك للزم خلو السلم عن الأجل.

__________________

(١) فإنها قد تكون داخلة ، كما إذا قلت قرأت القرآن الى آخره ، وقد تكون خارجة ، كقوله سبحانه «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» وقد تكون محتملة لكل من الأمرين كغسل اليد الى المرفق منه رحمه‌الله.

٢٧

ولو قال : الى شهرين فان كان في أول شهر فلا اشكال ولا خلاف في انه يعد شهرين هلاليين ، لأن الأصل في الشهر عند الإطلاق هو الهلالي ، وانما يعدل عنه إلى العددي عند تعذر حمله على الهلالي.

وان كان في الأثناء فأقوال أحدها اعتبار الشهرين المذكورين بالهلالي ، اما الثاني فظاهر لوقوعه بأجمعه هلاليا ، واما الأول فلصدق معنى القدر الحاصل منه عرفا كنصفه وثلثه مثلا ، فيتم من الثالث قدر ما فات منه حتى لو كان ناقصا كفى إكمال ما يتم تسعة وعشرين يوما ، لان النقص جاء في آخره ، وهو من جملة الأجل والثابت من الأول لا يختلف بالزيادة والنقصان ، وهذا القول نقله المحقق في الشرائع.

وثانيها اعتبار ما عدا الأول هلاليا وأنه يتمم الأول ثلاثين يوما ، والوجه فيه اما بالنسبة إلا ما عدا الأول فلصدق الهلالي ، وقد عرفت ان الأصل في الشهر ذلك ، واما بالنسبة إلى الشهر الأول المكسور فلأنه بإهلال الثاني لا يصدق عليه انه شهر هلالي فيكون عدديا ، ولا يمكن اعتبار الجميع بالهلالي لئلا يلزم اطراح المنكسر وتأخر الأجل عن العقد مع الإطلاق ، وحينئذ فيكمل الأول ثلاثين يوما بعد انقضاء المقصود من الهلالي من شهر أو أكثر قال في المسالك وهو قول الأكثر.

أقول : وهو اختيار المحقق في الشرائع وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ونقله في المختلف عن الشيخ ايضا وهو الأوفق بالقواعد المقررة.

وثالثها انكسار الجميع بكسر الأول فيقدر الكل بالعدد ذهب اليه الشيخ في أحد قوليه ، ونفى عند البعد في المختلف قال : ولا استبعد بكونها كلها عددية بناء على المتعارف من الحمل عليه عند قرب الهلال ، وفيه ما يأتي ذكره إنشاء الله (تعالى) ، والوجه في هذا القول أن الشهر الثاني لا يعقل دخوله الا بعد انقضاء الأول ، فالأيام الباقية اما ان لا تحتسب من أحدهما أو من الثاني وكلاهما محال ، أو من الأول فلا يعقل دخول الثاني حتى يتم الأول بعدد ما فات منه من الثاني فينكسر الثاني وهكذا ، وفيه ـ زيادة

٢٨

على ما تقدم ـ أن الأشهر الباقية يمكن إجراؤها على حكم الأصل ، وهو الاعتبار بالهلال إذ لا مانع منه فيتعين الحمل عليه ، ولا يلزم إكمال الشهر الأول المنكسر من الذي يليه بلا فاصلة لصدق الإكمال مما بعده سواء كان مما يليه أو يتأخر عنه ، إذ لا محذور لازم من الإكمال من غيره ، بخلاف ما لو أكمل من الذي يليه فإنه يلزم اختلال الشهر الهلالي مع إمكان اعتباره بالهلالي ، ولأن الأجل إذا كان ثلاثة أشهر مثلا فبعد مضى شهرين هلاليين وثلاثين يوما ملفقة من الأول والرابع يصدق أنه قد مضى ثلاثة أشهر عرفا فيحل الأجل ، والا كان أزيد من المشترط ، ولأنه إذا وقع العقد في نصف الشهر مثلا ومضى بعده شهران هلاليان يصدق انه مضى من الأجل شهران ونصف ، فيكفي إكمالها خمسة عشر يوما لصدق الثلاثة معها ، وهذا أمر ثابت في العرف حقيقة والله العالم.

الشرط السابع ـ غلبة الوجود وقت الحلول إذا اشترط الأجل كما هو الأشهر الأظهر ، والمراد غلبة الوجود في البلد الذي شرط تسليمه فيه ، أو بلد العقد حين يطلق على أحد الأقوال الاتية. أو فيما قاربه بحيث ينتقل إليه عادة ، وظاهر الأكثر انه لا يكفى وجوده نادرا ، وفي القواعد جعل الشرط إمكان وجوده (١) في ذلك الوقت وهو يشعر بدخول النادر وتأولوه بما يرجع الى قول الأكثر ، ولم نقف في أصل هذا الشرط على دليل واضح ، بل ربما الظاهر من الاخبار ما ذكره القواعد ولم أقف على مخالف لما ذكروه في هذا المقام سوى المحقق الأردبيلي طاب ثراه حيث قال بعد قول المصنف «وغلبة وجوده وقت الحلول» ما لفظه هذا هو الثامن من الشروط ودليله غير واضح بل الظاهر عدم ذلك والاكتفاء بإمكان وجوده كما هو ظاهر

__________________

(١) قال المحقق الشيخ على في شرح القواعد : المراد بإمكان وجوده كونه بحيث يوجد كثيرا عادة بحيث لا يندر تحصيله ، فالمراد بإمكان وجوده عادة هو الذي لا يعز وجوده انتهى ، ولا يخفى ما فيه من التكلف والخروج عن ظاهر العبارة. منه رحمه‌الله.

٢٩

عبارة القواعد والتذكرة على ما نقل في شرح الشرائع (١) بمعنى القدرة على تسليم المبيع حين الأجل بناء على ظنه ، كما تشعر به عبارة الدروس حيث جعل الشرط القدرة على التسليم عند الأجل ويؤيده ما في موثقة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس بان يشترى الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل ، وحالا لا يسمي أجلا الا ان يكون بيعا لا يوجد مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه فلا ينبغي شراء ذلك حالا».

وصحيحة زرارة (٣) «قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل اشترى طعام قرية بعينها؟ فقال : لا بأس ان خرج فهو له وان لم يخرج كان دينا عليه.

ورواية خالد بن الحجاج (٤) عن ابى عبد الله عليه‌السلام في الرجل يشترى طعام قرية بعينها ، وان لم يسم له قرية بعينها أعطاه من حيث شاء».

وهما يدلان على جواز اشتراط القرية المعينة ، والمشترطون غلبة وجود المسلم فيه لا يقولون به ، بل صرحوا بأنه لو شرطت بطل السلم ، ويظهر ان ظن الوجود وإمكانه حين الأجل في الجملة يكفي ، ولا شك في حصول الظن بحصول غلة قرية وان كانت صغيرة ، بل ولو أرضا معينة قليلة ، ولهذا يتكل صاحبها على غلة تلك الأرض ، ولا يزرع غيرها ظنا بأنه يحصل له منها غلة ، ويبيع ويشترى رجاء للوفاء منها ، وكذا غزل امرأة معينة ، ولا اعتبار بإمكان موتها لحصول الظن بالحياة للاستصحاب ، ولهذا يكتب إليها كتابة ويبعث إليها هدايا بعد الغيبة بمدة طويلة

__________________

(١) أقول الموجود في شرح الشرائع انما هو النقل عن القواعد ، واما عن التذكرة فليس فيما حضرني من نسخ المسالك له اثر ولعله كان في النسخ التي كانت عنده (قدس‌سره) والله العالم : منه رحمه‌الله.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ١٧٩ التهذيب ج ٧ ص ٤٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب السلف الرقم ـ ١ الفقيه ج ٣ ص ١٣٢.

(٤) الكافي ج ٥ ص ١٨٧ التهذيب ج ٧ ص ٣٩.

٣٠

وبمثل هذا جعل الاستصحاب دليلا فعدم صحة مثله على ما قالوه محل التأمل انتهى وهو جيد وجيه.

المقام الثاني في الأحكام

وفيه مسائل الأولى ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في اشتراط ذكر موضع التسليم في العقد ـ مع اعتراف جملة منهم بأنه لا نص فيه ـ على أقوال : أحدها اشتراطه مطلقا ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، وتبعه عليه جمع ممن تأخر عنه ، واستقر به الشهيد (رحمة الله عليه) وعللوه بان مكان التسليم مما يختلف فيه الأغراض ، ويختلف باختلافه الثمن والرغبات ، فإنه قد يكون بعيدا من المشترى ولا يرغب في تكثير الثمن ، ولا في الشراء على بعض الوجوه ، وقد يكون قريبا فينعكس الحكم ، وكذا القول في البائع.

أقول فيه ما أشرنا إليه في غير مقام مما تقدم من ان مثل هذه التعليلات لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، على انه لو صلح كون ذلك علة كما ذكروه لما خفي على الأئمة (صلوات الله عليهم) فكيف لم ينبهوا عليه ، ولم يذكروا في شروط السلم موضع التسليم ، كما ذكروا غيره مما تقدم ذكره ، أرأيت انهم (رضوان الله عليهم) اهتدوا الى ما لم يهتد إليه الأئمة (صلوات الله عليهم) على تطاول مدتهم وأزمانهم ، ولم يهتد إليه أحد من نقلة اخبارهم ، بل الحق ان ذلك انما هو من باب اسكتوا عما سكت الله عنه ، كما في جملة من الاخبار (١).

__________________

(١) وهكذا ما ذكروه ايضا من ان المطالبة بالمبيح فرع ثبوته في الذمة واستحقاق المطالبة وذلك في السلم المؤجل غير معلوم ، لأنه انما يكون عند الحلول ، ولا يعلم في أي مكان يتحقق الحلول على البائع ، ولهذا يفرق بينه وبين القرض حيث الصرف الى مكان العقد وكذا البيع لا يلزم مثله في بيع النسيئة لخروجه بالإجماع على عدم اشتراط تعيين محله ، والا لكان الدليل قائما فيه فلا يلحق به المختلف فيه انتهى

٣١

وثانيها عدمه مطلقا وهو ظاهر الشيخ في النهاية واختاره العلامة في التحرير والإرشاد والمحقق في الشرائع وجمع آخرون وهو ظاهر ابن ابى عقيل على ما نقله في المختلف ووجهه مضافا الى أصالة العدم إطلاق الأوامر بالوفاء بالعقود «وحل البيع» والإجماع على عدم اشتراطه في باقي أنواع البيع وان كان مؤجلا وهذا هو الأظهر عندي.

واختار هذا القول ابن إدريس وادعى عليه الإجماع ، قال : وليس من شرط صحة السلم ذكر موضع التسليم بغير خلاف بين أصحابنا والأصل براءة الذمة وقوله تعالى «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» وهذا بيع وقوله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وما ذكره الشيخ في الخلاف لم يذهب إليه أحد من أصحابنا ولا ورد به خبر عن أئمتنا (عليهم‌السلام) وانما هو أحد قولي الشافعي اختاره شيخنا أبو جعفر (رحمة الله عليه) الا تراه في استدلاله لم يتعرض بإجماع الفرقة ولا أورد خبرا في ذلك لا من طريقنا ولا من طريق المخالفين.

واعترضه العلامة في المختلف فقال : ومن العجب قول ابن إدريس انه لا يشترط بغير خلاف بين أصحابنا ، مع وجود ما نقلناه من الخلاف بين أصحابنا وقوله الأصل براءة الذمة يعارضه أصالة بقاء المال على صاحبه ، «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» مصروف الى البيع الصحيح دون الفاسد ، ونحن نمنع من صحة المتنازع فيه.

وكذا قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ونسبة ما ذكره الشيخ في الخلاف الى أحد قولي الشافعي وليس قولا لأحد من أصحابنا يدل على قلة معرفته بمواضع الخلاف ، وقوله لم يوجد في أحاديث أصحابنا ولا غيرهم ممنوع ، لأنهم عليهم‌السلام نصوا

__________________

وفيه ان ما ذكروه كله مبنى على ما اصطلحوا عليه وذكروه في التعليلات التي من هذا القبيل والا فلا نص في شي‌ء من ذلك ، والواجب مع الحلول ما حل عليه في أي مكان كان وفي سلف أو بيع أو قرض ، والفرق بين بعضها وبعض في الأمكنة لا اعرف عليه دليلا واضحا والله العالم منه رحمه‌الله.

٣٢

على اشتراط الوصف ، وهو يتناول المكان ، لأن الأين من جملة الأوصاف اللاحقة بالماهية ، فكون الشيخ لم يستدل بالإجماع ولا بالاخبار لا يدل على بطلان الحكم ، لإمكان الاستدلال عليه بغيرها انتهى.

أقول : لا يخفى عليك ما فيه من الوهن الظاهر لكل ناظر ، ولا سيما معارضته لأصالة براءة الذمة بأصالة بقاء المال على صاحبه ، فان هذه الأصالة يجب الخروج عنها بالأدلة العامة والخاصة بالسلف ، من الآيات والروايات الدالة على حل البيوع ، وصحتها بجميع أنواعها ـ وخصوصا أخبار بيوع السلف حيث أنها خالية عن ذلك ـ الا ما قام الدليل الواضح على فساده ، وكان الواجب عليه اقامة الدليل على فساد البيع في موضع البحث ، ليتجه له تخصيص تلك الأدلة ، والا فتخصيصها بمجرد الدعوى مصادرة محضة ، ومجازفة ظاهرة ، وأضعف من ذلك دعواه دلالة الاخبار على ذلك ، بتقريب أنها دلت على اشتراط الوصف ، والمكان من جملة الأوصاف ، فإن الوصف عندهم انما هو عبارة عما يفرق به بين أصناف النوع كما تقدم ذكره في كلام الدروس.

ولهذا انهم عدوا من الشروط الوصف على حدة ، وعدوا ذكر موضع التسليم على حده ، على أنك قد عرفت مما أشرنا إليه آنفا أنه ليس في الاخبار ما يدل على استقصاء الأوصاف على الوجه الذي ذكروه ، حتى أنه يتعدى الى ما يحمله هنا ، وادعى أنه من جملة الأوصاف ، وبالجملة فإن كلامه (قدس‌سره) انما هو محض تعصب على ابن إدريس كما هو عادته ، وقبله المحقق «عطر الله مرقديهما» ، من الرد عليه غالبا بما هو حق تارة وباطل أخرى.

وثالثها التفصيل بأنه ان كان في حمله مؤنة وجب تعيين محل حمله ، والا فلا ، وذهب اليه الشيخ في المبسوط وابن حمزة ، ووجهه ظاهر مما تقدم في القول الأول ، فإن الأغراض إنما تختلف في محل يفتقر الى المؤنة ، وأما غيره فلا ، وفيه ما أوردناه على القول الأول.

٣٣

ورابعها التفصيل أيضا لكن بنحو آخر ، وهو أنه ان كانا في برية أو بلد غربة قصدهما مفارقته اشترط تعيينه ، والا فلا ، اختاره العلامة في القواعد والمختلف ، والوجه فيه ما ذكره في المختلف قال : لنا انهما متى كانا في برية أو بلد لا يجتمعان فيه لم يمكن التسليم في مكان العقد ، ويتعين غيره ، وليس أحد الأمكنة أولى من الأخر ، وذلك يفضى الى التنازع لجهالته ، وأما إذا كانا في بلد يجتمعان فيه فان إطلاق العقد يفتضى التسليم في بلده ، ولأن في تعيين المكان غرضا ومصلحة لهما فالأشبه تعيين الزمان.

أقول : وفيه ما تقدم في القول الأول ، ويزيد هنا بأن مبنى الاشكال الذي أوجب له القول بالتفصيل المذكور هو ما ذكروه من أن إطلاق العقد يقتضي وجوب التسليم في مكان العقد ، وهذا مما لم نقف له على دليل من النصوص ، لا بالعموم ولا الخصوص ، بل الواجب مع حلول الدين هو الأداء في أي مكان كان ، وسيأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ ما فيه مزيد إيضاح لما ذكرنا وبيان.

وخامسها أنه ان كان لحمله مؤنة أو لم يكن المحل صالحا كالقرية اشترط تعيينه والا فلا ، وهو خيرة العلامة في التذكرة ، ووجهه مركب من القولين السابقين عليه.

قال في المسالك بعد نقل الأقوال المذكورة (١) : ولكل من الأقوال وجه ، الا أن الأخير يضعف السابقين عليه ، ويبقى الإشكال في ترجيح أحد الثلاثة ، فأصالة البراءة وحمل الإطلاق في نظائره على موضع العقد يرجح الأول ، واختلاف الأغراض وعدم الدليل الدال على تعيين موضع العقد في المتنازع يؤيد الثاني ، ووجه الأخير ظاهر ولا ريب أن التعيين مطلقا أولى ، وانا في ترجيح أحدهما من

__________________

(١) أقول صورة نقل شيخنا المذكور للأقوال حسبما ذكرنا الا انه جعل الأول هو الثاني والثاني أولا وباقي الأقوال الثلاثة حسبما أوردناه من الترتيب وبه ينكشف غشاوة الإجمال عن عبارته التي نقلناها في الأصل ـ منه رحمه‌الله.

٣٤

المترددين انتهى.

أقول والتحقيق أن ما ذكروه من هذه التعليلات فيما عدا القول الأول غاية ما تفيده الأولوية دون الوجوب كما يدعونه ، فإن الأحكام الشرعية من الوجوب والتحريم ونحوهما لا تثبت بمثل هذه التخريجات ، بل لا بد فيها من التعليل الشرعي الواضح من آية أو رواية ، والا كان قولا على الله بغير علم ، وقد استفاضت الآيات والروايات بالمنع منه والزجر عنه ، والتحقيق عندي في هذا المقام هو ما ذكره المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) وان كان قد هجس بفكري قبل الوقوف على كلامه (قدس‌سره) حيث قال بعد قول المصنف «وليس ذكر موضع التسليم شرطا» ما صورته : دليل عدم الاشتراط هو عموم أدلة جواز هذا البيع وخصوصها مع خلوها عن سبب اشتراط ذكر موضع التسليم مع عدم المانع ، والجهالة واحتمال النزاع واختلاف الأغراض يندفع بانصرافه الى موضع يقتضيه العرف ، كما في سائر البيوع والعقود خصوصا النسيئة.

نعم الأحوط ذلك خصوصا مع وقوعه في موضع يعلمان مفارقته قبل حلول الأجل ، أو يحتاج نقله إلى مؤنة ولم تكن عادة ، فإن كان مقتضى العادة والقرينة شيئا والا انصرف الى موضع الحلول ، لان مقتضى العقد وجوب تسليم المبيع عند الحلول في أي مكان كان مع وجود المسلم فيه عادة ، وعدم قرينة إرادة خلافه ، ولكن ظاهر كلام الأصحاب أن موضع التسليم موضع العقد ، فان كان لهم دليل من الإجماع والا فالظاهر ما مر لما مر. انتهى وهو جيد نفيس.

المسألة الثانية لو أراد بيع ما أسلف فيه فهنا صور ، احديها بيعه قبل حلول الأجل حالا ، والظاهر أنه لا خلاف في عدم الجواز لعدم استحقاقه له (١).

__________________

(١) أقول عبائر جملة الأصحاب حتى الأصحاب المتون انه لا يجوز بيعه قبل حلوله وهو أعم من أن يكون المبيع حالا أو مؤجلا ، والثمن ايضا حالا أو مؤجلا ، وقال في المهذب : الدين المؤجل منع ابن إدريس من بيعه مطلقا

٣٥

وثانيها الصورة المذكورة الا انه يبيعه مؤجلا ، وظاهر الأصحاب العدم ايضا ، قال بعض المحققين بعد نقل ذلك عنهم : وكان دليله الإجماع ، واحتمال دخوله تحت بيع الدين بالدين ، ثم قال : فتأمل خصوصا على من هو عليه ، لانه مقبوض له انتهى.

وثالثها بيعه بعد الحلول وبعد القبض ، ولا خلاف في صحة البيع.

ورابعها بعد الحلول وقبل القبض ، والمشهور أنه يجوز بيعه من البائع بزيادة ونقصان ، سواء كان من جنس الثمن أم لا ، ومنع الشيخ في التهذيب من بيعه بعد الأجل بجنس الثمن مع الزيادة ، وبه قال ابن الجنيد وابن ابى عقيل وابن البراج وابن حمزة ، والروايات في هذه الصورة لا يخلو من اختلاف ، فالواجب أولا نقل ما وصل إلينا منها ثم الكلام فيما يحصل به الجمع بينها.

الاولى ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن قيس (١) عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من اشترى طعاما أو علفا إلى أجل فلم يجد صاحبه وليس شرطه الا الورق ، فان قال : خذ منى بسعر اليوم ورقا فلا يأخذ إلا شرطه ، طعامه أو علفه ، فان لم يجد شرطه وأخذ ورقا لا محالة قبل ان يأخذ شرطه فلا يأخذ إلا رأس ماله ، لا تظلمون ولا تظلمون». وروى هذه الرواية في الاستبصار بإسقاط قوله فلم يجد الى قوله فان لم يجد وهو أوضح.

الثانية ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن قيس (٢)

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ـ ص ٣٢ الاستبصار ج ٣ ص ٧٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٢٠ التهذيب ج ٧ ص ٣٢.

٣٦

عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في رجل أعطى رجلا ورقا في وصيف إلى أجل مسمى فقال له صاحبه : لا أجد لك وصيفا خذ منى قيمة وصيفك اليوم ورقا قال : لا يأخذ إلا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أول مرة لا يزاد عليه شيئا».

الثالثة ما رواه في التهذيب عن الحلبي (١) في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس بالسلم في الحيوان إذا سميت الذي تسلم فيه فوصفته ، فان وفيته والا فأنت أحق بدراهمك».

الرابعة ـ ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن الحلبي (٢) عن ابى عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن الرجل يسلم في الغنم ثنيان وجذعان وغير ذلك الى أجل مسمى قال : لا بأس ان لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه ، ان يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها ويأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم».

الخامسة ـ ما رواه الشيخ عن على بن جعفر (٣) قال : «سألته عن رجل له على آخر تمرا وشعير أو حنطة أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال : إذا قومه دراهم فسد ، لأن الأصل الذي يشترى به دراهم ، فلا تصلح دراهم بدراهم».

السادسة ما رواه في التهذيب عن يعقوب بن شعيب (٤) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يسلف في الحنطة والتمر بمأة درهم فيأتي صاحبه حين يحل له الذي له فيقول : والله ما عندي إلا نصف الذي لك فخذ منى ان شئت بنصف الذي لك حنطة ، وبنصفه ورقا فقال : لا بأس إذا أخذ منه الورق كما أعطاه».

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٢١.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٠ و ٣٢.

٣٧

السابعة ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن أبان (١) عن بعض ، أصحابنا عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، «في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحل الطعام فيقول : ليس عندي طعام ، ولكن انظر ما قيمته فخذ منى ثمنه قال : لا بأس بذلك».

الثامنة ما رواه الشيخ عن الحسن بن على بن فضال (٢) قال : «كتبت الى ابى الحسن عليه‌السلام الرجل يسلفني في الطعام فيجي‌ء الوقت وليس عندي طعام أعطيه بقيمته دراهم؟ قال : نعم».

التاسعة ما رواه عن على بن محمد (٣) قال : «كتبت اليه رجل له على رجل تمر أو حنطة أو شعير أو قطن فلما تقاضاه قال : خذ بما لك عندي دراهم يجوز ذلك له أم لا؟ فكتب عليه‌السلام : يجوز ذلك عن تراض منهما إنشاء الله تعالى».

العاشرة ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن سنان (٤) «قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، الى ان قال : أرأيت إن أوفاني بعضا وعجز عن بعض أيجوز ان آخذ بالباقي رأس مالي؟ قال : نعم ما أحسن ذلك».

الحادي عشر ـ ما رواه ايضا عن سليمان بن خالد (٥) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسلم في الزرع فيأخذ بعض طعامه ويبقى بعض ، لا يجد وفاء فيعرض عليه صاحبه رأس ماله؟ قال : يأخذه فإنه حلال» الحديث.

الثانية عشر ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي (٦) عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل أسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث الي بدراهم فقال :

__________________

(١ ـ ٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٠ والكافي ج ٥ ص ١٨٥.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٤.

(٤) الكافي ج ٥ ص ١٨٥ التهذيب ج ٧ ص ٤١.

(٥ و ٦) الكافي ج ٥ ص ١٨٥ التهذيب ج ٧ ص ٢٩.

٣٨

اشتر لنفسك طعاما فاستوف حقك ، قال : أرى ان يولى ، ذلك غيرك وتقوم معه حتى تقبض الذي لك ولا تتولى أنت شراءه».

الثالثة عشر ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله (١) في الموثق «قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أسلف دراهم في طعام فحل الذي له فأرسل إليه بدراهم فقال : اشتر طعاما واستوف حقك ، هل ترى به بأسا؟ قال : يكون معه غيره يوفيه ذلك».

الرابعة عشر ما رواه في التهذيب عن يعقوب بن شعيب (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل يكون له على الرجل أحمال من رطب أو تمر فيبعث اليه بدنانير فيقول : اشتر بهذه واستوف منه الذي لك قال لا بأس إذا ائتمنه». ورواه في الفقيه عن صفوان عن يعقوب بن شعيب ، قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، مثله.

الخامس عشر ما رواه في التهذيب والفقيه عن ابن بكير (٣) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن رجل أسلفه في شي‌ء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها ولم يستوف سلفه قال : فليأخذ رأس ماله أو لينظره».

السادس عشر ما رواه في التهذيب عن ابن حجاج الكرخي (٤) عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كل طعام اشتريته في بيدر أو طسوج فأتى الله عليه فليس للمشتري إلا رأس ماله ، ومن اشترى من طعام موصوف ولم يسم فيه قرية ولا موضعا فعلى صاحبه ان يؤديه». ورواه في الفقيه مرسلا.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٨٦ والتهذيب ج ٧ ص ٣٠.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٢ مع اختلاف يسير الفقيه ج ٣ ص ١٦٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣١ الفقيه ج ٣ ص ١٦٥.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٩ الفقيه ج ٣ ص ١٣١.

٣٩

السابع عشر : ما رواه المشايخ الثلاثة عن الحلبي (١) في الصحيح قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل يسلف دراهم في خمسة مخاتيم حنطة أو شعير إلى أجل مسمى وكان الذي عليه الحنطة والشعير لا يقدر على أن يقضيه جميع الذي له إذا حل فشاء صاحب الحق أن يأخذ نصف الطعام أو ثلثه أو أقل أو أكثر ويأخذ رأس ماله ما بقي من الطعام دراهم؟ قال : لا بأس به وسئل عن الزعفران يسلم فيه الرجل دراهم في عشرين مثقالا أو أقل من ذلك أو أكثر قال : لا بأس ـ ان لم يقدر الذي عليه الزعفران ان يعطيه جميع ماله ـ ان يأخذ نصف حقه أو ثلثه أو ثلثيه ويأخذ رأس مال ما بقي من حقه دراهم». ولفظ دراهم في آخر الخبر في الفقيه دون الكتابين الآخرين.

الثامن عشر ما رواه في الكافي والفقيه عن العيص بن القاسم (٢) عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل أسلف رجلا دراهم بحنطة حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام ووجد عنده دوابا ودقيقا ومتاعا أيحل له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه ، قال : نعم يسمى كذا وكذا بكذا وكذا صاعا». هذا جملة ما حضرني من الاخبار ، والمشهور بين الأصحاب في هذه المسألة هو جواز البيع على من عليه الحق وغيره بزيادة أو نقيصة ، وان كان على كراهية في المكيل والموزون ، لان هذه المسألة عندهم أحد جزئيات مسألة بيع الشي‌ء قبل قبضه ، وقد تقدم الكلام عليها في فصل بيع النقد والنسية والمشهور بينهم ثمة هو الجواز على كراهية في المكيل والموزون فجروا هنا على ذلك ، وقد عرفت آنفا أن المختار في تلك المسألة هو التحريم ، وفاقا لجمع من المتقدمين ولشيخنا الشهيد الثاني من المتأخرين.

ولكن أخبار هذه المسألة كما سيظهر لك إنشاء الله مما يؤذن بمغايرة المسألتين ، ويعضده أن مورد أخبار هذه المسألة كلها على كثرتها واختلافها مخصوصة بالبيع على من عليه الدين ، بخلاف أخبار تلك المسألة فإنها بعد ضم مطلقها الى مقيدها ومجملها

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٨٦ التهذيب ج ٧ ص ٢٩ الفقيه ج ٣ ص ١٦٦.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٨٦ الفقيه ج ٣ ص ١٦٥.

٤٠