الحدائق الناضرة - ج ٢٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

بانا نمنع من إعسار المكتسب ، ولهذا تحرم عليه الزكاة ، والظاهر أن له أن يجيب عن هذه الاخبار بالحمل على من لا يمكنه التكسب جمعا بينها وبين خبر السكوني المذكور الا أن الظاهر بعده ، والمسألة لا تخلو من الاشكال ولا يحضرني الآن مذهب العامة في هذه المسألة ، ولعل رواية السكوني إنما خرجت مخرج التقية.

المسألة الثالثة عشر ـ الظاهر انه لا خلاف بينهم في تحريم بيع الدين بالدين ، ويدل ، على ذلك من طريق الخاصة رواية طلحة ابن زيد (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يباع الدين بالدين».

ومن طريق العامة (٢) ما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا يجوز بيع الكالي بالكالي». قال في النهاية الأثيرية : أنه نهى عن بيع الكالي بالكالي اى النسيئة بالنسيئة وذلك أن يشترى الرجل شيئا الى أجل فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضى به ، فيقول بعنيه الى آخر بزيادة شي‌ء فيبيعه منه ، ولا يجرى بينهما تقابض انتهى.

والحكم مما لا إشكال فيه في الجملة إلا أن الاشكال هنا في موضعين أحدهما أن المفهوم من كلام أكثر أهل اللغة اختصاص اسم الدين بالمؤجل ، وبه صرح في القاموس والغريبين الا أن المفهوم من كتاب المصباح للفيومى على الحال ، وقد تقدم ذلك في آخر المسألة الثانية من المقام الثاني في أحكام السلم من الفصل العاشر في السلم لا أن الظاهر من كلام الأصحاب هو ما صرح به في القاموس.

وثانيهما أن المشهور إطلاق الدين على ما يقع تأجيله في العقد ، وقيل : وهو

__________________

بقوله تعالى «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» ثم استدل بخبر من طريق العامة ، وخبر غياث المذكور في الأصل منه رحمه‌الله.

(١) الكافي ج ٥ ص ١٠٠.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٩١.

٢٠١

اختيار شيخنا الشهيد الثاني بأنه مخصوص بما كان كذلك قبل العقد ، وأما ما يقع فيه التأجيل بالعقد ، فإنه لا يصدق عليه بيع الدين بالدين ، وقد تقدم نقل ذلك في الموضع المشار اليه آنفا ، وكذا قبله في الشرط السابع من شروط السلم.

ومنع ابن إدريس من بيع الدين على غير المديون ، استنادا الى دليل قاصر ، وتقسيم غير حاصر ، كما أوضحه شيخنا العلامة في المختلف ، والمشهور الصحة لعموم الأدلة.

وقال في الدروس : ولو كان الدين مؤجلا لم يجز بيعه مطلقا ، وقال ابن إدريس : لا خلاف في تحريمه على من هو عليه ، ويلزم بطريق أولى تحريمه على غيره ، وجوز الفاضل بيعه على من هو عليه ، فيباع بالحال لا بالمؤجل ، ولو كان حالا جاز بيعه بالعين والدين ، والحال لا بالمؤجل أيضا انتهى.

أقول : أما ما ذكره من عدم جواز بيع الدين المؤجل مطلقا ، يعنى لا بحال ولا مؤجل فهو المشهور بينهم ، لانه لا يستحقه قبل حلول الأجل وهو مذهب العلامة في التذكرة ووافقه في المسالك الجواز وقد تقدم تحقيق ذلك في المسألة الثانية من المقام الثاني في أحكام السلم.

واما ما ذكره من أولوية التحريم على غير من هو عليه ، بناء على ما ذكره ابن إدريس ، فلأنه إذا امتنع فيمن عليه المال مع أنه مقبوض بالنسبة إليه فإن يمتنع في غيره لعدم المقبوضية أولى ، الا أنه قد أجاب في المسالك بأنه لا يشترط المقبوضية حين العقد ، بل يكفي إمكانه وتحققه بعد الحلول ، وقد تقدم ذكر ذلك في الموضع المشار اليه.

وأما اشتراط العلامة مع الجواز البيع بالحال لا بالمؤجل ، فلانه بالمؤجل يدخل تحت بيع الدين بالدين ، وأما البيع بالحال فلا مانع منع. الا ما يدعونه من عدم استحقاقه يومئذ ، واشتراط القبض وقت العقد ، وفيهما ما عرفت كما أوضحه في المسالك.

وأما أنه مع الحلول فإنما يجوز بالحال دون المؤجل ، فالظاهر أنه مبنى على

٢٠٢

ما قد قدمنا نقله عن المسالك من صدق اسم الدين على المبيع قبل حلوله وبعده ، كما تقدم نقله عنه في الموضع المشار إليه ، فإنه يلزم على ذلك بيع الدين بالدين المنهي عنه ، ولم نقف لهم في هذه الدعوى على مستند ، سيما مع تصريح أكثر أهل اللغة بأن الدين اسم للمؤجل خاصة ، وموافقتهم على ذلك في الأثمان فليتأمل المقام ، فإنه حرى بالتدبر التام والله العالم.

المسألة الرابعة عشر : ظاهر الاخبار وهو ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب أنه لا يؤدى عن المديون من سهم الغارمين الا مع إنفاق الدين في غير معصية ، وأنه لا يعطى منه ، وانما الخلاف فيما إذا جهل حاله ، فقال الشيخ : انه كالثاني ، وقال ابن إدريس : بالأول ، وبه صرح الأكثر.

ونقل عن الشيخ أنه احتج بما رواه في الكافي عن محمد بن سليمان (١) «عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا (نجاد) قال : سأل الرضا عليه‌السلام رجل وأنا أسمع ، فقال له : جعلت فداك ان الله عزوجل يقول «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله عزوجل في كتابه لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بد من أن ينظر؟ وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفقه على عياله ، وليس له غلة ينتظر إدراكها ، ولا دين ينتظر محله ، ولا مال غائب ينتظر قدومه ، قال : نعم فينظر بقدر ما ينتهى خبره الى الامام ، فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عزوجل ، وان كان أنفقه في معصية الله فلا شي‌ء على الامام له ، قلت : فما لهذا الرجل الذي ائتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله عزوجل أم في معصيته؟ قال : يسعى له في ماله فيرده عليه وهو صاغر».

وردها الأكثر بضعف الاسناد فلا يمكن التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل ، لأن الأصل في تصرفات المسلمين وقوعها على وجه الصحة والمشروع ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٩٣ التهذيب ج ٦ ص ١٨٥ في الكافي والتهذيب يكنى أبا محمد.

٢٠٣

ولان تتبع مصارف الأموال عسير.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة في كتاب الزكاة من كتب العبادات وأوضحنا ثمة ان الرواية لا دلالة فيها على ما ادعوه ، من أنه لو جهل حال إنفاقه لم يدفع له من سهم الغارمين ، فليرجع اليه من أراد تحقيق الحال.

فروع : الأول والثاني مما فرعوه على وجوب أداء الدين مع الحول وطلب صاحب وإمكان دفعه حبسه ، كما تقدم ، وبطلان صلاته ما لم يتضيق الوقت ، قال في التذكرة إذا ثبت هذا فلو أصر على الالتواء كان فاسقا لا تقبل شهادته ، ولا تصح صلاته في أول الوقت ، بل إذا تضيق ، ولا يصح شي‌ء من الواجبات الموسعة المنافية للقضاء في أول وقتها ، وكذا غير الدين من الحقوق الواجبة كالزكاة والخمس ، وان لم يطالب به الحاكم ، لأن أربابها في العادة يطالبون ، وأيضا الحق ليس لشخص معين حتى يتوقف على الطلب.

أقول لا يخفى أن ما ذكروه هنا مبنى على ثبوت أن الأمر بالشي‌ء يستلزم النهى عن ضده الخاص ، وهو مما لم يقم عليه دليل شرعي ان لم تكن الأدلة قائمة على عدمه ، وقد تقدم الكلام في ذلك في مواضع من كتب العبادات ، وبالعدم صرح جملة من المحققين ، منهم شيخنا الشهيد الثاني عطر الله مرقده.

الثالث ـ الظاهر من جملة الاخبار أنه لو مات المديون ولم يتمكن من القضاء أو تمكن ولكن لم يطالب بالحق ، سواء خلف ما يقضى به عنه أو لم يخلف ، وسواء قضى عنه أو لم يقض ، والحال أن عزمه ونيته كانت على القضاء في جميع هذه الصور وكان مصرف الدين الذي عليه في الأمور المباحة ، فإنه لا يؤاخذ ولا يعاقب وأما مع عدم شي‌ء من هذه القيود ، فالظاهر الإثم والمؤاخذة والملخص أنه في جميع ما ذكرنا أولا لا يجب الأداء ، وعليه ترتب عدم المؤاخذة.

ومما يدل على ما قلناه رواية عبد الغفار الجازي (١) المتقدمة في صدر هذا المقصد

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٩٩ التهذيب ج ٦ ص ١٩١.

٢٠٤

فيمن مات وعليه دين حيث قال عليه‌السلام : «ان كان أتى على يديه من غير فساد لم يؤاخذه الله عزوجل إذا علم نيته» الخبر.

وفي صحيحة (١) زرارة المتقدمة ثمة أيضا «في الرجل عليه الدين لا يقدر على صاحبه ، ولا على ولى له ، قال : لا جناح عليه بعد أن يعلم الله منه أن نيته الأداء» ، ونحو ذلك رواية نضر بن سويد (٢) ومجمل ذلك انه متى كان من نيته الأداء واتفق موته على أحد الوجوه المذكورة فإنه غير مؤاخذ.

الرابع : المفهوم من جملة من الاخبار انه متى لم يتمكن المديون من أداء الدين وجب على الامام ان يؤدى عنه من سهم الغارمين إذا كان قد أنفق ما استدانه في طاعة أو في مباح ، فلو أنفقه في معصية لم يكن له ذلك.

ومنها رواية «أبي نجاد» المتقدمة (٣) ومنها رواية موسى بن بكر (٤) وقد تقدمت في صدر هذا الكتاب.

ورواية صباح بن سيابة (٥) عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الامام ان يقضيه ، وان لم يقضه فعليه اثم ذلك ، ان الله تبارك وتعالى يقول «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ» ـ الاية ـ فهو من الغارمين ، وله سهم عند الإمام ، فإن حبسه عنه فإثمه عليه».

ورواية أيوب بن عطية الحذاء (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ١٨٨ وقد قدمنا ان المراد من صحيحة زرارة انما هو السؤال عن المؤاخذة لثبوت الذمة على هذه الحال وعدمها ، وأجاب عليه‌السلام بما يدل على عدم المؤاخذة والحال هذه منه رحمه‌الله.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٩٣ التهذيب ج ٦ ص ١٨٣.

(٣ ـ ٤) الكافي ج ٥ ص ٩٣ وفي الكافي (أبا محمد).

(٥) المستدرك ج ١ ص ٥٢٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ضمان الجريرة الرقم ـ ١٤.

٢٠٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : انا أولى بكل مؤمن من نفسه ، ومن ترك مالا فللوارث ، ومن ترك دينا أو ضياعا فالى وعلى». أقول الضياع بالفتح العيال.

ورواية عطاء (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له : جعلت فداك ان على دينا إذا ذكرته فسد على ما انا فيه ، فقال : سبحان الله أما بلغك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول في خطبته من ترك ضياعا فعلى ضياعه ، ومن ترك دينا فعلى دينه ، ومن ترك مالا (فأكله) فكفالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ميتا ككفالته حيا فقال الرجل : نفست عني جعلني الله فداك».

قيل انما كان له صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكله لأنه وارث من لا وارث له ، وان معنى قوله نفست عني لأنه علم به انه يقضى دينه بضمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على يد من شاء الله.

أقول : وينبغي ان يزاد على ما ذكره انه ان لم يتفق الأداء في الدنيا ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الآخرة يقضيه عنه ، ولو بإرضاء غريمه ، وتعويضه كما يستفاد من بعض الاخبار.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) «فإن كان غريمك معسرا وكان أنفق ما أخذ منك في طاعة الله فانظره إلى ميسرة ، وهو ان يبلغ خبره الى الامام فيقضي عنه ، أو يجد الرجل طولا فيقضى دينه وان كان أنفق ما أخذه منك في معصية الله فطالبه بحقك ، فليس هو من أهل هذه الآية».

أقول : ويحتمل بالنظر الى هذا الكلام منه عليه‌السلام في هذا المقام حمل رواية السكوني الدالة على دفعه الى الغرماء على ما إذا كان ما أخذه قد صرفه في معصية الله وانه لا يسامح ولا يترك مؤاخذة له بسوء عمله ، وان كان معسرا فإنه غير داخل تحت الآية على الإنظار إلى ميسرة ، وتحمل تلك الروايات الدالة على انه يخلى سبيله على ما إذا كان مصرف الدين في طاعة أو مباح ، وهو بمقتضى كلامه عليه‌السلام في هذا الكتاب وجه حسن في الجمع بين هذه الاخبار ، الا ان الذي صرح به في

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الدين (فلأهله) نسخة.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٩٣.

٢٠٦

الدروس هو عموم وجوب الانظار ، وهو ظاهر أكثر عباراتهم.

قال في الكتاب المذكور ولا فرق في وجوب انظار المعسر بين من أنفق بالمعروف وغيره ، وقال الصدوق ولو أنفق في المعصية طولب وان كان معسرا وفيه بعد ، مع ان المنفق في المعروف أوسع مخرجا بحل الزكاة له انتهى.

أقول الظاهر ان مستند الصدوق هنا فيما ذكره هو ما ذكره عليه‌السلام في هذا الكتاب ، كما أوضحناه عما يكشف عن وجهه نقاب الارتياب في مواضع عديدة من كتب العبادات ، وقبله والده في رسالته اليه.

ويمكن تأييده أيضا بما يشير اليه قوله عليه‌السلام في رواية أبي نجاد المتقدمة ، فيرد عليه ماله وهو صاغر ، فان المراد بذلك ـ كما يعطيه سياق الخبر ـ انه مع الفقر والاستحقاق ، فإن الإمام يؤدى عنه من سهم الغارمين ان أنفق ما استدانه في طاعة ، وان أنفق في معصية فلا شي‌ء له على الامام ، بل عليه ان يرد عليه ماله وهو صاغر ، وهو كناية عن عدم إنظاره كما لا يخفى ، وانه يطالب وان كان معسرا كما ذكره الصدوق.

وأما قوله في الدروس مع أن المنفق في المعروف أوسع مخرجا مشيرا به الى انه متى كان يجب إنظاره في صورة تحل له الزكاة ففي الصورة التي لا تحل له بطريق اولى.

ففيه انه يمكن ان يقال ان وجوب المطالبة في الصورة المذكورة ، وعدم إنظاره انما وقع عقوبة له ، ومؤاخذة بما فعله من الأمر الغير المشروع ، كما قدمنا الإشارة إليه ، فلا تثبت الأولوية بظهور الفارق.

الخامس : الظاهر انه لا خلاف في انه يقضى على الغائب إذا قامت البينة ، ولكن بالكفلاء ويكون الغائب على حجته.

ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام» قال : الغائب يقضى عنه إذا قامت البينة عليه ويباع ماله ويقضى عنه وهو

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٠٢ التهذيب ج ٦ ص ١٩١.

٢٠٧

غائب ، ويكون الغائب على حجته إذا قدم ، ولا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء إذا لم يكن مليا».

وذهب جمع من الأصحاب إلى ضم اليمين هنا إلى البينة ، كما في الدعوى على الميت ، والخبر كما ترى خال من ذلك ، وليس في المسئلة غيره فيما أعلم ، وتعليلهم بما ذكروه من الوجوه التخريجية. عليل.

السادس : المعروف من كلام جل الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه صرح جملة منهم أنه لا يبطل الحق بتأخير المطالبة ، وان طالت المدة ، وقال الصدوق من ترك دارا أو عقارا أو أرضا في يد غيره فلم يتكلم ولم يطالب. ولم يخاصم في ذلك عشر سنين فلا حق له.

ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب عن يونس (١) عن العبد الصالح عليه‌السلام قال : «قال : ان الأرض لله عزوجل جعلها وقفا على عباده ، فمن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية بغير سبب ، أو علة أخرجت من يده ، ودفعت الى غيره ، ومن ترك مطالبة حق له عشر سنين فلا حق له». وروى الشيخان المذكوران عن يونس (٢) أيضا عن رجل عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «من أخذت منه أرض ثم مكث ثلاث سنين لا يطلبها لا يحل له بعد ثلاث سنين أن يطلبها». ومن ذكر هذه المسألة من الأصحاب رد هذه الاخبار بضعف الاسناد حتى صاحب المفاتيح.

أقول : أما الكلام في الأرض فهو محمول على أنها من أرض الخراج وقد تقدم البحث فيها في المقدمة الرابعة من مقدمات كتاب البيع ، وبيان هذه المسألة ثمة فليراجع.

وأما بالنسبة إلى ترك الحق عشر سنين كما دل عليه عجز الخبر الأول فإن مما يؤيده أيضا ما رواه الشيخان المتقدمان عن على بن مهزيار (٣) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن وابنة ، فغاب الابن في البحر ، وماتت

__________________

(١ ـ ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٩٧ التهذيب ج ٧ ص ٢٣٣.

(٣) التهذيب ج ٩ ص ٣٩٠ الكافي ج ٧ ص ١٥٤.

٢٠٨

المرأة فادعت ابنتها ان أمها كان صيرت هذه الدار لها ، فباعت أشقاصا منها ، وبقيت في الدار قطعة الى جنب دار لرجل من أصحابنا وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن ، ويتخوف من أن لا تحل له شراؤها ، وليس يعرف للابن خبر ، فقال لي : ومنذ كم غاب؟ فقلت : منذ سنين كثيرة ، فقال : ينتظر به غيبته عشر سنين ثم يشترى ، فقلت فإذا انتظرته غيبة عشر سنين حل شراؤها؟ قال : نعم».

وطريق هذه الرواية وان كان ضعيفا في الكافي حيث أن فيه سهل بن زياد ، الا أنه في التهذيب صحيح ، لروايته لها عن على بن مهزيار ، وطريقه إليه في المشيخة صحيح ، وهي ظاهرة الدلالة فيما ذكره الصدوق من زوال حقه بعد عشر سنين ، وهي وان كان موردها الغائب الا أن ظاهرهم عدم الفرق في ذلك بين الغائب والحاضر ، فان من ملك مالا لم يزل ملكه عنه بغير ناقل شرعي ولم يعد هذا عندهم منها ، ولم يفرقوا بين الغائب والحاضر.

وبه يظهر أن قول الصدوق قريب سيما مع ما عرفت ، من أن الطعن بضعف الاسناد ليس عندنا بمحل من الاعتماد ، الا أن ظاهر الشيخ المفيد تخصيص هذا الخبر بالمفقود ، حيث أن الأصحاب اختلفوا في مال المفقود على أقوال.

منها قول الشيخ المذكور بأنه بالنسبة إلى عقاره ينتظر به عشر سنين ، ومع ذلك يكون البائع ضامنا درك الثمن ، فان رجع المفقود خرج اليه من حقه ، وبالسنة إلى سائر أمواله جوز اقتسام الورثة لها بشرط الملائة والضمان على تقدير ظهوره ، واستدل على الأول بصحيحة على بن مهزيار المذكورة ، وعلى الثاني بموثقة إسحاق بن عمار ، وفي ما ذكره رحمه‌الله من الاستدلال في كلا الموضعين بحث ليس هنا موضع ذكره ، وسيأتي إنشاء الله تعالى في محله.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال لما عرفت والله العالم :

السابع : يجوز تعجيل بعض الديون المؤجلة بنقصان منها بإبراء أو صلح أو بمد الأجل في الباقي ، ولا يجوز تأجيل منها بزيادة.

٢٠٩

ويدل على ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبان (١) في الصحيح عمن حدثه عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سالته عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيقول له قبل أن يحل الأجل : عجل النصف من حقي على أن أضع عنك النصف ، أيحل ذلك لواحد منهما؟ قال : نعم».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سئل عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول له : انقدني كذا وكذا وأضع عنك بقيته ، أو يقول : انقدني بعضه وأمد لك في الأجل فيما بقي عليك؟ قال : لا ارى به بأسا انه لم يزدد على رأس ماله ، قال الله جل ثناؤه «فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ». وفي التهذيب «الرجل يكون عليه الدين». وهو أظهر وعلى تقدير هذه النسخة كان اللام بمعنى على ، وقد تقدم ما يتعلق بهذا المقام أيضا في المسألة العاشرة من الفصل السادس.

الثامن : الظاهر انه لا خلاف في ان الكفن مقدم على الدين ، ويدل عليه ايضا ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الصحيح عن زرارة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مات وعليه دين بقدر كفنه قال : يكفن بقدر ما ترك ، الا أن يتجر عليه انسان فيكفنه ، ويقضى بما ترك دينه».

وما رواه الشيخ عن إسماعيل بن ابى زياد (٤) «عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان أول ما يبدأ به من المال الكفن ، ثم الدين ، ثم الوصية ، ثم الميراث».

وقال الرضا عليه‌السلام (٥) في كتاب الفقه الرضوي : «وإذا مات رجل عليه دين ولم يكن له الا قدر ما يكفن به كفن به ، فان تفضل عليه رجل بكفن ، كفن به ويقضى ما ترك دينه ، وإذا مات رجل وعليه دين ولم يخلف شيئا فكفنه رجل من زكاة ماله ،

__________________

(١ ـ ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٥٨ التهذيب ج ٦ ص ٢٠٦ و ٢٠٧.

(٣ ـ ٤) التهذيب ج ٦ ص ١٨٧ الفقيه ج ٤ ص ١٤٣.

(٥) المستدرك ج ١ ص ١٠٨ مع اختلاف يسير.

٢١٠

فهو جائز له ، فان اتجر عليه رجل آخر بكفن كفن من الزكاة وجعل الذي اتجر عليه لورثته يصلحون به حالهم لان هذا ليس بتركة الميت انما هو شي‌ء صار إليهم بعد موته وبالله الاعتصام».

أقول : فيه دلالة على أن ما يصير الى الميت بعد الموت ويوهب له لا يجب صرفه في الدين ، ويحل للورثة أكله ، سيما مع الإعسار والحاجة.

التاسع : يجوز القرض في بلد مع شرط أن يقضيه في بلد آخر ، وادعى عليه في التذكرة الإجماع.

وعليه تدل جملة من الاخبار منها صحيحة أبي الصباح (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يبعث مالا إلى أرض ، فقال الذي يريد ان يبعث به : أقرضنيه وانا أوفيك إذا قدمت الأرض قال : لا بأس بهذا» وفي التهذيب «يريد ان يبعث به معه». وهو أظهر.

وعن زرارة (٢) في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام ، ويعقوب بن شعيب عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : يسلف الرجل الرجل الورق على أن ينقده إياه بأرض أخرى ، ويشترط عليه ذلك؟ قال : لا بأس».

وروى السكوني (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا بأس أن يأخذ الرجل الدراهم بمكة ، ويكتب سفاتج أن يعطوها بالكوفة».

أقول : السفاتج جمع سفتجة بالضم (٤) والمراد أنه يدفع ماله لأحد في

__________________

(١ ـ ٢) التهذيب ج ٦ ص ٢٠٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٥٦.

(٤) قال في مجمع البحرين في حديث محمد بن صالح الا رجل واحد كانت عليه سفتجة بأربعمائة دينار : السفتجة قيل بضم السين وقيل بفتحها وأما التاء فمفتوحة فيهما فارسي معرب ، وفسرها بعضهم فقال : هي كتاب صاحب المال لوكيله أن يدفع مالا قرضا يأمن به خطر الطريق ، وفي الدر السفتجة كقرطبة أن تعطى مالا لأحد

٢١١

بعض البلدان فيكتب ذلك المدفوع اليه كتابا بأن يدفع اليه ذلك المال في بلد أخرى ، وأن الكتاب بهذه الصورة يسمى سفتجة.

وصحيحة إسماعيل بن جابر (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له ، ندفع الى الرجل الدراهم فاشترط عليه أن يدفعها بأرض أخرى سودا بوزنها ، وأشترط ذلك؟ قال : لا بأس».

قال بعض المحققين بعد ذكر الحكم المذكور وإيراد صحيحة يعقوب بن شعيب : هذا ظاهر ، انما البحث في أنه يلزم ذلك أم لا؟ بل يجوز له أن يطلب أينما يريد ، ظاهر كلامهم في عدم لزوم الأجل في القرض ـ وان القرض جائز دائما الا أن يشترط في عقد لازم ـ الجواز ، ومقتضى أدلة لزوم الشرط عدمه ، وكذا نفى الضرر إذا فرض ، إذ قد يتعسر أو يكون قليلا في بلد المطالبة دون بلد الشرط ، ونحو ذلك من الضرر ، وأما العكس فالظاهر أنه ليس بلازم ، بل كان للمقترض دفع ذلك ويجب القبول ، تأمل في الفرق انتهى.

أقول : الظاهر من لزوم العقد بناء على القول به هو اللزوم من الطرفين ، فكما أنه لا يجوز للمقرض المطالبة في غير ذلك المكان كما ذكره ، كذلك لا يجوز للمقترض الدفع في غيره ، وحديث الضرر الذي ذكره جار أيضا في الجانب الآخر ، بل ربما كان أظهر فإن ظاهر هذه الاخبار أن الغرض من هذه المعاملة المذكورة هو خوف المقرض على ماله بالسفر به الى تلك البلد ، وهو مضطر الى نقله الى تلك البلاد على وجه لا يحصل عليه ، فدفعه الى ذلك الرجل ليدفعه له في تلك البلد بنفسه أو وكيله أو سفاتج تكتب بينهم ، فلو جوزنا للمقترض أن يدفع ذلك في بلد القرض مثلا أو بلد أخرى غير البلد التي وقع الاشتراط عليها ، لربما تضرر المقرض بإيصاله إلى

__________________

والآخذه مال في بلد فيوفيه إياها ثم ، فيستفيد آمن الطريق وفعله السفتجة بالفتح والجمع «السفاتج» انتهى. منه.

(١) التهذيب ج ٧ ص ١١٠.

٢١٢

تلك البلد باحتمال الخطر ، وخوف الطريق في السفر.

وبالجملة فلزوم العقد يقتضي تعلقه بالطرفين كما في البيع وغيره ، وما ذكره من الفرق غير ظاهر ، بل الظاهر ، انما هو عدمه ، فإنه قضية اللزوم كما عرفت والله العالم.

العاشر : قد اشتهر بين جملة من الأصحاب وجود القول بأنه متى قتل أحد أحدا ظلما ، فإنه ينتقل جميع ما في ذمة المقتول من الحقوق المالية وغيرها الآدمية الإلهية إلى ذمة القاتل ، وربما نسب الى شيخنا الشهيد (عطر الله مرقده) وردوه بالضعف وعدم الدليل ، وقد وقفت في بعض الأجوبة المنسوبة إلى السيد العلامة السيد ماجد البحراني ـ المدفون بشيراز في تحت قبة السيد أحمد بن مولانا الكاظم عليه‌السلام المشهور بشاة چراغ ـ الجواب عن هذه المسألة بما هذه صورته حيث قال السائل : سيدنا ما قولكم فيمن قتل شخصا هل ينتقل كلما على ذمة المقتول الى القاتل من الإلهية والآدمية مالية وغيرها؟ فأجاب السيد المشار اليه (قدس‌سره) بما لفظه أما انتقال ما على المقتول إلى ذمة القاتل من الحقوق المالية والإلهية فلا نعرف له وجها ، وان وجد في بعض الفوائد منقولا عن بعض الأعيان انتهى.

أقول : وقد وقفت في بعض الاخبار على ما يدل بظاهره على القول المذكور وهو ما رواه شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب عقاب الأعمال بسنده عن الباقر عليه‌السلام قال (١) : من قتل مؤمنا أثبت الله على قاتله جميع الذنوب ، وبري‌ء المقتول منها ، وذلك قول الله عزوجل (٢) «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ».

وهو كما ترى صريح الدلالة في انتقال الحقوق الإلهية من ذمة المقتول إلى ذمة القاتل وبه يظهر أن ما ذكره المفسرون في معنى الآية المذكورة نفخ في

__________________

(١) ثواب الأعمال ص ٣٢٨ ط طهران.

(٢) سورة المائدة الآية ـ ٢٩.

٢١٣

غير ضرام ، المعتمد عندنا في تفسير القرآن انما هو ما ورد عنهم عليهم‌السلام حيث تأولوا الاية بتقدير مضاف ، في قوله «بِإِثْمِي» أى بإثم قتلي ان قتلتني ، وإثمك الذي كان منك قبل قتلي» أو المراد اثمى لو بسطت يدي إليك ، وإثمك ببسط يدك الى. ومما يؤيد القول المذكور أيضا بالنسبة إلى الحقوق المالية ما رواه في الكافي بسند حسن عن الوليد بن صبيح (١) قال : «جاء رجل الى أبى عبد الله عليه‌السلام يدعى على المعلى بن خنيس دينا فقال : ذهب بحقي فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ذهب بحقك الذي قتله ، ثم قال للوليد : قم الى الرجل فاقضه من حقه ، فإني أريد أن أبرد عليه جلده وان كان باردا».

فان ظاهر قوله «ذهب بحقك الذي قتله» يعطي أن القاتل هو المؤاخذ بذلك ، وهو الذي ذهب بحقه دون المقتول ، واحتمال التجوز ـ باعتبار حيلولة القاتل بينه وبين أداء الدين بسبب قتله إياه ، فكأنه ذهب به ـ ان أمكن لكن ينافيه قوله عليه‌السلام أريد أبرد جلده وان كان باردا فإنه انما يكون باردا ببراءة الذمة من الدين ، الحال أنه ليس هنا شي‌ء موجب للبراءة سوى ما يدعيه من القتل ، وانما أراد الإمام بدفعه ذلك زيادة تبريده ، وان لم يستحق عنده شيئا.

وبالجملة فإن ظاهر الخبر هو ما قلناه وارتكاب التأويلات ـ وان بعدت والتكلفات وان غمضت ـ غير عسير الا أن الاستدلال انما بنى على الظواهر ، وارتكاب التأويل إنما يلجئ اليه وجود معارض أقوى ، والحال أنه ليس هنا ما يعارض ذلك ، بل الموجود انما هو ما يؤيده ، ولا سيما الاعتضاد بظاهر الآية ، والخبر المتقدم ، وبما ذكرنا يظهر أن المسألة لا يخلو عن شوب الاشكال ، والله سبحانه وأولياؤه أعلم بحقيقة الحال.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٩٤.

٢١٤

المقام الثاني في دين العبد

والواجب أولا نقل الأخبار الواردة في هذا المقام ، ثم الكلام فيما ذكره الأصحاب من الأحكام وما يستفاد من كلامهم عليهم‌السلام الأول : ما رواه في الكافي والتهذيب عن ظريف الأكفاني (١) قال : «كان اذن لغلام له في الشراء والبيع فأفلس ولزمه دين ، فأخذ بذلك الدين الذي عليه ، وليس يساوى ثمنه ما عليه من الدين ، فسأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : ان بعته لزمك الدين وان أعتقت لم يلزمك الدين ، فأعتقه ولم يلزمه شي‌ء».

الثاني : ما رواه الشيخان المذكوران عن زرارة (٢) في الموثق قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل مات وترك عليه دينا وترك عبدا له مال في التجارة وولدا ، وفي يد العبد مال ومتاع ، وعليه دين استدانه العبد في حياة سيده في تجارته ، فإن الورثة وغرماء الميت اختصموا في ما في يد العبد من المال والمتاع وفي رقبة العبد ، فقال : ارى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ، ولا على ما في يده من المتاع والمال الا أن يضمنوا دين الغرماء جميعا فيكون العبد وما في يده من المال ، للورثة ، فإن أبوا كان العبد وما في يده للغرماء ، يقوم العبد وما في يده من المال ، ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص فان عجز قيمة العبد وما في يده عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم ان كان الميت ترك شيئا ، وان فضل من قيمة العبد وما كان في يديه عن دين الغرماء رد على الورثة».

الثالث : ما رويا عن أبى بصير (٣) والظاهر أنه ليث المرادي بقرينة رواية عاصم وحميد عنه في الصحيح عن أبى جعفر عليه‌السلام ، قال : «قلت له : رجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير دين عليه؟ قال : ان كان أذن له أن يستدين؟ فالدين على

__________________

(١ ـ ٢) الكافي ج ٥ ص ٣٠٣ التهذيب ج ٦ ص ١٩٩.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٠٣ التهذيب ج ٦ ص ٢٠٠.

٢١٥

مولاه ، وان لم يكن أذن له أن يستدين؟ فلا شي‌ء على المولى ، ويستسعى العبد في الدين.

الرابع : ما رواه الشيخ في الموثق عن وهب بن حفص (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام ، قال : «سألته عن مملوك يشترى ويبيع قد علم بذلك مولاه حتى صار عليه مثل ثمنه؟ قال : يستسعى فيما عليه».

الخامس ـ ما رواه الشيخ أيضا عن شريح (٢) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في عبد بيع وعليه دين قال : دينه على من أذن له في التجارة ، وأكل ثمنه».

السادس ـ ما رواه بهذا الاسناد عن أشعث (٣) «عن الحسن عليه‌السلام في رجل يموت وعليه دين قد أذن لعبده في التجارة ، وعلى العبد دين قال : يبدأ بدين السيد».

السابع ـ ما رواه عن روح بن عبد الرحيم (٤) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، في رجل مملوك استئجره مولاه فاستهلك مالا كثيرا ، قال : ليس على مولاه شي‌ء ولكنه على العبد ، وليس لهم أن يبيعوه ، ولكن يستسعى وان حجر عليه مولاه فليس على ـ مولاه شي‌ء ولا على العبد».

الثامن ـ ما رواه عن أبى بصير (٥) والظاهر انه المرادي بقرينة الراوي في الصحيح عن أبى عبد الله عليه‌السلام «في رجل يستأجر مملوكا فيستهلك مالا كثيرا فقال : ليس على مولاه شي‌ء وليس لهم ان يبيعوه ، ولكن يستسعى وان عجز عنه فليس على مولاه شي‌ء ولا على العبد شي‌ء».

التاسع ـ ما رواه ايضا عن ظريف (٦) بياع الأكفان قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٢٠٠.

(٢ ـ ٣) التهذيب ج ٨ ص ٢٤٨.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٢٩.

(٥) الوسائل الباب ١١ ـ من أبواب كتاب الإجارة.

(٦) التهذيب ج ٦ ص ١٩٦.

٢١٦

عن غلام لي كنت أذنت له في الشراء والبيع فوقع عليه مال للناس ، وقد أعطيت به مالا كثيرا فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ان بعته لزمك ما عليه ، وان أعتقته فالمال على الغلام وهو مولاك».

إذا عرفت ذلك فتحقيق القول في هذا المقام يقع في مواضع الأول ـ قد تقدم ان الأصح هو ان المملوك يصح تملكه وان كان محجورا عليه التصرف فيما يملكه بدون اذن السيد ، وبطريق الاولى تصرفه في نفسه بإجارة أو استدانة أو نحو ذلك من الحقوق ، فإنه لا يجوز بدون اذن السيد (١).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لو أذن السيد لعبده في الاستدانة لنفسه ، أى لنفس العبد ، كان الدين لازما للمولى ان استبقاه أو باعه ، وأما لو أعتقه فقيل : انه يستقر الدين في ذمة العبد ، وقيل : يكون باقيا في ذمة المولى ، والقولان للشيخ (رحمه‌الله) أولهما في النهاية ، وتبعه عليه جماعة منهم العلامة في المختلف ، وهو ظاهر الشهيد في اللمعة ، والثاني في الاستبصار ، وبه قال ابن إدريس ، وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، والروضة ، وهو الأظهر.

وأما لو كانت الاستدانة للسيد ، فلا خلاف في كونه عليه دون العبد ، كما ذكره في المسالك ، احتج القائلون بالقول الأول بالرواية الاولى والتاسعة ، وأنت خبير بأن غاية ما يدل عليه الخبران المذكوران هو الاذن في التجارة ، وهو لا يستلزم الاذن في الاستدانة ، كما دل عليه الخبر الثالث.

__________________

(١) قال في كتاب النهاية إذا استدان العبد باذن مولاه ، فان باعه أو مات لزم المولى قضاءه وان أعتقه كان المال في ذمة العبد ، ولا يلزم المولى شيئا مما عليه انتهى.

وأنت خبير بأنه قد فرض المسألة في استدانة العبد باذن المولى ، والروايتان اللتان استند إليهما خاليتان من ذلك ، وانما تضمنت الاذن في التجارة ، وبه يظهر ضعف الاستدلال بهما في المقام ، مضافا الى مخالفة الأصول الشرعية ، فإنه متى كان مأذونا له في الاستدانة ، فأي فرق بين حال العتق وعدمه ـ منه رحمه‌الله.

٢١٧

وحينئذ فالخبران ليسا من محل البحث في شي‌ء ، فلا يحتاج الى ردهما بمخالفة القواعد الشرعية كما ذكره في المسالك ، بل ما تضمناه بناء على ما قلناه موافق للقواعد ، إلا أنهما ليسا من محل البحث في شي‌ء ، ومقتضاهما بناء على ما ذكرناه أن الدين انما هو على العبد حيث أنه لم يؤذن له في الاستدانة كما صرح به في الخبر الثالث.

وأنه انما يلزم المالك إذا باعه من حيث حيلولته بين أصحاب الدين وبين العبد ببيعه ، لا من حيث أن المال لازم له بأصل الاذن في التجارة ، والحال أنه لم يحصل الاذن في الاستدانة كما عرفت.

ومما يدل على لزوم ذلك للمولى في صورة البيع خبر شريح ، مع قضية الاذن في التجارة خاصة ، وليس ذلك الا لما قلناه ، لما عرفت من أن الاذن في التجارة لا يستلزم الاذن في الاستدانة ، فلا وجه لكونه على المولى الا من هذه الجهة المذكورة.

وأما الاستدلال على هذا القول برواية عجلان (١) عن الصادق عليه‌السلام «في رجل أعتق عبدا وعليه دين ، قال : دينه عليه ، لم يزده العتق الا خيرا». واستدل به العلامة في المختلف فلا دلالة فيه ، لإمكان حمله على الاستدانة بغير اذن المولى كما ذكرنا في ذينك الخبرين.

وبالجملة فإن الاستدانة إن وقعت باذن المولى سواء كانت للمولى أو للعبد فالغرم على المولى ، والا فهو على المملوك ، ويعضده ما ذكره في المسالك من أن العبد هنا بمنزلة الوكيل ، وإنفاقه المال على نفسه في المعروف باذن المولى إنفاق لمال المولى ، فيلزمه كما لو لم ينعتق.

وبذلك يظهر أن ما ذهب اليه الشيخ ـ ومن تبعه هنا من تخصيص كون الدين على العبد في صورة العتق دون صورة الاستبقاء ـ لا وجه له.

واحتج القائلون بالقول الثاني بالرواية الثانية ، وهي ظاهرة بل صريحة ،

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٤٨.

٢١٨

فيما ذكروه ، مع صحة السند هذا خلاصة تحريم الكلام في المقام.

وأما ما ذكره في المختلف احتجاجا لما ذهب اليه فهو لا يخلو من تهافت بمنع التعويل عليه.

الثاني : لو اذن له في التجارة دون الاستدانة ، وحصل عليه ديون ، قال الشيخ في النهاية : ما يحصل عليه من الدين يستسعى فيه ، ولا يلزم مولاه من ذلك شي‌ء ، وقال في المبسوط : إذا أذن لعبده في التجارة فركبه دين ، فان كان أذن له في الاستدانة ، فإن كان في يده مال قضى عنه ، وان لم يكن في يده مال كان على السيد القضاء عنه ، وان لم يكن أذن له في الاستدانة كان ذلك في ذمة العبد يطالبه به إذا أعتق ، وقد روى أنه يستسعى العبد في ذلك ، وكذا قال في الخلاف ، الا انه أسقط ذكر الرواية.

وقال ابن حمزة : ان كان المدين علم أنه غير مأذون في الاستدانة بقي في ذمته الى أن يعتق ، وان لم يعلم استسعى فيه إذا تلف المال ، وأبو الصلاح لم يفصل إلى المأذون له في التجارة وغيره ، بل إلى المأذون له في الاستدانة وغيره ، وقال عن الثاني : انه لا ضمان على المولى ، ولا على العبد الا أن يعتق فيلزمه الخروج إلى مدينة مما عليه.

وقال ابن إدريس : لا يستسعى بل يتبع بعد العتق ، وقال في المختلف : والمعتمد أن يقول : ان استدان لمصلحة التجارة لزم المولى أداءه كالأجنبي ، وان لم يكن لمصلحته لم يلزم مولاه شي‌ء وتبع به بعد العتق عملا بأصالة براءة ذمة المولى ، ولانه فعل غير مأذون فيه ، والحديث الذي رواه أبو بصير في المسألة السابقة يعطى وجوب الاستسعاء ، وليس ببعيد ، فان المولى عاد بالإذن في التجارة فوجب عليه التمكين من السعى انتهى.

أقول الظاهر من الاخبار المتقدمة بعد ضم بعضها الى بعض وحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها أنه متى استدان العبد بغير اذن مولاه فالدين لازم للعبد ، وأنه يستسعى في الدين ، لكن بشرط اذن المولى ، فان لم يأذن المولى ـ حيث إن المولى غر صاحب الدين بالاذن للعبد في التجارة ـ مردود بما تضمنه رواية

٢١٩

روح «من أنه متى حجر عليه مولاه فليس على مولاه شي‌ء ، ولا على العبد شي‌ء» وحينئذ فالواجب تقييد إطلاق الصحيحة المذكورة بهذه الرواية ، وحمل ما تضمنته من الاستسعاء على رضى المولى ، جمعا بين الخبرين ، ولكنه معذور بعدم اطلاعه على الخبر المذكور حيث لم يورده في المقام.

وأما استثناء ما استدانه لمصلحة التجارة مع عدم الاذن له في الاستدانة وأنه يكون على المالك ، فالظاهر أن وجهه عندهم أنه حيث كان مأذونا في التجارة فهو مأذون فيما يتعلق بمصالحها التي من جملتها ذلك ، وهو وان احتمل ، الا أن إطلاق صحيحة أبي بصير يرده ، وتخصيصها بمجرد ما ذكروه بعيد.

الثالث : قد صرح الأصحاب بأنه لو مات المولى الدين في تركته ، ولو كان له غرماء كان غريم العبد من جملتهم ، والوجه فيه ظاهر بعد الحكم بلزوم دينه للمولى ، وعليه يدل الخبر الثاني ، وحينئذ فيسقط الدين على الغرماء أجمع ، الا أن ظاهر الخبر السادس بل صريحه تقديم غرماء المولى ، فعلى هذا لو لم يبق شي‌ء سقط غرماء العبد مع أن الجميع لازم لذمة المولى ، وهو مشكل ، ولم أر من تعرض لنقل الرواية المذكورة ، فضلا عن الجواب عما اشتملت عليه من الحكم المذكور ، ومقتضي اصطلاح المتأخرين طرح الرواية المذكورة لضعفها ، ويعضده مخالفتها للقواعد الشرعية والله العالم.

الرابع ـ قال الشيخ في النهاية لو لم يأذن له في التجارة ولا في الاستدانة لا يلزم المولى منه شي‌ء ، ولا يستسعى المملوك بل كان ضائعا ، وقال ابن حمزة يكون ضائعا إلا إذا بقي المال في يده ، أو كان قد دفع الى سيده.

وقال ابن إدريس : يتبع به بعد العتق وبه فسر قول الشيخ كان ضائعا ، وهو اختيار أبى الصلاح أيضا قال في المختلف : وهو المعتمد.

أقول : ظاهر الرواية الرابعة أنها من هذا القبيل ، فان قوله يشترى ويبيع قد علم بذلك مولاه يشعر بأنه غير مأذون منه في شي‌ء من الأمرين ، وانما رآه يشترى ويبيع ، ولم ينكر ذلك عليه ، مع أنه حكم بأنه يستسعى فيما عليه ، وظاهره الاستسعاء

٢٢٠