الحدائق الناضرة - ج ١٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

على تحريم بيع المؤبد. والمصنف في هذا الموضع من الإرشاد قيد البيع بالخراب وأدائه إلى الخلف بين أربابه ، فخالف عبارات الأصحاب في الخراب ، وخالف المحقق المقيد بأدائه إلى الخلف بين الأرباب. وفي الوقف من هذا الكتاب ، وبيع الوقف من الشرائع والقواعد جوز فيه شرط البيع عند ضرورة الخراج والمؤن وشراء غيره بثمنه. وفي المختلف جوز بيعه مع خرابه وعدم التمكن من عمارته أو مع خوف فتنة بين أربابه يحصل منها فساد ولا يستدرك مع بقائه. انتهى كلامه.

ومنه يعلم ان في المسألة أقوالا :

أحدها : المنع مطلقا. وهو المنقول عن ابن الجنيد وابن إدريس.

وثانيها : المنع في المؤبد خاصة. وهو مذهب الصدوق. واما غيره فيجوز.

وثالثها : قول الصدوق المذكور الا انهم قيدوا البيع في غير المؤبد بالقيود المذكورة في النهاية ، وهو قول ابى الصلاح وابن البراج.

ورابعها ـ وهو المشهور ـ : الجواز مطلقا ، بالشروط التي ذكروها على اختلافها كما عرفت.

* * *

أقول : والأصل في هذا الاختلاف اختلاف الافهام فيما رواه على بن مهزيار في الصحيح ، قال : كتبت الى ابى جعفر عليه‌السلام ان فلانا ابتاع ضيعة فوقفها وجعل لك في الوقف الخمس ، ويسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض أو تقويمها على نفسه بما اشتراها به ، أو يدعها موقوفة. فكتب عليه‌السلام الى : اعلم فلانا أنى آمره ان يبيع حقي من الضيعة ، وإيصال ثمن ذلك الى ، وان ذلك رأيي إنشاء الله. أو يقومها على نفسه ان كان ذلك أوفق له.

قال : وكتبت اليه : ان الرجل ذكر ان بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا ، وانه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فان كان ترى ان يبيع هذا الوقف

٤٤١

ويدفع الى كل انسان منهم ما كان وقف له من ذلك امرته. فكتب عليه‌السلام بخطه الى : وأعلمه أن رأيي له ، ان كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف ان بيع الوقف أمثل فإنه ربما جاء في الاختلاف ما فيه تلف الأموال والنفوس (١).

قال شيخنا الشهيد في الكتاب المذكور المتقدم ذكره ـ بعد نقل هذه الرواية ـ ما صورته : والذي جوز في غير المؤبد نظر الى صدر الرواية ، والأخر نظر الى عجزها. قلت : لو سلمت المكاتبة فلا دلالة في الصدر ، إذ الوقف مشروط بالقبول إذا كان على غير الجهات العامة ، ولم ينقل ان الامام قبل الوقف ، وانما قبل الجعل وامره ببيعه. وحملها على هذا اولى لموافقته الظاهر واما العجز فدل على جواز البيع لخوف الفساد بالاختلاف من غير تقييد بخوف خرابه ، فيبقى باقي ما ذكروه من القيود غير مدلول عليها منها. انتهى.

وظاهره هنا : اشتراط جواز البيع لخوف الفساد بالاختلاف خاصة. وفي الدروس اكتفى في جواز بيعه بخوف خرابه أو خلف أربابه المؤدي إلى فساده. وفي اللمعة نسب الجواز ـ بما لو أدى بقاؤه إلى خرابه لخلف أربابه ـ إلى المشهور ، ولم يجزم بشي‌ء. وقد لزمه ما سجل به على غيره من اختلاف الواحد منهم في فتواه في هذه المسألة.

وقال الصدوق ـ بعد ذكر الخبر المذكور ـ : هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم ، ولو كان عليهم وعلى أولادهم ما تناسلوا ومن بعدهم على فقراء المسلمين الى ان يرث الله الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه أبدا.

أقول : والمعتمد عندي في معنى هذه الرواية ما وقفت عليه في كلام شيخنا المجلسي في حواشيه على بعض كتب الاخبار ، حيث قال : والذي يخطر بالبال انه يمكن حمل هذا الخبر على ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم ولم يدفع إليهم. وحاصل

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥ حديث : ٥ و ٦.

٤٤٢

السؤال ان الواقف يعلم انه إذا دفعها إليهم يحصل منهم الاختلاف ويشتد ، لحصول الاختلاف قبل الدفع بينهم في تلك الضيعة ، أو في أمر آخر. أيدعها موقوفة ويدفعها إليهم أو يرجع عن الوقف ، لعدم لزومه بعد ، ويدفع إليهم ثمنها. أيهما أفضل؟ فكتب عليه‌السلام : البيع أفضل لمكان الاختلاف المؤدي إلى تلف النفوس والأموال. فظهر ان هذا الخبر ليس بصريح في جواز بيع الوقف ، كما فهمه القوم ، واضطروا الى العمل به مع مخالفته لأصولهم. والقرينة : ان أول الخبر محمول عليه كما عرفت ، وان لم ندع أظهرية هذا الاحتمال أو مساواته للآخر ، فليس ببعيد ، بحيث تأبى عنه الفطرة السليمة في مقام التأويل. والله الهادي إلى سواء السبيل. انتهى كلامه ، علت في الخلد أقدامه.

وما يشعر به آخر كلامه ، ان كان على سبيل التنزل والمجاراة مع القوم فجيد ، والا فإنه لا معنى للخبر غير ما ذكره ، فإنه هو الذي ينطبق عليه سياقه. ويؤيده ـ زيادة على ما ذكره ـ ان البيع في الخبر انما وقع من الواقف ، وهو ظاهر في بقاء الوقف في يده ، والمدعى في كلام الأصحاب : ان البيع من الموقوف عليهم ، لحصول الاختلاف في الوقف ، والخبر لا صراحة فيه على حصول الاختلاف في الوقف. ويعضده ـ ايضا ـ ان هؤلاء الموقوف عليهم من أهل هذه الطبقة لا اختصاص لهم بالوقف ، بل نسبتهم إليه كنسبة سائر الطبقات المتأخرة ، فهو من قبيل المال المشترك الذي لا يجوز لأحد الشركاء بيعه كلا ، وانما يبيع حصته المختصة به ، والموقوف عليه هنا ليس له حصة في العين وانما له الانتفاع بالنماء مدة حياته ، ثم ينتقل الى غيره ، لان الوقف ـ كما عرفوه ـ عبارة عن تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.

ويؤكده قوله عليه‌السلام في صحيحة الصفار الاتية إنشاء الله تعالى «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها». وكذا جملة من الاخبار الاتية في المقام إنشاء الله تعالى. ويزيده تأكيدا ـ ايضا ـ الأدلة العامة من آية أو رواية ، الدالة على المنع من التصرف فيما لا يملكه

٤٤٣

الإنسان ، ويتأكد ذلك بما إذا اشترط الواقف في أصل الوقف بان لا يباع ولا يوهب.

ولو قيل بأنه متى ادى الاختلاف الى ذهابه وانعدامه فالبيع أولى ، فإنه مع كونه غير مسموع في مقابلة النصوص ، مدفوع بأنه يمكن استدراك ذلك يأن يرجع الأمر إلى ولي الحسبة ، فيقيم له ناظرا لإصلاحه وصرفه في مصارفه. وبالجملة فإن الظاهر عندي من الرواية المذكورة انها ليست في شي‌ء مما نحن فيه ، فجميع ما أطالوا به من الكلام في المقام نفخ في غير ضرام.

* * *

ومن الأقوال في المسألة ـ أيضا ـ زيادة على الأربعة المتقدمة ـ خروج الموقوف عن الانتفاع به فيما وقف عليه ، كجذع منكسر وحصير خلق ونحوهما. قيل : فلا يبعد للمتولي الخاص بيعه ، ومع عدمه فالحاكم أو سائر عدول المؤمنين. وشراء ما ينتفع فيه ، لأنه إحسان وتحصيل غرض الواقف مهما أمكن.

* * *

ومنها ـ ايضا ـ جواز البيع إذا حصل للموقوف عليهم حاجة شديدة وضرورة تامة لا تندفع بعلة الوقف ، وتندفع ببيعه. وعليه يدل ظاهر خبر جعفر بن حسان الاتى إنشاء الله.

والواجب ـ أولا ـ نقل ما وصل إلينا من اخبار المسألة ثم الكلام فيها بما رزق الله فهمه منها. فمنها : ما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار : انه كتب بعض أصحابنا الى ابى محمد الحسن عليه‌السلام في الوقف وما روى فيه عن آبائه ـ عليهم‌السلام ـ فوقع : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (١). ورواه الكليني عن محمد بن يحيى.

ومنها : ما رواه في الكافي في القوى عن على بن راشد ، قال : سألت أبا الحسن

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ ص ٢٩٥ حديث : ١.

٤٤٤

عليه‌السلام قلت : جعلت فداك اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم ، فلما وفيت المال خبرت ان الأرض وقف. فقال : لا يجوز شراؤ الوقف ولا تدخل الغلة في ملكك ، وادفعها الى من أوقفت عليه. قلت لا اعرف لها ربا. فقال : تصدق بغلتها (١).

وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن أيوب بن عطية الحذاء ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفي‌ء فأصاب عليا ارض فاحتفر فيها عينا فخرج ماء ينبع في السماء كهيأة عنق البعير ، فسماها «عين ينبع» فجاء البشير يبشره. فقال عليه‌السلام : بشر الوارث ، هي صدقة بتا بتلا. في حجيج بيت الله وعابر سبيل الله ، لاتباع ولا توهب ولا تورث ، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (٢).

وما رواه الصدوق في الفقيه عن ربعي بن عبد الله ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : تصدق أمير المؤمنين عليه‌السلام بدار له في المدينة في بني زريق ، فكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدق به على بن أبي طالب وهو حي سوى ، تصدق بداره التي في بني زريق ، لاتباع ولا توهب حتى يرثها الذي يرث السموات والأرض ، واسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقبهن ، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين (٣).

وما رواه في الكافي والتهذيب عن عجلان ابى صالح ، قال : املى على أبو عبد الله عليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدق به فلان بن فلان وهو حي سوى ، بداره التي في بنى فلان بحدودها ، صدقة لاتباع ولا توهب ولا تورث ، حتى يرثها وارث السموات والأرض ، وانه قد اسكن صدقته هذه فلانا وعقبه ، فإذا انقرضوا فهي

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧١ حديث : ١ باب : ١٧.

(٢) الوسائل ج ١٣ ص ٣٠٣ حديث : ٢.

(٣) الوسائل ج ١٤ ص ٣٠٤ حديث : ٤.

٤٤٥

على ذوي الحاجة من المسلمين (١).

أقول : وهذه الاخبار كلها ـ ونحوها غيرها ـ ظاهرة الدلالة واضحة المقالة في تحريم بيع الوقف.

وأجاب عنها شيخنا الشهيد بأنها عامة ، والرواية الأولى خاصة ، فيبني العام على الخاص.

وفيه ما عرفت : ان تلك الروايات لا دلالة لها على ما ادعوه منها ـ كما أوضحناه ـ

ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة. في الصحيح ، عن جعفر بن حنان ، وهو غير موثق (٢) ـ قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن رجل أوقف غلة له على قرابته من أبيه وقرابته من امه ، واوصى لرجل ولعقبه من تلك الغلة ليس بينه وبينه قرابة بثلاثمائة درهم كل سنة ، ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته من امه. فقال : جائز للذي اوصى له بذلك. قلت أرأيت ان لم تخرج من غلة الأرض التي أوقفها إلا خمسمائة درهم. فقال : أليس في وصيته ان يعطى الذي اوصى له من الغلة ثلاثمأة درهم ، ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته من امه؟ قلت : نعم. قال : ليس لقرابته ان يأخذوا من الغلة شيئا حتى يوفوا الموصى له ثلاثمأة درهم ، ثم لهم ما يبقى بعد ذلك ـ الى ان قال ـ قلت : فللورثة من قرابة الميت ان يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة؟ قال. نعم إذا كانوا رضوا كلهم ، وكان البيع خيرا لهم باعوا (٣).

أقول : وبهذه الرواية استدل من قال بجواز بيع الوقف مع الحاجة والضرورة إذا لم تف الغلة بذلك.

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ ص ٣٠٣ حديث : ٣.

(٢) اى لم يوثقوه صريحا وان كانت تظهر وثاقته من بعض القرائن كما لا يخفى على من راجع ترجمة الرجل.

(٣) الوسائل ج ١٣ ص ٣٠٦ حديث : ٨.

٤٤٦

وظاهر شيخنا الشهيد في الكتاب المذكور : القول بها ، فإنه بعد ان طعن فيها أولا ، قال في آخر البحث : والأجود العمل بما تضمنه الحديثان السابقان. وأشار بهما إلى صحيحة على بن مهزيار والى هذه الرواية. وقد عرفت الجواب عن الصحيحة المذكورة. واما هذه الرواية فهي غير ظاهرة في كون الوقف فيها مؤبدا ، فحملها على غير المؤبد ـ كما هو ظاهرها ـ طريق الجمع بينها وبين ما ذكرنا من الاخبار الصحيحة الصريحة في تحريم بيع الوقف المؤبد.

وأكثر الأصحاب ـ ممن قال بالقول المشهور ـ ردوا هذه الرواية بضعف السند.

ثم ان جملة ممن صرح بجواز البيع ـ فيما دلت عليه صحيحة على بن مهزيار ـ أوجب ان يشترى بالقيمة ما يكون عوضه وقفا.

قال في الروضة : وحيث يجوز بيعه يشترى بثمنه ما يكون وقفا على ذلك الوجه ان أمكن ، مراعيا للأقرب الى صفته فالأقرب ، والمتولي لذلك الناظر ان كان والا الموقوف عليهم إذا انحصروا ، والا الناظر العام. انتهى.

وأنت خبير بأنه مع قطع النظر عن الرواية التي استندوا إليها في المقام ـ لما عرفت من النقض والإبرام والرجوع الى أقوالهم المتقدمة وان كانت مختلفة مضطربة ـ فإنه لا يطرد هذا الحكم كليا على تقدير القول بالجواز ، وانما يتم على البعض ، ولعله الأقل من تلك الأقوال ، وذلك فان من المجوزين من جعل السبب المجوز في جواز البيع هو شدة احتياج الموقوف عليهم لعدم وفاء الغلة بذلك ، ومقتضى ذلك انما هو أكل ثمنه والتصرف فيه بالملك لا بالشراء ، وهو ظاهر. ومنهم من جعل السبب المجوز خوف خرابه أو خوف الخلف بين أربابه. وعلى هذا ايضا لا معنى للشراء بثمنه ما يجعل وقفا ، لجريان العلتين المذكورتين فيه ، لانه كما يخاف على الأول من أحد الأمرين ، كذلك يخاف على الثاني بعد البيع والشراء ، إذ العلة واحدة.

٤٤٧

نعم يمكن ذلك بناء على من يجعل علة الجواز خرابه بالفعل وعدم الانتفاع به بالكلية ، مع ما عرفت من انه لا دليل عليه. وبالجملة فإني لا اعرف لهم دليلا على الحكم المذكور ، مع ما عرفت في الانطباق على أقوالهم من القصور.

المسألة الخامسة

لا خلاف بين الأصحاب بل وغيرهم ـ تفريعا على ما تقدم في سابق هذه المسألة ـ في عدم جواز بيع أم الولد ، مع حياة ولدها ودفع قيمتها أو القدرة على دفعها.

والمراد بها امة حملت في ملك سيدها منه. ويتحقق الاستيلاد بعلوقها به في ملكه ، وان لم تلجه الروح. والتقييد بحياة ولدها ـ كما ذكرنا ووقع في كثير من عبارات الأصحاب ـ مبنى على الغالب أو التجوز ، لانه قبل ولوج الروح لا يوصف بالحياة.

والحق بالبيع هنا سائر ما يخرجها عن الملك أيضا كالهبة والصلح وغيرهما ، للاشتراك في العلة ، ولانه لو جوز غيره لانتفى فائدة منعه وتحريمه وهي بقاؤها على الملك لتعتق على ولدها.

وقد ذكر الأصحاب جملة من المواضع التي يجوز بيعها فيها :

منها : ما إذا مات ولدها ، فإنها تكون كغيرها من الإماء. وهذا مما لا خلاف فيه عندنا.

ويدل عليه جملة من الاخبار الاتية في المقام إنشاء الله تعالى.

ومنها : ما إذا كان ثمنها دينا على مولاها. مع إعساره. والمراد بإعساره : ان لا يكون له مال زائدا على المستثنيات في وفاء الدين.

وهل يشترط موت المالك؟ قال في الشرائع : فيه تردد. وقال في المسالك :

٤٤٨

الأقوى عدم اشتراط موته ، لإطلاق النص ، ثم قال : وهذان الفردان المستثنيان مورد النص وقد الحق بهما بعض الأصحاب مواضع أخر ، انتهى.

والواجب ـ أولا ـ نقل الأخبار المتعلقة بهذا المقام ، ثم الكلام فيها بما دلت عليه من الأحكام.

فمنها : ما في الكافي عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام في رجل اشترى جارية يطأها فولدت له ولدا فمات ولدها فقال : ان شاؤا باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها ، وان كان لها ولد قومت على ولدها من نصيبه (١).

وعن عمر بن يزيد عن ابى الحسن الأول عليه‌السلام قال : سألته عن أم الولد تباع في الدين؟ قال : نعم في ثمن رقبتها (٢).

وعن عمر بن يزيد في الصحيح ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام كما في الكافي ، أو قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام كما في الفقيه : أسألك؟ فقال : سل. قلت : لم باع أمير المؤمنين عليه‌السلام أمهات الأولاد؟ قال في فكاك رقابهن. قلت : وكيف ذلك؟ قال : أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدى عنه ، أخذ ولدها منها فبيعت وادى ثمنها. قلت : فبيعهن فيما سوى ذلك من دين؟ قال : لا (٣).

وفي الكافي عن يونس في أم ولد ليس لها ولد ، مات ولدها ومات عنها صاحبها ولم يعتقها ، هل يحل لأحد تزويجها؟ قال : لا هي أمة لا يحل لأحد تزوجها الا بعتق من الورثة. فإن كان لها ولد وليس على الميت دين فهي للولد ، وإذا ملكها الولد فقد عتقت بملك ولدها لها ، وان كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيب ولدها ، وتستسعى في بقية ثمنها (٤).

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ ص ٥٢ حديث : ٤.

(٢) الوسائل ج ١٣ ص ٥١ حديث : ٢.

(٣) المصدر حديث : ١.

(٤) المصدر ج ١٦ ص ١٢٦ حديث : ٣.

٤٤٩

وفي التهذيب عن ابى بصير ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية يطأها فولدت له ولدا فمات. فقال : ان شاء ان يبيعها باعها وان مات مولاها وعليه دين قومت على ابنها ، فان كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ثم يجبر على قيمتها ، وان مات ابنها قبل امه بيعت في الميراث ان شاء الله الورثة (١).

وعن ابى بصير عن الصادق عليه‌السلام في رجل اشترى جارية يطأها فولدت له ولدا فمات ، قال ان شاء الورثة ان يبيعوها باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها ، وان كان لها ولد قومت على ولدها من نصيبه ، وان كان ولدها صغيرا انتظر به حتى يكبر. الحديث السابق (٢).

وعن ابى بصير عن الصادق عليه‌السلام في رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات ، قال ان شاء ان يبيعها ، باعها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها. الحديث. كما تقدم (٣).

أقول : مما يدل على الفرد الأول ـ أعني جواز البيع مع موت الولد ـ الرواية الاولى. وذكر الدين الذي على مولاها انما خرج مخرج التمثيل. ورواية يونس ورواية أبي بصير الاولى من التهذيب لقوله عليه‌السلام في صدرها «ان شاء ان يبيعها باعها» وفي عجزها «فان مات ابنها قبل امه بيعت في ميراث الورثة ان شاء الورثة». ومثلها الرواية التي بعد هذه الرواية.

وبالجملة فإن الحكم المذكور متفق عليه رواية وفتوى.

اما الفرد الثاني ـ أعني بيعها مع وجود الولد في أداء قيمتها ـ فيدل عليه رواية عمر بن يزيد الاولى ، وظاهرها جواز البيع في حال حياة السيد أو بعد موته. ولعل قوله

__________________

(١) المصدر ج ١٣ ص ٥٢ حديث : ٤ و ٥.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر نفسه.

٤٥٠

في المسالك فيما قدمنا من كلامه «لإطلاق النص» إشارة الى هذه الرواية.

وبه يظهر ان اعتراض المحقق الأردبيلي ـ في شرح الإرشاد ـ على شيخنا المذكور في هذا المقام ، انما نشأ عن غفلة عن مراجعة الخبر المذكور ، حيث قال : والظاهر عدم الخلاف إذا كان بعد موت المولى ، ويدل عليه رواية أبي بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، ثم نقل الرواية الثانية من روايات ابى بصير الثلاث الأخيرة المنقولة من التهذيب.

ثم قال : وهذه غير صحيحة ، لوجود المجهول مثل القصري وخداش ، ولوجود محمد بن عيسى المشترك. على ان في متنها ايضا تأملا ، وما رأيت غيرها. ففي استثناء غير الصورتين ، بل في استثناء بيعها مع حياة المولى أيضا تأمل. وما عرفت وجه تعليل هذا الفرد بقوله ـ في شرح الشرائع ـ «لإطلاق النص» وما رأيت نصا آخر. وفي دلالة هذه على البيع بعد موت المولى فقط أيضا تأمل ظاهر ، فيمكن الاقتصار على موضع الوفاق وهو البيع في الدين مع موت المولى وموت الولد. فلا يستثني غيرهما من موضع الإجماع. ولكن لا يبعد ان يقال : ان الاستصحاب وأدلة العقل والنقل دل على جواز التصرف في الاملاك مطلقا ، فيجوز مطلق التصرف في أم الولد ، بيعها مطلقا وغيره الا ما خرج بدليل ، وما ثبت بالدليل وهو الإجماع هنا إلا في منع البيع مع بقاء الولد وعدم إعسار المولى بثمنها ، فيجوز بمجرد موت الولد مطلقا ، لعدم الإجماع ، وفي ثمن رقبتها كذلك لذلك ، فتأمل واحتط. انتهى.

أقول : ما ذهب اليه من تخصيص الجواز بموت المولى أحد القولين في المسألة وهو منقول ايضا عن ابن حمزة فإنه شرط في بيعها في ثمن رقبتها بعد موت مولاها. قال السيد السند في شرح الإرشاد ، ورده جدي بإطلاق النص ، فإنه متناول لموت المولى وعدمه ، ويشكل بان ظاهر قوله عليه‌السلام «ولم يدع من المال ما يؤدى عنه». وقوع البيع بعد وفاة المولى ، فيشكل الاستدلال بها على الجواز مطلقا. انتهى.

٤٥١

أقول : وكلام السيد السند هنا ـ ايضا ـ مبنى على عدم الاطلاع على رواية عمر ابن يزيد المتقدمة ، وانما اطلع على صحيحته ، ولا ريب انها ظاهرة فيما ذكره ، لكن الرواية المشار إليها ظاهرة فيما ذكرنا من الإطلاق كما لا يخفى.

واما ما أطال به المحقق الأردبيلي ـ هنا مما قدمنا نقله عنه ـ فلا يخفى ما فيه. ولكن عذره ظاهر ، حيث انه لم يشرح بريد نظره في روايات المسألة ، ولم يقف منها الا على هذه الرواية المجملة ، والا فقد عرفت ان رواية أبي بصير ، وهي الاولى من روايات التهذيب ، ظاهرة في بيعها بعد موت الولد وحياة الأب. وان البائع هو الأب لأنه سأل عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات ـ يعنى الولد ـ فقال : ان شاء ان يبيعها باعها. يعنى ان شاء ذلك الرجل الذي اشترى الجارية بعد موت الولد ان يبيع الجارية باعها. ولا يجوز ان يكون الضمير في مات راجعا الى الرجل ، لانه لا معنى لقوله ان شاء ان يبيعها.

بقي قوله ـ بعد هذا الكلام ـ «وان مات مولاها وعليه دين» فإنه يجب ارتكاب التأويل فيه والتقدير ، بان يكون المعنى «وان مات مولاها مع بقاء الولد وعدم موته. الى آخر ما ذكر في الخبر».

ومثل رواية أبي بصير الاولى وروايته الثالثة ـ أيضا ـ من روايات الشيخ ، بإرجاع الضمير في مات الى الولد كما ذكرنا في الاولى. ووجه الاشكال عنده في الرواية التي نقلها : انه جعل الضمير في «فمات» راجعا الى الرجل الذي اشترى الجارية. والظاهر انما هو رجوعه الى الولد ، لقوله بعد ذلك «وان كان لها ولد». وهو قد اعتضد فيما ذهب اليه بقوله عليه‌السلام «باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها» وفيه : انه لا دلالة على الحصر في هذا الفرد. فيجوز ان يكون انما خرج مخرج التمثيل ، لأنه أظهر الافراد. وكيف كان فإنه ينافر هذا المعنى ما ذكرنا من قوله ـ بعد ذلك ـ «وان كان لها ولد».

٤٥٢

وبالجملة فإن روايات ابى بصير الثلاثة الأخيرة. لا تخلو من تشويش في معانيها واضطراب في ربط ألفاظها.

ثم ان ما يدل ـ ايضا ـ على بيعها في قيمتها مع وجود الولد : صحيحة عمر بن يزيد ، وظاهرها : البيع بعد موت المالك ، كما جنح اليه. وبما ذكرنا يظهر لك صحة استثناء هذين الموضعين من تحريم بيع أم الولد.

* * *

واما ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال سألته عن أم الولد. قال : امة ، تباع وتوهب وتورث ، وحدها حد الأمة (١).

وفي الصحيح عن وهب ابن عبد ربه. عن ابى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في رجل زوج أم ولد له عبدا له ، ثم مات السيد ، قال : لا خيار لها على العبد ، هي مملوكة للورثة (٢).

وهذان الخبران لمخالفتهما لما عليه ظاهر اتفاق الأصحاب ، من أن حكم أم الولد غير حكم من لم يكن لها ولد ، وانها تنعتق بموت السيد على ابنها من حصته من الميراث ، تأولوهما بالحمل على من مات ولدها ، وإن التسمية بذلك وقع تجوزا باعتبار ما كان.

ويدل على ذلك ما رواه في الفقيه عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : أم الولد حدها حد الأمة إذا لم يكن لها ولد (٣).

واما خبر وهب بن عبد ربه ، فهو وان رواه الصدوق بما قدمنا نقله عنه ، الا ان

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ ص ٥٢ حديث : ٣.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٨٢ حديث : ٢٩٥.

(٣) الفقيه ج ٤ ص ٣٢ حديث : ٩٢ ـ ٣.

٤٥٣

الشيخ رواه بما يندفع به عنه الاشكال ويزول به الاختلال ، حيث انه رواه هكذا :

عن ابى عبد الله عليه‌السلام في رجل زوج عبدا له من أم ولد له ولا ولد لها من السيد ثم مات السيد. الى آخر ما تقدم (١).

وظاهر الصدوق في الفقيه حيث اقتصر على نقل الخبرين الأولين القول بمضمونهما بناء على ما ذكره في صدر كتابه.

وظاهره فيه ـ ايضا ـ ان أم الولد لا تنعتق على ولدها بمجرد ملكه لها ، بل تحتاج الى ان يعتقها ، كما يدل عليه بعض الاخبار ، وهو خلاف ما عليه كافة الأصحاب في هذا الباب ، وسيجي‌ء تحقيق المسألة في محلها إنشاء الله تعالى ، وفق الله لبلوغه.

* * *

أقول : ومن المواضع التي زادها جملة من الأصحاب وجوزوا بيع أم الولد فيها : ما ذكره شيخنا في اللمعة وهي ثمانية ، وزاد عليه غيره ما تبلغ الى عشرين موضعا ، ونحن نذكرها واحدا واحدا لتحصيل الإحاطة بالاطلاع عليها :

(أحدها) : في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها ، سواء كان حيا أو ميتا. قاله الشارح. اما مع الموت فموضع وفاق ، واما مع الحياة فعلى أصح القولين ، لإطلاق النص.

و (ثانيها) : إذا جنت على غير مولاها. قال الشارح : فيدفع ثمنها في الجناية أو رقبتها ان رضى المجني عليه ، ولو كانت الجناية على مولاها لم يجز ، لانه لم يثبت له مال على ماله.

و (ثالثها) : إذا عجز مولاها عن نفقتها. قال الشارح : ولو أمكن تأديها ببيع بعضها وجب الاقتصار عليه ، وقوفا فيما خالف الأصل على موضع الضرورة.

و (رابعها) : إذا مات قريبها ولا وارث له سواها. قال الشارح : لتنعتق وترثه ،

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٠٦ حديث : ٧٢٨ ـ ٣٤.

٤٥٤

وهو تعجيل عتق اولى بالحكم من بقائها لتعتق بعد وفاة مولاها.

و (خامسها) : إذا كان علوقها بعد الارتهان. قال الشارح : فيقدم حق المرتهن لسبقه. وقيل : يقدم حق الاستيلاد لبناء العتق على التغليب. ولعموم النهى عن بيعها.

و (سادسها) : إذا كان علوقها بعد الإفلاس. قال الشارح اى بعد الحجر على المفلس ، فان مجرد ظهور الإفلاس على المفلس لا يوجب تعلق حق الديان بالمال. والخلاف هنا كالرهن.

و (سابعها) : إذا مات مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق ، وان لم يكن ثمنا لها. قال الشارح : لأنها انما تنعتق بموت مولاها من نصيب ولدها ، ولا نصيب له مع استغراق الدين ، فلا تعتق فتصرف في الدين.

و (ثامنها) : بيعها على من تنعتق عليه ، فإنه في قوة العتق. قال الشارح : فيكون تعجيل خير يستفاد من مفهوم الموافقة ، حيث ان المنع من البيع لأجل العتق.

و (تاسعها) : بيعها بشرط العتق.

قال المصنف : وفي جواز بيعها بشرط العتق نظر. أقربه الجواز. قال الشارح : لما ذكر ، فان لم يف المشترى بالشرط فسخ البيع وجوبا ، فان لم يفسخه المولى احتمل انفساخه بنفسه ، وفسخ الحاكم ان اتفق.

وهذا موضع تاسع.

وما عدا الموضع الأول من هذه المواضع غير منصوص بخصوصه ، وللنظر فيه مجال ، وقد حكاها في الدروس بلفظ قيل ، وبعضها جعله احتمالا من غير ترجيح لشي‌ء.

ثم قال الشارح : وزاد بعضهم مواضع أخر :

و (عاشرها) : في كفن سيدها إذا لم يخلف سواها ولم يمكن بيع بعضها فيه

٤٥٥

والا اقتصر عليه.

و (حادي عشرها) : إذا أسلمت قبل مولاها إذ لا نصيب لولدها.

و (ثالث عشرها) : إذا جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها.

و (رابع عشرها) : إذا قتلته خطأ.

و (خامس عشرها) : إذا حملت في زمن خيار البائع أو المشترى ثم فسخ البائع بخياره.

و (سادس عشرها) : إذا خرج مولاها عن الذمة وملكت أمواله التي هي منها.

و (سابع عشرها) : إذا لحقت هي بدار الحرب ثم استرقت.

و (ثامن عشرها) : إذا كانت لمكاتب مشروط ثم فسخ كتابته.

و (تاسع عشرها) : إذا شرط أداء الضمان منها قبل الاستيلاد ثم أولدها ، فإن حق المضمون له أسبق من حق الاستيلاد كالرهن والفلس السابقين.

و (العشرون) : إذا أسلم أبوها أو جدها وهي مجنونة أو صغيرة ثم استولدها الكافر بعد البلوغ قبل ان تخرج من ملكه. وهذه في حكم إسلامها عنده.

وفي كثير من هذه المواضع نظر. انتهى.

أقول : قد تقدم في صحيحة عمر بن يزيد : انها لاتباع فيما سوى تلك الصورة المتفق عليها.

وأنت خبير بان الظاهر ان مبنى من ذكر هذه الصور الزائدة على محل النص هو ان أم الولد حكمها حكم غيرها من أموال السيد إلا في تلك الصورة الخاصة.

ولا يخفى ما فيه ، فإنه قياس مع الفارق ، لان هذه قد تشبثت بالحرية بسبب الولد ، ومن الجائز ان الاستيلاد قد صار مانعا من التصرف فيها بهذه الوجوه التي ذكروها ، ومقدما عليها ، وحينئذ فتكون موروثة بعد موت السيد وان كان عليه دين مستغرق أو نحو ذلك من الأمور التي ادعوا أنها مقدمة على الاستيلاد ، وابنها من جملة الورثة فتعتق

٤٥٦

عليه بالحصة التي له.

وهو جيد من حيث الاعتبار المذكور ، وان كانت الفتوى به محل توقف ، لعدم النص الصريح بذلك ، ثم يسرى العتق وتستسعى ، أو يفكها الولد ، كما تضمنته الاخبار ، وتخرج الصحيحة المذكورة شاهدا على ذلك ، وكذا مفهوم صحيحة زرارة ، وقوله فيها «أم الولد حدها حد الأمة إذا لم يكن لها ولد». فان مفهومها : انه إذا كان لها ولد فإنها ليست على حد الأمة التي يباح التصرف فيها بتلك الأنواع المذكورة ونحوها.

واما حمل الحد في الرواية المذكورة على الحد الذي يوجبه الجناية ، بمعنى انها إذا فعلت ما يوجب الحد فان حدها حد الأمة التي ليست أم ولد إذا لم يكن لها ولد ، فالظاهر بعده ، وان كان الصدوق قد ذكر الخبر المذكور ، في باب الحدود حملا له على ذلك ، بناء على مذهبه الذي قدمنا الإشارة إليه ، من ان أم الولد عنده كغيرها ممن لا ولد لها ، الا ان يعتقها ابنها.

وهو مذهب غريب مخالف لظاهر اتفاق الأصحاب من انها تنعتق على ابنها من نصيبه كلا أو بعضها بمجرد الملك من غير توقف على عتق. ويدل عليه جملة من الاخبار ، وان كان ما ذكره الصدوق هنا ايضا قد دلت عليه صحيحة محمد بن قيس ، ولتحقيق المسألة المذكورة محل آخر يأتي إنشاء الله تعالى.

* * *

بقي هنا شي‌ء آخر يجب التنبيه عليه ، وهو انه لو مات ولد الأمة ولكن له ولد (١) فهل يصدق عليها بذلك أنها أم ولد أم لا؟ فقل بالأول لأنه ولد ، وقيل بالثاني لعموم ما دل على ان أم ولد إذا مات ابنها ترجع الى محض الرق ، فإنه يتناول موضع النزاع ، وقيل : ان كان ولد ولدها وارثا ، بان لا يكون للمولى ولد لصلبه كان حكمه حكم الولد ، لأنها تنعتق عليه ، وان لم يكن وارثا لم يكن حكمه حكم الولد ، لانتفاء الملك المقتضى للعتق.

__________________

(١) اى لولد الأمة ولد.

٤٥٧

واختار هذا التفصيل السيد السند السيد محمد ـ قدس‌سره ـ في شرح النافع.

المسألة السادسة

من فروع ما تقدم من اشتراط كون المبيع طلقا : عدم جواز بيع الرهن أيضا إلا مع الاذن ، وبيع العبد الجاني على التفصيل الاتى إنشاء الله تعالى.

اما الأول ، فظاهر بالنسبة إلى الراهن ، لانه بالرهن صار ممنوعا من بيعه ، بل مطلق التصرف فيه الا بإذن المرتهن. واما المرتهن فأظهر لأنه غير مالك الا ان يكون وكيلا من قبل الراهن في البيع ، فيتوقف بيعه على الاذن من المالك ، وان امتنع استأذن الحاكم الشرعي ، وان تعذر جاز له البيع بنفسه على الأظهر. وكيف كان فإنه لا يجوز له بيع الرهن مطلقا ، بل على بعض الوجوه. وتحقيق المقام كما هو حقه يأتي إنشاء الله تعالى في بابه.

واما الثاني ، فالمشهور بين الأصحاب انه لا تمنع جناية السيد عن بيعه ، عمدا كانت الجناية أو خطاء ، ونقل عن الشيخ في المبسوط الخلاف هنا في جناية العبد فأبطل البيع ، لتخيير المجني عليه بين استرقاقه وقتله ، ورد بأنه غير مانع من صحة البيع ، لعدم اقتضائه خروجه عن ملك مالكه. نعم لو جنى العبد خطاء لم تمنع جنايته عن بيعه لانه لا يخرج بالجناية عن ملك مولاه ، والمولى مخير في فكه ، فان شاء فكه بأقل الأمرين من أرش الجناية ، إذ هو اللازم بمقتضى الجناية ، وقيمته إذ الجاني لا يجني أكثر من نفسه ، وان شاء دفعه الى المجني عليه أو وليه ليستوفي من رقبته ذلك ، فلو باع بعد الجناية كان التزاما بالفداء على أحد القولين ، ثم ان فداه والا جاز للمجنى عليه استرقاقه ، فينفسخ البيع وان استوعب الجناية قيمته ، لان حقه أسبق ، وان لم يستوعب

٤٥٨

رجع بقدر أرشه على المشترى فلم ينفسخ البيع في نفسه.

نعم لو كان المشترى جاهلا بعيبه تخير ايضا بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين الإمضاء. وله الرجوع حينئذ بالثمن فيما لو كانت الجناية مستوعبة لرقبته وأخذ بها ، وان كانت غير مستوعبة لرقبته رجع بقدر أرشه ، ولو كان المشترى عالما بعيبه راضيا بتعلق الحق به لم يرجع بشي‌ء ، لانه اشترى معيبا عالما بعيبه.

ثم ان فداه السيد أو المشتري فالبيع بحاله ، والا بطل مع الاستيعاب وعدم فداء المشترى له ، كقضاء دين غيره يعتبر في رجوعه عليه اذنه فيه.

هذا كله في الجناية خطاء ، ولو جنى عمدا فالمشهور ان البيع موقوف على رضي المجني عليه أو وليه ، لان التخيير في جناية العبد إليهما. وان لم يخرج عن ملك سيده ، وبالنظر الى الثاني يقع البيع ، وبالنظر الى الأول يثبت التخيير. وذهب الشيخ هنا الى بطلان البيع كما تقدم ، وقد تقدم بيان ما فيه ، وانه لا يقصر عن بيع الفضولي.

ثم على القول المشهور ، ان أجاز البيع ورضى بفدائه بالمال وفكه المولى لزم البيع ، وان قتله أو استرقه بطل. كذا يستفاد من تصاريف كلامهم الدائر في المقام على رؤوس أقلامهم.

وفي استفادة كثير من هذه التفاصيل من الاخبار إشكال. وتحقيق المسألة ـ كما هو حقه ـ يأتي إنشاء الله تعالى في محله اللائق بها.

المسألة السابعة

من الشروط المعتبرة : معلومية الثمن والمثمن ، حذرا من الغرر المنهي عنه وقطعا للنزاع. ولكن المعلومية لكل شي‌ء بحسبه ، كما يأتي إنشاء الله تعالى.

٤٥٩

والكلام هنا يقع في مواضع :

الأول : قد صرحوا بأنه يشترط العلم بالثمن قدرا ووصفا وجنسا ، قبل إيقاع عقد البيع ، فلا يصح البيع بحكم أحد المتبايعين أو أجنبي إجماعا. ولا بالثمن المجهول القدر ، وان كان مشاهدا ، لبقاء الجهالة ، وثبوت الغرر المنفي معها ، خلافا للشيخ في الموزون. وللمرتضى في مال السلم. ولابن الجنيد في المجهول مطلقا ، إذا كان المبيع صبرة ، مع اختلافهما جنسا. ولا مجهول الصفة ، كمائة درهم ، وان كانت مشاهدة لا يعلم وصفها ، مع تعدد النقد الموجود يومئذ. ومجهول الجنس ، وان علم قدره ، لتحقق الجهالة في الجميع.

أقول : ما ذكروه من عدم صحة البيع بحكم أحد المتبايعين ، فهو وان ادعى عليه الإجماع في التذكرة ، الا انه قد روى الصدوق في الفقيه ، والشيخ في التهذيب ، عن الحسن بن محبوب ، عن رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت : ساومت رجلا بجارية له فباعنيها بحكمي فقبضتها منه على ذلك ، ثم بعثت إليه بألف درهم ، فقلت له : هذه الف درهم حكمي عليك ان تقبلها فأبى أن يقبضها منى ، وقد كنت مسستها قبل ان ابعث اليه بالثمن فقال : ارى ان تقوم الجارية قيمة عادلة ، فإن كان قيمتها أكثر مما بعثت اليه كان عليك ان ترد عليه ما نقص من القيمة ، وان كان ثمنها أقل مما بعثت اليه فهو له. قلت : أرأيت ان أصبت بها عيبا بعد ما مستها ، قال : ليس لك ان تردها اليه ، ولك ان تأخذ قيمة ما بين الصحة والعيب منه (١).

ورواه الكليني عن العدة عن سهل واحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب مثله. وطريق الصدوق في المشيخة الى الحسن بن محبوب صحيح كما في الخلاصة. وطريق الكليني ظاهر الصحة ، وطريق الشيخ الى الحسن بن محبوب حسن بإبراهيم بن هاشم الذي هو في حكم الصحيح عندهم ، بل هو من الصحيح على الاصطلاح الجديد ،

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧١ حديث : ١ باب : ١٨.

٤٦٠