الحدائق الناضرة - ج ١٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

اللزوم في أول الأمر ، وبالذهاب يتحقق اللزوم ، لامتناع إرادة الإباحة المجردة عن أصل الملك ، إذ المقصود للمتعاطيين انما هو الملك فإذا لم يحصل كانت فاسدة ولم يجز التصرف في العين ، وكافة الأصحاب على خلافه. انتهى.

أقول : ما ذكروه من ان المعاطاة بيع وانها تفيد الملك ، إذ مقصود المتعاطيين انما هو الملك ، وشمول الآيات الدالة على حل البيع وصحته لذلك ، جيد متين.

لكن يبقى الكلام في دعوى عدم اللزوم مع وجود العوضين ، فإنه يحتاج الى دليل ، إذ مقتضى ما ذكروه هو الصحة واللزوم وكونه بيعا حقيقيا ، ولا اعرف لهم دليلا على هذه الدعوى هنا ، الا الاستناد إلى الإخلال بالصيغة الخاصة ، بناء على ظاهر اتفاقهم على انها ركن من أركان البيع ، وقضية ذلك انما هو الفساد لا الصحة مع عدم اللزوم.

فان قيل : انهم يستندون الى وقوع المعاطاة في الصدر الأول مع الإخلال بالصيغة.

قلنا : فيه ـ أولا ـ انك قد عرفت ان هذه الصيغة الخاصة لم يقم عليها دليل.

وثانيا : ان المعاطاة في الصدر الأول انما كانوا يقصدون بها البيع الحقيقي كما عرفت من الاخبار المتقدمة ونحوها ، وتوقف ذلك على تلف احدى العوضين غير معلوم ولا مدلول عليه بدليل.

وأنت إذا ضممت ما دلت عليه الاخبار المتقدمة ، من صحة بيع المعاطاة وغيره من العقود بالألفاظ الدالة على مجرد التراضي ، مع الاخبار الدالة على الخيار بأنواعه ، والاخبار الدالة على النزاع بين المشترى والبائع ونحو ذلك ، مما يتفرع على البيع صحة وبطلانا ، ظهر لك ان ذلك كله مترتب على بيع المعاطاة كالبيع بالصيغة الخاصة عندهم.

وبالجملة فإني لا اعرف لما ذكروه هنا وجه استقامة ، واللازم اما كون المعاطاة بيعا حقيقيا ـ كما اخترناه ـ أو بيعا فاسدا ـ كما هو مقتضى قواعدهم.

٣٦١

ثم انه مما يتفرع على الاحتمالين المذكورين في عبارة المسالك من الملك أو الإباحة ، حصول النماء. فان قلنا بالملك كان تابعا للعين في الانتقال والملك ، وان قلنا بالإباحة احتمل كونه مباحا لمن هو في يده كالعين ، وعدمه.

واما وطي الجارية ، فقيل : الظاهر انه كالاستخدام يدخل في الإباحة منها.

واما العتق فعلى القول بالملك (١) يكون جائزا لأنه مملوك ، وعلى الإباحة يتجه العدم ، إذ لا عتق إلا في ملك ، ومقتضى حكمهم بتجويز جميع التصرفات في بيع المعاطاة يدفع التفريع على الإباحة هنا ، فيكون هذا مما يؤيد القول بالملك.

(الرابع) : لا اشكال ولا خلاف عندهم في انه لو تلف العينان في بيع المعاطاة فإنه يصير لازما ، وانما الكلام في تلف إحداهما خاصة ، وقد صرح جمع منهم بأنه كالأول ، فيكون موجبا لملك العين الأخرى لمن هي في يده ، نظرا الى ما قدمنا نقله عن المسالك في الأمر الثاني ، واحتمل هنا ايضا العدم ، التفاتا إلى أصالة بقاء الملك لمالكه ، وعموم «الناس مسلطون على أموالهم» (٢).

ثم انه حكم بأن الأول أقوى ، وعلله بان من بيده المال مستحق قد ظفر بمثل حقه باذن مستحقه فيملكه ، وان كان مغايرا له في الجنس والوصف ، لتراضيهما على ذلك.

أقول : قد عرفت آنفا ان الاستناد إلى أمثال هذه التعليلات في تأسيس الأحكام الشرعية مشكل ، وانما المدار على النصوص الدالة على المراد بالعموم أو الخصوص. والمسألة عارية عن ذلك من أصلها ، فضلا عن فرعها. واما على ما اخترناه فإنه لا إشكال

__________________

(١) أي القول بعدم جواز العتق تفريعا على القول بالإباحة ينافي ما صرحوا به من جواز التصرف بجميع أنواعه في بيع المعاطاة ، فيكون ذلك مؤيدا للقول بالملك ، إذ لو تم القول بالإباحة لصح هذا الفرع المترتب عليه ، مع خلاف ما صرحوا به في المقام.

منه رحمه‌الله.

(٢) بحار الأنوار ج ٢ ص ٢٧٢.

٣٦٢

في هذا المجال.

ثم انه لو تلف بعض إحداهما فهل يكون حكمه حكم تلف الجميع أولا ، وجهان. اختار أولهما المحقق الشيخ على في شرح القواعد. قال : ويكفى تلف بعض احدى العينين لامتناع التراد في الباقي إذ هو موجب لتبعيض الصفقة والضرر ، ولان المطلوب كون إحداهما في مقابلة الأخرى.

وتنظر فيه في المسالك ، قال : لان تبعيض الصفقة لا يوجب بطلان أصل المعاوضة ، بل غايته جواز فسخ الأخر ، فيرجع الى المثل أو القيمة كما في نظائره ، واما الضرر الحاصل من التبعيض المنافي لمقصودهما ، من جعل إحداهما في مقابلة الأخرى ، فمستند الى تقصيرهما في التحفظ بإيجاب البيع ، كما لو تبايعا بيعا فاسدا. ويحتمل حينئذ ان يلزم من العين الأخرى في مقابلة التالف ويبقى الباقي على أصل الإباحة بدلالة ما قدمناه. انتهى.

وهو جيد بناء على قواعدهم. واما على ما اخترناه فالأمر ظاهر ، إذ صحة المعاملة المذكورة ولزومها لا تتوقف على تلف أحد العوضين أو بعضه ، بعين ما قرروه في العقد بالصيغة الخاصة عندهم.

(الخامس) : ان من فروع المسألة بناء على ما قرروه فيها ، ما لو وقعت المعاوضة بقبض أحد العوضين خاصة ، كما لو دفع إليه سلعة بثمن وافقه عليه أو دفع اليه ثمنا عن عين موصوفة بصفات السلم ، فتلف العوض المقبوض ، ففي لحوق أحكام المعاطاة ولزوم الثمن المسمى والثمن الموصوف إشكال ، ينشأ من عدم صدق اسم المعاطاة ، لأنها مفاعلة تتوقف على العطاء من الجانبين ، ولم يحصل.

ويعضده ايضا الاقتصار فيما يخرج عن الأصل على موضع اليقين ان كان ، ومن صدق التراضي على المعاوضة ، وتلف العين المدعى كونه كافيا في التقابض من الجانبين.

وبالصحة هنا صرح في الدروس فقال : ومن المعاطاة ان يدفع إليه سلعة بثمن

٣٦٣

يوافقه عليه من غير عقد ، ثم يهلك عند القابض فيلزمه الثمن المسمى. انتهى.

أقول : ويؤيده أن التسمية بالمعاطاة في هذا البيع انما وقعت في كلامهم ، إذ لا نص في المقام. فوجوب ترتب الصحة على الإعطاء من الجانبين ـ بناء على هذا اللفظ ـ لا وجه له. نعم لو كان هنا نص ورد بهذه التسمية لاقتضى تفريع ذلك عليه. وحينئذ فالمرجع في ذلك ـ بناء على أصولهم في هذه المسألة ـ الى ما علل به في الوجه الثاني ـ بناء على ما اخترناه ـ دلالة النصوص على كون ذلك بيعا صحيحا شرعيا ، لما عرفت آنفا من ان اشتراط هذه الصيغة الخاصة غير ثابت ، بل يكفى مجرد الألفاظ الدالة على التراضي ، مع استكمال باقي الشرائط المعتبرة في البيع. والله العالم.

السادس) : قال في المسالك : ذكر بعض الأصحاب ورود المعاطاة في الإجارة والهبة ، بأن يأمره بعمل معين ويعين له عوضا ، فيستحق الأجرة بالعمل ، ولو كانت إجارة فاسدة لم يستحقق شيئا مع علمه بالفساد ، بل لم يجز له العمل والتصرف في ملك المستأجر ، مع اطباقهم على جواز ذلك ، واستحقاق الأجر. انما يكون الكلام في تسمية المعاطاة في الإجارة. وذكر في مثال الهبة : ما لو وهبه بغير عقد فيجوز للقابض إتلافه ، وتملكه به ، ولو كانت هبة فاسدة لم يجز. ولا بأس به ، الا ان في مثال الهبة نظرا ، من حيث ان الهبة لا تختص بلفظ ، بل كل لفظ يدل على التمليك بغير عوض كاف فيها كما ذكروه في بابه ، وجواز التصرف في المثال المذكور موقوف على وجود لفظ يدل عليها ، فيكون كافيا في الإيجاب. اللهم الا ان يعتبر القبول اللفظي مع ذلك ولا يحصل في المثال فيتجه ما قاله. انتهى.

أقول : لا يخفى على من مارس الاخبار أنه لا وجه لتخصيص هذا البعض ما ذكره بالإجارة والهبة ، وذلك فإن غاية ما يستفاد منها بالنسبة الى جميع العقود ، انه لا يعتبر فيها أزيد من الألفاظ الدالة على الرضا بمضمون ذلك العقد ، كيف كانت ، وعلى اى نحو صدرت ، ومع استكمال جميع ما يشترط فيه ، من غير توقف على الصيغ

٣٦٤

الخاصة التي أوجبوها في كل عقد.

واما الإشكال في كون ذلك يسمى معاطاة أم لا ، كما يشير اليه كلام شيخنا المذكور ، ففيه : ما أشرنا إليه آنفا ، من ان هذه التسمية انما هي اصطلاحية ذكروها في باب البيع ، وجعلوها في مقابلة البيع بالصيغة التي اتفقوا عليها فقسموها الى البيع بالعقد المخصوص والى بيع المعاطاة ، وجعلوا لكل منهما أحكاما ، كما تقدم ذكره ، ولما كانت هذه الصيغة تتضمن المفاعلة من الطرفين ، استشكلوا في إجرائها في هذه المواضع ونحوها.

وأنت خبير بأنه مع الرجوع الى الاخبار فلا وجود لهذه التسمية ولا اثر يترتب عليها في باب البيع ولا غيره ، وقد عرفت انهم في باب البيع قد خرجوا عنها في صحة المعاطاة بقبض أحد العوضين دون الأخر ، وظاهر كلامه ـ عليه الرحمة ـ ان المستند في صحة الإجارة والهبة في هذا المقام انما هو اطباق الناس على جواز التصرف في الصورتين المذكورتين ، واستحقاق الأجرة في الإجارة ، وأنت خبير بما فيه : وان كان فيه نوع إيماء إلى الإجماع ، بل الحق في ذلك انما هو كون ذلك غاية ما يستفاد من الأدلة في هذين الموضعين وغيرهما ولا يستفاد منها ما ادعوه من الصيغ الخاصة التي جعلوا بها هذه الافراد قسيما لما اتفقوا على صحته. والله العالم.

(السابع) : الظاهر انه لا خلاف في ان اشتراط الإتيان بالصبغة الخاصة أو مجرد ما دل من الألفاظ على الرضا ، انما هو بالنسبة الى من يتمكن من التلفظ ، فأما من لم يمكنه ذلك كالأخرس ومن بلسانه آفة ، فإنه تكفيه الإشارة المفهمة.

قيل : وفي حكمه الكتابة ايضا على ورق أو خشب أو نحو ذلك واعتبر العلامة في الكتابة ان تدل على رضاه. والظاهر عدم وجوب التوكيل في الصورة المذكورة وربما قيل بالوجوب.

قيل : ويجب وقوع الإيجاب والقبول باللفظ العربي ، مراعيا فيهما أحكام الاعراب والبناء ، وكذا كل عقد لازم ، لان الناقل هو الألفاظ المخصوصة ، وغيرها

٣٦٥

لم يدل عليه دليل ، ومعلوم ان العقود الواقعة في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهما‌السلام انما كانت بالعربية ، نعم يجوز لمن لا يعلم ذلك ، الإيقاع بمقدوره ، ولا يجب التوكيل ، للأصل. نعم يجب التعلم إن أمكن من غير مشقة عرفا. انتهى.

أقول. قد عرفت ان غاية ما يستفاد من الاخبار الواردة في البيوع والصلح والأنكحة ونحوها وجود الألفاظ الدالة على التراضي بما دلت عليه بأي نحو كانت ، وكون العقود في وقتهم ـ عليهم‌السلام ـ كانت باللغة العربية وعلى النهج العربي الصحيح ، لا يدل ما ذكروه من اشتراط ذلك ، لان ذلك انما صدر من حيث ان محاوراتهم ومحادثاتهم وكلامهم كانت على ذلك النحو ، في عقد كان أو غير عقد ، فهو من قبيل السليقة والجبلة التي طبعت عليها ألفاظهم ومحاوراتهم وألسنتهم. واشتراط ذلك في صحة العقود يحتاج الى دليل واضح وبرهان لائح ، وأصالة العدم أقوى متمسك في المقام ، وان كان الاحتياط فيما ذكروه ، لا سيما في باب النكاح المبنى على الاحتياط. والله العالم.

٣٦٦

المقام الثاني

قد عرفت ان أحد أركان البيع : المتعاقدان. فيشترط فيهما البلوغ والعقل والاختيار والملك ونحوه ، بأن يكون مالكا أو مأذونا على خلاف في هذا الموضع يأتي إنشاء الله تعالى بيانه فلا يصح بيع الصبي ولا شراؤه ولا المجنون ولا المكره ولا المغمى عليه ولا السكران ولا غير المالك ومن في حكمه.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مسائل : ـ

الاولى : ظاهر كلام جمهور الأصحاب انه لا يصح بيع الصبي ولا شراؤه ولو اذن له الولي. وانه لا فرق في الصبي بين المميز وغيره. ولا فرق بين كون المال له أو للولي أو لغيرهما. اذن مالكه أو لم يأذن.

ونقل جماعة من الأصحاب هنا قولا بجواز بيع الصبي وشرائه إذا بلغ عشرا وكان عاقلا ، وردوه بالضعف.

قال في المسالك : والمراد بالعقل هنا الرشد ، فغير الرشيد لا يصح بيعه ، وان كان عاقلا ، اتفاقا. انتهى.

قال العلامة في التذكرة : الصغير محجور عليه بالإجماع ، سواء كان مميزا أولا ، في جميع التصرفات الا ما استثنى ، كعباداته وإسلامه وإحرامه وتدبيره و

٣٦٧

وصيته وإيصال الهدية واذنه في دخول الدار ، على خلاف في ذلك. قال الله تعالى «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (١) وقوله تعالى «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً» (٢) يعني أموالهم. ولعل قوله «وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ» (٣) قرينة له. وقوله «فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ» (٤).

قيل : السفيه المبذر ، والضعيف الصبي ، لأن العرب تسمى كل قليل العقل ضعيفا ، والذي لا يستطيع التغلب مغلوب على عقله.

وظاهره دعوى الإجماع على الحكم المذكور ، مع انك قد عرفت وجود المخالف في ذلك.

ويظهر من المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد المناقشة في هذا المقام ، حيث قال ـ بعد ما نقل هذا الكلام ـ ما ملخصه : والإجماع مطلقا غير ظاهر ، والآية غير صريحة الدلالة ، لأن عدم دفع المال إليهم وعدم الاعتداد بإملائهم ، لا يستلزم عدم جواز إيقاع العقد وعدم الاعتبار بكلامهم ، خصوصا مع اذن الولي والتمييز.

ويؤيده اعتبار المستثنى ، فإنه لو كان ممن لا اعتداد بكلامه ما كان ينبغي الاستثناء ، ولهذا قيل بجواز عقده إذا بلغ عشرا أو عقده حال الاختيار ، فان ظاهر الاية كون الاختبار قبل البلوغ ، ولئلا يلزم التأخير في الدفع مع الاستحقاق ـ الى ان قال ـ : وبالجملة إذا جاز عتقه ووصيته وصدقته بالمعروف وغيرها من القربات ، كما هو ظاهر الروايات الكثيرة ، لا يبعد جواز بيعه وشرائه وسائر معاملاته ، إذا

__________________

(١) سورة النساء : ٦.

(٢) سورة النساء : ٥.

(٣) سورة النساء : ٥.

(٤) سورة البقرة : ٢٨٢.

٣٦٨

كان بصيرا مميزا (١) رشيدا يعرف نفعه وضره بالمال ، كما نجده في كثير من الصبيان ، فإنه قد يوجد منهم من هو أعظم في هذه الأمور من آبائهم ، فلا مانع له من إيقاع العقد ، خصوصا مع اذن الولي أو حضوره بعد تعيينه الثمن. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما ذكره وان كان جيدا من حيث الاعتبار بالنظر الى ما عده من الافراد ، الا انه بالنظر الى الاخبار لا يخلو من تطرق الإيراد.

وها أنا اذكر ما وصل الى من الاخبار الجارية في هذا المضمار.

فمنها : ما رواه في الكافي عن حمزة بن حمران عن حمران قال : سألت أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ قلت له : متى يجب على الغلام ان يؤخذ بالحدود التامة ويقام عليه ويؤخذ بها؟ قال : إذا خرج عن اليتم فأدرك ، قلت : فلذلك حد يعرف به؟ فقال : إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك ، أقيمت عليه الحدود التامة ، وأخذ بها ، وأخذت له ، قلت : فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة وتؤخذ بها ويؤخذ لها؟ قال : ان الجارية ليست مثل الغلام ، لان الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع ، وأقيمت عليها الحدود التامة ، وأخذ لها وبها. قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك (٢). ورواه في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب الا انه رواه عن حمزة بن حمران ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام من غير واسطة حمران.

أقول : والخبر ـ كما ترى ـ ظاهر فيما ذكره الأصحاب ـ رضي‌الله‌عنهم ـ

__________________

(١) ظاهر الفاضل الخراساني في الكفاية التوقف في هذا المقام. حيث قال : في المميز اشكال. والظاهر ان منشأه هو وقوفه على كلام المحقق المذكور وعدم إمعان النظر في الاخبار التي ذكرناها.

منه رحمه‌الله.

(٢) الوسائل ج ١ ص ٣٠ حديث : ٢.

٣٦٩

من انه لا يجوز بيع الصبي ولا شراؤه ، وكذا الصبية إلا بعد البلوغ ، المعلوم بأحد الأمور المذكورة ، والطعن بضعف السند غير موجه عندنا ، مع رواية الخبر المذكور أيضا في كتاب المشيخة المشار إليه الذي هو أحد الأصول المعتمدة.

وما رواه الصدوق في الخصال عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سأله ابى وانا حاضر عن اليتيم متى يجوز امره؟ قال حتى يبلغ أشده. قال : وما أشده؟ قال : احتلامه قال : قلت : قد يكون الغلام ابن ثماني عشرة سنة أو أقل أو أكثر ولا يحتلم. قال : إذا بلغ وكتب عليه الشي‌ء جاز امره ، الا ان يكون سفيها أو ضعيفا (١).

والتقريب فيها : ان المراد بجواز أمره هو التصرف في ماله بالبيع والشراء ونحوهما ، كما أفصح عنه في حديث حمران المتقدم ، وقد أناط عليه‌السلام ذلك بالبلوغ ، وهو ظاهر في انه ما لم يبلغ فإنه لا يجوز امره ولا تصرفه فيه بوجه من الوجوه ، الا ما دل دليل من خارج على استثنائه ، فالقول بأنه لا منافاة بين صحة بيعه وبين عدم دفع المال اليه ـ كما يظهر من كلام المحقق الأردبيلي المتقدم ذكره ـ لا معنى له ، فان الخبر المذكور دل على عدم جواز أمره ، يعني تصرفه بجميع أنواع التصرفات ، والعقد الواقع منه ان كان صحيحا موجبا لنقل الملك فهو التصرف الذي منع منه الخبر ، والا فهو لغو لا عبرة به ولا ثمرة تترتب عليه ، واذن الولي والتميز انما يكون مؤثرا في الصحة مع قيام الدليل ، وليس فليس.

وبالجملة فأصالة بقاء الملك لكل من المتعاقدين حتى يقوم دليل واضح على النقل ، أقوى متمسك.

وما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا بلغ الغلام أشده : ثلاث عشرة سنة ، ودخل في الأربع عشرة سنة ، وجب عليه ما وجب على المحتلمين ، احتلم أو لم يحتلم. وكتبت عليه السيئات وكتبت له

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ٩٧ ب ١١ من أبواب المقدمات حديث ٧.

٣٧٠

الحسنات ، وجاز له كل شي‌ء ، الا ان يكون سفيها أو ضعيفا (١). والتقريب في الخبر المذكور : دلالته بمفهوم الشرط ـ الذي هو حجة عند المحققين ، ودلت عليه الاخبار التي قدمناها في مقدمات كتاب الطهارة ـ على انه ما لم يبلغ أشده (السنين المذكورة) فإنه لا يجوز له شي‌ء ، يعنى من التصرفات ، كما دل عليه الخبر ان المتقدمان.

وما رواه على بن إبراهيم في تفسيره عن ابى الجارود ، عن ابى جعفر عليه‌السلام في حديث ، قال فيه : قوله «وَابْتَلُوا الْيَتامى» قال : من كان في يده مال بعض اليتامى فلا يجوز له ان يعطيه حتى يبلغ النكاح ويحتلم ، فإذا احتلم وجب عليه الحدود واقامة الفرائض ، ولا يكون مضيعا ولا شارب خمر ولا زانيا ، وإذا آنس منه الرشد دفع اليه المال وأشهد عليه ، فان كانوا لا يعلمون انه قد بلغ فإنه يمتحن بريح إبطه ونبت عانته ، فإذا كان فقد بلغ ، فيدفع اليه ماله إذا كان رشيدا ، ولا يجوز ان يحبس عنه ماله ويعتل عليه بأنه لم يكبر بعد (٢).

أقول : والخبر المذكور ـ كما ترى ـ صريح في انه محجور عليه حتى يبلغ ، وظاهر الخبر أن المراد بالآية المذكورة : انه يجب اختبار اليتامى بالبلوغ وعدمه ، فإذا علم البلوغ بأحد أسبابه وجب دفع ماله إليه إذا آنس منه الرشد ، والا فلا يدفع اليه.

وبذلك يظهر ما في قول المحقق المتقدم ذكره.

ويؤيده اعتبار المستثنى ، فان استثناء عدم الدفع انما هو بالنسبة إلى البالغ من حيث عدم الرشد بالنسبة إلى اليتيم قبل البلوغ ، كما يظهر من كلامه ، والاختبار بالرشد وعدمه انما هو بعد تحقق البلوغ.

وما رواه العياشي في تفسيره عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : متى يدفع الى الغلام ماله؟ قال : إذا بلغ أو أونس منه الرشد ، ولم يكن سفيها و

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ٩٧ حديث : ٩.

(٢) تفسير البرهان ج ١ ص ٣٤٣ حديث : ١.

٣٧١

لا ضعيفا «الحديث» (١).

والتقريب فيه : دلالته على انه محجور عليه لا يدفع اليه ماله الا بعد البلوغ والرشد ، ومن الظاهر ان وقوع البيع والشراء منه فرع وجود مال في يده ليأخذ به ويعطى ، ولا معنى لصحة عقده وجواز تصرفه بمجرد إنشاء صيغة البيع وقبول الشراء ، مع كونه محجورا عليه في دفعه وقبضه.

على انك قد عرفت ان البيع لا يتوقف على صيغة خاصة ، بل هو عبارة عن التراضي على القبض والإقباض بمجرد الكلام الجاري بينهما.

وبالجملة فإن الظاهر من هذه الاخبار التي ذكرناها ونحوها غيرها مما يقف عليه المتتبع : ان الصبي ما لم يبلغ فإنه محجور عليه ولا يجوز بيعه ولا شراؤه ، ودلالة بعض الاخبار على تصرفه بالعتق والوصية أو الصدقة ، لا يدل على الجواز في محل البحث ، بل يجب الوقوف فيه على مورد تلك الأخبار المذكورة ، ويكون ذلك مستثنى بها مما دلت عليه هذه الاخبار ونحوها ، وإلحاق غيره به قياس لا يوافق أصول المذهب ، لا سيما مع تصريح بعض هذه الاخبار بعدم جواز البيع والشراء منه.

وبذلك يظهر لك قوة القول المشهور ، وانه المؤيد المنصور ، وضعف ما ذكره المحقق المذكور. والله العالم.

واما ما يتحقق به البلوغ فقد تقدم الكلام فيه مستوفى في كتاب الصيام.

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ٩٧ حديث : ١٠.

٣٧٢

المسألة الثانية

لا خلاف بين الأصحاب في اشتراط الاختيار ، فلا يصح عقد المكره ، لفوات الشرط المذكور.

وظاهرهم ـ ايضا ـ الاتفاق على انه لو اجازه ـ بعد وقوعه حال الإكراه ـ صح بخلاف ما تقدم من عقد الصبي والمجنون ، إذ لا قصد لهما الى العقد ولا أهلية ، لفقد شرطه وهو العقل ، بخلاف المكره فإنه بالغ عاقل ، وليس ثمة مانع الا عدم القصد الى العقد حين إيقاعه ، وهو مجبور بلحوق الإجازة ، فيكون كعقد الفضولي حيث انتفى القصد اليه من مالكه الذي يعتبر قصده حين العقد ، فلما لحقه القصد بالإجازة صح ، وحينئذ فلا مانع من الصحة إلا تخيل اشتراط مقارنة القصد للعقد ، ولا دليل عليه.

وينبه على عدم اعتباره عقد الفضولي ، وعموم الأمر بالوفاء بالعقد يشمله ، فلا يقدح فيه اختصاص عقد الفضولي بالنص ، كذا صرح به في المسالك ، واليه يرجع كلام غيره ايضا.

وظاهر كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد : المناقشة فيما ذكروه من الفرق بين عقد الصبي والمجنون وبين عقد المكره ، بصحة الثاني مع لحقوق الإجازة ، بخلاف الأول. حيث قال ـ في أثناء البحث في بيان الأحكام التي اشتملت عليها عبارة المصنف ، التي من جملتها استثناء عقد المكره من البطلان متى لحقته الإجازة ـ ما لفظه : فالتفريع كله ظاهر ـ الى قوله ـ : ولو أجازا ، والا المكره.

فان الاستثناء غير واضح ، بل الظاهر البطلان ايضا ، لعدم حصول القصد ، بل وعدم صدور القصد عن تراض ، والظاهر اشتراطه على ما هو ظاهر الآية ، ولانه

٣٧٣

لا اعتبار بذلك الإيجاب في نظر الشارع ، فهو بمنزلة العدم ، وهو ظاهر. لعدم الفرق بينه وبين غيره من الطفل ونحوه ، والفرق في كلامهم بأنه لا اعتبار به بخلاف المكره فإنه معتبر الا انه لا رضاء معه فإذا وجد الرضا صح لوجود شرطه ، بعيد جدا لما عرفت. وبالجملة لا إجماع فيه ولا نص ، والأصل الاستصحاب وعدم الأكل بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض مما يدل على عدم الانعقاد ، الا ان المشهور الصحة وما نعرف لهم دليلا ، وهم اعرف. ولعل لهم نصا ما نقل إلينا. انتهى. وهو جيد.

ويؤيده ـ بأظهر تأييد ـ ان الأحكام الشرعية مترتبة على النصوص الجلية وليس للعقول فيها مسرح بالكلية ، والأصل بقاء الملك في كل من العوضين لمالكه الأصلي حتى يقوم الدليل الشرعي على الانتقال. وهم قد سلموا بان عقد المكره حال الإكراه باطل اتفاقا ، فتصحيحه بالإجازة أخيرا يتوقف على نص واضح يدل على ذلك ، والتعلق في ذلك ، بعقد الفضولي مع قطع النظر عن كون ذلك قياسا لو ثبت صحة العقد الفضولي ، مردود بما سنوضحه إنشاء الله تعالى في تلك المسألة من بطلانه.

وقوله : فلا يقدح اختصاص العقد الفضولي بنص ، مردود بأن هذا النص انما هو من طريق العامة ، وهو حديث البارقي ، ونصوصنا ظاهرة بخلافه كما ستقف عليه إنشاء الله.

وقوله : ان عموم الأمر بالوفاء بالعقد يشمله ، إشارة إلى قوله عزوجل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» مردود بالاتفاق على ان المراد بالعقود : العقود الصحيحة ، والا لتناول العقد حال الإكراه.

ودعوى كون هذا العقد صحيحا بعد الإجازة مع اتفاقهم على البطلان قبلها ، يتوقف على الدليل الواضح ، والا فهو محض المصادرة.

وقوله : ان مقارنة القصد للعقد لا دليل عليه ، مردود بأنه هو المستفاد من النصوص ، وغيره لا دليل عليه ، فان المستفاد من النصوص التي قدمناها في بيع المعاطاة ونحوها : أنه لا بد في صحة العقد من حصول الرضا بتلك الألفاظ الجارية

٣٧٤

بين المتعاقدين في أي عقد كان ، وهذا هو القدر المحقق منها في شرط صحة العقد ، واما انه يصح بالإجازة بعد وقوعه على جهة الإكراه ، بحيث يكون الرضا به والقصد إليه متأخرا عن العقد ، فهو المحتاج الى الدليل.

وبالجملة فإن دعواه معكوسة عليه ، كما لا يخفى على من رجع الى الإنصاف وجنح اليه.

والى ما ذكرنا هنا يشير كلام المحقق الشيخ على في شرح القواعد ، حيث قال : واعلم ان هذه المسألة ان كانت اجماعية فلا بحث ، والا فللنظر فيها مجال ، لانتفاء القصد أصلا ورأسا مع عدم الرضا ، ولا يتحقق العقد المشروط بذلك إذا لم يتحقق ، لان الظاهر من كون العقود بالقصود : اعتبار القصد المقارن لها دون المتأخر انتهى. وهو جيد.

واما قوله في المسالك ـ على اثر الكلام المتقدم نقله ـ : «وبهذا يظهر ضعف ما قيل هنا من انتفاء القصد أصلا ورأسا مع عدم الرضا ، وان الظاهر من كون العقود بالقصود : المقارن دون المتأخر» ، فهو إشارة إلى رد كلام المحقق المذكور ، وقد عرفت ما فيه من القصور ، فان ما ذكره من الوجوه التي زعم بها ضعف هذا الكلام ، قد كشفنا عن وجوه قصورها نقاب الإبهام.

على ان عود الصحة بعد البطلان غير معقول ، الا ان يقول بان العقد حال الإكراه جائز صحيح ، ولزومه موقوف على الإجازة ، مع ان الأمر ليس كذلك ، فإنهم لا يختلفون في البطلان لفقد شرط الصحة وهو الاختيار ، ولهذا انهم في العقد الفضولي حكموا بجوازه وصحته ، وانما منعوا من لزومه ، فجعلوا لزومه وعدمه مراعى بإجازة المالك وعدمها.

ثم انه قد أورد عليهم في هذا المقام اشكال ، وهو انهم قد حكموا بفساد عقد الهازل ، ولم يذكروا لزومه لو لحقه الرضا ، مع ان ظاهر حاله انه قاصد الى اللفظ دون مدلوله ، كما في المكره ، لانه بالغ عاقل ، فاللازم حينئذ اما إلحاقه

٣٧٥

بالمكره في لزوم عقده مع لحقوق الرضا به ، أو بيان وجه الفرق بينهما.

ودعوى كونه غير قاصد للفظ ، بعيدة عن جادة الصواب.

* * *

هذا. وينبغي ان يعلم : ان الحكم ببطلان بيع المكره مخصوص بما إذا كان الإكراه بغير حق ، فلو كان بحق كان صحيحا لا يضره الإكراه ، وقد ذكروا لذلك مواضع :

منها : ان يتوجه عليه بيع ماله لوفاء دين عليه ، أو شراء مال أسلم إليه قيمته فاكرهه الحاكم عليه ، صح بيعه وشراؤه ، لأنه إكراه بحق.

ومنها : تقويم العبد على معتق نصيبه منه ، وتقويمه في فكه من الرق ليرث ، وإكراهه على البيع لنفقته ونفقة زوجته مع امتناعه ، وبيع الحيوان إذا امتنع من الإنفاق عليه ، والعبد إذا أسلم عند الكافر ، والعبد المسلم والمصحف إذا اشتراهما الكافر وسوغناه ، فإنهما يباعان عليه قهرا ، والطعام عند المجاعة يشتريه خائف التلف ، والمحتكر مع عدم وجود غيره واحتياج الناس إليه ، فإن جميع هذه الصور مستثناة من قولهم «ان بيع المكره غير صحيح» وضابطها : «الإكراه بحق» والله العالم.

المسألة الثالثة

قد عرفت فيما تقدم ان من شروط صحة البيع : كون البائع مالكا أو في حكمه على المختار ، الا انه قد وقع الخلاف بين أصحابنا في عقد الفضولي.

والكلام فيه يقع في مقامين : ـ

المقام الأول : اختلف الأصحاب في صحة بيع الفضولي وبطلانه ،

٣٧٦

فالمشهور ـ بل كاد ان يكون إجماعا ـ : هو الأول. وان توقف لزومه على الإجازة ، وذهب في الخلاف والمبسوط وتبعه ابن إدريس الى الثاني. وهو الظاهر من عبارة أبي الصلاح في الكافي. ولم أر من نقل عنه ، الا ان الذي يظهر من عبارته ذلك ، فإنه قال في الكتاب المذكور ـ بعد تعريف البيع بأنه عقد يقتضي استحقاق التصرف في المبيع والثمن وتسليمهما ـ ما صورته : ويفتقر صحته الى شروط ثمانية : صحة الولاية في البيعين ـ الى ان قال ـ واعتبرنا صحة الولاية لتأثير حصولها بثبوت الملك أو الاذن ، وصحة الرأي في صحة العقد ، وعدم ذلك في فساده. ثم قال ـ في موضع آخر ـ : ومن ابتاع غصبا يعلمه كذلك فعليه رده الى المالك ، ولادرك له على الغاصب ، وان لم يعلمه فللمالك انتزاعه منه ، ويرجع بالدرك على من باع. انتهى.

فإنه جعل المؤثر في صحة العقد هو حصول الولاية المسببة عن الملك أو الاذن كالوكيل ونحوه : فالفضولي ليس له ولاية بشي‌ء من المعنيين ، وفي فساده عدم ذلك. وأوجب فيمن ابتاع غصبا رده الى المالك لا وقوفه على الإجازة.

ونقل الفاضل المقداد في التنقيح هذا القول عن شيخه. ولا اعلم من أراد به من مشايخه.

واختار هذا القول ـ ايضا ـ فخر المحققين هنا وفي كل موضع من العقود الفضولية ، وتبعه على ذلك العماد مير محمد باقر الداماد ، حيث قال في رسالته الرضاعية ما هذا لفظه : عندي ان عقد النكاح بل مطلق العقد الصادر من الفضولي ، وهو الذي ليس له ولاية ولا وكالة ، باطل من أصله ، والإجازة اللاحقة غير مؤثرة في تصحيحه ، ولا كاشفة عن صحته أصلا. انتهى.

وممن ظاهره القول بالبطلان هنا ـ ايضا ـ المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، حيث قال ـ بعد قول المصنف «ولو باع الفضولي وقف على الإجازة» ما ملخصه : هذا هو المشهور ، وما نجد عليه دليلا. ثم نقل الرواية العامية الاتية

٣٧٧

إنشاء الله تعالى ، وبعض تعليلاتهم العقلية. ثم قال : ومعلوم عدم صحة الرواية ومعارضتها بأقوى منها دلالة وسندا ، لقوله عليه‌السلام لحكيم بن حزام : لا تبع ما ليس عندك. ومعلوم ـ ايضا ـ عدم صدوره من أهله ، لأن الأهل هو المالك أو من له الاذن. وبالجملة : الأصل ، واشتراط التجارة عن تراض ، الذي يفهم من الآية الكريمة ، والآيات والاخبار الدالة على عدم جواز التصرف في مال الغير إلا باذنه ، وكذا العقل ، يدل على عدم الجواز ، وعدم الصحة وعدم انتقال المال من شخص الى آخر. انتهى.

ويظهر ذلك ـ ايضا ـ من الشيخ الحر في الوسائل.

وهذا القول هو الظاهر عندي من الاخبار ، على وجه لا يعتريه الشك والإنكار ، إلا ممن قابل بالصد عن الحق والاستكبار ، وسيأتيك اخباره إنشاء الله تعالى في المقام ساطعة الأنوار علية المنار.

هذا وظاهر الأصحاب : ان المراد بالبيع الفضولي هو من باع مال غيره مع عدم الاذن من مالكه ، أعم من ان يكون البيع لنفسه أو للمالك ، فيدخل فيه بيع الغاصب ونحوه ، وأدلتهم التي استدلوا بها في المقام شاملة بعمومها لما قلناه ، وكأن بنائهم في الحكم بصحة البيع المغصوب ، مع كونه منهيا عن التصرف فيه ، انه لا منافاة بين الصحة والنهى ، لكون النهى انما يؤثر الإبطال في العبادات ، واما في المعاملات فغاية ما يترتب عليه لحوق الإثم بالمخالفة ، فيصح بيعه وان أثم البائع بالتصرف ، وسيجي‌ء تحقيق الكلام في المقام إنشاء الله تعالى.

وقد احتج الأصحاب على ما ذهبوا اليه ـ هنا من الصحة ـ بأن مقتضى الصحة موجود وهو العقد الجامع للشرائط ، وليس ثم مانع الا اذن المالك ، وبحصوله يزول المانع ويجتمع الشرائط ، كذا قرره في المسالك.

واحتج على ذلك في المختلف بأنه بيع صدر من أهله في محله فكان صحيحا

٣٧٨

اما صدوره من اهله فلصدوره من بالغ عاقل مختار ، ومن جميع الصفات كان أهلا للإيقاعات ، واما صدوره في محله فلانه وقع على عين يصح تملكها وينتفع بها ، وتقبل النقل من مالك الى آخر ، واما الصحة فلثبوت المقتضى السالم عن معارضة ، وكون الشي‌ء غير مملوك للعاقد غير مانع من صحة العقد ، فان المالك لو اذن قبل البيع لصح فكذا بعده ، إذ لا فارق بينهما.

واحتج ايضا بما رواه عن عروة البارقي : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة ، فاشترى شاتين ثم باع إحداهما بدينار في الطريق. قال فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بدينار والشاة فأخبرته ، فقال : بارك الله لك في صفقة يمينك (١).

واحتج الشيخ في الخلاف على ما ذهب اليه من القول بالبطلان بإجماع الفرقة. قال : ومن خالف لا يعتد بقوله ، لانه لا خلاف في انه ممنوع من التصرف في ملك غيره والبيع تصرف ، وايضا روى حكيم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه نهى عن بيع ما ليس عنده (٢) ، وهذا نص. وروى شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا طلاق إلا فيما يملك ، ولا عتق الا فيما يملك ، ولا بيع الا فيما يملك (٣). فنفى عليه‌السلام البيع في غير الملك ولم يفرق.

وأجاب القائلون بالصحة عن الإجماع بمنعه مع وجود المخالف وهو من جملة المخالفين في نهايته ، وعن المنع من التصرف في ملك الغير بأنه مسلم ، لكن إذا كان بغير اذنه والاذن هنا موجود ، وهو الإجازة القائمة مقامه. وعن النفي بأنه إذا دخل على حقيقة ، أريد به نفى صفة من صفاتها ، فيكون المراد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا بيع الا فيما يملك». : لا لزوم للبيع الا فيما يملك ، والا لزم بطلان بيع الوكيل والوصي والولي ، فيكون المراد : لا بيع الا فيما هو ملك أو كالملك بسبب الاذن وقد حصل.

__________________

(١) مسند احمد بن حنبل ج ٤ ص ٣٧٦.

(٢) سنن الترمذي ج ٣ ص ٥٣٤.

(٣) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٦٠ حديث : ٣ و ٤.

٣٧٩

أقول : وعندي فيما ذكروه من الأدلة على الصحة ، وفيما ذكروه من الأجوبة عن أدلة الشيخ نظر يتوقف بيانه على ذكرها واحدة واحدة ، ليتأكد بذلك صحة ما اخترناه وقوة ما قويناه ، ويكون ذلك في مواضع :

(الأول) : ما احتج به في المسالك من كون المقتضي للصحة موجودا وهو الجامع للشرائط ، ففيه : انه لم يقم لهم دليل على اعتبار هذا العقد الذي ذكروه ، والصيغة التي اشترطوها ، وانما المتحقق من الناقل الذي يترتب عليه أحكام البيع ، هو حصول التراضي من الطرفين ، وبذلك صرح هو أيضا في مسالكه ، فقال ـ بعد ان نقل عن ظاهر المفيد الاكتفاء في تحقق البيع بما دل على الرضا به من المتعاقدين ان عرفاه وتقابضا ، وعن بعض مشايخه المعاصرين انه يذهب الى ذلك لكن يشترط في الدال كونه لفظا ـ ما صورته : والنصوص المطلقة من الكتاب والسنة الدالة على حل البيع وانعقاده من غير تقييد بصيغ خاصة تدل على ذلك ، فانا لم نقف على دليل صريح في اعتبار لفظ معين ، وقد عرفت فيما تقدم ميل جملة من العلماء الى هذا القول.

وحينئذ فإذا اعترف بأنه لا دليل على اعتبار هذا العقد الذي ذكروه ، وانما المدار على حصول التراضي من الطرفين أعم من ان يكون بهذا اللفظ أو بغيره مما يدل عليه ، كان الناقل المترتب عليه الأحكام انما هو الرضا من المالك ، وحيث لم يحصل ـ كما هو المفروض ـ فلا وجود للبيع من أصله ، ولا يترتب اثر عليه. فكيف يحتج هنا بأن المقتضي للصحة موجود وهو العقد الجامع للشرائط.

لا يقال : ان لقائل أن يقول : ان البائع الفضولي يجوز ان يتراضى مع المشترى على نحو من الوجوه ، ويكون ذلك التراضي بيعا موقوفا.

لأنا نقول : التراضي الذي دل عليه الدليل ـ عندنا ـ هو ما يكون بين المالك والمشترى ، أعم من ان يكون مالك الأصل أو المتصرف كالولي والوصي والوكيل ، وأيضا فإن ذلك القائل لا يرتضيه ولا يقول به لتصريحه بوجوب تلك الصيغة المخصوصة.

(الثاني) : ما احتج به في المختلف من أنه بيع صدر من اهله ، وجعله الأهلية عبارة

٣٨٠