الحدائق الناضرة - ج ١٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

الأرض المفتوحة عنوة ، بما ذكره ابن إدريس ومن تبعه من تخصيص ذلك برقبة الأرض والاملاك الموجودة فيها حال الفتح ، دون ما يحدث فيها من العمارات والزراعات والغرس ونحو ذلك من المتقبلين لها كما ذكرناه ، ويخص ايضا كلام ابن إدريس بذلك ، فان ظاهر إطلاق كلامه شمول ما ذكره للعمارات الموجودة يوم الفتح. وقد عرفت انها للمسلمين قاطبة ، فلا يجرى فيها ما ذكره. بل يجب تخصيصه بما ذكرناه.

* * *

والتحقيق عندي في هذا المقام ، على ما ادى اليه فهمي القاصر من اخبارهم ـ عليهم‌السلام ـ وان كان خلاف ما عليه علماؤنا الأعلام ، هو : انه مع وجود الامام عليه‌السلام أو نائبه وتمكنهما من القيام بالأحكام الشرعية ، فالمرجع إليهما في ذلك ولا يجوز التصرف بشي‌ء من أنواع التصرفات إلا بإذن أحدهما.

واما مع عدم ذلك فظاهر كلمة الأصحاب : الرجوع الى الجائر المتولي لأخذ الخراج من تلك الأراضي ، كما تقدم ذكره في مسألة حل الخراج ، فان ظاهرهم : وجوب الرجوع اليه وعدم جواز التصرف إلا باذنه ، وان أمكن الرجوع الى النائب في الاستيذان. وعندي فيه نظر ، لعدم الدليل عليه ، بل وجود الدليل على خلافه كما ستعرف إنشاء الله تعالى.

واحتمال التصرف فيها للشيعة مطلقا ، والحال هذه ، لا يخلو من قوة. لأنها وان كانت منوطة بنظر الامام عليه‌السلام كما هو مدلول خبري أحمد بن محمد بن ابى نصر المتقدمتين ، وكذا رواية حماد بن عيسى ، مع وجوده وتمكنه ، الا انه مع عدم ذلك لا يبعد سقوط الحكم وجواز التصرف ، وليس الرجوع الى حاكم الجور ـ بعد تعذر الرجوع اليه ـ ع ـ كما عليه ظاهر الأصحاب ـ بأولى من الرجوع الى المسلمين يتصرفون كيف شاؤا وأرادوا ، لا سيما مع استلزام ما ذكروه المعاونة على الإثم والعدوان ، وتقوية الباطل وتشييد معالمه ، للنهى عنه كتابا وسنة.

٣٠١

وغاية ما يدل عليه الاخبار التي استندوا إليها فيما ذكروه من الأحكام ، هو : انه إذا استولى الجائر على تلك الأراضي جاز الأخذ منه والشراء ونحو ذلك ، ولا دلالة في شي‌ء منها على المنع من التصرف إلا بإذنه كما ادعوه

ويدل على ما ذكرناه ـ أولا ـ الأخبار الدالة على ان الأرض كلها لهم عليهم‌السلام وان شيعتهم في سعة ورخصة من التصرف فيها في زمن عدم تمكنهم.

فمن ذلك صحيحة أبي خالد الكابلي ، عن ابى جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : وجدنا في كتاب على ـ عليه‌السلام ـ «إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (١) انا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا ، فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها الى الامام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها.

فان تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها ، فهو أحق بها من الذي تركها ، يؤدى خراجها الى الامام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف ، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها ، لما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنعها ، الا ما كان في أيدي شيعتنا ، فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم (٢).

وفي صحيحة عمر بن يزيد المتضمنة لحمل مسمع بن عبد الملك الى الصادق عليه‌السلام مالا من الخمس ورده عليه‌السلام له عليه وإباحته له ، ما صورته : يا أبا سيار ، ان الأرض كلها لنا ، فما اخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا ـ الى ان قال ـ : يا أبا سيار قد طيبناه لك وحللناك منه. فضم إليك مالك ، وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محللون ومحلل لهم ذلك الى ان يقوم قائمنا فنجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم ، فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٢٨.

(٢) الوسائل ج ١٧ ص ٣٢٩ حديث : ٢.

٣٠٢

منها صغرة (١).

وقد تقدمت جملة من الاخبار الدالة على ان الأرض كلها لهم ـ عليهم‌السلام ـ في كتاب الخمس.

لا يقال : انه يجب تخصيص هذه الاخبار بالأراضي الموات لمعلومية ملك الناس لما في أيديهم ، وبيعه وشراؤه وتوارثه ونحو ذلك.

لأنا نقول : لا منافاة بين ما دلت عليه هذه الاخبار من كونها كملا لهم ـ عليهم‌السلام ـ وبين ما ذكره ، لان تملكهم على حسب ملك الله ، فإنه هو المالك الحقيقي ، وملكهم متفرع على ملكه سبحانه ، كما يشير اليه بعض الاخبار المتقدمة في الموضع المشار اليه ، من قول ابى جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة ، فما كان لادم فهو لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وما كان لرسول الله فهو للأئمة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

والى ذلك يشير حكمهم ـ عليهم‌السلام ـ بأن ما في أيدي مخالفيهم من الأراضي غصب محرم عليهم التصرف فيه (٣).

بل ورد في بعض الاخبار تحريم مشيهم على الأرض (٤) ، حيث انها لهم ـ عليهم‌السلام ـ وانه بعد خروج القائم ـ عجل الله فرجه الشريف ـ يخرجهم من الأرض ويجعلها دونهم ، وان ما في أيدي الشيعة الان من الاملاك قد احلوهم به ، فتصرفهم وتملكهم انما هو من حيث التحليل لهم ، وانه بعد خروج قائمهم يأخذ الطسق منهم ويقرهم على ما في أيديهم ولا يخرجها من أيديهم ، وحينئذ فلا منافاة

__________________

(١) الوسائل ج ٦ ص ٣٨٢ حديث : ١٢.

(٢) الكافي ج ١ ص ٤٠٩ حديث : ٧.

(٣) تقدم من ذلك في صحيحة عمر بن يزيد عن الوسائل ج ١٧ ص ٣٢٩ حديث : ٢.

(٤) راجع : الكافي ج ١ ص ٤٠٧ والوسائل ج ٦ ص ٣٧٩ فما بعد.

٣٠٣

بحمد الله سبحانه.

ومما ذكرناه ثبت جواز تصرفهم في هذه الأراضي التي هي محل البحث لدخولها تحت عموم هذه الاخبار ، ويخص ما ورد من التوقف على اذن الامام بزمان وجوده وبسط يده ، أو وجود نائبه كذلك ، جمعا بين الأدلة.

وثانيا : الأخبار التي قدمناها ، مثل موثقة حريز ، (١) ورواية محمد بن شريح ، (٢) ورواية أبي بردة بن رجاء (٣) ونحوها رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن الصادق عليه‌السلام في حديث ، قال : وسألته عن رجل اشترى أرضا من ارض الخراج فبنى بها أو لم يبن ، غير ان أناسا من أهل الذمة نزلوها ، له ان يأخذ منهم اجرة البيوت ، إذا أدوا جزية رؤسهم؟ قال : يشارطهم. فما أخذه بعد الشرط فهو حلال (٤).

فان ظاهر هذه الاخبار ـ كما ترى باعتبار ضم بعضها الى بعض ـ هو : جواز البيع والشراء من تلك الأراضي مع قيام المشترى بما عليها من الخراج ، وان لم يكن البيع بإذنهم ـ عليهم‌السلام.

وحمل ذلك على كون البيع أولا وبالذات انما تعلق بملك البائع وآثاره التي في تلك الأرض ، وبيع الأرض انما وقع ثانيا وبالعرض ، كما تقدم نقله عن جملة من الأصحاب ، لا إشعار في تلك الاخبار به ، كما لا يخفى على من راجعها وتأملها.

واما قوله ـ في رواية أبي بردة ـ : «لا بأس ان يشترى حقه» فيمكن حمله على ـ

__________________

(١) الوسائل ج ١١ ص ١١٩ حديث : ٦.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧٥ حديث : ٩.

(٣) الوسائل ج ١١ ص ١١٨ حديث : ١.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧٥ حديث : ١٠.

٣٠٤

الحق الذي هو بمعنى أولوية التصرف فيها (١) حيث سبق إليها وملكها بذلك.

ويحمل ظاهر المنع ـ الذي أشعرت به تلك الاخبار من حيث كونها فيئا للمسلمين ـ على الشراء على وجه يتملكه بذلك ، من غير وجوب دفع حق المسلمين منها ، وهو خراج الأرض المذكورة ، كما ينادى به سياقها.

وعلى ذلك يحمل إطلاق رواية أبي الربيع الشامي (٢).

واما ما تضمنه صحيح الحلبي (٣) من «جواز الشراء من الدهاقين وانه ان شاء ولى الأمر ان يأخذها».

فهو محمول على وجود الامام عليه‌السلام وتمكنه.

ويعضد ذلك ، الأخبار الدالة على ان لهم من الحق منها ما هو أزيد من ذلك ، وانهم بعد خروج صاحب الأمر يزادون ، كما في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبيه ، قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان لي أرض خراج ، وقد ضقت بها ذرعا. قال : فسكت هنيئة ، ثم قال : ان قائمنا لو قد قام كان نصيبك في الأرض أكثر منها ، ولو قد قام قائمنا كان الأستان أمثل من قطائعهم (٤) :.

__________________

(١) أقول : ومما يعضد ذلك ويوضحه : ما في رواية محمد بن مسلم وعمر ابن حنظلة عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن ذلك ، فقال : لا بأس بشرائها ، فإنها إذا كانت بمنزلتها في أيديهم ، تؤدي عنها كما يؤدون عنها. (الوسائل ج ١١ ص ١١٩ حديث : ٣) ، فإنها كما ترى ظاهرة الدلالة في ان الجواز والمنع دائران مدار قيام المشترى بخراجها ودفعه للإمام عليه‌السلام وعدمه. فالبيع فيها جائز وان كانت ليست ملكا حقيقيا كسائر الاملاك التي لا يتعلق بها طسق ولا خراج. والنهى انما هو من حيث شرائها لتكون ملكا له لا يدفع خراجها ولا أجرتها. وبالجملة فالأمر ظاهر لمن نظر في هذه الاخبار. منه قدس‌سره.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧٤ حديث : ٥.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧٤ حديث : ٤.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٢٨٣ حديث : ٥. والأستان ـ بضم الهمزة : مجموعة قرى كانت قرب بغداد.

٣٠٥

وعن أبي إبراهيم بن ابى زياد في الموثق قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الشراء من أرض الجزية ، قال : فقال : اشترها ، فان لك من الحق ما هو أكثر من ذلك (١).

وعن زرارة في الصحيح عن ابى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ انه قال : إذا كان ذلك كنتم الى ان تزادوا أقرب منكم الى ان تنقصوا (٢).

المورد الثاني ، قال في المبسوط : ظاهر المذهب ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح مكة عنوة بالسيف ثم أمنهم بعد ذلك. وانما لم يقسم الأرضين والدور ، لأنها لجميع المسلمين ، كما نقوله في كل ما يفتح عنوة ، إذا لم يمكن نقله الى بلاد الإسلام ، فإنه يكون للمسلمين قاطبة ، وقد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على رجال من المشركين فأطلقهم. وعندنا : ان للإمام عليه‌السلام ان يفعل ذلك وكذلك أموالهم من عليهم لما رآه من المصلحة. واما السواد فهي الأرض المغزوة من الفرس التي فتحها عمر ، وهي سواد العراق. فلما فتحت بعث عمار بن ياسر أميرا ، وابن مسعود قاضيا وواليا على بيت المال ، وعثمان بن حنيف ماسحا ، الى ان قال : وكذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام لما افضى إليه الأمر أمضى ذلك ، لانه لم يمكنه ان يخالف ويحكم بما يجب عنده. والذي يقتضيه المذهب : ان هذه الأراضي وغيرها. الى آخر ما قدمنا نقله عنه في صدر المسألة.

أقول : ظاهر كلام الشيخ في هذا المقام يؤذن بعدم ثبوت كون ارض السواد عنده من المفتوحة عنوة ، حيث ان الذي فتحها ليس بإمام حق ، وان اجراء أمير المؤمنين عليه‌السلام في زمان خلافته عليها حكم الأرض المفتوحة عنوة ، انما هو من حيث عدم

__________________

(١) الوسائل ج ١١ ص ١١٩ حديث : ٤.

(٢) رواه في الوسائل عن حريز. ولكن التهذيب رواها عن حريز عن زرارة. راجع الوسائل ج ١١ ص ١١٩ حديث : ٥.

٣٠٦

تمكنه من اقامة الحكم الشرعي فيها ، كما في كثير من الأحكام ، فان مقتضى الحكم فيها حيث انها فتحت بغير اذنه ان تكون من الأنفال ، لكن رعاية التقية أوجبت له العمل فيها بما جرى عليه الولاة المتقدمون.

وعندي فيه نظر ، وان تلقاه بعض متأخري مشايخنا المحققين عنه بالقبول ، وذلك فان الظاهر من بعض الاخبار : ان أكثر الفتوحات التي صدرت من عمر كان برأي الامام واذنه عليه‌السلام فروى الصدوق في الخصال في باب السبعة ، في بيان ما امتحن الله تعالى أوصياء الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث طويل مع اليهودي ـ قال عليه‌السلام ـ : في أثنائه : واما الرابعة يا أخا اليهودي ، فان القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الأمور ومصادرها فيصدرها عن امرى ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي ، الحديث (١).

ويعضد ذلك حكم الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ بأن أرض السواد مما فتح عنوة كما تقدم في صحيحة الحلبي (٢) ورواية أبي الربيع الشامي (٣) ورواية أحمد بن محمد بن ابى نصر (٤).

فان الجميع ظاهر في انها من الأراضي الخراجية التي يجب إجراء أحكام الأراضي الخراجية عليها ، ولو كان ما يدعيه الشيخ ومن تبعه حقا ، لما كان لهذه الاخبار معنى.

وظاهر الأصحاب : القول بها من غير خلاف يعرف ، الا ما يظهر من كلام المبسوط. والظاهر انه نشأ عن غفلة عن ملاحظة الأخبار المذكورة.

ويزيد ذلك تأييدا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى

__________________

(١) الخصال باب السبعة ج ٢ ص ٣٧٤.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧٤ حديث : ٤.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧٤ حديث : ٥.

(٤) الوسائل ج ١١ ص ١٢٠ حديث : ٢.

٣٠٧

جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ان أمير المؤمنين قد سار في أهل العراق سيرة هي إمام لسائر الأرضين (١) الحديث.

ويعضد ذلك قبول سلمان ولاية المدائن ، وعمار امارة العساكر ، كما تقدم في كلام الشيخ.

وبذلك يظهر ما في كلام المحقق الأردبيلي في هذا المقام ، حيث انه يظهر منه المناقشة في كون ارض العراق فتحت عنوة ، مستندا الى وقوع الخلاف بين العلماء في ذلك ، حيث نقل العلامة في التذكرة ان بعض الشافعية قال : انها فتحت صلحا. قال : وهو محكي عن أبي حنيفة. وقال بعضهم : اشتبه الأمر على ، ولا أدرى فتح عنوة أو صلحا.

ثم قال المحقق المذكور : على انه قد اشترط ـ في المشهور عندنا وكاد يكون إجماعا ـ في المفتوحة عنوة كون الفتح بإذن الإمام عليه‌السلام ، والعلم بذلك في شي‌ء من الأراضي غير معلوم ، لان العراق المشهورة بذلك فتحت في زمان الثاني ، وما تحقق كونه بإذن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بل الظاهر عدمه ، لعدم اختياره ، وما ثبت كون مولانا الحسن عليه‌السلام معهم. ثم نقل كلام الشيخ وقوله : وعلى رواية رواها أصحابنا. الى آخره ، كما قدمناه.

ثم قال : وهذه كالصريحة في نفى كون العراق مفتوحة عنوة ، بل في عدم كونها مفتوحة بالمعنى الذي تقدم. انتهى ملخصا.

وليت شعري كأنه لم يراجع الأخبار التي أشرنا إليها ، مما هو صريح الدلالة واضح المقالة في إجرائهم ـ عليهم‌السلام ـ حكم المفتوحة عنوة على تلك الأراضي.

واما قوله : وما تحقق كون الفتح بإذن أمير المؤمنين عليه‌السلام. الى آخره.

__________________

(١) الوسائل ج ١١ ص ١١٧ حديث : ٢.

٣٠٨

ففيه : ان الظاهر انما هو رضاه عليه‌السلام به ان لم نقل انه باذنه. وذلك لانه عليه‌السلام صاحب الأمر بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو يحب ظهور الإسلام وقوته ، وان لم يكن على يده ، فان الغرض من أصل البعثة ومن النيابة فيها انما خمود منار الكفر وظهور صيت الإسلام. فهو عليه‌السلام وان لم يكن متمكنا من الأمر والنهى وتنفيذ الجيوش ، الا ان غرضه الأصلي ومطلبه الكلى حاصل بذلك. فكيف يكرهه ولا يرضاه؟! وهذا بحمد الله سبحانه وجه وجيه ، لمن أخذ بالإنصاف وارتضاه ، ويخرج ما قدمنا شاهدا لمن عرف الحق ووعاه.

ويؤيد ذلك ـ ايضا ـ ما ورد في أخبارنا ، وكذا في اخبار العامة : ان الله يؤيد هذا الذين أو يعزه بالظالم (١) ـ. هذا حاصل الخبر حيث لا يحضرني الان نفسه.

* * *

ونقل بعض فضلائنا عن بعض كتب التواريخ قال : وكأنه من الكتب المعتبرة في هذا الفن ، أن الحيرة وهي من قرى العراق تقرب الكوفة فتحت صلحا ، وان نيسابور من بلاد خراسان فتحت صلحا ، وقيل : عنوة. وبلخ وهرات منها ، وقوشج م. ه. معرفة

__________________

(١) جاء في وسائل الشيعة ج ٤ ص ١١٧٠ باب أنه يكره ان يقال : «اللهم اجعلني ممن تنتصر به لدينك» الا ان يقيده بما يزيل الاحتمال. من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة. عن يونس بن يعقوب عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه كتب اليه بعض أصحابه يسأله أن يدعو الله ان يجعله ممن ينتصر به لدينه ، فأجابه عليه‌السلام وكتب في أسفل كتابه : «يرحمك الله ، انما ينتصر الله لدينه بشر خلقه».

وورد في البخاري في كتاب الجهاد الحديث رقم : ١٨٢. وفي كتاب المغازي الحديث رقم : ٣٨. وفي مسلم في كتاب الايمان الحديث رقم ١٧٨. وفي سنن ابن ماجة في كتاب الفتن الحديث رقم : ٣٥. وفي مسند احمد بن حنبل ج ٢ ص ٣٠٩ : «ان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر». وهكذا في ج ٥ ص ٤٥ فراجع.

م. ه. معرفة

٣٠٩

والتوابع فتحت صلحا. وبعض آخر فتح صلحا وبعض عنوة. وبالجملة فإن بلاد خراسان مختلفة في كيفية الفتح.

واما بلاد الشام ونواحيها فحكى ان حلب وحمى وحمص وطرابلس فتحت صلحا وان دمشق فتحت بالدخول من بعض الأبواب غفلة ، بعد ان كانوا طلبوا الصلح. وان أهل طبرستان صالحوا أهل الإسلام. وان أذربيجان فتحت صلحا. وان أهل أصفهان عقدوا أمانا. والري فتحت عنوة. انتهى.

وحكى العلامة في المنتهى عن الشافعي : ان مكة فتحت صلحا بأمان قدمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم قبل دخوله. قال : وهو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومجاهد.

ثم انه ـ رحمه‌الله ـ نسب الى الظاهر من المذهب : انها فتحت بالسيف ثم أمنهم بعد ذلك. ونقله عن مالك وابى حنيفة والأوزاعي.

وقد ذكر في المنتهى ان حد سواد العراق في العرض ، من منقطع الجبال بحلوان الى طرف القادسية المتصل بعذيب من ارض العرب. ومن تخوم الموصل طولا الى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة ، فأما الغربي الذي يليه البصرة فإنما هي إسلامي مثل شط عثمان ابن ابى العاص وما والاها كانت سباخا ومواتا فأحياها عثمان ابن ابى العاص.

أقول : والذي يظهر لي من الاخبار هو فتح مكة والعراق عنوة ، وان كان قد من على أهل مكة كما تقدم في كلام الشيخ بأموالهم. واما غير هذين الموضعين المذكورين فهو محل الاشتباه ، لعدم النص الوارد في شي‌ء من ذلك. والاعتماد في الأحكام الشرعية على مجرد كلام المؤرخين محل اشكال والله العالم.

* * *

المورد الثالث : قد عرفت فيما تقدم ، ان موات الأرض المفتوحة عنوة وقت الفتح انما هو للإمام عليه‌السلام من جملة الأنفال. وان كان ظاهر بعض العبارات

٣١٠

كون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين كافة من غير تقييد بالعامرة ، الا ان كلام الأكثر قد اشتمل على التقييد بالعامرة. وهو الظاهر ، نظرا إلى إطلاق الاخبار الدالة على ان موات الأرض من جملة الأنفال ، أعم من ان تكون الأرض من المفتوحة عنوة أم لا.

ومن هنا ينقدح إشكال في هذا المقام ، وذلك لان ما يكون معمورا من الأراضي لا يعلم انه كان معمورا وقت الفتح حتى يجب العمل فيه بحكم المفتوحة عنوة ، من كونه للمسلمين وما يترتب على ذلك من أحكام الخراج. إذ يجوز ان يكون في ذلك الوقت مواتا ، وانما أحيا بعد ذلك ، وقد عرفت : ان موات الأرض لهم ـ عليهم‌السلام ـ وانهم قد أحلوا شيعتهم بالتصرف فيها ، فتكون للمحيين ، لا يتعلق بها خراج بالكلية.

واما ما صار اليه بعض أصحابنا من الاستدلال على ان المعمور الان كان معمورا وقت الفتح بضرب الخراج الان ، ولو من الجائر وأخذه المقاسمة من ارتفاعها ، عملا بأن الأصل في تصرفات المسلمين الصحة. فإنه لا يخفى ما فيه ، فان بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات الواهية لا يخلو عن مجازفة كما عرفت في غير مقام مما تقدم ، لا سيما مع ما نشاهده الان ونعلمه علما قطعيا لا يختلجه الريب من تعدى الحكام وظلم الرعية ، وأخذهم الزيادات على الحقوق الموظفة عرفية كانت أو شرعية ، فكيف يمكن الاستدلال بمجرد ضربهم الخراج الان على أرض معمورة انها كانت كذلك أيام الفتح ، نعم لو كان الإمام إمام عدل لتم البحث.

وبالجملة فإن التمسك بأصالة العدم أقوى دليل في المقام حتى يقوم ما يوجب الخروج عنه كما هو القاعدة بينهم في جملة الأحكام.

واما التمسك هنا بان الأصل في تصرفات المسلم الصحة فالظاهر ضعفه.

أما أولا ، فلما عرفت من معلومية الظلم والجور من هؤلاء الذين ادعى حمل

٣١١

تصرفاتهم على الصحة ، وعدم وقوفهم عند الحدود الشرعية والرسوم المحمدية.

واما ثانيا ، فلان الظاهر ان المستند في هذا الأصل انما هي الأخبار الدالة على حسن الظن بالمؤمن (١) مثل خبر «احمل أخاك المؤمن على سبعين محملا من الخير». الحديث ونحوه ، ومن الظاهر انه لا سبيل الى دخول هؤلاء الفجرة الفساق ، الذين قد اشتهروا بفسقهم وكفرهم على الإطلاق ، بالخروج عن القول بإمامة امام الافاق على انا لا نسلم دخولهم في المسلمين الا على سبيل التجوز بمنتحل الإسلام ، كما عليه الخوارج وأمثالهم في هذا المقام ، وقد تقدم في كتاب الطهارة تفصيل هذا الإجمال وتوضيحه بما لا يداخله النزاع ولا الجدال ، والا فانا لا نعرف لهذه الأصالة معنى ، إذ لم يرد بمضمونها خبر على الخصوص ، وانما مستندها ما أشرنا إليه من النصوص ، والحال فيها ما عرفت من عدم دخول أولئك اللصوص.

وعلى هذا فيزول جملة الإشكال في هذا المقام ، ويجب الحكم بتملك كل من في يده شي‌ء من تلك الأراضي ، من غير ان يجب عليه دفع ما يدعونه من الخراج ، وان ما يؤخذ منه الان من الخراج ظلم وعدوان في أمثال هذه الأزمان ، واما ما يتعلق بإحياء الموات من الأحكام التي ذكرها الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ في المقام ووردت بها الاخبار عنهم ـ عليهم‌السلام ـ فسيأتي إنشاء الله تعالى في كتاب احياء الموات.

* * *

المورد الرابع : قد تقدم في عبارة المبسوط وجوب إخراج الخمس من هذه الأراضي المفتوحة عنوة ، كغيرها من الغنائم المنقولة. وبذلك صرح من تأخر عنه من أصحابنا من غير خلاف يعرف ، الا ان المسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال ، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في كتاب الخمس ، فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه.

__________________

(١) ورد في الكافي ج ٢ ص ٣٦٢ : «ضع أمر أخيك على أحسنه.» كتاب الايمان والكفر. باب التهمة وسوء الظن.

٣١٢

المقام الثاني

في الأرض التي أسلم عليها أهلها طوعا

والظاهر : انه لا خلاف بين الأصحاب في أن أرضهم لهم ، يتصرفون فيها تصرف الملاك في ملاكهم ، إذا عمروها. وانما عليهم فيها الزكاة خاصة.

انما الخلاف فيما إذا تركوا عمارتها وبقيت خرابا فالمنقول عن الشيخ وابى الصلاح : ان الامام عليه‌السلام يقبلها ممن يعمرها ، ويعطى صاحبها طسقها ويعطى المتقبل حصته ، وما يبقى فهو لمصالح المسلمين ، يجعل في بيت مالهم.

وقال ابن حمزة : إذا تركوا عمارتها صارت للمسلمين ، وأمرها للإمام ـ عليه‌السلام.

وقال ابن البراج : وإذا تركوا عمارتها حتى صارت خرابا كانت حينئذ لجميع المسلمين ، يقبلها الامام عليه‌السلام ممن يقوم بعمارتها بحسب ما يراه ، من نصف أو ثلث أو ربع.

وقال ابن إدريس : الأولى ترك ما قاله الشيخ ، فإنه مخالف للأصول والأدلة العقلية والسمعية ، فإن ملك الإنسان لا يجوز لأحد أخذه ولا التصرف فيه بغير اذنه

٣١٣

واختياره ، فلا يرجع عن الأدلة باخباره الآحاد.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في ذلك ما تقدم قريبا ، من رواية صفوان واحمد بن محمد بن ابى نصر جميعا (١) وصحيحة أحمد بن محمد بن ابى نصر (٢) الدالتين على ان ما لم يعمروه من تلك الأراضي يأخذه الإمام عليه‌السلام فيقبله ممن يعمره ، ويكون للمسلمين.

وهما ظاهرتا الدلالة في قول ابن البراج وابن حمزة.

وما ذكره الشيخ من انه يعطى صاحبها طسقها ، لا اشعار فيهما به ، فضلا عن الدلالة عليه.

وقال في المختلف ـ بعد نقل ما قدمناه من الأقوال ـ : والأقرب ما اختاره الشيخ. لنا : انه أنفع للمسلمين وأعود عليهم ، وكان سائغا ، فأي عقل يمنع من الانتفاع بأرض يترك أهلها عمارتها ، وإيصال أربابها حق الأرض ، مع ان الروايات متظافرة بذلك. ثم ذكر رواية صفوان واحمد بن محمد بن ابى نصر وصحيحة أحمد بن محمد ابن ابى نصر.

ثم انه احتج لابن حمزة وابن البراج ، بما رواه معاوية بن وهب في الصحيح قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيما رجل أتى خربة فاستخرجها ، وكرى أنهارها وعمرها ، فان عليه فيها الصدقة ، وان كانت ارض لرجل قبله فغاب عنها وتركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها ، فإن الأرض لله ولمن عمرها (٣). ثم أجاب عن الرواية

__________________

(١) الوسائل ج ١١ ص ١٢٠ حديث : ١ باب : ٧٢.

(٢) الوسائل ج ١١ ص ١٢٠ حديث : ٢ باب : ٧٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٧٩ حديث : ٢ والرواية كانت ملحونة في المتن جدا ، كما في غالب ما ينقله المؤلف ـ رحمه‌الله ـ فصححناها على نسخ المصادر الصحيحة.

م. ه. معرفة.

٣١٤

بالحمل على ارض الخراج.

أقول : لا يخفى ما في كلامه ـ رحمه‌الله ـ في هذا المقام.

اما أولا ، فلان ما ذكره من التعليل العقلي عليه عليل لا يبرد الغليل ولا يهدى الى سبيل. فان كلام ابن إدريس ـ هنا لولا الروايتين المذكورتين ـ قوى متين ، إذ لا ريب في قبح التصرف في ملك الغير بغير رضاه ، كما دلت عليه الآية والرواية (١) وهذا هو الذي أشار إليه ابن إدريس بالدليل العقلي هنا.

واما ترتب الانتفاع للمسلمين فلا يصح لان يكون وجها في حل التصرف بغير رضا صاحبها ، والا لجاز غصب أموال الناس وصرفها في مصالح المسلمين ، وهذا لا يقول به أحد.

وبالجملة فإنه مع قطع النظر عن الخبرين المذكورين ، فقول ابن إدريس جيد متين.

واما ثانيا ، فلان الخبرين ـ كما عرفت ـ انما يدلان على قول ابن حمزة وابن البراج ، لا على قول الشيخ كما زعمه.

واما ثالثا ، فلان ما أورده من صحيحة معاوية بن وهب ، (٢) لا دلالة لها على القول المذكور بوجه ، كما لا يخفى.

والظاهر من صدر الخبر المذكور انما هو : الحمل على أرض الأنفال ، وهي الأرض الخربة من اى صنف كانت من أصناف الأراضي ، فإن المحيي لها أحق

__________________

(١) والآية هي : قوله تعالى «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ، إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» سورة النساء : ٢٩ والرواية هي : قوله ـ ع ـ : «لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه». راجع : الوسائل ج ٣ ص ٤٢٤ حديث : ٦٠٩٠.

(٢) قد تكرر من المصنف قوله : «معاوية بن عمار» هنا وفيما سبق ، ولكنا صححناه بما في المتن في كلا الموضعين ، وفق نسخة المصدر الصحيحة.

٣١٥

بالتصرف فيها.

واما قوله «وان كانت أرضا لرجل قبله» فيحتمل حمله على الأرض الخراجية ، بعد زوال آثار تصرف المالك الأول ، فإنها كما تقدم في كلام شيخنا الشهيد الثاني ، تخرج عن ملك الأول ، لزوال آثار ملكه ، وتعود إلى أصلها ، من كونها للمسلمين قاطبة.

وعلى ما قدمناه يجوز التصرف فيها لمن سبق إليها.

ويحتمل الحمل ـ ايضا ـ على أرض الأنفال التي أحلوا ـ عليهم‌السلام ـ للشيعة التصرف فيها زمان الغيبة ، فإنه بعد زوال آثار تصرف المالك الأول ترجع الى حالها الأصلي ، وهو ملك الامام عليه‌السلام.

ونحوها في ذلك ما تقدم في صحيحة أبي خالد الكابلي ، من قوله عليه‌السلام «فان تركها أو أخرجها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها فهو أحق بها من الذي تركها» الحديث (١). ونحوهما صحيحة عمر بن يزيد (٢).

وظاهر هذه الاخبار : انقطاع حق الأول منها ، وانها تكون ملكا صرفا للمحيي الثاني ، وهو أحد القولين في المسألة.

وقيل بالعدم ، ويدل عليه صحيحة سليمان بن خالد. قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ما ذا عليه؟ قال : عليه الصدقة. قلت : فان كان يعرف صاحبها. قال : فليؤد إليه حقه (٣).

والأقرب عندي في الجمع بين هذه الرواية وبين الروايات المتقدمة ، هو حمل الروايات المتقدمة على ما إذا ملكها الأول بالاحياء ، فإنه يزول ملكه بعد زوال آثاره ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٧٩ حديث : ٥.

(٢) الوسائل ج ٦ ص ٣٨٢ حديث : ١٢.

(٣) الوسائل ج ١٧ ص ٣٢٩ حديث : ٣.

٣١٦

وترجع الى حالها الأول ، كما تقدم. وتحمل هذه الرواية على ما إذا ملكها الأول بغير الأحياء ، من شراء أو إرث ونحوهما ، فإنه لا يزول ملكه عنها ، وان صارت خربة.

والقائلون بالقول الثاني من القولين المذكورين اختلفوا ، فبعض قال بأنه لا يجوز إحياؤها ولا التصرف فيها مطلقا ، الا بإذن الأول. وذهب جماعة إلى جواز إحيائها وكون الثاني أحق بها ، لكن لا يملكها بذلك ، بل عليه ان يؤدى طسقها إلى الأول أو وراثه. ولم يفرقوا في ذلك بين ما يدخل في ملكه بالإحياء أو غيره من الأسباب الموجبة للملك ، إذا صار مواتا. ونقل عن الدروس : انه ذهب الى وجوب استيذان المحيي من المالك الأول ، فإن امتنع فالحاكم. فان تعذر الأمر ان جاز الأحياء ، وعلى المحيي طسقها للمالك.

وضعف هذه الأقوال ظاهر ، بضعف القول الذي تفرعت عليه. لدلالة الأخبار التي قدمناها على خلافه ، وصحيحة سليمان بن خالد التي هي مستند هذا القول ، لا صراحة فيها على ما ادعوه ، لإمكان حملها على ما قدمناه ، وبه تجتمع مع الاخبار الأخر ، والله العالم بحقائق أحكامه.

* * *

٣١٧

المقام الثالث

في أرض الصلح

وهي التي صولح أهلها على ان تكون الأرض لهم ، وانهم يقرون على دينهم ، ولكن عليهم الجزية ، اما على رؤسهم أو على أرضهم ، حسب ما يراه الامام ـ عليه‌السلام.

وجعلها على الأرض ، بأن يصالحهم على ثلث الحاصل أو ربعه أو نصفه مثلا ، وهذه الأرض ملك لهم يتصرفون فيها بما شاؤا من بيع وغيره ، وعليهم الجزية المقررة.

ويملكها المسلم بوجه مملك كالبيع ونحوه ، ولا ينتقل ما على الأرض لو كانت الجزية عليها الى المسلم. لان المسلم لا جزية عليه ، بل ترجع إلى البائع الذمي.

ولو أسلم صاحب الأرض سقطت الجزية عنه ، لما عرفت من ان المسلم لا جزية عليه ، وكانت أرضه له لا يتعلق بها جزية ، كما في سائر المسلمين.

ولو وقع الصلح بان تكون الأرض للمسلمين خاصة ويكون للكفار السكنى خاصة ، كان حكم هذه الأرض حكم المفتوحة عنوة ، معمورها ـ حال الفتح ـ

٣١٨

للمسلمين ومواتها عليه‌السلام حسبما تقدم الكلام فيه مفصلا.

ومما وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه الأرض : ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة في الصحيح ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما حد الجزية على أهل الكتاب؟ وهل عليهم في ذلك شي‌ء موظف ، لا ينبغي ان يجوز الى غيره؟ فقال : ذلك الى الامام عليه‌السلام يأخذ من كل انسان منهم ما شاء على قدر ماله وما يطيق. انما هم قوم فدوا أنفسهم من ان يستعبدوا أو يقتلوا ، فالجزية تأخذ منهم على قدر ما يطيقون له ان يأخذهم به حتى يسلموا ، فان الله عزوجل قال «حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ» وكيف يكون صاغرا ولا يكترث بما يؤخذ منه حتى يجد ذلا (١) لما أخذ منه فيألم لذلك فيسلم.

قال : وقال محمد بن مسلم : قلت للصادق عليه‌السلام أرأيت ما يأخذ هؤلاء من الخمس من أرض الجزية ، ويأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم اما عليهم في ذلك شي‌ء موظف؟ فقال : كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم ، وليس للإمام أكثر من الجزية ، ان شاء الامام وضع ذلك على رؤسهم ، وليس على أموالهم شي‌ء ، وان شاء فعلى أموالهم. وليس على رؤسهم شي‌ء. فقلت : فهذا الخمس؟ فقال : انما هذا شي‌ء كان صالحهم عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

وما رواه في الفقيه عن مصعب بن يزيد الأنصاري قال استعملني أمير المؤمنين عليه‌السلام على أربعة رساتيق المدائن : البهقياذات ، ونهر سير ، ونهر جوير ، ونهر الملك ، وأمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ درهما ونصفا. وعلى كل جريب زرع وسط درهما ، وعلى كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم. وعلى كل جريب كرم عشرة دراهم. وعلى كل جريب نخل عشرة دراهم. وعلى كل جريب البساتين ،

__________________

(١) في نسخة الوسائل ج ١١ ص ١١٣ حديث ١ من باب ٦٨ «حتى لا يجد ذلا». ولكن نسخة الكافي موافقة للمتن.

(٢) الوسائل ج ١١ ص ١١٤ ، حديث : ٢.

٣١٩

التي تجمع النخل والشجر ، عشرة دراهم. وأمرني بأن ألقي كل نخل شاذ عن القرى ، لمارة الطريق وأبناء السبيل ، ولا آخذ منه شيئا. وأمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البرازين ويتختمون بالذهب ، على كل رجل منهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى أوساطهم والتجار منهم ، على كل رجل أربعة وعشرين درهما ، وعلى سفلتهم وفقرائهم ، على كل انسان منهم اثنى عشر درهما ، على كل انسان منهم. قال فجبيتها ثمانية عشر ألف ألف درهم في سنة (١).

أقول : «نهر سبر» ضبطه ابن إدريس بالباء الموحدة والسين المهملة. وحمل هذا الخبر في التهذيب على ما رآه أمير المؤمنين عليه‌السلام مصلحة في ذلك الوقت بحسب حالهم ، فلا ينافي عدم التوظيف في الجزية.

وما رواه في التهذيب عن ابى بصير وإسحاق بن عمار جميعا ، عن ابى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى أناسا من أهل نجران الذمة على سبعين بردا (٢).

وما رواه في الكافي عن حريز عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دمائهم وأموالهم؟ قال : الخراج. فإن أخذ من رؤسهم الجزية فلا سبيل على أراضيهم ، وان أخذ من أراضيهم فلا سبيل على رؤوسهم. (٣). الى غير ذلك من الاخبار الواردة من هذا القبيل.

* * *

__________________

(١) الوسائل ج ١١ ص ١١٥ حديث : ٥.

(٢) التهذيب ج ٦ ص ١٧٢ حديث : ١٢ ـ ٣٣٤.

(٣) الوسائل ج ١١ ص ١١٥ حديث : ٣.

٣٢٠