الحدائق الناضرة - ج ١٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

إذا اشترى لم يعب ، وإذا باع لم يحمد ، ولا يدلس ، وفيما بين ذلك لا يحلف» (١).

وروى الصدوق مرسلا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا معشر التجار ارفعوا رؤوسكم ، فقد وضح لكم الطريق ، تبعثون يوم القيامة فجارا الا من صدق حديثه ، قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التاجر فاجر ، والفاجر في النار الا من أخذ الحق واعطى الحق».

قال : قال عليه‌السلام : «يا معشر التجار صونوا أموالكم بالصدقة تكفر عنكم ذنوبكم ، وأيمانكم التي تحلفون فيها ، وتطيب لكم تجارتكم» (٢).

وروى السيد رضى الدين بن طاوس في كتاب الاستخارات عن احمد بن محمد ابن يحيى قال : أراد بعض أوليائنا الخروج للتجارة ، فقال : لا اخرج حتى اتى جعفر بن محمد عليه‌السلام فأسلم عليه وأستشيره في امرى هذا واسأله الدعاء لي. قال : فأتاه فقال له : يا ابن رسول الله ، انى عزمت على الخروج إلى التجارة ، وانى آليت على نفسي ان لا اخرج حتى ألقاك وأستشيرك وأسألك الدعاء لي. قال : فدعا له وقال عليه‌السلام : عليك بصدق اللسان في حديثك ولا تكتم عيبا يكون في تجارتك ولا تغبن المسترسل (٣) فان غبنه لا يحل. ولا ترض للناس الا ما ترضى لنفسك. وأعط الحق وخذه ولا تخف ولا تخن. فان التاجر الصدوق مع السفرة الكرام البررة يوم القيامة ، واجتنب الحلف فان اليمين الفاجرة تورث صاحبها النار ، والتاجر فاجر الأمن أعطى الحق وأخذه.

وإذا عزمت على السفر أو حاجة مهمة فأكثر الدعاء والاستخارة ، فان ابى حدثني عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم أصحابه الاستخارة كما يعلمهم السورة

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٥ رقم : ٣.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٥ رقم : ٤ و ٥ و ٦.

(٣) قال في مجمع البحرين : الاسترسال : الاستيناس والطمأنينة إلى الإنسان والثقة به فيما يحدثه. وأصله الكون والثبات. ومنه الحديث : أيما مسلم استرسل الى مسلم فغبنه فهو كذا ، ومنه : غبن المسترسل سحت. ومنه : غبن المسترسل ربا. منه قدس‌سره.

٢١

من القرآن» (١). الحديث.

أقول : قد تقدم في كتاب الصلاة في باب صلاة الاستخارة ان أحد معانيها : طلب الخير منه سبحانه ، وهو المراد هنا اى طلب الخير في البيع والشراء.

وما اشتمل عليه حديث عمرو بن ابى المقدام (٢) من انه عليه‌السلام كان يطوف أسواق الكوفة والدرة على عاتقه. والدرة بكسر الدال : السوط ، والجمع : درر ، مثل سدرة وسدر.

وفي هذا الخبر : لها طرفان. وفي خبر آخر : لها سبابتان.

وقال في كتاب مجمع البحرين : الدرة ـ بالكسر ـ التي كان يضرب بها. وهو يرجع الى ما ذكرناه من السوط. فإنه الذي يضرب به في الحدود الشرعية. واما لفظ السبيبة فضبطه بعض المحدثين بالمهملة والمثناة التحتانية بين الموحدتين.

وظاهر كلام بعض أصحابنا المحدثين من متأخري المتأخرين : انه ربما كان الموجود من هذا اللفظ في الخبر انما هو بمركزين بعد السين أولهما باء موحدة ، والثانية تاء مثناة فوفانية.

قال : السبتة بكسر السين وسكون الموحدة قبل المثناة الفوقانية : جلود البقر تحذى منها النعال السبتية. فعلى هذه النسخة يمكن ان تكون درته عليه‌السلام مأخوذة منها والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٥ رقم : ٧.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٤ رقم : ١. وتقدم في ص ٢٠.

٢٢

المقدمة الثانية

في آداب التجارة

وأوجبها وأهمها التفقه في الدين. وقد تقدم الكلام في ذلك وتقدمت الأخبار الدالة عليه بأوضح دلالة. ليعرف كيفية الاكتساب ويميز بين صحيح العقود وفاسدها لان العقد الفاسد لا يوجب نقل الملك عن مالكه. بل هو باق على ملك الأول. فيلزم من ذلك تصرفه في غير ملكه ويركب المآثم من حيث لا يعلم ، الى غير ذلك من المفاسد والمآثم المترتبة على الجهل.

ومن ثم استفاضت الاخبار ـ كما عرفت ـ بالحث على التفقه وتعلم أحكام التجارة.

ومنها انه يستحب ان يساوي بين المبتاعين والبائعين ، فالصغير عنده بمنزلة الكبير ، والغنى كالفقير ، والمجادل كغيره ، والمراد ان لا يفاوت بينهما في الإنصاف بالمماكسة وعدمها.

والظاهر انه لو فاوت بينهما بسبب الدين والفضل فلا بأس. قيل : ولكن يكره للأخذ قبول ذلك ، حتى نقل ان السلف كانوا يوكلون في الشراء من لا يعرف ، هربا من ذلك.

٢٣

والذي وقفت عليه في هذا المقام من الاخبار : ما رواه في الكافي عن عامر بن جذاعة ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام «انه قال في رجل عنده بيع فسعره سعرا معلوما فمن سكت عنه ممن يشترى منه باعه بذلك السعر ، ومن ماكسه وابى ان يبتاع منه زاده ،

قال : لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس فاما ان يفعله بمن ابى عليه وكايسه ويمنعه ممن لم يفعل ذلك فلا يعجبني الا ان يبيعه بيعا واحدا» (١).

أقول : قوله : عنده بيع اى متاع يبيعه ، والمراد بالزيادة يعنى من المتاع لا السعر ، كما ربما يتوهم من ظاهر السياق : والمراد ان من لم يماكسه يبيعه بسعره المعلوم ومن ماكسه نقص له السعر وزاده من المتاع. والظاهر ان تجويز الرجلين والثلاثة لما قدمناه من رعاية حالهم للفقر أو العلم والصلاح.

قيل : ويحتمل ان المعنى انه إذا كان التفاوت في السعر ، لأن المشترى منه يشترى جميع المتاع أو أكثره بيعا واحدا فيبيعه أرخص ممن يشترى منه شيئا قليلا كما هو الشائع فلا بأس. ولعله أظهر انتهى.

أقول : لا يخفى حسن هذا المعنى في حد ذاته ، اما فهمه من سياق الخبر فالظاهر انه لا يخلو من بعد.

وكيف كان فظاهر هذه الرواية ، كما ترى ، كراهة المفاوتة بسبب المماكسة وعدمها.

وما رواه في الكافي ـ أيضا ـ عن ميسر قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ان عامة من يأتيني من إخواني ، فحد لي من معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره ، فقال : ان وليت أخاك فحسن ، والا فبع بيع البصير المداق» (٢).

أقول : الظاهر ان قوله : «ان وليت أخاك» من التولية بمعنى البيع بالثمن الذي اشتريت من غير زيادة ولا نقصان ، وهو الربح والمواضعة. واما ما قيل من ان المراد

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٥٢ حديث : ١٠.

(٢) الكافي ـ الفروع ـ ج ٥ ص ١٥٣ حديث : ١٩ والتهذيب ج ٧ ص ٧ حديث ٢٤.

٢٤

بالتولية : الوعد بالإحسان ، أو هو بالتخفيف بمعنى المعاشرة واختبار الايمان فلا يخفى ما فيه من البعد الظاهر.

وظاهر الخبر انه البيع برأس المال ، وتجوز المداقة ، وهي المناقشة في الأمور ومنه الحديث «انما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا» (١).

وفي القاموس : المداقة ان تداق صاحبك في الحساب ، وظاهر الخبر : جواز كل من الأمرين ، وان كان الأول أفضل.

وقيل : ان المعنى : ان كان المشتري أخاك المؤمن فلا تربح عليه والا فبع بيع البصير المداق ، والأول ألصق بسياق الخبر ، والثاني أحسن وأظهر في حد ذاته وان أمكن حمل الخبر عليه.

(ومنها) كراهة الربح على المؤمن ، وعلى الموعود بالإحسان. اما الثاني فلما رواه في الكافي والتهذيب عن على بن عبد الرحيم عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «إذا قال الرجل للرجل : هلم أحسن بيعك. يحرم عليه الربح» (٢).

وهو مبالغة في الكراهة ، كما صرح به الأصحاب.

واما الأول فقد صرح الأصحاب بكراهة الربح على المؤمن إلا مع الضرورة ، فيربح قوت يومه له ولعياله إذا كان شراؤه للقوت ونحوه ، اما لو كان للتجارة فلا بأس بالربح عليه مطلقا ، لكن يستحب الرفق به.

والظاهر ان المستند فيه هو ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن سليمان بن صالح وابى شبل عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «ربح المؤمن على المؤمن ربا ، الا ان يشترى بأكثر من مأة درهم فاربح عليه قوت يومك ، أو يشتريه للتجارة. فاربحوا عليهم وارفقوا بهم» (٣).

__________________

(١) أصول الكافي ـ ج ١ ص ١١ حديث : ٧.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٧ حديث : ٢١. والكافي ج ٥ ص ١٥٢ حديث : ٩.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٥٤ حديث : ٢١.

٢٥

وظاهر الخبر : كراهة الربح عليه مطلقا إذا كان الشراء لغير التجارة ، الا ان يشترى بأكثر من مأة درهم ، فيجوز ان يربح عليه قوت يومه. (١)

ولا يخفى ما فيه من المخالفة لكلامهم ، مع انه قد روى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن على بن سالم عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخبر الذي روى «ان ربح المؤمن على المؤمن ربا» ما هو؟ فقال : «ذلك إذا ظهر الحق وقام قائمنا ـ أهل البيت عليهم‌السلام ـ فاما اليوم فلا بأس ان تبيع من الأخ المؤمن وتربح عليه (٢).

وروى الشيخان المذكوران عن عمر بن يزيد بياع السابري قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ان الناس يزعمون ان الربح على المضطر حرام وهو من الربا ، فقال : وهل رأيت أحدا اشترى غنيا أو فقيرا الا من ضرورة ، يا عمر قد أحل الله البيع وحرم الربا ، فاربح ولا ترب. قلت : وما الربا؟ فقال : درهم بدراهم ، مثلين بمثل ، وحنطة بحنطة ، مثلين بمثل (٣).

أقول : ظاهر هذين الخبرين يؤذن بأن الخبر الأول انما خرج مخرج التقية ، لأن الأول منهما ـ وان دل على مضمون الخبر الأول ـ لكن خصه بما بعد خروج القائم عليه‌السلام دون هذه الأوقات ، الا ان الخبر الثاني دل على نسبة الخبر المذكور للناس الذي هو كناية عن المخالفين ، وهو عليه‌السلام قد كذبهم في ذلك ، ورد عليهم في ان المشترى مطلقا لا يشترى الا من حيث الحاجة والضرورة الى ذلك الذي يشتريه.

فان قيل : انه لا منافاة ، لجواز حمل الخبر الأول على كراهة الربح على المؤمن ،

__________________

(١) أقول : هذه الرواية نقله في كتاب الفقه الرضوي ، فقال ـ ع ـ : وروى ربح المؤمن على أخيه ربا الا ان يشترى منه بأكثر من مأة درهم فيربح فيه قوت يومه أو يشترى متاعا للتجارة فيربح عليه خفيفا. انتهى منه قدس‌سره.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٩٤ حديث : ٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ١٨ حديث : ٧٨. الفقيه ج ٣ ص ١٧٦ حديث : ١٣.

٢٦

كما تقدم ، وان بالغ في الكراهة بجعله من قبيل الربا ، والخبرين المذكورين على الجواز.

قلنا : لو كان المعنى كما ذكرت لكان الأنسب في جواب السائلين المذكورين في هذين الخبرين ، بان الخبر المذكور انما أريد به الكراهة دون ما يدل عليه ظاهره من التحريم ، لا انه عليه‌السلام يقر السائل على ظاهر الخبر من التحريم وبحمله في أول الخبرين على زمان القائم عليه‌السلام وفي ثانيها يكذبه ويرده ، ثم يأمر في الخبرين بالربح على المؤمن بخصوصه كما في الأول ، ومطلقا كما في الثاني.

ومما ذكرناه يظهر ان ما ذكره الأصحاب من الحكم المذكور لا مستند له في الباب ، ولم يحضرني كلام لأحد منهم في المقام زيادة على ما قدمنا نقله عنهم من الكلام.

ومما يؤكد الخبرين المذكورين ـ مما يدل على جواز الربح بل استحبابه ـ أولا ـ : وان المقصود الذاتي من التجارة والأمر بها والحث عليها لأجل الاستغناء عن الناس وكف الوجه عن السؤال والاستعانة بالدنيا على الدين ونحو ذلك ، كما تقدم جميع ذلك في الاخبار المتقدمة ، ومتى كان مكروها في البيع على المؤمنين مع ان جل المشترين بل كلهم في بلاد المؤمنين إنما هم المؤمنون ، فمن اين يحصل ما دلت عليه هذه الاخبار؟!.

وثانيا ـ الأخبار الدالة على ذلك :

منها : ما رواه في الكافي عن محمد بن عذافر عن أبيه ، قال : اعطى أبو عبد الله عليه‌السلام أبي ألفا وسبعمائة دينار ، فقال له : اتجر بها. ثم قال : اما انه ليس لي رغبة في ربحها ، وان كان الربح مرغوبا فيه ، ولكني أحببت أن يراني الله جل وعز متعرضا لفوائده ، قال : فربحت له فيها مأة دينار. ثم لقيته فقلت له : قد ربحت لك فيها مأة دينار.

قال : ففرح أبو عبد الله عليه‌السلام بذلك فرحا شديدا ، قال لي : أثبتها في رأس مالي ـ الحديث (١).

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٧٦ حديث : ١٢.

٢٧

وروى الصدوق في الفقيه عن محمد بن عذافر عن أبيه قال : دفع الى أبو عبد الله عليه‌السلام سبعمائة دينار ، وقال : يا عذافر اصرفها في شي‌ء ما. وقال : ما افعل هذا على شره منى ، ولكن أحببت أن يراني الله تبارك وتعالى متعرضا لفوائده. قال عذافر : فربحت فيها مأة دينار ، فقلت له في الطواف : جعلت فداك قد رزق الله عزوجل فيها مأة دينار. قال : أثبتها في رأس مالي» (١).

وفي تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام عن آبائه عن موسى بن جعفر عليه‌السلام «ان رجلا سأله مأتي درهم يجعلها في بضاعة يتعيش بها ـ الى ان قال ـ فقال : أعطوه ألفي درهم. وقال : اصرفها في العفص (٢) فإنه متاع يابس ويستقبل بعد ما أدبر ، فانتظر به سنة واختلف به الى دارنا وخذ الأجر في كل يوم ، فلما تمت له سنة ، وإذا قد زاد في ثمن العفص للواحد خمسة عشر ، فباع ما كان اشترى بألفي درهم ، بثلاثين الف درهم».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الدالة على جواز الربح بل استحبابه.

نعم لا بأس بالمسامحة ولا منافاة فيها. ويحمل عليه ما رواه في الكافي عن أبي أيوب الخزاز عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : يأتي على الناس زمان عضوض ، يعض كل امرء على ما في يده وينسى الفضل وقد قال الله «وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» ثم ينبري في ذلك الزمان أقوام يعاملون المضطرين ، أولئك هم شرار الناس (٣).

ومما يدل على استحباب المسامحة : ما رواه في الفقيه عن إسماعيل بن مسلم ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : «انزل الله على بعض أنبيائه عليهم‌السلام للكريم فكارم. وللسمح فسامح. وعند الشكس فالتو».

قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «السماح وجه من الرباح» (٤).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٩٦ حديث : ١٦.

(٢) نوع من البلوط ، الوسائل ج ١٢ ص ٣١٢ حديث ٣.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٣٣٠ حديث : ٢.

(٤) من لا يحضره الفقيه ج ٣ ـ ص ١٢٢.

٢٨

(ومنها) انه يستحب ان يقيل من استقاله ، فروى في الكافي عن عبد الله بن القاسم الجعفري ، عن بعض أهل المدينة قال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأذن لحكيم بن حزام بالتجارة حتى ضمن له اقالة النادم وانظار المعسر وأخذ الحق وافيا وغير واف» (١).

وعن هارون بن حمزة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : أيما عبد أقال مسلما في بيع أقال الله تعالى عثرته يوم القيامة».

ورواه الصدوق مرسلا الا انه قال : «أيما مسلم أقال مسلما ندامة في البيع» (٢).

وروى الصدوق في الخصال في الموثق عن سماعة بن مهران عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : أربعة ينظر الله إليهم يوم القيامة : من أقال نادما أو أغاث لهفانا أو أعتق نسمة أو زوج عزبا (٣).

ومما يؤكد ان ذلك على جهة الاستحباب : ما رواه في الكافي عن هذيل بن صدقة الطحان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشترى المتاع أو الثوب ، فينطلق به الى منزله ، ولم ينفذ شيئا فيبدو له ، فيرده ، هل ينبغي ذلك؟ قال : «لا ، الا ان تطيب نفس صاحبه» (٤).

(ومنها) استحباب الدعاء بالمأثور ، والشهادتين عند دخول السوق. فروى ثقة الإسلام والصدوق في كتابيهما عن سدير ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا أبا الفضل اما لك مكان تقعد فيه ، فتعامل الناس؟ قال : قلت : بلى ، قال : ما من رجل مؤمن يروح أو يغدو الى مجلسه أو سوقه ، فيقول حين يضع رجله في السوق :

«اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها (وأعوذ بك من شرها وشر أهلها) (٥) إلا

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٥١ حديث : ٤.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٦ حديث : ٢.

(٣) الخصال ص ٢٢٤ حديث : ٥٥.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٦ حديث : ٣.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في نسخة الكافي المعروفة.

٢٩

وكل الله عزوجل به من يحفظه ويحفظ عليه حتى يرجع الى منزله ، فيقول له : قد أجرت من شرها وشر أهلها يومك هذا باذن الله عزوجل وقد رزقت خيرها وخير أهلها في يومك هذا ، فإذا جلس مجلسه قال حين يجلس : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. اللهم إني أسألك من فضلك حلالا طيبا وأعوذ بك من ان أظلم أو أظلم وأعوذ بك من صفقة خاسرة ويمين كاذبة. فإذا قال ذلك ، قال له الملك الموكل به : أبشر فما في سوقك اليوم أحدا وفر منك حظا قد تعجلت الحسنات ومحيت عنك السيئات. وسيأتيك ما قسم الله لك موفرا حلالا طيبا مباركا فيه» (١).

وروى في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : إذا دخلت سوقك فقل : «اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها اللهم إني أعوذ بك من ان أظلم أو أظلم أو أبغي أو يبغى على أو اعتدى أو يعتدى على ، اللهم إني أعوذ بك من شر إبليس وجنوده وشر فسقة العرب والعجم. وحسبي الله لا إله الا هو عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم» (٢).

وروى في الفقيه عن عاصم بن حميد عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «من دخل سوقا أو مسجد جماعة ، فقال مرة واحدة : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا. وسبحان الله بكرة وأصيلا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ، وصلى الله على محمد وآله. عدلت له حجة مبرورة» (٣).

قال في الفقيه : وروى انه من ذكر الله عزوجل في الأسواق غفر له بعدد ما فيها من فصيح وأعجم». والفصيح : ما يتكلم. والأعجم : مالا يتكلم.

قال : وقال الصادق عليه‌السلام : «من ذكر الله عزوجل في الأسواق غفر له بعدد

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٥٥ رقم : ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٥٦ رقم : ٢.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٣٠١ رقم : ٣.

٣٠

أهلها» (١).

(ومنها) استحباب الدعاء عند الشراء ، فروى في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن حريز عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره فكبر ثم قال : اللهم انى اشتريته التمس فيه من فضلك ، فصل على محمد وآل محمد. اللهم فاجعل لي فيه فضلا اللهم انى اشتريته التمس فيه من رزقك ، فاجعل لي فيه رزقا. ثم أعد كل واحدة ثلاث مرات» (٢).

أقول : قوله عليه‌السلام : ثم أعد كل واحدة ثلاث مرات ، ربما يتوهم منه الترديد اربع مرات.

والظاهر انه ليس كذلك ، بل المراد انما هو أعد كلا من هاتين الجملتين الى ان يبلغ ثلاث مرات.

وروى الصدوق عن العلاء عن محمد بن مسلم قال : قال أحدهما عليهم‌السلام : «إذا اشتريت متاعا فكبر الله ثلاثا ، ثم قال : اللهم انى اشتريته التمس فيه من خيرك فاجعل لي فيه خيرا. اللهم انى اشتريته. (٣) الحديث. كما تقدم.

وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «إذا أردت أن تشترى شيئا فقل : يا حي يا قيوم يا دائم يا رؤوف يا رحيم أسألك بعزتك وقدرتك وما أحاط به علمك ان تقسم لي من التجارة اليوم أعظمها رزقا وأوسعها فضلا وخيرها عاقبة فإنه لا خير فيما لا عاقبة له» (٤) قال : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا اشتريت دابة أو رأسا فقل : اللهم قدر لي أطولها حياة وأكثرها منفعة وخيرها عاقبة» (٥).

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٣٠٣ رقم : ٢.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٣٠٤ رقم : ١.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٤٠٤ ـ رقم : ٢.

(٤) الكافي ـ الفروع ـ ج ٥ ص ١٥٧ حديث : ٣.

(٥) الكافي ـ الفروع ـ ج ٥ ص ١٥٧ حديث : ٣.

٣١

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا اشتريت دابة فقل : اللهم ان كانت عظيمة البركة فاضلة المنفعة ميمونة الناصية فيسر لي شراءها ، وان كان غير ذلك فاصرفني عنها إلى الذي هو خير لي منها ، فإنك تعلم ولا اعلم وتقدر ولا اقدر وأنت علام الغيوب. تقول ذلك ثلاث مرات» (١).

وروى في الفقيه عن عمر بن إبراهيم عن ابى الحسن عليه‌السلام قال : «من اشترى دابة فليقم من جانبها الأيسر ويأخذ من ناصيتها بيده اليمنى ويقرأ على رأسها فاتحة الكتاب ، وقل هو الله أحد ، والمعوذتين ، وآخر الحشر وآخر بني إسرائيل : قل أدعو الله أو أدعو الرحمن ، وآية الكرسي. فإن ذلك أمان تلك الدابة من الآفات» (٢).

وروى في الكافي عن هذيل عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال إذا اشتريت جارية فقل : اللهم إني أستشيرك وأستخيرك» (٣). وفي الفقيه عن ثعلبة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا اشتريت جارية فقل : اللهم إني أستشيرك وأستخيرك ، وإذا اشتريت دابة أو رأسا فقل : اللهم قدر لي أطولهن حياة وأكثرهن منفعة وخيرهن عاقبة» (٤).

(ومنها) انه إذا قال انسان للتاجر : اشتر لي متاعا ، فالمشهور انه لا يجوز له ان يعطيه من عنده وان كان ما عنده أحسن مما في السوق.

ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن ، عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا قال لك الرجل : اشتر لي ، فلا تعطه من عندك ، وان كان الذي عندك خيرا منه (٥). وما رواه في التهذيب في الموثق عن إسحاق بن عمار

__________________

(١) الكافي ـ الفروع ـ ج ٥ ص ١٥٧ حديث : ٤.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ١٢٥ حديث : ٥٤٧.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٥٧ حديث : ٢.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ١٢٦ حديث : ٥٤٨.

(٥) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٨ حديث : ١.

٣٢

قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يبعث الى الرجل يقول له : ابتع لي ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق ، فيعطيه من عنده ، قال : لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه ، ان الله عزوجل يقول «إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً» وان كان عنده خير مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده» (١).

وقال في كتاب الفقه الرضوي : إذا سألك رجل شراء ثوب فلا تعطه من عندك ، فإنه خيانة ، ولو كان الذي عندك أجود مما عند غيرك (٢).

ونقل عن ابن إدريس انه علل المنع هنا ، بان التاجر صار وكيلا في الشراء ، ولا يجوز للوكيل ان يشترى لموكله من نفسه ، لان العقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، وهو لا يصلح ان يكون موجبا قابلا ، فلأجل ذلك لم يصلح ان يشترى له من عنده.

وفيه : انه لم يقم دليل لنا على ما ذكره من منع كونه موجبا قابلا ، كما سيأتي تحقيقه إنشاء الله تعالى. بل الظاهر ان العلة هنا : انما هي خوف التهمة ، كما يدل عليه : ما رواه في الفقيه عن ميسر ، قال : قلت له : يجيئني الرجل فيقول : اشتر لي ، فيكون ما عندي خيرا من متاع السوق؟ قال : ان أمنت ان لا يتهمك فأعطه من عندك ، فان خفت ان يتهمك فاشتر له من السوق (٣).

أقول : وهذه المسألة ترجع إلى مسألة الوكالة ، فيما لو وكله على بيع أو شراء ، أو أطلق ولم يفهم منه الاذن ولا عدمه بالنسبة إلى الوكيل ، فهل يكفى هذا الإطلاق في جواز بيعه عن نفسه أو شرائه لنفسه؟ قولان.

ظاهر أكثر المتأخرين المنع ، ويدل عليه بالنسبة إلى الشراء : ما اذكرناه من صحيحة هشام أو حسنته ، أو موثقة إسحاق ، وعبارة كتاب الفقه الرضوي.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٩ حديث : ٢.

(٢) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٦٤ حديث : ١.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٩ حديث : ٤.

٣٣

ويدل عليه بالنسبة إلى البيع : ما رواه في التهذيب عن على بن أبي حمزة قال : سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : جعلت فداك انى رجل أبيع الزيت يأتيني من الشام فآخذ لنفسي شيئا مما أبيع؟ قال : ما أحب لك ذلك! فقال : انى لست انقص لنفسي شيئا مما أبيع ، قال : بعه من غيرك ، ولا تأخذ منه شيئا ، أرأيت لو أن الرجل قال لك : لا أنقصك رطلا من دينار ، كيف كنت تصنع؟ لا تقربه» (١).

أقول : ظاهر قوله «أرأيت لو ان الرجل. إلخ» : ان شراء الوكيل لنفسه أو بيعه من نفسه لا يدخل تحت ذلك الإطلاق ، الذي اقتضته الوكالة ، والا فإن مقتضى الوكالة صحة البيع والشراء بما رآه الوكيل وفعله ، فلا معنى لقوله ـ بالنسبة إليه ـ : «لا أنقصك رطلا من دينار» لو كان داخلا في إطلاق الوكالة. ويؤكد ذلك : ما قدمناه من كلام الرضا عليه‌السلام في الفقه الرضوي وموثقة إسحاق. (٢)

ومما يدل على ما دل عليه خبر على بن حمزة بالنسبة إلى البيع ايضا : ما رواه في التهذيب عن خالد القلانسي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني بالثوب فأعرضه ، فإذا أعطيت به الشي‌ء زدت فيه وأخذته. قال : لا تزده. فقلت : فلم؟ قال : أليس أنت إذا عرضته أحببت ان تعطى به أوكس من ثمنه؟ قلت : نعم ، قال : لا تزده» (٣).

أقول : ومعنى الخبر المذكور ـ على ما يظهر لي ـ : هو ان الرجل يجيئه بالثوب ليبيعه له فيعرضه على المشترى ، مع كونه مضمرا إرادة شرائه ، فإذا أعطاه المشتري قيمة في ذلك الثوب زاد هو على تلك القيمة شيئا ، وأخذ الثوب لنفسه ، فنهاه الامام عليه‌السلام عن ذلك ، وبين له ان العلة في النهي : هو انه لما كان قصده أخذ الثوب لنفسه ، وانما يعرضه على المشترى لأجل أن يبرئ نفسه عن التهمة بأخذه بأقل من قيمته. ولكن الظاهر ان العادة المطردة فيمن أراد ان يشتري شيئا : انه ينقص عن ثمنه الواقعي لأجل

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٩٠ حديث : ٢.

(٢) فان نسبة ما يعطيه من عنده إلى الخيانة يؤذن بأنه غير داخل في ذلك الإطلاق كما لا يخفى. منه قدس‌سره.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢٩٠ حديث : ١.

٣٤

ان يأخذه رخيصا ، وهذا الوكيل يحب ان يكون الأمر كذلك ، مع علمه بما هنا لك ، فهو في الواقع لا يخرج عن الخيانة ، وان زاد شيئا على ما ذكره المشترى ، فمن أجل ذلك منعه عليه‌السلام.

واما ما ذكره في الوافي ـ في معنى الخبر المذكور ـ حيث قال : ولعل المراد ان الرجل يجيئني بالثوب فيقومه على فأعرضه على المشترى ، فإذا اشتراه مني بزيادة بعته منه ، وأخذت ثمنه ، فقال عليه‌السلام : الست إذا أنت عرضته على المشترى أحببت ان تعطى صاحبه انقص مما أخذت منه؟ قلت : نعم. قال : لا ترده ، وذلك لأنه خيانة بالنسبة إلى المشتري بل البائع أيضا انتهى. فظني : بعده ، لما فيه من التكلف والبعد من سياق الخبر ، بل الظاهر هو ما ذكرناه. وبالجملة فإن ظاهر الاخبار المذكورة التحريم ، نعم لو أمن التهمة أو أخبره بذلك فرضي ، فالظاهر انه لا اشكال.

(القول الثاني) في المسألة ، الجواز على كراهة ، ذهب اليه جمع من الأصحاب ، منهم أبو الصلاح ، والعلامة في التذكرة والمختلف ، والشهيد في الدروس (١).

قال في المختلف : للوكيل ان يبيع مال الموكل على نفسه ، وكذا كل من له الولاية ، كالأب والجد والوصي والحاكم وأمينه.

وقال في الخلاف : لا يجوز لغير الأب والجد. نعم لو وكل في ذلك صح.

وقال أبو الصلاح بما اخترناه ، قال : ويكره لمن سأله غيره ان يبتاع متاعا ان يبيعه من عنده أو يبتاع منه ما سأله ان يبيعه له ، وليس بمحرم ، مع انه يحتمل ان يكون قصد مع الاعلام. لنا : انه بيع مأذون فيه فكان سائغا ، اما المقدمة الأولى فلأنه مأمور ببيعه على المالك الدافع للثمن والوكيل كذلك ، ويدخل تحت الاذن ، واما الثانية فظاهرة ، كما لو نص له على البيع من نفسه.

احتج الشيخ بأنه لا دليل على الصحة. والجواب : الدليل على ما تقدم. وعموم

__________________

(١) قال في الدروس في تعداد المكروهات : وشراء الوكيل من نفسه وبيعه على نفسه. وروى هشام وإسحاق المنع عن الشراء. انتهى منه قدس‌سره.

٣٥

قوله تعالى «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا» (١) قال الشيخ : وكذلك لا يجوز له ان يشترى مال الموكل لابنه الصغير ، لانه يكون في ذلك البيع قابلا موجبا ، فتلحقه التهمة ويتضاد الفرضان ، وكذلك لا يجوز ان يبيعه من عبده المأذون له في التجارة لأنه وان كان القابل غيره ، فالملك يقع له ، وتلحقه التهمة فيه ، ويبطل الفرضان. والحق عندي : الجواز في ذلك كله ، فكونه موجبا قابلا لا استحالة فيه ، لانه موجب باعتبار كونه بايعا ، وقابل باعتبار كونه مشتريا ، وإذا اختلف الاعتبار ان لم يلزم المحال ، وينتقض ببيع الأب والجد مال الصبي من نفسه ، ولحوق التهمة متطرق في حقهما» انتهى كلامه.

وليت شعري كأنه لم يقف على شي‌ء مما قدمناه من الاخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام والظاهر انه كذلك ، والا لذكرها في المقام ، فإنها واضحة الدلالة في المنع وبه يظهر ما في قوله «انه مأذون فيه» كيف يكون مأذونا فيه ، والاخبار المتقدمة كلها متفقة على النهى ، على أبلغ وجه؟! وان ذلك خيانة كما صرح به حديث كتاب الفقه الرضوي ، وأشار إليه موثقة إسحاق بن عمار ، من الاستدلال بالآية المذكورة المؤذن بكون الشراء من نفسه خيانة ، وكذا خبر على بن أبي حمزة بالتقريب الذي ذكرناه في ذيله.

وبالجملة فإن الناظر فيما قدمناه من الاخبار وما ذيلناها به من التحقيق الواضح لذوي الأفكار لا يخفى عليه ما في كلامه من الضعف الظاهر لكل ناظر من ذوي الاعتبار والله العالم.

(ومنها) انه يكره مدح البائع لما يبيعه وذم المشترى لما يشتريه ، واليمين على البيع. ويدل عليه : ما تقدم من الاخبار في الفائدة الرابعة ، من المقدمة الاولى. ومنها زيادة على ما تقدم : ما رواه في الكافي عن أبي حمزة رفعه ، قال : قام أمير المؤمنين عليه‌السلام على دار ابن معيط «وكان مقام فيها الإبل ، فقال : يا معشر السماسرة ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٥.

٣٦

أقلوا الأيمان ، فإنها منفقة للسلعة ممحقة للبركة» (١).

قال في الوافي : المنفقة بكسر الميم ـ : آلة النفاق وهو الرواج.

أقول : الظاهر بعد ما ذكره ، وان المراد بالمنفقة ـ في الخبر ـ : انما هو من «نفق» بمعنى نفد ، وفنى.

قال في القاموس : نفق ـ كفرح ونصر ـ : نفد وفنى ـ وقال : «أنفق : افتقر. وماله أنفده».

وقال في الصحاح : أنفق الرجل : افتقر ، وذهب ماله. ومنه قوله عزوجل «إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ» (٢) اى الفقر والفاقة.

ويعضده : ما رواه في الكافي ـ أيضا ـ عن أبي إسماعيل رفعه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : انه كان يقول : «إياكم والحلف فإنه ينفق السلعة ويمحق البركة» (٣). فإنه ظاهر في ان المراد انما هو ان الحلف موجب لبيع السلعة ورغبة المشتري فيها لمكان الحلف ، الا انه مذهب لبركة الثمن وممحق له.

وروى في الكافي والتهذيب ، عن إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن موسى ـ عليه‌السلام ـ قال : «ثلاثة لا ينظر الله عزوجل إليهم يوم القيامة ، أحدهم : رجل اتخذ الله بضاعة لا يشترى إلا بيمين ولا يبيع الا بيمين». (٤).

(ومنها) كراهة السوم ؛ ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، قال في المسالك اى الاشتغال بالتجارة في ذلك الوقت.

أقول : ويدل عليه ما رواه في الكافي بسنده عن على بن أسباط رفعه قال : «نهى

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٣٠٩ حديث : ١.

(٢) سورة الإسراء : ١٠٠.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٦٢ حديث : ٤.

(٤) المصدر حديث : ٣.

٣٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن السوم ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس» (١). ورواه الصدوق مرسلا. ويعضده ايضا ما ورد في جملة من الاخبار (٢) ان هذا الوقت موظف للتعقيب ، والدعاء ، وان الدعاء فيه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض.

(ومنها) كراهة مبايعة الأدنين ، وذوي العاهات والمحارف ، ومن لم ينشأ في الخير ، والأكراد.

قال في المسالك : وفسر الأدنون بمن لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه. وبالذي لا يسره الإحسان ولا تسؤه الإساءة. وبالذي يحاسب على الدون. وذوو العاهات اى ذوو النقص في أبدانهم انتهى.

أقول : والذي يدل على الأول : ما رواه في الكافي والتهذيب مسندا عن ابى عبد الله عليه‌السلام والصدوق مرسلا ، قال عليه‌السلام : «لا تستعن بمجوسي ولو على أخذ قوائم شاتك وأنت تريد ان تذبحها. وقال : إياك ومخالطة السفلة ، فإن السفلة لا يؤل الى خير» (٣).

قال الصدوق ـ رحمه‌الله ـ جائت الاخبار في معنى السفلة على وجوه :

منها : ان السفلة : الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه.

ومنها : ان السفلة : من يضرب بالطنبور.

ومنها : ان السفلة : من لم يسره الإحسان ولم تسؤه الإساءة.

والسفلة : من ادعى الإمامة وليس لها بأهل. وهذه كلها أوصاف السفلة. من اجتمع فيه بعضها أو جميعها وجب اجتناب مخالطته.

أقول : وكان الاولى في العبارة هو التعبير بهذا اللفظ ، إلا أنا جرينا على ما جرى

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٥٢ حديث : ١٢.

(٢) الوسائل ج ٤ ص ١٠١٣ ، الباب الأول من أبواب التعقيب وما يناسبه.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٣٠٨ حديث : ١ و ٢.

٣٨

عليه تعبير الأصحاب.

واما ما يدل على الثاني ، فهو ما رواه في الكافي والتهذيب عن ميسر بن عبد العزيز قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تعامل ذا عاهة فإنهم أظلم شي‌ء» (١). وما رواه في الكافي والفقيه ، مسندا في الأول ، عن احمد بن محمد رفعه قال : قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ومرسلا في الثاني ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «احذروا معاملة أصحاب العاهات ، فإنهم أظلم شي‌ء» (٢).

قال بعض متأخري المتأخرين : لعل نسبة الظلم إليهم ، لسراية امراضهم ، أو لأنهم مع علمهم بالسراية لا يجتنبون من المخالطة انتهى.

ولا يخفى بعده ، بل الظاهر انما هو كون الظلم امرا ذاتيا فيمن كان كذلك.

واما ما يدل على الثالث ، فهو ما رواه المشايخ الثلاثة في أصولهم ، مسندا في الكافي والتهذيب عن العباس بن الوليد بن صبيح عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ومرسلا في الثالث ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : «يا وليد لا تشتر من محارف ، فأن صفقته لا بركة فيها» (٣) وفي الفقيه : لا تشتر لي ـ الى ان قال ـ فان خلطته. وفي التهذيب : فان حرفته.

أقول : المحارف هو المحروم الذي أدبرت عنه الدنيا فلا بخت له ، ويقابله من أقبلت عليه الدنيا واتسع له مجالها ، وانفتحت عليه أبواب أرزاقها.

واما ما يدل على الرابع ، فهو ما رواه المشايخ الثلاثة مسندا في الكافي والتهذيب ، في الموثق عن ظريف بن ناصح ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، ومرسلا في الثالث ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تخالطوا ولا تعاملوا الا من نشأ في

__________________

(١) المصدر ص ٣٠٧ حديث : ٣.

(٢) المصدر حديث : ٢.

(٣) المصدر ص ٣٠٥ حديث : ١٠.

٣٩

الخير» (١). وفي نهج البلاغة : قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «شاركوا الذي قد اقبل عليه الرزق ، فإنه أخلق للغنى وأجدر بإقبال الحظ» (٢).

ويعضده : ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري ، قال : استقرض قهرمان لأبي عبد الله عليه‌السلام من رجل طعاما لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فألح في التقاضي ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ألم أنهك أن تستقرض لي ممن لم يكن فكان (٣). وما رواه في التهذيب عن أبي حمزة الثمالي ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : انما مثل الحاجة الى من أصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الأفعى ، أنت إليه محوج ، وأنت منها على خطر (٤). وعن داود الرقى ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : قال لي : يا داود ، تدخل يدك في فم التنين الى المرافق ، خير لك من طلب الحوائج الى من لم يكن فكان (٥).

أقول التنين كسكين : الحية العظيمة.

واما ما يدل على الخامس ، فهو ما رواه في الكافي عن ابى الربيع الشامي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت : ان عندنا قوما من الأكراد ، وانهم لا يزالون يجيئون بالبيع ، فنخالطهم ونبايعهم؟ قال : يا أبا الربيع لا تخالطوهم ، فإن الأكراد حي من أحياء الجن ، كشف الله تعالى عنهم الغطاء فلا تخالطوهم (٦). وروى الصدوق عن

__________________

(١) المصدر ص ٣٠٦ حديث : ٦.

(٢) المصدر حديث : ٧.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٥٨ والقهرمان : القائم بالأمور. قوله : لم يكن فكان ، اى كان معدما لا مال له ثم استغنى.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ٤٨ حديث : ١.

(٥) المصدر حديث : ٢.

(٦) المصدر ص ٣٠٧ حديث : ١ باب ٢٣ من أبواب آداب التجارة.

٤٠