الحدائق الناضرة - ج ١٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

وان الله لا يحب الفساد.

وقد اشتمل خبر الحسين بن علوان ـ وهو الخبر الثامن ورجاله من العامة والزيدية ـ على المبالغة التامة في معنى هذا الخبر ، وأكثر أخبار الجواز انما تدور على هذا الخبر ، مع انك عرفت من الخبر السادس تأويل الخبر المذكور بما يدفع الاستناد اليه.

واما الكلام في وطئ جارية الابن ، فقد عرفت من كلام الشيخ في الاستبصار ، التخصيص بالصغير ، مع تقويم الجارية على نفسه وان أطلق ذلك في النهاية.

وأنت خبير بان ظاهر الخبر الخامس : جواز وقوعه على جارية ابنه الكبير ، فان قوله عليه‌السلام فيه : «ان لم يكن الابن وقع عليها» لا يجري في الصغير. والخبر التاسع ، ظاهر في جواز وطئه لجارية ولده.

واما الخبر العاشر فهو مطلق شامل بإطلاقه للولد الصغير والكبير ، وعجزه ظاهر في الابن الكبير.

وكذلك الخبر الثاني عشر مطلق. ومن ذلك يعلم مستند كلام الشيخ في النهاية ، ويظهر ان اعتراض ابن إدريس فيما تقدم من كلامه على النهاية ليس في محله.

الا انه يمكن ان يقال : ان هذه الاخبار ، الظاهرة في جواز وطئ الأب جارية ابنه الكبير بغير إذنه ، مخالفة لمقتضى القواعد الشرعية ، وحينئذ يكون سبيلها سبيل الروايات المتقدمة ، من وجوب الحمل والتأويل فيها بما قدمناه.

واما الابن الصغير فالأمر فيه أهون ، لأن ولاية التصرفات في ماله للأب ، والروايات قد دلت على تصرف الأب في جاريته على الوجه المذكور فيها ، وليس فيها من الخروج عن القواعد ما في رواية جارية الابن الكبير.

٢٨١

واما مسألة الحج ، فقد تقدم الكلام فيها في كتاب الحج ، وبينا : ان سبيل الرواية الواردة به ، سبيل الروايات الدالة على الأخذ من مال الابن مطلقا ، ولا معنى لمنع القول بتلك الروايات ، مع القول بهذه ، كما صار اليه الشيخ ومن تبعه والله العالم.

تتمة

اتفق الأصحاب على ان المرأة لا يجوز لها ان تتصدق بشي‌ء من مال زوجها. إلا المأدوم.

قال في المنتهى : لا يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها شيئا قل أو كثر ، إلا المأموم إجماعا ، فإنه يجوز لها ان تأخذ منه الشي‌ء اليسير وتتصدق به ، ما لم يؤد الى الضرر بالزوج ، أو لم يمنعها بصريح القول ، انتهى.

ويدل على ذلك : ما رواه في الكافي والتهذيب ، في الموثق ، عن ابن بكير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ما يحل للمرأة ان تتصدق به من مال زوجها بغير اذنه؟

قال : المأدوم (١).

واما ما رواه في التهذيب عن على بن جعفر عليه‌السلام انه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن المرأة ، لها ان تعطى من بيت زوجها بغير اذنه؟ قال : لا ، الا ان يحللها (٢). فيجب حمله على الخبر الأول ، حمل المطلق على المقيد ، كما هو القاعدة المشهورة نصا وفتوى.

ومثل هذا الخبر الأخير : ما رواه في الفقيه في حديث وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلى عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠١ حديث : ٢.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٠ حديث : باب : ٨٢.

٢٨٢

عن حماد بن عمرو ، وانس بن محمد ، عن أبيه جميعا ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ـ عليهم‌السلام ـ قال : يا على ، ليس على النساء جمعة ـ الى ان قال ـ ولا تعطى من بيت زوجها شيئا بغير اذنه (١).

ويحتمل العمل بظاهر هذين الخبرين ، وحمل الأول على حصول الرضا وان لم يصرح بالاذن.

والى ذلك يميل كلام صاحب الوسائل ، الا ان شهرة الحكم بين الأصحاب ، بل الاتفاق عليه كما عرفت ، يوجب المصير إلى التأويل الأول.

قال في الدروس : والمأدوم : ما يؤتدم به كالملح واللحم. وفي التعدية إلى الخبز والفواكه نظر ، انتهى.

ولا يجوز للرجل ـ ايضا ـ ان يأخذ من مال زوجته إلا بإذنها ، للأصل الدال على عصمة مال الغير ، فأما إذا إباحته أو وهبته ، اقتصر على ما تعلق به ذلك.

وروى الكليني والشيخ ، في الموثق ، عن سعيد بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، امرأة دفعت الى زوجها مالا من مالها ليعمل به ، وقالت له ـ حين دفعت إليه ـ : أنفق منه ، فان حدث بك حدث فما أنفقت منه لك حلال طيب ، وان حدث بي حدث فما أنفقت منه فهو حلال طيب. فقال : أعد على يا سعيد المسألة ، فلما ذهبت أعيد عليه المسألة ، اعترض فيها صاحبها وكان معى حاضرا فأعاد عليه مثل ذلك ، فلما فرغ ، أشار بإصبعه الى صاحب المسألة ، وقال : يا هذا ، ان كنت تعلم انها قد أفضت (٢) بذلك إليك فيما بينك وبينها وبين الله فحلال طيب ـ ثلاث مرات ـ ثم قال : يقول الله جل اسمه في كتابه «فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً» (٣).

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠١ حديث : ٣.

(٢) وفي التهذيب بدل «أفضت» : «ارضت».

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ١٩٩ حديث : ١.

٢٨٣

وروى في التهذيب في الموثق ، عن سماعة قال : سألته عن قول الله عزوجل «فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً» قال : يعنى بذلك أموالهن التي في أيديهن مما يملكن (١).

وعن هشام وغيره في الصحيح ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام في الرجل تدفع إليه امرأته المال فتقول : اعمل به واصنع به ما شئت. إله ان يشترى الجارية يطأها؟ قال : لا ، ليس له ذلك (٢).

وعن الحسين بن المنذر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : دفعت الى امرأتي مالا اعمل به ، فاشترى من مالها الجارية أطأها؟ قال : فقال : أرادت أن تقر عينك وتسخن عينها (٣)؟! ورواه في الفقيه عن حفص بن البختري عن الحسين المنذر ..

أقول : في هذين الخبرين ما يشير الى تقييد المطلق بما دلت عليه قرائن الحال ، فإن الاذن في الخبرين ، ولا سيما الأول ، وان كان مطلقا في جميع وجوه الانتفاع ، الا انه لما كان المعلوم من المرأة الغيرة وعدم الرضا بامرأة عليها ، جارية أو غيرها منعه عليه‌السلام من ذلك.

وظاهر الخبرين المذكورين : تحريم الشراء ، وقوفا على ظاهر النهي ، في الأول والتعليل في الثاني.

وظاهر كلام من وقفت عليه : الكراهة. صرح بذلك في القواعد ، والمحقق ، والشيخ على في الشرح.

فقال ـ بعد ذكر المصنف ذلك ـ : لان فيه مقابلة نفعها بإضرارها بها. ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله الحسين بن المنذر. ثم ساق الرواية كما قدمناه.

وقال في الدروس : والزوج يحرم عليه تناول شي‌ء من مالها ، الا برضاها ،

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٩٩ ـ ٢٠٠ حديث : ٢٢٤٩٠.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٠ حديث : ١ باب : ٨١.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٠ حديث : ٢ باب : ٨١.

٢٨٤

ولو ملكته (١) مالا كره له التسري به ، ويحتمل كراهة جعله صداقا لضرة إلا بإذنها. انتهى.

وأنت خبير بما فيه ـ اما أولا ـ فلما عرفت من دلالة الخبرين المذكورين على التحريم. و ـ اما ثانيا ـ فلاتفاقهم على تحريم تصرف الزوج في مال زوجته إلا بإذنها. ومن المعلوم المقطوع ، بالنظر الى قرائن الأحوال ، كما أشار إليه عليه‌السلام في الخبرين المذكورين ، عدم الاذن في هذا التصرف الخاص فان حاصل كلامه عليه‌السلام : ان هذا التصرف مستثنى من عموم اللفظ الدال على إباحتها له التصرف في مالها.

__________________

(١) الظاهر انه اشارة الى ما دل عليه الخبران المتقدمان. وأنت خبير بأنهما لا ظهور لهما في التمليك ، بل ظاهرهما انما هو الاذن له في الاتجار به ، المكنى عنه بالعمل به. نعم فيه الإذن بأن يتصرف فيه بالأكل والشرب واللبس ونحوها. والظاهر : انه لهذا منعوا ـ ع ـ من ان يتسرى منه. والحمل على التحريم والحال هذه ظاهر. واما مع تمليكه فالظاهر انه كذلك لما ذكرناه في الأصل. منه قدس‌سره.

٢٨٥

المسألة الخامسة

اختلف الأصحاب في جواز التناول لمن مر بالزرع أو الشجر اتفاقا ، هل يجوز له الأكل منه أم لا؟

فالمشهور ، الجواز ، بل ادعى عليه في الخلاف الإجماع.

قال الشيخ في النهاية : إذا مر الإنسان بالثمرة ، جاز له ان يأكل منها بقدر كفايته ، ولا يحمل منها شيئا على حال.

وكذا قال على بن بابويه وابنه في المقنع. وبذلك قال ابن البراج وأبو الصلاح.

وقال ابن إدريس : إذا مر الإنسان بالثمرة جاز له ان يأكل منها قدر كفايته ، ولا يحمل منها شيئا على حال ، من غير قصد إلى الثمرة للأكل ، بل كان مجتازا في حاجة ، ثم مر بالثمار ، سواء كان أكله منها لأجل الضرورة أو غير ذلك ، على ما رواه أصحابنا ، وأجمعوا عليه. لأن الاخبار في ذلك متواترة ، والإجماع منهم منعقد. ولا يعتد بخبر شاذ ، أو خلاف من لا يعرف اسمه ونسبه ، لان الحق مع غيره.

ونقل عن الشيخ ـ في المسائل الحائرية ـ : تخصيص الجواز بالنخل.

٢٨٦

والى المنع مال جملة من المتأخرين ، منهم العلامة في المختلف. وفي القواعد جعل المنع أحوط.

وبالمنع صرح ولده «فخر المحققين» في الشرح على ما نقله عنه بعض مشايخنا المعاصرين. وكذا المحقق الشيخ على في شرحه ، قال : والحق انه لا يجوز. تمسكا بالدلائل القاطعة على تحريم مال المسلم الا عن طيب نفسه منه ، سوى بيوت من تضمنته الآية الأكل من بيوتهم. والقائل : الشيخ ، استنادا الى بعض الاخبار التي لا تنهض معارضتها لدلائل التحريم.

ونقل في المسالك القول بالمنع عن المرتضى في المسائل الصيداوية.

واختلف كلام المحقق هنا في الشرائع ، ففي كتاب البيع ، جزم بالجواز من غير نقل خلاف. وفي كتاب الأطعمة ، تردد في الجواز.

وكذلك كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، فان ظاهره في كتاب البيع الميل الى الجواز ، حيث انه نقل عن العلامة حمل اخبار الجواز على ما إذا علم بشاهد الحال الإباحة. ثم قال : وهو بعيد. ثم نقل عن الشيخ الجمع بين الاخبار بحمل اخبار المنع على الكراهة أو على النهى عن الحمل ، ثم قال : وهو جمع حسن. هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ هنا.

وقال في كتاب الأطعمة ـ بعد ذكر المصنف المسألة ـ : وقد اختلف الأصحاب فيه بسبب اختلاف الرواية وبالجواز قال الأكثر ، وبه روايتان مرسلتان لا تقاومان ما دل عليه الدليل عموما ، من تحريم تناول مال الغير بغير اذنه ، فالمنع لا يحتاج إلى رواية تخصه ، وما ورد فيه فهو مؤكد ، مع انه من الصحيح. انتهى. وهو كما ترى ظاهر في اختياره المنع.

استدل القائلون بالمنع بصحيحة الحسن بن يقطين الاتية ، واعتضادها بالقرآن الكريم المتضمن للنهى عن أكل مال بغير تراض ، وبقبح التصرف في مال الغير ، وباشتمالها على الحظر وهو مقدم على ما تضمن الإباحة عند التعارض ، لان دفع

٢٨٧

الضرر اولى من جلب النفع. وحملوا الأخبار المنافية على ما تقدم في كلام المسالك نقلا عن العلامة.

واحتج المجوزون بمرسلة ابن ابى عمير ، ورواية محمد بن مروان ، وقد تقدم نقل جمع الشيخ بين الاخبار.

* * *

أقول : والواجب هنا أولا نقل ما وصل الى من الاخبار الواردة عنهم ـ عليهم‌السلام ـ ثم الكلام فيها بما يقتضيه المقام.

فمنها : ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : لا بأس بالرجل يمر على الثمرة ويأكل منها ولا يفسد ، قد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان تبنى الحيطان بالمدينة لمكان المارة ، قال : وكان إذا بلغ نخلا أمر بالحيطان فخرقت (فخربت) لمكان المارة (١). ورواه احمد بن ابى عبد الله البرقي في المحاسن عن أبيه عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان مثله ..

وعن ابى الربيع عن ابى عبد الله عليه‌السلام نحوه الا انه قال : ولا يفسد ولا يحمل (٢).

وروى في الفقيه مرسلا ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : من مر ببساتين فلا بأس ان يأكل من ثمارها ولا يحمل منها شيئا (٣).

وما رواه في التهذيب بطرق ثلاثة ، عن ابى داود عن بعض أصحابنا عن محمد بن مروان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أمر بالثمرة فآكل منها؟ قال : كل ولا تحمل. قلت : جعلت فداك ، ان التجار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال :

__________________

(١) الوسائل ج ٦ ص ١٣٩ حديث : ١ باب : ١٧.

(٢) الوسائل ج ٦ ص ١٤٠ حديث : ٢ باب : ١٧.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ١٦ حديث : ٨.

٢٨٨

اشتروا ما ليس لهم (١) كذا في سند من الأسانيد الثلاثة المذكورة. وفي سند آخر «قلت : فإنهم اشتروها؟ قال : كل ولا تحمل».

وعن يونس عن بعض رجاله عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يمر بالبستان وقد حيط عليه أو لم يحط عليه ، هل يجوز ان يأكل من ثمرة؟ وليس يحمله على الأكل من ثمره الا الشهوة ، وله ما يغنيه من الأكل من ثمره ، وهل له ان يأكل من جوع؟ قال : لا بأس ان يأكل ولا يحمله ولا يفسده (٢).

وعن ابن ابى عمير عن بعض أصحابنا ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يمر بالنخل والثمرة ، فيجوز له ان يأكل منها من غير اذن صاحبها ، من ضرورة أو غيرها؟ قال : لا بأس (٣).

وما رواه في الكافي عن السكوني ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن سرق الثمار في كمه ، فما أكل منه فلا اثم عليه ، وما حمل فيغرمها ويغرم قيمته مرتين (٤).

ورواه الشيخ ايضا. وما رواه على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يمر على ثمرة فيأكل منها ، قال : نعم ، قد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان تستر الحيطان برفع بنائها (٥).

وروى الصدق في كتابه «إكمال الدين» بسنده عن محمد بن جعفر الأسدي ، فيما ورد عليه من محمد بن عثمان العمرى ، في جواب مسائله عن صاحب الزمان عليه‌السلام وعجل الله تعالى فرجه ، قال : أما ما سألته من أمر الثمار من أموالنا يمر به

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ ص ١٤ حديث : ٤.

(٢) الوسائل ج ١٣ ص ١٥ حديث : ٥.

(٣) الوسائل ج ١٣ ص ١٤ حديث : ٣.

(٤) الوسائل ج ١٣ ص ١٤ حديث : ١.

(٥) الوسائل ج ١٣ ص ١٤ حديث : ٢.

٢٨٩

المار فيتناول منه ويأكل ، هل يحل له ذلك؟ فإنه يحل له أكله ، ويحرم عليه حمله (١) ورواه الطبرسي في الاحتجاج عن ابى الحسن محمد بن جعفر مثله ..

وروى في مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم مولانا أبا الحسن على بن محمد ـ عليهما‌السلام ـ ، من مسائل داود الصرمي ، قال : سألته عن رجل دخل بستانا ، أيأكل من ثمرها من غير علم صاحب البستان؟ قال : نعم (٢).

* * *

هذا ما وقفت عليه (٣) من الاخبار الدالة على القول المشهور ، وهي ظاهرة الدلالة على ذلك تمام الظهور ، وقد تقدم ـ ايضا ـ من برهان المسألة الثانية ، مرسلة

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٦ حديث : ٩.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ١٦ حديث : ١١.

(٣) أقول : والعلامة في المنتهى لم ينقل في هذا المقام إلا رواية محمد بن مروان ومرسلة يونس الدالتين على الجواز ، ثم نقل مرسلة مروك بن عبيد ، وقال. والحديثان الأولان يدلان على اباحة التناول من الثمرة ، فإن عملنا بهما خصصناهما بالثمرة مع عدم العلم بكراهة المالك ، على الأقوى. اما لو علم من صاحبه الكراهة فالوجه عندنا : التحريم. اما الزرع فالأظهر عندي تحريم التناول ، عملا بالرواية وبالأصل الدال على التحريم السالم من المعارض. انتهى ، وكلامه ـ كما ترى ـ يدل على الفرق بين الثمرة والزرع ، ولم أقف على قائل به سواه ، مع ان صحيحة ابن ابى عمير المرسلة قد دلت على الجواز في الزرع ، ولكنه لم يطلع عليها ، فما ذكره من الفرق غير جيد ، الا ان الأظهر هو ما أشرنا إليه في الأصل ، من ان إدخال السنبل في المسألة ليس مما ينبغي ، لعدم الأكل منها على تلك الحال.

منه قدس‌سره.

٢٩٠

يونس الدالة على ما كان يفعله الصادق عليه‌السلام في ضيعته «عين زياد» (١).

واما ما يدل من الاخبار على القول الأخر ، فمنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر ، أيحل له ان يتناول منه شيئا ، ويأكل بغير اذن صاحبه؟ وكيف حاله ان نهاه صاحب الثمرة ، أو أمره القيم فليس له ، وكم الحد الذي يسعه ان يتناول منه؟ قال : لا يحل له ان يأخذ منه شيئا (٢).

وعن مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يمر على قراح الزرع ويأخذ منه السنبلة. قال : لا. قلت : أى شي‌ء السنبلة!. قال : لو كان كل من يمر به يأخذ منه سنبلة كان لا يبقى شي‌ء (٣).

أقول : الظاهر ان هذا الخبر لا يدخل في سياق هذه الاخبار ، فلا معنى لإجرائه في هذا المضمار. فان موضوع المسألة هو الأكل من الثمار في مكانه من غير ان يحمله. ومن الظاهر ان السنبلة ليست من المأكول على تلك الحال. وان الظاهر انما هو ارادة حمله معه ، لا إرادة أكله. والمنع في هذه الصورة مما لا خلاف فيه.

وعن محمد الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن البستان ان يكون عليه المملوك أو أجير ليس له من البستان شي‌ء. فيتناول الرجل من بستانه؟ فقال : ان كان بهذه المنزلة لا يملك من البستان شيئا ، فما أحب ان يأخذ منه شيئا. وروى في قرب الاسناد عن مسعدة بن زياد ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام انه سئل عما يأكل الناس من الفاكهة والرطب مما هو حلال لهم ، فقال : لا يأكل أحد الا من ضرورة ، ولا

__________________

(١) الوسائل ج ٦ ص ١٤٠ حديث : ٢ باب : ١٨.

(٢) الوسائل ج ١٣ ص ١٥ حديث : ٧.

(٣) الوسائل ج ١٣ ص ١٥ حديث : ٦.

٢٩١

يفسد ، إذا كان عليها فناء محاط ، ومن أجل الضرورة نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يبنى على حدائق النخل والثمار بناء لكي لا يأكل منها أحد (١).

* * *

وأنت خبير بأن هذه الاخبار تقصر عن معارضة الأخبار المتقدمة ، الا انه مع عدم القول بها فلا بد لها من محمل تحمل عليه.

وقد تقدم حمل الشيخ لها على الكراهة ، أو الحمل. وقد تقدم ايضا حمل العلامة للأخبار الدالة على الجواز على ما إذا علم ذلك بشاهد الحال. وهو غير بعيد ، بقرينة روايات هدم الحيطان.

وجمع في الوافي بين الاخبار بأنه يمكن تخصيص الجواز بالبلاد التي تعرف من أرباب بساتينها وزروعها عدم المضايقة في مثله لوفورها عندهم. وهو وان كان لا يخلو عن بعد ، الا انه في مقام الجمع غير بعيد.

وربما أشعر ظاهر رواية قرب الاسناد بالجمع بين الاخبار بالضرورة وعدمها حيث انها أشعرت بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انما نهى عن الحيطان من أجلها ، الا انه يدفعه ما تقدم من الاخبار الدالة على الجواز من غير ضرورة.

وبالجملة ، فإن القول المشهور ، وان كان لا يخلو من قوة ، لكثرة الأخبار الدالة عليه ، الا ان المسألة غير خالية عن شوب الاشكال ، لعدم المحمل الظاهر لاخبار المنع.

ولا يحضرني الان مذهب العامة في هذه المسألة لعرض هذه الاخبار عليه فيؤخذ منها بما يخالفه ويصار اليه.

* * *

وكيف كان ، فان الظاهر من النصوص وكلام الأصحاب في المقام انه يشترط في الجواز شروط ثلاثة :

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ ص ١٦ حديث : ١٠.

٢٩٢

(أحدها) : ان يمر بالثمر ، بمعنى ان يكون المرور اتفاقيا. وعلى هذا فلو قصدها ابتداء لم يجز له الأكل ، اقتصارا في الرخصة المخالفة للأصل على موضع اليقين. وهو اتفاق النص والفتوى.

والمراد بالمرور هنا : ان يكون الطريق قريبة منها ، بحيث يصدق ـ عرفا ـ انه مر بها ، لا ان يكون الطريق على نفس الشجرة أو ملاصقة للبستان.

و (ثانيها) : ان لا يفسد. والظاهر ان المراد بالإفساد : هدم حائط ، أو كسر غصن ، أو نحو ذلك.

وزاد بعض الأصحاب : ان لا يأكل منها شيئا كثيرا ، بحيث يورث فيها أثرا بينا يصدق معه الإفساد عرفا. قال : ويختلف ذلك باختلاف كثرة الثمرة وقلتها ، وكثرة المارة وقلتهم. وهو غير بعيد ايضا. وان كان المتبادر الأول.

و (ثالثها) : ان لا يحمل منها شيئا ، بل يأكل في موضعه. وقد دل خبر السكوني المتقدم على انه يغرم ما حمله ، أو يغرم قيمته. والظاهر ان المراد بقوله «مرتين» ان الغرم يتعدد.

وزاد بعض الأصحاب (رابعا) وهو : عدم علم الكراهة.

و (خامسا) هو : عدم ظنها. واستحسنه في المسالك.

ويدفعه : قوله ـ في رواية محمد بن مروان : «قد اشتروا ما ليس لهم» فإنه يشعر بأن هذا حق للمارة ليس لهم المنع منه.

و (سادسا) هو : كون الثمرة على الشجرة.

أقول : ولا بأس به ، فإنه هو الظاهر من الاخبار.

٢٩٣

المسألة السادسة

في أحكام الأرضين

وهي ـ على ما ذكره الأصحاب ، رضوان الله عليهم ، وصرحت به الاخبار عنهم ـ عليهم‌السلام ـ : على أربعة أقسام :

الأول ـ المفتوحة عنوة.

الثاني ـ أرض أسلم عليها أهلها طوعا.

الثالث ـ ارض الصلح.

الرابع ـ أرض الأنفال.

فالبحث هنا يقع في مقامات أربعة :

الأول : الأرض المفتوحة عنوة ، اى بالقهر والغلبة والسيف.

وحكمها ـ على ما صرح به غير واحد من الأصحاب ، وبه صرح أيضا أخبار الباب ـ انها للمسلمين قاطبة ، من وجد ومن سيوجد الى يوم القيامة ، ليس للغانمين منها الا كغيرهم من المسلمين.

الا ان جملة من الأصحاب صرحوا بأن ذلك بعد إخراج خمسها لذوي الخمس.

وربما خصه بعضهم بزمان وجود الامام عليه‌السلام ، قال : واما في الغيبة ففي الاخبار

٢٩٤

ما يدل على انه لا خمس فيها.

قال في المنتهى : الأرضون أربعة أقسام ، أحدها : ما يملك بالاستغنام ويؤخذ قهرا بالسيف. فإنها تكون للمسلمين قاطبة ، فلا تختص بها المقاتلة ، بل يشاركهم غير المقاتلة من المسلمين. وكما لا يختصون بها كذلك لا يفضلون ، بل هي للمسلمين قاطبة. وذهب إليه علماؤنا اجمع.

وقال في المبسوط ـ بعد كلام في المقام ، وذكر مكة وارض السواد ونحوهما ـ : والذي يقتضيه المذهب ، ان هذه الأراضي وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة ، يكون خمسها لأهل الخمس ، وأربعة أخماسها يكون للمسلمين قاطبة ، الغانمون وغير الغانمين في ذلك سواء.

«ويكون للإمام النظر فيها وتقبيلها وتضمينها بما شاء ، ويأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالح المسلمين وما ينوبهم من سد الثغور ومعونة المجاهدين وبناء القناطر وغير ذلك من المصالح ، وليس للغانمين في هذه الأرض خصوصا شي‌ء ، بل هم والمسلمون فيه سواء.

«ولا يصح بيع شي‌ء من هذه الأرضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تمليكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه ، ولا يصح ان تبنى دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرفات التي تتبع الملك ، ومتى فعل شي‌ء من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق على الأصل.

«وعلى الرواية التي رواها أصحابنا «ان كل عسكر أو فرقة غزت بغير اذن الامام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصة» هذه الأرضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول الا ما فتح في أيام أمير المؤمنين عليه‌السلام ان صح شي‌ء من ذلك ، يكون للإمام خاصة ، ويكون من جملة الأنفال التي له خاصة لا يشركه فيها غيره انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام : ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد الحلبي ، قال : سئل الصادق عليه‌السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال : هو لجميع

٢٩٥

المسلمين ، لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد ، فقلت : الشراء من الدهاقين؟ قال : لا يصلح الا ان يشترى منهم على ان يصيرها للمسلمين ، فإذا شاء ولى الأمر أن يأخذها أخذها. قلت : فإن أخذها منه قال : يرد عليه رأس ماله ، وله ما أكل من غلتها بما عمل (١).

وعن محمد بن شريح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شراء الأرض من ارض الخراج فكرهه ، وقال : إنما أرض الخراج للمسلمين. فقالوا له : فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها. فقال : لا بأس ، الا ان يستحيي من عيب ذلك (٢).

وما رواه في التهذيب والفقيه عن ابى الربيع الشامي ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال لا تشتر من ارض السواد شيئا الا من كانت له ذمة ، فإنما هو في‌ء للمسلمين (٣).

وما رواه في التهذيب عن صفوان في الصحيح ، قال : حدثني أبو بردة بن رجاء قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف ترى في شراء ارض الخراج؟ قال : ومن يبيع ذلك ، وهي أرض المسلمين. قال : قلت : يبيعها الذي هي في يده. قال : ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال : لا بأس ان يشترى حقه منها ويحول حق المسلمين عليه ، ولعله يكون أقوى عليها واملى بخراجهم منه (٤).

وما رواه الشيخ في الموثق عن حريز عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : رفع الى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجل مسلم اشترى أرضا من أراضي الخراج. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : له ما لنا وعليه ما علينا ، مسلما كان أو كافرا ، له ما لأهل الله وعليه ما عليهم (٥).

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧٤ حديث : ٤.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧٥ حديث : ٩.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧٤ حديث : ٥.

(٤) الوسائل ج ١١ ص ١١٨ حديث : ١ باب : ٧١.

(٥) الوسائل ج ١١ ص ١١٩ حديث : ٦.

٢٩٦

وما رواه في الكافي عن صفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن ابى نصر جميعا ، قالا : ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج ، وما سار فيها أهل بيته. فقال : من أسلم طوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ، مما سقى بالسماء والأنهار ، ونصف العشر مما كان بالرشا ، فيما عمروه منها. وما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبله ممن يعمره ، وكان للمسلمين. وعلى المتقبلين في حصصهم العشر ونصف العشر. وليس في أقل من خمسة أوسق شي‌ء من الزكاة. وما أخذ بالسيف ، فذلك الى الامام يقبله بالذي يرى ، كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر ، قبل سوادها وبياضها ، يعني أرضها ونخلها. والناس يقولون : لا تصلح قبالة الأرض والنخل ، وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر. قال : وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم. ثم قال : ان أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر. وان مكة دخلها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عنوة ، وكانوا أسراء في يده فأعتقهم ، وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء (١).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابى نصر ، قال : ذكرت لأبي الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ الخراج وما سار به أهل بيته. فقال : العشر ونصف العشر على من أسلم طوعا ، تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ونصف العشر فيما عمر منها. وما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممن يعمره ، وكان للمسلمين وليس فيما كان أقل من خمسة أو ساق شي‌ء. وما أخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبله بالذي يرى ، كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر ، قبل أرضها ونخلها ، والناس يقولون : لا تصلح قبالة الأرض والنخل ، إذا كان البياض أكثر من السواد. وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر (٢).

وفي مرسلة حماد بن عيسى الطويلة عن العبد الصالح ابى الحسن الأول عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ج ١١ ص ١٢٠ حديث : ١ باب : ٧٢ من أبواب جهاد العدو.

(٢) الوسائل ج ١١ ص ١٢٠ حديث : ٢.

٢٩٧

والأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها ويحييها ، ويقوم عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم ، من حق الخراج : النصف أو الثلث أو الثلثين على قدر ما يكون لهم صلاحا ولا يضرهم. ثم ذكر إخراج العشر ونصف العشر من الخارج (١).

* * *

وتنقيح البحث في المقام يقع في موارد :

الأول : ظاهر عبارة المبسوط المتقدمة هو : المنع من التصرف في هذه الأراضي بجميع وجوه التصرفات ، مطلقا في حضور الامام وغيبته. ونحوه صرح في المنتهى. وهو ظاهر عبارات أكثر الأصحاب في هذا الباب.

وظاهر كلام الدروس : التخصيص بحال حضور الامام. قال ـ رحمه‌الله ـ ولا يجوز التصرف في المفتوح عنوة ، بإذن الإمام عليه‌السلام سواء كان بالوقف أو البيع أو غيرهما. نعم في حال الغيبة ينفد ذلك وأطلق في المبسوط : ان التصرف فيها لا ينفد. انتهى.

والى ذلك يميل كلام المحقق الثاني في شرح القواعد ، فإنه ـ بعد ذكر عبارة المصنف الدالة بإطلاقها على ما ذكره في المبسوط ـ قال ، ما صورته : هذا في حال ظهور الامام عليه‌السلام اما في حال الغيبة فينفذ ذلك كله ، كما صرح به في الدروس وصرح به غيره. انتهى.

واعترض ذلك المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بأن هذه الأراضي ملك للغير ، والبيع والوقف موقوفان على كونها ملكا للبائع والواقف. قال : بل تحصل الشبهة في جواز هذه حال الحضور ، لبعد حصول الاذن بذلك منه عليه‌السلام الا ان يقتضي المصالح العامة ذلك ، بان يجعل قطعة منها مسجدا لهم ، أو حصل الاحتياج الى ثمنها. انتهى.

__________________

(١) الوسائل ج ١١ ص ٨٤ ـ ٨٥ حديث : ١ باب : ٤١.

٢٩٨

وظاهر كلام جملة من الأصحاب ، ومنهم ابن إدريس ، ان جواز التصرف بالبيع ونحوه انما هو فيما يملكه البائع من الآثار التي في تلك الأرض.

قال ابن إدريس ـ بعد نقله القول بالمنع من التصرف ، ما صورته ـ : ان قيل : نراكم تبيعون وتشترون وتقفون ارض العراق وقد أخذت عنوة! قلنا : انا نبيع ونقف تصرفنا فيها وتحجيرنا وبنياننا ، فاما نفس الأرض فلا يجوز ذلك فيها.

وبذلك ايضا صرح في المسالك ، فقال ـ بعد قول المصنف «ولا يصح بيعها ولا وقفها» ـ : انه لا يصح شي‌ء من ذلك في رقبتها مستقلة ، اما فعل ذلك لها تبعا لآثار التصرف ، من بناء وغرس وزرع ونحوها ، فجائز على الأقوى. فإذا باعها بايع مع شي‌ء من هذه الآثار دخلت في البيع على سبيل التبع ، وكذا الوقف وغيره ، ويستمر ذلك ما دام شي‌ء من الآثار باقيا ، فإذا ذهبت اجمع انقطع حق المشترى والموقوف عليه وغيرهما عنها. هكذا ذكره جمع من المتأخرين وعليه العمل. انتهى.

أقول : وتحقيق الكلام في المقام ان يقال : لا ريب ان هذه البلاد المفتوحة عنوة ، منها ما هو عامر وقت الفتح ، ومنها ما هو بائر. والأشهر الأظهر ان الحكم مخصوص بالعامر ، دون القسم الأخر فإنه للإمام ، نظرا الى عموم الأخبار الدالة على اختصاص موات الأرضين به ـ عليه‌السلام ـ وانها من جملة الأنفال كما تقدم تحقيقه في كتاب الخمس.

* * *

بقي الكلام في أنها وقت الفتح كانت تلك الاملاك ، من دور ونخيل وبساتين ، في أيدي ملاك لها يومئذ؟.

وظاهر الاخبار وكلام الأصحاب الدال على ان ما كان عامرا وقت الفتح فهو للمسلمين كافة ، شامل للأرض وما فيها من تلك الآثار يومئذ ، وان مرجع ذلك الى الامام ـ عليه‌السلام ـ يقبله ويصرف حاصله في مصالح المسلمين. وحينئذ فليس لأولئك الملاك قبل الفتح التصرف إلا بإذن الإمام عليه‌السلام والاستيجار منه عليه‌السلام

٢٩٩

فقول ابن إدريس ومن تبعه : انا نبيع املاكنا وآثارنا وبنياننا ، انما يتم لو كان الذي للمسلمين وقت الفتح انما هو رقبة الأرض العامرة خاصة ، واما الأملاك فإنها على هذا ملك لمن في يده ، وهو خلاف الظاهر من الاخبار ومن كلامهم ، كما عرفت.

وبالجملة ، فإني لا اعرف لكلامهم وجه استقامة ، الا ان يخص ملك المسلمين وقت الفتح برقبة الأرض دون ما فيها. وفيه : ما عرفت. أو انه يجدد أحد بعد الفتح بناء أو غرسا أو نحو ذلك فالبيع والشراء أو الوقف ونحوها انما هو فيما كان كذلك وهذا ايضا غير مستقيم ، لان هذه الأرض حينئذ انما هي من البائرة وقت الفتح التي قد عرفت انها من الأنفال وهي خارجة عن محل البحث.

نعم يمكن ان يقال : ان هذه الاملاك والأراضي بعد الفتح إذا تقبلها أحد من الامام وعمرها وبنى فيها وغرس وزرع وتصرف بهذه التصرفات ونحوها ، مع دفعه كل سنة وجه القبالة له عليه‌السلام أو نائبه ، فإنه يجوز البيع والشراء والوقف في تلك الاملاك المحدثة ، مع القيام بما عليها من وجه القبالة ، دون رقبة الأرض.

والى ذلك يشير خبر بردة بن رجاء المتقدم ، ورواية محمد بن شريح المتقدمة أيضا ، ونحوهما غيرهما ، وظاهر هذه الاخبار وقوع البيع والشراء في هذه الأراضي في وقتهم ـ عليهم‌السلام ـ وان لم يكن بإذنهم. ومنه يظهر قوة ما ذهب اليه ابن إدريس ومن تبعه. الا ان هذا لا يجري في بناء المساجد.

الا ان يقال : انها من المصالح العامة للمسلمين التي هي أحد مصارف هذه الأراضي ، فيجوز بناؤها لذلك ، واما وقف أرضها على المسجدية ، كما هو ظاهر كلام الأصحاب في بحث المساجد ، فلا يتصور هنا. لأن الأراضي غير مملوكة للواقف وهو شرط صحة الوقف ، إلا انك قد عرفت في بحث المساجد من كتاب الصلاة : انه لا دليل على ما ذكروه من اشتراط الوقفية في أرض المسجد ، فلا اشكال.

وعلى ما حققناه فيجب تقييد كلام الشيخ واتباعه بالمنع من التصرف في

٣٠٠