الحدائق الناضرة - ج ١٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

ويشكل ذلك في غير المحصورين كالفقراء ، فإنه يجوز التفاضل مع عدم قرينة خلافه كما دلت عليه أخبار قسمة الزكاة ، فإن التسوية فيها غير واجبة ، والمسألة هنا مفروضة فيما هو أعم من الواجب والندب.

نعم لو كانوا محصورين أمكن ذلك ، كما صرحوا به في المال الموصى به لأشخاص معينين ، مع إمكان المناقشة هنا ايضا ، لعموم الدليل وصدق التفريق مع التفاضل.

وبالجملة فالظاهر : ان منع المأمور عن أخذ الزيادة على غيره لا يدل على وجوب التسوية. ولهذا قال العلامة في التحرير : وان لم يعين تخير في إعطاء من شاء من المحاويج كيف شاء ، مع قوله في الكتاب المذكور بعدم تفضيله نفسه على غيره.

واما الوصية ، فثبوت ذلك فيها بدليل خاص ان كان ، لا يقتضي ثبوته فيما لا دليل عليه.

ولعل المراد بعدم تفضيله نفسه على غيره ، مع القول بجواز التفضيل في القسمة ، كما هو الظاهر ، هو انه متى وقعت القسمة بالتفضيل بالمزايا الموجبة لذلك ، فينبغي ان يراعى المقسم نفسه بكونه من أهل المزايا الموجبة للتفضيل أم لا ، فيأخذ بنسبة القبيل الذي هو منهم ، لا يزيد على ذلك.

الثاني : الظاهر انه لا اشكال ولا خلاف على القولين المذكورين في انه يجوز له ان يدفع الى عياله وأقاربه ، كما يدفع الى غيرهم ، من تسوية أو تفاضل ، اقتصارا في موضع المنع على مورد الروايات المتقدمة ، وهو نفسه. وتخرج صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الثانية (١) شاهدة على ذلك.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٦ حديث : ٣.

٢٤١

الثالث : الظاهر : انه لا فرق على القولين بين ان يقول له الأمر : اقسمه أو اصرفه أو ادفعه إليهم أو ضعه فيهم أو نحو ذلك ، لاشتراك الجميع عرفا في المعنى.

ونقل عن بعضهم الفرق ، فجوز له الأخذ ان كانت الصيغة «ضعه فيهم» أو ما ادى هذا المعنى ، ومنع من الأخذ إذا كانت الصيغة بلفظ «ادفعه» أو «اصرفه» أو نحوهما. والظاهر ضعفه.

٢٤٢

المسألة الثانية

الظاهر : انه لا خلاف بين الأصحاب رضوان الله عليهم ، في ان ما يأخذه السلطان الجائر باسم المقاسمة والخراج من الأراضي والغلات ، وما يأخذه باسم الزكاة من الانعام والغلات ونحو ذلك ، يجوز شراؤه ، وقبول اتهابه. بل ظاهر كلام جملة من الأصحاب دعوى الإجماع على ذلك.

ولم أقف على مخالف في الحكم المذكور ، الا المقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد ، وقبله الفاضل الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي أصلا ، والحلي مسكنا.

وهذا الشيخ كان معاصرا للمحقق الشيخ على بن عبد العالي الكركي ، وجرت بينهما مناقشات ومباحثات ، رد فيها كل منهما على الأخر ، منها هذه المسألة فإن المحقق الشيخ على قد صنف فيها رسالة في حل الخراج ، فصنف الشيخ إبراهيم ردا عليه رسالة في تحريمه.

قال في المسالك ـ بعد قول المصنف : «ما يأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة أو الأموال باسم الخراج عن حق الأرض ومن الانعام باسم الزكاة ، يجوز ابتياعه وقبول هبته ، ولا يجب إعادته على أربابه وان عرف بعينه» ما صورته :

٢٤٣

«المقاسمة : حصة من حاصل الأرض ، تؤخذ عوضا عن زراعتها.

«والخراج : مقدار من المال يضرب على الأرض أو الشجر حسبما يراه الحاكم.

«ونبه بقوله «باسم المقاسمة واسم الخراج» على انهما لا يتحققان الا بتعيين الامام العادل.

«الا ان ما يأخذه الجائر في زمن الغيبة قد أذن أئمتنا ـ عليهم‌السلام ـ في التناول منه.

«وأطبق عليه علماؤنا ، لا نعلم فيه خلافا ، وان كان ظالما في أخذه ، لاستلزام تركه والقول بتحريمه الضرر والحرج العظيم على هذه الطائفة.

«ولا يشترط رضاء المالك ، ولا يقدح فيه تظلمه ما لم يتحقق الظلم بالزيادة عن المعتاد أخذه من عامة الناس في ذلك الزمان.

«واعتبر بعض الأصحاب في تحققهما اتفاق السلطان والعمال على القدر ، وهو بعيد الوقوع والوجه.

«وكما يجوز ابتياعه واستيهابه يجوز سائر المعاوضات.

«ولا يجوز تناوله بغير إذن الجائز ، ولا يشترط قبض الجائر له ، وان أفهمه قوله «ما يأخذه» فلو أحال به أو وكله في قبضه أو باعه وهو في يد المالك أو ذمته حيث يصح البيع كفى ووجب على المالك الدفع.

«وكذا القول فيما يأخذه باسم الزكاة ، ولا يختص ذلك بالإنعام كما افادته العبارة ، بل حكم زكاة الغلات والأموال كذلك.

«لكن يشترط هنا ان لا يأخذ الجائر زيادة عن الواجب شرعا في مذهبه ، وان يكون صرفه لها على وجهها المعتبر عندهم ، بحيث لا يعد عندهم عاصيا ، إذ يمتنع الأخذ منه عندهم ايضا.

«ويحتمل الجواز مطلقا ، نظرا إلى إطلاق النص والفتوى ، ويجي‌ء مثله في المقاسمة والخراج ، لان مصرفها مصرف بيت المال ، وله أرباب مخصوصون عندهم ايضا.

«وهل تبرأ ذمة المالك من إخراج الزكاة مرة أخرى؟ يحتمله ، كما في

٢٤٤

المقاسمة والخراج ، مع ان حق الأرض واجب لمستحق مخصوص ، والتعليل بكون ذلك حقا واجبا عليه.

«وعدمه ، لأن الجائر ليس نائب المستحقين فيتعذر النية ، ولا يصح الإخراج بدونها.

«وعلى الأول ، تعتبر النية عند الدفع اليه كما تعتبر في سائر الزكوات.

«والأقرب عدم الاجتزاء بذلك ، بل غايته سقوط الزكاة عما يأخذه إذا لم يفرط فيه ، ووجوب دفعه إليه أعم من كونه على وجه الزكاة أو المضي معهم في أحكامهم والتحرز عن الضرر بمباينتهم.

«ولو اقطع الجائر أرضا مما تقسم أو تخرج ، أو عاوض عليها ، فهو تسليط منه عليها ، فيجوز للمقطع له أخذها من الزارع والمالك ، كما يجوز احالته عليه.

«والظاهر : ان الحكم مختص بالجائر المخالف للحق ، نظرا الى معتقده واستحقاقه ذلك عندهم ، فلو كان مؤمنا لم يحل أخذ ما يأخذه منها ، لاعترافه بكونه ظالما فيه ، وانما المرجع حينئذ إلى رأى الحاكم الشرعي.

«مع احتمال الجواز مطلقا ، نظرا إلى إطلاق النص والفتوى.

«ووجه التقييد : أصالة المنع الا ما أخرجه الدليل ، وتناوله للمخالف متحقق ، والمسؤول عنه للأئمة ـ عليهم‌السلام ـ انما كان مخالفا للحق فيبقى الباقي. وان وجد مطلق فالقرائن دالة على ارادة المخالف منه ، التفاتا الى الواقع أو الغالب. انتهى كلامه زيد إكرامه.

وقال في الكفاية : والظاهر ان الأئمة (ع) لما علموا انتفاء تسلط السلطان العادل الى زمان القائم (عج) ، وعلموا ان للمسلمين حقوقا في الأراضي المفتوحة عنوة ، وعلموا انه لا يتيسر لهم الوصول الى حقوقهم في تلك المدة المتطاولة الا بالتوسل والتوصل الى السلاطين والأمراء ، حكموا بجواز الأخذ منهم. إذ في

٢٤٥

تحريم ذلك حرج وغضاضة عليهم وتفويت لحقوقهم بالكلية. انتهى.

وقال المحقق الأردبيلي رحمه‌الله في شرح الإرشاد ـ بعد قول المصنف ما تقدم نقله عن الشرائع ما صورته ـ اعلم ان الخراج والمقاسمة هما المقدار المعين من المال ، بمنزلة الأجرة في الأرض الخراجية ، اى المعمورة المفتوحة عنوة بإذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام على المشهور. والمأخوذة بالصلح ، بان يكون الأرض للمسلمين ولهم السكنى ، وهي لمصالح المسلمين ، والأمر فيها إليهم ـ صلوات الله عليهم ـ والمقاسمة : الحصة المعينة من حاصل تلك الأرض ، مثل العشر. والخراج : المال المضروب عليها غالبا ، فلا يضر إطلاق الخراج على المقاسمة ، كما ورد في بعض الروايات والعبارات ، والأمر في ذلك هين ، فان المقصود ظاهر ، لان المراد منهما ومن الطسق والقبالة واحد ، وهو : ما يؤخذ من الأرض المذكورة بمنزلة الأجرة ، سوى الأجرة للعملة. وانما الإشكال في الإباحة وعدمها حال الغيبة أو حين الحضور ، والأمر واضح ظاهر والمعصوم يفعل ما يريد ، وكذا تحقق الأرض التي يؤخذ منها.

ثم ساق الكلام في تحقيق الأرض الخراجية الى ان قال :

واما حليتهما يعنى الخراج والمقاسمة كما هو ظاهر أكثر العبارات ، لكل أحد مستحق لذلك كالمصالح أم لا ، قليلا كان أم كثيرا ، بشرط عدم التجاوز عن العادة التي تقتضي كونهما أجرة ، بإذن الجائر مطلقا ، سواء كان مخالفا أو موافقا ، قبضهما أم لا ، وعدمها بدون اذنه مع كونه جائرا وظالما في الأخذ والاذن ، وعدم إباحتهما له ، مع وجوب الدفع اليه والى من يأمره ، وعدم جواز كتمان الرعية والسرقة منهما بوجه من الوجوه ، مع كونهما أجرة للأرض ومنوطة برأي الامام ورضاء الرعية كما هو في الإجارات ، فهي بعيدة جدا. ويدل على العدم العقل والنقل ، ولا دليل عليها مع الإشكال في ثبوتها وتحققها في نفسها ثم العلم بها ثم ثبوتها بالنقل وحجيته. وما ادعى ولا نقل أيضا الإجماع صريحا ، بل قيل : انه اتفاق ـ ونقل عبارات البعض في الرسالة

٢٤٦

المدونة لهذه المسألة بخصوصها مع كثرة الاهتمام بتحقيقها وإثبات الإباحة فيها ـ ثم قال : وهو إجماع. وفيه ما فيه لعدم ثبوت الإجماع بعبارات البعض مع خلو البعض عنه ، ولهذا ترى بعض العبارات خالية عن هذه. وقد ذكر اباحة الشراء فقط. مثل عبارة نهاية الشيخ على ما نقل في هذه الرسالة. ويظهر من شرح الشرائع أيضا دعوى الإجماع في الجملة ، فالسماع منهما مشكل وقد ادعى فيهما دلالة الأخبار المتظافرة عليه وما عرفتها وما فهمتها من خبر واحد ، وكأنه لذلك ما ادى في المنتهى ، بل استدل على ذلك بالضرورة ودفع الجرح ، وإثبات مثله بمثله بعيد ، كما ترى. انتهى كلامه.

أقول : والتحقيق ـ كما ستقف عليه إنشاء الله تعالى ـ : ان ما استدل به من الاخبار على القول المشهور ، منه ما هو ظاهر المقصود ، ومنه ما يظهر منه ذلك ، لكنه لا يفي بتمام ما ادعوه في هذا المقام ، وما ذكره المانع أيضا في أكثر هذا المجال لا يخلو من البحث والاشكال.

* * *

وها أنا أسوق لك ما استدل به للقول المذكور ، مذيلا كل خبر بما يتعلق به من الكلام ، بالذي يتجلى به غشاوة الإبهام. فأقول ـ مستمدا منه تعالى العصمة من زيغ الافهام وزلل الاقدام ـ :

(الأول) من الاخبار المشار إليها : ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن جميل بن صالح قال : أرادوا بيع تمر عين ابى زياد ، فأردت أن أشتريه ، ثم قلت حتى استأمر أبا عبد الله عليه‌السلام. فأمرت مصادفا فسأله فقال : قل له فليشتره ، فإنه ان لم يشتره اشتراه غيره (١).

استدل به في المنتهى على جواز ابتياع المقاسمة والزكاة.

وقال المحقق الشيخ على قدس‌سره في رسالته التي وضعها في المسألة : احتج بذلك في المنتهى على حلهما.

ورده المحقق الأردبيلي ، بعدم الدلالة على المطلوب ، قال : ويمكن ان

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٦٢ حديث : ١ باب : ٥٣.

٢٤٧

يكون المعنى جواز شراء مال الظلمة مع عدم العلم بالغصب بعينه ، كما يدل عليه الأصل والاخبار الكثيرة الدالة على جواز أخذ جوائزهم مع كراهة ولكن تزول مع الضيق. انتهى.

أقول : الحق هنا ما ذكره المحقق الأردبيلي رحمه‌الله ، على انه قد روى في الكافي في باب نادر ، آخر أبواب الزكاة ، ما يدل على ان عين ابى زياد المذكورة في هذا الخبر كانت ملكا لأبي عبد الله عليه‌السلام :

روى فيه عن يونس أو غيره عمن ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال قلت له : جعلت فداك ، بلغني انك تفعل في غلة عين زياد شيئا فأنا أحب ان أسمعه منك. قال : فقال لي : نعم ، كنت آمر إذا أدركت الثمرة ان يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس ويأكلوا ، وكنت آمر في كل يوم ان توضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة ، كلما أكل عشرة جاء عشرة أخرى ، يلقى لكل نفس منهم مد من رطب ، وكنت آمر لجيران الضيعة كلهم ، الشيخ والعجوز والمريض والصبي والمرأة ، ومن لا يقدر أن يجي‌ء فيأكل منها ، لكل انسان منهم مد ، فإذا كان الجذاذ أوفيت القوام والوكلاء والرجال أجرتهم ، واحمل الباقي الى المدينة ففرقت في أهل البيوتات والمستحقين ، الراحلتين والثلاثة والأقل والأكثر على قدر استحقاقهم : وحصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار ، وكان غلتها أربعة آلاف دينار (١).

ومن هذا الخبر يظهر ان الضيعة المذكورة كانت له عليه‌السلام ثم اغتصبت منه ، وان استئماره عليه‌السلام في الشراء من ثمرتها انما هو من حيث كونه له عليه‌السلام.

ولعل المعنى في جوابه عليه‌السلام وقوله للسائل : ان لم يشتره اشتراه غيره ، بمعنى ان تركه شراءه لا ينفع في قلع الظالم عن ظلمه وارتداعه ، فان غيره يشتريه ، نعم لو اتفق الناس على عدم شرائه ، لربما كان ذلك رادعا لهم عن الظلم ، كما تقدم في خبر على بن أبي حمزة ، في المسألة الثالثة من المقام الثالث من مقامات المقدمة

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٥٦٩ حديث : ٢.

٢٤٨

الثالثة ، من قوله عليه‌السلام : لو لم يجد بنو أمية من يحضر جماعاتهم ، ويجبي لهم الخراج ، ويكتب لهم ، ما غصبونا حقنا (١).

ولا ينافي ما ذكرنا اشتمال الخبر الأول على تسمية الضيعة المذكورة بعين ابى زياد ، وتسميتها في هذا الخبر بعين زياد ، فان مثل هذا التجوز كثير في الكلام.

واما قوله في الوافي ـ بعد ذكر الخبر الأول في كتاب المتاجر ـ «أبو ـ زياد كان من عمال السلطان» فهو تخرص ، وانما هو اسم الضيعة المذكورة ، وكأنه غفل عن الخبر الذي نقلناه ، وهو قد قدمه في كتاب الزكاة.

وبالجملة فإن الخبر المذكور لا دلالة فيه على ما ادعوه من حل الخراج والمقاسمة ونحوهما بوجه ، وقصاراه ـ مع قطع النظر عما ذكرناه ـ هو ما ذكره المقدس الأردبيلي رحمه‌الله.

(الثاني) : ما رواه الشيخ ، في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : مالك لا تدخل مع على في شراء الطعام ، إني أظنك ضيقا ، قال : قلت : نعم ، فإن شئت وسعت على ، قال : اشتره (٢).

وأنت خبير بما فيه من الإجمال المانع من صحة الاستناد إليه في الاستدلال ، إذ لا تعرض فيه ـ ولو بالإشارة ـ إلى كون ذلك الطعام من وجه الخراج أو المقاسمة أو الزكاة بوجه ، ومجرد احتمال كون المقام من أحد هذه الوجوه لا يكفي في الدلالة.

(الثالث) : ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحذاء عن الباقر عليه‌السلام قال :

__________________

(١) نقله هنا بالمعنى. راجع : ص ١٢٥ من هذا المجلد. والوسائل ج ١٢ ص ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ١٦١ حديث : ١.

٢٤٩

سألته عن الرجل منا يشترى من السلطان من إبل الصدقة وغنمها وهو يعلم انهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم. قال : فقال : ما الإبل والغنم الا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به ، حتى تعرف الحرام بعينه. قيل له : فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا ، فنقول : بعناها فيبيعناها ، فما ترى في شرائها منه؟ فقال : ان كان قد أخذها أو عزلها فلا بأس. فقيل له : فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فيعزله بكيل ، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال : ان كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل (١).

واعترض المحقق الأردبيلي على هذه الرواية ، بأنه لا دلالة فيها على إباحة المقاسمة بوجه من الوجوه ، ولكن لها دلالة على جواز شراء الزكاة ، ولهذا جعلها في المنتهى دليلا عليه فقط ، وفي الدلالة ـ أيضا ـ تأمل ، إذ لا دلالة في قوله «لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه» الا انه يجوز شراؤ ما كان حلالا بل مشتبها ايضا ، ولا يجوز شراؤ ما هو معروف انه حرام ، ولا يدل على جوار شراء الزكاة بعينها صريحا.

نعم ظاهرها ذلك ، ولكن لا ينبغي الحمل عليه ، لمنافاته العقل والنقل. ويحتمل ان يكون سبب الإجمال التقية. ويؤيد عدم الحمل على الظاهر : انه غير مراد بالاتفاق ، إذ ليس بحلال ما أخذه الجائر فتأمل. انتهى.

وأجاب عن ذلك في الكفاية ، فقال ـ بعد نقل هذا الكلام ـ : وفيه نظر ، لأن السؤال وقع عن أصل الصدقة ، والجواب : انه لا بأس به ، لانه يحتمل ان يكون مفروضا في غيره ، لكن لما فرض السائل انه يعلم انهم يأخذون أكثر من الحق ، فقد فرض وقوع الحرام في الصدقات التي في أيديهم ، فوقع الحاجة الى الاستثناء الذي فعله عليه‌السلام ، وكان غرض السائل كان متعلقا باستعلام الحكم باعتبار الاختلاط المذكور ،

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٦٢ حديث : ٥.

٢٥٠

وكان جواز شراء أصل الصدقة مستغنيا عن البيان عنده. ثم قوله : لا ينبغي الحمل عليه لمنافاته العقل والنقل ، محل نظر. إذ لا اعرف دليلا عقليا ولا نقليا يدل على ما ذكروه حتى يقع الحاجة الى التأويل أو الحمل على التقية ، إذ ذلك غير سائغ. ودعوى الاتفاق الذي ذكره غير ظاهر. انتهى.

أقول : اما ما ذكره الأردبيلي ـ رحمه‌الله ـ من عدم دلالة الرواية على إباحة المقاسمة بوجه ، فجيد ، الا انه من المحتمل قريبا ، ان المراد بالقاسم في قوله «يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا» هو الأخذ لمال المقاسمة ، لأنك قد عرفت ان المقاسمة حصة من حاصل الأرض تؤخذ عوضا عن زراعتها. بقرينة التعبير عن آخذ الزكاة في صدر الخبر بالمصدق ، اى جامع الصدقات الا ان الخبر غير صريح في ذلك ، لاحتمال الحمل على قسمة حق الزكاة أيضا ، وان عبر عنه أو لا بعبارة أخرى.

واما ما ذكره من التأمل في جواز شراء الزكاة بالتقريب الذي ذكره ، فليس بجيد. والحق هنا هو : ما ذكره في الكفاية ، فإن سوق الكلام ظاهر فيه.

واما ما ذكره الأردبيلي ـ قدس‌سره ـ من الاعتراف بان الجواز ظاهر فيه الرواية لكن لا ينبغي الحمل عليه لمنافاته العقل والنقل فغير بعيد ، بل هو محتمل احتمالا قريبا.

وقول صاحب الكفاية : انه لا يعرف دليلا عقليا ولا نقليا يدل على ما ذكره فيه : ان الظاهر ان مراد المحقق المذكور بالدليل العقلي والنقلي في هذا المقام ، انما هو ما دل على قبح التصرف في مال الغير إلا بإذنه ، فإن العقل والنقل متطابقان على ذلك. وما نحن فيه من جملة ذلك ، الا ان يقوم الدليل على ما ادعوه في هذه المسألة من الحلية ، فيكون موجبا لخروج هذا الفرد ، والا فلا.

ومن أجل منافاة ظاهر هذه الرواية لما ذكره ، من دلالة العقل والنقل على عدم جواز التصرف في مال الغير بغير اذنه حملها على التقية ، ثم أيده بما ذكره من ان ظاهرها غير مراد بالاتفاق. ومراده الاتفاق على ان ما يأخذه الجائر محرم عليه. وهو كذلك ، فإن القائلين بالحل يعترفون بذلك ، ولكن يدعون ان الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ

٢٥١

قد أذنوا ورخصوا في جواز شرائه وقبول هبته ونحو ذلك ، فقول صاحب الكفاية هنا ايضا : ان دعوى الاتفاق الذي ذكره فيه غير ظاهر ، غفلة أو تغافل.

وبالجملة ، فإن غاية ما يدل عليه ظاهر الرواية المذكورة : جواز الشراء من الزكاة التي يأخذونها من الانعام كانت أو من الغلات ، مع معارضة ذلك بالأدلة الدالة على المنع من التصرف في مال الغير إلا بإذن صاحبه. وتلك الأدلة قطعية تضعف هذه الرواية عن معارضتها لدلالة العقل والنقل ، كتابا وسنة. والإجماع على ذلك. الا ان ظاهر جملة من الاخبار الاتية مما يعضد هذه الرواية. وبذلك يجب تخصيص الأدلة المذكورة بهذه الاخبار ، مع قطع النظر عن هذه المعارضة.

فغاية ما تدل عليه هو جواز الشراء من الزكاة إذا أخذه الجائر قهرا ، فلا دلالة فيها على الجواز في غيرها ، الا على الاحتمال المتقدم ، ولا على جواز دفع الزكاة إليهم اختيارا ، كما يدعونه في المسألة أيضا.

وقال الأردبيلي ـ رحمه‌الله ـ ايضا : وعلى تقدير دلالتها على جواز الشراء من الزكاة فلا يمكن ان يقاس عليه جواز الشراء من المقاسمة. وعلى تقديره ايضا لا يمكن ان يقاس عليه جواز قبول هبتها وسائر التصرفات فيها مطلقا كما هو المدعى ، إذ قد يكون ذلك مخصوصا بالشراء بعد القبض ، بسبب لا نعرفه كسائر الأحكام الشرعية. الا ترى ان أخذ الزكاة لا يجوز منهم مطلقا. ويجوز شراؤها منهم.

وقال في الكفاية ـ في الجواب عن هذا الكلام ـ : اما لو سلمنا ان أخذ السلطان وجمعه حق الخراج من الأرضين حرام مطلقا ، حتى لو كان مقصوده جمع حقوق المسلمين وصرفه في مصارفه الشرعية بقدر طاقته ، كان حراما ايضا ، لكن لا نسلم أن إعطاءه لأحد في هذه الصورة هبة أو غير ذلك حرام ، إذا كان الأخذ مستحقا لفقره أو كونه من مصالح المسلمين ، كالغازى والقاضي والذي له مدخل في أمور الدين ، وان كان الأخذ حراما أولا. ولا أجد ـ بحسب نظري ـ دليلا على ذلك ولا الأصل يقتضيه. انتهى.

٢٥٢

أقول : فيه ان الخصم يدعى ان الجائر هنا غاصب ، للدليل العقلي والنقلي الذي تقدمت الإشارة إليه «انه لا يحل مال امرء إلا بإذنه» فجميع تصرفاته المتفرعة على هذا الغصب باطلة شرعا ، وهو قد وافق على تحريم أخذه لهذا المال ، فكيف يصح تصرفاته بالهبة له ونحوها.

نعم قام الدليل ـ بناء على تسليم القول بالرواية المذكورة ـ على جواز الشراء منه في الصورة المذكورة ، فيجب استثناء ذلك بالنص ، ويبقى ما عداه على حكم الأصل ، من قبح التصرف في مال الغير.

وبالجملة ، فان الحق هنا فيما ذكره المحقق الأردبيلي ـ رحمه‌الله عليه ـ وكلام صاحب الكفاية هنا ظاهر القصور.

وبذلك يظهر لك ايضا ما في قوله في الكفاية : ثم يظهر من الحديث ان تصرف العامل بالبيع جائز ، إذ لو كان حراما لكان الظاهر ان يكون الشراء منه حراما ايضا ، لكونه اعانة على الفعل المحرم ، وحيث ثبت ان التصرف بنحو البيع والشراء جائز ، ظهر ان أصل التصرف فيه ليس بحرام.

وفيه ـ زيادة على ما عرفت ـ : ان قضية تحريم الأخذ على الجائر ، المتفق عليه ، الموجب لكون ذلك غصبا ، هو إجراء أحكام الغصب على هذا المأخوذ من وجوب رده على المالك ، وتحريم التصرف فيه بأي نحو كان.

هذا هو الموافق للقواعد الشرعية والضوابط المرعية.

نعم قام الدليل ـ بناء على تقدير تسليمه ـ على جواز الشراء فوجب استثناؤه من ذلك ، فكيف يمكن ادعاء حل البيع للبائع ونحوه بمجرد دلالة الرواية على جواز الشراء ، مع ان جواز الشراء باطل بمقتضى القواعد التي ذكرناها. ولكنا انما صرنا إلى إخراجه ، بهذه الرواية.

وبالجملة فإن الحكم على خلاف مقتضى الأصول ، فيجب الاقتصار فيه على مورد النص. ولو تمت هذه الدعوى التي ادعاها ، من ان جواز الشراء مستلزم لحل

٢٥٣

جميع التصرفات ، لأمكن ايضا ان يدعى ان جواز الشراء مستلزم لحل أخذ الجائر لهذا المال ، حيث انه لم يعهد في القواعد الشرعية تحريم الغصب وحل التصرف في المغصوب ، فمتى دل الدليل على جواز التصرف كان مستلزما لحل الأخذ وعدم تحريمه ، مع انه خلاف الاتفاق في المقام.

والحق هو ما تقدمت إليه الإشارة ، في كلام المحقق المتقدم ذكره ، من انه قد يكون ذلك مخصوصا بالشراء بعد القبض بسبب لا نعرفه كسائر الأحكام الشرعية.

وبالجملة ، فإن كلام صاحب الكفاية هنا ، عند من عض على المسألة بضرس قاطع ، مما يحسبه الظمآن ماء أو هو سراب لا مع ، وكيف كان فان هذه الرواية من معتمدي أدلة القول المشهور ، وهو على ما ترى من القصور ، بالنسبة إلى الخراج. والمقاسمة. واما بالنسبة إلى الزكاة فقد تقدم تحقيق القول. فيها.

* * *

(الرابع) : ما رواه في التهذيب عن ابى بكر الحضرمي ، قال : دخلت على ابى عبد الله عليه‌السلام وعنده إسماعيل ابنه فقال : ما يمنع ابن ابى السماك ان يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس ويعطيهم ما يعطى الناس؟ ثم قال لي : لم تركت عطاءك؟ قلت : مخافة على ديني! قال : ما منع ابن ابى السماك ان يبعث إليك بعطائك ، أما علم ان لك في بيت المال نصيبا؟ (١).

قال الأردبيلي ـ رحمه‌الله ، بعد نقله الرواية ـ : ليس فيها دلالة أصلا ، الا على جواز إعطاء مال من بيت المال الذي هو لمصالح المستحقين من الشيعة. واين هذا من الدلالة على جواز أخذ المقاسمة من الجائر على العموم الذي تقدم. والعجب انه (٢) قال ـ في المنفردة ـ : هذا نص في الباب ، لانه عليه‌السلام بين ان لا خوف للسائل على دينه إذ لم يأخذ الا حقه من بيت المال. وقد ثبت في الأصول : تعدى الحكم بتعدي العلة المنصوصة ـ وانا ما فهمت هنا منها دلالة ما ، كيف وغاية دلالتها ما ذكر ، وذلك

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٥٧ حديث : ٦.

(٢) الضمير يعود الى «الشيخ على» الذي الف رسالة منفردة في هذه المسألة.

٢٥٤

قد يكون من بيت المال الذي يجوز أخذه وإعطاؤه للمستحقين ، مثل ان يكون منذورا أو وصية لهم بان يعطيه ابن ابى السماك أو غير ذلك. ثم أطال الكلام.

أقول : لا يخفى على المتتبع للسير والآثار ، والمتطلع في كتب الاخبار : ان بيت المال المذكور في أمثال هذا المقام ، انما هو المشتمل على الأموال المعدة لمصالح المسلمين وأرزاقهم ، كما يدل عليه أخبار إعطاء المؤذن والقاضي ، والديات التي يعطى من بيت المال ونحو ذلك. وليس في الأموال التي يأخذها الإمام عادلا أم جائرا ، ويكون في بيت المال ، ما يكون كذلك الا مال الخراج والمقاسمة ، والا فالزكاة لها أرباب مخصوصون.

واحتمال الحمل على ما ذكره من بيت مال يكون منذورا أو وصية ، عجيب من مثله رحمة الله عليه ، لا سيما مع ما صرح به غير واحد من المحققين ، من ان الإطلاق الواقع في الاخبار انما يحمل على الافراد الشائعة المتكثرة لها وانها هي التي ينصرف إليها الإطلاق دون الفروض النادرة.

وبالجملة فإن مناقشته هنا في بيت المال ، بالحمل على غير ما ذكرناه ضعيفة.

واما كون أحد مصاريف بيت المال ارتزاق الشيعة أو هم مع غيرهم ، فالأخبار به أكثر من ان يأتي عليها المقام ، كما لا يخفى على المتتبع للاخبار بعين التحقيق والاعتبار.

وبالجملة فإن الخبر المذكور ، بمعونة غيره من الاخبار في جواز ارتزاق الشيعة من بيت المال ، مما لا يحوم حوله الاشكال ، وان كانت أبواب المناقشة منسدة في هذا المجال.

والظاهر ـ ايضا ـ من قوله «ما يمنع ابن ابى السماك ان يخرج شباب الشيعة» أي إلى جباية الخراج وجمعه ويعطيهم ما يعطى غيرهم ، والظاهر ان الرجل المذكور كان منصوبا من قبل الخليفة على جمع الخراج وحفظه وخزنه في بيت المال وقسمته. ومراده عليه‌السلام حث الرجل المذكور على نفع الشيعة وصلتهم ، يجعلهم

٢٥٥

أعوانا له على جمع الخراج ليحصل لهم اجرة ذلك. وجواز أخذ الشيعة من بيت المال الذي قد عرفت انه مال الخراج والمقاسمة. هذا هو ظاهر الخبر وسياقه.

وكيف كان ، فان الخبر وان كان ظاهره ما ذكرناه ، الا انه لا يفي بتمام ما ادعوه في هذا المقام ، مما تقدمت الإشارة إليه في كلام المحقق الأردبيلي.

* * *

(الخامس) : ما رواه في الكافي والتهذيب عن إسحاق بن عمار ، في الموثق قال : سألته عن الرجل يشترى من العامل وهو يظلم ، فقال : يشترى منه ما لم يعلم انه ظلم فيه أحدا (١).

قال المحقق المتقدم ذكره : ولا دلالة فيها أصلا الا على شراء شي‌ء لا يكون ظلم فيه أحدا ، فالاستدلال بها على المطلوب بعيد. انتهى.

أقول : الظاهر ان الاستدلال بهذه الرواية بتقريب : ان العامل ـ في الخبر المذكور ـ شامل لمن يجبى المقاسمة ويجمعها ، فيكون الخبر من حيث العموم دالا على جواز الشراء من المقاسمة ، ما لم يعلم انه ظلم فيه أحدا.

والاستدلال بالخبر انما هو بالنظر الى عموم العامل لمن قد ذكرناه ، لا من حيث شراء شي‌ء لا يكون فيه ظلم ، كما ذكره حتى ينتفي بذلك الاستدلال به. والخبر ـ بهذا التقريب ـ صالح للاستدلال ، كما لا يخفى.

* * *

(السادس) : الأخبار الدالة على جواز قبالة الخراج والجزية. استدل بها في الكفاية.

ومنها : ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح. عن إسماعيل بن الفضل ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤوسهم و

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٦٣ حديث : ٢ باب : ٥٣.

٢٥٦

خراج النخل والشجر والآجام والمصايد والسمك والطير ، وهو لا يدرى لعل هذا لا يكون أبدا أو يكون ، أيشتريه ، وفي أي زمان يشتريه ، ويتقبل منه؟ فقال : إذا علمت ان من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره وتقبل به (١). وما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يتقبل بجزية رؤوس الرجال وبخراج النخل والآجام والطير ، وهو لا يدرى ولعله لا يكون. الخبر المتقدم بأدنى تفاوت.

قال : وظاهره ان غرض السائل متعلق بالسؤال من حيث انه لا يدرى ، يكون من ذلك شي‌ء أم لا ، ولهذا لم يذكر خراج الأرض ، فكأن أصل الجواز من حيث كون ذلك خراجا أمر مسلم عندهم.

ومنها : ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، في جملة حديث قال : لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض وأهلها من السلطان. وعن مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث ، قال : نعم لا بأس به ، وقد قبل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ خيبر ، أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالجز ، والجز هو النصف (٢).

أقول : لا يخفى ان غاية ما تدل عليه هذه الاخبار ـ بناء على ما ذكره ـ هو انه يجوز للإنسان أن يتقبل من السلطان الجزية التي على رؤوس أهل الذمة ، وهي المشار إليها بخراج الرجال في صدر الخبر ، فيكون العطف تفسيريا ، وكذا خراج النخل ونحوه مما ذكر من الأرض الخراجية ، بأن يستأجر من السلطان ما يأخذه من هذه الأشياء المعدودة ، بمبلغ معين يدفعه اليه. وفيها دلالة على حل ذلك وان كان من الجائر ، واشارة الى ان حكم تصرف الجائر في هذه الأرض حكم تصرف

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٦٤ حديث : ٤.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٠ حديث : ٨.

٢٥٧

الامام العادل ، ردا على القول الأخر. الا انه لا يفي بتمام ما ادعاه الأصحاب في المقام مما تقدمت الإشارة اليه.

ونحو هذه الروايات ايضا فيما قلناه ما رواه في الكافي والتهذيب عن إسماعيل ابن الفضل عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل استأجر من السلطان ارض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى ، ثم آجرها وشرط لمن يزرعها ان يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر ، وله في الأرض بعد ذلك فضل ، أيصح له ذلك؟ قال نعم ، إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك ، فله ذلك ، قال : وسألته عن رجل استأجر أرضا من ارض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام معلوم فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشي‌ء معلوم ، فيكون له فضل فيما استأجره من السلطان ، ولا ينفق شيئا. أو يواجر تلك الأرض قطعا على ان يعطيهم البذر والنفقة فيكون له في ذلك فضل على إجارته ، وله تربة الأرض أو ليست له؟ فقال له : إذا استأجرت أرضا فأنفقت فيها شيئا أو رممت فيها ، فلا بأس بما ذكرت (١).

ومنها ما رواه في الفقيه مرسلا ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل استأجر أرض الخراج. الحديث (٢).

وما رواه في الكافي والتهذيب عن الفيض بن المختار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، ما تقول في الأرض أتقبلها من السلطان ثم أؤاجرها أكرتي على ان ما اخرج الله منها من شي‌ء ، كان لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان قال : لا بأس به كذلك أعامل أكرتي (٣).

وبالجملة فإن هذه الروايات ـ باعتبار ما دلت عليه جواز قبالة الخراج و

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٦١ حديث : ٣ و ٤.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٦٢.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٨ حديث : ٣.

٢٥٨

الأرض الخراجية ، مع ما تقدم في رواية أبي بكر الحضرمي ، وما ذيلناها به ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم في حكم الزكاة وجواز شرائها ـ مما يثمر الظن الغالب بجواز تناول الخراج والمقاسمة من الجائر ، وان تصرفه في ذلك يجرى مجرى تصرف الامام عليه‌السلام.

لكن لا في جميع الوجوه التي ذكروها ، من انه لا يحل إنكار ذلك عنه ، ولا خيانته فيه ولا سرقته ونحو ذلك. حيث ان غاية ما يفهم من هذه الروايات : هو التوصل الى الانتفاع من هذه الأراضي الخراجية ، وخراجها بقبول ذلك من الجائر ، والاستيجار منه ، والشراء من مال الخراج والزكاة التي قبضها.

واما ما ذكروه من الزيادة على ذلك من عدم جواز إنكاره ، ووجوب دفعه له ، فربما دلت بعض الاخبار على خلافه ، مثل صحيحة عيص بن القاسم ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام في الزكاة ، قال : ما أخذه منكم بنو أمية فاحتسبوا به ، ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم ، فان المال لا يبقى على هذا ان يزكيه مرتين (١).

والرواية وان كان موردها الزكاة خاصة ، الا ان فيها إشارة إلى انه لا يجوز دفع الحقوق الشرعية لغير مستحقها وأهلها ، لا سيما مع ما يستلزمه من اعانة الظلمة ، الذي تقدم التصريح بتحريمه. والى ذلك ايضا تشير صحيحة زيد الشحام ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ان هؤلاء المصدقين يأتوننا فيأخذون الصدقة فنعطيهم إياها أتجزي عنا؟ قال : لا ، إنما هؤلاء قوم غصبوكم ـ أو قال ظلموكم ـ أموالكم ، وانما الصدقة لأهلها (٢).

وحمله الشيخ على استحباب الإعادة ، جمعا بينه وبين ما يدل على الاجزاء من الاخبار. وقد تقدمت في كتاب الزكاة.

__________________

(١) الوسائل ج ٦ ص ١٧٤ حديث : ٣.

(٢) الوسائل ج ٦ ص ١٧٤ حديث : ٦. والراوي هو زيد بن يونس أبو ـ أسامة الشحام.

٢٥٩

والأظهر في وجه الجمع. انما هو حمل ما دل على الاجزاء على عدم التمكن من إنكارها ومنعها ، وانما تؤخذ منه قهرا. وما دل على العدم على من تمكن من عدم الدفع ودفعها لهم اختيارا ، كما تدل عليه صحيحة العيص المذكورة. والله العالم.

(السابع) : الأخبار الدالة على جواز أخذ جوائز خلفاء الجور. ومنها : ما رواه في التهذيب عن يحيى بن ابى العلاء عن ابى عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام : ان الحسن والحسين ـ عليهما‌السلام ـ كانا يقبلان جوائز معاوية (١). ونحوها من الاخبار الاتية في المسألة التالية إنشاء الله. وأنت خبير بما فيه من الضعف الغنى عن التنبيه.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٥٧ حديث : ٤.

٢٦٠