الحدائق الناضرة - ج ١٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

وبالجملة فالظاهر ان ما ذكره شيخنا المذكور لا يخلو من استعجال وعدم تأمل في المقام. والحق هو عدم جوازه عليهم بوجه من الوجوه ، والاخبار الواردة من طرقنا في حقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ضعفها وشذوذها ، يمكن حملها على التقية لاتفاق العامة على جواز ذلك.

* * *

__________________

أن يخجل الامام الهادي عليه‌السلام ، واحضر على المائدة خبزا رقاقا ، فكان كلما مد الامام عليه‌السلام يده الى قرص من ذلك الخبز طيرها ذلك المشعبذ ، فتضاحك الناس ، وكان على مستورة المتوكل صورة أسد ، فضرب الامام عليه‌السلام يده على تلك الصورة ، وقال : خذه. فوثبت تلك الصورة من المستورة فابتلعت الرجل ، وعادت في المستورة كما كانت ، فتحير الجميع ونهض الامام ، فقال المتوكل : سألتك بالله الا جلست ورددته ، فقال : والله لا يرى بعدها ، أتسلط أعداء الله على أولياء الله ، وخرج من عندهم ، فلم ير الرجل بعدها (مدينة المعاجز ص ٥٤٨ حديث ٥٢).

وملخص الخبر الثاني : ان المنصور وجه الى سبعين رجلا من أهل بابل ، فدعاهم وقال : انكم ورثتم السحر من آبائكم من أيام موسى بن عمران ، وانكم لتفرقون بين المرء وزوجه ، وان أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام كاهن ساحر مثلكم ، فاعملوا شيئا من السحر ، فإنكم إن ابهتموه أعطيتكم الجائزة العظيمة ، فقاموا الى المجلس الذي فيه المنصور ، فصوروا سبعين صورة من السباع ، وجلس كل واحد منهم جنب صاحبه ، وجلس المنصور على سرير ملكه ، ووضع التاج على رأسه ، وقال لحاجبه ابعث الى ابى عبد الله عليه‌السلام وأحضره الساعة ، قال : فلما أحضره دخل عليه. فلما نظر الى ما قد استعد له غضب عليه‌السلام فقال : يا ويلكم ، أتعرفونى ، أنا حجة الله الذي أبطل سحر آبائكم في أيام موسى بن عمران ، ثم نادى برفيع صوته : أيتها الصور الممثلة ، ليأخذ كل واحد منكم صاحبه باذن الله تعالى ، فوثب كل سبع الى صاحبه وافترسه

١٨١

(الثاني) : في القيافة.

وهي ـ على ما ذكره مى المسالك ـ الاستناد الى علامات ومقادير ، يترتب عليها إلحاق بعض الناس ببعض ونحوه. قال : وانما تحرم إذا جزم به ، أو رتب عليه محرما. انتهى.

وقال المقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد : ولعل دليل التحريم الإجماع المذكور في المنتهى.

أقول : ربما يدل على ذلك ما رواه الصدوق في الخصال ، بسنده عن ابى بصير ، عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ ، قال : من تكهن أو تكهن له ، فقد بري‌ء من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال ، قلت : فالقافة؟ قال : ما أحب ان تأتيهم. وقيل : ما يقولون شيئا الا كان قريبا مما يقولون. فقال : القيافة من فضلة النبوة ، ذهبت في الناس حيث بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ،

الا ان الحديث المذكور لا ظهور له في التحريم كما علله الأصحاب ، مع انه قد روى في الكافي عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي ، قال : سمعت على بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن على بن الحسين ، فقال : والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه‌السلام. فقال له الحسن : اى والله ، جعلت فداك.

لقد بغى عليه اخوته. فقال على بن جعفر : اى والله ، ونحن عمومته بغينا عليه. فقال له الحسن : جعلت فداك ، كيف صنعتم؟ فانى لم أحضركم : قال : قال

__________________

وابتلعه في مكانه ، ووقع المنصور مغشيا عليه من سريره ، فلما أفاق قال : الله الله يا أبا عبد الله ، أقلني ، فانى تبت توبة لا أعود إلى مثلها ابدا ، فقال عليه‌السلام : قد عفوتك ثم قال : يا سيدي قل السباع ان تردهم الى ما كانوا ، فقال : هيهات هيهات ، ان أعادت عصا موسى سحرة فرعون فستعيد هذه السباع هذه السحرة. (مدينة المعاجز ص ٣٦٢ حديث : ٢٣). منه قدس‌سره.

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٠٨ حديث : ٢.

١٨٢

له اخوته ونحن ايضا : ما كان فينا امام قط حائل اللون : فقال لهم الرضا عليه‌السلام : هو ابني. قالوا : فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قضى بالقافة ، فبيننا وبينك القافة ، قال : ابعثوا أنتم إليهم ، واما انا فلا. ولا تعلموهم لما دعوتموهم ، ولتكونوا في بيوتكم. فلما جاؤا أقعدونا في البستان ، واصطف عمومته واخوته وأخواته ، وأخذوا الرضا عليه‌السلام وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها ، ووضعوا على عنقه مسحاة. قالوا له : ادخل البستان ، كأنك تعمل فيه ، ثم جاؤا بأبي جعفر عليه‌السلام ، فقالوا : ألحقوا هذا الغلام بأبيه! فقالوا : ليس له هنا أب ، ولكن هذا عم أبيه ، وهذا عمه ، وهذه عمته ، وان يكن له ها هنا أب فهو صاحب البستان ، فان قدميه وقدميه واحدة ، فلما رجع أبو ـ الحسن عليه‌السلام ، قالوا : هذا أبوه ، قال على بن جعفر : فقمت فمصصت ريق ابى جعفر عليه‌السلام ، ثم قلت له : أشهد أنك إمامي عند الله عزوجل ، الحديث (١).

فظاهر هذا الخبر جوازها والاعتماد عليها :

اما أولا ، فلأنهم لما دعوه الى حكم القافة أجابهم الى ذلك ، ولو كان ذلك محرما لا يجوز الاعتماد عليه ، لما أجابهم بل منعهم ، وقال : انه محرم غير مشروع ، ولا يجوز الاعتماد عليه في نفى ولا إثبات.

واما ثانيا ، فإنهم نقلوا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى بالقافة ، وظاهره عليه‌السلام تقريرهم على ذلك ، حيث لم يكذبهم.

واما قوله عليه‌السلام : ابعثوا أنتم إليهم واما أنا فلا ، فالظاهر ان المراد منه انما هو لدفع التهمة عنه عليه‌السلام ، بأنه ربما يكون اعلامه لهم بذلك قرينة لهم على الحاقه به ، كما يشعر به قوله : ولا تعلموهم لما دعوتموهم ، لا أن المراد منه ما ربما يتوهم من انه لما لم يكن مشروعا لم يرض عليه‌السلام بان يكون هو الداعي لهم.

وبالجملة فإن ظاهر الخبر هو ما ذكرناه من جواز ذلك ، وصحة الاعتماد

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٣٢٢ ـ ٣٢٣ حديث : ١٤.

١٨٣

عليه.

اللهم الا ان يقال : انه لما كان عليه‌السلام يعلم ان القافة يلحقونه به. ويندفع بهم شبهة أعمامه واخوته من إنكارهم كونه ابنه ، رضى بذلك.

وفيه : ما فيه. فإنه بالدلالة على ما ندعيه انسب ، والى ما ذكرناه أقرب ، من ان القافة لا يقولون الا حقا ، ولا يحكمون الا صدقا.

وبالجملة فالدليل من الاخبار على التحريم غير ظاهر ، وليس الا ما يدعى من الإجماع.

نعم يمكن ان يقال : ان الحكم بإلحاق شخص بآخر ، الموجب لترتب أحكام كثيرة ، مثل حل النظر ، والميراث ، وتحريم المناكحة ، ونحو ذلك ، يحتاج الى دليل شرعي قاطع ، والخبر المذكور لا دلالة فيه على وجه يوجب ذلك مطلقا. والله العالم.

(الثالث) : في الكهانة.

قال في المسالك : هي بكسر الكاف ، عمل يوجب طاعة بعض الجان له واتباعه له ، بحيث يأتيه بالأخبار الغائبة. وهو قريب من السحر.

أقول : ويدل على تحريمها ما تقدم في حديث ابى بصير ، المذكور في الموضع الثاني (١).

وما رواه في مستطرفات السرائر ـ نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : ان عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشي‌ء يسرق أو شبه ذلك فنسأله ، فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مشى الى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول ، فقد كفر بما انزل الله من كتاب (٢).

__________________

(١) في ص ١٨٢ عن الوسائل ج ١٢ ص ١٠٨ حديث : ٢.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ١٠٩ حديث : ٣.

١٨٤

وأنت خبير بأنه قد تقدم في كلام المسالك ، في تعريف السحر ، ومثله في كلام الدروس ، ان من جملة السحر استنزال الشياطين في كشف الغائبات. وهو بظاهره مما يدل على دخول الكهانة تحت السحر. وفي كلامه هنا ما يؤذن للمغايرة ، وان كان قريبا منه ، ولا يخلو من نوع تدافع. والخبر الثاني مما يؤيد ما ذكره هنا من المغايرة ، وهو الأظهر ، للخبر.

(الرابع) في الشعبذة.

وهي الحركات السريعة التي يترتب عليها الأفعال العجيبة ، بحيث يلتبس على الحس الفرق بين الشي‌ء وشبهه ، لسرعة الانتقال منه الى شبهه.

وقد صرح في المنتهى بنفي الخلاف عن التحريم. والظاهر : انه لا دليل سواه ، فانى لم أقف بعد التتبع على خبر يدل على ذلك.

١٨٥

المسألة الثامنة

في القمار

قال في المنتهى : القمار حرام بلا خلاف بين العلماء. وكذا ما يؤخذ منه. قال الله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (١). الى ان قال : فان جميع أنواع القمار حرام ، من اللعب بالنرد ، والشطرنج ، والأربعة عشر ، واللعب بالخاتم ، حتى لعب الصبيان بالجوز ، على ما تضمنته الأحاديث ، ذهب إليه علماؤنا اجمع. وقال الشافعي : يجوز اللعب بالشطرنج. وقال أبو حنيفة بقولنا. انتهى.

أقول : والاخبار بما ذكروه هنا مستفيضة متكاثرة ، ومنها ما في الكافي عن ابى عبيدة الحذاء في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» (٢) فقال : كانت قريش تقامر الرجل بأهله وما له ، فنهاهم الله عزوجل عن ذلك. (٣).

__________________

(١) سورة المائدة : ٩١.

(٢) سورة البقرة : ١٨٨.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٢٢ حديث : ١.

١٨٦

وعن جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : لما انزل الله عزوجل على رسوله الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ» (١) قيل : يا رسول الله ما الميسر؟ فقال : ما تقومر به حتى الكعاب والجوز. قيل : فما الأنصاب؟ قال : ما ذبحوه لآلهتهم. قيل : فما الأزلام؟ قال قداحهم التي يستقسمون بها. (٢).

وعن الوشاء عن ابى الحسن عليه‌السلام قال : سمعته يقول : الميسر هو القمار (٣).

وعن إسحاق بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ، ويقامرون. فقال : لا تأكل منه فإنه حرام. (٤).

وعن السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : كان ينهى عن الجوز يجي‌ء به الصبيان من القمار ان يؤكل. قال : هو سحت. (٥).

وعن عبد الحميد بن سعيد ، قال : بعث أبو الحسن غلاما يشترى له بيضا ، فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها ، فلما اتى به اكله ، فقال له مولى له : ان فيه من القمار. قال فدعى بطشت فتقيأه. (٦).

وعن محمد بن مسلم ، عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ قال : لا تصلح المقامرة ولا النهبة (٧).

وعن السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللعب

__________________

(١) سورة المائدة : ٩٠.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٢٣ حديث : ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٢٤ حديث : ٩.

(٤) الكافي ج ٥ ص ١٢٤ حديث : ١٠.

(٥) الكافي ج ٥ ص ١٢٣ حديث : ٦.

(٦) الكافي ج ٥ ص ١٢٣ حديث : ٣.

(٧) الكافي ج ٥ ص ١٢٣ حديث : ٥.

١٨٧

بالشطرنج والنرد. (١).

وعن ابى جندب عمن أخبره (٢) عن الصادق عليه‌السلام ، قال : الشطرنج ميسر والنرد ميسر. (٣).

وعن ابى بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام النرد والشطرنج هما الميسر. (٤).

وعن عمر بن يزيد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ان الله عزوجل في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار ، الا من أفطر على مسكر ، أو مشاحن ، أو صاحب شاهين. قلت : وأى شي‌ء الشاهين؟ قال الشطرنج. (٥).

قال في الوافي : المشاحن المعادي. والشحناء العداوة. ولعل المراد منه هنا : صاحب البدعة المفارق للجماعة. كذا فسره الأوزاعي في الحديث النبوي «يغفر الله تعالى لكل عبد ما خلا مشركا أو شاحنا». وشاهين تثنية شاه ، وهو من آلات الشطرنج ، وهما اثنان.

أقول : لعل الأظهر في الخبر هو الحمل على من أضمر عداوة لأخيه المؤمن.

وعن زرارة عن الصادق عليه‌السلام ، انه سئل عن الشطرنج. وعن لعبة شبيب التي يقال لها : لعبة الأمير. وعن لعبة الثلاث ، فقال : أرأيتك إذا ميز الله الحق والباطل ، مع أيهما تكون؟ قال : قلت : مع الباطل. قال : فلا خير فيه (٦).

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٣٨ حديث : ٩.

(٢) وذلك لانه من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا ـ عليهما‌السلام ـ ولم يدرك الامام الصادق ـ ع.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢٤٠ حديث : ١٤.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ٢٤٢ حديث : ٢.

(٥) الوسائل ج ١١ ص ٢٣٨ : ٤.

(٦) الوسائل ج ١٢ ص ٢٣٨ : ٥.

١٨٨

أقول : وكما يحرم اللعب بذلك ، كذلك يحرم حضور المجالس التي يلعب فيها بذلك ، والنظر الى ذلك ، فروى في الكافي عن حماد بن عيسى في الصحيح أو الحسن ، قال : دخل رجل من البصريين على ابى الحسن الأول عليه‌السلام فقال له : جعلت فداك ، إني أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج ، ولست ألعب بها ، ولكن انظر. فقال ، مالك ولمجلس لا ينظر الله الى اهله (١).

وعن سليمان الجعفري عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : المطلع في الشطرنج كالمطلع في النار (٢). وعن ابن رئاب قال : دخلت على ابى عبد الله عليه‌السلام ، فقلت له : جعلت فداك ، ما تقول في الشطرنج؟ فقال : المقلب لها كالمقلب للحم الخنزير. قال : فقلت : ما على من قلب لحم الخنزير؟ قال : يغسل يده (٣).

وفي مستطرفات السرائر من جامع البزنطي عن ابى بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة ، والخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير ، ولا صلاة له حتى يغسل يده كما يغسلها من لحم الخنزير ، والناظر إليها كالناظر في فرج امه ، واللاهي بها والناظر إليها في حال ما يلهى بها والسلام على اللاهي بها في حالته تلك ، في الإثم سواء. ومن جلس على اللعب بها ، فقد تبوأ مقعده من النار ، وكان عيشه ذلك حسرة عليه في القيامة. وإياك ومجالسة اللاهي والمغرور بلعبها ، فإنها من المجالس التي باء أهلها بسخط من الله ، يتوقعونه في كل ساعة فيعمك معهم (٤).

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٤١ حديث : ١.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٤١ حديث : ٢.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢٤٢ حديث : ٣.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ٢٤١ حديث : ٤.

١٨٩

المسألة التاسعة

في الغش بالخفي ، وتدليس الماشطة ، وتزيين الرجل بما يحرم عليه.

والكلام هنا يقع في موارد ثلاثة : ـ

(الأول) : في الغش بالخفي ، كشوب اللبن بالماء.

ولا خلاف في تحريمه ، كما حكاه في المنتهى.

اما لو غش بما لا يخفى ، كالتراب يجعله في الحنطة ، والردى منها بالجيد ، فظاهر الأصحاب عدم التحريم ، وان كان مكروها ، لظهور العيب المذكور للمشتري فهو انما اشترى راضيا به.

ولعل وجه الكراهة عندهم : انه تدليس في الجملة ، وانه ربما يغفل عنه المشترى لا سيما مع كثرة الجيد إذا خلطه بالردي.

والذي يدل على الحكم الأول من الاخبار : ما رواه في الكافي عن هشام ابن سالم في الصحيح أو الحسن ـ بإبراهيم بن هاشم ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ليس منا من غشنا (١).

وبهذا الاسناد عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجل يبيع التمر :

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ ص ٢٠٨ حديث : ١. وإبراهيم لا غمز فيه فالرواية صحيحة.

١٩٠

يا فلان ، أما علمت انه ليس من المسلمين من غشهم (١). ورواه الشيخ ، وكذا الذي قبله.

وعن هشام بن الحكم ، في الصحيح أو الحسن ، قال : كنت أبيع السابري في الظلال ، فمر بي أبو الحسن الأول موسى عليه‌السلام راكبا ، فقال لي : يا هشام ، ان البيع في الظلال غش ، والغش لا يحل (٢). ورواه الصدوق بإسناده ، عن هشام مثله.

أقول : السابري ثياب رقيقة جيدة وفيه دلالة على تحريم بيع الثياب في المكان المظلم ، بطريق اولى.

وعن السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يشاب اللبن بالماء للبيع (٣). ورواه الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن مسلم مثله.

وعن موسى بن بكر ، قال : كنا عند ابى الحسن موسى عليه‌السلام ، وإذا دنانير مصبوبة بين يديه ، فنظر الى دينار ، فأخذه بيده ، ثم قطعه بنصفين ، ثم قال لي : ألقه في البالوعة حتى لا يباع شي‌ء فيه غش (٤).

وعن الحسين بن زيد الهاشمي عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : جاءت زينب العطارة الحولاء الى نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عندهن ، فقال : إذا أتيتنا طابت بيوتنا. فقالت : بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله ، قال : إذا بعت فأحسني ولا تغشى ، فإنه أنقى وأبقى للمال. الحديث (٥). وعن عيسى بن هشام عن رجل من أصحابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : دخل عليه رجل يبيع الدقيق ، فقال : إياك والغش ، فان من غش غش في ماله ،

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٨ حديث : ٢.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٨ حديث : ٣.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٨ حديث : ٤.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٩ حديث : ٥.

(٥) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٩ حديث : ٦.

١٩١

وان لم يكن له مال غش في اهله (١). وعن سعد الإسكاف عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سوق المدينة بطعام ، فقال لصاحبه : ما ارى طعامك الا طيبا ، وسأله عن سعره ، فأوحى الله عزوجل اليه ان يدس يديه في الطعام ، ففعل فأخرج طعاما رديا فقال لصاحبه : ما أراك الا وقد جمعت خيانة وغشا للمسلمين (٢). وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يكون عنده لونان من طعام واحد سعرهما بشي‌ء ، وأحدهما أجود من الأخر ، فيخلطهما جميعا ، ثم يبيعهما بسعر واحد. فقال : لا يصلح له ان يغش المسلمين ، يبينه (٣).

وعن الحسين بن المختار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انا نعمل القلانس فنجعل فيها القطن العتيق ، فنبيعها ولا نبين لهم ، ما فيها؟ قال : أحب لك ان تبين لهم ما فيها (٤).

وعن الحلبي في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشترى طعاما ، فيكون أحسن له وأنفق له ان يبله ، من غير ان يلتمس فيه زيادته. فقال : ان كان بيعا لا يصلحه الا ذلك ولا ينفقه غيره ، من غير ان يلتمس فيه زيادة ، فلا بأس. وان كان انما يغش به المسلمين فلا يصلح (٥).

أقول : ظاهر هذا الخبر ان الجواز وعدمه دائران مدار قصد البائع ، في بلة الطعام. فإنه متى كان قصده انما هو لأجل إنفاق السلعة وشرائها ، وانه بدون ذلك يكسد عليه ، فلا بأس بما يفعله. وان كان غرضه انما هو لأجل زيادة في الوزن ، فهو غير جائز.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٩ حديث : ٧.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٠٩ حديث : ٨.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٤٢٠ حديث : ٢.

(٤) الوسائل ج ١٣ ص ٢١٠ حديث : ٩.

(٥) الوسائل ج ١٢ ص ٤٢١ حديث : ٣.

١٩٢

واما ما يدل على الحكم الثاني ، فما رواه في الكافي والتهذيب ، عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما ، انه سئل عن طعام يخلط بعضه ببعض ، وبعضه أجود من بعض. فقال : إذا رؤيا جميعا فلا بأس ، ما لم يغط الجيد الردي (١).

أقول : قد عرفت دلالة خبر سعد الإسكاف على تحريم تغطية الجيد الردى ، وهو المشار إليه في هذا الخبر ، فظاهر الخبرين الحرمة في الصورة المذكورة. ويمكن حمل ذلك على ما إذا حصل الاشتباه ولم يعلم. ولو فرض العلم بعد البيع بظهور ذلك الردى ، فيمكن القول بالكراهة وان للمشتري الخيار بظهور العيب حينئذ.

ثم انه مع خفاء الغش ـ كما هو الحكم الأول ـ فقد عرفت انه لا خلاف في التحريم ، وانما الخلاف في انه هل يصح البيع؟ وان ثبت للمشتري الخيار بعد ظهور ذلك ، ويكون حكمه حكم ما لو ظهر في المبيع عيب من غير الجنس ، أم لا؟ قولان.

جزم في المسالك بالأول ، لما ذكرناه ، ثم قال : وربما احتمل البطلان : بناء على ان المقصود بالبيع هو اللبن ، والجاري عليه العقد هو المشوب ، فيكون كما لو باعه هذا الفرس فظهر حمارا. وقد ذكروا في هذا المثال اشكالا من حيث تغليب الإشارة أو الاسم. والفرق بينه وبين ما نحن فيه ظاهر. انتهى.

أقول : الظاهر ان ما ذكره في تعليل البطلان من قوله : فيكون كما لو باعه. إشارة الى ما ذكره في الذكرى في باب صلاة الجماعة ، حيث قال : ولو نوى الاقتداء بالحاضر على انه زيد فبان عمرا ، ففي ترجيح الإشارة على الاسم فيصح ، أو بالعكس فيبطل ، نظر. ونظيره : ان يقول المطلق لزوجته التي اسمها عمرة هذه زينب طالق. أو يشير البائع إلى حمار ، فيقول : بعتك هذا الفرس. انتهى.

أقول : من المحتمل قريبا ان النهى في الاخبار المتقدمة وما في معناه ، انما هو من حيث عدم صلاحية المبيع المذكور للبيع من حيث الغش ، كبيع العذرة ونحوها مما منعت منه الاخبار ، لعدم قابليتها للانتقال ، وان اختلف الوجه في كل منهما

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٤٢٠ حديث : ١ باب : ٩ من أبواب العيوب.

١٩٣

وان الوجه في المنع في العذرة والخمر ونحوها من حيث النجاسة ، وفيما نحن من حيث الغش. والفرق بينه وبين ما ذكره في المسالك في وجه الصحة من ان حكمه حكم ما لو ظهر في المبيع عيب ، ظاهر ، لان ما نحن فيه مما استفاضت الاخبار ، كما عرفت ، بالنهي عن بيعه ، وليس الوجه فيه الا ما ذكرنا ، وعموم أدلة صحة البيع ظاهرة في تجويز بيع ما فيه عيب ، وصحته مع جبره بالخيار للمشتري. والله العالم.

المورد الثاني

في تدليس الماشطة :

والمراد بذلك : ما إذا أرادت تزويج امرأة برجل ، ومثله بيع امة ، بان تستر عيوبها وتظهر لها محاسن ليست فيها ، كتحمير وجهها ووصل شعرها ونحو ذلك ، مما يوجب رغبة الزوج في تزويجها أو المالك في شرائها.

والظاهر : ان ذكر الماشطة في كلامهم ، انما خرج مخرج التمثيل ، والا فلو فعلت المرأة بنفسها ذلك للغرض المذكور ، فالظاهر ان الحكم فيها كذلك.

ولعل الوجه في تحريم ذلك من حيث التدليس والغش ، وهو محرم كما تقدم.

ولم أقف فيما حضرني من الاخبار ، على ما يدل على الحكم المذكور ، سوى ما أشرنا إليه من دخوله تحت الغش والتدليس ، واليه أشار المقدس الأردبيلي ، حيث قال : وكأن دليل التحريم الإجماع وانه غش وهو حرام ، كما تدل عليه الاخبار وقد تقدمت. انتهى.

هذا كله مع عدم علم الزوج والمشترى بذلك. واما فعل الزوجة بنفسها

١٩٤

ذلك ، وفعل الماشطة بها لقصد إظهار الزينة لزوجها ، فالظاهر انه لا بأس به ، لما يدل عليه رواية سعد الإسكاف عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها ، قال : قلت له : بلغنا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن الواصلة والموصولة؟ فقال : ليس هناك ، انما لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الواصلة والموصولة التي تزني في شبابها ، فلما كبرت قادت النساء الى الرجال ، فتلك الواصلة والموصولة. (١).

ويؤيده ما في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن ، عن جده على بن جعفر ، انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، عن المرأة التي تحف الشعر من وجهها ، قال : لا بأس (٢).

هذا ، والظاهر من الاخبار : انه لا بأس بكسب الماشطة ، الا ان الأفضل لها ان لا تشارط وتقبل ما تعطى. فروى في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : لما هاجرت النساء الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هاجرت فيهن امرأة يقال لها أم حبيب ، وساق الخبر الى ان قال : وكان لام حبيب أخت يقال لها أم عطية وكانت مقنية يعني ماشطة ، فلما انصرفت أم حبيب إلى أختها أخبرتها بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لها ، فأقبلت أم عطية إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته بما قالت لها أختها ، فقال لها رسول الله : ادنى منى يا أم عطية ، إذا أنت قنيت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة ، فإن الخرقة تشرب ماء الوجه. وفي التهذيب : بماء الوجه (٣).

وعن ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال دخلت ماشطة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لها : هل تركت عملك أو أقمت عليه؟ فقالت : يا رسول الله انا أعمله إلا ان تنهاني عنه فانتهى ، فقال : افعلي ، فإذا مشطت فلا تجلى الوجه بالخرق فإنه

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ ص ١٣٥ حديث : ٢.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٩٥ حديث : ٨ قال في المصباح المنير : حفت المرأة وجهها حفا من باب قتل : زينته بأخذ شعره. وحف شاربه : إذا أعفاه. منه قدس‌سره.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٩٢ حديث : ١. وص ٩٣ حديث : ١.

١٩٥

يذهب بماء الوجه ، ولا تصلى الشعر بالشعر (١).

وروى في الفقيه مرسلا ، قال : قال عليه‌السلام : لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط وقبلت ما تعطى ، ولا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها ، واما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة (٢).

وروى في التهذيب عن على عليه‌السلام : قال : سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس ليس لها معيشة غير ذلك ، وقد دخلها ضيق. قال : لا بأس ، ولكن لا تصل الشعر بالشعر (٣).

وعن عبد الله بن الحسن ، قال : سألته عن القرامل. قال : وما القرامل؟ قلت : صوف تجعله النساء في رؤسهن. قال : ان كان صوفا فلا بأس به ، وان كان شعرا فلا خير فيه ، من الواصلة والموصولة (٤).

وروى في معاني الأخبار بسنده عن على بن غراب عن جعفر بن محمد عن آبائه عليه‌السلام ، قال : لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النامصة والمنتمصة ، والواشرة والموتشرة ، والواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة (٥).

قال الصدوق : قال على بن غراب : النامصة التي تنتف الشعر ، والمنتمصة التي يفعل ذلك بها ، والواشرة التي تشر أسنان المرأة وتفلجها وتحددها ، والموتشرة التي يفعل ذلك بها ، والواصلة التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها ، والمستوصلة التي يفعل ذلك بها ، والواشمة التي تشم وشما في يد المرأة أو في شي‌ء من بدنها ، وهو ان تغرز بدنها أو ظهر كفها أو شيئا من بدنها بإبرة حتى تؤثر فيه ، ثم تحشوه بالكحل أو بالنورة ، فتخضر ، والمستوشمة التي يفعل ذلك بها.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٩٤ حديث : ٢.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٩٥ حديث : ٦.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٩٤ حديث : ٤.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ٩٥ حديث : ٥.

(٥) الوسائل ج ١٢ ص ٩٥ حديث : ٧.

١٩٦

بقي الكلام في ان جملة هذه الاخبار ، قد اتفقت في الدلالة على النهى عن وصل الشعر بشعر امرأة غيرها ، وظاهر حديث سعد الإسكاف المتقدم : انه لا بأس بما تزينت به المرأة لزوجها ، وان كان بوصل شعرها بشعر امرأة غيرها ، فإنه لما سأله السائل عن الحديث المتضمن للعن الواصلة والمستوصلة ، فسره عليه‌السلام بمعنى آخر ، تنبيها على الجواز ، وان الخبر ليس المراد به ذلك ، مع استفاضة هذه الاخبار كما ترى بالمنع والنهى.

وجمع بعض الأصحاب (١) بين هذه الاخبار بحمل الأخيرة على الكراهة.

ويؤيده نفى البأس في رواية قرب الاسناد عن حف الشعر عن الوجه ، مع دلالة رواية على بن غراب على النهى عن نتف الشعر.

وربما حملت ايضا على قصد التدليس عند ارادة التزويج ، والظاهر بعده عن سياق الأخبار المذكورة

واحتمل ثالث حمل النهى من حيث عدم جواز الصلاة في شعر الغير ، وهو أبعد ، فإنه لم يقم عليه دليل ، بل الدليل على خلافه واضح السبيل كما تقدم تحقيقه في كتاب الصلاة ، في بحث لباس المصلى.

المورد الثالث

في تزيين الرجل بما يحرم عليه ، كتزيينه بالذهب والحرير ، الا ما استثنى. وظاهر المسالك : تفسيره بما يختص بالنساء كلبس السوار والخلخال والثياب المختصة بهن بحسب العادة. قال : ويختلف ذلك باختلاف الأزمان والأصقاع.

__________________

(١) هو المولى محمد تقي المجلسي في حواشيه على التهذيب. منه قدس‌سره.

١٩٧

أقول : الظاهر ان الأقرب هو ما ذكرناه أولا ، وهو الذي فسره به بعض الأصحاب أيضا ، لأن الثاني على تقدير تسليم تحريمه لا يكون مطردا ، بل يختلف على الوجه الذي ذكره ، بخلاف ما ذكرناه أولا ، فإن التحريم ثابت معلوم مطرد في جميع الأوقات والأزمان ، إلا مواضع مخصوصة دل الدليل على استثنائها.

قال في المسالك : وكذا يحرم على المرأة التزين بزينة الرجل والتحلي بحلية المختصة به ، كلبس المنطقة والعمامة والتقليد بالسيف. ولا فرق في الأمرين بين مباشرة الفاعل لذلك بنفسه أو تزيين غيره له ، الا ان المناسب للعبارة هنا فعل الغير بهما ليكتسب به ، اما فعلهما بأنفسهما فلا يعد تكسبا الا على تجوز بعيد. انتهى.

أقول : لم أقف في هذا الموضع على خبر ولا دليل يدل على ما ذكروه ، سوى ما ورد من عدم جواز لبس الرجل الذهب والحرير ، فلو خص تحريم التزيين بذلك لكان له وجه لما ذكرناه ، واما ما عداه فلم نقف على دليل تحريمه ، لا بفعل الإنسان ولا بفعل الغير به.

ويشير الى ما ذكرناه ما صرح به المقدس الأردبيلي في هذا المقام ، حيث قال ـ بعد ذكر نحو ما قدمناه ـ : ولعل دليله الإجماع بنفسه ، وانه نوع غش ، وهو محرم. والإجماع غير ظاهر فيما قيل ، وكذا كونه غشا وهو ظاهر. انتهى.

أقول : قد عرفت صحة هذا الحكم بالنسبة إلى تزيين الرجل بالذهب والحرير ، لما ذكرناه. وانما موضع الاشكال ما عدا ذلك مما قدمنا نقله عنهم.

نعم قد ورد في بعض الاخبار : لعن المتشبهين بالنساء ولعن المتشبهات بالرجال. الا ان الظاهر منها ـ باعتبار حمل بعضها على بعض ـ انما هو باعتبار التأنيث وعدمه ، لا باعتبار اللبس والزي.

فقد روى في الكافي بسنده عن جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : قال رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث : لعن الله المحلل والمحلل له ، ومن يوالي غير مواليه ، ومن ادعى نسبا لا يعرف ، والمتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال ،

١٩٨

ومن أحدث حدثا في الإسلام ، أو آوى محدثا ، ومن قتل غير قاتله ، أو ضرب غير ضاربه (١).

وروى الصدوق في العلل عن عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على عليه‌السلام انه رأى رجلا به تأنيث ، في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : اخرج من مسجد رسول الله ، يا لعنة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال على ـ عليه‌السلام ـ : انى سمعت رسول الله يقول : لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال (٢).

قال : وفي حديث آخر : أخرجوهم من بيوتكم فإنهم أقذر شي‌ء (٣).

وبهذا الاسناد عن على عليه‌السلام ، قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالسا في المسجد حتى أتاه رجل به تأنيث ، فسلم عليه فرد عليه‌السلام ، ثم أكب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الأرض يسترجع ، ثم قال : مثل هؤلاء في أمتي؟! انه لم يكن مثل هؤلاء في أمة إلا عذبت قبل الساعة (٤).

__________________

(١) روضة الكافي (ج ٨) ص ٧١.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢١١ حديث : ٢.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢١٢ حديث : ٣.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ٢١٢ حديث : ٤.

١٩٩

المقام الرابع

فيما يحرم لتحريم ما يقصد به

كآلات اللهو ، مثل العود والزمر. وهياكل العبادة (١) المبتدعة ، كالصليب (٢) والصنم. وآلات القمار كالنرد والشطرنج. واجارة المساكن والسفن للمحرمات. وبيع العنب ليعمل خمرا. وبيع الخشب ليعمل صنما. ويكره بيع ذلك لمن يعملها.

وتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على بسطه في مواضع :

الأول : لا خلاف بين الأصحاب في تحريم عمل آلات اللهو والتكسب بها وبيعها. مثل العود والدفوف والطبول والمزامير ونحوها مما ذكر.

__________________

(١) الهيكل في الأصل : بيت الصنم. كما نص عليه الجوهري وغيره. واما إطلاقه على نفس الصنم ، كما وقع في كلام الأصحاب في هذا المقام : فالظاهر : انه من باب المجاز ، إطلاقا لاسم المحل على الحال. منه قدس‌سره.

(٢) قال في مجمع البحرين : صليب النصارى : هيكل مربع يدعون النصارى ان عيسى ـ ع ـ صلب على خشبة ، على تلك الصورة. وفي المغرب : هو شي‌ء مثلث كالتماثيل تعبده النصارى. انتهى. منه قدس‌سره.

٢٠٠