الروضة المختارة ـ القصائد الهاشميّات والقصائد العلويّات

المؤلف:


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٨

ولا تقف بديار الحي تسألها

تبكي معارفها ضلا بتضليل (١)

ما أنت والدار إذ صارت معارفها

للريح ملعبة ذات الغرابيل (٢)

نفسي فداء الذي لا الغدر شيمته

ولا المعاذير من بخل وتقليل

الحازم الرأي والمحمود سيرته

والمستضاء به والصادق القيل

وقال أيضا

أهوى عليا أمير المؤمنين ولا

ألوم يوما أبا بكر ولا عمرا

ولا أقول وإن لم يعطيا فدكا

بنت النبي ولا ميراثه كفرا (٣)

__________________

١ ـ الضل والضلال والتضليل واحد.

٢ ـ ذات الغرابيل التى تنخل التراب وتسفيه. ومعارف الدار معالمها.

٣ ـ فدك قرية روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصدق بها على فاطمة رضي الله عنها. وأما منع الخليفتين فاطمة فإن أبا بكر سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . يقول : نحن معشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة بالضم ، فالشيعة يروونه صدقة فنصبوا صدقة على الحال والتقدير لا نورث ما تركناه حال كونه صدقة. ومفهومه أنهم يورثون غيره. وأما تملك فدك : فهو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث إلى أهلها في سنة سبعة من الهجرة يدعوهم إلى الاسلام فصالحوه على نصف الارض فقبل منهم ذلك وصار نصف فدك خالصا لرسول الله لانه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب يصرف ما يأتيه منها على أبناء السبيل وفعل ذلك الخلفاء الراشدين فلما ولي معاوية الخلافة أقطعها مروان بن الحكم فوهبها مروان بنيه. ولما ولي عمر بن عبد العزيز خطب الناس وأعلمهم أمر فدك وأعلمهم أنه قدردها إلى ما كانت عليه مع رسول الله والخلفاء الراشدين. فوليها أولاد فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أخذت عنهم ثم ردها إليهم المأمون في سنة عشرين ومائتين.

٨١

الله يعلم ماذا يأتيان به

يوم القيامة من عذر إذا اعتذرا

إن الرسول رسول الله قال لنا

إن الامام علي غير ما هجر (١)

في موقف أوقف الله الرسول به

لم يعطه قبله من خلقه بشرا

من كان يرغمه رغما فدام له

حتى يرى أنفه بالترب منعفرا

وقال في مقتل زيد بن علي

يعز على أحمد بالذي

أصاب ابنه أمس من يوسف (٢)

خبيث من العصبة الاخبثين

وإن قلت زانين لم أقذف

وقال أيضا رضي‌الله‌عنه

دعاني ابن الرسول فلم أجبه

ألهفي لهف للقلب الفروق (٣)

حذار منيه لا بد منها

وهل دون المنية من طريق

__________________

١ ـ الهجر : القول القبيح وهو مضاف إليه. وهذا يسمى بالاصراف وهو اختلاف المجرى بفتح وغيره. فيقال : أصرف الشاعر شعره إصرافا إذا أقوى فيه وخالف بين القافيتين.

٢ ـ يريد يوسف بن عمر الثقفي عامل هشام على العراق الذي قتل زيد بن علي ابن الحسين عليهم‌السلام.

٣ ـ الفروق الخائف من الفرق بالتحريك وهو الخوف والجزع.

٨٢

القسم الثاني

شرح القصائد العلويات السبع

شعر

ابن أبي الحديد المعتزلي

٨٣

القصيدة الاول في ذكر فتح خيبر

ألا إن نجد المجد أبيض ملحوب

ولكنه جم المهالك مرهوب (١)

هو العسل الماذي يشتاره امروء

بغاه واطراف الرماح يعاسيب (٢)

ذق الموت إن شئت العلى واطعم الردى

فنيل الاماني بالمنية مكسوب (٣)

__________________

١ ـ النجد الطريق المرتفع وقد يتسع فيه فيسمى نجدا وان لم يكن مرتفعا. والمجد الكرم والماجد الكريم. والملحوب الواضح المديس يقال لحبت اللحم عن العظم الحبه لحبا إذا قشرته وكذا العود وغيره. والجم الكثير. والمرهوب المخوف

٢ ـ الماذي : الابيض. ويشتاره يستخرجه من موضعه يقال شريت العسل واشرتها اي اجتنيتها. واليعاسيب جمع يعسوب وهو ذكر النحل ومتقدمها وقيل للسيد يعسوب وامرء اصله مرء فاسكنوا الميم على غير قياس وادخلوا عليه الف الوصل وجعلوا حركة الراء تبعا لحركة الهمزة وحداهم على ذلك حذف الهمزة منه تخفيفا والقاء حركتها على الراء كما يقال كمء وكم ونبهوا بجعل حركة الراء تبعا على انها قد تكون حرف اعراب ومعنى البيتين ان مسلك المجد مع وضوحه وظهوره كثير الاهوال صعب المسالك وذلك لان المطالب العالية لا تنال الا باقتحام الحروب ومكابدة الخطوب ولما استعار لفظ العسل للمجد استعار لفظ اليعا سيب للرماح التي هي دون المجد كاليعاسيب دون العسل.

٣ ـ العلى والعلاء الرفعة والشرف إذا قصرت ضمت وإذا مدت فتحت. والردى الهلاك يقال منه ردى يردى. والاماني بتشديد الياء جمع امنية وهو ما يتمناه الانسان وخففت الياء ضرورة. والمنية الموت لانها مقدرة المنا والقدر والمنا التقدير.

٨٤

خض الحتف تأمن خطة الخف إنما

يبوخ ضرام الخطب والخطب مشبوب (١)

ألم تخبر الاخبار في فتح خيبر

ففيها لذي اللب الملب أعاجيب (٢)

وفوز علي بالعلى فوزها به

فكل إلى كل مضاف ومنسوب (٣)

__________________

١ ـ خض امر من خاض يخوض خوضا بالمعجمتين ، الحتف الموت وجمعه حتوف يقال مات فلان حتف انفه إذا مات من غير قتل ولا ضرب ولا يبنى منه فعل وخطة السخف حالة الذل يقال سامه خسفا بفتح الخاء وضمها اي اذله ذلا ، والخسف ايضا النقصان. ويبوخ يسكن والخطب الامر الشديد ، وقال الجوهرى الخطب سبب الامر وضرامه التهابه. والمشبوب الملتهب واستعار لفظ الخوض للدخول في غمار الخطب يقول لا يهولنك ما تراه من اضطرام نيران الملاحم فارم بنفسك في اهوالها فانها انما تسكن وهي على تلك الحالة مع ثبوت النفس ورباطة الجأش.

٢ ـ الهمزة للتقدير واللب العقل والملب المقيم الثابت يقال الب بالمكان ولب إذا أقام ومنه لبيك قال الغزالي انا مقيم على طاعتك ، ونصب على المصدر كقولك حمدالله وشكر الله وثني على معنى التاكير اي البابا بعد الباب واقامة بعد اقامة. والاعاجيب جمع اعجوبة ولما ذكرن المجد لا يدرك الا بتجشم الاخطار وتقحم المهالك خرج إلى مدح مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام بذكر هذا المدح الجليل الذي لم يحصل الا بمثل ما قرره ووطاه ولهذا حيث فر غيره في ذلك اليوم وحين لم يفز بما فاز به ولا ادرك ما ادركه من الفضل.

٣ ـ الفوز : النجاة والظفر بالخير وهو ايضا في غير هذا الموضع الهلاك واضافة الفوز إلى العلا مجاز المعنى اي كما ظفر علي بالعلى فازت العلى به بالغ في شرفه حتى ان حصول العلى له فوز للعلى وشرف لها وفيه من اللطف ما لا يخفى.

٨٥

حصون حصان الفرج حيث تبرجت

وما كل ممتط الجزارة مركوب (١)

يناط عليها للنجوم قلائد

ويسفل عنها للغمام أهاضيب (٢)

وتنهل للجرباء فيها ولم تصيب

رذاذا على شم الجبال أساكيب (٣)

__________________

١ ـ حصون خبر مبتدأ محذوف اي هي الحصون والحصان المرأة العفيفة. والفرج الموضع المخوف كالثغر والتبرج اظهار المرأة محاسنها وهو ضد الحصانة. والممتط والممتد والجزارة اطراف البعير لان الجزار يأخذها فهي جزارته كالعمالة للعامل والجزور من الابل يقع على الذكر والانثى واستعار وصف المرأة للحصون في الحصانة والتبرج يريد ان هذه الحصون مع ظهورها ممتنعة على من يروم فتحها وضرب لها المثل فقال ليس كلما يمشي على الاربع يمكن ركوبها فان السبع ممتد القوائم وهو ممتنع ولقد اجاد في هذا البيت ان لم يكن سبق إلى معناه.

٢ ـ يناط يعلق يقال ناط الشيء ينوطه إذا علقه والنياط عرق علق بها القلب من الوتين فإذا انقطع مات صاحبه وهو النيط ايضا. والاهاضيب جمع هضاب والهضاب جمع هضب : جلباب القطر والهضبة القطرة هضبت السماء مطرت وجمعها هضب مثل بدرة وبدر يقول ان هذه الحصون لارتفاعها قد لا صقت السماء حتى كأن النجوم عليها قلائد وكأن جلباب المطر مستقلة عنها وذلك على سبيل المبالغة وهو بيت نادر.

٣ ـ تنهل تنصب. الجرباء السماء سميت بذلك لما فيها من الكواكب كأنها جرب وقد اسند اساكيب إليها وتلك لا غيث لها وانها الغيث للسحاب ويسمى سماء لارتفاعه وتصب تمطر ، والصوب نزول الغيث والصيب السحاب ذو الصوب. والرذاذ ضعيف المطر وشم الجبال المرتفعة منها جنع اشم واضاف الصفة إلى الموصوف اهتماما بها والتقدير الجبال الشم. والاساكيب جمع اسكوب هو الماء المنصب يقول ان هذه الحصون اعلى من الجبال فقوي المطر يصل إليها قبل ان يصل ضعيفه إلى رؤس الجبال والضعيف انما يكون قبل القوي في الاغلب وقد جعل الحصون في البيت الاول ارفع من الغيث وفي هذا جعله ارفع منها وليس ذلك عيبا لان من عادة الشعراء انهم يجمعون في الصفات بين الارجح والانقص وليس قصدهم الترتيب في التقديم والتأخير بل الجمع بين الصفات والتنوع في التشبه.

٨٦

وكم كسرت جيشا لكسرى وقصرت

يدي قيصر تلك القنان الشناخيب (١)

وكم من عميد بات وهو عميدها

ومن حرب اضحى بها وهو محروب (٢)

وارعن موار ألم بمورها

فلم يغن فيها جر مجر وتكتيب (٣)

ولا حام خوفا للعدى ذلك الحمى

ولالاب شوقا للردى ذلك اللوب (٤)

__________________

١ ـ كسرى بفتح الكاف وكسرها ملك الفرس وقيصر ملك الروم. والقنان جمع قنة وهي اعلى الجبل والشناخيب جمع شنخوب وشنخوبة وهي رؤوس الجبال شبه الحصون بالجبال والمعنى ظاهر.

٢ ـ عميد القوم وعمودهم سيدهم والعميد الثاني الذي هده المرض وهو العمود ايضا. والحرب بكسر الراء الذي اشتد غضبه المحروب المسلوب يقال حرب الرجل ماله فهو محروب وحريب يقول كم من سيد رام فتح هذه الحصون فقهرته وامرضته وكم من شجاع قد اشتد غضبه حنقا وحمية فاضحي مسلوب المال وذلك لما فيها من المنعة والقوة.

٣ ـ الارعن الجيش ، مشتق من الرعن وهو انف الجبل المتقدم ويجمع على رعون ورعان وقيل الجيش الارعن هو المضطرب لكثرته والموار المضطرب يقال مار الشيء يمور مورا إذا تحرك وذهب وجاء. والم نزل ، والالمام النزول والمور الطريق هنا وبضم الميم الغبار. ويغن وينفع والمجر الجيش الكثير وجره ثقل سيره يقال جيش جرار اي ثقيل السير لكثرته. والتكتيب تعبية الجيش كتيبة كتيبة يقول كم جيش هذه صفته نزل بهذه الحصون فلم تغن فيها كثرته ولا اثرت بها سطوته.

٤ ـ حام الطائر وغيره حول الماء يحوم حوما وحومانا اي دار ولاب عطش واللوب واللاب جمع لوبة ولابة وهي الحرة اي الارض التي بها حجار سوداء ، والمعنى انها لم تضطرب حماها لاجل خوف الردى ولا عطشت ارضها لا نجذابها إلى الهلاك بل هي آمنة ساكنة ، واصل الشوق منازعة النفس والنجذابها إلى الشيء ذلك اللوب للانجذاب إلى الهلاك والاشراف عليه ، والغالب على المشرف على الهلاك أن يتعطش فلذا نفاه كناية عن نفي الهلاك.

٨٧

فللخطب عنها والصروف صوارف

كما كان عنها للنواكب تنكيب (١)

تقاصر عنها الحادثات فللردى

طرائق إلا نحوها واساليب (٢)

فلما أراد الله فض ختامها

وكل عزيز غالب الله مغلوب (٣)

رماها بجيش يملا الارض فوقه

رواق من النصر الالهي مضروب (٤)

يسدده هدي من الله واضح

ويرشده نور من الله محجوب (٥)

__________________

١ ـ الفاء للتعليل اي السبب فيما ذكر من عدم ظفر احد بتلك الحصون ان لها موانع عن الخطوب والصروف لاستحكامها يقول للخطب عنها وصروف الزمان وهي حوادثه ونوائبه صوارف اي موانع كما كان تنكيب عنها اي عدول للنواكب هي جمع ناكبة اي عادلة عن الاستقامة.

٢ ـ تقاصر اصلها تتقاصر فحذف احدى التائين تخفيفا واساليب جمع اسلوب وهو الفن أخذ في اساليب من القول اي فنون ، والمعنى ظاهر.

٣ ـ لما إذا وليها الماضي كانت ظرفا لهذا الموضع بمعنى حين وعامله جوابه الذي يقتضيه وإذا وليها المستقبل كانت حرف جزم وهي نفي فعل وتكون بمعنى الا في قوله تعالى « ان كل نفس لما عليها حافظ » في قراءة من شدد وكذا قولهم نشدتك الله لما فعلت اي الا فعلت ، قال الخليل هذا كلام محمول على النفي ، وذكر ابو علي أن تقدير قولهم الا فعلت اي الا فعلك ومعناه الا ان تفعل فحذفت ان. والفض الكسر وفض ختامها كناية عن هدم بنيانها وفتح مغالقها.

٤ ـ الرواق في الاصل شقة طنب البيت واستعارة للنصر لاحاطته بهذا الجيش وتظليله اياه كما يظلل الرواق عن تحته ورماه جواب لما.

٥ ـ الهدي : الطريق الذي يهدي به أو فيه يقال لفلان هدي اي سمت يهتدي به ويسدده يثبته وقوله نور من الله يريد معارف اهل الايمان المضيئة في قلوبهم من عناية الله وتلك محجوبة عن الابصار.

٨٨

مغاني الدى فيه فأصيد اشوس

واجرد ذيال ومقاء سرحوب (١)

وقضاء زعف كالحباب قتيرها

واسمر عسال وابيض مخشوب (٢)

نهار سيوف في دجى ليل عثير

فابيض وضاح واسود غربيب (٣)

علي أمير المؤمنين زعيمه

وقائده نسر المفازة والذيب (٤)

__________________

١ ـ المغاني جمع مغنى وهو المنزل. والاصيد الملك قيل اصله البعير يكون برأسه داء فيرفعه وقيل يسمى بذلك لكونه لا يلتفت يمينا وشمالا واصله كل من به داء لا يتمكن من الالتفات لاجله. والاشوس الذي ينظر بمؤخر عينيه تكبرا أو تغيظا. والاجرد من الخيل الذي قل شعره وقصر وهو محمود. والذيال الطويل الذنب. والمقاء تأنيث الامق وهو الفرس الطويل والمقو الطول وفرس سرحوب اي طويلة ويوصف به الاناث دون الذكور وقد وصف حال الجيش فذكر الفرسان والسلاح والخيل وذكورها.

٢ ـ القضاء الدروع الخشنة والزعف جمع زعفة بسكون العين وتحريكها في الواحد والجمع وهي الدروع اللينة ، قال الشيباني الزعفة الواسعة فعلى هذا القول لا تناقض لكنه وصف الواحدة بالجمع لان القضاء مفردة والزعف جمع وعذره انه اراد الجنس والحباب نفاخات الماء التي تعلوه. والقتير رؤس المسامير في الدروع ، شبه المسامير بالفقاقيع التي على وجه الماء وهو تشبيه مصيب. والاسمر العسال الرمح وسمي عسالا لا هتزازه واضطرابه. والعسلان سرعة المشي. والابيض المخشوب : السيف المصقول.

٣ ـ العثير غبار الحروب والغربيب الشديد السواد ولقد احسن في هذا البيت واجاد جمع بين حسن التشبيه وفصاحة اللفظ وبديعه.

٤ ـ الزعيم سيد القوم ورئيسهم والمفازة واحدة المفاوز سميت بذلك لانها مهلكة من فوز إذا هلك ، قال الاصمعي سميت بذلك تفاؤلا بالسلامة والفوز واراد بالنسر والذئب الجنس منهما وجعله قائدا لتحققه النصر والظفر لهذا الجيش.

٨٩

فصب عليها منه سوط بلية

على كل مصبوب الاساءة مصبوب (١)

فغادرها بعد الانيس وللصدى

بأرجائها ترجيع لحن وتطريب (٢)

ينوح عليها نوح هارون يوشع

ويذري عليها دمع يوسف يعقوب (٣)

بها من زماجير الرجال صواعق

ومن صوب آذي الدماء شآبيب (٤)

__________________

١ ـ السوط اسم للعذاب وان لم يكن ثم ضرب بسوط اي فجرى على هذه الحصون من امير المؤمنين عذاب مصبوب على كل مسيء ، قوله مصبوب خبر لمبتدأ محذوف اي هو مصبوب وقوله على كل متعلق به اي بقوله مصبوب ، والجملة نعت لقوله سوط بلية اي سوط بلية هو مصبوب على كل مصبوب. الاساءة اي الذي صبت اساءته على الناس واراد به المسيء.

٢ ـ الصدى ذكر البوم ، والمعنى فغادرها اي تركها خرابا لا سمع بها الا صوت البوم الذي من شأنه ان يسكن الخراب.

٣ ـ الضمير في ينوح يعود إلى الصدى ونوح مصدر مضاف إلى المفعول وفاعله يوشع وكذا دمع مصدر ايضا مضاف إلى المفعول يعقوب والعامل فيه ما في يذري من معناه ، والمعنى ينوح الصدى على هذه الحصون نوحا مثل نوح يوشع على هارون ويدمع عليها دمعا مثل دمع يعقوب على يوسف وهما في الاصل صفتا مصدرين ويوشع هو يوشع ابن نون بن افراثيم بن يوسف بن يعقوب وهارون مات قبله ، ويذري يلقي.

٤ ـ الزماجير جمع زمجرة وهي الصوت يقال لفلان له زمجرة إذا اكثر الضج والصياح شبه اصوات الرجال في لحروب بالصواعق التي تهلك كلماته أتي عليه. والصوب في الاصل نزول الغيث واستعار لفظه لسيل الدماء. والآذي الموج لفظه مستعار ايضا للمبالغة. والشآبيت جمع شؤبوب وهو الدافعة من الغيث.

٩٠

فكم خر منها للبوارق مبرق

وكم ذل فيها للقنا السلب مسلوب (١)

وكم أصحب الصعب الحرون بأرضها

وكم بات فيها صاحب وهو مصحوب(٢)

وكم عاصب بالعصب هامته ضحى

ولم يمس إلا وهو بالعصب معصوب (٣)

لقد كان فيها عبرة لمجرب

وإن شاب ضرا بالمنافع تجريب (٤)

وما أنس لا أنس اللذين تقدما

وفرهما والفرقد علما حوب (٥)

__________________

١ ـ خر : سقط ، والبوارق جمع بارقة وهي هنا السيوف والمبرق المتهدد يقال منه رعد وبرق ارعد وابرق والسلب الذي لا عقد بها جمع سليب فعيل بمعنى المفعول والمسلوب الذي سلب ماله واهله.

٢ ـ كم في هذه المواضع خبرية للتكثير وبنيت حملا على ضدها وهي رب لانها للتقليل وهم يحملون على الضد كالنظير. واصحب انقاد يقول كم انقاد بارض خيبر من الرجال من كان حروبا صعبا لا ينقاد وكم من كان مالكا حاكما فبات فهو مملوك محكوم عليه.

٣ ـ العصب العمامة وعصبها ادارها على رأسه والعصب ايضا البرد اليماني والعصب السيف القاطع والمعصوب المتعمم جعله في اول إلنهار حيا متعصبا بعمامته وفي آخر النهار مقتولا قد صار السيف له كالعصابة المحيطة بالرأس.

٤ ـ معناه ان من شاهد هذه الحال وان لحقه ضرر فانه يحصل له من التجربة والاعتبار ما ينتفع به ويقيس عليه احوال الدنيا وهذا من قول بعضهم.

علمتني الحزم لكن بعد مؤلمة

ان المصائب اثمان التجاريب

٥ ـ ما شرطية وانس مجزوم بها ولا انس مجزوم لانه جواب الشرط واللذين يريد بهما الاول والثاني يقول مهما انس شيئا من الاشياء لا انس هرب هذين الرجلين مع علمهما بان الفرار حوب اي اثم.

٩١

وللراية العظمى وقد ذهبا بها

ملا بس ذل فوقها وجلا بيب (١)

يشلهما من آل موسى شمردل

طويل نجاد السيف أجيد يعبوب (٢)

يمج منونا سيفه وسنانه

ويلهب نارا غمده والانابيب (٣)

أحضرهما ام حضر أخرج خاضب

وذان هما أم ناعم الخد مخضوب (٤)

عذرتكما إن الحمام لمبغض

وإن بقاء النفس للنفس محبوب (٥)

__________________

١ ـ الراية العظمى راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والجلابيب جمع جلباب وهو الملحقة اي قد اشتمل الذل على هذه الراية بحمل هذين الرجلين لها كاشتمال الملابس والجلابيب على الانسان وفي طريق احمد بن حنبل رواية رواها عنه ولده ومضمونها مطابق لمضمون هذين البيتين وصرح فيه بفرارهما وفتحه عليه‌السلام لخيبر ومدحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

٢ ـ يشلهما يطردهما وآل موسى هنا قومه. والشمر دل : القوي السريع من الابل وغيرها ويريد مرحب بن ميشا والعرب تصف بطول النجاد ويريدون طول القامة لان طول النجاد دليل على طول القامة والطول محمود عندهم. والاجيد الطويل الجيد وهو العنق. واليعبوب الفرس الكثير الجري والنهر الشديد الجرية ، واطلق على مرحب هذا اللفظ لشدته وسرعة حركته.

٣ ـ يمج : يقذف. والمنون الموت ، والضماير في قوله سيفه وسنانه وغمده يعود إلى مرحب وفي البيت مبالغة.

٤ ـ الحضر العدو والاخرج ذكر النعام الذي فيه بياض وسواد والخاضب الذي اكل الربيع فاحمر طنبوباه أو اصفر وناعم الخد مخضوب كناية عن المرأة يقول اعدو هذين الرجلين حين طردهما مرحب ام عدو ظليم قوى منفرد ورجلان هما ام امرأتان في ضعفهما ورقة قلبهما وهذا تهكم واستهزاء.

٥ ـ عذره لهما عذر ثلب واستضعاف لان بغض الموت شيمة الاذلاء والضعفاء فاما اهل النجدة والشجاعة فيتبادرون إلى ذهاب الانفس.

٩٢

ليكره طعم الموت والموت طالب

فكيف يلذ الموت والموت مطلوب (١)

دعا قصب العلياء يملكها امروء

بغير افاعيل الدناءة مقضوب (٢)

يرى أن طول الحرب والبؤس راحة

وأن دوام السلم والخفض تعذيب (٣)

__________________

١ ـ هذا البيت ليس على عمومه بل مخصوص بهما وبامثالهما وهو من قول بعض العرب وقد قيل له لم تفر فقال والله اني لا اكره الموت وهو يأتيني انا اسعى إليه بقدمي.

٢ ـ يريد قصب سبق العليا فحذف المضاف للدلالة عليه وفي القصب وجهان احدهما انه يراد به مسافة السباق لانها تمسح بالقصب فاطلق عليها لفظ القصب مجازا والآخر انهم كانوا يجعلون في غاية الحلبة قصبة فالسابق يأخذ تلك القصبة ليكون شاهدا له بالسبق. والمقضوب المعيب وقضبه إذا عابه فمقضوب صفة لا مرئ وبغير متعلقة بمقضوب فالتقدير يملكها امرؤمعيب بغير فعل دني وكان الاحسن ان يكون وضع الكلام يملكها امرؤ غير مقضوب بفعل دني فكان يحصل بذلك التنزيه لامير المؤمنين عليه‌السلام والتعريض بغيره ووجه البيت انه كامل ليس فيه عيب الا ما ادعاه فيه اعداؤه وذلك لو ثبت لكان من مكارم اخلاق سيدنا محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد كان يمزح ويقول اني لا مزح ولا اقول الا حقا واول من نسب عليا إلى الدعابة عمر بن الخطاب ثم انتشر في افواه اعدائه كمعاوية بن هند وعمرو بن النابغة حتى قال علي عليه‌السلام عجبا لابن النابغة يزعم لاهل الشام اني في دعابة واني امرؤ تلعابة أعانس وأمارس لقد قال باطلا ونطق آثما بفسوقه ثم شهد بفسوقه وغدره وجبنه في كلام له وكأن ابن ابي الحديد نظر في هذا البيت إلى قول بعضهم :

ولا عيب فيهم غير ان سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

٣ ـ البؤس شدة الحاجة والسلم الصلح يكسر ويفتح ويذكر ويؤنث. والخفض الراحة والمدح في هذا البيت يتوجه باعتبارين الاول بالنظر إلى مطلق الشجاعة والتجرد لها واطراح الراحة كما تمدح العرب بذلك في نظمها ونثرها ، والثاني بالنظر إلى العبادة فان الجهاد اعظم العبادات.

٩٣

فلله عينا من رآه مبارزا

وللحرب كأس بالمنية مقطوب (١)

جواد علا ظهر الجواد وأخشب

تزلزل منه في النزال الا خاشيب (٢)

وأبيض مشطوب الفرند مقلد

به أبيض ماضي العزيمة مشطوب (٣)

أجدك هل تحيا بموتك إنني

أرى الموت خطبا وهو عندك مخطوب (٤)

دماء أعاديك المدام وغابة الرماح

ظلال والنصاب أكاويب (٥)

__________________

١ ـ قوله فلله عينا تعجب ومقطوب ممزوج واستعار لفظ الكاس للحرب ورشح بكونه ممزوجا بالموت نظرا إلى كراهة طعمه ومرارة مذاقه.

٢ ـ الجواد الاول الكريم يريد به علي عليه‌السلام والجواد الثاني السريع من الخيل والاخشب الجبل الغليظ واطلق لفظه على امير المؤمنين عليه‌السلام لشدته وقوة بأسه. والاخاشيب الجبال وعلا بخطه فعل ماض.

٣ ـ الابيض السيف والفرند جوهره ، قال الجوهرى وابن الفارس شطب السيف طرائقه التي في متنه والواحدة شطبة وسيف شطب ولم يقولا مشطوب ولعل الناظم وقف عليه واستعمله وجعل عليا كالسيف الذى يقلد به مجازا وفي جعله مشطوب كلفة وجاء في اللسان في مادة شطب سيف مشطب ومشطوب.

٤ ـ اجدك بكسر الجيم وفتح حكاه الجوهرى قال الاصمعي معناه ابجد منك هذا ونصب على طرح الباء وقال ابو عمرو : أجدا منك ونصب على المصدر.

٥ ـ الغابة الشجر الملتف. والاكاويب جمع كوب وهو كوز لا عروة له يقول ان الموت خطب عظيم وانت تقصده كأن في الموت حياة لك ، واستعار لفظ المدام للدم وجعل الظل ظل الرماح واستعار لفظ اكاويب للنصال تشبيها له في اقباله على سفك

٩٤

تجلى لك الجبار في ملكوته

وللحتف تصعيد اليك وتصويب (١)

وللشمس عين عن علاك كليلة

وللدهر قلب خافق منك مرعوب (٢)

فعاين ما لولا العيان وعلمه

لما ارتاب شكا أنه فيك مكذوب

وشاهد مرأى جل عن أن يحده

من القوم نظم في الصحائف مكتوب

وأصلت فيها مرحب القوم مقضبا

جرازا به حبل الاماني مقضوب (٣)

وقد غصت الارض الفضاء بخيله

وضرج منها بالدماء الظنابيب (٤)

__________________

الدماء وابتهاجه بمصادمة القرناء كانسان حفت به المسرات ودارت عليه الكاسات فهو جذل الفؤاد حريص على الازدياد وهذا المدح على طريقة العرب والا فأمير المؤمنين يرى الموت في الجهاد حقيقة.

١ ـ الملكوت الملك. والواو والناء زائدتان للمبالغة. والتصعيد العلو. والتصويب الانخفاض اي اظهر الله تعالى لك النصر وانت على هذه الحالة الشديدة ولقد اجاد واحسن.

٢ ـ الضمير في قوله فعاين يعود على الموصوف من قوله اولا فلله عينا من رآه اي فلله عينا انسان رآه على هذه الحال فعاين شيئا لو سمعه عن انسان لكذب عنه اذلا يكاد يصدر مثل ذلك الا عن ملك مقرب لكنه تحقق ذلك بالمشاهدة والنظر ، وقيل ان الضمير يعود إلى الجبار وهو ملك اليهود وهذا بعيد لان لفظ التجلى مستند إلى اللفظ الجبار مع لفظ الملكوت لا يتوجه ذلك لغير الله.

٣ ـ اصلت سل. والقضب السيف القاطع وكذا الجرار والمقضوب المقطوع واستعار لفظ الحبل للاماني لامتداد المشترك بينهما والضمير في فيها يعود إلى الحرب.

٤ ـ غصت امتلات. والفضاء الواسعة والظنابيب جمع الظنبوب وهو العظم اليابس في مقدم الساق والضمير في خيله يعود إلى مرحب.

٩٥

يعاقيب ركض في الربود سوابح

يماثلها لولا الوكون اليعاقيب (١)

فأشربه كأس المنية أحوس

من الدم طعيم وللدم شريب (٢)

إذا رامه المقدار أو رام عكسه

فللقرب تبعيد وللبعد تقريب (٣)

فلم أر دهرا يقتل الدهر قبلها

ولا حتف عضب وهو بالحتف معضوب(٤)

__________________

١ ـ الركض هنا العدو وليس باصل لان الركض ضرب الفرس بالرجل لتعدو والربود جمع ربد وهو الراقي من الجبل. والسوابح جمع سابحة وهو الفرس الجيد العدو وسبح الفرس عدا. والوكون جمع وكن وهو عش الطائر في الجبل أو في الجدار واليعاقيب جمع يعقوب وهو ذكر الحجل جعل الخيل لقوتها تعدو على الجبال فكأنها تطير وجعلها اصلا في الطيران وجعل اليعاقيب فرعا عليها في المماثلة لولا انهم ذوات اعشاش واما قوله يعاقيب ، فجاء في اللسان : اليعاقيب من الخيل سميت بذلك تشبيها بيعاقيب الحجل أو العقبان ، والمعنى بهذا ظاهر.

٢ ـ اشربه اي سقاه والهاء لمرحب. والاحوس الذي لا يهوله شيء والمراد به امير المؤمنين وطعيم وشريب من ابنية المبالغة واستعار لفظهما لعلي لكثرة جهاده وسفكه الدماء في سبيل الله حتى كأن الدم طعامه وماءه اللذين بهما قوام الحياة.

٣ ـ الهاء في رامه يعود إلى الاحوس وفي عكسه إلى المقدار اي إذا طلبة بسوء أو طلب هو عكس المقدار فلقرب مطلب المقدار تبعيد ولبعد عكس المقدار تقريب منه والمعنى يحكم على المقدار ولا يحكم المقدار عليه ، والمقدار هو ما يقضيه الله تعالى ويقدره على العبد ولا اشكال في ذلك لانه انما يدفع قضاء الله بالاستعانة به والتوكل عليه وبافعال الخير التي هي سبب لدفع محذور القضاء كما جاء في دعاء مولانا العسكري ( يامن يرد باللطف والصدقة والدعاء عن عنان السماء ما حتم وابرم من سوء القضاء. )

٤ ـ الضمير في قلبها يعود إلى الوقعة. والعضب السيف القاطع والمعضوب المكسور

٩٦

حنانيك فاز العرب منك بسؤدد

تقاصر عنه الفرس والروم والنوب (١)

فما ماس موسى في رداء من العلى

ولا آب دكرا بعد ذكرك أيوب (٢)

أرى لك مجدا ليس يجلب حمده

بمدح وكل الحمد بالمدح مجلوب (٣)

__________________

واستعار لعلي عليه‌السلام وكذا لمرحب لفظي الدهر والعضب لكونهما قاتلين قاطعين فاخرج الكلام مخرج التعجب لان الدهر من شانه ان يكون قاتلا لا مقتولا والسيف يكون قاطعا لا مقطوعا فعلي عليه‌السلام هو الدهر القاتل والسيف الكاسر ومرحب هو المقتول والمكسور.

١ ـ حنانيك اي رحمة بعد رحمة والحنان الرحمة ونصبه نصب المصدر ولفظه لفظ التثنية والمراد به التكثير لا التثنية الحقيقية وفوز العرب بسؤدد امير المؤمنين لكونه منهم فشرفوا به فالعرب منهم اولاد سام بن نوح والروم النوبة اولاد حام بن نوح عليه‌السلام وسام وحام ويافث آباء الناس اجمعين فعلي عليه‌السلام افضل الناس كلهم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

٢ ـ ماس إذا تبختر في مشيه وفي هذا البيت تصريح بتفضيله عليه‌السلام على الانبياء والمعنى ان موسى عليه‌السلام لم يشتمل على علاء كامل بل علاك اكمل ولم يرجع ايوب بذكر ما آبه بل ذكرك آبه ، وآب إذا رجع وخص موسى بشجاعته وايوب بصبره.

٣ ـ اراد ان مجده عليه‌السلام لا يستجلب له الحمد بالمدح والثناء كما جرت العادة وذلك لزيادة كماله وغنائه عن غير الله تعالى ورسوله وايضا لعدم حبه الاطراء والمدح ولقصور ذلك عن جليل قدره وشريف منزلته هذا مع ان الحمد انما يستجلب لغيره بالثناء والمدح وذلك لانحطاطه عن الاوصاف العالية وقد ذكر ابن ابي الحديد في شرحه ان الحمد والمدح يترادفان لا فرق بينهما فعلى قوله كيف يكون الشيء مستجلبا لنفسه ويمكن ان يراد بالحمد والشكر الخاص الذي لا يؤدي حق حمده ونعمته بالثناء والمدح حسب العوائد.

٩٧

وفضلا جليلا إن ونى فضل فاضل

تعاقب إدلاج عليه وتأويب (١)

لذا تك تقديس لرمسك طهرة

لوجهك تعظيم لمجدك ترجيب (٢)

تقيلت أفعال الربوبية التي

عذرت بها من شك إنك مربوب (٣)

وقد قيل في عيسى نظيرك مثله

فخسر لمن عادى علاك وتتبيب (٤)

عليك سلام الله يا خير من مشى

به بازل عبر المهامه خرعوب (٥)

__________________

١ ـ الادلاج سير الليل. والتأويب سير النهار يريد ان فضله عليه‌السلام يتعاقب عليه الليل والنهار بالزيادة فلا ينقطع ولا ينقص إذا وفي فضل غيره نقص بل فضله في الزيادة دائما.

٢ ـ الذات عبارة عن الحقيقة في اصطلاح المتقدمين. والتقديس التطهير. والرمس تراب القبر وهو في الاصل مصدر يقال رمست الميت إذا دفنته. والترجيب التعظيم وبه سمي شهر رجب معظما.

٣ ـ تقيلت اي اشبهت يقال تقيل فلان اباه إذا اشبهه وذلك لانه عليه‌السلام كان يصدر عنه ما لا يصدر عن البشر كالحكم بالمغيبات وغير ذلك ، وقوله عذرت بها يريد بها المبالغة والمجاز إذ العذر الحقيقي في هذا كفر ، والمعنى لو جاز ان يعذر لعذرته ومثل هذا كثير في كلامهم.

٤ ـ التتبيب الخسران والهلاك ، وقوله في عيسى نظيرك جعله في هذا البيت نظير عيسى وفي الذي قبله فضله على موسى وكلاهما من اولي العزم فلا يرجح احدهما على الآخر فيكون امير المؤمنين افضل منه ويمكن ان يكون المراد به نظيره في صفة خاصة اقتضت ادعاء الربوبية فيه.

٥ ـ البازل : الجمل المسن ، بزل البعير يبزل بزولاشق نابه فهو بازل ذكرا كان أو انثى وذلك في السنة التاسعة والجمع بزل وبزل وبوازل ، والبازل ايضا اسم السن التى

٩٨

ويا خير من يغشى لدفع ملمة

فيأمن مرعوب ويترف قرضوب

ويا ثاويا حصباء مثواه جوهر

وعيدانه عود وتربته طيب (١)

تكوس به غر الملائك رفعة

ويكبر قدرا أن تكوس به النيب

يحل ثراه أن يضرجه الدم

المراق وتغشاه الشوى والعراقيب

ويا علة الدنيا ومن بدو خلقها

له وسيتلو البدو في الحشر تعقيب (٢)

__________________

طلعت ويقال جمل عبر اسفار بضم العين وكسرها إذا كان قويا على السفر معتادا عليه والخرعوب الطويل. الحسن الخلق. ويغشي يؤتى. ويترف ينعم. والقرضوب الفقير.

١ ـ الثاوي المقيم والمثوى موضع الاقامة والحصبا الحصى وكاس البعير إذا مشى وهو معرقب واستعارة ذلك للملائكة فيها كلفة أو الغر جمع اغر وهو الحسن. وانيب جمع ناب وهي المسنة من النوق. والدم المراق المصب. والشوى جمع شواة وهي جلدة الرأس وكانت العرب تنحر الابل على قبور الاشراف منهم اكراما لهم وكانوا إذا ارادوا نحر الناقة عرقبوها ، قال الجوهري عرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يديها فتكوس اي تمشي على ثلاث قوائم. يقول ان قبر امير المؤمنين عليه‌السلام يجل ان تنحر الابل لتحبس بالدم ويلقى عليها عراقيب النيب وشواها بل الملائكة هي التي تكوس به عوضا عن النيب.

٢ ـ علة الدنيا سبب وجودها وقد وردت الاخبار بأن الائمة سبب وجودها وقد تلكم السيد المرتضى علم الهدي في هذا المعنى فقال إذا كان الله عالما بان اللطف في تكليف الامم بنبوة نبينا وامامة ائمتنا ما جازى الله تعالى ولا كلف ولا اثاب ولا عاقب لان كونهم الطافا في التكليف لا ينوب غيرهم مقامهم يقتضي ذلك.

٩٩

ويا ذا المعالي الغر والبعض محسب

دليل على كل فما الكل محسوب (١)

ظننت مديحي في سواك هجاءه

وخلت مديحي انه فيك تشبيب (٢)

وقال له الرحمن ما قال يوسف

عداك بما قدمت لوم وتثريب (٣)

__________________

١ ـ المعالي معناه كما سبق. والغر جمع غراء وهى الواضحة المشهورة. ومحسب كاف يعني انا لما رأينا بعض فضائله لا تحصى كثرة اكتفينا بذلك البعض واستدللنا به على ان الكل ابلغ واعظم من ان يحصى أو يدخل في الحساب.

٢ ـ يعني ان الناظم إذا مدح غير علي عليه‌السلام مدحه تكلفا بما ليس فيه فكأنه هجاه لانه نسبه إلى شيء لم يفعله وأما مدحه لامير المؤمنين فهو موضوع في موضعه عن محبة صادقة فكأنه يصف معشوقه له كما التذ خاطره وسر قلبه والتشبيب وصف المرأة المحبوبة.

٣ ـ التثريب التعبير والمبالغة في اللوم وهو الثرب كالشغف من الشغاف يعني ان لسان الرحمة الالهية خاطبه بما خاطب به يوسف اخوته حيث قال لهم « لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين » وذلك بسبب ما قدمه من ولاية اهل البيت عليهم‌السلام ومدائحهم.

١٠٠