الروضة المختارة ـ القصائد الهاشميّات والقصائد العلويّات

المؤلف:


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٨

ما العالم العلوي إلا تربة

فيها لجثتك الشريفة مضجع (١)

ما الدهر إلا عبدك القن الذي

بنفوذ امرك في البرية مولع (٢)

أنا في مديحك ألكن لا أهتدي

وأنا الخطيب الهبزري المصقع (٣)

أأقول فيك سميدع كلا ولا

حاشا لمثلك ان يقال سميدع (٤)

بل أنت في يوم القيامة حاكم

في العالمين وشافع ومشفع (٥)

__________________

١ ـ جعل تربته ومحل جسده الشريف العالم العلوي وهو في ذلك بار صادق لان قبره عليه‌السلام معراج الملائكة ومحل اختلاف الارواح والعالم العلوي عبارة عن ذلك.

٢ ـ القن هو الذي يملك هو وابوه يستوي فيه الواحد والجمع والاثنان والمؤنث والمذكر وربما قيل اقنان استعار للدهر لفظ العبيد لحكمه عليه وانقياد الدهر له بأمر الله كانقياد العبد لمولاه.

٣ ـ الالكن الواقف اللسان. والخطيب الفصيح الذي يقول الخطب وهي الكلام المسجوع في الاغلب والهبزري الاسوار من اساورة الفرس ، قال ابو عبيدة هم الفرسان والهاء بدل من الياء كان اصله اساوير وكذلك الزنادقة اصله زناديق وقال تغلب كل جسم حسن الوجه وسيم فهو عند العرب هبزري ، والمعنى ان الانسان وان كان فصيحا بليغا إذا رأى صفاتا باهرة فائقة فان لسانه يكل عنها وفكره ينقطع دونها.

٤ ـ الاستفهام في اقول لاستصغار هذه الكلمة. والسميدع السيد السهل الاخلاق وكلا هنا ردع وزجر ولها ثلاثة معان أخر تكون للاستفتاح بمعنى الا كقوله تعالى : « كلا لا تطعه » وتكون بمعنى حقا كقوله تعالى « كلا ان الانسان ليطغى » وتكون بمعنى أي التي للاثبات بعد الاستفهام وذلك إذا وقع بعدها القسم كقوله تعالى « كلا والقمر » معناه أي والقمر لان أي يلزم بعدها القسم.

٥ ـ اضرب عن الصفة بالسميدع واثبت ما هو اعلى واجل وهو كونه حاكما في العالمين يوم القيامة وذلك لانه قسيم الجنة والنار وصاحب الحوض والشفاعة باذن الله تعالى.

١٤١

ولقد جهلت وكنت أحذق عالم

أغرار عزمك أم حسامك اقطع (١)

وفقدت معرفتي فلست بعارف

هل فضل علمك أم جنابك أوسع (٢)

لي فيك معتقد سأكشف سره

فليصغ أرباب النهى وليسمعوا

هي نفثة المصدور يطفئ بردها

حر الصبابة فاعذلوني أودعوا (٣)

والله لولا حيدر ما كانت

الدنيا ولا جمع البرية مجمع (٤)

من أجله خلق الزمان وضوئت

شهب كنسن وجن ليل ادرع (٥)

علم الغيوب إليه غير مدافع

والصبح أبيض مسفر لا يدفع (٦)

__________________

١ ـ الغرار الحد واستعار لعزم الامير لكونه ماضيا قاطعا في الامور ولما رأى أن عزمه وسيفه يتجاذبان حدة ومضاء حصل له الجهل بالاقطع منهما.

٢ ـ الجناب الفناء وما قرب من محلة القوم وجمعه اجنبة وهو كناية عن الكرم لان سعة المنزل تدل على كثرة الوافدين فعل تكون مقابلة الفضل بالكرم.

٣ ـ المصدور الذي بصدره مرض. والنفثة ما ينفثه من ذلك المرض وفي المثل لابد للمصدور ان ينفثه شبه كشف سره باعتقاده بنفثة المصدور لانه يستريح بكشفه كما يستريح المصدور بنفثه ولهذا قال يطفي بردها حر الصبابة ، وقوله فاعذلوني أو دعوا معناه : ان العذل لا يؤثر فيه فوجوده وعدمه سيان.

٤ ـ حيدر من اسمائه عليه‌السلام والحيدرة الاسد والمعنى واضح.

٥ ـ كنسن أي استترن في مغيبها وجن الليل يجن جنونا اظلم وستر. والادرع الذي اسود اوله وابيض باقيه والشاة الدرعاء التي اسود رأسها وابيض باقيها.

٦ ـ علم الغيوب مبتدأ واليه الخبر وغير مدافع نصب على الحال ويجوز ان يكون غير خبرا بعد خبر اما اخباره عليه‌السلام بالمغيبات بواسطة التعليم فكما قال المادح كالصبح

١٤٢

واليه في يوم المعاد حسابنا

وهو الملاذ لنا غدا والمفزع (١)

هذا اعتقادي قد كشفت غطاءه

سيضر معتقدا له أو ينفع (٢)

يا من له في أرض قلبي منزل

نعم المراد الرحب والمستربع (٣)

أهواك حتى في حشاشة مهجتي

نار تشب على هواك وتلذع (٤)

وتكاد نفسي أن تذوب صبابة

خلقا وطبعا لا كمن يتطبع (٥)

__________________

لا يدفع نوره بل يخرق الحجب حتى أن رجلا من أصحابه قال له وهو يخبر بشئ من ذلك لقد اعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب وهو أكثر من أن يحصى كمالا يخفى على اولي التتبع والنهى.

١ ـ والملاذ والملجأ والمفزع واحد واما قوله إليه حسابنا فهو موافق لمضمون الاخبار بأنه موكول إليهم.

٢ ـ يقول قد أظهرت عقيدتي التي رضيتها لنفسي سواء كانت نافعة أو ضارة فإذا كان الضرر منتفيا فقد ثبت النفع وهذا إنما قال كالقاطع حجة الخصم بمنزلة قوله تعالى « وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم » الآية.

٣ ـ المراد : الموضع الذي ترتع فيه الابل يجيء ويقبل ويدبر والمستربع الذي قد جعل ربعا أي منزلا. والرحب الواسع جعل محبة علي تتردد في قلبه كما تتردد السائمة في مربع.

٤ ـ الحشاشة بقية النفس وهي ها هنا حرف ابتداء ونار هو المبتداء وهي نكرة موصوفة خبرها متقدم عليها في الجار والمجرور. وتشب ترفع.

٥ ـ ادخل على خبر كاد تشبيها لها بعسى كما تشبهت عسى بكاد في إسقاط ان من خبرها وذلك شاذ. والمتطبع الذي بتكلف شيئا ليس هو متصلا في طبعه.

١٤٣

ورأيت دين الاعتزال وإنني

أهوى لاجلك كل من يتشيع (١)

ولقد علمت بأنه لا بد من

مهديكم وليومه اتوقع (٢)

يحميه من جند الاله كتائب

كاليم أقبل زاخرا بتدفع (٣)

فيها لآل أبي الحديد صوارم

مشهورة ورماح خط شرع (٤)

ورجال موت مقدمون كأنهم

أسد العرين الربد لا تتكعكع (٥)

__________________

١ ـ هذا الرأي الذي ادعاه يناقض ما قدمه في نظمه من الطعن على ... ونسبتهما إلى الكبائر التي توجب الخلود في النار فان المتعزلة وان كانوا قائلين بتفضيله على سائر الصحابة فانهم يجوزون تقديم المفضول على الفاضل ولا يرخصون في الشيخين بسوء ويقولون بامامتهما وهو صرح بهذا المذهب في شرح نهج البلاغة وأنكر النص على علي عليه‌السلام وزعم أن من أنصف عرف صحة قوله ولم يكن مضطرا إلى هذا القول فينسب إلى التقية ونقل عن الشيخ الصدوق علي بن محمد البرقي رواه ان رأي ابن ابي الحديد كان رأي الحكماء والله أعلم بباطن امره وحشره الله مع من أحبه.

٢ ـ والاحاديث من طرفهم كثيرة على وجوده وظهوره عليه‌السلام ولا يحتمل هذا المختصر بها.

٣ ـ اليم البحر. والزاخر المرتفع شبه الكتائب وهي الجيوش بالبحر الزاخر لكثرتها وقوله من جند الاله يحتمل الملائكة والناس.

٤ ـ الخط موضع باليمامة تنسب إليه الرماح والشرع المصوبة للطعن بها.

٥ ـ العرين والعرينة : مأوى الاسد ، وهو مجتمع الشجر ، والربد جمع اربد. وتكعكع تجبن.

١٤٤

تلك المنى اما غب عنها فلي

نفس تناز عني وشوق ينزع (١)

ولقد بكيت لقتل آل محمد

بالطف حتى كل عضو مدمع (٢)

عقرت بنات الاعوجية هل درت

ما يستباح بها وماذا يصنع (٣)

وحريم آل محمد بين العدى

نهب تقاسمه اللئام الرضع (٤)

تلك الضعائن كالاماء متى تسق

يعنف بهن وبالسياط تقنع (٥)

__________________

١ ـ اما ان الشرطية وما الزائدة. واغب مجزوم بان واصلة اغبب ذهبت حركة الباء للجزم فسقطت الباء وتنازعني تجاذبني وتنزع تجذب يقال نزع ينزع نزعا إذا اشتاق.

٢ ـ المدمع مجرى الدمع يريد المبالغة في كثرة البكاء حتى كأن جميع أعضائه تجري بالدمع.

٣ ـ بنات الاعوجية الخيل منسوبة إلى أعوج وهو فحل كريم قيل لم يكن للعرب أشهر ولا أكثر نسلا منه دعا عليها بالعقر حيث قاتلوا الحسين عليه‌السلام وهم على ظهورها ، والاستفهام في قوله هل درت استفهام تعظيم لهذا الشأن.

٤ ـ اللئام جمع لئيم وهو البخيل الدني الاصل. والرضع جمع راضع وهم اللئام أيضا واصله ان رجلا كان يرتضع الناقة والشاة أي يحلبها بفمه حتى لا يسمعه أحد فهو يحلب فيطلب منه واصل تقاسمه تتقاسمه.

٥ ـ الضعائن جمع الضعينة وهي المرأة في الهودج ويقال قنعته بالسوط إذا ضربته على رأسه. والعنف ضد الرفق ومتى هنا شرطية وتسق مجزوم بها وأصله تساق فحذفت الالف لسكونها وسكون القاف ويعنف مجزوم لانه جواب متى الشرطية واما تقنع فانه خبر مبتدأ محذوف موضعه النصب على الحال تقديره وهي تقنع وبالسياط يتعلق بتقنع.

١٤٥

من فوق أقتاب الجمال يشلها

لكع على حنق وعبد اكوع (١)

مثل السبايا بل أذل يشق من

هن الخمار ويستباح البرقع (٢)

فمصفد في قيده لا يفتدى

وكريمة تسبى وقرط ينزع (٣)

تالله لا أنسى الحسين وشلوه

تحت السنابك بالعراء موزع (٤)

متلفعا حمر الثياب وفي غد

بالخضر في فردوسه يتلفع (٥)

تطأ السنابك صدره وجبينه

والارض ترجف خيفة وتضعضع (٦)

__________________

١ ـ يشلها يطردها واللكع اللئيم وقيل الذليل الحقير النفس وامرأة لكاع ويقال في النداء يالكع واستعماله في النداء شاذ ولا ينصرف معرفة لانه معدول عن ألكع والاكوع المعوج الكوع وهو طرف الزند مما يلي الابهام وذلك عيب جعلهم عبيدا معتقين.

٢ ـ السبايا المأسورات والبرقع معروف ويقال بضم الباء والقاف وبضم الباء وفتح القاف ويقال برقع أيضا.

٣ ـ المصفد المشدود الموثق ذكر تفصيل حال آل الرسول عليهم‌السلام وان منهم مشدودا بالقيد لا ينفك وكريمة من بني الزهراء مأسورة واخرى مسلوبة.

٤ ـ الشلوا الجسد والسنابك الحوافر. والعراء بالمد الفضاء المكشوف وبالقصر فناء الدار وساحتها. وموزع مقسم.

٥ ـ متلفعا مشتملا والفردوس هو حديقة في الجنة وقيل انه البستان عربي قال بعض : انه البستان بلغة الروم والضمير فيه يعود إلى الحسين عليه‌السلام واضافته إليه بحق الاولية والملائكة والمعنى فيه لابي تمام في قوله :

تردى ثياب الموت حمرا فما أتى

لها الليل إلا وهي من سندس خضر

٦ ـ رحفت الارض ترجف رجفا تزلزلت والرجاف البحر لاضطرابه وتضعضع اصله تتضعضع أي تتهدم وتنحط.

١٤٦

والشمس ناشرة الذوائب ثاكل

والدهر مشقوق الرداء مقنع (١)

لهفي على تلك الدماء تراق في

ايدي أمية عنوة وتضيع (٢)

بأبي أبو العباس أحمد إنه

خير الورى من أن يطل ويمنع (٣)

فهو الولي لثارها وهو الحمول

لعبئها إذ كل عود يضلع

الدهر طوع والشبيبة غضة

والسيف عضب والفؤاد مشيع (٤)

__________________

١ ـ جعل الشمس كالمرأة الحزينة التي قد نشرت شعرها والدهر قد شق رداءه تشبيها بفعل الناس في المصاب العظام واما جعل الدهر مقنعا فيحتمل ان يكون اسم فاعل بكسر النون يريد ان الذكر ذليل مطرق متحير واصل ذلك من قنع الطاير إذا رد رقبته إلى رأسه ، ومنه قوله تعالى « مهطعين مقنعي رؤوسهم » ويحتمل ان يكون مقنع اسم مفعول بفتح النون ، والمعنى ان الدهر شق رداءه تقنع به كما جرت عادة الثاكلين وذلك استعارة.

٢ ـ يقال لهف على الشيء لهفا إذا حزن وتحسر وتراق وتسال وعنوة قهرا ولهفي مبتدأ والجار والمجرور بعده في موضع الخبر وتراق حال من الدماء.

٣ ـ طل الدم إذا هدر ولم يطالب به والعبء الثقل. والعود الجمل المسن. ويضلع يعرج يقول ان ابا العباس هو المتولي لثار هذا الدماء والحامل لاثقالها إذ كل قوي من الناس يضعف عن ذلك وكنى بالعود عن القوي وبالضلع عن العجز والضعف ويحتمل ان يكون الولي هنا بمنزلة الاولى.

٤ ـ ذكر اسباب القدرة من الشبيبة لانها مظنة قوة العزم وثوران الحمية ومن كون السيف قاطعا لان به يدرك الثار ومن كون الفؤاد مشيعا والمشيع الشجاع كأن الشجاعة تشيعه أي تصحبه.

١٤٧

القصيدة السابعة في اوصافه عليه‌السلام

الصبر إلا في فراقك يجمل

والصعب إلا عن ملالك يسهل

يا ظالما حكمته في مهجتي

حتام في شرع الهوى لا تعدل

أنفقت عمري في هواك تكرما

وتضن بالنزر القليل وتبخل (١)

ان ترم قلبي تصم نفسك إنه

لك موطن تأوي إليه ومنزل

أتظن أني بالاساءة مقلع

كيف الدواء وقد اصيب المقتل (٢)

أعرض وصد وجر فحبك ثابت

بتنقل الاحوال لا يتنقل

والله لا أسلوك حتى أنطوي

تحت التراب وتحتويني الجندل (٣)

تتبدل الدنيا وحبك ثابت

في القلب لا يفنى ولا يتبدل

من لي باهيف قد أقام قيامتي

خد له قان وطرف اكحل (٤)

__________________

١ ـ ضننت بالشئ اضنه ضنا وضنانة بخلت به تكتب بالضاد والنزر القليل وكرره لاختلاف اللفظين تأكيدا وتصم تقتل وهو مجزوم بحذف الياء لكونه جوابا للشرط صمى الصيد إذا رماه فقتله في الحال واصماه إذا أصابه ومات بحيث لا يراه.

٢ ـ المقلع الراجع يقول اني لست ارجع عنك وان اسأت إلى الآن الرجوع دواء وانا هالك لا دواء لي.

٣ ـ انطوى أي انضم. والجندل الحجارة وهذا القول معانيه وألفاظه واضحة.

٤ ـ قوله اقام قيامتي أي أوقعني في أمر عظيم ويكني بقيام القيامة عن الامر الشديد لانها تأتي بالامر الشديد. والقاني الاحمر.

١٤٨

نشوان من خمر الصبا لا يسمع

الشكوى ويصغي للوشاة فيقبل (١)

متلون متغير متعتب

متعنت متمنع متدلل

إن قلت مت من الصبابد قال لي

ظلما وأي صبابة لا تقتل

أو قلت قد طال العذاب يقول لي

ما سوف تلقى من عذابك اطول

قسما بترب نعاله فمحا جري

أبدا بغير غباره لا تكحل

وصعيد بين حله فركائبي

تسعى به دون البيوت وترمل (٢)

لاخالفن عواذلي لو أنه

مما يظل على هواه ويعدل (٣)

ولاهتكن على الهوى ستر الحيا

إن الفضيحة في المحبة اجمل

يصفر وجهي حين أنظر وجهه

خوفا فيدركه الحياء فيخجل

فكأنما بخدوده من حمرة

ظلت إليها من دمي تتحول (٤)

__________________

١ ـ استعار للصبا لفظ الخمر لان الصبا لا يحمل الهموم ولا يفكر في العواقب غالبا ويصغي يميل سمعه ، والنشوان السكران ، والوشاة جمع واش وهو النمام.

٢ ـ الصعيد التراب والركائب جمع ركوبة وهي ما يركب جعل بيت محبوبه هو الذي يسعى به ويرمل دون الصفا والمروة وهذا على طريق المبالغة والرمل السرعة في المشي وهو الهرولة بين الصفا والمروة.

٣ ـ أي لا خالفن كل من يعذلني فيه ولو كان هو الذي يعذلني على نفسه لخالفته وهو أعز الناس علي فكيف أطيع غيره.

٤ ـ الحمرة تحدث من الحياء والصفرة من الخوف فقال اني إذا قابلت وجه المحبوب اصفر وجهي من الخوف واحمر وجهه من الحياء خجلا مني فكأن دمي الذي ذهب من وجهي بالخوف انتقل إلى وجهه بالخجل وهذا المعنى من أملح المعاني.

١٤٩

هو ملبسي حلل الضنا ومعلمي

من زلتي ما كنت منها اجهل

لولاه لم ارد الحياة ولم أقل

طلب الثراء من القناعة اجمل (١)

من أجله أخشى الممات واتقي

ولاجله ارجو الغنى واؤمل

استعذب التعذيب فيه كأنما

جرع الحميم هي البرود السلسل (٢)

لا فرج الرحمن كربة عاشق

طلب السلو وخاب فيما يسأل

لا تنكروا فيض الدموع فإنها

نفسي يصعدها الغرام المشعل (٣)

هي مهجتي طورا تحلل بالبكا

أسفا وطورا بالزفير تحلل

يا كرخ جاد عليك مدرار الحيا

وسقى ثراك من الرواعد مسبل (٤)

إن كان جسمي عنك أصبح راحلا

كرها فقلبي قاطن لا يرحل (٥)

__________________

١ ـ الثراء كثرة المال رجل ثروان وامرأة ثروى وتصغيرها ثري وثريا.

٢ ـ الحميم الماء الحار والحميم الصديق القريب والبرود الكثير البرودة والسلسل العذب الصافي وحاصل المعنى إن كان ما يصدر عن المحبوب فهو مستحسن مستطاب.

٣ ـ يصعدها أي يرفعها وتحلل أصله تتحلل فحذف إحدى التائين تخفيفا يقول ان حرارة الغرام تذيب نفسه فيتحلل فيخرج تارة بالدمع وتارة بالنفس وهذا أحسن من قول الآخر :

وليس الذي يجري من العين ماؤها

ولكنها نفس تذوب وتقطر

٤ ـ التفت إلى مخاطبة الكرخ وهو المحلة المعروفة بغربي بغداد متذكرا عهدها بأن يجودها الحياء وهو الغيث المدرار السائل والحياء مقصورا المطر. والرواعد جمع رعد وهو السحاب الذي فيه رعد. والمسبل اسم فاعل أسبل السحاب إذا سكب.

٥ ـ القاطن المقيم وقد جعل الكرخ هو الهوى الاول والمدائن وهي أصله القديم وقد جعلها الثاني وذلك لانه نشأ بالكرخ.

١٥٠

ما رمت بعدك بالمدائن صبوة

إلا ثنى الثاني هواك الاول

أنا عاذر إن طل بعد طلاك لي

حب دم أو غازلتنى المغزل (١)

يا راكبا تهوي به شدنية

حرف كما تهوي حصاة من عل (٢)

هو جاء تقطع جوز تيار الفلا

حتى تبوص على يديها الارجل (٣)

عج بالغري على ضريح حوله

ناد لاملاك السماء ومحفل (٤)

فمسبح ومقدس وممجد

ومعظم ومكبر ومهلل (٥)

__________________

١ ـ طل الدم فعل ما لم يسم فاعله ذهب بغير ثار. والطلى ولد الظبية وكنى به عن محبوبه. والمغازلة محادثة النسوان أو مراودتهن والمغزل أو الغزال وهو الخشف وكنى به عن المرأة المستحسنة.

٢ ـ تهوي تسرع في سيرها كأنها تسقط من مرتفع. والشدنية منسوبة إلى موضع باليمن. والحرف قيل هي الناقة الضامر تشبيها لها بحرف السيف وقيل هي الضخمة تشبيها لها بحرف الجبل ، وقوله من عل أي عال شبه الناقة من سرعتها بالحصاة التي تسقط من موضع مرتفع ويقال هوى يهوي هويا إذا سقط وفيه ثلاث لغات عل وعل وعل ويقال لقطعها من عل بضم اللام وفتحها وكسرها.

٣ ـ الهوجاء السريعة. والجوز الوسط. والتيار جمع موج البحر وهو هنا مستعار تشبيها للبر بالبحر لسعتها وشدتها. والفلا جمع الفلاة وهي البرية. وتبوص تسبق والبوص السبق أي تسبق رجلاها يديها وذلك لشدة سيرها وخفتها.

٤ ـ النادي والندي والمنتدى واحد وهو مجلس القوم والمحفل مجمعهم جعله أمير المؤمنين عليه‌السلام مجمع الملائكة ومحل اجتماعهم وهو صادق بار.

٥ ـ ذكر صفة حال الملائكة الحالين بضريح أمير المؤمنين عليه‌السلام أي أن شأنهم هذا.

١٥١

والثم ثراه المسك طيبا واستلم

عيدانه قبلا فهن المندل (١)

وانظر إلى الدعوات تسعد عنده

وجنود وحي الله كيف تنزل (٢)

والنور يلمع والنواظر شخص

واللسن خرس والبضائر ذهل (٣)

واغضض وغض فثم سر اعجم

دقت معانيه وأمر مشكل (٤)

وقل السلام عليك يا مولى الورى

نصا به نطق الكتاب المنزل (٥)

وخلافة ما إن لها لو لم تكن

منصوصة عن جيد مجدك معدل (٦)

__________________

١ ـ للثم التقبيل والاستلام لثم الحجر باليد وتقبيله أيضا وهو من السلم وهي الحجارة وقبلا جمع قبلة وهي الواحدة من التقبيل ونصبها على المصدر اما من معنى استلم أو بفعل مقدر أي قبلها قبلا ، والمندل عود البخور والمسموع المندلي لانه منسوب إلى المندل وهي قرية ببلاد الهند جعل تراب قبره عليه‌السلام مسكا وخشبه عودا جريا على عادة الشعراء والا فالمسك يتطيب بقبره عليه‌السلام وكذا العود.

٢ ـ جنود وحي الله الملائكة والوحي الاشارة والكتابة والرسالة والالهام والكلام الخفي ، والمعنى واضح.

٣ ـ شخص البصر إذا وقف متحيرا. وشخص جمع شاخص. والبصائر المعارف وذهل أي متحيرة وكل ذلك للادب في حضرته عليه‌السلام والخوف من الله لمجاورة ضريحه عليه‌السلام.

٤ ـ اغضض أي اكفف عن صوتك وغض أي كف بصرك وذلك كله للادب في حضرته الطاهرة والاعجم الذي هو غير بين وذلك لان أسرار فضله عليه‌السلام ومعاني شرفه لا يعلمها على التفصيل إلا الله تعالى وهي بالنسبة الينا معجمة مشكلة.

٥ ـ المولى هنا بمعنى الاولى بالولاية والنيابة والخلافة والايالة كما نص به الكتاب والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٦ ـ ان المكسورة بعد ما زائدة وان المخففة المفتوحة بعد لما زائدة وما بعد إذا

١٥٢

عجبا لقوم أخروك وكعبك العالي

وخد سواك اضرع اسفل (١)

إن تمس محسودا فسوددك الذي

أعطيت محسود المحل مبجل (٢)

عضب تحز به الرقاب يمده

رأي بعزمته يحز المفصل (٣)

وعلوم غيب لا تنال وحكمة

فصل وحكم في القضية فيصل (٤)

__________________

زائدة ، وخلافة معطوفة على قوله نصا يقول لو لم يكن عليك نص بالخلافة لما جاز العدول بها عنك فكيف وقد حصل النص وذلك لانه أفضل الخلق وتقديم المفضول على الفاضل قبيح والجيد العنق وهو استعارة.

١ ـ جعل كعبه عليه‌السلام الذى يباشر الارض عاليا على غيره وجعل خد من تقدم عليه بغير حق أضرع أي ذليلا مستفلا ومن قدم الاسفل على الاعلى فقد حق التعجب منه وهذا أحسن من قول أبي تمام :

بلوناك اما كعب عرضك في العلى

فعال ولكن خد مالك أسفل

٢ ـ علل فعل القوم الذي اخروه بالحسد ثم قال ومثل سؤددك يحسدك لشرفك وفضلك ومزاياك التي تفردت بها والسؤود مصدر ساد يسود سيادة.

٣ ـ شرع يذكر شيئا من فضائله التي حسد لا جلها فمنها سيفه الذي كان إذا اعتلى قد وإذا اعترض قط ، ومنها رأيه الاعلى الذي به يقطع السيف. والمفصل. بفتح الميم وكسر الصاد واحد المفاصل وبالعكس اللسان.

٤ ـ ومنها الحكمة وهي العلم وجميع الصحابة احتاجوا إليه في العلم وهو لم يحتج إلى أحد منهم. والفصل القطع يعني أن علمه قاطع بالحق ومنها الحكم في القضايا والمشكلات وقد نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه أقضى الصحابة وقضاياه أكثر من ان تحصى ، روى الخوارزمي مرفوعا إلى أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان أقضى امتي علي بن أبي طالب ، وروي أيضا مرفوعا إلى سلمان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال أعلم امتي علي ابن أبي طالب وروي أيضا مرفوعا إلى عمر بن الخطاب اتي بامرأة مجنونة قد زنت

١٥٣

عجبا لهذي الارض يضمر تربها

أطواد مجدك كيف لا تتزلزل (١)

__________________

فأراد أن يرجمها فقاله عليه‌السلام أما سمعت ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يبرأ وعن الغلام حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ قال فخلى عنه وروي أيضا أنه لما كان في ولاية عمر أتي بامرأة حامل فسألها عمر فاعترفت بالفجور فأمر بها أن ترجم فلقيها علي بن أبي طالب فقال ما بال هذه فقالوا أمر بها عمر أن ترجم فردها أمير المؤمنين علي عليه‌السلام. وقال لعمر أمرت بها أن ترجم فقال نعم اعترفت عندي بالفجور فقال عليه‌السلام هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها ثم قال علي فلعلك انتهرتها واخفتها فقال قد كان ذاك فقال أو ما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لا حد على من اعترفت بعد بلاء إنه من قيد وحبس أو هدد فلا اقرار له ، فخلى عمر سبيلها ثم قال عجزت النساء أن تلد مثل علي بن أبي طالب ، لولا علي لهلك عمر ، وروى الشيخ المفيد أنه استدعى امرأة كانت تتحدث عندها الرجال فلما جاءتها رسله فزعت وارتاعب فخرجت معهم وكانت حاملا فأسقطت ووقع ولدها إلى الارض فاستهل ثم مات فبلغ ذلك عمر فجمع أصحاب رسول الله وسألهم عن الحكم في ذلك فقالوا باجمعهم نراك مؤدبا ولم ترد إلا خيرا ولا شيء عليك في ذلك وأمير المؤمنين عليه‌السلام جالس لا يتكلم فقال عمر ما عندك يا أبا الحسن فقال أما قد سمعت ما قالوا قال فما عندك أنت قال قد قال القوم ما سمعت قال أقسمت عليك لتقول ما عندك قال ان كان القوم قد قاربوك فقد غشوك. وان كانوا باعدوك فقد قصروا الدية على عاقلتك لان قتل الصبي خطأ تعلق بك فقال أنت والله نصحتني من بينهم والله لا نبرح حتى نخرج الدية على بني عدي. ففعل أمير المؤمنين عليه‌السلام وذكر ابن أبي الحديد هذه الحكاية في شرح النهج وقال : أفتاه بان عليه عقرة. أي عتق رقبة فرجع عمر إلى قوله : والفيصل الحاكم وقيل : القضاء بين الحق والباطل.

١ ـ يضمر يخفي ويستر والاطواد الجبال وتتهيل تنصب من هيلت التراب وغيره إذا أرسلته واصل الهيل إرسال الطعام والدقيق وغيرهما من غير كيل ولا وزن تعجب من الارض حيث احتوت على شريف مجده الذي هي كالجبال حلما وعلما ولم تتزلزل هيبة وعجزا وكذا العجب من الاملاك لبعدها عنه كيف لا تهيل كالتراب.

١٥٤

عجبا لاملاك السماء يفوتها

نظر لوجهك كيف لا تتهيل

يا أيها النبأ العظيم فمهتد

في حبه وغواة قوم ضلل (١)

يا أيها النار التي شب السنا

منها لموسى والظلام مجلل (٢)

يا فلك نوح حيث كل بسيطة

بحر يمور وكل بحر جدول (٣)

يا وارث التوراة والانجيل والفرقان

والحكم التي لا تعقل (٤)

لولاك ما خلق الزمان ولا دجى

غب ابتلاج الفجر ليل أليل

__________________

١ ـ جاء في تفسير قوله تعالى : عم يتساءلون ، أنه علي بن أبي طالب وغواه جمع غاو الخائب هنا. وضلل جمع ضال يريد أن المهتدي محبه والخائب والضال مبغضه وهو الاختلاف.

٢ ـ آل محمد عليهم‌السلام كانوا سبب ظهور نار النور من جانب الطور فأقام السبب مقام المسبب وقد مضى مثله. وشب رفع. والسنا مقصورا الضوء وممدودا الشرف ومجلل شامل.

٣ ـ آل محمد نجابهم نوح وهم فلك النجاة حقيقة وقد قال مولانا سيد العابدين انهم الفلك الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها وهو في معنى البيت الاول. والبسيطة الارض الواسعة. ويمور يضطرب. والجدول النهر الصغير بالنسبة إلى غيره من الطوفان.

٤ ـ الفرقان القرآن وكل ما فرق بين الحق والباطل فهو فرقان ولهذا قال الله تعالى « ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان » ، وقوله الحكم التي لا تعقل يريد الحكم التي ورثها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنها لا تعقل لغيره لدقتها وجلالتها ، وقد قال عليه‌السلام لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لافتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الانجيل بإنجيلهم فيقول صدق علي عليه‌السلام قد افتاكم بما انزل في رواة الخوارزمي ابتلاج الفجر اضاءته ويقول بل الصبح وابلج وتبلج والاليل المظلم.

١٥٥

يا قاتل الابطال مجدك للعدى

من غرب مخذمك المهند اقتل (١)

بذباب سيفك قر قارع طوده

بعد التأود واستقام الاميل (٢)

إن كان دين محمد فيه الهدى

حقا فحبك بابه والمدخل

لولاك أصبح ثلمة لا تتقى

اطرافها ونقيصة لا تكمل (٣)

كم جحفل للجزء من اجزائه

يوم النزال يقل قولك جحفل (٤)

__________________

١ ـ الغرب الحد. والمجذم السيف القاطع. والخذم القطع. والمهند السيف المطبوع من حديد الهند يقول مجدك اقتل للعدى من حد سيفك وذلك لحسد هم فالحسد قاتل لهم اعظم من قتل السيف وذلك لان الحسد مرض باطن متجدد في كل حالة وقتل السيف منقطع.

٢ ـ ذباب السيف حده الذي يضرب به القارع العالي والتأود الاعوجاج والهاء في طوده تعود إلى الدين والشرط في قوله ان كان تقرير لمحبته وولايته ولا ريب أن ولايته كمال للدين فمتى ثبتت صحة الدين ثبتت ولايته ومحبته ، وأورد الخوارزمي حديثا أسنده إلى ابن عباس قال : قال : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ولبعض الشعراء قريب من هذا المعني :

ان كان احمد خير المرسلين فذا

خير الوصيين أو كل الحديث هبا

٣ ـ الضمير في أصبح يعود إلى الدين وقوله ثلمة أي ذا ثلمة لا تسند وهو في معنى البيت الذي قبله.

٤ ـ الجحفل الجيش يقول كم جزء من أجزاء هذا الجيش يعظم أن يسمى جيشا ويقل له هذا الاسم وذلك مبالغا في صفة الكثرة ، وكم هنا خبرية للتكثير ، وجحفل مجرور بها وللجزء متعلق بيقل ومن أجزائه في موضع نصب على الحال من الجزء والعامل في الظرف يقل أيضا وقولك فاعل يقل وجحفل خبر مبتدأ مقدر وهما في موضع نصب على محكي القول والجملة من قوله يقل في موضع خبر صفة جحفل أي كم جحفل يقل قولك هذا جحفل للجزء من أجزائه.

١٥٦

اثوابه الزرد المضاعف نسجه

لكنه بالزاغبية مخمل (١)

يحيي المنية منه طعن انجل

برح محاجره وضرب اهذل (٢)

نهنهت سورته بقلب قلب

ثبت يحالفه صقيل مصقل

صلى عليك الله من متسربل

قمصا بهن سواك لا يتسربل (٣)

وجزاك خيرا عن نبيك انه

الفاك ناصره الذي لا يخذل

سمعا أمير المؤمنين قصائدا

يعنو لها بشر ويخضع جرول (٤)

__________________

١ ـ المضاعف الذي نسج على حلقتين والزاغبية الرماح ، قال الخليل هي منسوبة إلى زاغب وقد جعل الرماح كالمخمل لهذا الزرد والمخمل هدب الثوب وهذا نظر فيه إلى قول المتنبي :

وملمومة زرد ثوبها

ولكنه بالقنا مخمل

٢ ـ يحيى المنية أي يثيرها وينشرها والانجل الواسع وبرح جمع برحاء وهي العين الواسعة كالنجلاء واستعار المحاجر لمواضع الطعن. والاهذل المسترخي إلى أسفل. نهنهت كففت. وسورته حدته والقلب الذي تقلب في الامور وخبرها والثبت الثابت. ويحالفه يتابعه كأنه حلف من متابعته فيما يريد منه. والصقيل السيف والمصقل القاطع.

٣ ـ الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الدعاء ومنا ذات الركوع والسجود وهي في اللغة الدعاء. والمتسربل اللابس واستعار لفظ القمص جمع قميص لما اشتمل عليه أمير المؤمنين عليه‌السلام من القصائد التي قصر عنها غيره وانقطع دونها سواه والجار والمجرور في قوله متسربل في موضع نصب على التمييز وقمصا قنصوبة بمتسربل وسواك مبتدأ والجملة المنفية خبر عنه وبهن تتعلق بيتسربل.

٤ ـ سمعا منصوب على المصدر وأمير المؤمنين نداء مضاف وقصائد منصوبة بالمصدر

١٥٧

الدرر من الفاظها لكنه

درله إبن الحديد يفصل

هي دون مدح الله فيك وفوق ما

مدح الورى وعلاك منها اكمل

__________________

والجملة بعدها صفتها ويعنو يذل ويخنغ. وبشر بن أبي حازم شاعر معروف. وجرول اسم الحطيئة الشاعر وسمي بحطيئة لقصره قوله الدر جعل ألفاظها أصلا للدر وتفصيل الدر يحسنه بأن يجعل بين كل درتين خرزة ، قوله هي دون مدح الله أجادو أحسن في كل ما قاله عظم الله ثوابه وحشره مع أحبته والحمدالله رب العالمين.

١٥٨

ترجمة الكميت

١٢٦ ـ ٦٠ ه‍

نسبة وشهرته :

هو الكميت بن زيد الاسدي ينتهي نسبه إلى مضر بن نزار بن عدنان من اشعر شعراء الكوفة المقدمين في عصره. عالم بلغات العرب خبير بأيامها ومن شعراء القرن الاول من الهجرة. كان في أيام الدولة الاموية وولد أيام مقتل الحسين سنة ستين ، ومات في سنة ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمد ولم يدرك الدولة العباسية. وكان معروفا بالتشيع لبني هاشم مشهورا بذلك قال أبو عبيدة : لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم. وقال ابو عكرمة الضي : لو لا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان ولا للبيان لسان. قيل وكانت بنو أسد تقول فينا فضيلة : ليست في العالم. ليس منزل منا الا وفيه بركة وراثة الكميت : لانه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في النوم فقال له : أنشدني : طربت وما شوقا إلى البيض أطرب. فانشده فقال له : بوركت وبورك قومك. وسئل أبو معاذ الهراء : من أشعر الناس؟ قال أمن الجاهليين قال امرؤ القيس وزهير وعبيد بن الابرص. قالوا : فمن الاسلاميين؟ قال :

١٥٩

الفرزدق وجرير والاخطل والراعي. فقيل له : ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت قال ذاك أشعر الاولين والآخرين ويقال ما جمع أحد من علم العرب ومناقبها ومعرفة أنسابها ما جمع الكميت فمن صحح الكميت نسبه صح ومن طعن فيه وهن.

أخلاقه وصفاته :

كان في صغره ذكيا لوذعيا يقال : انه وقف وهو صبي على الفرزدق وهو ينشد. فلما فرغ قال له : أيسرك أني أبوك؟ قال : أما أبي فلا اريد به بدلا ولكن يسرني أن تكون أمي. فحصر الفرزدق وقال ما مربي مثلها. ويقال ما جمع أحد من علم العرب ومناقبها ومعرفة أنسابها ما جمع الكميت. وقيل كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر : كان خطيب بني اسد. وفقيه الشيعة. وحافظ القرآن. وكان كاتبا حسن الخط. وكان نسابة. وكان جدليا وهو أول من ناظر في التشيع مجاهرا بذلك. وكان راميا لم يكن في بني اسد أرمى منه. وكان فارسا وكان شجاعا وكان سخيا دينا.

قال الجاحظ : ما فتح للشيعة الحجاج الا الكميت بقوله :

فان هي لم تصلح لحي سواهم

فان ذوي القربى أحق وأوجب

يقولون لم يورث ولولا تراثه

لقد شركت فيها بكيل وأرحب

١٦٠