الروضة المختارة ـ القصائد الهاشميّات والقصائد العلويّات

المؤلف:


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٨

إذا اعتجرت قاني الشفوف فيا لها

تباريح وجد في قلوب المغافر (١)

تميل كما مال النزيف وتنثني

تثني منصور الكتيبة ظافر (٢)

لها محض ودي في الهوى وتحنني

وخالص اضماري وصفو سرائري

فيارب بغضها إلى كل عاشق

سواي وقبحها إلى كل ناظر

وبغض إليها الناس غيري كما ارى

فبيحا سواها كل باد وحاضر

فيا جنة فيها العذاب ولم أخف

حلول عذاب في الجنان النواضر (٣)

يعاقب في حسبانها غير مشرك

ويحرم من نعمائها غير كافر (٤)

__________________

١ ـ اعتجرت أي لبست المعجر وهو ثوب تلفه المرأة على رأسها والقاني الاحمر والشفوف جمع شف وهو الثوب الرقيق. والتباريح الشدائد. والمغافر جمع مغفر ، قال الاصمعي هو زرد ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة ، والمغفر الستر والمنادى في قوله فيالها محذوف أي يا قوم احضروا لها واللام للمستغاث له وفتحت لاتصالها بالضمير ، والمعنى أن هذه المرأة إذا وضعت الشفوف على رأسها حصل في قلوب المعافر التي هي على رؤوس الشجعان وجد عظيم كيف لم تكن هي الموضوعة على رأسها فقلوب المغافر اوساطها على هذا المعنى ولا يجوز ان يكون الكلام على تقدير حذف المضاف اي في قلوب اصحاب المغافر فعلى هذا يكون الكلام حقيقة على الاول والاول أجود.

٢ ـ النزيف السكران لانه ينزف عقله ، ومنه قوله تعالى « لا يصدعون عنها ولا ينزفون » اي لا يسكرون. والكتيبة الجيش.

٣ ـ النواضر جمع ناضرة وهي الحسناء الرائفة ومعنى الابيات واضح.

٤ ـ الحسبان مصدر حسبت أحسب حسبانا بضم الحاء وفتحها وحسبا وحسابة ايضا والحساب الاسم ولما استعار لهذه المرأة لفظة الجنة لما فيها من اللذة جعل حالها

١٢١

علمتك لا قرب الديار بنافعي

لديك ولا بعد الديار بضائري

وما قرب أوطان بها متباعد

المودة إلا مثل قرب المقابر

حلفت برب القعضبية والقنا

المثقف والبيض الرقاق البواتر (١)

وبالسابحات السابقات كأنها

من الناشرات الفارقات الاعاصر (٢)

وعوج مرنات وصفر صوائب

وفلك بآذي العباب مواخر (٣)

لقد فاز عبد للوصي ولاؤه

وإن شابه بالموبقات الكبائر (٤)

وخاب معاديه ولو حلقت به

قوادم فتخاء الجناحين كاسر (٥)

__________________

معكوسة فجعل فيها العذاب وذلك بسبب قطيعتها وهجرها وجعلها تعاقب غير المشرك وهو الذي لم يحب معها أحدا وتحرم غير الكافر وهو الذي لم ينكر حقها.

١ ـ القعضبية الاسنة منسوبة إلى قعضب وهو رجل كان يعلمها والمثقف المقوم العدل.

٢ ـ السابحات الخيل التي تعدو. والناشرات الرياح وهي من النشر أي البسط وقيل هي الرياح التي تأتي بالمطر والفارقات قد جعلها من صفة الرياح وقد قيل ذلك وقال ابن قتيبة في قوله عزوجل « فالفارقات فرقا » انها الملائكة تنزل تفرق بين الحق والباطل كذا قال الغريزي فأما الاعاصر فانها الرياح القوية شبه جري الخيل بمجرى الرياح العاصفة.

٣ ـ العوج المرنات القسي. والصفر الصوائب السهام. والفلك السفن. والآذي موج البحر والجمع الاواذي والعباب لجة الماء ومعظمه. ومواخر جوار تشق الماء بصوت.

٤ ـ الموبقات المهلكات في الآخرة وقد جاء في الخبر حب علي حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة. وشابه خلطه.

٥ ـ حلقت ارتفعت. والقوادم جمع قادمة وهي الريش الاول من الجناح في كل جناح عشرة ، والفتخاء العقاب والكاسر التي تكسر ما تصيده وقد مضى مثل ذلك المعنى ان

١٢٢

هو النبأ المكنون والجوهر الذي

تجسد من نور من القدس زاهر (١)

وذو المعجزات الواضحات اقلها

الظهور على مستودعات السرائر (٢)

ووارث علم المصطفى وشقيقه

اخا ونظيرا في العلى والاواصر (٣)

__________________

معادية لا ينجو ولا مخلص له من الهلاك ولو كان على جناح هذا الطائر ، وقوله فتخاء الجناحين أي ناعمة الجناحين.

١ ـ النبأ هو الخبر والمكنون المستور كأنه خبر من الله لا يعلم سر فضله إلا هو والجوهر يريد به هنا الاصل وتجسد صور وزاهر فضله مشرق روى الخوارزمي باسناده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله تعالى من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف سنة فلما خلق الله تعالى أدم سلك ذلك النور في صلبه ولم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب حتى أقره في صلب عبدالمطلب ثم أخرجه من صلب عبدالمطلب وقسمه قسمين قسما في صلب عبدالله وقسما في صلب أبي طالب فعلي مني وأنامنه ، فهذا معنى قوله تجسد من نور من القدس زاهر أي صار ذلك النور جسدا.

٢ ـ أما معجزاته وكراماته وعلمه بالمخفيات فأشهر من الشمس وأبين من فلق الصبح ومن ذلك كشفه قليب الماء الذي عند الراهب وسيأتي ذكره ومنه ما روي أنه كان جالسا في مسجد الكوفة في جماعة فيهم عمرو بن حريث فاقبلت امرأة متخمرة لا تعرف فوقفت وقالت لعلي عليه‌السلام يا من قتل الرجال وسفك الدماء وأيتم الاطفال وأرمل النساء فقال عليه‌السلام وانها لهي السلقلق الجلقة المجعة وانها لهي هذه شبيه الرجال والنساء التي ما رأت دما قط قال فولت هاربة منكسة رأسها فتبعها عمرو ابن حريث وقال لها والله لقد سررت بما كان منك وأدخلها داره وأمر جواريه أن ينزعن ثيابها لينظر إليها فبكت وسألته أن لا يكشفها وقالت أنا والله كما قال لي ركب النساء وانثياء الرجال وما رأيت دما قط قال فتركتها ، والسلقلق السليطة وأصله من السلق وهو الذئب والجلعة الجعة الفاحشة اللسان والركب منبت العانة.

٣ ـ الشقيق الاخ والاواصر جمع آصرة وهي القرابة وكلما يعطف على الانسان من

١٢٣

ألا إنما الاسلام لولا حسامه

كعفطة عنز أو فلامة حافر (١)

ألا إنما التوحيد لولا علومه

كعرضة ضليل أو كنهبة كافر (٢)

ألا إنما الاقدار طوع يمينه

فبورك من وتر مطاع وقادر (٣)

فلو ركض الصم الجلامد واطئا

لفجرها بالمترعات الزواخر (٤)

__________________

رحم أو صهر أو معروف يعني انه عليه‌السلام اشتق من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فماثله في علاه وخلائقه الكريمة التي تعطف الناس عليه.

١ ـ انما للحصر لانه مركب من أن التي للاثبات ومن ما التي للنفي فالحصر حاصل من إثبات ذلك الشيء ونفي ما عداه والعفطة من العنز الحمقة والشاة ما ينتثر من أنفها كفعل الجمار ويقال ما له عافطة ولا نافطة أي لا بعير ولا شاة ويجوز أنه لراد بالعاطفة هنا ما ينثر بأنفها ويكون مجازا ، والمعنى أنه لولا جهاده عن الاسلام لكان حقيرا كما أن العفطة وقلامة الحافر حقيران.

٢ ـ الضليل كثير الضلال أي لكان التوحيد معرضا لاهل الضلال ، والنهبة ما انهب أي لكان منتهبا بأيدي الكفار.

٣ ـ الاقدار جمع قدر وهو قضاء الله تعالى واليمين القوة والوتر بالفتح والكسر الفرد والمعنى أن عليا عليه‌السلام فيه من القوة النفسية ما يتمكن معها من دفع القدر بمشيئة الله تعالى وجعله وترا لانه لا يماثله أحد من الناس والوتر أيضا من أسماء الله تعالى وقوله بورك أي زاده الله بركة والبركة الزيادة والنماء ، وقوله مطاع أي تطيعه الاقدار وقد بين الطاعة والقدرة في البيت الثاني.

٤ ـ المترعات الممتلئات. والزواخر المرتفعات ، والموصوف محذوف أي بالاودية والانهار المترعات يعني لو ضرب الارض برجله في حال وطئه وهي من الصخر الجلمود لفجرها بالماء وهذا وما بعده من القدرة والطاعة.

١٢٤

ولو رام كسف الشمس كور نورها

وعطل من أفلاكها كل دائر (١)

هو الآية العظمى ومستنبط الهدى

وحيرة ارباب النهى والبصائر (٢)

رمى الله منه يوم بدر خصومه

بذي فذذ في آل بدر مبادر (٣)

وقد جاشت الارض العريضة بالقنا

فلم يلف إلا ضامر فوق ضامر (٤)

فلو نتجت ام السماء صواعقا

لما شج منها سارح رأس حاسر (٥)

__________________

١ ـ كور نورها أي لفه كما تكور العمامة أي تلف على الرأس.

٢ ـ الآية : العلامة وهو عليه‌السلام دليل الله الاعظم على كل مؤمن ومنافق بمحبته وعداوته ومستنبط مستخرج ولما كان سرا من أسرار الله لا تدركه الافكار وبحرا من بحار العلم لا تقع على ساحله الابصار ، وكان فيه من الفضائل ما لا يطلع على كنهه إلا الله تعالى لاجرم تقطعت فيه أنفاس الواصفين فلهذا جعله حيرة أرباب النهى والبصائر.

٣ ـ أي يوم وقعة بدر وهو اسم ماء كانت عنده الوقعة قوله بذي فذذأي بسهم ذي فذذ وهي جمع فذة وهي الواحدة من ريش السهم والمبادر المسرع والضمير في منه يعود إليه عليه‌السلام وفي خصومه يجوز أن يعود إليه وأن يعود إلى الله تعالى جعله سهما لله تعالى رمى أعداءه به عليه‌السلام.

٤ ـ جاشت اضطربت ، وجاشت القدر إذا غلت ، والضامر الاول الراكب والثاني الفرس والضمور محمود فيهما لانه يدل على الخفة.

٥ ـ السماء : المطر ، قال الشاعر :

إذا نزل السماء بأرض قوم

رعيناه ولو كانوا غضابا

١٢٥

فكان وكانوا كالقطامي ناهض البغا

ث فصرى شلوه في الاظافر (١)

سرى نحوهم رسلا فسارت قلوبهم

من الخوف وخدا نحوه في الحناجر (٢)

كأن ظبات المشرفية من كرى

فما يبتغي الا مقر المحاجر (٣)

فلا تحسبن الرعد رجس غمامة

ولكنه من بعض تلك الزماجر (٤)

__________________

وامه اصله وهو السحاب وشج جرح والسارح الساقط. والحاسر الذي لا درع عليه ولا مغفر ، ويريد ان الجيش بأسره في الدروع والبيض حتى لو سقطت صاعقة لما جرحت رأس أحد منهم.

١ ـ القطامي بضم القاف وفتحها الصقر والبغاث بضم الباء وفتحها وكسرها كل ما لا يصيد من الطير وقيل هو الطائر بعينه ابغث اي اغبر. وشلوه جسده شبه امير المؤمنين عليه‌السلام بالصقر وشبه ذلك العسكر الموصوف بالبغاث والصقر إذا ظفر بالبغاث مزق لحمه وسيل دمه.

٢ ـ الرسل : السير السهل ومنه قولهم على رسلك اي على هنيتك. والوخد السير السريع والحناجر جمع حنجرة وهي الحلقوم يعني انه عليه‌السلام سرى إليهم متأنيا فصعدت قلوبهم إلى حناجرهم مسرعة إليه خوفا منه.

٣ ـ الضبات الحدود. والمشرفية السيوف وقد تقدم ذكرها. والمحاجر جمع محجر وهو ما حول العين ومقر المحاجر هي الرؤوس شبه حدود السيوف بالنوم الذى لا يحمل الا بالرؤوس.

٤ ـ الرجس الصوت. والزماجر : صياح الرجال في الحرب. والوميض لمع البرق والفاقر يريد به الفاقرة وهي الداهية. والمزن جمع مزنة وهي السحابة. وتهمي تسيل. والاوطف السحاب الداني من الارض لامتلائه بالماء. والهامر السائل يقول ان

١٢٦

ولا تحسبن البرق نارا فإنه

وميض اتي من ذي الفقار بفاقر

ولا تحسبن المزن تهمي فإنها

أنامله تهمي باوطف هامر

تعاليت عن مدح فأبلغ خاطب

بمدحك بين الناس أقصر قاصر

صفاتك أسماء وذاتك جوهر

برئ المعاني من صفات الجواهر (١)

__________________

زماجير الرجال هي الرعد الحقيقي ووميض ذي الفقار هو البرق الحقيقي وغيث السحب هو جود كفه وفيض كرمه والرعد والبرق والغيث المعهود ليس له في الوجود حقيقة فهو مطروح عن درجة الاعتبار وهذا من المبالغة في الوصف.

١ ـ قوله صفاتك اسماء أي لازمة لك كلزوم الاسم مسماه. وقوله وذاتك جوهر البيت يريد بالصفات ما ذكره في البيت الثاني وهو الاعراض والاين والمتى إذ كل جسم لا ينفك منها فهذه الصفات فيه اجل منها في غيره اما الاعراض فانه عليه‌السلام لا يحزن كغيره على فوات اطماع الدنيا ولا يفرح بما اوتي منها ولا يحل به خوف عند منازلة الاقران ولا غير ذلك من اعراض الدنيا بل كل ما يعرض له فانه في ذات الله تعالى واما الاين فهو المكان فليس مكانه كمكان الغير لان مكان علي عليه‌السلام اما محراب صلاة أو معركة جهاد أو سعي في سبيل الله ، واما المتى وهو الزمان فلا نسبة بين زمانه وزمان الغير وكيف وزمانه لا ينقطع الا في سبيل الله مصليا أو صائما أو قائما أو داعيا أو مجاهدا لان ما يلزم في المكان من الطاعات يلزم مثله في الزمان ففضله على غيره في هذه الصفات ظاهر هذا إذا حملنا الكلام على الحقيقة واما ان حملنا معنى البيتين على المجاز والمبالغة فتاويله تأويل قول الله عزوجل على لسان الصادق المختار صلوات الله عليه ما ترددت في شيء انا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت واكره مساءته والله تعالى لا يتردد ، وتاويله لو كنت ممن يتردد لترددت ، ونظير هذا كثير في كلام العرب نظما ونثرا ، واما قوله فيكبر عن تشبيهه بالعناصر فهذا واضح لانه مخلوق من نور.

١٢٧

يجل عن الاعراض والاين والمتى

ويكبر عن تشبيهه بالعناصر

إذا طاف قوم بالمشاعر والصفا

فقبرك ركني طائفا ومشاعري (١)

وإن ذخر الاقوام نسك عبادة

فحبك أو في عدتي وذخائري (٢)

وإن صام ناس في الهو اجر حسبة

فمدحك أسنى من صيام الهواجر (٣)

وأعلم أني إن اطعت غوايتي

فحبك أنسي في بطون الحفائر (٤)

وإن أك فيما جئته شر مذنب

فربك يا خير الورى خير غافر

فوالله لا اقلعت عن لهو صبوتي

ولا سمع اللاحون يوما معاذري (٥)

__________________

١ ـ المشاعر جمع مشعر وهي مواضع المناسك والصفا من جملتها واما كونه يختار زيارة قبر علي عليه‌السلام على المشاعر فلان فضله بالذات وبالعرض وفضل المشاعر بالعرض لا بالذات فزيارته عليه‌السلام اتم واكمل من زيارتها.

٢ ـ النسك العبادة والناسك العابد والنسك جمع نسيكة وهي الذبيحة واضاف النسك إلى العبادة لاختلاف لفظهما ولاريب ان محبة علي مجردة اتم وانفع عند الله من العبادة مجردة من محبته لان محبته تستلزم الثواب الدائم وعدمها يستلزم العقاب الدائم وان قرن به عمل صالح.

٣ ـ الحسبة الاجر والجمع الحسب واسنى اشرف ولا ريب ان مدحه افضل من الصيام لان الصيام لازم والمدح عبادة متعدية والثاني افضل من الاول.

٤ ـ الغوابة مصدر غوى الرجل يغوي غيا وغواية فهو غو إذا ضل.

٥ ـ اقلعت : كفقت. واللاحون اللائمون. وقد تقدم التنبيه على معنى هذه الابيات والنصوص بهذا المضمون وافرة في الطرفين.

١٢٨

إذا كنت للنيران في الحشر قاسما

اطعت الهوى والغي غير محاذر

نصرتك في الدنيا بما أستطيعه

فكن شافعي يوم المعاد وناصري (١)

فليت ترابا حال دونك لم يحل

وساتر وجه منك ليس بساتر

لتنظر ما لا قى الحسين وما جنت

عليه العدى من مفظعات الجرائر

من ابن زياد وابن هند وابن

سعد وابناء الاماء العواهر (٢)

__________________

١ ـ فظع الامر يفظع فظاعة اي شديد مجاوز المقدار وكذلك افظع فهو مفظع والجرائر جمع جريرة وهي الجناية.

٢ ـ ابن زياد عبيدالله بن مرجانة وابوه زياد دعي ابا سفيان الذي سمته عائشة زياد بن ابيه امه سمية امة عاهرة ذات علم تعرف به وطأها ابو سفيان وهو سكران فعلقت منه بزياد هذا ولدته على فراش زوجها عبيد فادعاه ابو سفيان سرا ، واما ابن هند فهو يزيد بن معاوية وهند هذه جدته لابيه بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبدمناف وعتبة هذا قتله امير المؤمنين عليه‌السلام وحمزة عمه رحمه‌الله يوم بدر ولهذا السبب مثلت هند بحمزة واكلت قطعة من كبده مضغتها وارادت بلعها فلم تقدر فلفظتها لان الله تعالى صان كبد حمزة ان يحل شيء منها في معدة تحترق بنار جهنم وكانت هند متهمة بمحبة السود وذكر انها ولدت ولدا اسود على شكل العبيد وانها لفته بخرقة ورمته في بعض الشوارع. واما ابن سعد فانه عمربن سعد بن ابي وقاص وكان مطعونا في نسبه خبيثا في ولادته وسعد ابوه من الثلاثة الذين اختارهم عمربن الخطاب للشورى وعتبة بن أبي وقاص أخو سعد هو الذي كسر رباعية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أحد وشج رأسه وشق شفته بحجر رماه به وهذا عمر بن سعد ولاه عبيدالله بن زياد اميرا على جيشه ليتولى قتال الحسين عليه‌السلام ففعل ، واما قوله وابناء الاماء العواهر فالعواهر الزواني جمع

١٢٩

رموه بيحموم اديم غطامط

تعيد الحصى رفغا بوقع الحوافر (١)

لهام فلا فرغ النجوم بمسبل

عليه ولا وجه الصباح بسافر (٢)

فيا لك مقتولا تهدمت العلى

وثلث به أركان عرش المفاخر (٣)

ويا حسرتا إذ لم اكن في اوائل

من الناس يتلى فضلهم في الاواخر (٤)

فأنصر قوما إن يكن فات نصرهم

لدى الروع خطاري فما فات خاطري (٥)

__________________

عاهرة والعواهر صفة الاماء والاماء جمع امة وهي المملوكة اصله اموه بالتحريك وتصغيرها امية.

١ ـ اليحموم الاسود الاديم وباطن الجلد وهو هنا استعارة والغطامط صوت غليان القدر وموج البحر يريد بسواده كثرة غباره وعجاجه والمراد بالغطامط كثرة الغبرة والاصوات اي بجيش هذه صفته والرفغ بالغين المعجمة شر البوادي ترابا والمعنى ان هذا الجيش لكثرته وشدة وطئه على الحصى يصيره رفغا اي ترابا خشنا.

٢ ـ اللهام الجيش الكثير. وفرع النجوم ما يصدر عنها من الضوء ، والمعنى ان هذا الجيش لكثرة ما يعلوه من العجاج لا يصل إليه ضوء النجوم ولا ينكشف عليه وجه الصباح فلا يعرف الليل والنهار.

٣ ـ قوله فيا لك مقتولا فيه مغنى التعجب وقد مر مثله. وثلث هدمت. والعرش السقف واستعاره للمفاخر للارتفاع ويقال ثل عرشه اي وهى امره وذهب عزه.

٤ ـ الحسرة أشد التلهف على الشيء الفائت والف حسرتا مبدلة من ياء التكلم ويجوز أن يكون الف الندبة يتأسف كيف لا يكون في أوائل القوم الذين كانوا يجاهدون بين يدي الحسين حيث ان فضلهم باق إلى يوم القيامة.

٥ ـ انصر منصوبة لانها جواب النفي في قوله إذا لم أكن يقول ان فات نصري لهم بالخطار وهو الرمح فما فات بالخاطر اي بالمدائح والمحبة وإقامة الدلائل على إمامتهم ووجوب ولايتهم والنصر قد يكون بالقول عند تعذر الفعل.

١٣٠

عجبت لاطواد الاخاشيب لم تمد

ولا أصبحت غورا مياه الكوافر (١)

وللشمس لم تكسف وللبدر لم يحل

وللشهب لم تقذف بأشأم طائر (٢)

أما كان في رزء ابن فاطم مقتض

هبوط رواس أو كسوف زواهر (٣)

ولكنما غدر النفوس سجية

لها وعزيز صاحب غير غادر (٤)

__________________

١ ـ الاطواد الجبال والاخاشيب المخشبة العظيمة منها. وتمد تضطرب أصلها تميد اسكنت الدال للجزم والياء قيلها ساكنة فحذفت الياء لئلا يلتقي الساكنان وغورا أي غايرة وهو مصدر يوصف به فيقال ماء غوراء غاير ولهذا لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث. وغار الماء إذا نقص وجف وانتصف لانه خبر مقدم لاصبحت ومياه جمع كثرة الماء واصله موه بالتحريك لان جمعه في القلة امواه وتصغيره مويه. والكوافر جمع كافر وهو البحر والنهر الكبير أيضا.

٢ ـ يقال كسفت الشمس وكسفها الله يتعدى ولا يتعدى مصدر الاول السكوف ومصدر الثاني الكسف. والشهب النجوم. وتقذف ترمي ، قوله باشأم طاير اشارة إلى ما كانت العرب تعتمده من زجر الطير والتشاؤم والتيمن به فكانوا يسمون ما ياتي عن إيمانهم من الطير والوحش سانحا فاهل نجد يتيمنون به نظرا إلى إيمانهم ويتشاءمون بما ياتي عن شمائلهم ويسمونه بارحا واهل الحجاز بالضد من ذلك يتيمنون بما يأتي عن شمائلهم لانه يوليهم ميامنه وكذا في اليمين فينظرون إلى يمين المار بهم وشماله ، والمعنى أنه يتعجب كيف لم تخر هذه الكواكب شؤما على الناس لهذا الحادث الثقيل.

٣ ـ اما كان استفهام تعجب من هذه الاجرام الفلكية والارضية كيف لم يحدث فيها امارات الحزن ويظهر عليها آثار الجزع لهذه المصيبة الحادثة وفاطم يريد بها فاطمة وحذف الهاء تخفيفا والرواسي الجبال الثوابت.

٤ ـ السجية الطبيعة واسند الغدر هنا إلى النفوس العاقلة لانه اراد العموم وإذا كان

١٣١

بني الوحي هل أبقي الكتاب لناظم

مقالة مدح فيكم أو لناثر (١)

إذا كان مولى الشاعرين وربهم

لكم بانيا مجدا فما قدر شاعر

فأقسم لولا أنكم سبل الهدى

لضل الورى عن لا حب النهج ظاهر

ولو لم تكونوا في البسيطة زلزلت

وأخرب من أرجائها كل عامر (٢)

سأمنحكم مني مودة وامق

يغض قلى عن غيركم طرف هاجر (٣)

__________________

الغدر طبيعة في العقلاء فالجمادات اولى بذلك ونسبة الغدر إلى الجمادات مجاز وهو حقيقة في العقلاء ونسب الجميع إلى الغدر حيث لم يقع منهم ما ذكره من آثار الحزن.

١ ـ سبل جمع سبيل وهو الطريق يذكر ويؤنث والسبيل ايضا السبب. والوصلة واللاحب الواضح ، فاعلة بمعنى مفعول واضاف احدهما إلى الآخر تأكيدا ولاحب وظاهر صفتان لمحذوف اي عن دين واستعار للدين لفظ النهج المسلوك فيه على الاستقامة.

٢ ـ البسيطة : الارض ومن المعلوم الحق ان الارض لو خلت من امام حجة الله تعالى لخربت البلاد ولم يصح تكليف العباد لان الدنيا خلقت لهم.

٣ ـ منح اعطى الوامق المحب. وغض الجفن إذا أطبقه وهو كناية عن الاعراض والصدود.

١٣٢

القصيدة السادسة في وصفه ومدحه عليه‌السلام

يا رسم لا رسمتك ريح زعزع

وسرت بليل في عراصك خروع (١)

لم ألف صدري من فؤادي بلقعا

إلا وأنت من الاحبة بلقع (٢)

جاري الغمام مدامعي بك فانثنت

جون السحائب فهي حسرى ظلع (٣)

لا يمحك الهتن الملث فقد محا

صبري دثورك مذمحتك الادمع (٤)

__________________

١ ـ الرسم الاثر ورسم الدار ما التصق من اثرها بالارض وارسم إذا كثر ودعا ورسمتك يريد درستك. والزعزع الريح الشديدة. والبليل الريح الباردة الندية. والخروع الضعيفة قاله. الجوهري كل نبت ضعيف ينثني فهو خروع اي نبت كان.

٢ ـ البلقع الخالي يقول ما وجدت صدري خاليا من قلبي الا بما خلوته ممن احبه فكأن الاحباب للدار كالقلب للجسد.

٣ ـ جاراه إذا جرى معه والجون جمع جون وهو الاسود المقصود هنا والجون ايضا الابيض وهو من الاضداد. وحسرى منقطعة جمع حسير مثل قتيل وقتلى. وظلع جمع ظالع وهو الغامز في مشيه ، والمعنى ان السحاب جرى مع مدامعي كالمسابق لها فرجع السحاب الشديد الماطر كالجمل المنقطع الاعرج وهذا استعارة للمبالغة في كثرة البكاء.

٤ ـ الهتن الجاري والملث الدائم دعاء للرسم بأن لا يمحو الغيث مجرى الدموع عليه فقد محاه وهو كاف له والمربع كلما درس صبره ايضا فإذا دثوره يوجب قلة الصبر وقلة الصبر توجب البكاء والبكاء يوجب دثور وهي اطراف تتجاذب إلى دروس الربع ويمحك مجزوم بلاء النهي واصلة يمحوك فسقطت الواو للجزم.

١٣٣

ماتم يومك وهو أسعد ايمن

حتى تبدل فهو أنك اشنع (١)

شروى الزمان يضئ صبح مسفر

فيه فيشفعه ظلام اسفع (٢)

لله درك والضلال يقودني

بيد الهوى فأنا الحرون فاتبع (٣)

يقتادني سكر الصبابة والصبا

ويصيح بي داعي الغرام فاسمع

دهر تقوض راحلا ما عيب من

عقباه إلا انه لا يرجع (٤)

يا أيها الوادي أجلك واديا

وأعز الا في حماك فاخضع

وأسوف تربك صاغرا واذل في

تلك الربى وأنا الجليد فاخنع (٥)

( أسفي على مغناك إذ هو غابة

وعلى سبيلك وهو لحب مهبع ) (٦)

__________________

١ ـ الاسعد الايمن المبارك ، يقال سعد يومنا بفتح العين يسعد سعودا وسعد الرجل بالكسر فهو سعيد وسعد بالضم فهو مسعود. والانكد المشوم. والاشنع القبيح.

٢ ـ الشروى المثل ويشفعه يتبعه وهو من الشفع والمسفر المضئ والاسفع الاسود لما ذكر في البيت الاول تبدل الربع بالسعود نحوسا مثله في هذا البيت بكونه لا يدوم له حال يكون فيه نهار مضئ فينقلب إلى ليل مظلم كما ان الربع كان عامرا فصار خرابا.

٣ ـ لله درك تعجب من حبه والحرون الصعب الذي لا ينقاد يقول انا لذاتي صعب لا انقاه لكن لهذه العوارض التي حكمت على عقلي وهي ما ذكر من سكر الصبابة وجهل الصبا وجذب دواعي الغرام والغرام في الاصل الهلاك وبه سمي المحب مغرما.

٤ ـ تقوض استعارة من تقوضت الصفوف إذا تفرقت.

٥ ـ اسوف اشم. واخنع واخضع واحد بمعنى اذل يقول افعل ذلك مع قوتي لان الواجد يقهر ويغلب ومعنى البيتين متقارب.

٦ ـ المغنى المنزل. والغابة الاجمة وهي محل السباع. والسبيل الطريق واللحب

١٣٤

أيام انجم قعضب درية

في غير اوجه مطلع لا تطلع (١)

والبيض تورد في الوريد فترتوي

والسمر تشرع في الوتين فتشرع (٢)

والسابقات اللاحقات كأنها

العقبان تردي في الشكيم وتمزع (٣)

والربع انور بالنسيم مضمخ

والجو أزهر بالعبير مردع (٤)

__________________

الواضح. والمهبع الواسع استعار لفظ الغابة للنزل لا حتوائه على الرجال الذين هم فيه كالاسود وكون طريقه لحبا لكثرة وطئه وسلوكه لكثرة الناس فيه.

١ ـ انجم قعضب هي الاسنة وقعضب رجل كان يعملها ودرية منسوبة إلى الدر شبه الاسنة لمعناها وبريقها كالنجوم الدرية ، قال الجوهري طلعت الشمس والنجوم طلوعا ومطلعا بكسر اللام وفتحها والمطلع أيضا بالكسر والفتح مكان الطلوع والهاء في اوجه تعود إلى المعنى واستعار لفظ الانجم للاسنة ورشح بذكر الاوج وهو محل ارتفاع النجم وصعوده وجعل المغنى كالاوج والاسنة كالنجوم فيه.

٢ ـ البيض السيوف. وتورد جعل الوريد احد الوريدين وهما عرقان في جانب مقدم العنق والسمر الرماح. وتشرع تدخل وهو مثل تورد. والوتين عرق القلب إذا قطع مات صاحبه وتشرع تدخل فيه وتشرب منها شرعها الغير فشرعت اوردها فوردت.

٣ ـ السابقات اللاحقات الخيل تسبق غيرها وتلحق من سبقها وشبهها بالعقبان لسرعتها وعدتها ، قال ابن السكيت ردى الفرس يردي رديا ورديانا إذا رجم الارض رجما بين العدو والمشي الشديد الشكيم ، والشكيمة الحديدة المعترضة التي في فم الفرس التي فيها الفارس والجمع شكايم وتمزع اي تسرع.

٤ ـ الربع المنزل. والانور النير وليس فيه افعل للتفضيل والمضمخ الملطخ وهو استعارة لمرور النسيم عليه والجو ما بين السماء والارض. والازهر كالانور والعبير عدة أطياب يجمع بالرعفران وقيل هو الزعفران يصف المنزل والجو بأنهما معطران طيبان وذلك السرور الذي عنده والمرح الذي يجده.

١٣٥

ذاك الزمان هو الزمان كأنما

قيظ الخطوب به ربيع ممرع (١)

وكأنما هو روضة ممطورة

أو مزنة في عارض لا تقلع (٢)

قد قلت للبرق الذي شق الدجى

فكأن زنجيا هناك يجدع (٣)

يا برق إن جئت الغري فقل له

أتراك تعلم من بأرضك مودع (٤)

فيك ابن عمران الكليم وبعده

عيسى يقفيه واحمد يتبع (٥)

__________________

١ ـ الممرع المخصب يريد أن ذاك الزمان كله طيب لا كدر فيه ولا صعب فيه سهل واستعارة القيظ للخطوب وجعله كالربيع استعارة جميلة.

٢ ـ شبه الزمان بالروضة لحسنها وابتهاج الانفس بها وخض الممطورة لانها انضر واحسن وشبه ايضا المزنة وهي السحابة جعلها كالقطعة في عارض وهو السحاب المعترض في الجو لا يقلع ولا يزول ، ووجه الشبه ان السحاب بنفسه يخضب الارض ويرطب الاجسام ويسر الانفس وفيه منافع كثيرة.

٣ ـ شبه حمرة لمع البرق في سواد الليل بالزنجي المجدع.

٤ ـ الغري أرض النجف على مشرفها السلام. والمسموع الغريان لكنه كنى عن التثنية بالوحدة وقد لهج الناس بالغري مفردا وذلك طلبا للخفة ووجه تسميته الغري مشهورة وقد كتبناه في تضاعيف هذا الكتاب.

٥ ـ يقفيه يتبعه. والملا المقدس اشارة إلى باقي الملائكة اما كون النبيين والملائكة في قبره فلانه حوى ما حووه من الفضل فكأنه كلهم فيه وذكر موسى وعيسى وهما من اولي العزم ليحصل الاتصال بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وان كان افضل الخلايق فان عليا نفسه بنص القرآن المجيد والاخبار وانما بدء بالنبيين وثنى بالملائكة لان الملائكة على رأي المعتزلة افضل من النبيين فكأنه ارتقى عن درجة النبيين إلى الملائكة ثم ارتقى إلى الدرجة العليا وهو نور الله الذي لا يطفأ.

١٣٦

بل فيك جبريل وميكال وإسرافيل

والملا المقدس أجمع (١)

بل فيك نور الله جل جلاله

لذوي البصائر يستشف ويلمع (٢)

فيك الامام المرتضى فيك الوصي

المجتبى فيك البطين الانزع

الضارب الهام المقنع في الوغى

بالخوف للبهم الكماة يقنع (٣)

والسمهرية تستقيم وتنحني

فكأنها بين الاضالع اضلع (٤)

__________________

١ ـ استعار له عليه‌السلام النور اقتداء به ولا زالته ظلم الشكوك والشبه واضافة نور إلى الله لكونه حجة على الناس وخص ذوي البصائر وهي المعارف لكون النور معقولا لا محسوسا وقوله يستشف فيلمع أي ينظر فيضئ واصل الاستشفاف النظر من وراء ستر رقيق.

٢ ـ المرتضى والمجتبى من القابه. والبطين في الاصل العظيم البطن والانزع الذي انحسر الشعر عن مقدم رأسه ولا يمدح في ذلك بل بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انك منزوع من الشرك بطين من العلوم.

٣ ـ الهام جمع هامة وهي اعلى الرأس والمقنع الذي عليه البيض. والوغى الحرب والبهم جمع بهمة وهو الفارس الشديد الذي لا يدري من اين يؤتى لشدة بأسه ، ويقنع استعارة لاشتمال الخوف عليهم كاشتمال القناع على الرأس ويجوز ان يكون استعارة من قنع رأسه بالسوط إذا ضربه.

٤ ـ السمهرية الرماح سميت بذلك لصلابتها من قولهم اسمهر العود إذا صلب وقيل هي منسوبة إلى سمهر وهو رجل كان يقوم الرماح وقوله بين الاضالع اضلع جعلها انها قد خرقت حتى صارت ثابتة كاحد الاضلاع لكن لا يتوجه التشبيه في حال الاستقامة والانحناء لان الاضلاع تتغير ويجوز أن يكون أراد بالاضلاع أضالع الطاعن لا المطعون لان القناة تكون تحت حضن الفارس ملاصقة للاضلاع فحينئذ تستقيم مرة وتنحني اخرى. والاضالع جمع أضلع.

١٣٧

المترع الحوض المدعوع حيث

لا واد يفيض ولا قليب يترع (١)

ومبدد الابطال حيت تألبوا

ومفرق الاحزاب حيث تجمع (٢)

والحبر يصدع بالمواعظ خاشعا

حتى تكاد لها القلوب تصدع (٣)

حتى إذا استعر الوغى متلظيا

شرب الدماء بغلة لا تنقع (٤)

__________________

١ ـ المترع المالي. المدعدع الملآن. والقليب البئر قبل ان يطوى يذكر ويؤنث ويريد بذلك ما روي عن علي عليه‌السلام لما كان متوجها إلى صفين لحق اصحابه عطش وليس معهم ماء ولا في نواحي ذلك المكان فأمر عليه‌السلام بأصحابه أن يكشفوا مكانا كان هناك فكشفوا فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع فقال الماء تحت هذه الصخرة فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء فاجتهدوا في قلعها اجتهادا عظيما فلم يقدروا لها فنزل عن سرجه ووضع اصابعه تحت جانب الصخرة فقلعها ورمى بها اذرعا كثيرة فظهر فشرب القوم وكان أعذب ماء وخلصوا من الهلاك وتزودوا وارتووا منه ثم اعاد عليه‌السلام الصخرة إلى موضعها وأمر أن يعفى أثرها بالتراب فنزل راهب كان في حوالي هذا المكان وأسلم على يده عليه‌السلام.

٢ ـ تألبوا مثل تجمعوا. والاحزاب هم الذين تحزبوا لقتال رسول الله في وقعة الخندق واجتمعت قريش واجتمع معهم خلق كثير ، وبرز عمرو بن عبدود ويدعو إلى البراز فلم يتجاسر عليه أحد من المسلمين حتى برز علي عليه‌السلام فقتله وكسر الاحزاب وفرق جمعهم.

٣ ـ الحبر العالم وصدع بالحق إذا كشفه ونطق به ظاهرا وتصدع اصله تتصدع اي تتفرق فحذف إحدى التائين تخفيفا.

٤ ـ استعر التهب. متلظيا متلهبا أيضا وهما لفظان مترادفان للتأكيد والغلة العطش وتنقع تروى ولما كان عليه‌السلام كثير السفك والقتل حتى أنه لا يمل ولا ينام استعار له لفظ الشارب العطشان الذي لا يرتوي.

١٣٨

متجلببا ثوبا من الدم قانيا

يعلوه من نقع الملاحم برقع (١)

زهد المسبح وفتكة الدهر الذي

اودى بها كسرى وفوز تبع؟ (٢)

هذا ضمير العالم الموجود عن

عدم وسر وجوده المستودع (٣)

هذي الامانة لا يقوم بحملها

خلقاء هابطة وأطلس ارفع (٤)

تأبى الجبال الشم عن تقليدها

وتضج تيهاء وتشفق برقع

هذا هو النور الذي عذباته

كانت بجبهة آدم تتطلع (٥)

__________________

١ ـ تجلبب إذا لبس الجلباب وهو الملحفة جعل عليه‌السلام لكثرة تلطخة بدماء القتلى كأنه قد لبس ثوبا أحمر وجعل الغبار على وجهه الشريف كالبرقع والملاحم الوقائع.

٢ ـ المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام جعله زهد المسيح وفنك الدهر لان الدهر لما كان ظرفا لما يقع فيه نسب الفعل إليه مجازا ، واودى هلك به وكذا فوز كسرى وتبع قد ذكر ، والمعنى انه ازهد الناس واخضعهم واخشعهم لله ومن عادة الزاهد رقة القلب وهو مع ذلك يختطف الارواح ويسفك الدماء ومن عادة الشجاع الفاتك قساوة القلب وخشونة الجانب وهو قد جمع بين هذين الضدين.

٣ ـ ضمير العالم وسره بمعنى واحد والعالم كل موجود سوى الله وآل محمد سر العالم المستودع عند اولي العلم إذا لولاهم لما أوجد الله العالم فسر الوجود هو ما علمه الله تعالى من المصالح في إيجاد هذا العالم بسبب محمد وآل محمد حيث كانوا الطافا لا يصح التكليف الا بهم ولا يقوم غيرهم مقامهم.

٤ ـ الخلقاء الصخرة الملساء والاطلس الفلك التاسع والتيهاء الفلاة يتاه فيها وبرقع اسم من اسماء السماء ويريد بذلك قوله تعالى انا عرضنا الامانة ويريد بالامانة علي ومحبته وإطاعته لانه التكليف على العباد.

٥ ـ عذباته اطرافه ، لان عذبة اللسان والصوت طرفاهما ويريد بالنور نور النبوة المنتقل من آدم إلى نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وانه ابن عمه وقسيمه في الشرف وهذا النور قد تقدم ذكره.

١٣٩

وشهاب موسى حيث اظلم ليله

رفعت له لالاؤه تتشعشع (١)

يا من له ردت ذكاء ولم يفز

بنظيرها من قبل إلا يوشع (٢)

يا هازم الاحزاب لا يثنيه عن

خوض الحمام مدجج ومدرع (٣)

يا قالع الباب الذي عن هزها

عجزت اكف اربعون وأربع (٤)

لولا حدوثك قلت إنك جاعل

الارواح في الاشباح والمستنزع (٥)

لولا مماتك قلت إنك باسط

الارزاق تقدر في العطاء وتوسع (٦)

__________________

١ ـ لالاؤه انواره ، واطلق على علي عليه‌السلام الشهاب وهو الشعلة من النار إطلاقا لاسم المسبب على السبب حيث انه عليه‌السلام سبب في تفضيل موسى عليه‌السلام وظهور النار له من جانب الطور.

٢ ـ ذكاء من اسماء الشمس غير منصرف ويقال للصبح ابن ذكاء لانه من ضوئها وقد مضى ذكر رجوعها له عليه‌السلام واما يوشع بن نون فانه بعثه الله نبيا بعد موسى وأمره بالمسير إلى قوم جبارين فسار إليهم وقاتلهم يوم الجمعة حتى امسوا فدعا إلى الله تعالى فرد الشمس وزيد في النهار يومئذ نصف ساعة وهزم الجبارين ومات وعمره يومئذ مائة وعشرون سنة والضمير في نظيرها يعود إلى الفضيلة التي دل عليها المعنى.

٣ ـ المدجج : التام السلاح. والدجة الظلمة فكأن المدجج يغطي بسلاحه والمدرع لابس الدرع.

٤ ـ انث الباب مع كونه مذكرا ولا ضرورة له يحتمل دفعه على تأنيثه فاستعمله أو انه غفل عن ذلك والباب يريد به حصن اليهود بخيبر.

٥ ـ الاشباح الاجسام جمع شبح يقول لولا حدوثك لقلت انك المحيي والمميت الا ان المحدث يفتقر إلى محدث مغاير له فكيف بكون موجدا لغيره.

٦ ـ تقدر تضيق نفى المكون بكونه رازقا بثبوت موته لان الموت يستلزم انقطاع الرزق عن الغير.

١٤٠