الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

وأما البائس فالظاهر أنه اجهد منهما ، ولعل تفسيره في الخبر المذكور بالفقير يعني بالظاهر الفقير ، ليرجع إلى ما ذكره في كتاب مجمع البيان.

وعلى كل تقدير فينبغي أن تقيد آية القانع والمعتر بآية البائس الفقير ، ليندفع التنافي بين ظاهر الآيتين.

وعلى هذا فيختص الدفع بالمسكين الذي هو أجهد من الفقير ، إلا أن الأصحاب قاطعون بكون مصرف هذه الصدقة كغيرها من المواضع الفقير بقول مطلق.

وكيف كان فيجب تقييده بالمؤمن ، كما عليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب.

وأما ما ورد في رواية هارون بن خارجة (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «أن علي بن الحسين (عليهما‌السلام) كان يطعم من ذبيحته الحرورية قلت : وهو يعلم أنهم حرورية قال : نعم». فهو محمول على الهدي المستحب كما ذكره بعض الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) وحمله في الوافي على أنه لتأليف قلوبهم.

وقد روى في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «أنه كره أن يطعم المشرك من لحوم الأضاحي». والظاهر أن الكراهة هنا بمعنى التحريم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٨ ـ ٩.

٦١

التاسعة :

قال في المنتهى : «ولا يجوز له الأكل من كل واجب غير هدي التمتع ، ذهب إليه علماؤنا أجمع» ثم نقل أقوال العامة وخلافهم.

أقول : ويجب أن يعلم أن هدي السياق وإن وجب بالاشعار والتقليد في عقد الحج به ووجب ذبحه إلا أنه متطوع به بحسب الأصل ، فهو داخل في هدي التطوع الذي يجوز الأكل منه بلا خلاف ولا إشكال.

ويدل على ما ذكره في المنتهى من عدم جواز الأكل إلا من هدي التمتع روايات :

منها ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن فداء الصيد يأكل صاحبه من لحمه؟ قال : يأكل من أضحيته ، ويتصدق بالفداء». ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (٢).

وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الهدي ما يؤكل منه؟ قال : كل هدي من نقصان الحج فلا تأكل منه ، وكل هدي من تمام الحج فكل».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٥.

(٢) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٥. وذكره في الفقيه ـ ج ٢ ص ٢٩٥ ـ الرقم ١٤٦٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤ مع زيادة في الوسائل. وذكره بعينه في الاستبصار ج ٢ ص ٢٧٣ ـ الرقم ٩٦٧.

٦٢

وما رواه في الكافي عن أبي بصير (١) قال : «سألته عن رجل اهدى هديا فانكسر ، قال إن كان مضمونا ـ والمضمون ما كان في يمين ، يعني نذرا أو جزاء ـ فعليه فداؤه ، قلت : أيأكل منه؟ قال : لا ، إنما هو للمساكين ، فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي‌ء ، قلت : يأكل منه ، قال : يأكل منه».

قال في الكافي : وروي (٢) ايضا «أنه يأكل منه مضمونا كان أو غير مضمون». وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه : وفي رواية حماد عن حريز (٣) في حديث يقول في آخره : «إن الهدي المضمون لا يأكل منه إذا عطب ، فإن أكل منه غرم».

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري (٤) عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) «إن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) كان يقول : لا يأكل المحرم من الفدية ولا الكفارات ولاجزاء الصيد ، ويأكل مما سوى ذلك».

وقد تقدم ما يدل على جواز الأكل بل وجوبه أو استحبابه من هدي التمتع من الآية (٥) والروايات (٦).

وقد ورد بإزاء هذه الاخبار ما يدل على جواز الأكل مما منعت منه.

فمن ذلك ما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي (٧)

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٦ ـ ١٧ ـ ٢٦ ـ ٢٧.

(٥) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٦.

(٦ و ٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ٠ ـ ٦.

٦٣

عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون».

وعن جعفر بن بشير في الصحيح (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن البدن التي تكون جزاء الايمان والنساء ولغيره يؤكل منها؟ قال : نعم يؤكل من كل البدن».

وعن عبد الملك القمي (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «يؤكل من كل هدي نذرا كان أو جزاء».

والشيخ بعد ذكر الخبرين الأولين حملهما على حال الضرورة وألزم صاحبها فداءها مستدلا بما رواه عن السكوني (٣) عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) قال : «إذا أكل الرجل من الهدي تطوعا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل».

أقول : ما دل عليه هذا الخبر من وجوب الفداء في الأكل من الهدي الواجب ينبغي حمله على هدي النقصان ، ليكون إيجاب القيمة تتمة للفداء للنقصان بأكله ، جمعا بين هذا الخبر وبين رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (٤) المتقدمة.

قال في المدارك بعد إيراد خبري الكاهلي وجعفر بن بشير ونقل تأويل الشيخ لهما كما ذكرناه : «ولا بأس بالمصير إلى هذا الحمل وإن كان بعيدا ، لأن هاتين الروايتين لا يصلحان لمعارضة الإجماع والاخبار الكثيرة» انتهى.

أقول : لا يخفى ما في كلامه (قدس‌سره) من المجازفة والخروج عن

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ٧ ـ ١٠ ـ ٥ ـ ٤.

٦٤

قاعدته المألوفة ، فإنه نقل الخبرين المذكورين بلفظ رواية فلان ولم يصفها بحسن ولا صحة ، مع أن الأولى كما عرفت حسنة والثانية صحيحة ، بل في أعلى مراتب الصحة ، والروايات الأولى كلها ضعيفة باصطلاحه ، ليس فيها إلا رواية الحلبي (١) التي هي عنده من قسم الحسن.

وحينئذ فالتعارض في الحقيقة بناء على قاعدته واصطلاحه وقع بين حسنة الحلبي وبين حسنة الكاهلي وصحيحة جعفر بن بشير ومقتضى قاعدته ترجيح الروايتين المذكورتين.

بقي الكلام في الإجماع ، وكلامه فيه كما تقدم مختبط كما في العمل بالروايات أيضا على ما عرفته في غير موضع مما تقدم.

ويظهر من المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد الميل الى العمل بخبري الكاهلي وجعفر بن بشير حيث طعن في روايات القول المشهور بالضعف ، وحمل حسنة الحلبي على الاستحباب ، وادعى التأييد بالأصل ، وعدم دليل صحيح صريح ، وأن الموجود في أكثر الأخبار وجوب الدم والبدنة من غير ذكر التصدق ، وقد مر في تلك الاخبار ما يدل على الأكل. انتهى.

أقول : ومن أخبار المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل أهدى هديا فانكسرت ، فقال : إن كانت مضمونة فعليه مكانها ، والمضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا ، وله أن يأكل منها ، فان لم تكن مضمونة فليس عليه شي‌ء».

وهذا الخبر مما يؤيد خبر الكاهلي وجعفر بن بشير ، وقد تقدم في خبر

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

٦٥

أبي بصير (١) أن المضمون لا يجوز الأكل منه وإنما هو للمساكين ، وفي هذه الصحيحة جواز الأكل منه.

والشيخ (رحمه‌الله) حمل الصحيحة المذكورة على كون الهدي تطوعا ، قال ، قوله (عليه‌السلام) : «وله أن يأكل منها» محمول على ما إذا كان تطوعا دون ان يكون واجبا ، لأن ما يكون واجبا لا يجوز الأكل منه.

واعترضه المحقق الشيخ حسن في المنتقى بأنه غير مستقيم قال : «لأن فرض التطوع مذكور في آخر الحديث ، والكلام المأول سابق عليه مرتبط بما فرض فيه الوجوب فكيف يحمل على التطوع؟ والوجه حمله على كون الهدي الواجب غير متعين ولو بالإشعار ، فإنه بالتعيب يجب إبداله كما هو صريح صدر الخبر ، وله التصرف في المتعيب ولو بالبيع ، كما يفيده خبر الحلبي (٢) المتضمن لحكم ضلال الهدي ، فيجوز له الأكل منه بتقدير ذبحه له» انتهى.

وهو جيد إلا أنه معارض بخبر أبي بصير (٣) المتقدم ورواية حريز (٤) المتقدمة المنقولة من الفقيه.

وكيف كان فالأظهر عندي هو القول المجمع عليه بين أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) عملا بالأخبار المتقدمة المعتضدة بإجماعهم.

وأما الاخبار المنافية من صحيحة جعفر بن بشير وحسنة الكاهلي ورواية عبد الملك القمي فالأظهر حملها على التقية ، فإن الجمهور وإن اختلفوا في

__________________

(١ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢٦.

٦٦

المسألة أيضا إلا أن جمعا منهم قائلون بجواز الأكل مما عدا هدي التمتع.

على أن الحمل على التقية عندي لا يشترط فيه وجود القول به منهم ، لما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب (١) وغيرها ، ويؤيده موافقته الاحتياط أيضا.

ومما يدل على جواز الأكل من الهدي ما تقدم في رواية السكوني (٢) بل قال في المنتهى : «هدي التطوع يستحب الأكل منه بلا خلاف ، لقوله تعالى (٣) «فَكُلُوا مِنْها» وأقل مراتب الأمر الاستحباب ، ولأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليا (عليه‌السلام) أكلا من بدنهما كما ورد في عدة من الأخبار (٤)».

العاشرة :

المفهوم من كلام أكثر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه لا يجوز إخراج شي‌ء من لحم الهدي الواجب عن منى ، بل يجب صرفه فيها في المصارف الموظفة.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالهدي ليس إلا صحيحة معاوية بن عمار (٥) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام):

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٥ ـ ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٣) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ و ١١ و ٢١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

٦٧

لا تخرجن شيئا من لحم الهدي».

وموثقة إسحاق بن عمار (١) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الهدي أيخرج شي‌ء منه من الحرم؟ فقال : بالجلد والسنام والشي‌ء ينتفع به قلت : انه بلغنا عن أبيك أنه قال : لا يخرج من الهدي المضمون شيئا ، قال : بل يخرج بالشي‌ء ينتفع به ـ وزاد فيه أحمد ـ ولا يخرج بشي‌ء من اللحم من الحرم». أقول : وأحمد هو أحد رواة الحديث عن حماد عن إسحاق.

والظاهر أنه لا ريب في التحريم بنا على وجوب قسمته أثلاثا ووجوب التصدق بثلث وإهدا ثلث وأن يأكل ويطعم عياله ثلثا.

وأما على القول باستحباب ذلك ، وأن الواجب إنما هو الأكل والصدقة ولو قليلا ، أو القول بالاستحباب مطلقا ، فيشكل ذلك كما لا يخفى ، إلا أن تحمل الروايتان على الكراهة بناء على القول بالاستحباب.

وحينئذ فيكون الكلام في هاتين الروايتين تابعا لما ثبت ثمة ، فإن ثبت وجوب التثليث والصرف في المصارف الثلاثة فالروايتان المذكورتان على ظاهرهما من تحريم الإخراج ، وإلا فالحمل على الكراهة.

وأما على تقدير القول بوجوب التثليث والتصدق بالثلث وإهداء الثلث فلم يقل أحد بوجوب أكل الثلث ، بل الواجب الأكل في الجملة ولو قليلا فيمكن أن يقال : إنه وإن صرح بعضهم بذلك لكن المفهوم من الروايات ما قلناه ، كما دلت عليه موثقة شعيب العقرقوفي (٢) من قوله (عليه‌السلام):

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٨.

٦٨

«كل ثلثا ، وأهد ثلثا ، وتصدق بثلث». وصحيحة سيف التمار (١) لقوله (عليه‌السلام) فيها : «أطعم أهلك ثلثا». إلى آخرها. وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي الصباح الكناني (٢) حكاية عن علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر (عليهما‌السلام): «وثلث يمسكانه لأهل البيت». والعمل عندنا على الاخبار لا على الأقوال.

وأما ما ذكره في المدارك في هذا المقام حيث قال بعد قول المصنف (رحمه‌الله) : «إنه لا يجوز إخراج شي‌ء مما يذبحه عن منى» ما صورته «هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم (٣) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن اللحم أيخرج به من الحرم؟ فقال : لا يخرج منه شي‌ء إلا السنام بعد ثلاثة أيام». وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (٤) قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): «لا تخرجن شيئا من لحم الهدي». وعن علي بن أبي حمزة (٥) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله أن يأكل بمنى أيامها». ثم قال الشيخ (رحمه‌الله) : فأما ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن محمد بن مسلم (٦) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى ، فقال : كنا نقول : لا يخرج شي‌ء لحاجة الناس إليه ، فأما اليوم فقد كثر الناس ، فلا بأس

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣ ـ ١٤.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٥.

٦٩

بإخراجه». فلا ينافي الأخبار المتقدمة ، لأن هذا الخبر ليس فيه أنه يجوز إخراج لحم الأضحية مما يضحيه الإنسان أو مما يشتريه ، وإذا لم يكن في ظاهره حملناه على أن من اشترى لحوم الأضاحي فلا بأس أن يخرجه ، ثم استدل على ذلك بما رواه الحسين بن سعيد عن احمد بن محمد عن علي (١) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : لا يتزود الحاج من أضحيته وله أن يأكل منها أيامها إلا السنام ، فإنه دواء ـ قال أحمد ـ : ولا بأس أن يشتري الحاج من لحم منى ويتزوده». وللنظر في هذا الجمع مجال ، إلا انه لا خروج عما عليه الأصحاب» انتهى كلامه زيد مقامه.

وفيه (أولا) أنه كم قد خرج عما عليه الأصحاب ، ونازعهم في جملة من الأبواب ، باعتبار عدم اعتماده على الدليل في ذلك الباب ، وهو من جملة للواضع التي وقع له فيها الاضطراب.

و (ثانيا) أن استدلال الشيخ بهذه الروايات في هذا المقام ليس بالنسبة إلى لحم الهدي الذي هو محل البحث ، وانما كلامه وأخباره في هذا المقام كلها إنما هو في لحم الأضحية ، حيث قال : «ولا يجوز أن يخرج لحم الأضاحي من منى» روى فضالة عن العلاء عن محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته.». وساق الكلام كما ذكره.

ولا ريب أن مسألة لحم الأضحية غير مسألة لحم الهدي ، كما اعترف به هو (قدس‌سره) حيث إنه في هذا المقام الذي هو في لحم الهدي قال بعد قول المصنف ما سمعته : «هذا مذهب الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) لا اعلم فيه مخالفا» يعني تحريم إخراج لحم الهدي ، وقال في باب الأضحية

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤ ـ ١.

٧٠

بعد قول المصنف : «ويكره أن يخرج به من منى» : «ولا بأس بإخراج ما يضحيه غيره ويدل على ذلك روايات منها ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد عن علي (١) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام)» ثم أورد الرواية المتقدمة الدالة على أنه لا يتزود الحاج من أضحيته إلى آخرها.

وظاهر الشيخ في التهذيب في هذه المسألة هو تحريم إخراج لحوم الأضاحي ، فلهذا جمع بين الاخبار بما ذكره ، وليس من الكلام في لحم الهدي في شي‌ء بالكلية ، فايراده كلام الشيخ ورواياته المذكورة دليلا لمسألة الهدي ليس في محله.

ومن هنا يظهر سقوط اعتراضه عليه في الجمع بين الأخبار بقوله : «وللنظر فيه مجال» لأنه ليس من محل البحث في حال من الأحوال.

نعم إن الشيخ قد أورد في ضمن رواياته التي استدل بها صحيحة معاوية بن عمار المتضمنة للهدي ، وهو محمول على خلط الشيخ واستعجال قلمه ، كما لا يخفى على من له أنس بطريقته.

وبالجملة فإن إيراده لكلام الشيخ في هذا المقام غفلة واضحة ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.

والتحقيق في المسألة المذكورة هو ما قدمنا ذكره في صدر الكلام.

وأما الكلام في حكم لحوم الأضاحي وجواز إخراجها وعدمه والروايات الواردة في ذلك والجمع بين مختلفاتها فسيأتي إنشاء الله تعالى في باب الأضحية.

ثم العجب أيضا هنا من صاحب الوافي حيث إنه قال : «باب ادخار لحوم الهدي وإخراجها من منى» وأورد في الباب خبري الهدي المتقدمين

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

٧١

في صدر البحث وأخبار الأضاحي ، والاختلاف في الأخبار إنما هو في اخبار الأضاحي ، كما سيأتي إنشاء الله تعالى في محلها ، وكأنه فهم منها الحمل على الهدي ، وهو غلط ، فان حكم كل من مسألة الهدي غير مسألة الأضحية كما هو المذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم). وأنه أما أراد بالهدي في عنوانه الأضحية فأبعد.

قال في المدارك : «واعلم أن أقصى ما تدل عليه هذه الروايات عدم جواز إخراج شي‌ء من اللحم من منى».

وقال الشارح (قدس‌سره) : «إنه لا فرق في ذلك بين اللحم والجلد وغيرهما من الأطراف والأمعاء ، بل يجب الصدقة بجميع ذلك ، لفعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفيه نظر لأن الفعل لا يقتضي الوجوب ، كما حقق في محله ، نعم يمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الإهاب فقال : تصدق به ، أو يجعل مصلى ينتفع به في البيت ، ولا تعطي الجزارين ، وقال : نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن يعطى جلالها أو جلودها أو قلائدها الجزارين ، وأمر أن يتصدق بها». وروى أيضا في الصحيح عن علي بن جعفر (٢) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن تجعل جرابا؟ فقال : لا يصلح أن يجعلها جرابا إلا أن يتصدق بثمنها». انتهى.

أقول : أما قوله : «لأن الفعل لا يقتضي الوجوب» فهو وإن كان كذلك لكنك قد عرفت من كلامه في غير موضع مما قدمنا نقله عنه أنه

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥ ـ ٤.

٧٢

يستند في الوجوب إلى التأسي ويستدل به ، وكلامه هنا يناقض ذلك ، وهذا من جملة ما اضطرب فيه كلامه.

ثم إن مما يدل أيضا على حكم الجلود والجلال والقلائد ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن يعطى الجزارين من جلود الهدي ولا جلالها شيئا».

قال في الكافي : وفي رواية معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «تنتفع بجلد الأضحية وتشترى به المتاع ، وإن تصدق به فهو أفضل ، وقال : نحر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بدنة ، ولم يعط الجزارين من جلودها ولا قلائدها ولا جلالها ، ولكن تصدق به ، ولا تعط السلاخ منها شيئا ، ولكن أعطه من غير ذلك».

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ذبح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن أمهات المؤمنين بقرة بقرة ، ونحر هو ستا وستين بدنة ، ونحر علي (عليه‌السلام) أربعا وثلاثين بدنة ، ولم يعط الجزارين من جلالها ولا من قلائدها ولا من جلودها ، ولكن تصدق به».

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٢.

(٣) ذكر ذيله في الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣ وتمامه في التهذيب ج ٥ ص ٢٢٧ ـ الرقم ٧٧٠ وفي الاستبصار ج ٢ ص ٢٧٥ ـ الرقم ٩٧٩.

٧٣

وقد تقدم في موثقة إسحاق بن عمار (١) «أنه يخرج بالجلد والسنام والشي‌ء ينتفع به».

وروى الصدوق (رحمه‌الله) مرسلا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (صلوات الله عليهم) «أنه إنما يجوز للرجل أن يدفع الأضحية إلى من يسلخها بجلدها ، لأن الله تعالى يقول «فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا» (٢) والجلد لا يؤكل ولا يطعم ، ولا يجوز ذلك في الهدي». كذا نقله عنه في كتاب الوسائل (٣) ولم أقف عليه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، ولعله في غيره أو في موضع آخر غير بابه (٤).

وروى في كتاب العلل عن صفوان بن يحيى الأزرق (٥) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : الرجل يعطي الأضحية من يسلخها بجلدها ، قال : لا بأس به ، إنما قال الله عزوجل «فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا» والجلد

__________________

(١ و ٣ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦ ـ ٧ ـ ٨.

(٢) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٨.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ١٣٠ إلا أن الظاهر منه أن هذه العبارة من الشيخ الصدوق (قده) وليس بنقل عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام). ويحتمل أن النسخة التي كانت عند صاحب الوسائل (قده) ورد نقل ذلك فيها عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) كما أن العبارة التي قبل هذه الجملة أيضا أسندها صاحب الوسائل إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) راجع الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٤.

٧٤

لا يؤكل ولا يطعم».

أقول : والمستفاد من هذه الأخبار بضم بعضها إلى بعض أن الأفضل هو الصدقة بهذه الأشياء أو بثمنها ، وأنه يكره إعطاء الجزار شيئا من ذلك أجرة ، وإلا فلو أعطاه ذلك صدقة فالظاهر أنه لا بأس به.

وبذلك يظهر أن ما ذهب إليه شيخنا الشهيد الثاني وسبطه (عطر الله تعالى مرقديهما) من وجوب الصدقة ممنوع ، لدلالة صحيحة معاوية بن عمار (١) التي نقلها في المدارك على جواز جعل الجلد مصلى في البيت ، ودلالة مرسلته (٢) التي في الكافي على جواز أن يشتري به المتاع وأن ينتفع به مع تصريحها بأفضلية الصدقة ، ودلالة موثقة إسحاق بن عمار (٣) على جواز إخراجه معه يعني لأجل الانتفاع به ، وحينئذ فتحمل الصدقة بثمنه إذا جعله جرابا كما في صحيحة علي بن جعفر (٤) على الفضل والاستحباب.

وكيف كان فجملة روايات المسألة أولا وآخرا لا دلالة فيها على حكم ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من الأطراف والأمعاء ، وأنه يجب التصدق بها ، فان مورد جملة روايات المسألة إنما هو اللحم والجلد والجلال والقلائد ، وما عداها فلم أقف فيه على نص ، والظاهر أن السكوت عنها في الأخبار إنما هو من حيث عدم الرغبة فيها يومئذ من حيث وجود اللحوم وكثرتها.

والعجب من صاحب المدارك أنه بعد أن اعترض على جده بما ذكره وافقه واستدل له بالروايتين المذكورتين ، وموردهما أخص من المدعى ، وما ادعاه من فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذلك لم نقف عليه ، والله العالم.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥ ـ ٢ ـ ٦ ـ ٤.

٧٥

الحادية عشر :

الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في أن الزمان الذي يجب فيه ذبح الهدي ونحره هو يوم النحر وهو عاشر ذي الحجة ، وأنه يجوز إلى تمام ذي الحجة.

قال في المنتهى : «ووقت ذبحه يوم النحر» ثم ذكر أقوال العامة بجواز تقديمه على ذي الحجة ، فقال بعد ذلك : «لنا أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نحر يوم النحر وكذا أصحابه ، وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله): خذوا عني مناسككم (١)». وعلى هذا الدليل اقتصر في المدارك فقال : «إما وجوب ذبحه يوم النحر فهو قول علمائنا وأكثر العامة ، لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نحر في هذا اليوم وقال : خذوا عني مناسككم». (٢).

ومرجعه إلى التمسك بالتأسي ، وقد عرفت في سابق هذه المسألة إنكاره له.

وأما حديث «خذوا عني مناسككم» فلم أقف عليه في أخبارنا ، ومع تسليمه فإن الأخذ عنه وجوبا إنما يجب فيما علم وجوبه ، وإلا فمجرد فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعم من الواجب والمستحب ، كما لا يخفى.

نعم يمكن أن يقال : إن العبادات لما كانت توقيفية فيجب الوقوف فيها على ما بينه صاحب الشريعة ورسمه بقول أو فعل ، والذي ثبت عنه هو النحر في هذا اليوم ، فلا تبرأ الذمة ويحصل الخروج عن العهدة إلا بمتابعته فيه.

وأما هدي السياق إذا قلده أو أشعره فإنه قد دلت الأخبار على نحره

__________________

(١ و ٢) تيسير الوصول ـ ج ١ ص ٣١٢.

٧٦

يوم الأضحى.

ففي رواية إبراهيم الكرخي (١) المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في رجل قدم بهديه مكة في العشر ، فقال : إذا كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء ، وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الأضحى».

وفي رواية مسمع (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا دخل بهديه في العشر فان كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم النحر بمنى ، وإن كان لم يشعره ولم يقلده فلينحره بمكة إذا قدم في العشر».

والظاهر أن مرادهم بوجوب النحر يوم الأضحى هو أن هذا اليوم مبدأ النحر فلا يجوز قبله ، كما ذهب إليه جملة من العامة.

بقي الكلام في أنه هل يجوز التأخير عنه اختيارا إلى تمام ذي الحجة ، أو يجزئ ذلك وإن أثم أو يختص التأخير بالعذر؟ احتمالات وأقوال :

ظاهر الشيخ في المصباح كما نقله عنه في المدارك الأول ، حيث قال : «إن الهدي الواجب يجوز ذبحه ونحره طول ذي الحجة ، ويوم النحر أفضل» وهو ظاهر عبارة المحقق في الشرائع كما نبه عليه في المدارك ، ومثله عبارة العلامة في المنتهى.

وظاهر كلام المحقق الأردبيلي الآتي الثاني.

وظاهر كلام الدروس الثالث حيث قال : «وزمانه يوم النحر ، فان فات أجزأ في ذي الحجة».

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٥.

٧٧

قال العلامة في المنتهى في باب الهدي : «أيام النحر بمنى أربعة أيام : يوم النحر وثلاثة بعده ـ ثم ساق البحث وذكر الأخبار الآتية إلى أن قال ـ : إذا عرفت هذا فإنه يجب تقديم الذبح على الحلق بمنى ، ولو أخره أثم وأجزأ وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز».

وظاهر هذا الكلام أن الذبح في الأيام المذكورة إنما هو على جهة الأفضلية وإلا فالتأخير جائز اختيارا كما أشرنا إليه آنفا.

وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بعد قول المصنف : «وذبحه يوم النحر» ما ملخصه : «أما زمان الذبح فظاهر الأصحاب أنه لمن كان بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وزمان الأضحية في غير منى يوم النحر ويومان بعده ، ودليلهم عليه مثل صحيحة علي بن جعفر (١) ـ إلى أن قال ـ ويعلم منها أنه يجوز تأخير باقي أفعال منى إلى آخر أيام التشريق مثل الحلق والطواف ، حيث إن الذبح مقدم عليهما ، وفيه تأمل».

ثم الظاهر أن هذه الأيام أيام الذبح بمعنى الوجوب فيها لا بمعنى الاجزاء فيها وعدم الاجزاء في غيرها. قال في المنتهى : «ولو ذبح في بقية ذي الحجة أجزأ وأثم ، وكأنه لا خلاف عندهم في ذلك ، ويؤيده كون ذي الحجة بكماله من أشهر الحج ، كما يفهم من الآية (٢) والأخبار (٣) وما في الرواية المعتبرة (٤) من ان «من لم يجد هديا وعنده ثمنه يخلّف عند

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

٧٨

واحد من أهل مكة يشتري له هديا يذبحه طول ذي الحجة وإن لم يتفق ففي القابل في ذلك الشهر». فتأمل» انتهى.

أقول : والروايات المشار إليها في كلامهم (منها) ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (١) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : أربعة أيام ، وسألته عن الأضحى في غير منى ، فقال : ثلاثة أيام ، فقلت : فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين إله أن يضحي في اليوم الثالث؟ قال : نعم».

وما رواه في التهذيب والفقيه في الموثق عن عمار (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الأضحى بمنى ، فقال : أربعة أيام ، وعن الأضحى في سائر البلدان ، فقال : ثلاثة أيام». وزاد في الفقيه «وقال : لو أن رجلا قدم إلى أهله بعد الأضحى بيومين يضحي في اليوم الثالث الذي قدم فيه».

وما رواه في الكافي والفقيه عن كليب الأسدي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النحر ، قال : أما بمنى فثلاثة أيام ، وأما في البلدان فيوم واحد».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم (٤) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «الأضحى يومان بعد يوم النحر ، ويوم واحد بالأمصار».

وما رواه في التهذيب ومن لا يحضره الفقيه عن منصور بن حازم (٥)

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٢ ـ ٦ ـ ٧ ـ ٥.

٧٩

عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : النحر بمنى ثلاثة أيام ، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام ، والنحر بالأمصار يوم ، فمن أراد أن يصوم صام من الغد».

وبهذه الرواية الأخيرة جمع الصدوق (قدس‌سره) بين خبري عمار وكليب المذكورين ، فقال بعد نقلهما : «قال مصنف هذا الكتاب (رضي‌الله‌عنه) : هذان الحديثان متفقان غير مختلفين ، وذلك أن خبر عمار هو للتضحية وحدها وخبر كليب للصوم وحده ، وتصديق ذلك ما رواه سيف بن عميرة عن منصور بن حازم» ثم ساق الخبر المذكور.

ومعناه أن خبر عمار ومثله أيضا صحيحة علي بن جعفر موردهما الزمان الذي يستحب فيه التضحية أو يجب فيه الهدي في منى أو التضحية في الأمصار وخبر كليب ومثله صحيحة محمد بن مسلم مراد به الزمان الذي يجوز صومه فلا يجوز في منى إلا بعد ثلاثة أيام ، وفي الأمصار يجوز الصوم بعد يوم النحر حسب ما دل عليه خبر منصور المذكور ، ويفهم منه جواز صوم اليوم الثالث عشر مع أنه من أيام التشريق التي سيأتي إنشاء الله تعالى ورود الاخبار بتحريم صومها في منى ، واتفاق الأصحاب على ذلك.

والأظهر كما ذكره السيد السند (قدس‌سره) في المدارك حمل صحيحة منصور على الصوم بدلا من الهدي ، لما سيأتي إنشاء الله تعالى من أن الأظهر جواز الصوم يوم الحصبة ـ وهو يوم النفر ـ في بدل الهدي ، قال : «والأجود حمل روايتي محمد بن مسلم وكليب الأسدي على أن الأفضل ذبح الأضحية في الأمصار يوم النحر ، وفي منى في يوم النحر أو في اليومين الأولين من أيام التشريق» انتهى.

٨٠