الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

العصر ثم انقضت انقضاض الكواكب».

المطلب الثاني في المزار

أقول : وقد قدمنا في المطلب الأول جملة من الاخبار الدالة على فضل زيارة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وزيارة الأئمة (عليهم‌السلام) ولا سيما بعد الحج احياء وأمواتا وينبغي أن يعلم أن للزيارة آدابا وقد ذكر شيخنا الشهيد في الدروس جملة من ذلك لا بأس بنقلها في المقام ، قال (نور الله تعالى مرقده) وللزيارة آداب ، أحدها الغسل قبل دخول المشهد ، والكون على طهارة فلو أحدث أعاد الغسل

قال المفيد رحمه‌الله : وإتيانه بخضوع وخشوع في ثياب طاهرة جدد نظيفة وثانيها الوقوف على بابه ، والاستيذان والدعاء بالمأثور ، فإن وجد خشوعا وخضوعا دخل ، والا فالأفضل له تحرى زمان الرقة ، لأن الغرض الأهم حضور القلب لتلقى الرحمة النازلة من الرب ، فإذا دخل قدم رجله اليمنى ، وإذا خرج قدم اليسرى ، وثالثها ـ الوقوف على الضريح ملاصقا له أو غير ملاصق ، وتوهم أن البعد أدب وهم فقد نص على الاتكاء على الضريح وتقبيله.

ورابعها ـ استقبال وجه المزور واستدبار القبلة حال الزيارة ، ثم يضع عليه خده الأيمن عند الفراغ من الزيارة ، ويدعو متضرعا ثم يضع خده الأيسر ويدعو سائلا من الله تعالى بحقه وبحق صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته ، ويبالغ في الدعاء والإلحاح ثم ينصرف الى ما يلي الرأس ثم يستقبل القبلة ويدعو

وخامسها ـ الزيارة بالمأثور ويكفى السلام والحضور

وسادسها ـ صلاة ركعتي الزيارة عند الفراغ ، فان كان زائرا للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ففي الروضة ، وان كان لأحد الأئمة (عليهم‌السلام) فعند رأسه ، ولو صلاهما بمسجد المكان جاز ، ورويت رخصة في صلاتهما الى القبر ، ولو استدبر القبر وصلى جاز ، وان كان غير مستحسن ، الا مع البعد

أقول ما ذكره (قدس‌سره) من الصلاة عند الرأس هو الوارد في أكثر الأخبار

٤٢١

المعتمدة وهو المشهور بين الأصحاب ، بل الظاهر أنه لا خلاف فيه ، وأما الصلاة خلف القبر فقيل بالتحريم ، والمشهور الكراهة ، وأما التقدم على القبر فالمشهور الجواز على الكراهة ، وقيل : بالتحريم وهو الأصح ، وقد تقدم تحقيق المسألة في كتاب الصلاة ثم قال (قدس‌سره) : وسابعها ـ الدعاء بعد الركعتين بما نقل ، والا فبما سنح له في أمور دينه ودنياه وليعم الدعاء فإنه أقرب الى الإجابة

وثامنها ـ تلاوة شي‌ء من القرآن عند الضريح واهداءه الى المزور والمنتفع بذلك الزائر وفيه تعظيم للمزور

وتاسعها ـ إحضار القلب في جميع أحواله ما استطاع ، والتوبة من الذنب ، والاستغفار والإقلاع

وعاشرها ـ الصدقة على السدنة والحفظة للمشهد وهم القوام وإكرامهم وإعظامهم ، فان فيه إكرام صاحب المشهد (عليه الصلاة والسلام) وينبغي لهؤلاء أن يكونوا من أهل الخير والصلاح ، والدين والمروة ، والصبر والاحتمال ، وكظم الغيظ خالين من الغلظة على الزائرين ، قاضين لحوائج المحتاجين ، مرشدي ضالى الغرباء الواردين ، وليتفقد أحوالهم ، الناظر فيه ، فان وجد من أحد منهم تقصيرا نبهه عليه ، فان أصر زجره ، فإن كان من المحرم جاز ردعه بالضرب إذا لم يجد فيه التعفيف من باب النهى عن المنكر

وحادي عشرها ـ انه إذا انصرف من الزيارة إلى منزله استحب له العود إليها ما دام مقيما ، فإذا حان الخروج ودع ودعا بالمأثور ، وسأل الله تعالى العود اليه

وثاني عشرها ـ أن يكون الزائر بعد الزيارة خيرا منه قبلها فإنها تحط الأوزار إذا صادف القبول.

وثالث عشرها ـ تعجيل الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة ، لتعظم الحرمة ، ويشتد الشوق ، وروى أن الخارج يمشى القهقرى حتى يتوارى

ورابع عشرها ـ الصدقة على المحاويج بتلك البقعة ، فإن الصدقة مضاعفة هنالك وخصوصا على الذرية الطاهرة كما تقدم بالمدينة انتهى

٤٢٢

الفصل السابع عشر

في ذكر سيدنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوى بن غالب فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان

وروى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال إذا بلغ نسبي الى عدنان فأمسكوا وكان مولده بمكة في شعب أبى طالب يوم الجمعة بعد طلوع الفجر سابع عشر شهر ربيع الأول عام الفيل ، وهذا هو المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) وقيل : لاثنى عشر مضت من الشهر ، وقيل اليوم العاشر منه ، وقيل الثاني

وقال شيخنا الطبرسي في كتاب اعلام الورى : وفي رواية العامة أن مولده (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يوم الاثنين ، ثم اختلفوا فمن قائل يقول : لعشر ليال خلون منه ، الى آخر كلامه ، وبعث (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، في اليوم السابع والعشرين من رجب ، وله أربعون سنة ، وقبض بالمدينة يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة ، ونقل في الدروس قولا بأنه قبض لاثنتي عشرة مضت من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة ، واختاره الشيخ محمد بن يعقوب الكليني في الكافي ، وقيل : الثامن منه عشر من الشهر ، وقيل : الثاني منه ، وسنه ثلاث وستون سنة ، وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوى بن غالب ، وتزوج خديجة بنت خويلد (رضى الله عنها) وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وتوفى عمه أبو طالب (عليه‌السلام) وعمره ستة وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوما ، وتوفيت خديجة رضى الله عنها بعده بثلاثة أيام فسمى ذلك العام عام الحزن ، وأقام بعد المبعث بمكة ثلاث عشرة سنة ، ثم هاجر الى المدينة بعد ان استتر في الغار ثلاثة أيام ، ودخل المدينة يوم الاثنين الحادي عشر من شهر ربيع الأول وبقي بها عشر سنين ، وذكر جمع من أصحابنا منهم الشيخ في التهذيب

٤٢٣

والعلامة في المنتهى انه قبض (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) مسموما

وأما صفة زيارته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فهو ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن معاوية ابن عمار (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها ، ثم تأتى قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فتسلم على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم تقوم عند الأسطوانة المتقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر ، فإنه موضع رأس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأشهد أنك رسول الله ، وأشهد أنك محمد بن عبد الله ، وأشهد انك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لأمتك وجاهدت في سبيل الله ، وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأديت الذي عليك من الحق ، وأنك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين ، فبلغ الله بك فضل شرف محل المكرمين ، الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة ، اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيبك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك ، اللهمّ أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة ، وابعثه مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون ، اللهم انك قلت : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ، وانى أتيت نبيك تائبا مستغفرا من ذنوبي وانى أتوجه بك الى الله ربى وربك ليغفر ذنوبي» ، وان كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك فإنها أحرى ان تقضى ان شاء الله». ورواه الصدوق مرسلا مقطوعا.

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٥٠ الفقيه ج ٢ ص ٣٣٨.

٤٢٤

وروى في الكافي عن أحمد بن محمد بن ابى نصر البزنطي (١) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) : كيف نسلم على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عند قبره؟ فقال : قل السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، السلام عليك يا أمين الله ، أشهد أنك قد نصحت لأمتك وجاهدت في سبيل ربك وعبدته حتى أتاك اليقين ، فجزاك الله يا رسول الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته ، اللهم صل على محمد وآل محمد أفضل ما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد».

وعن محمد بن مسعود (٢) قال : رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) انتهى الى قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فوضع يده عليه ، وقال : أسأل الله الذي اجتباك واختارك وهداك وهدى بك أن يصلى عليك ، ثم قال : (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)».

وعن على بن حسان عن بعض أصحابنا (٣) قال : حضرت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) وهارون الخليفة وعيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة قد جاءوا الى قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فقال : هارون لأبي الحسن تقدم فأبى ، فتقدم هارون فسلم ، وقام ناحية ، وقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن (عليه‌السلام) : تقدم فأبى فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون ، فقال جعفر لأبي الحسن (عليه‌السلام) : تقدم فأبى ، فتقدم جعفر فسلم ، ووقف مع هارون ، فتقدم أبو الحسن (عليه‌السلام) فقال : السلام عليك يا أبتاه اسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلى عليك ، فقال هارون لعيسى : سمعت ما قال : قال : نعم ، قال هارون أشهد أنه أبوه حقا».

وعن على بن جعفر (٤) عن أخيه أبي الحسن موسى (عليه‌السلام) عن أبيه عن جده (عليهم‌السلام) قال : «كان أبى على بن الحسين (صلوات الله عليه) يقف على قبر

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٥٢.

(٢ و ٣) الكافي ج ٤ ص ٥٥٢.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٥٥١.

٤٢٥

النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فيسلم عليه ، ويشهد له بالبلاغ ويدعو بما حضره ثم يسند ظهره إلى المروة الخضراء الدقيقة العرض مما يلي القبر ، ويلتزق بالقبر ، ويسند ظهره الى القبر ويستقبل القبلة ويقول : اللهم إليك ألجأت ظهري والى قبر محمد عبدك ورسولك أسندت ظهري ، والقبلة التي رضيت لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، استقبلت اللهم إني أصبحت لا أملك لنفسي خير ما أرجو ، ولا ادفع عنها شر ما أحذر عليها وأصبحت الأمور بيدك فلا فقير أفقر مني ، إني لما أنزلت الى من خير فقير ، اللهم ارددني منك بخير ، فإنه لا راد لفضلك ، اللهم إني أعوذ بك من ان تبدل اسمي أو تغير جسمي أو تزيل نعمتك عنى ، اللهمّ كرمني بالتقوى ، وحملني بالنعم ، واعمرني بالعافية ، وارزقني شكر العافية».

واما وداعه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بعد ارادة الخروج عن المدينة ،

فهو ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (١) قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): إذا أردت ان تخرج من المدينة فاغتسل ثم ائت قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بعد ما تفرغ من حوائجك فودعه واصنع مثل ما صنعت عند دخولك ، وقل اللهمّ لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فإن توفيتني قبل ذلك فإني أشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك».

وعن يونس بن يعقوب (٢) قال : سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وداع قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : تقول : صلى الله عليك والسلام عليك ولا جعله الله آخر تسليمي عليك». وفي الفقيه أورد ما تضمنه الخبران مرسلا مقطوعا من دون ذكر الغسل.

الفصل الثامن عشر

في ذكر سيدتنا وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) قال

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٦٣.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٥٦٣ الفقيه ج ٢ ص ٣٤٣.

٤٢٦

شيخنا الطبرسي في كتاب اعلام الورى : الأظهر في روايات أصحابنا أنها ولدت سنة خمس من المبعث بمكة في العشرين من جمادى الآخرة ، وأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قبض ولها ثمانية عشر سنة وسبعة أشهر.

قال : وروى عن جابر بن يزيد قال : سئل الباقر (عليه‌السلام) كم عاشت فاطمة (عليها‌السلام) بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)؟ قال : أربعة أشهر ، ولها ثلاث وعشرون سنة ، وهذا قريب مما روته العامة أنها ولدت سنة احدى وأربعين من مولد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيكون بعد البعث بسنة انتهى.

وقال الكفعمي في المصباح بعد ذكر جمادى الأخرى وفي عشرينه سنة اثنتين من البعث كان مولد فاطمة (عليها‌السلام) وقيل سنة خمس من البعث ، وفي ثالثها كان وفاتها (صلوات الله عليها)

وفي معرفة قبرها (عليها‌السلام) على الخصوص اشكال ، قال شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها‌السلام) فمنهم من روى أنها دفنت في البقيع ، ومنهم من روى أنها دفنت بين القبر والمنبر ، وأن النبي (١) (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما قال : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» ، لأن قبرها بين القبر والمنبر ، ومنهم من روى أنها دفنت في بيتها ، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد ، وهذا هو الصحيح عندي انتهى.

وقال الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب بعد أن نقل عن الشيخ المفيد (رحمه‌الله) الأمر بزيارتها في الروضة ، لأنها مقبورة هناك : ما صورته وقد اختلفت أصحابنا في موضع قبرها فقال : بعضهم أنها دفنت في البقيع ، وقال بعضهم : أنها دفنت بالروضة ، وقال بعضهم : أنها دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت من جملة المسجد ، وهاتان الروايتان كالمتقاربتين والأفضل عنها أن يزور الإنسان في الموضعين جميعا ، فإنه لا يضره ذلك ، ويجوز به أجرا عظيما ، فأما من قال أنها دفنت بالبقيع

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٧.

٤٢٧

فبعيد من الصواب انتهى.

أقول : وروى الشيخ في التهذيب عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن أبى نصر (١) قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن قبر فاطمة عليها‌السلام قال : دفنت في بيتها ، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد».

ورواه الكليني أيضا بسنده عن احمد بن محمد بن يحيى (٢) والصدوق بإسناده عن البزنطي (٣)

وروى الصدوق طاب ثراه في كتاب معاني الاخبار عن محمد بن موسى بن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن أبيه عن ابن أبى عمير (٤) عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة». لأن قبر فاطمة (عليها‌السلام) بين قبره ومنبره ، وقبرها روضة من رياض الجنة ، واليه ترعة من ترع الجنة» قال الصدوق : وقد روى هذا الحديث هكذا والصحيح عندي في موضع قبر فاطمة (عليها‌السلام) ما رواه البزنطي ، وذكر الحديث المتقدم ، وهو راجع الى ما اختاره في الفقيه.

وقال الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب أما القول عند زيارتها فقد روى أحمد بن محمد بن داود ثم ساق سنده إلى إبراهيم بن محمد بن عيسى بن محمد العريضي (٥) قال : حدثنا أبو جعفر (عليه‌السلام) ذات يوم قال : إذا صرت الى قبر جدتك فاطمة (عليها‌السلام) فقل يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة ، وزعمنا أنا لك أولياء ومصدقون وصابرون لكل ما أتانا به أبوك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأتانا به وصيه (عليه‌السلام) فإنا نسألك إن كنا صدقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما بالبشرى لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك». ثم قال (قدس‌سره) وهذه الزيارة وجدتها مروية لفاطمة (عليها‌السلام).

وأما ما وجدت أصحابنا يذكرونه من القول عند زيارتها (عليها‌السلام) فهو أن تقف

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٨ من أبواب المزار.

(٥) التهذيب ج ٦ ص ١٠.

٤٢٨

على أحد الموضعين اللذين ذكرناهما ، وتقول : «السلام عليك يا بنت رسول الله السلام عليك يا بنت نبي الله ، السلام عليك يا بنت حبيب الله ، السلام عليك يا بنت خليل الله ، السلام عليك يا بنت صفي الله ، السلام عليك يا بنت أمين الله. السلام عليك يا بنت خير خلق الله ، السلام عليك يا بنت أفضل أنبياء الله ورسله وملائكته ، السلام عليك يا بنت خير البرية ، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير الخلق بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة السلام عليك أيتها الرضية المرضية ، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية ، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية ، السلام عليك أيتها التقية النقية ، السلام عليك أيتها الزهراء المحدثة العليمة ، السلام عليك أيتها المظلومة المغصوبة ، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة ، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ورحمة الله وبركاته ، صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك ، أشهد أنك مضيت على بينة من ربك ، وأن من سرك فقد سر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومن جفاك فقد جفا رسول الله ، ومن آذاك فقد أذى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومن وصلك فقد وصل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومن قطعك فقد قطع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه ، كما قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أشهد الله ورسله وملائكته أنى راض عمن رضيت عنه ، وساخط على من سخطت عليه ، ومتبرئ ممن تبرأت منه ، موال لمن واليت معاد لمن عاديت ، مبغض لمن أبغضت محب لمن أحببت ، وكفى بالله شهيدا وحسيبا وجازيا ومثيبا ، ثم تصلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) إنشاء الله تعالى انتهى.

وقال شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه (١) وانى لما حججت بيت الله الحرام كان رجوعي على المدينة بتوفيق الله تعالى ذكره ، فلما فرغت من زيارة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، قصدت بيت فاطمة (عليها‌السلام) وهو من عند الأسطوانة التي تدخل

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٣٤١.

٤٢٩

إليها من باب جبرائيل (عليه‌السلام) الى مؤخر الحفيرة التي فيها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقمت عند الحظيرة ويساري إليها ، وجعلت ظهري إلى القبلة واستقبلتها بوجهي وانا على غسل وقلت : السلام عليك يا بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، السلام عليك يا بنت نبي الله ، السلام عليك يا بنت حبيب الله ، السلام عليك يا بنت خليل الله ، ثم ساق الزيارة المتقدمة إلى آخرها ، الى ان قال : ثم قلت : اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله خاتم النبيين وخير الخلائق أجمعين ، وصل على وصيه على بن أبى طالب أمير المؤمنين وامام المسلمين وخير الوصيين ، وصل على فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين وصل على سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين ، وصل على زين العابدين على بن الحسين ، وصل على محمد بن على باقر العلم ، وصل على الصادق جعفر بن محمد ، وصل على الكاظم موسى بن جعفر ، وصل على الرضا على بن موسى ، وصل على التقى محمد بن على ، وصل على النقي على بن محمد ، وصل على الزكي الحسن بن على ، وصل على الحجة القائم بن الحسن بن على ، اللهم احى به العدل ، وأمت به الجور ، وزين بطول بقائه الأرض وأظهر به دينك وسنة نبيك ، حتى لا يستخفى بشي‌ء من الحق مخافة أحد من الخلق ، واجعلنا من أعوانه وأشياعه والمقتولين في زمرة أوليائه يا رب العالمين ، اللهم صل على محمد وآل بيته الذين أذهب عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا ، ثم قال (قدس‌سره : قال مصنف هذا الكتاب (رضى الله عنه) : لم أجد في الاخبار شيئا موظفا محدودا لزيارة الصديقة (عليها‌السلام) فرضيت لمن نظر في كتابي هذا من زيارتها ما رضيت لنفسي ، والله الموفق للصواب انتهى.

الفصل التاسع عشر

في ذكر زيارة ائمة البقيع روى الشيخ في التهذيب بسنده عن عمر بن يزيد (١) رفعه قال : «كان محمد بن الحنفية يأتي قبر الحسن بن على (عليهما‌السلام) فيقول :

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٤١.

٤٣٠

السلام عليك يا بقية المؤمنين وابن أول المسلمين ، وكيف لا تكون كذلك ، وأنت سليل الهدى ، حليف التقى ، وخامس أصحاب الكساء غذتك يد الرحمة ، وربيت في حجر الإسلام ، ورضعت من ثدي الايمان ، فطبت حيا وطبت ميتا ، غير ان الأنفس غير طيبة لفراقك ، ولا شاكة في الجنان لك ، ثم يلتفت الى الحسين (صلوات الله عليه وآله) ويقول السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى ابى محمد السلام».

قال في الوافي : والجنان ان كان بكسر الجيم فالمعنى أنها كانت متألمة بفراقك ، ولكنها راضية لك بأن تكون في الجنان ، وان كان بفتح الجيم فالمعنى أنها غير طيبة بالفراق ، ولا شاكية من الله في القلب بترك الصبر وإظهار الجزع ، وإخفاء السخط في القلب انتهى.

وقال المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) (١) : إذا أتيت قبور الأئمة بالبقيع فاجعله بين يديك «ثم تقول : وأنت على غسل السلام عليكم يا أئمة الهدى السلام عليكم يا أهل التقوى ، السلام عليكم يا حجج الله على أهل الدنيا ، السلام عليكم أيها القوامون في البرية بالقسط ، السلام عليكم يا أهل الصفوة ، السلام عليكم يا أهل النجوى ، أشهد أنكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات الله تعالى ، وكذبتم وأسيئ إليكم فغفرتم ، وأشهد انكم الأئمة الراشدون المهديون ، وأن طاعتكم مفترضة ، وأن قولكم الصدق ، وأنكم دعوتم فلم تجابوا وأمرتم فلم تطاعوا ، وأنكم دعائم الدين ، وأركان الأرض ، ولم تزالوا بعين الله ينسلخكم في أصلاب المطهرين ، وينقلكم من أرحام المطهرات لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ولم تشترك فيكم فتن الأهواء ، طبتم وطاب منبتكم أنتم الذين من علينا بكم ديان الدين ، فجعلكم في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه ، وجعل صلواتنا عليكم رحمة لنا وكفارة لذنوبنا ، إذا اختاركم لنا ، وطيب خلقنا بما من به علينا من ولايتكم وكنا عنده مسلمين بفضلكم ، ومعروفين بتصديقنا إياكم.

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٧٩ الفقيه ج ٢ ص ٣٤٤.

٤٣١

وفي الفقيه وكنا عندكم بفضلكم معترفين ، وبتصديقنا إياكم مقرين وهذا مقام من أسرف وأخطأ واستكان وأقر بما جنى ، ورجا بمقامه الخلاص ، وأن يستنقذ بكم مستنقذ الهلكى من النار ، فكونوا الى شفعاء ، فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدنيا واتخذوا آيات الله هزوا ، واستكبروا عنها ، يا من هو قائم لا يسهو ، ودائم لا يلهو ، ومحيط بكل شي‌ء ، لك المن بما وفقتني ، وعرفتني بما ائتمنتنى عليه ، إذ صد عنه عبادك ، وجهلوا معرفتهم ، واستخفوا بحقهم ، ومالوا الى سواهم فكانت المنة منك على مع أقوام خصصتهم بما خصصتني به ، فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي مكتوبا فلا تحرمني ما رجوت ، ولا تخيبني فيما دعوت» وادع لنفسك بما أحببت ، ثم صل ثماني ركعات في المسجد الذي هناك ، وتقرأ فيهما بما أحببت ، وتسلم في كل ركعتين ، ويقال أنه مكان صلت فيه فاطمة» وقال في التهذيب (١) «فإذا أردت الانصراف فقف على قبورهم وقل : السلام عليكم أئمة الهدى ، ورحمة الله وبركاته ، أستودعكم الله واقرأ عليكم السلام آمنا بالله وبالرسول وبما جئتم به ودللتم عليه ، اللهمّ فاكتبنا مع الشاهدين ، ثم ادع الله كثيرا واسأله أن لا يجعله آخر العهد من زيارتهم» أقول : الظاهر أن الثمان ركعات المذكورة لأن الأئمة (عليهم‌السلام) هناك أربعة فتجعل لكل واحد ركعتين

الفصل العشرون

في ذكر الأئمة الاثني عشر (ص) إجمالا وذكر زياراتهم قد وكلناه الى كتب أصحابنا (رضوان الله عليهم) المصنفة في هذا الباب

الأول ـ مولانا أمير المؤمنين ووصى رسول رب العالمين ، وسيد الخلق بعده أجمعين ، على بن ابى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، ولد بمكة في البيت الحرام ، ولم يولد فيه أحد قبله ولا بعده ، وهي فضيلة خص بها (عليه الصلاة

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٨٠.

٤٣٢

والسلام) وكان ذلك يوم الجمعة لثلاث عشر ليلة خلت من رجب ، وروى سابع شعبان بعد عام الفيل الذي تقدم أنه ولد فيه (رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)) بثلاثين سنة ، وقبض (عليه‌السلام) بالكوفة قتيلا ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، وله يومئذ ثلاث وستون سنة ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهو وإخوانه أول هاشمي ولد بين هاشميين ، وقبره بالغري من نجف بالكوفة ، والاخبار في فضل زيارته (عليه‌السلام) أكثر من أن يأتي عليها قلم الإحصاء في هذا المقام ،

الثاني

الإمام الزكي الحسن المجتبى سيد شباب أهل الجنة ولد بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان ، سنة ثلاثين من الهجرة ، ونقل عن شيخنا المفيد رحمه‌الله ثلاث ، وقبض بها مسموما يوم الخميس سابع عشرين من شهر صفر سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين من الهجرة ، وله سبع أو ثمان وأربعون سنة ، وفي حديث (١) «أنه قال (عليه‌السلام) : يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما لمن زارنا؟ فقال : يا بنى من زارني حيا أو ميتا أو زار أخاك حيا أو ميتا كان حقا على أن استنقذه من النار ،». وفي الخبر (٢) «أنه قيل للصادق (عليه‌السلام) ما لمن زار واحدا منكم؟ قال : كمن زار رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

وعن الرضا (عليه‌السلام) (٣) «ان لكل امام عهدا في عنق أولياءه وشيعته ، وأن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لمن رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة».

الثالث

الامام الحسين سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ولد (عليه‌السلام) بالمدينة

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٤٠.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٥٧٩.

(٣) التهذيب ج ٦ ص ٩٣.

٤٣٣

ثالث شهر شعبان ، وقيل : آخر شهر ربيع الأول ، سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل : يوم الخميس ثالث عشر رمضان ، وقال الشيخ المفيد رحمه‌الله : لخمس خلون من شعبان ، سنة أربع ، وأمه وأم أخيه الحسن فاطمة سيدة نساء العالمين ، وقتل عليه‌السلام بطف كربلاء يوم السبت ، وقيل : يوم الاثنين ، وقيل : يوم الجمعة ، عاشر شهر المحرم سنة احدى وستين من الهجرة ،

والاخبار في فضل زيارته (عليه‌السلام) مستفيضة (١) والظاهر في كثير منها الوجوب ، واليه يميل كلام بعض أصحابنا ، (رضوان الله عليهم) وليس بذلك البعيد فمنها ما يدل على أنها فرض على كل مؤمن ، وأن من تركها ترك حقا لله ورسوله وأن تركها عقوق لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونقص في الايمان والدين ، وأنه حق على الغنى زيارته في السنة مرتين ، والفقير في السنة مرة ، وأنه من أتى عليه حول ولم يأت قبره نقص من عمره حولا ، وأنها تطيل العمر ، وأن أيام زيارته لا تعد من الأجل ، وتفرج الهم ، وتمحص الذنوب ، وله بكل خطوة حجة مبرورة ، وله بزيارته أجر عتق ألف نسمة ، وحمل على ألف فرس في سبيل الله ، وله بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم ، وأن من أتى قبره عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأن زيارته يوم عرفة بعشرين حجة ، وعشرين عمرة مبرورة ، وعشرين غزوة مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام ، بل روى أن مطلق زيارته خير من عشرين حجة ، وأن زيارته يوم عرفة مع المعرفة بحقه بألف ألف حجة ، وألف ألف عمرة متقبلات ، وألف ألف غزوة مع نبي أو امام ، وزيارة أول رجب مغفرة للذنب البتة ، ونصف شعبان يصافحه مأة ألف نبي ، وليلة القدر مغفرة الذنب ، وأن الجمع في سنة واحدة بين زيارته ليلة عرفة والفطر وليلة النصف من شعبان بثواب ألف حجة مبرورة ، وألف عمرة متقبلة ، وقضاء ألف حاجة للدنيا والآخرة ، وزيارته يوم عاشوراء مع معرفة حقه كمن زار الله فوق عرشه ، وهو كناية من علو المرتبة ، وكثرة الثواب بمنزلة من رفعه الله الى سماءه ، وأدناه من عرشه الذي هو موضع عظمته ، وزيارته في العشرين من

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٣٧ من أبواب المزار.

٤٣٤

صفر من علامات المؤمن ، وزيارته في كل شهر ثوابها ثواب مأة ألف شهيد من شهداء بدر ، ومن بعد عنه وصعد على سطحه ثم رفع رأسه الى السماء ثم توجه الى قبره وقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته ، كتب الله له زورة ، والزورة حجة وعمرة وإذا زاره (عليه‌السلام) فليزر ابنه على بن الحسين (عليه‌السلام) من طرف رجله ، وقد اختلف أصحابنا في أنه الأكبر أو الأصغر ، فنقل عن الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد أن المقتول مع أبيه هو الأصغر ، قال ابن إدريس في السرائر : وقد ذهب شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد الى أن المقتول بالطف هو على الأصغر ، وهو ابن الثقفية ، وأن على الأكبر هو الامام زين العابدين ، أمه أم ولد ، وهي شاة زنان بنت كسرى يزدجرد قال محمد بن إدريس : والاولى الرجوع الى أهل هذه الصناعة ، وهم النسابون وأصحاب السير ، والاخبار والتواريخ ، مثل الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش وأبى الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين ، والبلاذرى والمزني صاحب كتاب اللباب في أخبار الخلفاء ، والعمرى النسابة حقق ذلك في كتاب المجدي ، فإنه قال : وزعم من لا بصيرة له أن عليا الأصغر هو المقتول باللطف ، وهذا خطاء ووهم

والى هذا ذهب صاحب كتاب الزواجر والمواعظ ، وابن قتيبة في المعارف وابن جرير الطبري المحقق لهذا الشأن وابن أبي الأزهري في تاريخه ، وأبو حنيفة الدينوري في الاخبار الطوال ، وصاحب كتاب المفاخر مصنف من أصحابنا الإمامية ذكره شيخنا أبو جعفر في فهرست المصنفين ، وأبو على بن همام في كتاب الأنوار في تواريخ أهل البيت ومواليهم ، وهو من جملة من أصحابنا المصنفين المحققين ، وهؤلاء جميعا أطبقوا على هذا القول ، وهم أبصر بهذا النوع انتهى. كلامه في السرائر أقول : والى هذا القول مال شيخنا الشهيد في الدروس

الرابع

الإمام أبو محمد على بن الحسين (ع) زين العابدين ، ولد بالمدينة يوم الأحد خامس شهر شعبان ، سنة ثمان وثلاثين ، وقبض بها يوم السبت ، ثاني عشر المحرم ، سنة خمس وتسعين ، عن سبع وخمسين سنة ، وأمه شاه زنان بنت شيرويه

٤٣٥

بن كسرى بن يزدجرد ، وقيل : ابنة يزدجرد.

الخامس

الإمام أبو جعفر محمد بن على الباقر (ع) ولد بالمدينة يوم الاثنين ثالث عشر شهر صفر ، سنة سبع وخمسين ، وقبض بها يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة أربعة عشر ومأة ، وروى ست عشرة ، وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن على (عليهما‌السلام).

السادس

الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) ولد بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأول ، سنة ثلاث وثمانين ، وقبض بها في شوال ، وقيل : منتصف شهر رجب ، سنة ثمان وأربعين ومأة ، عن خمس وستين سنة ، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر ، وقال الجعفي : اسمها فاطمة ، وكنيتها أم فروة ، وقبره وقبر أبيه وجده وعمه الحسن (عليهم‌السلام) بالبقيع في مكان واحد ، وفي بعض الروايات أن جدتهم فاطمة بنت أسد معهم في تربتهم ، وعن أبى الحسن بن على العسكري (١) (عليه‌السلام) من زار جعفرا وأباه لم يشتك عينه ، ولم يصبه سقم ، ولم يمت مبتلى ، وعن الصادق (عليه‌السلام) (٢) من زارني غفرت له ذنوبه ، ولم يمت فقيرا.

السابع

الإمام أبو إبراهيم ويكنى أيضا بأبي الحسن الأول ، ويكنى أيضا أبا على موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب (عليهم‌السلام) ولد بالأبواء بين مكة والمدينة ، سنة ثمان وعشرين ومأة ، يوم الأحد رابع صفر ، وقبض قتيلا بالسم ببغداد ، في حبس السندي بن شاهك ، لست بقين من رجب ، سنة ثلاث وثمانين ومأة من الهجرة ، وقيل : يوم الجمعة لخمس خلون من رجب ، سنة ثلاث وثمانين ومأة ، وسنة يومئذ خمس وخمسون سنة ، وأمه أم ولد ، يقال لها : حميدة

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٦ ص ٧٨.

٤٣٦

البربرية ، فقبره بالكرخ من بغداد ، وعن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : من زار قبر أبى ببغداد كان كمن زار قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقبر أمير المؤمنين (عليه‌السلام). «وسأله الحسن بن على الوشاء (٢) عن زيارة أبيه أبي الحسن (عليه‌السلام) أهي مثل زيارة الحسين (عليه‌السلام)؟ قال : «نعم». وعنه (عليه‌السلام) قال : «ان الله نجى بغداد لمكان قبره بها ، وان لمن زاره الجنة».

الثامن

الإمام أبو الحسن على بن موسى الرضا (ع) أمه أم ولد ، ويقال لها : أم البنين ، ولد بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومأة ، وقيل : يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة ، وقبض بطوس في آخر صفر سنة ثلاث ومأتين ، وهو ابن خمس وخمسين سنة ، وقيل : سابع شهر رمضان ، وقيل : ثالث عشر ذي القعدة ، وبعض الاخبار يدل على أنه قبض مسموما سمه المأمون العباسي ، واليه ذهب الصدوق (رحمه‌الله) وأكثر أصحابنا لم يذكروه ، وعن الكاظم (عليه‌السلام) (٣) قال : «من زار قبر ولدي على كان عند الله كسبعين حجة مبرورة ، فقال له يحيى المازني : سبعين حجة؟ قال : نعم ، وسبعين ألف حجة». وقيل لأبي جعفر محمد بن على الجواد (٤) زيارة الرضا أفضل أم زيارة الحسين (عليه‌السلام)؟ قال : زيارة أبي أفضل لأنه لا يزوره الا الخواص من الشيعة ، وعنه (عليه‌السلام) أنها أفضل من الحج ، وأفضلها في رجب ، وروى البزنطي (٥) قال : «قرأت كتاب أبى الحسن الرضا (عليه‌السلام) بخطه : أبلغ شيعتي أن زيارتي تعدل عند الله ألف حجة وألف عمرة متقلبة كلها ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ألف حجة؟ قال : اى والله وألف ألف حجة لمن يزوره عارفا بحقه». وقال الرضا (عليه‌السلام) (٦) من زارني على بعد داري ومزاري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن ، حتى أخلصه من أهوالها إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا ، وعند الصراط والميزان.

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٦ ص ٨٢.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) التهذيب ج ٦ ص ٨٤ و ٨٥.

٤٣٧

التاسع

الامام الجواد أبو جعفر محمد بن على (ع) ولد بالمدينة في شهر رمضان في سابق عشر أو خمس عشر منه ، أو تاسع عشر على خلاف فيه ، وقيل : كان مولده في عاشر شهر رجب ، سنة خمسين وتسعين ومأة ، وقبض ببغداد في آخر ذي القعدة ، وقيل : يوم الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة ، سنة عشرين ومأتين ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ، ودفن في ظهر جده الكاظم (عليه‌السلام) وأمه الخيزران أم ولد ، وكانت من أهل بيت مارية القبطية أم إبراهيم (عليه‌السلام) ، ابن النبي (عليه‌السلام) وقيل : اسمها سبيكة نوبية ويقال : درة لكن سماها الرضا (عليه‌السلام) خيزران ، وقد تقدم ما يدل على فضل زيارته عموما.

العاشر

الامام الهادي أبو الحسن على بن محمد (ع) ، ولد بالمدينة منتصف ذي الحجة ، سنة اثنى عشر ومأتين ، وقيل : في السابع من الشهر ، وروى مولده في خامس رجب ، سنة أربع ومأتين ، وقبض بسر من رأى يوم الاثنين ثالث رجب ، سنة أربع وخمسين ومأتين ، ودفن في داره بها ، وسنه يومئذ احدى وأربعون سنة وسبعة أشهر ، وأمه أم ولد ، يقال لها : سمانة ،

الحادي عشر

الإمام أبو محمد الحسن بن على العسكري (ع) ، ولد بالمدينة في شهر ربيع الأول وقيل : يوم الاثنين رابعته ، سنة اثنتين وثلاثين ومأتين ، وقبض بسر من رأى يوم الأحد ، وقال شيخنا المفيد : يوم الجمعة ، ثامن شهر ربيع الأول ، سنة ستين ومأتين ، ودفن الى جانب أبيه (عليه‌السلام) وأمه أم ولد ، يقال لها : حديثة.

أقول : وقد تقدمت الأخبار الدالة على فضل زيارته وزيارة أبيه (عليهما‌السلام) عموما ، قال شيخنا الشهيد في الدروس : وقال المفيد رحمه‌الله : يزاران من ظاهر

٤٣٨

الشباك ، ومنع من دخول الدار ، قال الشيخ أبو جعفر : وهو الأحوط ، لأنها ملك الغير ، فلا يجوز التصرف فيها بغير اذن المالك ، وقال : لو أن أحدا دخلها لم يكن مأثوما ، وخاصة إذا تأول في ذلك ما روى عنهم (عليهم‌السلام) أنهم جعلوا شيعتهم في حل من أموالهم انتهى.

واقتصار شيخنا المذكور على نقل كلام الشيخين من غير أن يرجع شيئا في البين ربما أشعر بتوقفه ،

والظاهر عندي هو ما ذكره الشيخ أخيرا من البناء على الاخبار المشار إليها ، ويؤيده أنه من المعلوم والمجزوم به انهم (صلوات الله عليهم) في أيام حياتهم لا يحجبون أحدا من شيعتهم ومواليهم عن الدخول الى بيوتهم وزيارتهم إلا إذا كان ثمة تقية ، والا فهم يسرون بقدومهم ويفرحون برؤيتهم ويثنون عليهم بذلك ، غاية الثناء وأحوالهم في الممات كذلك ، بل آكد ويزيد ذلك تأييدا ما رواه الشيخ في كتاب الأمالي عن الفحام (١) قال : حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد بن بطة ، وكان لا يدخل المشهد ويزور من وراء الشباك ، فقال : ذهبت يوم عاشوراء نصف النهار ظهيرا والشمس تعلى ، والطريق خال من أحد ، وأنا فزع من الدعاء بين أهل البلد الجفاة ، الى ان بلغت الحائط الذي أسعى منه الى الشباك ، فمددت عيني فإذا برجل جالس على الباب ، ظهره إلى كأنه ينظر في دفتر ، فقال لي : إلى أين يا أبا الطيب بصوت يشبه صوت حسين بن على بن ابى جعفر بن الرضا (عليه‌السلام) فقلت : هذا حسين قد جاء يزور أخاه ، قلت : يا سيدي أمضى أزور من الشباك وأجيئك فأقضي حقك ، قال ولم لا تدخل يا أبا الطيب ، فقلت له : الدار لها مالك ، لا أدخلها من غير اذنه ، فقال يا أبا الطيب تكون مولانا رقا وتوالينا حقا ونمنعك تدخل الدار؟ ادخل يا أبا الطيب ، فقلت : أمضى أسلم عليه ، ولا اقبل منه فجئت الى الباب ، وليس عليه أحد فيشعرنى فتبادرت الى عند البصري خادم الموضع ،

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٢٢٦.

٤٣٩

ففتح الباب فدخلت : فكنا نقول : ا ليس كنت لا تدخل الدار؟ فقال : أما انا أذنوا لي بقيتم أنتم.

أقول لا يخفى ان قوله (عليه‌السلام) ، تكون مولانا رقا وتوالينا حقا ونمنعك تدخل الدار ، اذن لكل من كان كذلك ، وهم جميع شيعتهم ومواليهم القائلين بإمامتهم ، فإنهم مقرون أو مذعنون بالعبودية والرقية لهم منها ، والكون على قبول ذلك منهم لا اختصاص له بذلك الرجل كما توهم رحمه‌الله

الثاني عشر

الإمام المهدي بن الحسن (ع) (عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه) وجعلنا من أنصاره وأعوانه ولد بسر من رأى قيل : ليلة الجمعة من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومأتين من الهجرة ، وقتل ضحى خامس عشر من شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين وقيل : لثمان خلون من شعبان للسنة المذكورة ، وهو الذي اختاره الشيخ في كتاب الغيبة وأمه ريحانة ، ويقال : لها صيقل ، ويقال : سوسن ، وقيل : مريم ، بنت زيد العلوية ، كما اختاره شيخنا المجلسي عطر الله مرقده ، أن اسمها مليكة ، ولقبها نرجس ، بنت يشبوعا بن قيصر ملك الروم ، وأمها بنت شمعون ، الصفا وصى عيسى (عليه‌السلام) ونقل حديثا طويلا عن الشيخ الصدوق يتضمن إرسال الهادي (عليه‌السلام) لبعض أصحابه فاشتراها له ، وأعطاها ابنه الحسن (عليه‌السلام) فأولدها الإمام القائم (عليه‌السلام) ثم ذكر أن القول بكونها مريم بنت زيد العلوية في نهاية الضعف

أقول : ويؤيده تأييدا ما رواه الصدوق في كتاب عيون الاخبار (١) في الخبر الذي فيه اللوح ، قال فيه : ان أمه جارية اسمها نرجس ، وكان سنه عند وفاة أبيه (عليه‌السلام) خمس سنين أتاه الله العلم والحكم صبيا كما أتى يحيى وعيسى (عليهما‌السلام)

وكان له غيبتان صغرى وهي التي كان فيها السفراء (رضى الله عنهم) ويقرب من خمس وسبعين سنة ، وكان أولهم عثمان بن سعيد ، اوصى الى ابى جعفر محمد

__________________

(١) العيون ص ط نجف الأشرف.

٤٤٠