الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

البيت إذا كانوا أربعة أو خمسة».

أقول : قد عرفت مما قدمنا سابقا من الوجه الذي اجتمعت عليه الاخبار هو أنه لا يجزئ الواحد في الواجب إلا عن واحد في حال الاختيار فالظاهر حينئذ حمل هذه الاخبار على هدي التطوع ، كما هو ظاهر أكثرها والتعليل المذكور في الرواية الأولى إنما هو بالنسبة إليه ، ويحمل إجزاء البدنة عن نفس واحدة على الأفضل ، والرخصة في البقرة للعلة المذكورة.

السادسة :

قال الشيخ في النهاية : «جميع ما يلزم المحرم المتمتع وغير المتمتع من الهدي والكفارات في الإحرام لا يجوز ذبحه ولا نحره إلا بمنى ، وكل ما يلزمه في إحرام العمرة فلا ينحره إلا بمكة».

وقال علي بن بابويه : «كلما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك أن تنحر أو تذبح ما يلزمك من الجزاء بمكة عند الجزورة قبالة الكعبة موضع النحر ، وإن شئت أخرته إلى أيام التشريق فتنحره بمنى إذا وجب عليك في متعة ، وما أتيته مما يجب عليك فيه الجزاء في حج فلا تنحره إلا بمنى ، وان كان عليك دم واجب وقلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره الا يوم النحر بمنى».

وقال ابن البراج : «وكل من كان محرما بالحج وجب عليه جزاء صيد اصابه وأراد ذبحه أو نحره فليذبحه أو ينحره بمنى ، وإن كان معتمرا فعل ذلك بمكة أي موضع شاء منها ، والأفضل أن يكون فعله لذلك بالجزورة ،

٤١

مقابل الكعبة ، وما يجب على المحرم بعمرة مفردة من كفارة ليست كفارة صيد فإنه يجوز له ذبحها أو نحرها بمنى».

وقال أبو الصلاح : «ويذبح وينحر من الفداء لما قتله من الصيد في إحرام المتعة أو العمرة المبتولة بمكة قبالة الكعبة وفي إحرام الحج بمنى».

وقال سلار : «كلما يجب من الفدية على المحرم بالحج فإنه يذبحه أو ينحره بمنى ، وإن كان محرما بالعمرة ذبح أو نحر بمكة».

وقال ابن إدريس : «لا يجوز أن يذبح الهدي الواجب في الحج والعمرة المتمتع بها إلى الحج إلا بمنى في يوم النحر أو بعده ، فان ذبح بمكة أو بغير منى لم يجز ، وما ليس بواجب جاز ذبحه أو نحره بمكة ، وإذا ساق هديا في الحج فلا يذبحه أيضا إلا بمنى. فان ساقه في العمرة المبتولة نحره بمكة قبالة الكعبة بالجزورة».

وقال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : «والذي رواه الشيخ في هذا الباب حديثان : (أحدهما) عن إبراهيم الكرخي (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل قدم بهديه مكة في العشر ، فقال : إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء ، وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الأضحى». و (الثاني) رواية معاوية بن عمار (٢) في الحسن قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك ، فقال : إن مكة كلها منحر». قال الشيخ : الوجه في الحديث الحمل على الهدي المستحب فإنه يجوز ذبحه بمكة» انتهى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٢.

٤٢

أقول : أما الكلام في غير الهدي من فداء الصيد ونحوه فقد تقدم تحقيق البحث فيه مستوفى في بعض مسائل البحث الخامس في اللواحق بأحكام الصيد (١) وأما الهدي الذي نحن الآن بصدد البحث عنه فالظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في أن ما وجب منه في الحج يجب ذبحه بمنى.

قال في المدارك بعد قول المصنف : «ويجب ذبحه في منى» : «هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وأسنده العلامة في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه» ثم نقل عنه الاستدلال على ذلك بأدلة أظهرها رواية إبراهيم الكرخي (٢) المتقدمة.

ثم قال : «ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره ، قال : إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه». ـ قال ـ : وإذا لم يجز المذبوح في غير منى عن صاحبه مع الضرورة فمع الاختيار أولى ـ ثم قال ـ : ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٤)».

ثم أورد الرواية المتقدمة في كلام العلامة ، ثم ذكر جواب الشيخ

__________________

(١) راجع ج ١٥ ص ٣٢٨ ـ ٣٣٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

٤٣

المتقدم ، ونقل عن الشيخ في التهذيب أنه قال : «إن هذا الخبر مجمل ، والخبر الأول ـ يعني خبر الكرخي المتقدم ـ مفصل ، فيكون الحكم به أولى».

أقول : ما ذكره الشيخ (ره) وتبعه عليه الجماعة وإن احتمل إلا أن الظاهر حمل الخبر المذكور على العمرة لا الحج ، وهدي العمرة محله مكة بلا إشكال.

والذي يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (١) «أن عباد البصري جاء إلى أبي عبد الله (عليه‌السلام) وقد دخل مكة بعمرة مبتولة وأهدى هديا فأمر به فنحر في منزله ، فقال له عباد : نحرت الهدي في منزلك وتركت أن تنحره بفناء الكعبة وأنت رجل يؤخذ منك فقال له : ألم تعلم أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نحر هديه بمنى وأمر الناس فنحروا في منازلهم؟ وكان ذلك موسعا عليهم ، فكذلك هو موسع على من ينحر الهدي بمكة في منزله إذا كان معتمرا». على أنه لو كان الخبر صريحا في الهدي الواجب في الحج لوجب حمله على التقية ، لأن القول بجواز نحره في مكة مذهب جمهور الجمهور ، فإنهم لم يوجبوا الذبح في منى.

قال في المنتهى : «نحر هدي المتمتع يجب بمنى ، ذهب إليه علماؤنا ، وقال أكثر الجمهور : إنه مستحب ، والواجب نحره بالحرم ، وقال بعض الشافعية : لو ذبحه في الحل وفرقه في الحرم أجزأ».

هذا والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام والداخلة في سلك

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ١.

٤٤

هذا النظام زيادة على ما ذكر ما رواه الشيخ في الصحيح عن مسمع (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا دخل بهديه في العشر فان كان أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم النحر ، وإن كان لم يقلده ولم يشعره فلينحره بمكة إذا قدم في العشر».

وعن عبد الأعلى (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): لا هدي إلا من الإبل ، ولا ذبح إلا بمنى».

أقول : تخصيص الهدي بالإبل محمول على الفضل والاستحباب مثل : «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» (٣).

وروى الكليني والشيخ في الموثق عن شعيب العقرقوفي (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : بمكة ، قلت : أي شي‌ء أعطي منها؟ قال : كل ثلثا واهد ثلثا وتصدق بثلث».

وروى الكليني عن معاوية بن عمار (٥) في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من ساق هديا في عمرة فلينحره قبل أن يحلق ومن ساق هديا وهو معتمر نحر هديه بالمنحر ، وهو بين الصفا والمروة ، وهي الجزورة ، قال : وسألته عن كفارة المعتمر أين تكون؟ قال : بمكة إلا أن يؤخرها إلى الحج فتكون بمنى ، وتعجيلها أفضل وأحب إلي». ورواه الصدوق مرسلا إلى قوله : «وهي الجزورة».

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥ ـ ٦ ـ ٣ ـ ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١ ـ من كتاب الصلاة.

٤٥

وروى الشيخ في الحسن عن مسمع (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «منى كلها منحر ، وأفضل المنحر كله المسجد».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : «وكل ما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك أن تذبح أو تنحر ما لزمك من الجزاء بمكة عند الجزورة قبالة الكعبة موضع النحر ، وإن شئت أخرته إلى أيام التشريق ، فتنحره بمنى ، وقد روي ذلك أيضا ، وإذا وجبت عليك في متعة ، وما أتيته مما يجب عليك الجزاء في حج فلا تنحره إلا بمنى ، فان كان عليك دم واجب قلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره إلا في يوم النحر بمنى».

ومن هذه العبارة أخذ علي بن الحسين بن بابويه عبارة رسالته المتقدمة على العادة المعروفة والطريقة المألوفة.

والمستفاد من هذه الاخبار وضم بعضها إلى بعض ـ وبه يحصل التوفيق بين ما ربما يتوهم منه المخالفة ـ أن هدي الحج الواجب لا ينحر أو يذبح إلا بمنى ، وكذا ما أشعر وقلد وجوبا أو استحبابا ، والهدي المستحب يجوز نحره بمكة رخصة ، وهدي العمرة نحره بمكة واجبا كان أو مستحبا وأن مكة كلها منحر وإن كان أفضلها الجزورة ، ومنى كلها منحر وإن كان أفضلها حوالي المسجد».

ثم إنه من المحتمل قريبا أن قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

(٢) البحار ـ ج ٩٩ ص ٢٨٩ وذكر ذيله في المستدرك ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

٤٦

«وقد روي ذلك أيضا» إشارة إلى الزيادة التي في صحيحة معاوية بن عمار (١) برواية الكليني ، أعني قوله : قال : «وسألته عن كفارة المعتمر أين تكون؟». الى آخره ، والله العالم.

السابعة :

اختلف الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) فيما لو ضل هديه فذبحه عنه غيره ، فقيل بعدم إجزائه عنه ، وذلك بأنه لم يتعين بالشراء للذبح ، وإنما يتعين بالنية ، فلا تقع من غير المالك أو وكيله ، وبه صرح المحقق في الشرائع ، ونسبه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك إلى المشهور.

وقيل باجزائه عنه ، وهو الذي افتى به العلامة في المنتهى من غير نقل خلاف في ذلك ، واختاره الشهيد في الدروس وشيخنا المشار إليه في المسالك وسبطه في المدارك ، ونقله أيضا عن الشيخ وجمع من الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم).

وهو الأصح لما تقدم سابق هذه المسألة من صحيحة منصور بن حازم (٢) وصحيحة محمد بن مسلم (٣) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر واليوم الثاني والثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ ـ ١.

٤٧

وروى الصدوق (رحمه‌الله) في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا أصاب الرجل بدنة ضالة فلينحرها ويعلم أنها بدنة».

ولو ذبحها الواجد عن نفسه لم تجز عن واحد منهما اتفاقا ، أما الواجد فلكونه غاصبا متعديا ، وأما عن صاحبها فلعدم نيته وقصده حال الذبح.

ومثله الحكم فيما لو اشترى هديا فنحره ثم ظهر له مالك ، فإنه لا يجزئ عن واحد منهما.

وعليه يدل ما رواه في الكافي عن جميل عن بعض أصحابه (٢) عن أحدهما (عليهما‌السلام) «في رجل اشترى هديا فنحره ، فمر بها رجل فعرفها ، فقال : هذه بدنتي ضلت مني بالأمس وشهد له رجلان بذلك ، فقال : له لحمها ولا تجزئ عن واحد منهما ـ ثم قال ـ : ولذلك جرت السنة بإشعارها وتقليدها».

أقول : وبذلك صرح الشيخ في التهذيب أيضا ، فقال : «ومن اشترى هديا فذبحه فمر به رجل فعرفه فقال : هذا هديي ضل منى فأقام بذلك شاهدين فان له لحمه ، ولا يجزئ عن واحد منهما» ثم استدل بالخبر المذكور.

بقي الكلام فيما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم (٣) من الأمر بالتعريف الأيام المذكورة هل هو على جهة الوجوب أو الاستحباب؟ ظاهر

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

٤٨

عبارة العلامة في المنتهى الثاني ، حيث قال : «ينبغي لواجد الهدي الضال أن يعرفه ثلاثة أيام ، فإن عرفه صاحبه والا ذبحه عنه» ثم أورد صحيحة محمد بن مسلم.

وقال في المسالك : «إنه لم يصرح أحد بالوجوب» ، وفي الدروس «أنه مستحب ، ولعل عدم الوجوب لاجزائه عن مالكه فلا يحصل بترك التعريف ضرر عليه ، ويشكل بوجوب ذبح عوضه عليه ما لم يعلم بذبحه ، ويمكن أن يقال بعدم الوجوب قبل الذبح ، لكن يجب بعده ليعلم المالك فيترك الذبح ثانيا أخذا بالجهتين» انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) أخيرا بقوله : «ويمكن» إلى آخره جيد بالنسبة إلى الخروج عن الإشكال الذي ذكره من عدم تصريح أحد بالوجوب ، وبيان الوجه فيه وما يرد عليه من الاشكال المذكور ، لكن فيه خروج عن النص المذكور ، حيث إنه (عليه‌السلام) أمر بالتعريف قبل الذبح ، وأنه يؤخر الذبح إلى عشية الثالث بعد التعريف في تلك المدة ، فكيف يتم القول بالوجوب بعد ، ولا مستند له؟! إذ الرواية إنما تضمنت الأمر بالتعريف قبل الذبح ، فان قيل بها لم يتم ما ذكره ، وإن عدل عنها فلا مستند له.

وبالجملة فعدم وجود القائل بالوجوب لا يمنع من القول به إذا اقتضاه الدليل من غير معارض في البين.

على أن المفهوم من كلام سبطه في المدارك أن القول بالوجوب ظاهر الشيخ في النهاية ، واليه يميل كلامه في الكتاب المذكور ، حيث قال : «ولا يبعد وجوب التعريف ، كما هو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية عملا بظاهر الأمر» انتهى.

٤٩

وكيف كان فلا ريب أن الاحتياط يقتضيه.

ثم إنه قال في المدارك على أثر الكلام المذكور : «ولو قلنا بجواز الذبح قبل التعريف لم يبعد وجوبه بعده ليعلم المالك ، فيترك الذبح ثانيا».

أقول : قد تبع جده (قدس الله روحيهما) فيما قدمنا نقله عنه في المقام ، وفيه ما عرفت آنفا ، ونزيده هنا بأن نقول : إن ما ذكره من العلة لا تصلح لأن تكون مستندا للوجوب الذي هو حكم شرعي يترتب على الإخلال به الإثم والعقوبة ، فهو يتوقف على الدليل الشرعي والنص القطعي المنحصر عندنا في الكتاب العزيز والسنة النبوية ، والركون إلى تعليل الأحكام الشرعية وبنائها على مثل هذه التعليلات العليلة مجازفة ظاهرة ، والنص المذكور كما عرفت لا ينطبق على هذا القول.

قال في المسالك : «ثم إنه على تقدير الاجزاء لا إشكال في وجوب الصدقة والإهداء ، أما الأكل فهل يقوم الواجد مقام المالك فيجب عليه أن يأكل منه أم يسقط؟ فيه نظر ، ولعل السقوط أوجه».

وجزم سبطه في المدارك ـ بعد أن استظهر وجوب الصدقة والإهداء ـ بسقوط وجوب الأكل قطعا ، قال : «لتعلقه بالمالك».

أقول : ما ذكراه (نور الله تعالى مرقديهما) من وجوب الصدقة والإهداء لا يخلو عندي من توقف وإشكال ، لأن غاية ما دلت عليه الاخبار المتقدمة هو الذبح عنه خاصة ، والاخبار الدالة على الصدقة والإهداء والأكل (١) إنما وردت بالنسبة إلى المالك إذا ذبحه ، فإنه يجب عليه أن يقسمه أثلاثا على الوجه المذكور ، وبعين ما قالوه في عدم وجوب الأكل

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح.

٥٠

على الواجد من أن الآمر بالأكل إنما تعلق بالمالك يجري في الفردين الآخرين ، فإن الأمر بالصدقة والإهداء إنما تعلق في الاخبار الدالة عليهما بالمالك ، ولا بعد في جواز الاكتفاء به عن صاحبه بمجرد الذبح نيابة عنه إذا اقتضاه الدليل بإطلاقه ، وتقييده يحتاج إلى دليل ، وليس إلا الأخبار التي موردها المالك ، وهي لا تصلح للتقييد.

وبالجملة فإن مقتضى إطلاق النصوص المتقدمة الاكتفاء بمجرد الذبح عنه وإن كان ما ذكره أحوط ، والله العالم.

الثامنة :

اختلف الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في كيفية قسمة الهدي ، وهل هي على جهة الوجوب أو الاستحباب؟ فقال الشيخ (رحمه‌الله) : «من السنة أن يأكل من هديه لمتعته ، ويطعم القانع والمعتر ثلثه ، ويهدي للأصدقاء ثلثه».

وقال أبو الصلاح : «والسنة أن يأكل بعضها ويطعم الباقي».

وقال ابن البراج : «وينبغي أن يقسم ذلك ثلاثة أقسام ، فيأكل أحدها إلا أن يكون الهدي لنذر أو كفارة ، ويهدي قسما آخر ، ويتصدق بالثالث».

قال في المختلف بعد نقل ذلك : «وهذه العبارات توهم الاستحباب».

وقال ابن أبي عقيل : «ثم انحر واذبح وكل وأطعم وتصدق».

وقال ابن إدريس : «وأما هدي المتمتع والقارن فالواجب أن يأكل

٥١

منه ولو قليلا ، ويتصدق على القانع والمعتر ولو قليلا للآية (١) وهو قوله تعالى (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)».

قال في المختلف بعد نقله : «وهو الأقرب للأمر ، وأصل الأمر للوجوب ، وما رواه معاوية بن عمار (٢) عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم ، كما قال الله تعالى (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ». ـ ثم نقل حجة الآخرين بأن الأصل عدم الوجوب ، وأجاب ـ بأنه لا دلالة للأصل مع وجود الأمر».

قال في المنتهى : «ينبغي أن يقسم أثلاثا : يأكل ثلثه ويهدي ثلثه ويتصدق على الفقراء بثلثه ، وهذا على جهة الاستحباب ـ ثم قال : ـ قال بعض علمائنا بوجوب الأكل ، وقال آخرون باستحبابه ، والأول أقوى للآية».

وظاهر كلامه في المختلف هو اختيار مذهب ابن إدريس في وجوب الأكل ولو قليلا والصدقة ولو قليلا ، وأما الإهداء فلم يتعرضا له ، وفي المنتهى وجوب الأكل خاصة للآية ، ويلزمه وجوب الصدقة ايضا للاية ، وعلى كل من القولين فالقسمة أثلاثا إنما هو على جهة الاستحباب ، وبه صرح أيضا في الإرشاد.

وقال الصدوق (رحمه‌الله) في من لا يحضره الفقيه : «ثم كل وتصدق واطعم وأهد إلى من شئت ، ثم احلق رأسك» وهو مطلق في القدر وفي كونه وجوبا أو استحبابا.

وقال الشهيد (رحمه‌الله) في الدروس : «ويجب أن يصرفه في الصدقة

__________________

(١) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

٥٢

والإهداء والأكل ، وظاهر الأصحاب الاستحباب».

والظاهر أن مراده من هذه العبارة هو وجوب قسمته أثلاثا ، لكل من هذه المذكورات ثلث ، ليحصل به صرف الهدي فيها. وقد عرفت أن أكثر الأقوال المتقدمة أن ذلك على جهة الاستحباب كما ذكره قدس‌سره.

وأما ما ذكره في المدارك بعد نقل صدر عبارته ـ من أنه لم يعين للصدقة والإهداء قدرا ـ فهو وإن كان كذلك ، لكن قوله بعد هذه العبارة : «وظاهر الأصحاب الاستحباب» ينبه على أن المراد قسمته أثلاثا ، لأن هذا هو الذي صرحوا باستحبابه ، كما عرفت من عبارتي الشيخ والعلامة في المنتهى وغيرهما.

وقال المحقق في الشرائع : «ويستحب أن يقسمه أثلاثا : يأكل ثلثه ، ويتصدق بثلثه ، ويهدي ثلثه ، وقيل : يجب الأكل منه ، وهو الأظهر».

وقال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل العبارة المذكورة : «بل الأصح وجوب الأمور الثلاثة والاكتفاء بمسمى الأكل وإهداء الثلث والصدقة بالثلث».

وهو يرجع إلى ظاهر عبارة شيخنا الشهيد في الدروس كما عرفت.

وظاهر كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد أن هذا هو المشهور بين المتأخرين ، حيث إنه بعد أن نقل قول الشيخ المتقدم قال : «ظاهره الاستحباب ، والمشهور بين المتأخرين وجوب القسمة أثلاثا ، ووجوب ما يصدق عليه الأكل من الثلث ، ووجوب التصدق بالثلث على الفقير المؤمن المستحق للزكاة ، والهدية بالثلث الآخر إلى المؤمن ـ ثم قال ـ : واستفادة ذلك كله من الدليل مشكل».

٥٣

وقال السيد السند في المدارك : «والمعتمد وجوب الأكل منه والإطعام» واستند إلى الآية (١) المتقدمة وإلى رواية معاوية بن عمار (٢) الآتية ، وهو يرجع إلى مذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف.

أقول : والذي وقفت عليه من الأدلة المتعلقة بالمسألة الآية المتقدمة ، وهي قوله عزوجل (٣) «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» وقوله عزوجل (٤) : «وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ ـ إلى قوله ـ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ، فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن سيف التمار (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إن سعد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي ، فقال : إني سقت هديا فكيف اصنع؟ فقال له أبي : أطعم أهلك ثلثا ، واطعم القانع والمعتر ثلثا ، واطعم المساكين ثلثا ، فقال : المساكين : هم السؤال؟ فقال : نعم ، وقال : القانع : هو الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ، والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك : هو اغنى من القانع يعتريك فلا يسألك».

وما رواه في الكافي عن أبي الصباح الكناني (٦) قال : «سألت أبا عبد الله

__________________

(١ و ٣) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٤) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٧ و ٢٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٣.

٥٤

(عليه‌السلام) عن لحوم الأضاحي ، فقال : كان علي بن الحسين (عليهما‌السلام). ورواه الصدوق (رحمه‌الله) مرسلا (١) فقال : كان علي بن الحسين ـ وأبو جعفر (عليهما‌السلام) يتصدقان بثلث : على جيرانهم وثلث يمسكانه لأهل البيت».

ورواه الصدوق (رحمه‌الله) في كتاب العلل بسنده عن أبي جميلة (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) مثله ، إلا أنه قال : «بثلث على جيرانهما وثلث على المساكين».

وموثقة شعيب العقرقوفي (٣) المتقدمة في المسألة السادسة ، وفيها «كل ثلثا ، واهد ثلثا ، وتصدق بثلث».

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (٤) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا ذبحت أو نحرت فكل واطعم ، كما قال الله تعالى (٥) «فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» فقال : القانع : الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر : الذي يعتريك ، والسائل : الذي يسألك في يديه ، والبائس : الفقير».

وما رواه في الكافي عن معاوية بن عمار (٦) في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في قول الله عزوجل «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» قال : القانع : الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر : الذي يعتريك ، والسائل : الذي يسألك في يديه ، والبائس :

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٣.

(٣ و ٤ و ٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٨.

(٥) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٦.

٥٥

هو الفقير».

ورواه الصدوق (رحمه‌الله) مرسلا (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) إلى قوله : «الذي يعتريك».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : «وإذا نحرت أضحيتك أكلت منها وتصدقت بالباقي».

أقول : لا يخفى ما في أدلة المسألة من الاشكال وعدم الانطباق على شي‌ء من الأقوال إلا بمزيد تكلف في الاحتمال ، ومعظم إشكال المسألة من حيث التثليث وأن أحد الأثلاث يعطى هدية ، وإلا فالأكل والصدقة في الجملة مما لا إشكال فيه ، لدلالة الآية والروايات على ذلك.

والظاهر أن بناء القول المشهور بين المتأخرين على رواية أبي الصباح الكناني (٣) بحمل الصدقة على الجيران على الهدية ، وحمل الأضحية فيها على الهدي الواجب ، لإطلاق ذلك عليه في الأخبار (٤) وموثقة (٥) شعيب العقرقوفي (٦) المتقدمة.

إلا أنه قد أورد على هذه الرواية أن موردها هدي السياق في العمرة ،

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٩٤ ـ الرقم ١٤٥٦.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣ و ١١ والباب ـ ٣٩ ـ منها ـ الحديث ٧ والباب ـ ٤٠ ـ منها ـ الحديث ٩ و ١٥.

(٥) عطف على قوله (قده) «رواية أبي الصباح الكناني».

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٨.

٥٦

فلا يمكن التعلق بها في هدي حج التمتع ، لجواز الافتراق بينهما ، كما افترقا في موضع الذبح.

وفيه أن ظاهر كلامهم أن محل الخلاف في المسألة هو الهدي الواجب في عمرة أو حج بلا فرق بينهما.

وصحيحة (١) سيف التمار (٢) المتقدمة حيث تضمنت التثليث أيضا ، وإن خالفت الروايتين المذكورتين في ثلث الهدية باعتبار التصدق به في هذه الرواية ، ويمكن الجمع بينهما في ذلك باعتبار التخيير في ثلث الهدية بين أن يهديه أو يتصدق به على هؤلاء المذكورين في هذا الخبر.

وكأنه لما في هذه الاخبار من التفصيل حملوا عليها إجمال الآية والاخبار الباقية ، لأن غايتها أنها بالنسبة إلى الهدية وإلى كيفية القسمة مطلقة ، فيقيد إطلاقها بهذا التفصيل.

وأما القول بأن الواجب هو الأكل والصدقة ولو بقليل فهو ظاهر الآيتين (٣) المتقدمتين وظاهر خبر معاوية بن عمار (٤) وظاهر عبارة كتاب الفقه (٥) وبذلك تمسك هذا القائل ، وحمل ما زاد في تلك الاخبار من اعتبار التثليث والهدية بالثلث على الاستحباب جمعا ، والأول أوفق بالقواعد الشرعية ، كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم.

وأما ما ذكره في المدارك ـ من الاستدلال للقائلين بوجوب إهداء الثلث

__________________

(١) عطف على قوله (قده) : «رواية أبي الصباح الكناني».

(٢ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٣) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٨ و ٣٦.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٣.

٥٧

والصدقة بالثلث بصحيحة سيف التمار (١) ثم اعترض عليها بما هو مذكور ثمة ـ فليس في محله ، كيف والرواية المذكورة لا تعرض فيها للهدية ، بل دليل القول المذكور إنما هو موثقة شعيب (٢) ورواية أبي الصباح (٣) بالتقريب المذكور فيهما ، كما لا يخفى.

وأما ما ذكره بعد الطعن في رواية معاوية بن عمار (٤) ـ بعد أن استدل بها على ما ذهب إليه كما قدمنا نقله عنه ـ بأن في طريقها النخعي ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف ، ثم قال : وقد روى الكليني نحو هذه الرواية في الصحيح عن معاوية بن عمار (٥) ثم ساق الصحيحة المتقدمة (٦).

ثم إنه بعد أن اعترض على صحيحة سيف التمار (٧) ـ وأجاب عنها أولا بأن هذه الرواية إنما دلت على اعتبار القسمة كذلك في هدي السياق لا في هدي التمتع الذي هو محل النزاع ـ قال : «وثانيا أنها معارضة بروايتي معاوية بن عمار المتقدمتين الدالتين بظاهرهما على عدم وجوب القسمة كذلك ، فتحمل هذه على الاستحباب».

وظاهر كلامه (قدس‌سره) أن الصحيحة المذكورة في معنى روايته الاولى وأنهما دالتان على ما ذكره من عدم وجوب القسمة كذلك.

ولا يخفى ما فيه ، فان غاية ما دلت عليه الصحيحة المذكورة هو تفسير القانع والمعتر خاصة من غير تعرض فيها لحكم المسألة نفيا أو إثباتا ، بخلاف الرواية الأولى ، حيث قال فيها : «إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم ، كما قال الله تعالى» الى آخرها.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣ ـ ١٨ ـ ١٣ ـ ١ ـ ١٤ ـ ٣.

(٦) هكذا في النسخ المخطوطة الأربعة التي راجعتها ، ولكن في العبارة ـ من قوله : «وأما ما ذكره بعد الطعن» إلى «الصحيحة المتقدمة» ـ نقص وتشويش.

٥٨

وحينئذ فحمل الصحيحة المذكورة على الرواية المشار إليها ودعوى أن مدلولهما واحد كما توهمه عجيب منه (قدس‌سره) نعم ذلك مدلول الآية التي فيها لا الرواية ، ولعله من هنا حصل الاشتباه والالتباس.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال وإن كان القول المشهور بين المتأخرين لا يخلو من قرب ، ولا ريب أنه أقرب إلى الاحتياط.

وأما القول باستحباب الأكل فهو أضعف الأقوال ، لما فيه من طرح الآية والاخبار ، وظاهر الشيخ أبي علي الطبرسي في تفسير مجمع البيان حمل الأمر بالأكل في الآية على الاستحباب ، حيث قال : «(فَكُلُوا مِنْها) : أي من بهيمة الانعام ، وهذه إباحة وندب ، وليس بواجب».

وهو مشكل سيما مع انضمام الاخبار إليها وأمره (عليه‌السلام) في رواية معاوية بن عمار (١) بالأكل والإطعام واستدل بالآية المذكورة.

وفي رواية علي بن أسباط عن مولى لأبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «رأيت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) دعا ببدنة فنحرها ، فلما ضرب الجزار عراقيبها فوقعت على الأرض وكشفوا شيئا من سنامها قال : اقطعوا فكلوا منها وأطعموا ، فإن الله عزوجل يقول (٣) (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا)» ،. والله العالم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٢٠.

(٣) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٦.

٥٩

فائدة :

قد دلت إحدى الآيتين المتقدمتين على أن الواجب إطعام البائس الفقير والأخرى إطعام القانع والمعتر.

والبائس على ما ذكره في كتاب مجمع البيان : الذي ظهر عليه أثر البؤس من الجوع والعرى ، قال : «وقيل : البائس : الذي يمد يده بالسؤال ويتكلف للطلب».

وفسره في صحيحة معاوية بن عمار (١) المتقدمة بالفقير ، وفسر القانع فيها بالذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر الذي يعتريك.

وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في تفسير الآية المذكورة قال : «القانع : الذي يرضى بما أعطيته ، ولا يسخط ولا يكلح ولا يلوي شدقه غضبا ، والمعتر المار بك لتطعمه».

والمفهوم من الخبرين المذكورين أن القانع الذي يرضى بما أعطيته سأل أو لم يسأل ، والمعتر هو الذي يعتريك ويمرّ بك للتعرض لما تعطيه من غير أن يسألك ، رضي بما أعطيته أو سخط ، وحينئذ فبينهما عموم وخصوص من وجه.

وفي صحيحة سيف التمار (٣) المتقدمة أنه أغنى من القانع.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ١٢ ـ ٣.

٦٠