الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

إسماعيل (عليه‌السلام) الذي كان يذود فيه غنيمته ، ويصلى فيه ، فوالله لو أن عبدا صف رجليه في ذلك المقام قائما بالليل مصليا حتى يجيئه النهار ، وقائما بالنهار حتى يجيئه الليل ، ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل الله منه شيئا ابدا ، إلا أن أبانا إبراهيم «عليه الصلاة وعلى محمد وآله كان مما اشترط على ربه أن قال رب اجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ، أما انه لم يعن الناس كلهم ، فأنتم أولئك ، حكم الله ونظراؤكم وانما مثلكم في الناس مثل الشعرة السوداء في الثور الأنور.

الفصل الثالث عشر

لا ريب في استحباب زيارة قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) استحبابا مؤكدا ويتأكد ذلك زيادة في حق الحاج ويجبر الناس على ذلك لو تركوها كما يجبرون على الأذان ، ومنع ابن إدريس كما نقل عنه ضعيف ، قال في المنتهى : «لو ترك الناس زيارة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال الشيخ (رحمه‌الله) : يجبرهم الامام عليها ، ومنع ابن إدريس من وجوب ذلك ، لأنها مستحبة فلا يجب إجبارهم عليها ، ونحن نقول : ان ذلك يدل على الجفاء ، وهو محرم فيجبرهم الامام عليها لذلك انتهى.

روى المشايخ الثلاثة بأسانيدهم الصحيحة المتكثرة عن حفص بن البختري وهشام بن سالم ومعاوية بن عمار (١) وغيرهم عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : لو أن الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك ، وعلى المقام عنده ، ولو تركوا زيارة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك ، وعلى المقام عنده ، فان لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين».

وروى في الكافي عن ابى الحجر الأسلمي (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة ، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب ، ومن مات مهاجرا الى الله عزوجل حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر».

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٧٢.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٥٤٩.

٤٠١

وعن زرارة (١) في الصحيح أو الحسن عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ، ويعرضوا علينا نصرتهم».

وعن جابر (٢) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «تمام الحج لقاء الامام». ورواه في الفقيه عن جابر (٣).

وروى في الفقيه بسنده الى ذريح (٤) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في قول الله عزوجل «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» قال : «التفث لقاء الامام». وروى في الكافي عن عبد الله بن سنان عن ذريح (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان الله أمرني في كتابه بأمر فأحب أن أعلمه ، قال : وما ذلك قال : قلت : قول الله عزوجل «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» قال : يقضوا تفثهم لقاء الامام ، وليوفوا نذورهم تلك المناسك قال عبد الله بن سنان : فأتيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقلت : جعلت فداك قوله عزوجل «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) ، قال : أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك ،. قال : قلت : جعلت فداك ان ذريح المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له «لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» لقاء الامام ، «وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» تلك المناسك ، فقال : صدق ذريح وصدقت ان للقرآن ظاهرا وباطنا ومن يحتمل ما يحتمل ذريح».

وروى في الفقيه عن عبد الله بن سنان (٦) قال : أتيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقلت جعلني الله فداك» الحديث.

وعن يحيى بن يسار (٧) قال حججنا فمررنا بأبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال : حجاج

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٤ ص ٥٤٩.

(٣ و ٤) الفقيه ج ٢ ص ٣٤٥ و ٢٩١.

(٥) الكافي ج ٤ ص ٥٤٩.

(٦) الفقيه ج ٢ ص ٢٩١.

(٧) الكافي ج ٤ ص ٥٤٩.

٤٠٢

بيت الله وزوار قبر نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وشيعة آل محمد (صلوات الله عليهم ، هنيئا لكم».

أقول : وهذه الاخبار وان كان موردها حال حياتهم (عليهم‌السلام) الا أنه لا فرق بين الحياة والموت بالنسبة إليهم (صلوات الله عليهم) فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، يشاهدون كل من ورد الى قبورهم.

ويشهد لذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن يزيد بن عبد الملك (١) عن أبيه عن جده قال : «دخلت على فاطمة (عليها‌السلام) فبدأتني بالسلام ، ثم قالت : ما غدا بك قلت : طلب البركة قالت : أخبرني أبى وهو ذا ، هو أنه من سلم عليه وعلى ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة ، قلت لها : في حياته وحياتك؟ قالت : نعم وبعد موتنا».

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد اختلفت الاخبار في استحباب البدعة بالحج ثم زيارة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو العكس ، فروى في الكافي عن على بن محمد بن عبد الله البرقي (٢) عن أبيه قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) أبدأ بالمدينة أو بمكة ، قال : ابدأ بمكة واختم بالمدينة ، فإنه أفضل». ورواه في الفقيه مرسلا ، ورواه في التهذيب عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام.

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عيص بن القاسم (٣) قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحاج من الكوفة يبدأ بالمدينة أفضل أو بمكة؟ قال : بالمدينة». ورواه في الفقيه عن عيص بن القاسم مثله ، وروى الشيخ في الصحيح عن على بن يقطين (٤) قال : سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الممر بالمدينة في البداية أفضل ، أو في الرجعة ، قال : لا بأس بذلك آية كان».

روى في الكافي والتهذيب في الموثق عن سدير (٥) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : ابدأ وبمكة واختموا بنا».

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٩.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٥٥٠ الفقيه ٣٤٤ التهذيب ج ٥ ص ٤٣٩.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٥ ص ٤٣٩ و ٤٤٠.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٥٥٠.

٤٠٣

أقول الظاهر في وجه الجمع هو أن الأفضل مع الاختيار والتمكن من الأمرين معا البدأة بالحج ، وعليه تحمل رواية البرقي ، وموثقة سدير.

وأما إذا حج على طريق المدينة فالبدأة بها أفضل ، لئلا يخترم دون ذلك ، أو لا يتفق له رجوع على تلك الطريق الاولى ، وبهذا جمع الشيخ وصاحب الفقيه (عطر الله مرقديهما)

وأما الاخبار الواردة في ثواب زيارتهم (صلوات الله عليهم) في الحياة أو بعد الموت فهي أكثر من أن تحصى ، ولا بأس بنقل جملة منها تيمنا وتبركا) فمنها ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبان عن السدوسي (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من أتاني زائرا كنت شفيعه يوم القيامة».

وعن ابن شهاب (٢) قال : قال الحسين (عليه‌السلام) لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يا أبتاه ما لمن زارك؟ فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يا بنى من زارني حيا أو ميتا أو زار أباك أو زار أخاك كان حقا على أن أزوره يوم القيامة وأخلصه من ذنوبه».

وروى الشيخ في التهذيب عن إبراهيم بن عبد الله بن حسين بن عثمان بن معلى بن جعفر (٣) قال : «قال الحسن بن على (عليهم‌السلام) : يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما لمن زارنا؟ قال : من زارني حيا أو ميتا أو زار أباك حيا أو ميتا أو زار أخاك حيا أو ميتا أو زارك حيا أو ميتا كان حقا على ان استنقذه يوم القيامة».

وروى في الكافي عن محمد بن على يرفعه (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفي الفقيه (٥) مرسلا «قال : قال رسول الله لعلى (عليهم‌السلام) : يا على من زارني في حياتي أو بعد مماتي أو زارك في حياتك أو بعد مماتك أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد موتهما ضمنت له يوم القيامة ان أخلصه من أهوالها وشدائدها حتى

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٤٨.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٦ ص ٤.

(٤ و ٥) الكافي ج ٤ ص ٥٧٩.

٤٠٤

أصيره معي في درجتي».

«وعن زيد الشحام (١) قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما لمن زار رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال كمن زار الله فوق عرشه» قال : قلت : فما لمن زار واحدا منكم؟ قال : كمن زار رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وروى الشيخ في التهذيب عن أبى الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن على بن الحسين (٢) عليه‌السلام عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن على بن الحسين (عليه‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): من زار قبري بعد موتى كان كمن هاجر الى في حياتي فان لم تستطيعوا فابعثوا الى بالسلام ، فإنه يبلغني».

وعن ابى عامر واعظ الحجاز (٣) عن الصادق (عليه‌السلام) عن أبيه عن جده (عليهم‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لعلى عليه‌السلام يا أبا الحسن ان الله عزوجل جعل قبرك وقبور ولدك بقاعا من بقاع الجنة ، وعرصة من عرصاتها ، وان الله عزوجل جعل قلوب نجباء من خلقه ، وصفوته من عباده ، تحن إليكم وتحتمل الأذى والمذلة فيكم ، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقربا منهم الى الله ، ومودة منهم لرسول الله ، اولائك يا على المخصوصون بشفاعتي ، والواردون حوضي ، وهم زواري غدا في الجنة ، يا على من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود (عليهما‌السلام) على بناء بيت المقدس ، ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام ، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه ، فأبشر يا على وبشر أوليائك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ولكن حثالة من الناس يعيرون

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٤ الكافي ج ٤ ص ٥٧٩.

(٢) التهذيب ج ٦ ص ٣.

(٣) التهذيب ج ٦ ص ٢٢.

٤٠٥

زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها ، أولائك شرار أمتي لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي». الى غير ذلك من الاخبار التي يضيق عن نقلها المقام

الفصل الرابع عشر

يستحب لقاصدى المدينة المشرفة المرور بمسجد الغدير ودخوله والصلاة فيه والإكثار من الدعاء ، وهو موضع الذي نص فيه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) على امامة أمير المؤمنين وخلافته بعده ، ووقع التكليف بها ، وان كانت النصوص قد تكاثرت بها عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قبل ذلك اليوم ، الا ان التكليف الشرعي والإيجاب الحتمي انما وقع في ذلك اليوم ، وكان تلك النصوص المتقدمة كانت من قبيل التوطئة لتوطن النفوس عليها ، وقبولها بعد التكليف بها.

فروى ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه عن أبان (١) عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : يستحب الصلاة في مسجد الغدير ، لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أقام فيه أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وهو موضع أظهر الله عزوجل فيه الحق».

وروى المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مضاجعهم) في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن الصلاة في مسجد غدير خم وأنا مسافر ، فقال : صل فيه فان فيه فضلا كثيرا وكان أبى يأمر بذلك». ويستحب أيضا النزول بالمعرس وصلاة ركعتين فيه ، والتعريس لغة نزول القوم في السفر آخر الليل ، قال في القاموس : أعرس القوم نزلوا في آخر الليل للاستراحة ، كعرس وليلة التعريس الليلة التي نام فيها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والمعرس : بضم الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة ، ويقال : بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الراء ، مسجد يقرب مسجد الشجرة بازاءه مما يلي القبلة ، والمراد بالتعريس في المسجد المذكور هو الاضطجاع فيه ، إذا مر به ليلا كان أو نهارا ، كما يدل عليه الاخبار الاتية ، وقد أجمع الأصحاب على استحباب النزول فيه والصلاة تأسيا بالنبي

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٤ ص ٥٦٧ الفقيه ج ٢ ص ٣٣٥.

٤٠٦

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) ويستحب أيضا الرجوع اليه لو تجاوزه ، ويدل على ذلك جملة من الاخبار ، ومنها ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (١) قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): إذا انصرفت من مكة إلى المدينة وانتهيت إلى ذي الحليفة وأنت راجع الى المدينة من مكة ، فأت معرس النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان كنت في وقت صلاة مكتوبة أو نافلة فصل فيه ، وان كان في غير وقت صلاة مكتوبة فانزل فيه قليلا ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يعرس فيه ، ويصلى». ورواه الصدوق أيضا في الصحيح عن معاوية بن عمار مثله.

وعن الحسن بن على بن فضل (٢) قال : «قال على بن أسباط لأبي الحسن ونحن نسمع : انا لم نكن عرسنا فأخبرنا ابن القاسم بن الفضيل أنه لم يكن عرس وأنه سألك فأمرته بالعود الى المعرس فيعرس فيه ، فقال : نعم ، فقال له : فانا انصرفنا فعرسنا فأي شي‌ء نصنع؟ قال : تصلى فيه وتضطجع ، وكان أبو الحسن (عليه‌السلام) يصلى بعد العتمة فيه ، فقال له محمد : فان مر به في غير وقت صلاة مكتوبة؟ قال : بعد العصر ، قال : سئل أبو الحسن (عليه‌السلام) عن ذا فقال (عليه‌السلام) : ما رخص في هذا الا في ركعتي الطواف ، فان الحسن بن على (عليهما‌السلام) فعله ، وقال : يقيم حتى يدخل وقت الصلاة ، قال : فقلت له : جعلت فداك فمن مر به بليل أو نهار يعرس فيه ، أو إنما التعريس في الليل؟ فقال : ان مر به بليل أو نهار فليعرس فيه».

قال في الوافي المستتر في «قال» في قوله «قال بعد العصر» يرجع الى محمد يعنى كما إذا مر به بعد العصر ما رخص في هذا يعنى ما رخص في النافلة بعد العصر إلا في ركعتي طواف النافلة ، وقد مر الكلام فيه في كتاب الصلاة ، وانها موضع تقية حتى يدخل وقت الصلاة يعني الوقت الذي يجوز فيه الصلاة من غير كراهة ، كوقت الصلاة المكتوبة.

وعن على بن أسباط عن بعض أصحابنا (٣) «انه لم يعرس فأمره الرضا (عليه‌السلام) ان ينصرف فيعرس.

وعن محمد بن القاسم (٤) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) جعلت

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٦٥ الفقيه ج ٢ ص ٣٣٥.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٥٦٦.

(٣ و ٤) الكافي ج ٤ ص ٥٦٥.

٤٠٧

فداك ان جمالنا مر بنا ولم ينزل المعرس ، فقال : لا بد أن ترجعوا اليه فرجعت اليه.

وروى الشيخ في التهذيب عن معاوية بن عمار (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال لي في المعرس ـ معرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ إذا رجعت الى المدينة فمر به وانزل وأنخ به وصل فيه ، ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فعل ذلك ، قلت : فان لم يكن وقت صلاة؟ قال : فأقم قلت : لا يقيمون أصحابي؟ قال : فصل ركعتين وامضه ، وقال : انما المعرس إذا رجعت الى المدينة ليس إذا بدأت بها».

وعن ابن أسباط (٢) قال : «قلت لعلى بن موسى (عليه‌السلام) : ان الفضيل بن يسار روى عنك وأخبرنا عنك بالرجوع الى المعرس ، ولم نكن عرسنا فرجعنا إليه فأي شي‌ء نصنع ، قال : تصلى وتضطجع قليلا ، فقد كان أبو الحسن (عليه‌السلام) يصلى فيه : ويقعد ، فقال محمد بن على بن فضال : فان مررت به في غير وقت صلاة بعد العصر فقال : فقد سئل أبو الحسن (عليه‌السلام) عن ذلك فقال : صل فيه ، فقال محمد بن على بن فضال : ان مررت به ليلا أو نهارا انعرس ، أو إنما التعريس بالليل فقال. نعم ان مررت به ليلا أو نهارا فعرس فيه ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يفعل ذلك».

وروى في الفقيه (٣) «قال سأل العيص بن القاسم أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الغسل في المعرس ، فقال : ليس عليك فيه غسل ،».

ويستفاد من صحيحة معاوية بن عمار التي هي أول الاخبار ومن رواية الأخيرة ان التعريس المستحب انما هو في الرجوع من مكة إلى المدينة دون العكس

الفصل الخامس عشر

وللمدينة المنورة حرم ، وهو من ظل عائر إلى وعير ، لا يعضد شجره ، ولا يصاد ما بين الحرمين منه ، وهي حرة ليلى ، وحرة وأقم ، بكسر القاف اسم لحصن هناك ، أضيفت الحرة اليه ، وهل النهى هنا على جهة الكراهة أو التحريم قولان ،

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٦ ص ١٦.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٣٣٦.

٤٠٨

وتفصيل هذه الجملة أن الحرم المذكور هو ما بين الجبلين المذكورين ، فان عائرا ووعيرا : اسمان لجبلين مكتنفين للمدينة ، أحدهما من المشرق ، والأخر من المغرب ووعير ضبطه الشهيد في الدروس بفتح الواو ، ونقل عن المحقق الشيخ على أنه وجده في مواضح متعددة يضم الواو ، وفتح العين المهملة ، والحرة بالفتح والتشديد أرض ذات أحجار سود ، ومنه سميت الحرتان المذكورتان بذلك ، وهما أدخل في المدينة ، وهذا الحرم : بريد في بريد ، ويوضح ذلك ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى الخراز (١) عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «بينا نحن جلوس وأبى عند وال لبني أمية على المدينة إذ جاء أبى فجلس فقال : كنت عند هذا قبيل فسألهم عن التقصير فقال قائل منهم : في ثلاث وقال قائل منهم : يوما وليلة ، وقال قائل منهم روحة فسألني فقلت له : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما انزل عليه جبرائيل (عليه‌السلام) بالتقصير قال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في كم ذاك ، فقال : في بريد ، قال : وأي شي‌ء البريد : قال ما بين ظل عير إلى في‌ء وعير ، قال : ثم عبرنا زمانا ثم رأى بنو أمية يعلمون أعلاما على الطريق ، وأنهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر (عليه‌السلام) فذرعوا ما بين ظل عير إلى في‌ء وعير ثم جزؤه على اثنى عشر ميلا» الحديث.

والتقريب فيه أنه دل على أن ما بين الجبلين بريد اثنا عشر ميلا ، واختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في صيد هذا الحرم ، وقطع شجرة فقيل : انه لا يجوز قطع شجرة ، ولا قتل صيد ما بين الحرمين ، ونسبه في المدارك إلى الأكثر قال : به قطع في المنتهى ، وأسنده إلى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه

وقيل بالكراهة ، وبه صرح المحقق في الشرائع ، وذكر في المسالك ان هذا القول هو المشهور بين الأصحاب قال : بعد أن ذكر أن في المسألة قولين : أحدهما التحريم ، وهو اختيار الشيخ والعلامة في المنتهى ، والثاني وهو المشهور بين الأصحاب ، بل كثير منهم لم يذكروا فيه خلافا الكراهة الى أن قال وبعض

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٤٣٢.

٤٠٩

الأصحاب قطع بتحريم قطع الشجر ، وجعل الخلاف في الصيد ، قال وظاهر الاخبار يدل عليه ، فإنه لم يرد خبر بجواز قطع الشجر وانما تعارضت الاخبار في الصيد ، الا أن الأصحاب نقلوا الكراهة في الجميع واختاروها انتهى.

أقول : وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من أخبار المسألة وأبين ما وضح لي منها بتوفيق الله سبحانه وهدايته.

فمنها ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة بن أعين (١) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المدينة ما بين لابتيها صيدها وحرم ما حولها بريدا في بريد ان يختلا خلاها أو يعضد شجرها إلا عودي الناضح». قال في الفقيه : وروى ان لابتيها ما أحاطت به الحرار ، وروى في خبر آخر أن ما بين لابتيها ما بين الصورين إلى الثنية ، والذي حرمه من شجر ما بين ظل عائر إلى في‌ء وعير ، وهو الذي حرم ، وليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك

أقول : وقد تقدم أن الخلا مقصورة : الرطب من النبات ، واحدته خلاه أو كل بقلة واختلاه جزه ، وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن الحسن الصيقل (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) ، قال : كنت جالسا عند زياد بن عبد الله وعنده ربيعة الرأي فقال له زياد : ما الذي حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، من المدينة؟ فقال له :

بريد في بريد ، فقال لربيعة : وكان على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أميال فسكت ولم يجبه فاقبل على زياد فقال : يا أبا عبد الله ما تقول أنت؟ فقلت : حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من المدينة من الصيد» ما بين لابتيها ، قال : وما بين لابتيها؟ قلت : ما أحاطت به «الحرار» (٣) قال : وما حرم من الشجر؟ قلت : ما بين عير الى وعير» ـ وزاد في الكافي ـ قال صفوان : قال ابن مسكان : قال الحسن فسأله إنسان وأنا جالس ، فقال له وما بين لابتيها؟

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٣٣٦.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٥٦٤ التهذيب ج ٦ ص ١٣.

(٣) وفي التهذيب «الحرتان».

٤١٠

قال : ما بين الصورتين إلى الثنية».

أقول : الذي في الكافي «حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من المدينة ما بين لابتيها» وليس فيه من الصيد ، وانما هو في رواية التهذيب خاصة ، وفي التهذيب ولم يحسن بدل ولم يجبه ثم ، أقول : والظاهر أن هذه الزيادة المنقولة في الكافي هي التي أشار إليها الصدوق فيما قدمنا نقله بقوله «وروى في خبر أخر أن ما بين لابتيها» الى آخره قيل : والصورين كأنه تثنية الصور ، وهو جماعة من النخل ، ولا واحد له من لفظه ، ويجمع على صيران وفي الخبر أنه خرج الى صور بالمدينة.

أقول : قال في القاموس : «والصور : النخل الصغار ، أو المجتمع ، الجمع صيران» وقال : في مجمع البحرين : والصور : الجماعة من النخل ، ولا واحد له من لفظه ، والجمع على صيران ، ومنه خرج الى صور بالمدينة ، وحديث بدر أن أبا سفيان بعث الى رجلين من أصحابه فاحرقا صور من صيران العريض

وروى في الفقيه عن ابى بصير (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «حد ما حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من المدينة من ذباب الى واقم والعريض والنقب من قبل مكة.

أقول «وذباب» بضم المعجمة جبل قرب المدينة على نحو من بريد منها ، وفي صحيحة زرارة (٢) كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا اتى ذبابا قصر وانما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ ، وراقم : اسم حصن هناك من حصون المدينة ، وهو الذي أضيفت إليه الحرة ، كما تقدم ، وفي الكافي «فأقم» مكان «وأقم» والظاهر أنه غلط وعريض كزبير واد بالمدينة ، به أموال لأهلها ، قال في القاموس : ومرجع هذين التحديدين الى التحديد الأول والنقب بالنون : الطريق في الجبل ، ومنه ألقاب المدينة إلى الطرق الداخلة إليها من بين الجبال ،

وروى في الكافي عن معاوية بن عمار (٣) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : قال رسول

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٣٣٧.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٢٨٧.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٥٦٤.

٤١١

الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : مكة حرم الله ، حرمها إبراهيم (صلوات الله عليه) وان المدينة حرمي ما بين لابتيها ، حرم لا يعضد شجرها ، وهو ما بين ظل عائر إلى ظل وعير ، وليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذلك وهو بريد».

وروى في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال يحرم من الصيد صيد المدينة ما بين الحرتين».

وروى في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال يحرم من صيد المدنية ما صيد بين الحرتين».

وروى المشايخ الثلاثة عن أبى العباس يعنى الفضل بن عبد الملك البقباق (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المدينة؟ قال : نعم حرم بريدا في بريد غضاها قال : قلت : صيدها؟ قال : لا ، يكذب الناس».

أقول : الغضا بالمعجمتين جمع غضاة وهو شجر معروف

وروى الصدوق في كتاب معاني الاخبار في الصحيح عن معاوية بن عمار (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ما بين لابتيى المدينة ظل عائر إلى ظل وعير حرم قلت : طائره كطائر مكة؟ قال : لا ، ولا يعضد شجرها ـ قال : وروى ـ أنه يحرم من صيد المدينة ما صيد بين الحرتين».

وروى الصفار في بصائر الدرجات بسنده عن الفضيل بن يسار (٥) قال : «سألته الى أن قال فقال : ان الله أدب نبيه فأحسن تأديبه فلما انتدب فوض اليه ، فحرم الله الخمر وحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كل مسكر ، فأجاز الله له ذلك ، وحرم الله مكة ، وحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المدينة فأجاز الله ذلك كله الحديث.

وعن عبد الله بن سنان (٦) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «ان الله

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٦ ص ١٣ الفقيه ج ٢ ص ٣٣٧.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٣٣٧ التهذيب ج ٦ ص ١٣ الكافي ج ٤ ص ٥٦٣.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٧ من أبواب المزار.

(٦) الوسائل الباب ١٧ من أبواب المزار.

٤١٢

أدب نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انتدب ففوض اليه ، وان الله حرم مكة ، وان رسول الله حرم المدينة فأجاز الله له ، وان الله حرم الخمر ، وان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حرم كل مسكر ، فأجاز الله له».

أقول : هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة وكلها متفقة الدلالة في تحريم قطع الشجر ، وانما اختلفت في الصيد كما تقدمت الإشارة إليه في كلام شيخنا الشهيد الثاني ، وأكثر الأخبار دال على التحريم خصوصا في بعض ، وعموما في آخر ، والذي يدل على عدم التحريم ، منها رواية معاوية بن عمار المنقولة من الكافي ، ونحوها رواية أبي العباس ، وكذا صحيحة معاوية بن عمار المنقولة من كتاب معاني الاخبار.

والشيخ رضوان الله عليه بعد نقله الروايتين الأوليين في التهذيب أجاب عنهما ، فقال : ما تضمن هذان الخبران من أن صيد المدينة لا يحرم ، المراد به ما بين البريد الى البريد ، وهو ظل عائر إلى ظل وعير ، ويحرم ما بين الحرتين ، وبهذا تميز صيد هذا الحرم من حرم مكة ، لأن صيد مكة محرم في جميع الحرم ، وليس كذلك في حرم المدينة ، لأن الذي يحرم منها هو الصيد المخصوص انتهى. ثم استدل على ذلك برواية عبد الله بن سنان المذكورة ، نقلا من التهذيب ، ورواية الحسن الصيقل المتقدمة أيضا.

أقول : وبذلك صرح من تأخر عنه كالعلامة في المنتهى وغيره ، ومنهم السيد السند في المدارك ، وزاد الطعن في الخبرين المذكورين بضعف السند ، واعترضه المحدث الكاشاني في الوافي ، فقال بعد نقل كلامه المذكور : ما لفظه أقول : ظاهر خبر ابن عمار ان التحديدين واحد ، ولا دلالة فيه على عدم تحريم الصيد ، ولا على تحريمه ، وانما يدل على عدم تحريم أكله ، وخبر البقباق أيضا يحتمل معنيين ، أحدهما أن لا يكون كلاما برأسه ، ويكون يكذب الناس كلاما آخر على حدة من الكذب ، والثاني أن يكون كلاما واحدا من التكذيب على سبيل التقية ، فإن العامة روت في التحريم رواية ، ثم الخبران الإتيان إنما يدلان على ما ذكره ، لو كانا كما رواهما ،

٤١٣

أما لو كانا كما رويا في الفقيه والكافي فلا دلالة لهما على ذلك ، كما ستقف عليه إنشاء الله. نعم ما يدل على ما ذكره روايته ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن ظاهر صحيحة زرارة وكذا ظاهر رواية الحسن الصيقل هو تغاير التحديدين ، وان الحد الذي يحرم فيه الصيد هو بين لابتيها ، والذي يحرم فيه الشجر هو ما بين الجبلين ، وهو مسافة البريد ، وحينئذ فلعل ما في رواية معاوية المذكورة وكذا صحيحة المنقولة في كتاب معاني الاخبار من الدلالة على اتحاد الحدين خرج مخرج التجوز ، حيث أنه القدر المتفق عليه ، والا مسافة ما اشتملت عليه الحرتان أقل من المسافة التي بين الجبلين كما لا يخفى.

وأما قوله «ولا دلالة فيه على عدم تحريم الصيد ولا على تحريمه» ففيه أن الظاهر من عدم التحريم أكله عدم تحريم صيده ، كما ان الظاهر من تحريم الصيد هو تحريم الأكل إذا كان مما يؤكل ، كما لا يخفى على من لاحظ الأخبار المتقدمة في الصيد في باب محرمات الإحرام ، واتفاق كلمة الأصحاب على ذلك ، وهذا المعنى ظاهر من صحيحة معاوية المروية في كتاب المعاني ، فإن قوله «قلت طائره كطائر مكة» يعني في تحريم صيده ، وما يترتب عليه من تحريم أكله ، «قال : لا».

وبالجملة فالروايتان ظاهرتان في عدم تحريم الصيد ، وحمل الشيخ في هذا المقام جيد كما عرفت ، وأما خبر البقباق فالظاهر ان إجمال متنه يمنع من الاعتماد عليه استدلالا ، أو إيرادا أو نقضا ، فطرحه من البين قريب ، وأما قوله ثم الخبران الإتيان الى آخره إشارة إلى صحيحة عبد الله بن سنان ، ورواية الحسن الصيقل ، ففيه أن ما ذكره بالنسبة إلى رواية الفضيل الصيقل مسلم ، لما عرفت من الاختلاف في الروايتين ، لكن الطعن به انما يتم لو لم يعتمد على روايات التهذيب ، وليس كذلك ، وحينئذ فالاعتراض به لا محصل له ، وأما بالنسبة إلى صحيحة عبد الله بن سنان فإنه لا يخفى أن ما رواه في الفقيه لا ينافي رواية التهذيب كما توهمه ، بل مرجع الروايتين الى معنى واحد كما لا يخفى.

٤١٤

وبالجملة فما ذهب اليه الشيخ من التحريم في كل من الصيد والشجر هو الظاهر من الاخبار ، والله العالم.

الفصل السادس عشر :

قد اتفقت الاخبار وكلمة الأصحاب على انه يستحب لزائر المدينة بعد الدخول إكثار الصلاة في مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا سيما في الروضة ، وهي ما بين القبر والمنبر الى طرف الظلال ، وأن يأتي المنبر ويمسح مما يليه وأن يأتي المساجد الشريفة بالمدينة ، كمسجد قبا ، ومسجد الفتح ، ومسجد الأحزاب ومسجد الفضيح ، وهو الذي ردت فيه الشمس لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) ومشربة أم إبراهيم (عليه‌السلام) وقبور الشهداء بأحد ولا سيما قبر حمزة (رضى الله عنه).

روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأت المنبر وامسحه بيدك وخذ برمانتيه ، وهما السفلاوان ، وامسح عينيك ووجهك به ، فإنه يقال : انه شفاء العين ، وقم عنده فاحمد الله وأثن عليه ، واسأل حاجتك ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة ـ والترعة هي الباب الصغير ـ ثم تأتى مقام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فتصلي فيه ما بدا لك ، فإذا دخلت المسجد فصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وإذا خرجت فاصنع مثل ذلك ، وأكثر من الصلاة في مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ورواه في الفقيه مقطوعا مرسلا بدون قوله وأكثر الى آخره ، وقال ما بين منبري وقبري روضة وزاد بعد ترع الجنة وقوائم منبري ربت في الجنة».

قال في الوافي : الترعة بضم المثناة الفوقانية ثم المهملتين في الأصل : هي الروضة على المكان المرتفع خاصة ، فإذا كان في المطمئنين فهي روضة ، قال القتيبي في معنى الحديث ان الصلاة والذكر في هذا الموضع يؤديان إلى الجنة ، فكأنه قطعة منها ، وقيل الترعة الدرجة ، وقيل الباب كما في هذا الحديث وكان الوجه

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٥٣ الفقيه ج ٢ ص ٣٤٠.

٤١٥

فيه ان بالعبادة هناك يتيسر دخول الجنة ، كما ان بالباب يتمكن من الدخول ، ولا تنافي بين ما في الكافي والفقيه لانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) دفن في بيته ، وربت أى نمت وارتفعت انتهى.

أقول : قال بعض شراح الحديث : وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، لأن فاطمة عليها‌السلام بين قبره ومنبره صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبرها عليها‌السلام روضة من رياض الجنة ، ويحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة في المنبر والروضة بأن يكون حقيقتها كذلك ، وان لم يظهر في الصورة بذلك في الدنيا ، لأن الحقائق تظهر بالصور المختلفة انتهى.

وعن أبى بكر الحضرمي (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله):

ما بين بيتي وقبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة ، وقوائم منبري ربت في الجنة ، قال : قلت هي روضة اليوم ، قال : نعم لو كشف الغطاء لرأيتم.

أقول : وفي هذا الخبر ما يدل على ما ذكره ذلك البعض المتقدم ، وعن مرازم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عما يقول الناس في الروضة؟ «قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : في ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة ، فقلت له : جعلت فداك فما حد الروضة؟ فقال : بعد أربع أساطين من المنبر الى الظلال : فقلت : جعلت فداك من الصحن فيها شي‌ء؟ قال : لا».

وعن عبد الله بن مسكان (٣) في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «حد الروضة في مسجد الرسول الى طرف الظلال ، وحد المسجد إلى الأسطوانتين عن يمين المنبر الى الطريق مما يلي سوق الليل». وعن عبد الأعلى مولى آل سام (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : كم كان مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال : كان

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٤ ص ٥٥٤.

(٣ و ٤) الكافي ج ٤ ص ٥٥٥.

٤١٦

ثلاثة آلاف وستمائة ذراع مكسرا».

قال في المغرب : الذراع المكسر ست قبضات ، وهو ذراع العامة وانما وصفت بذلك؟ لأنها نقصت عن ذراع الملك بقبضة ، وهو بعض الأكاسرة ، وكانت ذراعه سبع قبضات انتهى.

وعن محمد بن مسلم (١) في الصحيح قال : «سألته عن حد مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ فقال : الأسطوانة التي عند رأس القبر إلى الأسطوانتين من وراء المنبر عن يمين القبلة ، وكان من وراء المنبر طريق تمر فيه الشاة ويمر الرجل منحرفا وكان ساحة المسجد من البلاط الى الصحن».

قال في الوافي : البلاط بالفتح موضع بالمدينة بين المسجد والسوق ، مبلط اى مفروش بالحجارة التي تسمى بالبلاط ، سمى المكان به اتساعا ، وعن معاوية بن وهب (٢) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : هل قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة؟ فقال : نعم ، وقال : بيت على وفاطمة (عليهما‌السلام) ما بين البيت الذي فيه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى الباب الذي يحاذي الزقاق الى البقيع ، قال : فلو دخلت من ذلك الباب والحائط مكانه أصاب منكبك الأيسر ، ثم سمى سائر البيوت ، وقال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره الا المسجد الحرام فهو أفضل».

وعن جميل بن دراج (٣) «قال سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما بين منبري وبيوتي روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة ، وصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام ، قال جميل : قلت له : بيوت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وبيت على (عليه‌السلام) منها؟ قال : نعم وأفضل».

وبهذا المضمون بالنسبة إلى فضل الصلاة في مسجده (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أخبار عديدة

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٤ ص ٥٥٤ و ٥٥٥.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٥٥٦.

٤١٧

فيها الصحيح وغيره ، وعن أبى الصامت (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : صلاة في مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تعدل عشرة آلاف صلاة».

وعن هارون بن خارجة (٢) قال : الصلاة في مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تعدل عشرة آلاف صلاة».

وعن يونس بن يعقوب (٣) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الصلاة في بيت فاطمة (عليها‌السلام) مثل الصلاة في الروضة؟ قال : وأفضل».

وعن معاوية بن عمار (٤) في الصحيح قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): لا تدع إتيان المشاهد كلها مسجد قباء فإنه المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، ومشربة أم إبراهيم (عليه‌السلام) ومسجد الفضيخ وقبور الشهداء ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح ، قال : وبلغنا أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا أتى قبور الشهداء قال : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، وليكن فيما تقول عند مسجد الفتح يا صريخ المكروبين ، يا مجيب دعوة المضطرين ، اكشف همي وغمي وكربى كما كشفت عن نبيك غمه وهمه وكربه ، وكفيته هول عدوه في هذا المكان».

وهمه وكربه ، وكفيته هول عدوه في هذا المكان» ورواه في الفقيه مرسلا مقطوعا على اختلاف في ألفاظه.

قال في الوافي : المشربة بفتح الراء وضمها الغرفة والصفة ، يقال : هو في مشربته : أي في غرفته ، وعدها ـ في كتاب مغانم ـ المطابة : في معالم طابة ـ : للفيروزآبادى صاحب القاموس ـ في المساجد ، قال : ومنها مسجد أم إبراهيم (عليه‌السلام) الذي يقال له مشربة أم إبراهيم (عليه‌السلام) ، وهو مسجد بقبا شمالي مسجد بني قريظة ، قريب من الحقة الشرقية في موضع يعرف بالدشت ، قال : وليس عليه بناء ولا جدار ، وانما هو عريصة صغيرة بين نخيل طولها نحو عشرة أذرع ، وعرضها أقل منه ، بنحو

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٤ ص ٥٥٦.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٥٥٦ وفيه عن جميل بن دراج.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٥٦٠ الفقيه ج ٢ ص ٣٤٣.

٤١٨

ذراع وقد حوط عليها برصم لطيف من الحجارة السود.

قال : ومنها مسجد الفضيخ بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة بعدها مثناة تحتية وخاء معجمة.

قال : وهذا المسجد يعرف بمسجد الشمس اليوم ، وهو شرقي مسجد قبا على شفير الوادي مرصوم بحجارة سود ، وهو مسجد صغير.

أقول : ويأتي وجه تسميته بمسجد الشمس عن قريب ، قال : ومنها مسجد الفتح ، وهو مسجد على قطعة من جبل سلع من جهة الغرب ، وغربية وادي بطحان انتهى.

وعن عقبة بن خالد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) انا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها أبدأ؟ قال : ابدء بقباء فصل فيه وأكثر ، فإنه أول مسجد صلى فيه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في هذه العرصة ثم ائت مشربة أم إبراهيم (عليه‌السلام) فصل فيها وهي مسكن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومصلاه ، ثم تأتى مسجد الفضيخ فتصلي فيه فقد صلى فيه نبيك فإذا قضيت هذا الجانب أتيت جانب أحد فبدأت بالمسجد الذي دون الحرة فصليت فيه ، ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب فسلمت عليه ، ثم مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم فقلت : السلام عليكم يا أهل الديار أنتم لنا فرط وانا بكم لاحقون ، ثم تأتى المسجد الذي في المكان الواسع الى جنب الجبل عن يمينك حين تدخل أحدا فتصلي فيه ، فعنده خرج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى أحد حين لقي المشركين فلم يبرحوا حتى حضرت الصلاة فصلى فيه ، ثم مر أيضا حتى ترجع فتصلي عند قبور الشهداء ما كتب الله لك ، ثم امض على وجهك حتى تأتى مسجد الأحزاب فتصلي فيه ، وتدعوا الله فيه ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دعى فيه يوم الأحزاب ، فقال : يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين ويا مغيث الملهوفين اكشف همي وكربى وغمي ترى حالي وحال أصحابي».

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٦٠.

٤١٩

وروى في الفقيه مرسلا (١) قال قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من أتى مسجدي ومسجد قبا فصلى فيه ركعتين رجع بعمرة. وكان (عليه‌السلام) يأتيه فيصلي فيه بأذان واقامة.

وروى في الكافي في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) هل أتيتم مسجد قباء أو مسجد الفضيخ أو مشربة أم إبراهيم؟ قلت : نعم ، قال : أما انه لم يبق آثار رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شي‌ء الا وقد غير غير هذا».

وعن ليث المرادي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن مسجد الفضيخ لم سمى مسجد الفضيخ؟ قال : لنخل يسمى الفضيخ فلذلك سمى مسجد الفضيخ». وعن عمار بن موسى (٤) قال دخلت أنا وأبو عبد الله (عليه‌السلام) مسجد الفضيخ فقال : يا عمار ترى هذه الوهدة؟ قلت : نعم ، قال : كانت امرأة جعفر التي خلف عليها أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قاعدة في هذا الموضع ، ومعها ابناها من جعفر ، فقال لها ابناها : ما يبكيك يا أمه؟ قالت : بكيت لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقالا لها : تبكين لأمير المؤمنين ولا تبكين لأبينا! قالت : ليس هذا هكذا ولكن ذكرت حديثا حدثني به أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في هذا الموضع ، فأبكانى ، قالا : وما هو؟ قالت : كنت أنا وأمير المؤمنين (عليه‌السلام) في هذا المسجد ، فقال لي : ترين هذه الوهدة؟ قلت : نعم قال كنت : أنا ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قاعدين فيها ، إذ وضع رأسه في حجري ثم خفق حتى غطّ وحضرت صلاة العصر فكرهت أن أحرك رأسه عن فخذي ، فأكون قد آذيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، حتى ذهب الوقت وفاتت ، فانتبه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فقال يا على صليت؟ قلت : لا ، قال : ولم ذلك؟ قلت : كرهت أن أوذيك قال : فقام واستقبل القبلة ومد يديه كلتيهما ، وقال : اللهم رد الشمس الى وقتها حتى يصلى على ، فرجعت الشمس الى وقت الصلاة حتى صليت

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ١٤٨.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٥٦١.

(٣ و ٤) الكافي ج ٤ ص ٥٦١.

٤٢٠