الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

ورواه الحميري في قرب الاسناد بسنده عن على بن جعفر مثله ، الا انه قال : ثمن جاريته ، وزاد «وسألته عن رجل يقول : هو يهدى كذا وكذا ما عليه؟ فقال : إذا لم يكن نذر فليس عليه شي‌ء».

وروى ثقة الإسلام في الصحيح عن حريز عن ياسين (١) قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ان قوما أقبلوا من مصر فمات رجل فأوصى بألف درهم للكعبة فلما قدم الوصي مكة سأل فدلوه على بني شيبة فأتاهم فأخبرهم الخبر فقالوا : قد برئت ذمتك ادفعها إلينا ، فقام الرجل فسأل الناس فدلوه على أبى جعفر محمد بن على (عليه‌السلام) قال أبو جعفر (عليه‌السلام) : فأتاني فسألني فقلت له : ان الكعبة غنية عن هذا انظر الى من أم هذا البيت فقطع به ، أو ذهبت نفقته أو ضلت راحلته أو عجز أن يرجع الى أهله فادفعها إلى هؤلاء الذين سميت لك ، فأتى الرجل بني شيبة فأخبرهم بقول ابى جعفر (عليه‌السلام) فقالوا : هذا ضال مبتدع ليس يؤخذ عنه ، ولا علم له ، ونحن نسألك بحق هذا البيت وبحق كذا وكذا لما أبلغته عنا هذا الكلام قال فأتيت أبا جعفر (عليه‌السلام) فقلت له : لقيت بني شيبة فأخبرتهم فزعموا انك كذا وكذا وانك لا علم لك ثم سألوني بالعظيم الا بلغتك ما قالوا قال : وأنا أسألك بما سألوك لما أتيتهم فقلت لهم ان من علمي أن لو وليت شيئا من أمر المسلمين لقطعت أيديهم ثم علقتها في أستار الكعبة ثم أقمتهم على المصطبة (٢) ثم أمرت مناديا ينادي ألا ان هؤلاء سراق الله فاعرفوهم. ورواه الصدوق في كتاب العلل مثله.

وعن على بن جعفر (٣) عن أخيه أبي الحسن (عليه‌السلام) قال : سألته عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة ، كيف يصنع؟ قال : ان ابى أتاه رجل قد جعل جاريته هديا للكعبة فقال له : قوم الجارية أو بعها ثم مر مناديا يقوم على الحجر

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٤١.

(٢) المصطبة بكسر الميم وشد الباء ـ : كالدكان للجلوس عليه ذكره الفيروزآبادي ـ مرآت.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٢٤٢ ـ التهذيب ج ٥ ص ٤٤٠.

٣٦١

فينادي الا من قصرت نفقته أو قطع به طريقه أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان وأمره أن يعطي أولا فأولا حتى ينفد ثمن الجارية».

ورواه الشيخ بإسناده عن على بن جعفر مثله الا انه قال : جعل ثمن جاريته وترك قوله «قوم الجارية» وقال : في آخره حتى يتصدق بثمن الجارية ، ورواه الصدوق في العلل مثله.

وروى في الفقيه عن محمد بن عبد الله بن مهران عن على بن جعفر (١) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : سألته عن الرجل يقول : هو يهدى الى الكعبة كذا وكذا ما عليه إذا كان لا يقدر على ما يهديه؟ قال : ان كان جعله نذرا ولا يملك فلا شي‌ء عليه ، وان كان مما يملك غلاما أو جارية أو شبههما باع واشترى بثمنه طيبا فيطيب به الكعبة ، وان كانت دابة فليس عليه شي‌ء».

وعن أبى الحر (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال جاء رجل الى ابى جعفر (عليه‌السلام) فقال له : انى أهديت جاريته إلى الكعبة فأعطيت بها خمس مأة دينار فما ترى؟ فقال : بعها ثم خذ ثمنها ثم قم على حائط الحجر ثم ناد ، وأعط كل منقطع به وكل محتاج من الحاج.

ورواه في موضع آخر وقال : عن أبى الحسن عوض قوله عن أبى الحر ورواه الصدوق في العلل عن ابى الحر عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) مثله ، ورواه الشيخ عن ابى الحسن (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام مثله ، والظاهر كما استظهره في الوافي أن لفظة أبى الحر وقع تصحيف أبى الحسن.

وعن سعيد بن عمر الجعفي (٤) عن رجل من أهل مصر قال : اوصى الى أخي بجارية كانت له مغنية فارهة ، وجعلها هديا لبيت الله الحرام فقدمت مكة فسألت

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٣٥.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٢٤٢.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٤٨٦.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٢٤٢.

٣٦٢

قيل : ادفعها إلى بني شيبة ، وقيل : الى غير ذلك من القول ، فاختلف على فيه ، فقال لي رجل من أهل المسجد : إلا أرشدك الى من يرشدك في هذا إلى الحق؟ قلت : بلى قال : فأشار الى شيخ جالس في المسجد ، فقال : هذا جعفر بن محمد عليهما‌السلام فاسأله قال : فأتيته (عليه‌السلام) وقصصت عليه القصة فقال : ان الكعبة لا تأكل ولا تشرب وما اهدى لها فهو لزوارها ، بع الجارية ، وقم على الحجر فناد هل من منقطع به ، وهل من محتاج من زوارها فإذا أتوك فسل عنهم ، وأعطهم واقسم فيهم ثمنها ، قال : فقلت له : ان بعض من سألته أمرني بدفعها إلى بني شيبة ، فقال : اما ان قائمنا (عليه‌السلام) لو قد قام لقد أخذهم فقطع أيديهم فطاف بهم ، وقال : هؤلاء سراق الله.

ورواه الشيخ أيضا والصدوق في العلل مثله ،

وعن أبى عبد الله البرقي عن بعض أصحابنا (١) قال : دفعت الى امرأة غزلا فقالت : ادفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة فكرهت أن ادفعه الى الحجبة ، وأنا أعرفهم فلما صرت بالمدينة دخلت على أبى جعفر (عليه‌السلام) فقلت له : جعلت فداك ان امرأة أعطتني غزلا وأمرتني أن ادفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة فكرهت أن ادفعه الى الحجبة ، فقال : اشتر به عسلا وزعفرانا وخذ طين قبر أبى عبد الله (عليه‌السلام) واعجنه بما السماء واجعل فيه شيئا من العسل والزعفران ، وفرقه على الشيعة ليداووا به مرضاهم».

قال في الفقيه (٢) وروى عن الأئمة (عليهم‌السلام) أن الكعبة لا تأكل ولا تشرب ، وما جعل هديا لها فهو لزوارها ، قال : وروى (٣) «انه ينادى على الحجر ألا من انقطعت به النفقة فليحضر فيدفع اليه ،».

وروى في العلل والعيون عن عبد السلام بن صالح الهروي (٤) وعن الرضا

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٤٣.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٢٦.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ١٢٦.

(٤) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب مقدمات الطواف.

٣٦٣

(عليه‌السلام) في حديث قال : «قلت له : بأي شي‌ء يبدأ القائم منكم إذا قام ، قال : يبدأ يبني شيبة فيقطع أيديهم لأنهم سراق بيت الله».

وروى النعماني في كتاب الغيبة بسنده عن بندار الصيرفي (١) عن رجل من أهل الجزيرة عن أبى جعفر ، (عليه‌السلام) قال : قلت له : معي جارية جعلتها على نذر بيت الله في يمين كانت على وقد ذكرت ذلك للحجبة فقالوا جئنا بها ، فقد وفى الله بنذرك فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : يا عبد الله ان البيت لا يأكل ولا يشرب ، فبع جاريتك واستقص وانظر أهل بلادك ممن حج هذا البيت ، فمن عجز منهم عن نفقته فأعطه حتى يفيئوا إلى بلادهم» الحديث.

وروى محمد بن الحسين الرضي (رضى الله عنه) في كتاب نهج البلاغة (٢) قال روى أنه ذكر عند عمر في أيامه حلي الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحلي ، فهم عمر بذلك ، فسأل عنه أمير المؤمنين فقال : ان القرآن نزل على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأموال أربعة أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، والفي‌ء فقسمه على مستحقيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها ، وكان حلي الكعبة فيها يومئذ ، فتركه الله على حاله ، ولم يتركه نسيانا ، ولم يخف عليه مكانا فأقره حيث أقر الله ورسوله ، فقال عمر : لولاك لافتضحنا ، وترك الحلي بحاله.

وروى في العلل في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن السكوني (٣) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على (عليهما‌السلام) قال : «لو كان لي واديان يسيلان ذهبا وفضة ما أهديت الى الكعبة شيئا ، لأنه يصير إلى الحجبة دون المساكين».

وتحقيق القول والبيان فيما اشتملت عليه هذه الاخبار الحسان يقع أيضا في مواضع : أحدها ـ لا يخفى أن المعروف في كلام الأصحاب هو أنه لو نذر أن يهدى الى بيت الله سبحانه غير النعم وغير عبده وجاريته ودابته ، بأن نذر أن يهدى ثوبا أو

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب مقدمات الطواف.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ من أبواب مقدمات الطواف.

٣٦٤

طعاما أو دراهم أو دنانير أو نحو ذلك فقيل : أنه يبطل النذر ، ونسب الى ابن الجنيد وابن أبى عقيل وابن البراج معللين ذلك بأنه لم يتعبد بالإهداء إلا في النعم ، فيكون نذر غير ما يتعبد به ، وهو باطل ، ويدل عليه رواية أبي بصير عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) وفيها «فان قال الرجل : أنا أهدى هذا الطعام فليس بشي‌ء إنما تهدى البدن»

وقيل : يباع ذلك ويصرف في مصالح البيت ، قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل المصنف هذا القول : وأما القول ببيعه وصرفه في مصالح البيت فنقله المصنف عن بعضهم ، ولم يعلم قائله.

نعم صرف ما يهدى الى المشهد وينذر له الى مصالحه ومعونة الزائرين حسن ، وعليه عمل الأصحاب ، ويبدء بمصالح المشهد أولا وعمارته ثم يصرف الفاضل الى زواره لينفقوه في سفر الزيارة لا غير مع حاجتهم اليه انتهى.

وظاهر كلام شيخنا المشار اليه هو الفرق بين ما يهدى الى البيت الحرام ، والى المشاهد المشرفة ، وأن ما يهدى الى المشاهد ينبغي صرفه في مصالحها ومعاونة زوارها ، وأما ما يهدى الى الكعبة فسيأتي مذهبه فيه ، وحينئذ فمحل الخلاف في المسألة انما هو ما عدا الانعام ، للإجماع نصا وفتوى اهداؤها ، وما عدا الثلاثة المذكورة فإن الحكم فيها انها تباع ويصرف ثمنها في مصالح البيت أو المشهد ، ومعونة الحجاج والزائرين.

وتنظر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، وقبله الشهيد في نكت الإرشاد في تخصيص محل النزاع بما ذكر أولا ، بل ظاهره دخول الثلاثة المذكورة أيضا في ذلك وهو جيد ، فان مقتضى دليل المانعين ذلك لتخصيصهم الهدى بالنعم كما عرفت ، وما عداها فلا يصلح لذلك فلا يكون نذره منعقدا وحينئذ فتدخل الثلاثة المذكورة في محل النزاع.

وكيف كان فهذا القول منقول عنه مردود بما تلوناه من الاخبار الدالة على إهداء الجارية والغزل ، وأما رواية أبي بصير المذكورة فإنها لا تبلغ قوة في معارضة ما قدمناه من الاخبار ، مع أن ظاهرها تخصيص الهدى بالبدن ، والإجماع نصا وفتوى

٣٦٥

على خلافه ، وثانيها المفهوم من كلام الشيخ في المبسوط أن مصرف ما يهدى الى بيت الله الحرام مساكين الحرم.

قال : إذا نذر أن يهدى انعقد نذره ويهدى الى الحرم ، ويفرقه في مساكين الحرم ، لأنه الذي يحمل الإطلاق عليه ، والهدى المشروع ما كان الى الحرم ، قال الله تعالى (١) «ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وقال الله تعالى (٢) «هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» فإذا ثبت انعقاد نذره ، فاما أن يعين أو يطلق ، فان عين فان كان بما ينقل ويحول كالنعم والدراهم والدنانير والثياب وغيرها انعقد نذره ، ولزمه نقله الى الحرم وتفرقة في مساكين الحرم ، الا أن يعين الجهة التي نذر لها كالثياب لستارة الكعبة وطيبها ونحوهما ، فيكون على ما نذر ، وان كان مما لا ينقل ولا يحول ، مثل أن يقول : «لله على أن أهدى الهدي» لزمه ما يجزى أضحيته من الثني من الإبل والبقر والمعز والجذع من الضأن ، لأنه المعهود وان قال : لله على أن أهدى أو قال : «أهدى هديا» قال قوم : يلزمه ما يجزى أضحيته ، وقال آخرون : يلزمه ما يقع عليه الاسم من تمرة أو بيضة فما فوقها ، لان اسم الهدى يقع عليه لغة وشرعا ، يقال : أهدي بيضة وتمرة ، وقال تعالى (٣) «يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» وقد يحكمان بقيمة عصفور أو جرادة وسمى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) البيضة هديا ، فقال في التكبير إلى الجمعة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة ، والأول أحوط ، والثاني أقوى ، لأن الأصل براءة الذمة انتهى

قال في المسالك وذهب الشيخ في المبسوط الى صرف الهدى الى بيت الله الى مساكين الحرم ، كالهدي من النعم إذا لم بعين له في نذره مصرفا غيرهم ، ورجحه العلامة في المختلف والتحرير ، وولده والشهيد وهو الأصح ، ويدل عليه صحيحة على بن جعفر «قال : سألته عن رجل» ثم ساق رواية على بن جعفر الثانية ، ثم قال :

__________________

(١) سورة الحج الآية ـ ٣٣.

(٢) المائدة ـ ٩٥.

(٣) المائدة ـ ٩٥.

٣٦٦

ولا خصوصية للجارية فيكون غيرها كذلك لعدم الفارق ، بل الإجماع على عدمه انتهى.

أقول : وقد تحصل أن في المسألة أقوالا ثلاثة أحدها البطلان كما تقدم ، وثانيها الصحة وبيعه وصرف ثمنه في مصالح البيت كما هو القول المجهول القائل بينهم ، وثالثها الصحة وصرف ذلك إلى مساكين الحرم.

ثم أقول : لا يخفى ان ما اختاره هؤلاء الفضلاء الأجلاء (نور الله تعالى مراقدهم) من صرف ذلك الى مساكين الحرم تبعا للشيخ لا أعرف له دليلا واضحا ، بل الأخبار التي قدمناها واضحة في رده وبطلانه ، واستدلال شيخنا في مسالكه برواية على بن جعفر المشار إليها مردود بأنها وأن أوهمت ذلك في بادى النظر ، الا انها عند التأمل فيها وملاحظة ما عداها من أخبار المسألة ، فإن المراد بأولئك الذين يناديهم انما هم الحجاج المنقطعون من أهل الافاق لا مساكين الحرم ، ومنها قوله في رواية ياسين «انظر الى من أم هذا البيت» الحديث ، وقوله في رواية أبي الحر أو أبي الحسن «أعط كل محتاج من الحاج» وقوله في رواية المصري» «وما أهدى لها فهو لزوارها» ، وقوله «فناد هل من منقطع ومن محتاج من زوارها» ونحو ذلك رواية النعماني.

ولا ريب أن إطلاق ما عدا هذه الاخبار محمول على هذه الاخبار ، وقرائن عباراتها ظاهرة في ذلك.

وبالجملة فإن ما ذكروه (نور الله تعالى مراقدهم) انما نشأ من عدم الوقوف على هذه الاخبار.

وثالثها الظاهر أن ما اشتمل عليه أكثر هذه الاخبار من ذكر الجارية لا يوجب تخصيص الحكم بها ، بل ذلك يجري في كل ما أهدي للكعبة من الحيوانات الأناسي وغيرها وغير الحيوانات ، وخصوص السؤال عن الجارية لا يوجب تخصيص الحكم كما تقرر في محله ، ولانه متى كان النذر منعقدا صحيحا تعين المصرف فيما ذكر ، لعدم الخصوصية كما عليه ظاهر اتفاق كلمة القائلين بانعقاد النذر المذكور ، وقال السيد السند صاحب المدارك في شرح النافع بعد نقل بعض أخبار الجارية : «وألحق به

٣٦٧

المصنف إهداء الدابة أيضا ، لاشتراك الجميع في المعنى ، وهو حسن ، بل لا يبعد مساواة غيرهما لهما في هذا الحكم من إهداء الدراهم والدنانير والأقمشة وغير ذلك ، ويشهد له أيضا ما رواه الكليني ، ثم أورد رواية ياسين المتقدمة» ونحوه كلام جده المتقدم ، وقوله ولا خصوصية للجارية الى آخره.

واما ما ذكره الأصحاب من وجوب البدنة بمصالح البيت والمشهد ، فإليه يشير قوله (عليه‌السلام) في رواية ياسين «ان الكعبة غنية عن هذا» وقوله في الروايات الآخران «الكعبة لا تأكل ولا تشرب» فإنه كناية عن عدم الحاجة لي ذلك

وأما ما دلت عليه رواية على بن جعفر الثالثة من الفرق بين العبد والجارية وبين الدابة أنه إذا نذر الدابة فليس عليه شي‌ء فلا قائل به من الأصحاب ، بل ظاهرهم الاتفاق على خلافه ، وبذلك طعن به عليها في المسالك ، مضافا الى ضعف الراوي لها عن على بن جعفر ، وهو محمد بن عبد الله بن مهران ، فإنه ضعيف جدا ، وزاد في الطعن عليها بتخصيص الحكم فيها بهذه الأشياء المذكورة ، وهو كذلك.

وما ذكروه في الوافي في بيان وجه الفرق حيث قال : «انما صح إهداء الغلام والجارية وشبههما إلى الكعبة دون الدابة لأن الغلام يصلح لخدمتها وكذا الجارية وكل ما يصلح أن يصرف إليها وهو المراد بشبهه ، بخلاف الدابة ، وانما يباع ما يصلح لها لأن الحجبة يحولون بينه وبين الانتفاع به هناك»

فيه أولا أنه لو تم هذا التعليل لاقتضى عدم جواز إهداء الدراهم والدنانير لها مع أن في الروايات المتقدمة ما دل على إهداء ثمن الجارية ، والوصية بألف درهم للكعبة ونحو ذلك

وثانيا تعليلاتهم (عليهم‌السلام) «بأن الكعبة غنية عن ذلك ، وما يهدى لها فهو لزوارها» فإذا كان مصرف ذلك شرعا انما هو زوارها فلا فرق بين إهداء ما يمكن صرفه بنفسه أو يتوقف على بيعه وصرف ثمنه كائنا ما كان

وثالثا قوله (عليه‌السلام) في رواية السكوني الأخيرة «لأنه يصير إلى الحجبة دون المساكين» فإنه ظاهر في عدم إهدائه للكعبة انما هو من حيث أن مصرف ما يهدى

٣٦٨

إليها للمساكين ، والحجبة يحولون بينها وبين مصرفه ، لا أن مصرفه الخدمة كما ذكره ، وأمر ببيعه لأن الحجبة يحولون بينه وبين الخدمة وبالجملة فالظاهر هو ما عليه الأصحاب من العموم

ورابعها ـ الظاهر أن ما اشتملت عليه هذه الاخبار من ذكر هذا الحكم بالنسبة إلى الكعبة جار أيضا بالنسبة إلى المشاهد الشريفة ، فلو أهدى شيئا لها أو نذر لها كان الحكم فيه ما تقدم ، وبذلك صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما تقدم من كلام شيخنا الشهيد الثاني.

بل ظاهر ابن إدريس في السرائر ، ورود الرواية بذلك في المشاهد أيضا ، حيث قال : وروى «أنه من جعل جاريته أو عبده أو دابته هديا لبيت الله الحرام أو لمشهد من مشاهد الأئمة (عليهم‌السلام) فليبع العبد أو الجارية أو الدابة ، ويصرف ثمنه في مصالح البيت ، أو المشهد ، أو معونة الحاج ، أو الزائرين الذين خرجوا في السفر ويتناولهم اسم الحاج والزائرين ، ولا يجوز لأحد أن يعطى شيئا من ذلك قبل خروجهم الى السفر انتهى.

أقول : ان كان قد وردت الرواية بما ذكره كما هو ظاهر كلامه ، والا فمقتضى الأخبار المتقدمة أن مصرف الوجه المذكورة انما هو الحاج أو الزائرين المتوقف رجوعهم إلى أوطانهم على ذلك ، لا مطلق من أراد السفر وابتدأ به ، وان كان ما ذكره لا يخلو من قرب ، حملا للأخبار المذكورة على اتفاق وقوع ذلك في مكة أيام الموسم ، وليس يومئذ إلا الرجوع.

وبالجملة فالأظهر الأحوط انما هو ما ذكرناه وممن صرح أيضا بالعموم كما ذكرناه السيد السند في شرح النافع حيث قال «ولو نذر شيئا لأحد المشاهد المشرفة صرف فيه على حسب ما قصده الناذر ، ومع الإطلاق يصرف في مصالح المشهد ، ولو استغنى المشهد عنه في الحال فالظاهر جواز صرفه في معونة الزوار ، ولان ذلك أولى من إبقاءه على حاله معرضا للتلف ، فيكون صرفه على هذا الوجه إحسانا محضا ، وما على المحسنين من سبيل انتهى.

٣٦٩

ويقرب بالبال العليل والفكر الكليل التفصيل في ما يهدى أو ينذر لهم (عليهم‌السلام) بأنه ان كان متعلق النذر أو الهدية هو المشهد الشريف ، فالحكم فيه ما ذكر ، وان كان متعلقة هو الامام (عليه‌السلام) المدفون في ذلك المشهد ، مثل أن ينذر للحسين (عليه‌السلام) أو يهدي له فينبغي صرف ذلك الى أولادهم المحتاجين أولا ، ثم شيعتهم المضطرين ثانيا ، لان ذلك يصير من قبيل أموالهم التي قد علم أن حكمها في حال الغيبة الحل لشيعتهم ، الا ان الأحوط تقديم أولادهم الواجبي النفقة عليهم لو كانوا أحياء ، وقد ورد في الوقف عليهم حال حياتهم (عليه‌السلام) والإهداء لهم ، والوصية لهم (عليه‌السلام) والنذر لهم ، وقبولهم ذلك روايات عديدة ، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين حال حياتهم وموتهم في صحة كل من الأمرين.

وخامسها ـ أكثر الأخبار المتقدمة قد اشتملت على أن مصرف ما يهدى للكعبة أو ينذر للمنقطعون من الحجاج ، وفي رواية على بن جعفر الثالثة «أن مصرفه أن يشترى به طيبا فيطيب به الكعبة» وفي رواية البرقي في قيمة الغزل «ان يشترى به عسلا وزعفرانا ويضيفه طين قبر الحسين (عليه‌السلام) وماء السماء ويدفعه إلى الشيعة يتداوون به» ووجه المنافاة ظاهرة ، سيما قوله (عليه‌السلام) ما أهدي للكعبة فهو لزوارها» الدال بظاهره على اختصاص المصرف بالزوار وفي المسالك جعل رواية على بن جعفر المذكورة مؤيدة للصرف في مصالح البيت ، بجعل الطيب من المصالح ، وفيه توقف ، ولا يبعد حمل الخبرين المذكورين على اتفاق ذلك في غير أيام الحج ، لعدم تيسر المصرف المذكور في تلك الاخبار سيما رواية الغزل فإنها صريحة في أن السؤال عن ذلك انما هو بالمدينة بعد منصرفه من الحج ، ويحتمل فيه أيضا أنه لقلة ثمن الغزل لا يبلغ لذلك المصرف المذكور ، وبالجملة فالعمل على الاخبار الكثيرة المذكورة.

سادسها ـ ظاهر هذه الاخبار متفق الدلالة على تصديق مدعى الفقر والحاجة ، وعدم التوقف على يمين أو بينة كما هو المشهور في كلام الأصحاب ، خلافا لمن

٣٧٠

نازع في ذلك كصاحب المدارك ، ومثله الفاضل الخراساني في مسألة دفع الزكاة لمدعي الفقر ، فان هذه الاخبار كلها ظاهرة الدلالة بالأمر بأنه ينادي على الحجر لكل محتاج منقطع به ، وانه يعطى أولا فأولا حتى ينفد المال

وأما قوله (عليه‌السلام) في رواية الرجل المصري «فإذا أتوك فاسئل عنهم ، وأعطهم» فالظاهر أن المراد انما هو السؤال عن كونهم من الحجاج المنقطعين ، أو من أهل البلد ،

وسابعها ـ يمكن أن يستفاد من الخبر المروي في كتاب نهج البلاغة الدال على عدم جواز التعرض لحلى الكعبة ان صح ، جواز تحلية المشاهد الشريفة أيضا ، وعدم جواز التعرض له ، الا انه يمكن الفرق أيضا بالنظر الى أنهم (صلوات الله عليهم) في أيام الحياة لا يرون تحلية بيوتهم ، بل يكرهونه كما هو معلوم من أحوالهم (صلوات الله عليهم) ولو أمكن قسمة ذلك في أولادهم المحتاجين بل شيعتهم المضطرين لكان حسنا ، لان هذا مصرف أموالهم زمان الغيبة ، واستغنائهم عن ذلك.

الفصل الخامس : روى ثقة الإسلام في الكافي عن إسماعيل بن جابر (١) قال : «كنت فيما بين مكة والمدينة أنا وصاحب لي فتذاكرنا الأنصار فقال أحدنا : هم نزاع من قبائل ، وقال أحدنا : هم من أهل اليمين ، قال : فانتهينا الى أبى عبد الله (عليه‌السلام) وهو جالس في ظل شجرة فابتدأ الحديث ولم نسأله فقال : ان تبعا لما جاء من قبل العراق وجاء معه العلماء وأبناء الأنبياء فلما انتهى الى هذا الوادي لهذيل أتاه الناس من بعض القبائل قالوا : انك تأتى الى أهل بلدة قد لعبوا بالناس زمانا طويلا حتى اتخذوا بلادهم حرما وبيتهم ربا أو ربة فقال : ان كان كما تقولون قتلت مقاتليهم وسبيت ذريتهم ، وهدمت بيتهم ، قال : فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه قال فدعى العلماء وأبناء العلماء فقال : انظرونى وأخبروني لما أصابني هذا ، فأبوا أن يخبروه حتى عزم عليهم ، فقالوا : حدثنا بأي شي‌ء حدثتك به نفسك ، قال : حدثت نفسي

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢١٥.

٣٧١

أن أقتل مقاتليهم وأسبي ذريتهم وأهدم بيتهم ، فقالوا : انا لا نرى الذي أصابك إلا لذلك ، قال : ولم هذا؟ قالوا : لان البلد حرم الله والبيت بيت الله وسكانه ذرية إبراهيم خليل الرحمن ، فقال صدقتم فما مخرجي مما وقعت فيه ، قالوا : تحدث نفسك بغير ذلك فعسى الله ان يرد عليك ، قال : فحدث نفسه بخير ، فرجعت حدقتاه وثبتتا في مكانهما قال : فدعى القوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم ، ثم أتى البيت فكساه وأطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مأة جزور حتى حملت الجفان الى السباع في رؤوس الجبال ونثرت الأعلاف في الأودية للوحوش ثم انصرف من مكة إلى المدينة ، فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان وهم الأنصار ، قال في الكافي وفي رواية أخرى كساه النطاع وطيبه».

قال في الفقيه (١) : ما أراد الكعبة أحد بسوء الا غضب الله تعالى لها ،. «ونوى يوما تبع الملك أن يقتل مقاتله أهل الكعبة ويسبى ذريتهم». ثم ساق الحديث على اختلاف في ألفاظه وقال فيه أيضا «وروى (٢) انه ذبح له ستة آلاف بقرة بشعب ابن عامر ، وكان يقال له مطابخ تبع حتى نزلها ابن عامر ، فأضيفت اليه فقيل شعب ابن عامر ولم يكن تبع مؤمنا ولا كافرا ولكنه ممن كان يطلب الدين الحنيف ولم يملك المشرق الا تبع وكسرى». انتهى.

أقول : قال في كتاب مجمع البحرين : «وتبع كسكر : اسم لملوك اليمن التبابعة ، وهم سبعون تبعا ملكوا جميع الأرض ومن فيها من العرب والعجم ، وكان تبع الأوسط مؤمنا وهو تبع الكامل بن ملكي بن كرب بن تبع الأكبر بن تبع الأقرن ، وهو ذو القرنين الذي قال الله فيه (٣) «أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ» وكان من أعظم التبابعة ، وأفصح شعراء العرب ويقال : انه نبي مرسل الى نفسه ، لما تمكن من ملك الأرض والدليل على ذلك أن الله تعالى ذكره عند ذكر الأنبياء ، فقال (٤) «وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ» ولم يعلم أنه أرسل الى قوم تبع رسول غير تبع ، وهو الذي

__________________

(١ و ٢) الفقيه ج ٢ ص ١٦١.

(٣) سورة الدخان الآية ـ ٣٧.

(٤) ق ـ ١٤.

٣٧٢

نهى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، عن سبه ، لانه آمن قبل ظهوره بسبع مأة عام ، وفي بعض الاخبار تبع لم يكن مؤمنا ولا كافرا ، ولكن يطلب الدين الحنيف ، وتبع أول من كسى البيت الأنطاع بعد آدم حيث كساه الشعر ، وقبل إبراهيم (عليه‌السلام) حيث كساه الخصف انتهى.

ثم انه ما قد ورد في الأنصار أنهم كانوا من قوم تبع أيضا ما رواه في الكافي (١) والعياشي في تفسيره عن الصادق (عليه‌السلام) في تفسير قوله تعالى (٢) «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا» الاية قال (عليه‌السلام) كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما بين عير وأحد ، فخرجوا يطلبون الموضع ، فمروا بجبل يسمى حداد فقالوا : حداد وأحد سواء فتفرقوا عنده ، فنزل بعضهم بتيماء ، وبعضهم بفدك ، وبعضهم بخيبر ، فاشتاق الذين بتيماء الى بعض إخوانهم فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه ، وقال لهم : أمر بكم ما بين عير وأحد ، فقالوا له : إذا مررت بهما فآذنا بهما فلما توسط بهم أرض المدينة قال لهم : ذلك عير وهذا أحد فنزلوا عن ظهر ابله ، فقالوا : قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في إبلك ، فاذهب حيث شئت ، وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنا قد أصبنا الموضع ، فهلموا إلينا ، فكتبوا إليهم أنا قد استقرت بنا الدار واتخذنا الأموال ، وما أقربنا منكم ، فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم ، فاتخذوا بأرض المدينة الأموال فلما كثرت أموالهم بلغ تبع فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم ، وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبع ، فيلقون إليهم بالليل التمر والشعير ، فبلغ ذلك تبع فرق لهم فآمنهم فنزلوا اليه فقال لهم : انى قد استطبت بلادكم ، وما أراني الا مقيما فيكم فقالوا له : انه ذلك ليس لك ، انها مهاجر نبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك ، فقال لهم : انى مخلف فيكم من أسرتى من إذا كان ذلك ساعده ونصره ، فخلف حيين الأوس ، والخزرج ، فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود وكانت اليهود تقول لهم :

__________________

(١) الكافي ج ٨ ص ٣٠٨.

(٢) سورة البقرة الآية ـ ٨٩.

٣٧٣

أما لو قد بعث محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ليخرجنكم من ديارنا وأموالنا فلما بعث الله محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود ، وهو قول الله عزوجل (١) «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ».

الفصل السادس : روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن زرارة (٢) عن أبى جعفر عليه‌السلام «قال حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقام بمنى ثلاثا يصلى ركعتين ، ثم صنع ذلك أبو بكر ، ثم صنع ذلك عمر ، ثم صنع ذلك عثمان ستة سنين ثم أكملها عثمان أربعا فصلى الظهر أربعا ثم تمارض ليشد بذلك بدعته ، فقال للمؤذن : اذهب الى على (عليه‌السلام) ، فقل له فليصل بالناس العصر فأتى المؤذن عليا (عليه‌السلام) فقال له ان أمير المؤمنين عثمان يأمرك أن تصلى بالناس العصر فقال : اذن لا أصلي إلا ركعتين كما صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذهب المؤذن فأخبر عثمان بما قال على (عليه‌السلام) فقال : اذهب اليه وقل له : انك لست من هذا في شي‌ء فصل كما تؤمر فقال (عليه‌السلام) لا والله لا أفعل فخرج عثمان فصلى بهم أربعا فلما كان خلافة معاوية واجتمع الناس عليه ، وقتل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ، حج معاوية ، فصلى بالناس بمنى ركعتين الظهر ثم سلم ، فنظرت بنوا أمية بعضهم الى بعض وثقيف ومن كان من شيعة عثمان ثم قالوا : قد قضى على صاحبكم وخالف وأشمت به عدوه ، فقاموا فدخلوا عليه فقالوا أتدري ما صنعت ما زدت على ان قضيت على صاحبنا وأشمت به عدوه ورغبت عن صنيعه وسنته ، فقال : ويلكم أما تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صلى في هذه المكان ركعتين ، وأبو بكر وعمر وصلى صاحبكم ست سنين كذلك ، فتأمروني أن ادع سنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وما صنع أبو بكر وعمر وعثمان قبل أن يحدث فقالوا : لا والله ما نرضى عنك الا بذلك قال : فأقيلوا فانى مشفعكم وراجع الى سنة صاحبكم ، فصلى العصر أربعا فلم يزل الخلفاء والأمراء على ذلك الى اليوم».

أقول : وما اشتمل عليه هذا الخبر من هذه البدعة التي من عثمان مما قد رواها

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ٨٩.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٥١٨.

٣٧٤

القوم أيضا في كتبهم ، وقد نقلنا ذلك في كتاب سلاسل الحديد في تقييد ابن ابى الحديد في بدعة ، وقد اعتذر بعض أولياءه أنه انما صلى تماما لانه كانت له يومئذ دار بمكة

وفيه أنه كيف صلى قصرا ست سنين من صدر خلافته وأين كانت تلك الدار وأيضا فليس الأمر مقصورا على صلاته وحده ، بل على جملة الناس كافة على الصلاة كذلك مع أنهم من أهل الافاق كما أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه في الكتاب المشار اليه.

وعن الحلبي (١) في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : ان أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا ، وإذا زاروا ورجعوا الى منازلهم أتموا».

وعن معاوية بن عمار (٢) في الصحيح أو الحسن قال : «ان أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا ، وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا».

وعن معاوية بن عمار (٣) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): ان أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات؟ فقال : ويلهم أو ويحهم وأى سفر أشد منه لا ، لا يتم. ورواه الشيخ بطرق عديدة والصدوق في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار مثله.

وروى الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) في كم التقصير؟ فقال : في بريد ويحهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقصروا.

وعن معاوية بن عمار (٥) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام في كم يقصر الصلاة؟ فقال : في بريد ألا ترى أن أهل مكة إذا خرجوا الى عرفة كان عليهم التقصير».

وروى شيخنا المفيد في المقنعة مرسلا ، قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٤ ص ٥١٨.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٥١٩ التهذيب ج ٥ ص ٤٧٨.

(٤) التهذيب ج ٣ ص ٢٠٩.

(٥) التهذيب ج ٣ ص ٢٠٨.

٣٧٥

ويل لهؤلاء الذين يتمون الصلاة بعرفات أما يخافون الله ، فقيل له : فهو سفر فقال : وأى سفر أشد منه.

أقول : وهذه الروايات مع صحة أسانيدها واضحة الدلالة ، صريحة المقالة في إيجاب التقصير على من قصد أربعة فراسخ ، رجع ليومه أو لغده ، ما لم يقطع سفره بأحد القواطع المعلومة ، وفيها رد ظاهر للقول المشهور من التقييد بالرجوع ليومه ، ورد للقول بالتخيير بين القصر والإتمام بقصد الأربعة كما ذهب إليه في المدارك ، وما ارتكبه فيها من التأويل ضعيف لا يعول ، وسخيف لا يلتفت اليه ، كما تقدم تحقيق القول في المسألة في كتاب الصلاة

الفصل السابع : روى في الكافي عن على بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ان آدم (عليه‌السلام) لما حبط في الأرض هبط على الصفا ، ولذلك سمى الصفا ، لان المصطفى هبط عليه ، فقطع للجبل اسم من اسم آدم لقول الله عزوجل (٢) «إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ»

وأهبطت حواء على المروة ، وانما سميت المروة لأن المرأة هبطت عليها فقطعت للجبل اسم من اسم المرأة ، وهما جبلان عن يمين الكعبة ، وشمالها ، فقال آدم حين فرق بينه وبين حواء ما فرق بيني وبين زوجتي الا وقد حرمت على ، فاعتزلها وكان يأتيها بالنهار فيتحدث إليها ، فإذا كان الليل خشي أن تغلبه نفسه عليها رجع فبات على الصفا ، ولذلك سمى النساء لانه لم يكن لادم أنس غيرها

فمكث آدم بذلك ما شاء الله ان يمكث ، لا يكلمه الله ولا يرسل اليه رسولا والرب سبحانه يباهي بصبره الملائكة ، فلما بلغ الوقت الذي يريد الله عزوجل أن يتوب على آدم فيه أرسل إليه جبرائيل (عليه‌السلام) فقال : السلام عليك يا آدم الصابر لبليته التائب عن خطيئته ، ان الله عزوجل بعثني إليك لأعلمك مناسك التي يريد

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ١٩١.

(٢) آل عمران الآية ـ ٣٣.

٣٧٦

أن يتوب عليك بها ، فأخذ جبرئيل (عليه‌السلام) بيد آدم (عليه‌السلام) حتى أتى به مكان البيت فنزل غمام من السماء فأظل مكان البيت فقال جبرائيل : يا آدم خط برجلك حيث أظل الغمام فإنه قبلة لك ولاخر عقبك من ولدك ، فخط آدم برجله حيث أظل الغمام ، ثم انطلق به الى منى ، فأراه مسجد منى فخط برجله ، ومد خطة مسجد الحرام بعد ما خط مكان البيت ، ثم انطلق به من منى الى عرفات ، فأقامه على المعرف ، فقال : إذا غربت الشمس فاعترف بذنبك سبع مرات وسل الله المغفرة والتوبة سبع مرات ، ففعل ذلك آدم (عليه‌السلام) ولذلك سمى المعرف لان آدم (عليه‌السلام) اعترف فيه بذنبه وجعل سنة لولده يعترفون بذنوبهم كما اعترف آدم (عليه‌السلام) ويسألون التوبة كما سألها آدم ، ثم أمره جبرائيل فأفاض من عرفات فمر على الجبال السبعة فأمره أن يكبر عند كل جبل أربع تكبيرات ، ففعل ذلك آدم حتى انتهى الى جمع ثلث الليل جمع فيه بين المغرب والعشاء الآخرة تلك الليلة ثلث الليل في ذلك الموضع ثم أمره أن ينبطح في بطحاء جمع فانبطح في بطحاء جمع حتى انفجر الصبح فأمره أن يصعد على الجبل جبل جمع ، وأمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه سبع مرات ، ويسأل الله التوبة والمغفرة سبع مرات ففعل ذلك آدم كما أمره جبرائيل (عليه‌السلام)

وانما جعله اعترافين ليكون سنة في ولده فمن لم يدرك منهم عرفات وأدرك جمعا فقد وافى حجه ، ثم أفاض من جمع إلى منى ، فبلغ منى ضحى فأمره فصلى ركعتين في مسجد منى ، ثم أمره أن يقرب لله قربانا ليقبل الله منه ويعرف أن الله عزوجل قد تاب عليه ، ويكون سنة في ولده القربان ، فقرب آدم قربانا فقبل الله منه ، فأرسل نارا من السماء فقبلت قربان آدم ، فقال له جبرائيل : يا آدم ان الله قد أحسن إليك إذ علمك المناسك التي يتوب بها عليك ، وقد قبل قربانك فأحلق رأسك تواضعا لله ، إذ قبل قربانك فحلق آدم رأسه تواضعا لله عزوجل.

ثم أخذ جبرائيل بيد آدم عليه‌السلام فانطلق به الى البيت فعرض له إبليس لعنه الله عند الجمرة فقال له إبليس لعنه الله : يا آدم أين تريد فقال له جبرائيل : يا آدم ارمه بسبع حصيات ، وكبر مع كل حصاة تكبيرة ، ففعل ذلك آدم فذهب إبليس ثم عرض

٣٧٧

له عند الجمرة الثانية فقال له : يا آدم اين تريد؟ فقال له جبرائيل : ارمه بسبع حصيات ، وكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ذلك آدم عليه‌السلام فذهب إبليس ، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فقال : يا آدم اين تريد؟ فقال له جبرائيل عليه‌السلام ارمه بسبع حصيات ، وكبر مع كل حصاة تكبيرة ، ففعل ذلك آدم فذهب إبليس ، فقال له جبرائيل : إنك لن تراه بعد مقامك هذا أبدا.

ثم انطلق به الى البيت ، وأمره أن يطوف بالبيت سبع مرات ، ففعل ذلك آدم فقال له جبرائيل (عليه‌السلام) ان الله قد غفر لك ذنبك ، وقبل توبتك وأحل لك زوجتك».

وعن أبي إبراهيم (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) نحوا من الحديث المتقدم الا أن فيه زيادة على المذكور السعى بين الصفا والمروة أسبوعا يبدء بالصفا ويختم بالمروة ، ثم يطوف بعد ذلك أسبوعا بالبيت وهو طواف النساء ، لا يحل للمحرم أن يباضع حتى يطوف طواف النساء ففعل آدم» الحديث.

وعن جميل بن صالح (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «قال لما طاف آدم (عليه‌السلام) بالبيت وانتهى الى الملتزم قال له جبرائيل (عليه‌السلام) : يا آدم أقر لربك بذنوبك في هذا المكان ، قال : فوقف آدم (عليه‌السلام) فقال : يا رب ان لكل عامل أجرا وقد عملت فما أجري؟ فأوحى الله (عزوجل اليه) يا آدم قد غفرت ذنبك قال : يا رب ولولدي أو لذريتي ، فأوحى الله اليه يا آدم من جاء من ذريتك الى هذا المكان وأقر بذنوبه وتاب كما تبت ثم استغفر غفرت له».

وعن على بن محمد العلوي (٣) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) حيث حج آدم (عليه‌السلام) بما حلق رأسه ، فقال : نزل عليه جبرائيل (عليه‌السلام) بياقوتة من الجنة فأمرها على رأسه فتناثر شعره».

وعن معاوية بن عمار (٤) في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال :

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ١٩٤.

(٢ و ٣) الكافي ج ٤ ص ١٩٤.

(٤) الكافي ج ٤ ص ١٩٤.

٣٧٨

لما أفاض آدم (عليه‌السلام) من منى تلقته الملائكة فقالوا : يا آدم بر حجك أما انه قد حججنا هذا البيت قبل ان تحجه بألفي عام». وروى في الفقيه مرسلا (١) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : أتى آدم هذا البيت ألف أتية على قدميه ، منها سبعمائة حجة ، وثلاثمأة عمرة ، وكان يأتيه من ناحية الشام ، وكان يحج على ثور ، والمكان الذي يبيت فيه (عليه‌السلام) الحطيم وهو ما بين البيت والحجر الأسود وطاف آدم (عليه‌السلام) قبل أن ينظر الى حواء) مائة عام ، وقال له جبرائيل (عليه‌السلام) : حياك الله وبياك» يعنى أصلحك.

أقول : قيل : ان المراد من قوله كان يحج على ثور يعنى زائدا على الألف التي يمشي فيها على قدميه ، ويحتمل على أن المراد أنه حين اشتغاله بالمناسك كان على ثور ، كما أن موسى (عليه‌السلام) كان على جمل أحمر وكان نبينا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ناقته ، وحياك الله يعني أبقاك وبياك ، يعنى أصلحك ، ولعل تفسيرهما هنا بأصلحك تفسير باللازم

وعن أبى بصير (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ان آدم هو الذي بنى البيت ووضع أساسه ، وأول من كساه الشعر وأول من حج اليه ثم كساه تبع بعد آدم (عليه‌السلام) الأنطاع ، ثم كساه إبراهيم (عليه‌السلام) الخصف ، وأول من كساه الثياب سليمان بن داود عليهما‌السلام كساه القباطي».

الفصل الثامن : روى في الكافي بسنده عن كلثوم بن عبد المؤمن الحراني (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : أمر الله عزوجل إبراهيم (عليه‌السلام) أن يحج ، ويحج إسماعيل معه ويسكنه الحرم ، فحجا على جمل أحمر وما معهما إلا جبرائيل (عليه‌السلام) فلما بلغا الحرم قال له جبرائيل (عليه‌السلام) : يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم فنزلا واغتسلا وأراهما كيف يتهيئان للإحرام ففعلا ثم أمرهما

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٤٧.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٥٢.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٢٠٢.

٣٧٩

فأهلا بالحج ، وأمرهما بالتلبيات الأربع التي لبى بها المرسلون ، ثم صار بهما الى الصفا فنزلا وقام جبرائيل (عليه‌السلام) بينهما ، واستقبل البيت فكبر الله وكبرا وهلل الله وهللا وحمد الله وحمدا ومجد الله ومجدا وأثنى على الله ففعلا مثل ذلك وتقدم جبرئيل وتقدما يثنيان على الله عزوجل ويمجدانه حتى انتهى بهما الحجر فاستلمه جبرائيل ، وأمرهما أن يستلما فطاف بهما أسبوعا ثم قام بهما في موضع مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فصلى ركعتين فصليا ثم أراهما المناسك وما يعملان به ، فلما قضيا مناسكهما أمر الله إبراهيم (عليه‌السلام) بالانصراف ، وأقام إسماعيل وحده ما معه غير أمه ، فلما كان من قابل أذن الله لإبراهيم (عليه‌السلام) في الحج وبناء الكعبة ، وكانت العرب تحج اليه وانما كان ردما الا ان قواعده معروفة

فلما صدر الناس جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف الكعبة فلما أذن الله له في البناء قدم إبراهيم (عليه‌السلام) فقال : يا بنى قد أمرنا الله ببناء الكعبة ، فكشفا عنها ، فإذا هو حجر واحد أحمر فأوحى الله عزوجل اليه ضع بنائها عليه وانزل الله عزوجل أربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة ، وكان إبراهيم وإسماعيل يضعان الحجارة والملائكة تناولهما حتى تمت اثنى عشر ذراعا وهيأ له بابين ، بابا يدخل منه وبابا يخرج منه ، ووضعا عليه عتبا وشرجا من حديد على أبوابه كانت الكعبة عريانة فصدر إبراهيم (عليه‌السلام) وقد سوى البيت وأقام إسماعيل فلما ورد عليه الناس نظر الى امرأة من حمير أعجبه جمالها فسأل الله عزوجل ان يزوجها إياه ، وكان لها بعل فقضى الله على بعلها بالموت ، وأقامت بمكة حزنا على بعلها فأسلى الله ذلك منها وزوجها إسماعيل ، وقدم إبراهيم (عليه‌السلام) للحج وكانت امرأة موفقة وخرج إسماعيل (عليه‌السلام) الى الطائف يمتار لأهله طعاما فنظرت الى شيخ شعث فسألها عن حالهم ، فأخبرته بحسن حال فسألها عنه خاصة فأخبرته بحسن الدين ، وسألها ممن أنت فقالت امراة من حمير فسار إبراهيم ، ولم يلق إسماعيل ، وقد كتب إبراهيم كتابا فقال : ادفعي هذا الى بعلك إذا أتى إنشاء الله فقدم عليها إسماعيل (عليه‌السلام) فدفعت اليه الكتاب فقرأه فقال : أتدرين من ذلك الشيخ ، فقالت لقد رأيته جميلا فيه مشابهة

٣٨٠