الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

أجل قال : فليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك على الباب وتقول : المسكين على بابك ، فتصدق عليه بالجنة».

وروى الشيخ في التهذيب عن على (١) «عن أحدهما عليهما‌السلام في رجل لم يودع البيت؟ قال : لا بأس به ان كانت به علة وكان ناسيا».

وروى في الكافي عن حماد عن رجل (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : إذا طافت المرأة الحائض ثم أرادت أن تودع البيت فلتقف على أدنى باب من أبواب المسجد ولتودع البيت».

أقول : الظاهر أن المراد به أنه عرض لها الحيض بعد أن طافت طواف الوداع ، قبل الإتيان بدعاء الوداع وقد صرح الأصحاب بسقوط الوداع عن الحائض لمكان الحيض.

قال في المنتهى : والحائض لا وداع عليها ولا فدية على طواف الوداع الفائت بالحيض ، وهو قول عامة فقهاء الأمصار ، بل يستحب لها أن تودع من أدنى باب من أبواب المسجد ، ولا تدخله إجماعا ، لأنه يحرم عليها دخول المسجد.

أقول : وقد تقدم أنه إذا طافت المرأة أربعة أشواط من طواف النساء ثم حاضت فإنها تنصرف ، وهو واضح الدلالة في المراد.

المسألة الثالثة ـ من المستحبات قبل الخروج بعد الوداع الشرب من ماء زمزم ، قال في الدروس في تعداد ما يستحب يومئذ «ورابعها : الشرب من ماء زمزم والإكثار منه ، والتضلع منه أى الامتلاء فقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) «ماء زمزم لما شرب له». وقد روى حماد أن جماعة من العلماء شربوا منه لمطالب مهمة ما بين تحصيل علم وقضاء حاجة وشفاء من علة وغير ذلك فنالوها والأهم طلب المغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار وغير ذلك ، ويستحب حمله وأهداه قال : وفي رواية معاوية «أسماء

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٨٢.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٤٥٠.

(٣) المستدرك ج ٢ ص ١٤٣.

٣٤١

زمزم : ركضة جبرائيل ، وحفيرة إسماعيل ، وحفيرة عبد المطلب وزمزم وبرة والمضمونة والردا وشبعة وطعام ومطعم وشفاء سقم (١).

أقول : وقد روى الصدوق مرسلا (٢) قال : قال الصادق (عليه‌السلام): ماء زمزم شفاء لما شرب له ، قال : وروى ان من روى من ماء زمزم أحدث به شفاء ، وصرف عنه به داء ، قال : وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يستهدي ماء زمزم وهو بالمدينة». وقد تقدم في الاخبار السابقة ما يدل على نحو ذلك.

ومنها الخروج من باب الحناطين كما دلت عليه رواية على بن مهزيار المتقدمة وقال في الدروس وهو باب بنى جمح وهو بإزاء الركن الشامي قيل وانما سمى باب الحناطين لبيع الحنطة عنده ، وقيل لبيع الحنوط.

قال المحقق الشيخ على ولم أجد أحدا يعرف موضع هذا الباب ، فان المسجد قد زيد فيه فينبغي أن يتحرى الحاج موازاة الركن الشامي ثم يخرج.

ومنها ان يخر ساجدا عند خروجه كما تضمنه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، وصحيحة إبراهيم بن أبى محمود (٣) وربما أوهم بعض العبارات كون السجود بعد الخروج من المسجد ، وليس كذلك ، فأن ظاهر الخبرين المذكورين كونه في المسجد.

ومنها أن يشترى بدرهم تمرا ويتصدق به ناويا التكفير عما كان منه في الإحرام ، أو الحرم مما لا يعلم ، لما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (٤) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : يستحب للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكة حتى يشتريا بدرهم تمرا فليصدقا به ، لما كان منهما في إحرامهما ، ولما كان في حرم الله عزوجل».

وما رواه ثقة الإسلام (عطر الله مرقده) في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار وحفص بن البختري جميعا (٥) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : ينبغي للحاج

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ من أبواب مقدمات الطواف.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٥٣١.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢٩٠.

(٥) الكافي ج ٤ ص ٥٣٣.

٣٤٢

إذا قضى مناسكه وأراد أن يخرج أن يبتاع بدرهم تمرا يتصدق به ، فيكون كفارة لما لعله دخل عليه في حجه من حك أو قملة سقطت أو نحو ذلك».

وعن أبى بصير (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا أردت ان تخرج من مكة فاشتر بدرهم تمرا فتصدق به قبضة قبضة فيكون لكل ما كان منك وفي إحرامك وما كان منك بمكة».

ومنها أن لا يخرج من الحرمين بعد ارتفاع النهار حتى يصلى الظهرين لما رواه ثقة الإسلام عطر الله مرقده عن إبراهيم بن عبد الحميد (٢) قال : «سمعته يقول : من خرج من الحرمين بعد ارتفاع النهار قبل أن يصلى الظهر والعصر نودي من خلفه لاصحبك الله».

خاتمة الكتاب فيها مطلبان

المطلب الأول : في النوادر والزيارات وما يتعلق بذلك من البحوث والتحقيقات وفيه فصول :

الفصل الأول : روى ثقة الإسلام عطر الله مرقده في الصحيح عن الحلبي (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : سألته عن قول الله عزوجل (مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) قال : إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فر الى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم ، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ، فإنه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لانه لم يدع للحرم حرمته.

وعن معاوية بن عمار (٤) في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا عبد الله

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٣٣.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٥٤٣.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٢٢٦.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٢٢٨.

٣٤٣

(عليه‌السلام) عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل الحرم فقال : لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد ، قلت : فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق قال : يقام عليه الحد صاغرا أنه لم ير للحرم حرمة وقد قال الله عزوجل (١) «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» فقال : هذا هو في الحرم فقال (فَلا عُدْوانَ إِلّا عَلَى الظّالِمِينَ)».

وعن على بن أبي حمزة (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن قول الله عزوجل (٣) «وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» قال : ان سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية على نفسه ففر إلى مكة لم يؤخذ ما دام بالحرم حتى يخرج منه ، ولكن يمنع من السوق فلا يبايع ولا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ ، وان أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه».

وروى الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب عن ابن أبى عمير عن هشام بن الحكم (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام في الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم قال : لا يقام عليه الحد ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع ، فإنه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد ، وان جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم فإنه لم ير للحرم حرمة».

أقول : ما اشتملت عليه هذه الاخبار من الأحكام المذكورة مما لا خلاف فيه بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) ، الا أن عباراتهم في هذا المقام ربما أشعرت بنوع منافاة للأخبار المذكورة ونحوها ، حيث قالوا : من أحدث حدثا في غير الحرم والتجأ إلى الحرم ضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيقام عليه الحد ، ولفظ التضييق لم يقع في شي‌ء من روايات المسألة ، وقد فسر التضييق بأن يطعم ويسقى

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٢٧.

(٢) سورة البقرة الآية ـ ١٩٠.

(٣) سورة آل عمران الآية : ٩٧.

(٤) التهذيب ج ١٠ ص ٤١٦ الفقيه ج ٤ ص ٨٥.

٣٤٤

ما لا يحتمله مثله عادة ، أو ما يسد الرمق ، ولا ريب أن كلا من المعنيين مناسب للفظ التضييق ، الا ، انه كما عرفت لا أثر له في النصوص ، وانما ظاهرها عدم إطعامه وسقيه بالكلية ، ولو مات جوعا وعطشا

ثم ان بعض الأصحاب ألحق بالحرم مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومشاهد الأئمة عليهم‌السلام محتجا بإطلاق اسم الحرم عليها في بعض الاخبار ، ولا ريب في ضعفه.

وروى في الكافي عن عبد الخالق الصيقل (١) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (٢) «وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» فقال : لقد سألتني عن شي‌ء ما سألني أحد الا من شاء الله قال : من أم هذا البيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمره الله عزوجل به ، وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا كان آمنا في الدنيا والآخرة» ،. ورواه الصدوق مرسلا بدون قوله «لقد سألتني عن شي‌ء ما سألني الا من شاء الله ، ولا «ثم قال».

أقول : لا منافاة بين هذا التفسير وبين ما تقدم ، فان هذا من الباطن وذلك من الظاهر ، والمراد بقوله عليه‌السلام «آمنا في الدنيا والآخرة» أى من سخط الله وعذابه

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن وفي الفقيه عن معاوية بن عمار (٣) قال : «أتى أبو عبد الله عليه‌السلام في المسجد فقيل له : ان سبعا من سباع الطير على الكعبة ليس يمر به شي‌ء من حمام الحرم إلا ضربه فقال : انصبوا له واقتلوه فإنه قد الحد».

وعن معاوية بن عمار (٤) في الصحيح قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله الله عزوجل (٥) «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ» فقال : كل ظلم إلحاد ، وضرب الخادم من غير ذنب من ذلك الإلحاد». قيل : الباء في «بإلحاد» زائدة ، تقديره ومن يرد فيه إلحادا وفي بظلم المتعدية

وعن أبى الصباح الكناني (٦) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)» فقال : كل ظلم يظلم الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد أو شي‌ء من الظلم فإني أراه إلحادا ولذلك كان يتقى

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٤٥ الفقيه ج ٢ ص ١٣٣.

(٢) سورة آل عمران الآية : ٩٧.

(٣ و ٤ و ٦) الكافي ج ٤ ص ٢٢٧.

(٥) سورة الحج الآية ـ ٢٤.

٣٤٥

أن يسكن الحرم». وروى الصدوق مثله ، وزاد في آخره ولذلك كان يتقى الفقهاء أن تسكن مكة

وروى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (٢) «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ» فقال : كل الظلم فيه إلحاد حتى لو ضربت خادمك ظلما خشيت ان يكون إلحادا ولذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكة.

أقول : قد دلت هذه الاخبار وأمثالها على كراهة سكنى مكة ويستنبط منها كراهة ذلك أيضا في سائر الأماكن المشرفة والمشاهد المعظمة ، والوجه في ذلك هو أن شرف المكان كما يقتضي تضاعف أجر الطاعات فيه من حيث شرفه يقتضي أيضا تضاعف جزاء العاصي من حيث هتك حرمته ، ألا ترى الى نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمزيد قربهن منه صلى‌الله‌عليه‌وآله والفوز بشرف أمومة المؤمنين قد ضاعف لهم الأجر بقوله (٣) «وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً» وقال (٤) «لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ» ثم ضاعف لهم العذاب بالمعاصي فقال (٥) «يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ» وهكذا يكون الحكم في جميع الأماكن الشريفة والأزمان المنيفة ،

والمشهور بين الأصحاب كراهة المجاورة بمكة ، وعلل ذلك بوجوه : منها الخوف من الملالة وقلة الاحترام ، والخوف من ملابسة الذنب ، فان الذنب فيها عظيم ، أو بأن المقام فيها يقسي القلب ، أو من سارع الى الخروج منها يدوم شوقه إليها ، وذلك مراد الله عزوجل ، وجميع هذه التوجيهات مروية ، وقد ورد في الاخبار ما يدل على استحباب المجاورة ، كصحيحة على بن مهزيار (٦) قال : سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) «عن المقام بمكة أفضل أو الخروج الى بعض الأمصار؟ قال : المقام

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٢٠.

(٢) سورة الحج الآية ـ ٢٥.

(٣ و ٤ و ٥) سورة الأحزاب الآية ٣١ و ٢٣ و ٣٣.

(٦) التهذيب ج ٥ ص ٤٧٦.

٣٤٦

عند بيت الله أفضل».

وروى ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه (١) مرسلا عن الباقر عليه‌السلام قال : من جاور بمكة سنة غفر الله له ذنوبه ولأهل بيته ، ولكل من استغفر له ولعشيرته ولجيرانه ذنوب تسع سنين قد مضت ، وعصموا من كل سوء أربعين ومأة سنة ، ثم قال : والانصراف والرجوع أفضل من المجاورة». والجمع بين الاخبار ممكن لجمل ما دل على استحباب الجوار على ما إذا أمن من نفسه وقوع الذنب فيها كما عرفت من الاخبار المتقدمة.

وروى الشيخ عن أيوب بن أعين (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ان امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها فنال بيده حتى وضعها على ذراعها ، فاثبت الله يده في ذراعها حتى قطع الطواف فأرسل الى الأمير واجتمع الناس وأرسل الى الفقهاء وجعلوا يقولون : اقطع يده ، فهو الذي جنى الجناية فقال : هيهنا أحد من ولد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا : نعم الحسين بن على قدم الليلة ، فأرسل إليه فدعاه فقال انظر ما لقيا ذان ، فاستقبل القبلة ورفع يده ومكث طويلا يدعو ثم جاء إليهما حتى خلص يده من يدها ، فقال الأمير : ألا نعاقبه بما صنع؟ فقال : لا». أول أقول : لا يبعد أن يكون الجاني من الشيعة الإمامية ، وأنه ما لحقه من الخزي والفضيحة حصل له الندم والتوبة ، فلذلك عفى عنه ولم يعاقبه.

وروى الحميري في قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبى نصر (٣) عن الرضا (عليه‌السلام) قال : «سأله صفوان وأنا حاضر عن الرجل يؤدب مملوكه في الحرم؟ فقال : كان أبو جعفر (عليه‌السلام) يضرب فسطاطه في حد الحرم بعض أطنابه في الحرم وبعضها في الحل ، فإذا أراد أن يؤدب بعض

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٤٦.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٧٠.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من أبواب مقدمات الطواف.

٣٤٧

خدمه أخرجه من الحرم وأدبه في الحل». وروى الشيخ عن ابى الصباح الكناني (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول فيمن أحدث في المسجد الحرام متعمدا؟ قال : يضرب رأسه ضربا شديدا ثم قال : ما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمدا؟ قال : يقتل».

أقول : المراد بالحدث هنا البول والغائط لما ورد في خبر آخر في الفرق بين الإسلام والايمان رواه الصدوق (٢) قال : «قال الصادق عليه‌السلام : في حديث يذكر فيه الإسلام والايمان ولو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا خرج من الكعبة ومن الحرم وضربت عنقه.

وعن أبى الصباح الكناني (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، أيهما أفضل الإيمان أو الإسلام ، فإن من قبلنا يقولون أن الإسلام أفضل من الايمان ، فقال : الايمان ارفع من الإسلام قلت : فأوجدني ذلك قال : ما تقول فيمن أحدث في المسجد الحرام متعمدا؟ قال : قلت : يضرب ضربا شديدا قال : أصبت قال : فما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمدا؟ قال : قلت : يقتل ، قال : أصبت.

الفصل الثاني : روى ثقة الإسلام في الكافي عن الحسين بن أبى العلاء في الحسن (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان معاوية أول من علق على بابه مصراعين بمكة فمنع حاج بيت الله ما قال الله عزوجل (٥) «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ». وكان الناس إذا قدموا مكة نزل البادي على الحاضر حتى يقضى حجه ، وكان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله تعالى (٦) «فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٩.

(٢) الفقيه ج ١ ص ١٩٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٦ من أبواب مقدمات الطواف.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٢٤٣.

(٥) سورة الحج الآية : ٢٥.

(٦) الحاقة : الاية ٣١ و ٣٢.

٣٤٨

فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ» وكان فرعون هذه الأمة».

وعن يحيى بن أبى العلاء (١) «عن أبى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) قال : لم يكن لدور مكة أبواب كان أهل البلدان يأتون بقطرانهم فيدخلون فيضربون بها فكان أول من بوبها معاوية». (لعنه الله) قال في الوافي : القطران كأنه جمع قطار الإبل كالجدار وأما قطوان بالواو كما يوجد في بعض النسخ فلم نجد له معنى محصلا.

وروى الشيخ في الحسن عن الحسين بن أبى العلاء (٢) «قال ذكر أبو عبد الله (عليه‌السلام) هذه الآية «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ...» قال : كانت مكة ليس على شي‌ء منها باب ، وكان أول من علق على بابه المصراعين معاوية بن أبى سفيان وليس ينبغي لأحد ان يمنع الحاج شيئا من الدور ومنازلها».

وعن حفص بن البختري (٣) في الصحيح عن أبى عبد الله عليه‌السلام) قال : ليس ينبغي لأهل مكة أن يجعلوا على دورهم أبوابا ، وذلك أن الحاج ينزلون معهم في ساحة الدار حتى يقضوا حجهم».

وروى الصدوق في العلل مسندا في الصحيح عن عبيد الله بن على الحلبي (٤) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن قول الله عزوجل (٥) «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ» فقال : لم يكن ينبغي ان يصنع على دور مكة أبواب ، لأن للحاج ان ينزلوا معهم في دورهم في ساحة الدار حتى يقضوا مناسكهم ، وأن من جعل لدور مكة أبوابا معاوية» ورواه في الفقيه مرسلا قال : سئل الصادق (عليه‌السلام) عن قول الله تعالى وساق الحديث.

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن الحسين بن علوان (٦) «عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) أنه نهى أهل مكة أن يؤاجروا دورهم وأن يعلقوا أبوابا وقال «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ» قال : وفعل ذلك أبو بكر وعمر

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٤٣.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٢٠.

(٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ـ ٣٢ من أبواب مقدمات الطواف.

(٥) سورة الحج الآية ـ ٢٥.

٣٤٩

وعثمان وعلى حتى كان في زمن معاوية».

وعن السندي بن محمد عن أبي البختري (١) عن جعفر عن أبيه عن على عليهم‌السلام أنه كره اجارة بيوت مكة وقرأ «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ».

وروى على بن جعفر في كتابه (٢) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «وليس ينبغي لأهل مكة أن يمنعوا الحاج شيئا من الدور ينزلونها.

أقول : المشهور بين المتأخرين أن المنع من سكنى الحاج بالأبواب ونحوها انما هو على جهة الكراهة ، ونقلوا عن الشيخ (رحمة الله عليه) القول بالتحريم ، وردوه بما اشتملت عليه صحيحة حفص بن البختري ، ورواية الحسين بن ابى العلاء ونحوهما من لفظ ليس ينبغي ، فإنه ظاهر في الكراهة ، ونقل عن الشيخ فخر الدين في شرح القواعد أنه استدل للشيخ بأن مكة كلها مسجد لقوله تعالى (٣) (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)» الى آخره وكان الإسراء من دار أم هاني ، وإذا كانت كذلك فلا يجوز منع أحد منها لقوله تعالى (٤) «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ» ورد بأنه استدلال ضعيف ، أما أولا فلان الإجماع القطعي منعقد على خلافه ، وأما ثانيا فلمنع كون الإسراء من بيت أم هاني ، ثم لو سلمنا لجاز مروره بالمسجد الحرام ليتحقق الإسراء منه حقيقة :

أقول : الأظهر في الاستدلال للشيخ (رحمة الله عليه) انما هو بظاهر الآية فان ظاهرها مساواة البادي للحاضر في الانتفاع بمساكنها ودورها حتى يقضوا نسكهم وإذا كان حقا شرعيا لهم فمنعهم منه محرم كما ينادى به قوله (عليه‌السلام) في الرواية الأولى فمنع حاج بيت الله ما قال الله تعالى «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ» بمعنى أنه منعهم حقا قد فرض الله لهم في كتابه وأما التمسك بقوله «فليس ينبغي» فقد عرفت في غير موضع ان هذا اللفظ قد ورد بمعنى التحريم في الاخبار بما لا يحصى كثرة ، وقد بينا أنه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ من أبواب مقدمات الطواف.

(٣) سورة الإسراء الآية ـ ١.

(٤) سورة الحج الآية ـ ٢٥.

٣٥٠

من الألفاظ المتشابهة في الاخبار التي لا تحمل على أحد المعنيين إلا بقرينة ، وان كان في العرف الظاهر بين الناس الآن انما هو بمعنى ما ذكروه الا انه لا عبرة به.

وبالجملة فالاعتماد في الاستدلال على ظاهر الآية بالتقريب الذي ذكرناه ، ويخرج ما ورد في رواية قرب الاسناد من نهى أمير المؤمنين عليه‌السلام أهل مكة أن يؤاجروا دورهم ، وأن يعلقوا أبوابا الذي هو حقيقة في التحريم ـ شاهدا على ما ذكرناه وتكاثر هذه الاخبار بإنكار ذلك على معاوية وذمه بها وأنها من بدعه بالتحريم أنسب والى الانطباق عليه أقرب.

الفصل الثالث روى الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اللقطة ونحن يومئذ بمنى فقال : أما بأرضنا هذه فلا تصلح ، واما عندكم فان صاحبها الذي يجدها يعرفها سنة في كل مجمع ، ثم هي كسبيل ماله».

وعن الفضيل بن يسار (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن لقطة الحرم فقال : لا تمس ابدا حتى يجي‌ء صاحبها فيأخذها قلت : فان كان مالا كثيرا ، قال : فان لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها».

وعن على بن أبي حمزة (٣) قال : «سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه قال : بئس ما صنع ما كان ينبغي له ان يأخذ قلت : ابتلى بذلك ، قال : يعرفه ، قلت : فإنه قد عرفه فلم يجد له باغيا ، قال : يرجع الى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين ، فان جاء طالبه فهو له ضامن».

وعن إبراهيم بن عمر اليماني (٤) في الصحيح عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : اللقطة لقطتان : لقطة الحرم تعرف سنة ، فان وجدت صاحبها والا تصدقت بها ولقطة غيره تعرف سنة ، فان لم تجد صاحبها وهي كسبيل مالك».

ورواه في الكافي في الصحيح أو الحسن مثله ، الا انه قال في آخره : «فان

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٢١ الوسائل الباب ـ ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل باب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف.

٣٥١

جاء صاحبها والا فهي كسبيل مالك».

وعن إبراهيم بن ابى البلاد عن بعض أصحابه (١) عن ابى الحسن الماضي عليه‌السلام قال : «لقطة الحرم لا تمس بيد ولا رجل ولو ان الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها».

وروى في الكافي عن الفضيل بن يسار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجد اللقطة في الحرم ، قال : لا يمسها واما أنت فلا بأس ، لأنك تعرفها».

وعن فضيل بن غزوان (٣) في الصحيح قال : «كنت عند ابى عبد الله عليه‌السلام فقال له الطيار إن حمزة ابني وجد دينارا في الطواف قد انسحق كتابته قال هو له».

وعن محمد بن رجا الخياط (٤) قال : كتبت الى الطيب (عليه‌السلام) انى كنت في المسجد الحرام فرأيت دينارا فأهويت إليه لآخذه فإذا أنا بآخر «فنحيت الحصا» (٥) فإذا أنا بثالث ، فأخذتها فعرفتها فلم يعرفها أحد فما ترى في ذلك ، فكتب : فهمت ما ذكرت من أمر الدنانير فان كنت محتاجا فتصدق بثلثها ، وان كنت غنيا فتصدق بالكل».

أقول : الكلام في هذه الاخبار يقع في مواضع : الأول : قد اختلفت الأصحاب (رضوان الله عليهم) في لقطة الحرم فقال الشيخ في النهاية : اللقطة ضربان ضرب يجوز أخذه ولا يكون على من أخذه ضمانه ولا تعريفه ، وهو ما كان دون الدرهم ، أو يكون قد وجده في موضع خربان قد باد أهله واستنكر رسمه ، وضرب لا يجوز أخذه ، فإن أخذه لزمه حفظه وتعريفه ، وهو على ضربين ، ضرب يجده في الحرم

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٣٩٠.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٢٣٩.

(٣) التهذيب ج ٦ ص ٣٩٥.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٢٣٩ وفيه الأرجاني.

(٥) في الكافي «ثم بحثت الحصا».

٣٥٢

فيجب تعريفه سنة ، ثم يتصدق به ، وضرب يجده في غير الحرم فيلزمه أيضا أن يعرفه سنة ، فان جاء صاحبه رده عليه ، وان لم يجي‌ء كان كسبيل ماله»

قال في المختلف بعد نقل ذلك : هذا الكلام : يشعر بأن ما يجده في الحرم مما يقل قيمته عن درهم يجوز أخذه ، وكذا عبارة ابن البراج في الكامل وابن إدريس ، ثم نقل عن على بن بابويه قال : اللقطة لقطتان : لقطة الحرم ، ولقطة غيره ، فأما لقطة الحرم فإنها تعرف سنة ، فان جاء صاحبها والا تصدق بها ، ولقطة غير الحرم تعرفها سنة ، فان جاء صاحبها والا كسبيل مالك وان كانت دون الدرهم فهي لك.

ثم قال : وهذا يشعر بأن المأخوذ في الحرم يجب تعريفه مطلقا ، وكذا عبارة أبيه في المقنع.

ثم نقل عن الشيخ المفيد نحوا من عبارة الشيخ على بن بابويه ، وحاصلها في الدلالة على أن لقطة الحرم يجب تعريفها مطلقا فان عرف صاحبها ، والا تصدق بها ولقطة غير الحرم يعرفها كذلك ، فان عرف صاحبها والا تصرف فيها الذي وجدها ولا بأس أن ينتفع بما يجده مما لم يبلغ قيمته درهما واحدا ولا يعرفه ، ثم نقل عن سلار ما يشعر بموافقة الشيخ في إباحة ما ينقص عن الدرهم في الحرم ، ثم اختار مذهب الشيخ على بن بابويه.

أقول : وقد ظهر من ذلك أن محل الخلاف هنا في أن ما نقص عن درهم من لقطة الحرم هل يجوز تملكه من غير تعريف أم لا؟ فظاهر الشيخ في النهاية ومن تبعه أول ، وظاهر الشيخ على بن بابويه والشيخ المفيد الثاني.

والعجب انه في المختلف قال في صدر البحث : لا يجوز تملك لقطة الحرم إجماعا ، بل يجب تعريفها حولا ثم يتخير بعده بين الاحتفاظ والصدقة ، وهذا الكلام كما ترى يؤذن بدعوى الإجماع على عدم جواز تملكها ، وان كانت أقل من درهم ، مع أنه نقل الخلاف المذكور في أثناء المبحث.

ثم ان ظاهر عبارة الشيخ المتقدمة أن ما كان درهما فما ذا لا يجوز أخذه ولا التقاطه من الحرم كان أو غيره ، وقيل : انه لا يحل لقطة الحرم قليلة كانت أو كثيرة ،

٣٥٣

وبه صرح المحقق في كتاب الحج من الشرائع ، وعزاه في المدارك الى الشيخ في النهاية ، وعبارته المتقدمة كما عرفت لا تساعده ، إذ ظاهرها انما هو ما كان درهما فصاعدا وقيل بالكراهة ، وهو اختياره في النافع.

وقيل يجوز التقاط القليل مطلقا ، والكثير على كراهية مع نية التعريف ، وهو خيرة المحقق في كتاب اللقطة على ما ذكره في المدارك ، والظاهر ان من ذهب الى التحريم مطلقا أخذ بظاهر النهى عن أخذها ، ومنها كما في صحيحة الفضيل بن يسار ورواية إبراهيم ابن ابى البلاد ، ورواية على بن أبي حمزة وغيرها الا انه ينافيه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة الفضيل ، «فان لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها» فإنه مما يؤذن بالرخصة ، وجواز الأخذ لمثله ، ومثله قوله (عليه‌السلام) في رواية الأخرى ، «واما أنت فلا بأس».

ومن هنا قيل بالكراهة سيما مع ورود النهي أيضا في غير لقطة الحرم ، كما في حسنة الحسين بن أبى العلاء (١) قال : «ذكرنا لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اللقطة فقال : لا تعرض لها فان الناس لو تركوها لجاء صاحبها حتى يأخذها».

وقول على (عليه‌السلام) في رواية مسعدة بن زياد (٢) عن الصادق (عليه‌السلام) «إياكم واللقطة ، فإنها ضالة المؤمن ، وهي حريق من حريق جهنم». إلا أنك قد عرفت من ظاهر عبارة الشيخ المتقدمة القول بالتحريم مطلقا ، وان كان من غير لقطة.

واما من قال بالتحريم في خصوص الدرهم فما زاد كما هو ظاهر عبارة النهاية ولعله خصص عموم هذه الاخبار بأخبار جواز أخذ ما نقص عن الدرهم.

ومن فصل بين الكثير والقليل لعله نظر الى ظاهر صحيحة الفضيل بن يسار مع ما دل على جواز التقاط ما دون الدرهم.

وكيف كان فمع أخذها وتعريفها فقيل : انه يتخير بين الحفظ فتكون أمانة عنده وبين الصدقة ، فإن تصدق بها بعد الحول ، ففي الضمان قولان للشيخ : أحدهما ثبوته

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٣٩٠ الرقم ـ ٦.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٧٦.

٣٥٤

قال في النهاية في باب آخر من فقه الحج ، وكذا في المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس.

والقول الثاني في باب اللقطة من النهاية أنه لا ضمان عليه ، وهو قول المفيد وابن البراج ، وسلار ، وابن حمزة ، والمحقق في كتاب الحج من الشرائع ، ونسبه في المختلف أيضا الى ولده ، وجعل الأقوى الأول.

أقول : ويأتي على ما قدمناه القول بجواز التقاط ما دون الدرهم وتملكه تخصيص البحث هنا بما زاد على ذلك ، ونقل عن المحقق في كتاب اللقطة أنه جوز تملك ما دون الدرهم دون الزائد ، فخير بين إبقائه أمانة والتصدق به ولا ضمان

أقول : أما ما ذكره من التخيير بين الحفظ والتصدق فالروايات المتقدمة خالية عنه ، فإنها كلها متفقة على التصدق سوى رواية الفضيل بن غزوان ، وسيجي‌ء الكلام فيها إنشاء الله

وأما ما قيل : من عدم الضمان على تقدير التصدق ، فلعل منشؤه إطلاق الأمر بالتصدق في صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني ، ورواية محمد بن رجا الخياط ، ومتى كان مأمورا بالصدقة وقد امتثل فلا يتعقبه ضمان ، الا أن رواية على بن أبي حمزة قد دلت على الضمان متى جاء طالبه ، فيجب تقييد إطلاق الخبرين بها ، وبذلك تقوى القول بالضمان كما اختاره في المختلف.

الثاني قال في المختلف : كلام الشيخ يشعر بمنع أخذ ما زاد على الدرهم من اللقطتين ، وكذا قال ابن البراج ، وقال ابن على بن بابويه أفضل ما تستعمله في اللقطة إذا وجدتها في الحرم أو غير الحرم أن تتركها ولا تمسها ، وهو يدل على أولوية الترك ، والأشهر الكراهة

ثم استدل للقائلين بالتحريم بعصمة مال الغير وبحسنة الحسنين بن أبى العلاء المتقدمة ، وأجاب عنها بأنه لا منافاة بين عصمة مال الغير والالتقاط ، فانا لا تملكه إياها بمجرده ، بل نأمره بالتعريف والالتقاط ، وذلك حفظ لها قال : وقد روى زرارة (١)

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٣٩١.

٣٥٥

عن الباقر (عليه‌السلام) قال : «سألته عن اللقطة ، فأراني خاتما في يده من فضة ، قال : ان هذا مما جاء به السيل وانا أريد أن أتصدق به».

وذلك يدل على التسويغ أقول : والذي يقرب عندي من الاخبار الواردة في اللقطة مطلقا في الحرم أو غيره هو تحريم رفعها ، لأن الأخبار قد تكاثرت بالنهي عن ذلك الذي هو حقيقة في التحريم مؤكدا بذلك بقول على عليه‌السلام في رواية مسعدة المتقدمة وهي حريق من حريق جهنم ، وقوله عليه‌السلام في رواية على بن أبي حمزة بئس ما صنع ، غاية الأمر انه رخص للثقة الأمين جواز ذلك ، كما دلت عليه صحيحة الفضيل بن يسار ، ورواية الأخرى وبذلك يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ ومن تبعه.

الثالث قال في المختلف : قال على بن بابويه : وان وجدت في الحرم دينارا مطلقا فهو لك لا تعرفه ، وكذا قال ابنه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، والمشهور التحريم ، للعموم الدال على المنع من أخذ لقطة الحرم ، احتج بما رواه الفضيل بن غزوان ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال : والجواب المعارضة بما تقدم من الأحاديث.

أقول : لا يخفى أن ما نقله عن الشيخ على بن بابويه في هذا المقام من عباراته المنقولة في المواضع الثلاثة انما هو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي (١) حيث قال في الكتاب المذكور في باب اللقطة اعلم أن اللقطة لقطتان : لقطة الحرم ، ولقطة غير الحرم فأما لقطة الحرم فإنها تعرف سنة ، فان جاء صاحبها والا تصدقت بها ، وان كنت وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا تعرفه ، ولقطة غير الحرم تعرفها أيضا سنة ، فان جاء صاحبها والا فهي كسبيل مالك ، وان كان دون درهم فهو لك حلال ـ الى أن قال عليه‌السلام وأفضل ما تستعمله في اللقطة إذا وجدتها في الحرم أو غير الحرم أن تتركها فلا تأخذها ولا تمسها ، ولو أن الناس تركوا ما وجدوا جاء صاحبها وأخذها» ومنه يعلم أن مستند الشيخ المذكور فيما ذكره من هذه الأحكام وغيرها مما عرفت فيما تقدم انما هو الكتاب المذكور ، وان كانت ثمة أخبار تدل على ذلك أيضا.

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ١٤٤ نقل صدرها ونقل ذيلها في ج ٣ ص ١٥٤.

٣٥٦

نعم يبقى الكلام في أن الاخبار كما عرفت قد دلت على عدم جواز تملك لقطة الحرم ، وهو وجه الفرق بين لقطة غير الحرم وغيره ، فان الحكم في لقطة الحرم التخيير بين التملك والصدقة ، والحفظ أمانة ، وأما لقطة الحرم فقد عرفت من كلامهم أن الحكم فيها التخيير بين الحفظ والصدقة ، والظاهر من الاخبار كما عرفت انما هو الصدقة ، فالتملك فبها غير جائز ، وهذا الخبر قد دل على جواز التملك في خصوص الدينار المطلس ، وقد دل الخبران المذكوران على جواز تملكه ، فالواجب هو تخصيص الاخبار المذكورة بهما في خصوص هذا الفرد.

الرابع : ما اشتمل عليه خبر محمد بن رجا الخياط من التصدق بالثلث ان كان محتاجا مما قال به الشيخ (رحمة الله عليه) فقال : انه إذا كان محتاجا يجوز له تملك الثلثين والتصدق بالباقي.

وحمله العلامة على الضرورة ، وأنكر هذا القول ، وأنت خبير بما فيه ، فإنه يجوز انه لما كان من حيث احتياجه من مصارف الصدقة جاز له تملك الثلثين ويكون الأمر بالتصدق بالثلث محمولا على ضرب من الفضل والاستحباب ، على أنه مع رفع الأمر للإمام (عليه‌السلام) الذي هو صاحب الاختيار في التصدق وغيره ، أمره بما راى من أخذ الثلثين صدقة عليه ، وأن يتصدق بالثلث على غيره. فيكون الحكم مقصورا على هذه الصورة ، فلا منافاة فيه للأخبار الدالة على عدم جواز تملك لقطة الحرم.

وربما قيل : ان تقريره (عليه‌السلام) على أخذه يدل على جواز أخذ لقطة الحرم ، كما ذهب اليه البعض.

وفيه ان الإنكار قد وقع في غيره من الاخبار فيخص به هذا الخبر ، وانما هذا لما ابتلى بذلك جعل له المخرج لما ذكره (عليه‌السلام).

الخامس : قد اتفقت الأخبار المذكورة هنا بالنسبة إلى لقطة غير الحرم ان الحكم فيها بعد التعريف هو انها تكون كسبيل ماله.

ونحوها رواية داود بن سرحان (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «أنه قال في اللقطة : يعرفها

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٣٨٩.

٣٥٧

سنة ، ثم هي كسائر ماله ،. والأصحاب قد فهموا منها التملك واستدلوا بها على جواز تملكها بعد التعريف ، والخلاف هنا قد وقع في أنه هل تدخل في ملكه بعد التعريف بغير اختيار أو لا بد عن اختياره ذلك ، ظاهر كلام الشيخ في النهاية الأول ، فإنه قال : يعرفها سنة ، فان لم يجي‌ء صاحبها كانت كسبيل ماله ، وكذا قال ابن بابويه ، وبه جزم ابن إدريس.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إذا عرفها سنة لا تدخل في ملكه الا باختياره ، بأن يقول قد اخترت ملكها ، وكذا قال ابن حمزة وأبو الصلاح ، وقال الشيخ المفيد وسلار ، وان كان الموجود في غير الحرم عرف سنة ، فان جاء صاحبه والا تصرف فيه الذي وجده وهو ضامن له ، وليس فيه دلالة على شي‌ء من القولين ، بل هو محتمل لكل منهما ، قال ابن إدريس : الصحيح أنه يملكها بغير اختياره ، وهو مذهب أصحابنا أجمع ، وبه تواترت أخبارهم ، وقول الشيخ في الخلاف أنه يتخير بين حفظها على صاحبها ، وبين أن يتصدق بها عنه ، ويكون ضامنا وبين أن يتملكها مذهب الشافعي وابى حنيفة اختاره هيهنا والحق الصحيح إجماع أصحابنا على أنه بعد السنة كسبيل ماله أو يتصدق بها بشرط الضمان ، ولم يقولوا هو بالخيار بعد السنة في حفظها على صاحبها.

أقول : وعندي فيما ذكروه من دلالة هذه الاخبار على التملك سيما على القول بدخولها في الملك من غير اختياره إشكال ، فإن غاية ما تدل عليه هذه العبارة انها بعد التعريف سنة تكون كسبيل ماله ، والتشبيه لا يقتضي المساواة من كل وجه ، فيجوز ان يكون المراد بحفظها في جملة أمواله ويجرى عليها ما يجرى عليها.

ومما يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : سألته عن اللقطة قال : لا ترفعوها فان ابتليت فعرفها سنة ، فان جاء

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٣٩٠.

٣٥٨

طالبها والا فاجعلها في عرض مالك يجرى عليها ما يجرى على مالك الى أن يجي‌ء طالب».

وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال سألته عن اللقطة فقال : لا ترفعها فإذا ابتليت بها فعرفها سنة فان جاء طالبها والا فاجعلها في عرض مالك يجرى عليها ما يجرى على مالك حتى يجي‌ء لها طالب ، فان لم يجي‌ء بها طالب فأوص بها في وصيتك». وأنت خبير بان ظاهر الأمر بجعلها في عرض ماله حتى يجي‌ء لها طالب هو بقاء العين تلك المدة

وروى في من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن على بن جعفر (٢) أنه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) عن الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف يصنع ، قال : يعرفها سنة ، فان لم يعرف جعلها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها إياه ، وان مات أوصى بها ، وهو لها ضامن». وربما أشعر قوله وهو لها ضامن وبالتملك والتصرف ، ويمكن حمله على التفريط فيها يعنى وهو لها ضامن ان فرط في حفظها»

وروى المشايخ الثلاثة عطر الله مرقدهم عن أبى خديجة عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «ينبغي له أن يعرفها سنة في مجمع ، فان جاء طالبها دفعها اليه والا كانت في ماله ، وان مات كان ميراثا لولده ولمن ورثه فان لم يجي‌ء لها طالب كانت في أموالهم هي لهم ان جاء طالبها دفعوها اليه (٣).

وهذه الاخبار كلها ظاهرة في بقاء العين في يده مدة حياته أو يد ورثته وإطلاق الميراث عليها ، وأنها للورثة تجوز باعتبار اختصاصهم بحفظها

وبالجملة فإثبات التملك بهذا اللفظ مشكل

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٣٩.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ١٨٦.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٠٩ التهذيب ج ٦ ص ٣٩٧.

٣٥٩

نعم قد روى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن حنان بن سدير (١) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن اللقطة وأنا أسمع قال تعرفها سنة فان وجدت صاحبها والا فأنت أحق بها». قال في الفقيه : يعني لقطة غير الحرم وقال : هي كسبيل مالك وقال : خيره إذا جائك بعد سنة بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها ، والحديث ظاهر في جواز تملكها والتصرف فيها وضمانها بعد ظهور صاحبها ان طلبها.

وأما ما يدل على جواز الصدقة بها مع الضمان فهو ما رواه في التهذيب عن الحسين بن كثير (٢) عن أبيه قال : «سأل رجل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عن اللقطة فقال : يعرفها فان جاء صاحبها دفعها اليه والا حبسها حولا ، فان لم يجي‌ء صاحبها أو من يطلبها تصدق بها ، فان جاء صاحبها بعد ما تصدق بها ان شاء اغترمها الذي كانت عنده وكان الأجر له ، وان كره ذلك احتسبها والأجر له ،.

وأما ما يدل على حفظها وجعله أمانة عنده فليس الا الاخبار الأربعة التي ذكرنا منافاتها لاخبار الملك كما عرفت ، وحينئذ فإن عمل بهذه الاخبار على ظاهرها لزم منه القدح في دليلهم المتقدم ، بالتقريب الذي ذكرناه ، وان ارتكب فيها التأويل بما يرجع به الى الدلالة على الملك لزم أن يكون القول بالحفظ خاليا إذ ليس من الدليل في الباب سوى هذه الاخبار والله العالم.

الفصل الرابع روى الشيخ (قدس‌سره) عن على بن جعفر (٣) عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) قال : سألته عن رجل جعل ثمن جاريته هديا للكعبة كيف يصنع فقال : مر مناديا يقوم على الحجر فينادي ، ألا من قصرت به نفقته أو قطع به أو نفذ طعامه فليأت فلان بن فلان ، وأمره أن يعطي أولا فأولا حتى يتصدق بثمن الجارية».

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٣٩٦ الفقيه ج ٣ ص ٥٨٨.

(٢) التهذيب ج ٦ ص ٣٨٩.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٤٨٣.

٣٦٠