الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

الكون بها نصف الليل ، فله الخروج بعد الانتصاف حينئذ.

ونقل عن الشيخ (رحمه‌الله) أنه لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر ، وهو ضعيف مردود بإطلاق الأخبار الدالة على الاذن في الخروج بعد الانتصاف ، كقوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الثانية (١) : «فإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تبيت بغير منى». وقوله (عليه‌السلام) في رواية الحميري (٢) : «وإن كان خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس عليه شي‌ء». ومثلها رواية عبد الغفار الجازي (٣) بل صحيحة عيص بن القاسم الأولى (٤) ظاهرة في جواز دخول مكة قبل الفجر ، لقوله (عليه‌السلام): «وان زار بعد نصف الليل أو بسحر فلا بأس أن ينفجر الفجر وهو بمكة».

الخامس : أن ما دلت عليه رواية جعفر بن ناجية (٥) من وجوب ثلاث من الغنم على من بات ليالي منى بمكة قول الشيخ في النهاية وابن إدريس والعلامة في المختلف وجمع من الأصحاب.

وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : «من بات عن منى ليلة كان عليه دم ، فان بات عنها ليلتين كان عليه دمان ، فان بات الليلة الثالثة لا يلزمه ، لأن له النفر في الأول ، وقد ورد في بعض الأخبار أن من بات ثلاث ليال عن منى فعليه ثلاث دماء ، وذلك محمول على الاستحباب أو على من لم ينفر في الأول حتى غابت الشمس».

واعترضه ابن إدريس فقال : «التخريج الذي خرجه الشيخ لا يستقيم له ، وذلك أن من عليه كفارة لا يجوز له أن ينفر في النفر الأول بغير

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١ ـ ٢٣ ـ ١٤ ـ ٤ ـ ٦.

٣٠١

خلاف ، فقوله (رحمه‌الله) : أن ينفر في النفر الأول غير مسلم ، لأن عليه كفارة لأجل إخلاله بالمبيت ليلتين».

أقول : لا يخفى أن الكلام في هذه المسألة متفرع على الكلام في مسألة النفر الأول ، وذلك فإنه لا خلاف في جوازه لمن اتقى ، كما دلت عليه الآية (١).

لكن بقي الكلام في أن المراد بالتقى هل هو من اتقى الصيد والنساء في إحرامه أو من لم يكن عليه كفارة ، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله.

وكلام الشيخ في الخلاف والمبسوط مبني على الأول ، فيجوز له النفر الأول ، ومتى جاز له لم يلزمه دم ، والرواية عنده محمولة على من غابت عليه الشمس في الليلة الثالثة ، أو لم يتق الصيد أو النساء ، لوجوب المبيت في هاتين الصورتين.

وكلامه في النهاية وكذا كلام ابن إدريس محمول على الثاني ، كما أشار إليه ابن إدريس في عبارته المذكورة أولا بقوله : «وذلك أن من عليه كفارة لا يجوز له أن ينفر في النفر الأول» وقوله ثانيا : «لأن عليه كفارة ، لأجل إخلاله بالمبيت ليلتين» وحينئذ فتكون الرواية عنده على ظاهرها.

السادس : ما دل عليه صحيح رفاعة (٢) من جواز زيارة البيت أيام التشريق بما صرح به الأصحاب أيضا.

قال في المنتهى «ويجوز له أن يأتي إلى مكة أيام منى لزيارة البيت

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٠٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١.

٣٠٢

تطوعا وإن كان الأفضل المقام بها إلى انقضاء أيام التشريق إلا أنه لا يبيت إلا بمنى على ما قدمناه».

أقول : ويدل على ما ذكره من أفضلية المقام بمنى رواية ليث المرادي (١) وأما ما دلت عليه صحيحة عيص بن القاسم (٢) من النهي عن الزيارة بعد زيارة الحج أيام التشريق فهو في معنى حديث ليث المرادي.

السابع : قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه رخص في ترك المبيت لثلاثة : الرعاة ما لم تغرب عليهم الشمس بمنى ، وأهل سقاية العباس (٣) وإن غربت عليهم الشمس بمنى ، وكذا من له ضرورة بمكة كمريض يراعيه أو مال يخاف ضياعه بمكة.

وعلل في المنتهى الفرق بين الرعاة وأهل السقاية ـ باعتبار وجوب المبيت على الأولين مع الغروب دون الأخيرين ـ أن الرعاة إنما يكون رعيهم بالنهار ، وقد فات فتفوت الضرورة فيجب عليهم المبيت ، وأما أهل السقاية فشغلهم ليلا ونهارا ، فافترقا.

وقال في الدروس بعد تعداد هذه المواضع : «وتسقط الفدية عن أهل السقاية والرعاة ، وفي سقوطها عن الباقين نظر».

أقول : لم أقف في الأخبار على ما يتعلق بهذا المقام إلا على رواية مالك بن أعين (٤) المتقدم نقلها عن كتاب العلل الدالة على استئذان العباس من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن يبيت بمكة ليالي منى لأجل

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٥ ـ ٦.

(٣) هكذا في النسخة المخطوطة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٢١.

٣٠٣

سقاية الحاج فأذن له ، وهي صريحة في جواز المبيت لأجل السقاية في مكة تلك الليالي من غير دم ولا إثم.

المسألة الثانية :

يجب أن يرمي في كل يوم من أيام التشريق الجمار الثلاث ، كل جمرة بسبع حصيات.

قال في المنتهى : «ولا نعلم خلافا في وجوب الرمي ، وقد يوجد في بعض العبارات أنه سنة ، وذلك في بعض أحاديث الأئمة (عليهم‌السلام) (١) وفي لفظ الشيخ في الجمل والعقود ، وهو محمول على أنه ثابت بالسنة لا أنه مستحب».

أقول : ما ذكره من تأويل السنة بالحمل على ما ثبت وجوبه بالسنة جيد بالنسبة إلى الروايات متى وجد فيها هذا اللفظ مع معلومية الوجوب بدليل آخر ، وأما في عبائر الفقهاء فإنهم إنما يطلقونه على المعنى الأصولي المتعارف ، وتصريح الشيخ في الجمل والعقود بكون الرمي سنة انما جرى على ما قدمنا نقله عن التبيان من حكمه باستحباب هذه المناسك ، ومثله ما تقدم في كلام أمين الإسلام الطبرسي في تفسيره مجمع البيان.

وكيف كان فهذا القول مرغوب عنه ، لتكاثر الاخبار بالأوامر الدالة على الوجوب ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في المقام.

وينبغي أن يعلم أنه يجب هنا زيادة على ما تضمنته شروط الرمي المتقدمة الترتيب ، يبدأ أولا بالأولى ثم بالوسطى ثم جمرة العقبة ، ولو رماها

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٢١.

٣٠٤

منكوسة أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.

أما وجوب الترتيب فهو قول علمائنا أجمع ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ارم في كل يوم عند زوال الشمس ، وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة ، وابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل ، وقل كما قلت يوم النحر ، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد الله وأثن عليه وصل على النبي وآله ، ثم تقدم قليلا فتدعو وتسأله ان يتقبل منك ، ثم تقدم أيضا وافعل ذلك عند الثانية ، فاصنع كما صنعت بالأولى وتقف وتدعو الله كما دعوت ، ثم تمضى إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار فارم ولا تقف عندها.

واما ما يدل على وجوب الإعادة على الوجه المذكور لو رمى منكوسة ، فمنه ، ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل رمى الجمار منكوسة قال يعيد على الوسطى وجمرة العقبة.

وعن مسمع (٣) في الحسن ربه ، عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل نسي رمى الجمار يوم الثاني فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى يؤخر ما رمى بما يرمى ، ويرمى الجمرة الوسطى ثم جمرة العقبة».

قوله «يوم الثاني» أي يوم الرمي الثاني ، قوله «يؤخر ما رمى بما يرمى» أى يؤخر ما قدم رميه نسيانا وهو جمرة العقبة بما يرمى اعادة له :

وعن معاوية بن عمار (٤) في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «قلت له : الرجل ينكس في رمى الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى؟ قال : يعود فيرمى الوسطى ثم يرمى جمرة العقبة وان كان من الغد».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٦١.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٥.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٤٨٣.

٣٠٥

وما رواه في الفقيه عن معاوية بن عمار (١) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «قلت له : الرجل يرمى الجمار منكوسة قال : يعيدها على الوسطى وجمرة العقبة».

المسألة الثالثة ـ المشهور بين الأصحاب ان الرمي أيام التشريق ما بين طلوع الشمس الى الغروب ، وان كان كلما قرب من الزوال أفضل ، ذهب اليه الشيخ في النهاية ، والمبسوط والمفيد والسيد المرتضى وأبو الصلاح وابن حمزة وابن الجنيد وابن ابى عقيل وغيرهم ، فقال الشيخ في الخلاف «لا يجوز الرمي أيام التشريق الا بعد الزوال ، وقد روى رخصة قبل الزوال في الأيام كلها» وقال الشيخ على بن الحسين بن بابويه في رسالته : «ومطلق لك في رمى الجمار من أول النهار الى الزوال ، وقد روى من أول النهار الى آخره» وقال ابنه في المقنع «وارم الجمار في كل يوم بعد طلوع الشمس الى الزوال ، وكل ما قرب من الزوال فهو أفضل» ونحوه قال في كتاب من لا يحضره الفقيه «وزاد وقد رويت رخصة من أول النهار الى آخره.

والظاهر هو القول الأول ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن منصور بن حازم وابي بصير جميعا (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «رمى الجمار من طلوع الشمس الى غروبها».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «قلت له : الى متى يكون رمى الجمار؟ فقال : من ارتفاع النهار الى غروب الشمس».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٨٥.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٤٨١.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٨٩.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٢.

٣٠٦

(عليه‌السلام) يقول : رمى الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها».

وفي الصحيح أو الحسن عن زرارة (١) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) «انه قال للحكم بن عتيبة ما حد رمى الجمار؟ فقال : عند الزوال ، فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) أرأيت لو كانا رجلين فقال أحدهما لصاحبه : احفظ علينا متاعنا حتى ارجع أكان يفوته الرمي وهو والله ما بين طلوع الشمس الى غروبها».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن مهران (٢) قال : «سمعت أبا ـ عبد الله عليه‌السلام ، يقول : رمى الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها».

ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه احتج بإجماع الفرقة وطريق الاحتياط ، وان من رمى بعد الزوال كان فعله مجزئا إجماعا ، وقبله ليس كذلك لوجود الخلاف فيه وبما رواه معاوية بن عمار (٣) في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) أنه قال : ارم في كل يوم عند زوال الشمس».

وأجيب عنه بالمنع من الإجماع في موضع النزاع ، بل قال في المختلف : ان الإجماع قد دل على خلاف قوله ، وعن الاحتياط أنه ليس بدليل شرعي ، مع أنه معارض بأصالة البراءة ، وعن الرواية بالحمل على الاستحباب جمعا.

أقول : وهذه الرواية هي مستند الأصحاب في الأفضلية لما قرب من الزوال ، وقال في كتاب الفقه الرضوي (٤) : «ومطلق لك الرمي من أول النهار الى زوال الشمس ، وقد روى من أول النهار الى آخره ، وأفضل ذلك ما قرب من الزوال».

أقول : ومن هذه العبارة أخذ الشيخ على بن بابويه (رحمة الله عليه) عبارته المتقدمة بلفظها ، وكذا ابنه الصدوق في المقنع ومن لا يحضره الفقيه بمعناها ، ولا يجوز الرمي ليلا إلا لذوي الأعذار كالخائف والمريض والرعاة والعبيد.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٢٦.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٢ وص ٢٦١.

(٤) المستدرك ج ٢ ص ١٧٣.

٣٠٧

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ، ويضحى ويفيض بالليل».

وعن سماعة بن مهران (٢) في الموثق عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «رخص للعبد والخائف والواعي في الرمي ليلا».

وما رواه ابن بابويه عن أبى بصير (٣) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذي ينبغي له أن يرمى بليل من هو؟ قال : الحاطبة والمملوك الذي لا يملك من أمره شيئا والخائف والمدين والمريض الذي لا يستطيع أن يرمى ، يحمل الى الجمار فان قدر أن يرمى والا فارم عنه وهو حاضر».

وما رواه الكليني عن سماعة (٤) في الموثق عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) انه كره رمى الجمار بالليل ، ورخص للعبد والراعي في رمى الجمار ليلا».

وعن أبى بصير (٥) قال : قال : أبو عبد الله عليه‌السلام رخص رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لرعاة الإبل إذا جاؤوا بالليل أن يرموا».

ومن تعذر عليه الرمي وجب أن يرمى عنه ، ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار وعبد الرحمن ابن الحجاج جميعا (٦) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «الكسير والمبطون يرمى عنهما والصبيان يرمى عنهم».

وعن إسحاق بن عمار (٧) «أنه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المريض ترمى عنه الجمار ، قال : نعم يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه ، قال : لا يطيق ، فقال يترك في منزله ويرمى عنه.

وما رواه الشيخ عن رفاعة بن موسى (٨) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال :

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٣.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٨٦.

(٤ و ٥) الكافي ج ٤ ص ٤٨٥.

(٦ و ٧) الفقيه ج ٢ ص ٢٨٦.

(٨) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٨.

٣٠٨

سألته عن رجل أغمي عليه ، فقال : ترمى عنه الجمار».

وعن داود بن على اليعقوبي (١) قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن المريض لا يستطيع أن يرمى الجمار فقال يرمى عنه».

وعن يحيى بن سعيد (٢) عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن امرأة سقطت من المحمل فانكسرت ولم تقدر على رمى الجمار ، فقال : يرمى عنها وعن المبطون».

وعن حريز في الصحيح (٣) عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف به.

وعن حريز (٤) في الصحيح عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يطاف به ويرمى عنه ، قال : نعم إذا كان لا يستطيع».

ولا يشترط في استنابة المريض اليأس من البرء عملا بالإطلاق ولو زال عذره بعد فعل نائبه فلا اعادة عليه ولو أغمي على المريض بعد الاستنابة لم ينعزل النائب للأصل وإطلاق الاخبار.

ونقل عن بعض المتأخرين انه استشكل ذلك بأن الإغماء يوجب زوال الوكالة فتزول النيابة.

قال في المدارك «وهو ضعيف ، لأن إلحاق هذه الاستنابة بالوكالة في هذا الحكم لا يخرج عن القياس ، مع أنا نمنع ثبوت الحكم في الأصل ان لم يكن إجماعيا على وجه لا يجوز مخالفته ، لانتفاء الدليل عليه» انتهى.

أقول : ويظهر من موثقة إسحاق استحباب حمل المريض إلى الجمرة والرمي

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٨.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٨.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ١٢٣.

٣٠٩

بحضوره ، ومثلها رواية أبي بصير المتقدمة ، ويستفاد من صحيحة رفاعة أنه لو أغمي عليه قبل الاستنابة فإنه يرمى عنه بعض المؤمنين ، سيما إذا خيف فوات الوقت ، وربما ظهر من الرواية وجوب ذلك كفاية.

المسألة الرابعة ـ قد تقدم أنه من المقطوع به نصا وفتوى وجوب الترتيب بين الجمار الثلاث ، وعن المقطوع به فيها أيضا أنه يحصل الترتيب بمتابعة أربع حصيات لا أقل ، فيبني عليها.

ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «وقال في رجل رمى الاولى بأربع والأخيرتين بسبع سبع ، قال يعود فيرمي الأولى بثلاث وقد فرغ ، وان كان رمى الاولى بثلاث ورمى الأخيرتين بسبع سبع فليعد فليرمهن جميعا بسبع سبع ، وان كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع ، فان كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث» الحديث.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع قال : يعيد برميهن جميعا بسبع سبع ، قلت : فان رمى الاولى بأربع والثانية بثلاثة والثالثة بسبع؟ قال : يرمى الجمرة الأولى بثلاث ، والثانية بسبع ، ويرمى جمرة العقبة بسبع ، قلت : فان رمى الجمرة الأولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع؟ قال : يعيد فيرمي الأولى بثلاث ، والثانية بثلاث ، ولا يعيد على الثالثة».

وعن على بن أسباط (٣) قال : قال أبو الحسن (عليه‌السلام): إذا رمى الرجل الجمار أقل من أربع لم يجزه ، أعاد عليها وأعاد على ما بعدها وان كان قد أتم ما بعدها. وإذا رمى شيئا منها أربعا بنى عليها ولم يعد على ما بعدها ان كان قد أتم رميه».

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٨٣.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٥.

(٣) التهذيب ج ٦ ص ٢٦٦.

٣١٠

وحسنة الحلبي (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في رجل رمى الجمار منكوسة ، قال : يعيد على الوسطى وجمرة العقبة». وان كان قد رمى من الجمرة الأولى أقل من أربع حصيات وأتم الجمرتين الأخيرتين ، فليعد على الثلاث الجمرات ، وان كان قد رمى من الأولى أربعا فليتم ذلك ، ولا يعيد على الأخيرتين ، وكذلك ان كان قد رمى من الثانية ثلاثا فليعد عليها وعلى الثالثة ، وان كان قد رماهما بأربع ورمى الثالثة بسبع فليتمها ولا يعيد الثالثة.

وهذه الرواية الأخيرة نقلها السيد السند في المدارك ، ولم أقف عليها في كتب الاخبار ولا سيما الوافي والوسائل الجامعين لما في الكتب الأربعة ، بل وغيرها

والظاهر أن نقل الرواية بهذه الكيفية وقع سهوا من صاحب المدارك ، وذلك فان الظاهر أن صاحب المدارك انما نقلها من التهذيب ، وصاحب التهذيب انما نقلها من الكافي حيث أنه نقل قبل هذه الرواية سندا هكذا صورته «محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا ثم ساق الرواية ، ثم قال بعد تمام هذه الرواية : وعنه عن على بن إبراهيم عن أبيه ثم ساق حسنة الحلبي المذكور ، وهو في الكافي إلى قوله «يعيد على الوسطى وجمرة العقبة» وبه يظهر أن قوله وان كان قد رمى من الجمرة الأولى أقل من أربع حصيات الى آخر ما نقله في المدارك انما هو من كلام الشيخ في التهذيب ، كما يدل عليه استدلاله بعد هذا الكلام بالروايات.

ولكن صاحب المدارك توهم أنه من متن الرواية ، وقد غفل عن ملاحظة المخبر من الكافي ، فإنه عار عن هذه الزيادة ، والموجود فيه هو ما نقلناه ، كما لا يخفى على من راجعه.

وإطلاق هذه الاخبار وان كان يقتضي البناء على الأربع مطلقا ، عامدا كان أو ناسيا أو جاهلا الا أن الأصحاب (رضوان الله عليهم) قيدوها بحالتي الجهل والنسيان ، وصرحوا بوجوب الإعادة من رأس على التي لم يكمل عددها سبعا مع العمد

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٨٣ نقل صدرها والتهذيب ج ٥ ص ٢٦٥.

٣١١

وعلى التي بعدها ، لتحريم الانتقال إلى المتأخرة قبل إكمال المتقدمة وهو جيد لما ثبت من وجوب الرمي بسبع.

وبالجملة فالظابط على تقدير الجهل والنسيان أن من رمى واحدة أربعا وانتقل منها إلى الأخرى كفاه إكمال الناقصة وان كان أقل من أربع ، فلا خلاف في أنه يستأنف ما بعدها ، لما تقدم من تحريم الانتقال إلى المتأخرة قبل إكمال المتقدمة وانما الخلاف في استيناف الناقصة وإكمالها ، فالمشهور الأول وهو المعتضد بالأخبار المتقدمة ، ونقل عن ابن إدريس الاكتفاء بإكمالها ، لعدم وجوب الموالاة في الرمي.

وفي كتاب الفقه الرضوي (١) «وان جهلت ورميت إلى الأولى بسبع والى الثانية بست ، والى الثالثة بثلاث فارم إلى الثانية بواحدة وأعد الثالثة ، ومتى لم تجز النصف فأعد الرمي من أوله ، ومتى ما جزت النصف فابن على ذلك ، وان رميت إلى الجمرة الأولى دون النصف فعليك أن تعيد الرمي إليها والى ما بعدها من أوله».

وهذه العبارة بلفظها قد نقلها في المختلف عن الشيخ على بن بابويه ، وهو من جملة ما قدمنا ذكره في غير موضع من أخذ عبارات الكتاب المذكور والإفتاء بها.

المسألة الخامسة ـ لا خلاف في ان من ترك الرمي عامدا وجب عليه قضاؤه ولا يحرم عليه بذلك شي‌ء من محذورات الإحرام لأنه قد أحل بعد طواف النساء من جميع المحرمات ، وهذا الرمي متأخر عنه.

واما ما ورد في رواية عبد الله بن جبلة (٢) عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «من ترك رمى الجمار متعمدا لم تحل له النساء ، وعليه الحج من قابل». فهو مع كونه معارضا بالأخبار المستفيضة الدالة على التحليل بالمحللات الثلاثة المتقدمة لا قائل به من الأصحاب.

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ١٨٤.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٥.

٣١٢

وقال الشهيد في الدروس : انها محمولة على الاستحباب ، لعدم الوقوف على القائل بالوجوب.

وقال في المنتهى : قال الشيخ (رحمة الله عليه) وقد روى أن من ترك الجمار متعمدا لا تحل له النساء وعليه الحج من قابل ، رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، ثم ساق الرواية المشار إليها إلى أن قال : قال الشيخ وهذا محمول على الاستحباب ، لأنا قد بينا في كتابنا الكبير أن الرمي سنة وليس بفرض ، وإذا لم يكن فرضا ولا هو من أركان الحج لم يجب عليه اعادة الحج بتركه ، ثم قال في المنتهى : وهذا يدل على اضطراب رأى الشيخ (رحمة الله عليه) في وجوب الرمي.

أقول : قد عرفت في غير موضع مما تقدم تصريحه بالاستحباب في الرمي ، ونحوه من مناسك منى وأكثر كلامه يدور على ذلك ، واستصوب في الوافي حمل الرواية المذكورة على من ترك الرمي استخفافا وبالجملة فالخبر غير معمول به ، وقائله أعرف به.

ولو تركه نسيانا فان ترك رمى يوم قضاه من الغد مرتبا يبدء بالفائت ويعقب بالحاضر ، ويستحب أن يكون ما يرميه لأمسه غدوة ، وما يرميه ليومه عند الزوال.

أما وجوب قضاء ما فاته من الغد فيدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت : الرجل ينكس في رمى الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى قال : فيعود فيرمى الوسطى ثم يرمى جمرة العقبة وان كان من الغد».

ويدل على الحكمين معا ما رواه في الكافي الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في رجل أفاض من جمع حتى انتهى الى منى فعرض له عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس قال : يرمى إذا أصبح مرتين إحديهما بكرة وهي للأمس ، والأخرى عند زوال الشمس وهي ليومه». ورواه

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٨٣.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٤٨٤ الفقيه ج ٢ ص ٢٨٥.

٣١٣

الصدوق في الفقيه في الصحيح عنه مثله.

ورواه الشيخ في الصحيح أيضا عنه (١) الا انه «قال يرمى إذا أصبح مرتين مرة لما فاته والأخرى ليومه الذي يصبح فيه وليفرق بينهما أحدهما بكرة وهي للأمس» الحديث.

وما رواه الشيخ عن بريد بن معاوية العجلي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي الجمرة الوسطى في اليوم الثاني ، قال : فليرمها في اليوم الثالث لما فاته ، ولما يجب عليه في يومه ، قلت : فان لم يذكر الا يوم النفر قال : فليرمها ولا شي‌ء عليه».

قال : في المدارك «وينبغي إيقاع الفائت بعد طلوع الشمس وان كان الظاهر جواز الإتيان به قبل طلوعها أيضا لإطلاق الخبر.

أقول : يمكن المناقشة فيه بأن ما دل من الاخبار المتقدمة على التحديد بما بين طلوع الشمس الى غروبها أعم من الأداء والقضاء ، فيكون إطلاق هذا الخبر مقيدا بتلك الاخبار.

ويؤيده أيضا رواية إسماعيل بن همام (٣) قال : «سمعت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) يقول : لا ترم الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس».

والروايات المتقدمة الدالة على تخصيص الرمي في غير هذا الوقت بأصحاب الاعذار ، وبما ذكرنا صرح في المنتهى ايضا حيث قال بعد ذكر هذا الوقت في الأداء «وكذلك القضاء فإنه بعد طلوع الشمس من اليوم الثاني».

وروى في الكافي عن عبد الأعلى (٤) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : قلت له : رجل رمى الجمرة بست حصيات ووقعت واحدة في الحصا؟ قال : يعيدها ان شاء من ساعته ، وان شاء من الغد».

وعن معاوية بن عمار (٥) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) انه قال

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٢ و ٢٦٣.

(٣ و ٤) الكافي ج ٤ ص ٤٨٢ و ٤٨٣.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٦ الكافي ج ٤ ص ٤٨٣.

٣١٤

في رجل أخذ احدى وعشرين حصاة فترمي بها فزاد واحدة فلم يدر من أيتهن نقصت ، قال : فليرجع فليرم كل واحدة بحصاة ، ولو نسي الرمي حتى نزل إلى مكة رجع ورمى.

ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح. أو الحسن عن معاوية بن عمار (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له رجل نسي ان يرمى الجمار حتى اتى مكة قال : فيرجع فيرميها يفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت : فاته ذلك وخرج؟ قال ليس عليه شي‌ء».

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (٢) في الصحيح قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل نسي رمى الجمار قال : يرجع فيرميها قلت : فان نسيها حتى اتى مكة قال يرجع فيرمى متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت : فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال : ليس عليه شي‌ء أن يعيد».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) ما تقول في امرأة جهلت أن ترمى الجمار حتى نفرت إلى مكة قال : فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمى والرجل كذلك».

وينبغي أن يعلم أن ما دل عليه إطلاق هذه الاخبار من القضاء مطلقا وان كان بعد القضاء أيام التشريق ، وأنه بعد الخروج ليس عليه شي‌ء كما في الخبر الأول أو ليس عليه أن يعيد» مقيد بما صرح به الأصحاب من ان القضاء لا يكون إلا في أيام التشريق ومع فواتها فيجب القضاء في القابل بنفسه أو نائبه.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن عمر بن يزيد (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : من أغفل رمى الجمار أو بعضها حتى تمضى أيام التشريق ، فعليه أن يرميها

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٨٤.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٤.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٤٨٤ الفقيه ج ٢ ص ٢٨٥.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٤.

٣١٥

من قابل ، فان لم يحج رمى عنه وليه ، فان لم يكن له ولى استعان برجل من المسلمين يرمى عنه ، فإنه لا يكون رمى الجمار إلا أيام التشريق.

والشيخ قد حمل قوله في الصحيحتين المذكورتين «ليس عليه شي‌ء أو أن يعيد» على الإعادة في ذلك العام ، وأنه يجب عليه الإعادة في العام القابل ، واستدل على ذلك برواية عمر بن يزيد المذكورة.

وصريح المحقق في النافع وظاهره في الشرائع ان الإعادة في القابل انما هي على سبيل الاستحباب واليه مال في المدارك ، لضعف رواية عمر بن يزيد المذكورة فيبقى العمل بإطلاق الصحيحتين المذكورتين سالما عن المعارض وهو جيد على أصله الغير الأصيل.

فروع ـ الأول لو فاته جمرة وجهل تعيينها أعاد على الثلاث مرتبا بينها ، لاحتمال كونها الاولى ، فيبطل رمى الأخيرتين ، وهذا الحكم متفرع على وجوب الترتيب ، وكذا لو فاته أربع حصيات من جمرة وجهلها ، فإنه يكون في حكم عدم الرمي بالكلية لما تقدم.

ولو فاته دون الأربع كرره على الثالث ولا يجب الترتيب هنا ، لأن الفائت من واحدة لا غير ، ووجوب الباقي انما هو من باب المقدمة ، كما لو فاته فريضة من الخمس مشتبهة فيها ، فإنه لا يجب عليه الترتيب.

الثاني : لو فاته من كل جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب لتعدد الفائت بالإضافة.

الثالث : لو فاته ثلاث وشك في كونها من واحدة أو أكثر رماها من كل واحدة مرتبا لجواز التعدد فلا يحصل اليقين بالبراءة إلا به ، وأما لو كان الفائت أربعا فقد عرفت أنه يستأنف.

المسألة السادسة

قد صرح الأصحاب بأنه من المستحبات هنا الإقامة بمنى أيام التشريق ، لما تقدم

٣١٦

في صحيح عيص بن القاسم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الزيارة بعد زيارة الحج في أيام التشريق ، فقال : لا».

ورواية ليث المرادي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يأتي مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت ، فيطوف بالبيت أسبوعا فقال : المقام بمنى أفضل وأحب الى».

وقد ورد بما يدل على جواز الطواف في المدة المذكورة روايات ، منها صحيحة رفاعة المتقدمة قريبا (٣).

ومنها

صحيحة جميل بن دراج (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف بها في أيام منى ولا يبيت بها.

وصحيحة يعقوب بن شعيب (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن زيارة البيت أيام التشريق ، فقال : حسن». ولا منافاة فإن جواز الطواف لا ينافي أفضلية المقام.

روى الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (٦) قال : قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام رجل زار فقضى طواف حجه كله ، أيطوف بالبيت أحب إليك أم يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال : أى ذلك شاء فعل ما لم يبت». فإنه ربما أشعر بالمساواة بين الأمرين ، ويمكن حمل التخيير على الفضيلة دون الأفضلية. مع احتمال التقية

ومنها أن يرمى الجمرة الأولى عن يمينه وهي أبعد الجمرات من مكة ، وتلي مسجد الخيف ، ويقف ويدعو وكذلك الثانية ، ويرمى الثالثة ، وهي جمرة العقبة مستدبر القبلة مقابلا لها ولا يقف عندها.

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٤ ص ٥١٥.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٠.

(٤ و ٥) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٠.

(٦) التهذيب ج ٥ ص ٤٩٠.

٣١٧

ويدل على ذلك ما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «ارم في كل يوم عند زوال الشمس ، وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة ، وابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل ، وقل كما قلت يوم النحر ، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة فاحمد الله وأثن عليه وصل على النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تقدم قليلا فتدعو وتسأله أن يتقبل منك ثم تقدم أيضا ثم افعل ذلك عند الثانية فاصنع كما صنعت بالأولى ، وتقف وتدعو الله كما دعوت ثم تمضى إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار فارم ولا تقف عندها».

وعن يعقوب بن شعيب (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجمار ، فقال : قم عند الجمرتين ، ولا تقم عند جمرة العقبة ، قلت : هذا من السنة ، قال : نعم قلت : ما أقول إذا رميت؟ فقال : كبر مع كل حصاة».

قال : في المدارك وليس في هذه الرواية ولا في غيرها مما وقفت عليه من روايات الأصحاب دلالة على استحباب استدبار القبلة في رمى الجمرة العقبة ، لكن قال في المنتهى : انه قول أكثر أهل العلم ، واحتج لما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) «أنه رماها كذلك» ولعل مثل ذلك كاف في إثبات هذا الحكم انتهى.

وفي صحيحة إسماعيل بن همام (٣) «ترمى الجمار من بطن الوادي وتجعل كل جمرة عن يمينك».

وقد تقدم في صحيح معاوية (٤) «فابدء بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل». والمراد بيسارها جانبها اليسار بالإضافة إلى التوجه إلى القبلة ، وحينئذ فيجعلها عن يمينه كما دلت عليه صحيحة إسماعيل المذكورة.

وبذلك صرح المحقق في النافع فقال : ويستحب الوقوف عند كل جمرة ، ويرميها عن يسارها مستقبل القبلة ، ويقف داعيا عدا جمرة العقبة ، فإنه يستدبر القبلة

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٤ ص ٤٨٠ و ٤٨١.

(١ و ٢) الكافي ج ٤ ص ٤٨٠ و ٤٨١.

٣١٨

ويرميها عن يمينها.

ومنها التكبير بمنى ، وهو عقيب خمس عشرة صلاة أولها ظهر النحر ، وفي البلدان عقيب عشر صلوات أولها ظهر يوم النحر أيضا ، وتحقيق البحث فيه يقع في موضعين : أحدهما أن المشهور استحبابه ، وقيل بالوجوب ، ذهب اليه المرتضى (رضى الله عنه) وابن حمزة.

واحتج عليه المرتضى بإجماع الفرقة وبقوله عزوجل (١) «وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ» فان المراد بالذكر فيها هو التكبير ، لما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل «وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ» قال التكبير في أيام التشريق صلاة الظهر من يوم النحر الى صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وفي الأمصار عشر صلوات ، فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار ، ومن أقام بمنى فصلى بها الظهر والعصر فليبكر ، وعن منصور بن حازم (٣) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) ، في قول الله عزوجل «وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ» قال : هي أيام التشريق كانوا إذا قاموا بمنى بعد النحر تفاخروا ، فقال الرجل منهم : كان أبى يفعل كذا وكذا فقال الله عزوجل (٤) «فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ. فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً» قال : والتكبير الله أكبر» الحديث. وسيأتي تمامه وقد تقدم تحقيق القول في الموضع المذكور في باب صلاة العيد من كتاب الصلاة (٥).

وثانيهما الكيفية وقد تقدم البحث فيها مستوفى في الموضع المشار إليه.

المسألة السابعة إذا رمى الحاج الجمار الثلاث في اليوم الأول من أيام التشريق وفي اليوم الثاني جاز له أن ينفر من منى ، وهو النفر الأول ويسقط عنه رمى اليوم

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٠٣.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٩ الكافي ج ٤ ص ٥١٦.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٥١٦.

(٤) سورة البقرة ـ ١٩٨.

(٥) جلد ١٠ ص ٢٧٧.

٣١٩

الثالث ، وجواز هذا النفر مخصوص بمن كان قد اتقى في إحرامه الصيد والنساء ،

قال في المنتهى : «وقد أجمع أهل العلم كافة على أن من أراد الخروج من منى شاخصا عن الحرم غير مقيم بمكة فله ان ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق ، لا نعلم فيه خلافا».

أقول : والأصل في هذه المسألة قوله عزوجل (١) «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ... لِمَنِ اتَّقى» وقيل في المقام اشكال ، وهو أن ظاهر قوله سبحانه «وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» يعطي أن التأخير ربما كان مظنة للإثم فنفى ذلك بقوله «لا اثم عليه» مع أن التأخير أفضل للإتيان بمناسك اليوم الثالث ، فكيف يتوهم تقصيره وكونه مظنة للإثم ليحتاج الى نفيه عنه.

وقد أجيب عن ذلك بوجوه : منها أن الرخصة قد تكون عزيمة ، كما في التقصير ، فلمكان هذا الاحتمال رفع الحرج في الاستعجال والتأخر دلالة على التخيير بين الأمرين.

ومنها أن أهل الجاهلية كانوا فريقين : فمنهم من يجعل المتعجل آثما ، ومنهم من يجعل المتأخر آثما فبين الله تعالى ، أن لا اثم على كل منهما.

ومنها أن المعنى في إزالة الإثم على المتأخر انما هو لمن زاد على مقام ثلاثة أيام ، فكأنه قيل : أن أيام منى التي ينبغي المقام بها ثلاثة فمن نقص فلا أثم عليه ، ومن زاد على الثلاثة ولم ينفر مع عامة الناس فلا شي‌ء عليه.

ومنها أن هذا من باب رعاية المقابلة والمشاكلة مثل «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» بل هذا أولى لأن المندوب يصدق عليه أنه لا اثم على صاحبه فيه ، وجزاء السيئة ليس سيئة أصلا.

وهذا الوجه نقله في مجمع البيان عن الحسن بتقرير يرجع الى ما ذكر ، حيث قال : الثاني أن معناه لا اثم عليه في التعجيل والتأخير وانما نفى الإثم لئلا يتوهم متوهم أن في التعجيل إثما ، وانما قال : فلا اثم عليه في التأخير على جهة المزاوجة ، كما

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ٢٠٣.

٣٢٠