الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

وما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلم أظفارك وخذ من شاربك».

وقال في المنتهى : «ويستحب لمن حلق رأسه أن يقصر بقلم أظفاره والأخذ من شاربه» ثم أورد رواية عمر بن يزيد ، وقال : «ولا نعلم في ذلك خلافا».

وأما استقبال القبلة حال الحلق فلم أقف فيه على خبر إلا ما تقدم من كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه ، ويحتمل أن يكون قد استند فيه إلى ما اشتهر بينهم من حديث (٢) «خير المجالس ما استقبل به القبلة». كما ذكروه في الجلوس للوضوء.

المسألة الثانية :

اختلف الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في ترتيب المناسك الثلاثة يوم النحر هل هو على جهة الوجوب : الرمي ثم الذبح ثم الحلق أو الاستحباب ، قولان :

وبالأول قال الشيخ في المبسوط والاستبصار ، وإليه ذهب أكثر المتأخرين ومنهم العلامة في أكثر كتبه والمحقق في الشرائع وغيرهما.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

٢٤١

وبالثاني قال الشيخ في الخلاف ، وابن أبي عقيل وأبو الصلاح وابن إدريس ، واختاره في المختلف.

ويدل على الوجوب رواية عمر بن يزيد (١) المتقدمة ، لقوله (عليه‌السلام) فيها : «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك». لدلالة ألفا على الترتيب.

ورواية جميل بن دراج (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق ، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح».

وصحيحة معاوية بن عمار أو حسنته (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا رميت الجمرة فاشتر هديك» الحديث.

وموثقة عمار الساباطي (٤) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته ـ إلى أن قال ـ : وعن رجل حلق قبل أن يذبح ، قال : يذبح ويعيد الموسى ، لأن الله تعالى (٥) يقول (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)».

ورواية سعيد السمان (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عجل النساء ليلا من المزدلفة إلى منى ، فأمر من كان عليها منهن هدي أن ترمي ولا تبرح حتى تذبح ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣ ـ ١ ـ ٨.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٦٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٥.

٢٤٢

ومن لم يكن عليها منهن هدي أن تمضي إلى مكة حتى تزور».

وصحيحة أبي بصير (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : لا بأس أن تقدم النساء إذا زال الليل ، فيقفن عند المشعر الحرام ساعة ، ثم ينطلق بهن إلى منى ، فيرمين الجمرة ، ثم يصبرن ساعة ، ثم ليقصرن وينطلقن إلى مكة ، إلا أن يكون أردن أن يذبح عنهن ، فإنهن يوكلن من يذبح عنهن».

وصحيحة سعيد الأعرج (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل ، قال : نعم ـ إلى أن قال ـ : ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ، فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن» الحديث.

ورواية موسى بن القاسم عن علي (٣) قال : «لا يحلق رأسه ولا يزور البيت حتى يضحي ، فيحلق رأسه ويزور متى شاء». إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.

وظاهر آية (٤) «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» هو وجوب ترتيب الحلق على الذبح أو التوثق من الهدي في رحله بمنى الذي هو قائم مقام الذبح ، وبه فسرت الآية كما تقدم ، ويعضده أيضا أنه المعلوم يقينا من فعلهم (عليهم‌السلام) ولا يعلم يقين براءة الذمة إلا

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٧ ـ ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٩.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٦.

٢٤٣

بمتابعتهم ، لعدم الدليل الواضح على التخصيص المجوز للخروج عن ذلك كما ستعرفه إنشاء الله تعالى.

احتج القائلون بالاستحباب بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن جميل بن دراج (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق قال : لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا ، ثم قال : إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أتاه أناس يوم النحر ، فقال بعضهم : يا رسول الله حلقت قبل أن اذبح ، وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئا ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه ، ولا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال : لا حرج».

وما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (٢) قال : «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه‌السلام) : جعلت فداك إن رجلا من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر وحلق قبل أن يذبح ، قال : إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين ، فقالوا : يا رسول الله ذبحنا من قبل أن نرمي وحلقنا من قبل أن نذبح ، فلم يبق شي‌ء مما ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه ولا شي‌ء مما ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لا حرج لا حرج».

وأجاب الشيخ عنهما بالحمل على حال النسيان ، والأقرب الحمل على الجهل ، وهو عذر شرعي قد تكثرت الأخبار (٣) به ولا سيما في باب الحج.

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤ ـ ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب

٢٤٤

وبذلك يظهر قوة القول بوجوب الترتيب ، لاتفاق الآية والروايات المتقدمة على وجوب الترتيب بلا إشكال معتضدا ذلك بملازمتهم (عليهم‌السلام) على ذلك زيادة على أوامرهم ، وبأنه هو الأحوط في الدين.

وبذلك يظهر لك ما في كلام شيخنا العلامة في المختلف ، حيث استدل على الاستحباب بصحيحة عبد الله بن سنان (١) الآتية في المقام ، وصحيحة جميل بن دراج (٢) ومثلهما رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر (٣) ولم يحتج للشيخ في مقابلة هذه الأخبار إلا بحديث (٤) «خذوا عني مناسككم». ورواية موسى بن القاسم عن علي (٥) ثم أجاب عنهما بالحمل على الاستحباب جمعا ، وغفل عن الآية التي هي الأصل ، مع أنه في المنتهى جعلها مبدأ الاستدلال على الوجوب ، وغفل عما سردناه من الأخبار الظاهرة بل الصريحة كما في أكثرها ، وأن المعارض يضعف عن المعارضة للاحتمال الذي قدمناه.

وكذا ما ذكره في المدارك. حيث إنه لم ينقل من أدلة الوجوب إلا

__________________

الجهاد والباب ـ ٤٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤ والباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد والباب ـ ٢ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع والباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام والباب ـ ٨٠ ـ من أبواب الطواف والباب ـ ٤ ـ من أبواب التقصير والباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الإحرام بالحج والوقوف بعرفة ـ الحديث ١.

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٠ ـ ٤ ـ ٦ ـ ٩.

(٤) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

٢٤٥

حديث (١) «خذوا عنى مناسككم». ورواية جميل (٢) قال : «تبدأ بمنى بالذبح». ورواية موسى بن القاسم عن علي (٣) وطعن فيها بأنها لا تخلو من قصور في دلالة أو ضعف في سند ، ثم قال : «والمسألة محل تردد ، ولعل الوجوب أرجح» وغفل عن الروايات الصحيحة التي ذكرناها والآية الشريفة التي هي أصرح صريح ، ولا ريب في ضعفه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

ثم إنه على تقدير القول بالوجوب فظاهرهم الاتفاق على أنه لو خالف وقدم بعضها على بعض عامدا كان أو ساهيا أو جاهلا فلا إعادة عليه وإن أثم ، وهو مشكل بالنسبة إلى العامد ، سيما مع دلالة موثقة عمار (٤) المتقدمة على الإعادة ، حيث أمره بإمرار الموسى على رأسه بعد الذبح الذي هو عوض عن الحلق ، مستدلا بالآية (٥) المذكورة ، وهي محمولة عندنا على العامد ، جمعا بينها وبين صحيحة جميل بن دراج (٦) المذكورة.

وبالجملة فإنه متى كان الترتيب واجبا وأخل به عمدا فتحقق الامتثال والحال هذه مشكل ، ومقتضى القواعد هو الإعادة على ما يحصل به الترتيب إلا أن ظاهرهم الاتفاق على الاجزاء ، حيث أسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

ويمكن أن يستدل لهم بصحيحة عبد الله بن سنان (٧) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦ و ٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣ ـ ٩ ـ ٨ ـ ٤ ـ ١٠.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٩٦.

٢٤٦

قال : «سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي قال : لا بأس ، وليس عليه شي‌ء ، ولا يعودن». والتقريب فيها أن النهي عن العود يدل على التحريم ، مع أنه نفى البأس عما فعله المؤذن بصحته ، إلا أنه يبقى الكلام في الجمع بينها وبين رواية عمار (١) المتقدمة ، ويمكن حمل هذه الصحيحة على غير صورة العمد ، فإنه لا بأس اتفاقا ، والنهي إنما توجه إلى العمد بعد ذلك.

وكيف كان فالاحتياط يقتضي الإعادة في صورة العمد ، والله العالم.

المسألة الثالثة :

ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب تقديم الحلق أو التقصير على زيارة البيت للطواف والسعي ، وهو المعهود من فعلهم (عليهم‌السلام) وإليه تشير الأخبار الآتية.

قال في المدارك : «ولا ريب في وجوب تقديم الحلق أو التقصير على زيارة البيت للتأسي والأخبار الكثيرة».

أقول : أما التأسي ففيه ما عرفت في غير مقام ، وهو تارة يستدل به على الوجوب وتارة يرده.

وأما الأخبار الكثيرة فلم يصل نظري القاصر إلى شي‌ء من الأخبار الصريحة في ما ادعاه سوى صحيحة على بن يقطين (٢) الآتية ، وقريب منها

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

٢٤٧

صحيحة محمد بن مسلم (١) الآتية أيضا ، نعم أخبار المسألة الآتية مشعرة بذلك.

وكيف كان فإنه متى خالف وقدم زيارة البيت على الحلق أو التقصير فلا يخلو إما أن يكون ذلك عن عمد أو نسيان أو جهل ، فهاهنا مواضع ثلاثة :

الأول : ما إذا خالف عامدا عالما بالحكم ، والمقطوع به في كلامهم أنه يجب عليه دم شاة ، وإنما الكلام في أنه هل يجب عليه إعادة الطواف أم لا؟

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك : «إن وجوب إعادة الطواف على العامد موضع وفاق».

وفي الدروس «وإن كان عالما وتعمد فعليه شاة ، قاله الشيخ وأتباعه ، وظاهرهم أنه لا يعيد الطواف».

أقول : لا ريب أن الأوفق بالقواعد الشرعية هو وجوب الإعادة ، لأن الطواف الذي أتى به وقع على خلاف ما رسمه صاحب الشريعة ، ففي إجزائه مع عدم الدليل إشكال.

ويدل على ذلك إطلاق صحيحة علي بن يقطين (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصر حتى زارت البيت فطافت وسعت في الليل ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال : لا بأس به ، يقصر ويطوف للحج ثم يطوف للزيارة ، ثم قد أحل من كل شي‌ء».

وأما ما يدل على وجوب الدم في الصورة المذكورة فهو ما رواه الشيخ في

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

٢٤٨

الصحيح عن محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) «في رجل زار البيت قبل أن يحلق فقال : إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أن ذلك لا ينبغي له ، فان عليه دم شاة».

الثاني : أن يكون ناسيا ، وظاهر الأكثر أن عليه إعادة الطواف خاصة بعد الحلق أو التقصير ، ويدل عليه إطلاق صحيحة علي بن يقطين (٢) المتقدمة. وفي المدارك «أنه المعروف من مذهب الأصحاب» مع أن المحقق في الشرائع قال : «ولو كان ناسيا لم يكن عليه شي‌ء ، وعليه إعادة الطواف على الأظهر» وهو مؤذن بوجوب الخلاف في ذلك.

وقال في المسالك : «وفي الناسي وجهان : أجودهما الإعادة أيضا وإن لم تجب عليه الشاة».

وربما أشعرت صحيحة جميل بن دراج (٣) المتقدمة بالعدم ، حيث قال فيها : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال : لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا».

قال في الدروس : «وفي صحيح جميل بن دراج لا ينبغي زيارة البيت قبل أن يحلق الا أن يكون ناسيا ، وظاهره عدم إعادة الطواف لو فعل».

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال ، والاحتياط بالإعادة فيها مطلوب على كل حال.

الثالث : أن يكون جاهلا ، وقد اختلف الأصحاب في حكمه ، فقيل : إنه كالناسي في وجوب الإعادة ، وعدم الكفارة ، وبه صرح شيخنا الشهيد

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

٢٤٩

الثاني في المسالك ، فقال بعد ذكر العامد : «وفي إلحاق الجاهل به قول ، وظاهر الرواية يدل على العدم ، والأجود وجوب الإعادة عليه دون الكفارة».

وربما احتج على وجوب الإعادة بتوقف الامتثال على ذلك ، وبإطلاق صحيحة علي بن يقطين (١) المتقدمة ، ونقل عن ظاهر الصدوق عدم وجوب الإعادة ، والظاهر أنه الأقرب ، لما تقدم من صحيحة جميل بن دراج ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمين (٢) في سابق هذه المسألة ، مضافا إلى ما تكرر في الأخبار سيما في باب الحج من معذورية الجاهل (٣).

وهل تجب إعادة السعي حيث تجب إعادة الطواف؟ صرح في المنتهى والتذكرة بالوجوب ، لتوقف الامتثال عليه ، ولا ريب أنه الأحوط.

ولو قدم الطواف على الذبح فظاهر كلامهم أن الحكم فيه كما إذا قدمه على الحلق أو التقصير ، وظاهر المسالك التوقف من حيث تساويهما في التوقف ، ومن عدم النص ، وهو في محله ، والله العالم.

المسألة الرابعة :

المشهور بين الأصحاب أن مواطن التحلل ثلاثة ، أحدها بعد الحلق أو التقصير الذي هو ثالث مناسك منى ، فيحل من كل شي‌ء إلا الطيب والنساء إن كان متمتعا.

قال الشيخ في المبسوط : «إذا حلق رأسه أو قصر فقد حل له كل

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) في ص ١٤٤.

(٣) راجع التعليقة (٣) من ص ١٤٤.

٢٥٠

شي‌ء أحرم منه إلا النساء والطيب ، وهو التحلل الأول إن كان متمتعا ، وإن كان غير متمتع حل له الطيب أيضا ولا تحل له النساء ، فإذا طاف المتمتع طواف الزيارة حل له الطيب ، ولا تحل له النساء ، وهو التحلل الثاني ، فإذا طاف طواف النساء حلت له النساء ، وهو التحلل الثالث الذي لا يبقى بعده شي‌ء من حكم الإحرام» ونحوه قال في النهاية ، وعلى هذه المقالة جرى كلام الأكثر.

وقال علي بن بابويه : «واعلم أنك إذا رميت جمرة العقبة حل لك كل شي‌ء إلا النساء والطيب ، فإذا طفت طواف الحج حل لك كل شي‌ء إلا النساء ، فإذا طفت طواف النساء حل لك كل شي‌ء إلا الصيد ، فإنه حرام على المحل والمحرم».

وقال ابنه في الفقيه : «وإذا رميت جمرة العقبة حل لك كل شي‌ء إلا النساء والطيب».

وقال السيد المرتضى في الجمل : «فإذا طاف طواف الزيارة وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا النساء» ومثله في الانتصار.

وقال أبو الصلاح : «بالطواف الأول والسعي يحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا النساء ، وبالطواف الآخر يحل منهن» وأشار بالأول إلى طواف الزيارة ، وبالآخر إلى طواف النساء. ونحوه قال ابن البراج.

وظاهر هؤلاء أن التحلل إنما هو في هذين الموضعين.

وقال ابن أبي عقيل : «فإذا فرغ من الذبح والحلق زار البيت ، فيطوف به سبعة أشواط ويسعى ، فإذا فعل ذلك أحل من إحرامه ، وقد قيل في

٢٥١

رواية (١) شاذة عنهم (عليهم‌السلام) أنه إذا طاف طواف الزيارة أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا النساء حتى يرجع إلى البيت ، فيطوف به سبعا آخر ويصلي ركعتي الطواف ، ثم يحل من كل شي‌ء ، وكذلك إذا كانت امرأة لم تحل للرجل حتى تطوف بالبيت سبعا آخر كما وصفت ، فإذا فعلت ذلك فقد حل لها الرجال» انتهى.

ولا يخفى ما في هذا الكلام من الضعف ، كما سيظهر لك في المقام إنشاء الله تعالى.

أقول : والمختار هو القول الأول ، للأخبار المتكاثرة الدالة عليه ، كصحيحة معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا النساء والطيب ، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا النساء ، فإذا طاف النساء فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا الصيد». وقيل : المراد من الصيد هنا هو الصيد الحرمي كما لا يخفى.

وصحيحة العلاء (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : إني حلقت رأسي وذبحت وأنا متمتع أطلي رأسي بالحناء؟ قال : نعم من غير أن تمس شيئا من الطيب ، قلت : ألبس القميص وأتقنع؟ قال : نعم ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤ والباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ١.

٢٥٢

قلت : قبل أن أطوف بالبيت ، قال : نعم».

وصحيحته الأخرى (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): تمتعت يوم ذبحت وحلقت فألطخ رأسي بالحناء ، قال : نعم من غير أن تمس شيئا من الطيب ، قلت : أفالبس القميص؟ قال : نعم إذا شئت. قلت : فأغطي رأسي ، قال : نعم».

وصحيحة منصور بن حازم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل رمى وحلق أيأكل شيئا فيه صفرة؟ قال : لا حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم قد حل له كل شي‌ء إلا النساء حتى يطوف بالبيت طوافا آخر ، ثم قد حل له النساء».

ورواية محمد بن حمران (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحاج يوم النحر ما يحل له؟ قال كل شي‌ء إلا النساء وعن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال : كل شي‌ء إلا النساء والطيب».

ورواية عمر بن يزيد (٤) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «اعلم أنك إذا حلقت رأسك فقد حل لك كل شي‌ء إلا النساء والطيب».

وهذه الروايات قد اتفقت على التحليل بعد مناسك منى من كل شي‌ء إلا الطيب والنساء ، كما هو القول المشهور.

إلا أنه قد ورد في جملة من الأخبار أيضا حل الطيب في الصورة المذكورة ، وأنه لا يبقى عليه إلا النساء خاصة إلى أن يأتي بطواف النساء

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

٢٥٣

وعلى هذا فليس إلا التحللان.

ومن الأخبار المشار إليها صحيحة سعيد بن يسار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المتمتع إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحناء قال : نعم ، الحناء والثياب والطيب وكل شي‌ء إلا النساء رددها مرتين أو ثلاثا ، قال : وسألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عنها ، فقال : نعم ، الحناء والثياب والطيب وكل شي‌ء إلا النساء». كذا رواه في الكافي.

ورواه الشيخ (٢) ولم يذكر فيه «قبل أن يزور» ولا لفظ «الطيب» في قوله أولا : «نعم الحناء والثياب والطيب» وانما ذكره في آخر الخبر.

وصحيحة معاوية بن عمار (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سئل ابن عباس هل كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يتطيب قبل أن يزور البيت؟ قال : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يضمد رأسه بالسك قبل أن يزور».

ورواية أبي أيوب الخزاز (٤) قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) بعد ما ذبح حلق ثم صمد رأسه بسك ثم زار البيت وعليه قميص وكان متمتعا».

أقول : السك بالضم والتشديد : طيب مركب مع غيره ، قال في النهاية : «في حديث عائشة (٥) كنا نضمد جباهنا بالسك الطيب عند

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٧.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٤٥ ـ الرقم ٨٣٢ والاستبصار ج ٢ ص ٢٨٧ ـ الرقم ١٠٢١ والمتروك فيهما هو لفظ «الحناء» لا «الطيب».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١٠.

(٥) سنن البيهقي ـ ج ٥ ص ٤٨.

٢٥٤

الإحرام ، وهو طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل».

ورواية إسحاق بن عمار (١) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن المتمتع إذا حلق رأسه ما يحل له؟ فقال : كل شي‌ء إلا النساء».

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «ولد لأبي الحسن (عليه‌السلام) مولود بمنى فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران ، وكنا قد حلقنا ، قال عبد الرحمن : فأكلت أنا ، وأبى الكاهلي ومرازم أن يأكلا ، وقالا : لم نزر البيت ، فسمع أبو الحسن (عليه‌السلام) كلامنا فقال لمصادف ـ وكان هو الرسول الذي جاءنا به ـ : في أي شي‌ء كانوا يتكلمون؟ قال : أكل عبد الرحمن وأبى الآخران ، وقالا : لم نزر بعد ، فقال : أصاب عبد الرحمن ، ثم قال : أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه وأبى عبد الله أخي أن يأكل منه ، فلما جاء أبي حرشه علي ، فقال : يا أبت إن موسى أكل خبيصا فيه زعفران ولم يزر بعد فقال أبي : هو أفقه منك ، أليس قد حلقتم رؤوسكم؟».

وأجاب الشيخ عن صحيحة سعيد بن يسار بعد ذكره لها بالحمل على أنه (عليه‌السلام) أراد أن الحاج متى حلق وطاف طواف الحج وسعى فقد حل له هذه الأشياء وإن لم يذكرهما في اللفظ ، لعلمه بأن المخاطب عالم بذلك ، أو تعويلا على غيره من الأخبار.

ولا يخفى ما فيه من البعد الشديد ، سيما والرواية المذكورة كما قدمنا نقلها عن الكافي قد اشتملت على أنه حلق رأسه قبل أن يزور ، فهي صريحة

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

٢٥٥

في بطلان هذا الحمل وإن كان هو (قدس‌سره) لم يذكر هذه الزيادة في الخبر الذي نقله ، كما قدمنا الإشارة إليه.

ولعله لهذا قال في الدروس : «ورواية سعيد بن يسار عن الصادق (عليه‌السلام) يحل الطيب بالحلق للتمتع متروكة ، وتطيب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد الحلق لأنه ليس بمتمتع».

وأجاب عن صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وصحيحة معاوية بن عمار بالحمل على الحاج الغير المتمتع ، قال : «لأنه يحل له استعمال كل شي‌ء إلا النساء فقط ، وإنما لا يحل استعمال الطيب مع ذلك للمتمتع دون غيره». ثم استدل على هذا التأويل برواية محمد بن حمران المتقدمة.

قال في المدارك : «وهذا الحمل غير بعيد لو صح سند هذه الرواية المفصلة ، لكن في الطريق عبد الرحمن ، وفيه نوع التباس وإن كان الظاهر أنه ابن أبي نجران ، فتكون الرواية صحيحة».

أقول : وقد تقدم تحقيق الكلام في أن عبد الرحمن الذي يروي عنه موسى بن القاسم هو ابن أبي نجران بلا ريب ولا إشكال ، وهو سابقا قد رد روايته باشتراك عبد الرحمن في المقام ، وهنا قد استظهر كونه ابن أبي نجران ، والعجب منه (قدس‌سره) أنه انما استشكل في السند من حيث عبد الرحمن ثم استظهر كونه ابن أبي نجران ، وحكم بصحة الرواية وغفل عن الراوي وهو محمد بن حمران ، فإنه مشترك بين النهدي ـ وهو الثقة ـ وبين محمد بن حمران بن أعين مولى بني شيبان ومحمد بن حمران مولى ابن فهر ، وهما مجهولان ، والظاهر أن محمد بن حمران المذكور في الرواية هو مولى بني شيبان ، لما في الفهرست أن له كتابا يرويه عنه

٢٥٦

ابن أبي عمير وابن أبي نجران ، وقد عرفت أن عبد الرحمن الراوي عنه هو ابن أبي نجران ، فهو قرينة ظاهرة له ، فكيف حكم بصحة الرواية والحال هذه؟!.

ثم أقول : هذا الحمل وان كان لا يخلو من تكلف إلا أنه في مقام الجمع لا بأس به.

والأقرب عندي أن هذه الأخبار إنما خرجت مخرج التقية ، لما صرح به في المنتهى ، حيث قال : «إنه إذا حلق وقصر حل له كل شي‌ء إلا الطيب والنساء والصيد ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال مالك ، وقال الشافعي واحمد وأبو حنيفة : يحل له كل شي‌ء إلا النساء ، وبه قال ابن الزبير وعلقمة وسالم وطاوس والنخعي وأبو ثور».

وظاهره أن المعظم منهم ـ وهم الأئمة الثلاثة ومن تبعهم ـ قائلون بتحليل الطيب بعد الحلق ، كما دلت عليه الأخبار المذكورة.

وأما ما نقل عن الشيخ علي بن بابويه فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على نهج ما عرفت في غير مقام مما قدمنا ، قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (١) : «واعلم أنك إذا رميت جمرة العقبة حل لك كل شي‌ء إلا الطيب والنساء ، وإذا طفت طواف الحج حل لك كل شي‌ء إلا النساء ، فإذا طفت طواف النساء حل لك كل شي‌ء إلا الصيد ، فإنه حرام على المحل في الحرم وعلى المحرم في الحل والحرم». انتهى.

ولا يخفى ما فيه من الاشكال ، لما عرفت من دلالة الأخبار المتقدمة على أن التحليل لا يحصل إلا بعد الحلق الذي هو ثالث المناسك المذكورة ولا قائل به من العامة ولا الخاصة سوى الشيخين المذكورين ، وقائله أعلم.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤.

٢٥٧

تنبيهات :

الأول :

قد صرح جملة من الأصحاب بأن تحريم الطيب في التحليل الأول إنما هو بالنسبة إلى المتمتع ، أما القارن والمفرد فيحل لهما ، وعلى ذلك تدل رواية محمد بن حمران (١) المتقدمة.

بقي الكلام في أن حل ذلك للقارن والمفرد هل هو مشروط بتقديمهما الطواف والسعي أو مطلقا؟ ظاهر الشهيد في الدروس الأول وأكثر عبارات الأصحاب على الثاني.

قال في الدروس : «أما القارن والمفرد فيحل لهما الطيب إذا كانا قدّما الطواف والسعي ، وأطلق الأكثر إنهما يحل لهما الطيب ، وابن إدريس قائل بذلك مع عدم تجويزه تقديم الطواف والسعي» ثم نقل عن الجعفي أنه سوى بين المتمتع وبين الفردين الآخرين في تحريم الطيب على الجميع ، وهو محجوج بالخبر المشار إليه.

وأما ما ذكره في الدروس من تقييد الحل بتقديم الطواف والسعي مع إطلاق الخبر المذكور فلعل الوجه فيه هو النظر إلى إطلاق الأخبار الدالة على أنه بالحلق يحل له كل شي‌ء إلا الطيب والنساء ، فإنها شاملة للأفراد

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

٢٥٨

الثلاثة ، إلا أنه لما كان تقديم الطواف والسعي للمفرد والقارن جائزا وهو المحل للطيب كما عرفت فعلى هذا متى قدماه فإنه يحل لهما الطيب بعد الحلق لتقدم محلله ، وإنما يبقى النساء خاصة ، بخلاف المتمتع فإنه عندهم لا يقدم طوافه ليمكن إجراء ذلك أيضا فيه ، إلا أن الخبر المتقدم كما عرفت مطلق لا إشعار فيه بهذا الاشتراط.

الثاني :

اعلم أنه وقع في جملة من عبائر الأصحاب أنه بالحلق يتحلل من كل شي‌ء الا من الطيب والنساء والصيد ، وبالطواف للحج والسعي يتحلل من الطيب ، وبطواف النساء يتحلل من النساء ، ولم يذكروا لتحليل الصيد محلا بخصوصه.

ونقل عن ظاهر العلامة في المنتهى أن التحلل إنما يقع بطواف النساء ، لأنه استدل على عدم التحلل منه بالحلق بقوله تعالى (١) «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» قال : «والإحرام يتحقق بتحريم الطيب والنساء».

وحكى الشهيد في الدروس عن العلامة رحمه‌الله أنه قال : «إن ذلك ـ يعني عدم التحلل من الصيد إلا بطواف النساء ـ مذهب علمائنا».

قال في المدارك بعد نقل ذلك : «ولولا ما أوردناه من العموم الذي لم يستثن منه سوى الطيب والنساء لكان هذا القول متجها ، لظاهر الآية الشريفة» انتهى.

أقول : فيه أن من جملة الروايات التي أشار إلى عمومها صحيحة

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٥.

٢٥٩

معاوية بن عمار (١) المتقدمة ، مع أنه (عليه‌السلام) صرح في آخرها بأنه «إذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا الصيد». ومثلها كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٢) وحينئذ فيجب أن يخصص بهما عموم غيرهما من أخبار المسألة جمعا بينها.

وبذلك يبطل ما استند إليه من العموم ، وبه يتجه كلام العلامة المذكور.

إلا أنه ينقدح الإشكال فيه من جهة أخرى ، وهو أنه لا يخفى أن ما قدمنا من عبارة كتاب الفقه الرضوي ظاهر في بقاء التحريم ولو بعد طواف النساء ، وهو أيضا صريح صحيحة معاوية بن عمار (٣) المتقدمة صدر الأخبار ، فإنها صريحة أيضا في ذلك ، وهو ظاهر كلام الشيخ علي بن بابويه المتقدم أيضا.

قال في الدروس : «وروى الصدوق تحريم الصيد بعد طواف النساء ولعله لمكان الحرم» انتهى.

وظاهر هذا الكلام ـ وبه صرح غيره أيضا ـ هو حمل ما دل من الأخبار على أن التحلل بطواف النساء يحصل من كل شي‌ء عدا الصيد ، يعني ما دام في الحرم ، فإنه يحرم عليه من حيث الحرم وإن كان محلا بلا خلاف ، وأما الصيد المحرم عليه من حيث كونه محرما فإنه لو خرج إلى الحل جاز له الصيد بعد طواف النساء البتة ، وبهذا يرتفع الخلاف من البين.

__________________

(١ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤.

٢٦٠