الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

وبالجملة فالجمع بين الحكمين لا يخلو من إشكال ولم أقف على من تنبه لذلك في هذا المجال.

ثم إن أكثر هذه الأخبار المذكورة قد اتفقت على أن الحكم في صدر الإسلام كان النهي عن الأكل والادخار بعد ثلاثة أيام ، ثم حصل النسخ فيه ، فجوز لهم الأكل والإدخار والحمل معهم.

وحينئذ فما دلت عليه رواية محمد بن مسلم (١) من النهي عن حبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام يحمل على قصد إخباره (عليه‌السلام) بأن الحكم الذي عليه الآن العمل كان قبل النسخ كذلك ، كما ينادي به حديثه (٢) الثاني الذي بعده من كتاب العلل ، وربما حمل على الكراهة أيضا ، وكذلك حديث علي (٣) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) وبهذا جمعوا بينها ، والكلام في جلودها وأصوافها وأوبارها في هذا المقام على نحو ما سبق في الهدي ، والله العالم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣ ـ ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

٢٢١

الفصل الثالث

في الحلق والتقصير

وفيه مسائل :

الأولى :

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أن الحاج إذا فرغ من الذبح تخير إن شاء حلق وإن شاء قصر ، والحلق أفضل ، ويتأكد في حق الصرورة والملبد ، وهو من أخذ عسلا وصمغا وجعله في رأسه لئلا يقمل أو يتوسخ ، وبه قال الشيخ في الجمل.

وقال في جملة من كتبه : «لا يجزئ الصرورة والملبد إلا الحلق» وبه قال ابن حمزة ، وزاد في التهذيب المعقوص شعره.

وقال ابن الجنيد : «ولا يجزئ الصرورة ومن كان غير صرورة ملبد الشعر أو مضفورا أو معقوصا من الرجال غير الحلق».

وقال ابن أبي عقيل : «ويحلق رأسه بعد الذبح وإن قصر أجزأ ، ومن لبد رأسه أو عقصه فعليه الحلق واجب» ولم يذكر حكم الصرورة بالنصوصية.

وقال المفيد : «لا يجزئ الصرورة غير الحلق ، ومن لم يكن صرورة

٢٢٢

أجزأه التقصير ، والحلق أفضل» ولم ينص على حكم الملبد ، وكذا قال أبو الصلاح.

احتج العلامة في المختلف على ما اختاره من القول المشهور بقوله تعالى (١) : «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ» قال : «وليس المراد الجمع ، بل إما التخيير أو التفضيل والثاني بعيد ، وإلا لزم الإجمال ، فتعين الأول» وزاد بعضهم الاستدلال بالأصل.

واستدلوا أيضا بما رواه الشيخ في التهذيب عن حريز في الصحيح (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم الحديبية اللهمّ اغفر للمحلقين مرتين قيل : والمقصرين يا رسول الله ، قال : وللمقصرين».

احتج الشيخ في التهذيب على وجوب الحلق على الصرورة والملبد ومن عقص شعره بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ينبغي للصرورة أن يحلق ، وإن كان قد حج فان شاء قصر وإن شاء حلق ، وإذا لبد شعره أو عقصه فان عليه الحلق ، وليس له التقصير».

وفي الصحيح أيضا عن معاوية بن عمار (٤) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا أحرمت فعقصت رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق ، وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج ،

__________________

(١) سورة الفتح : ٤٨ ـ الآية ٢٧.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٦ ـ ١ ـ ٨.

٢٢٣

وليس في المتعة إلا التقصير».

وفي الصحيح عن هشام بن سالم (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق فيه».

وفي الصحيح عن سويد القلاء عن أبي سعيد (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «يجب الحلق على ثلاثة نفر : رجل لبد ورجل حج بدوا لم يحج قبلها ، ورجل عقص رأسه».

والعلامة في المختلف بعد أن نقل الاحتجاج للشيخ ببعض هذه الروايات أجاب بالحمل على الاستحباب عملا بالأصالة وجمعا بين الأدلة.

ولا يخفى ضعفه ، أما الأصل فيجب الخروج عنه بالدليل ، وهذه الأدلة كما ترى واضحة في تعين الحلق على هؤلاء المعدودين ، وأما الجمع بين الأخبار بالاستحباب فقد عرفت ما فيه في غيره موضع مما مر في الكتاب ، على أنه من الظاهر أن صحيحة حريز التي استندوا إليها مطلقة وهذه الأخبار مقيدة ، ومن الأصول المعتمدة عندهم حمل المطلق على المقيد.

وأما ما ذكره في المدارك من التوقف في وجوب الحلق على الصرورة قال بعد أن ذكر نحو ما قلناه : «نعم يمكن أن يقال : هذه الروايات لا تدل على وجوب الحلق على الصرورة ، لأن لفظ «ينبغي» الواقع في الرواية الأولى ظاهر في الاستحباب ، ولفظ الواجب في الرواية الأخيرة محتمل لذلك ، كما بيناه مرارا» وأشار بالرواية الأخيرة إلى رواية أبي سعيد.

ففيه ـ مع الإغماض عن المناقشة فيما ادعاه ـ أن وجوب الحلق على الصرورة ليس منحصرا في هاتين الروايتين كما توهمه ، بل تدل عليه جملة من الأخبار.

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢ ـ ٣.

٢٢٤

منها ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق قال : إن كان قد حج قبلها فليجز شعره ، وإن كان لم يحج فلا بد له من الحلق».

وما رواه في الكافي عن أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصر ، إنما التقصير لمن حج حجة الإسلام».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن بكر بن خالد (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ليس للصرورة أن يقصر ، وعليه أن يحلق».

وما رواه الصدوق عن سليمان بن مهران (٤) في حديث : «أنه قال لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : كيف صار الحلق على الصرورة واجبا دون من قد حج؟ قال : ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين ، ألا تسمع قول الله عزوجل (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ)؟ (٥)».

ومن الأخبار الدالة على ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من وجوب الحلق على الملبد والعاقص ما رواه ابن إدريس في الصحيح عن نوادر أحمد بن محمد ابن أبي نصر البزنطي عن الحلبي (٦) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : من لبد شعره أو عقصه فليس له أن يقصر ، وعليه الحلق ،

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤ ـ ٥ ـ ١٠ ـ ١٤ ـ ١٥.

(٥) سورة الفتح : ٤٨ ـ الآية ٢٧.

٢٢٥

ومن لم يلبد إن شاء قصر وإن شاء حلق ، والحلق أفضل».

وبذلك يظهر لك صحة ما ذهب إليه الشيخ (رحمه‌الله) وضعف ما سواه ، والله العالم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن تمام القول في المسألة يتوقف على رسم فوائد :

الأولى :

ما ذكرنا من التخيير بين الحلق والتقصير أو وجوب الحلق في تلك الافراد حكم مختص بالرجال ، وأما النساء فالواجب في حقهن هو التقصير خاصة بما يحصل به المسمى اتفاقا نصا وفتوى ، وحكى العلامة الإجماع في المختلف على تحريم الحلق عليهن.

ومن الأخبار الواردة في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن سعيد الأعرج (١) في حديث «أنه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النساء ، فقال : إذا لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن».

وعن علي بن أبي حمزة (٢) عن أحدهما (عليهما‌السلام) في حديث قال : «وتقصر المرأة ويحلق الرجل ، وإن شاء قصر إن كان قد حج قبل ذلك».

وعن الحلبي (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ليس على

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣.

٢٢٦

النساء حلق ، ويجزؤهن التقصير».

وروى في الفقيه (١) في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام) «ليس على النساء جمعة ـ إلى أن قال ـ : ولا استلام الحجر ولا حلق».

وفي مرسلة ابن أبي عمير (٢) «تقصر المرأة من شعرها لنفسها مقدار الأنملة».

والظاهر أن المراد بمقدار الأنملة الكناية عن المسمى ، وهو المشهور ، ونقل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : «وعليها أن تقصر مقدار القبضة من شعر رأسها» ولم نقف على مأخذه ، بل ظاهر المرسلة المتقدمة رده.

وفي المختلف رد القول المذكور بقوله : «لنا أن الأمر بالكلي يكفي فيه أي فرد من جزئياته وجد ، فيخرج من العهدة بأقل المسمى» انتهى.

الثانية :

نقل في المختلف عن الشيخ في التبيان أنه قال : «الحلق والتقصير مندوب غير واجب ، وكذلك أيام منى ، ورمى الجمار» ثم قال : «والمشهور أن ذلك كله واجب ، لنا أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فعل ذلك ، والأخبار ناطقة بالأمر بإيجاب هذه الأشياء ، وإيجاب الكفارة على تاركها» انتهى.

أقول : ولظاهر كلام الشيخ هنا في التبيان وتصريحه بالاستحباب حكم أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان بالاستحباب في جميع هذه

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٣.

٢٢٧

الأفعال بعبارة موهمة لاتفاق الأصحاب على ذلك ، كما قدمنا نقله عنه في المسألة الاولى من الفصل الأول في رمي جمرة العقبة (١).

الثالثة :

اجمع العلماء كافة على أن من ليس على رأسه شعر يسقط عنه الحلق ، حكاه في المنتهى ، قال : «لعدم ما يحلق ، ويمر الموسى على رأسه ، وهو قول أهل العلم كافة» ثم نقل رواية زرارة (٢) الآتية في حكاية الرجل الخراساني. و (بالجملة) فالحكم المذكور لا إشكال فيه.

بقي الكلام في أن إمرار الموسى هل هو على جهة الوجوب أو الاستحباب؟ نقل في المنتهى الخلاف في ذلك عن العامة ، حيث قال : «إذا ثبت هذا فهل هو واجب أم لا؟ قال : أكثر الجمهور : أنه مستحب غير واجب. وقال أبو حنيفة : إنه واجب ، احتج الأولون بأن الحلق محله الشعر ، فسقط بعدمه كما يسقط وجوب غسل العضو بقطعه ، ولأنه إمرار لو فعله في الإحرام لم يجب عليه دم فلم يجب عليه عند التحلل ، كامرار اليد على الشعر من غير حلق ، احتج أبو حنيفة بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) : «إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم».».

ويظهر منه في المنتهى اختيار ما ذهب إليه أبو حنيفة من الوجوب ،

__________________

(١) ص ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

(٣) سنن البيهقي ـ ج ٤ ص ٣٢٦.

٢٢٨

حيث قال : «وهذا لو كان ذا شعر لوجب عليه إزالته وإمرار الموسى على رأسه ، فإذا سقط أحدهما لتعذر موجب الآخر ، وكلام الصادق (عليه‌السلام) (١) يعطيه ، فإن الأجزاء يستعمل في الوجوب» انتهى.

وظاهره أن الخلاف في المسألة المذكورة إنما هو بين العامة ، والمفهوم من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الخلاف في المسألة من وجهين ، وهذه صورة عبارته (قدس‌سره) قال ـ بعد أن ذكر أن ثبوت الإمرار في الجملة إجماعي ـ : «وإنما الخلاف في موضعين : (أحدهما) هل هو على جهة الوجوب مطلقا أو الاستحباب مطلقا أو بالتفصيل بوجوبه على من حلق في إحرام العمرة والاستحباب على الأقرع؟ قيل بالأول لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) : «إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم». وهذا لو كان له شعر كان الواجب عليه إزالته وإمرار الموسى على رأسه ، فلا يسقط الأخير بفوات الأول ، ولأمر الصادق (عليه‌السلام) بذلك في أقرع خراسان (٣) وقيل بالثاني ، بل ادعى عليه في الخلاف الإجماع ، لأن محل الحلق الشعر ، وقد فات فسقط لفوات محله ، وبالتفصيل رواية والعمل بها أولى. (الثاني) على تقدير الوجوب مطلقا أو على وجه هل يجزئ عن التقصير من غيره؟ قيل : نعم ، لانتفاء الفائدة بدونه ، ولأن الأمر يقتضي الاجزاء ، ولعدم توجه الجمع بين الحلق والتقصير ، والإمرار قائم مقام الأول ، وظاهر الخبر يدل عليه ، والأقوى وجوب التقصير ، لأنه واجب اختياري قسيم للحلق ، والإمرار بدل اضطراري ، ولا يعقل الاجتزاء بالبدل الاضطراري مع القدرة على

__________________

(١ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٤ ص ٣٢٦.

٢٢٩

الاختياري ، ولا يمتنع وجوب الأمرين على الحالق في إحرام العمرة المبتولة عقوبة له» انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه ثقة الإسلام (قدس‌سره) عن زرارة (١) قال «إن رجلا من أهل خراسان قدم حاجا وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبي ، فاستفتي له أبو عبد الله (عليه‌السلام) فأمر أن يلبى عنه وأن يمر الموسى على رأسه ، فإن ذلك يجزئ عنه».

ما رواه الشيخ عن أبي بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه قال : عليه دم يهريقه ، فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق».

وعن عمار الساباطي (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «سألته عن رجل حلق قبل أن يذبح ، قال : يذبح ويعيد الموسى ، لأن الله تعالى يقول (لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (٤)».

هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة ، وهي متفقة كما ترى في الأمر بإمرار الموسى على رأسه ، أعم من أن يكون لا شعر عليه من أصله كأقرع خراسان أو عليه شعر قد أزاله ، وظاهرها وجوب ذلك ، ولا معارض لها في البين فيتعين وجوب العمل بها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٨.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٦.

٢٣٠

وأما ما ذكروه في تعليل الوجوب ـ من أن الواجب على ذي الشعر إزالته وإمرار الموسى على رأسه ، فلا يسقط الأخير بفوات الأول ـ فدليل شعري لا يصلح لابتناء الأحكام الشرعية عليه ، وما ذكروه من حديث «إذا أمرتكم» إلى آخره فلم نقف عليه في أصولنا.

بل الحق في الاستدلال على ذلك إنما هو بظاهر الأخبار المذكورة ، على أن وجوب الإمرار غير مسلم في حد ذاته ، وإنما وجوبه من حيث توقف الحلق عليه ، فالواجب منه ما تحقق في ضمن الحلق لا مطلقا.

وأما القول بالتفصيل فلم نقف له على دليل ، وما ادعاه شيخنا المتقدم من ورود خبر بذلك حتى أنه بسبب ذلك مال إلى هذا القول فلم نقف عليه ، وبذلك اعترف سبطه في المدارك ، فقال : «إنا لم نقف عليها في شي‌ء من الأصول ، ولا نقله غيره ، وظاهر الأخبار المذكورة أيضا الاكتفاء بذلك عن التقصير ، إذ لو كان واجبا مع الإمرار لذكر فيها ، لأن المقام مقام بيان للحكم المذكور ، وليس فليس».

وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا المتقدم من قوله : «والأقوى وجوب التقصير ، لأنه واجب اختياري» إلى آخره ، فإنهم إن وقفوا على العمل بهذه الأخبار فظاهرها كما ترى إنما هو ما قلناه ، وحينئذ فهذا الكلام في مقابلتها إنما هو من قبيل الاجتهاد في مقابلة النصوص ، وأن أطرحوها وأعرضوا عنها توجه ما ذكروه بناء على قواعدهم في البناء على التعليلات العقلية ، وإلا وجب التوقف كما هو المعمول عندنا ، لعدم النص في المسألة ولكن لما كانت النصوص موجودة وظاهرها ما عرفت من غير معارض في البين فالواجب الوقوف على العمل بظاهرها.

٢٣١

نعم لقائل : أن يقول لما كان الحكم في غير الأفراد المعدودة في الأخبار المتقدمة هو التخيير بين الحلق والتقصير وإن كان الحلق أفضل فالواجب هنا حمل الأمر بإمرار الموسى الذي هو نيابة عن الحلق على الفضل والاستحباب ، إذ لا يعقل وجوب البدل مع استحباب المبدل منه ، ولا ريب أن ظاهر هذه الأخبار هو ما ذكرناه من غير الملبد وأشباهه ، فيكون الحكم فيه التخيير بين التقصير والحلق ، وحيث تعذر الحلق أمر بالإمرار نيابة عنه ، لقيامه مقامه في الفضل ، والله العالم.

الرابعة :

قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأنه يجب أن يحلق أو يقصر بمنى ، فلو رحل رجع فحلق أو قصر بها ، فان تعذر عليه الرجوع حلق أو قصر مكانه وبعث شعره ليدفن بها ، وإن تعذر لم يكن عليه شي‌ء.

فهاهنا أحكام أربعة : (الأول) : وجوب الحلق أو التقصير بمنى ، وهو مقطوع به في كلامهم ، بل ظاهر التذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق.

واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي أن يقصر من شعر رأسه أو يحلقه حتى ارتحل من منى ، قال : يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها ، حلقا كان أو تقصيرا».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

٢٣٢

وعن أبي بصير (١) قال : «سألته عن رجل جهل أن يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى ، قال : فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصر ، وعلى الصرورة أن يحلق».

ورواه الصدوق بسنده عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير (٢) إلا أنه قال : «حتى يلقى شعره بها حلقا كان أو تقصيرا ، وعلى الصرورة الحلق». ثم قال : «وروى (٣) أنه يحلق بمكة ويحمل شعره إلى منى».

وعن مسمع في الحسن (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر ، قال : يحلق في الطريق أو أين كان». وحمله الشيخ على تعذر العود إلى منى ، ولا بأس به.

وطعن في هذه الرواية في المدارك بأن راويها مسمع ، وهو غير موثق.

وفيه أنه وإن كان غير موثق إلا أنه ممدوح ، وحديثه معدود عند القوم في الحسن ، ولكن كلامه فيه كما عرفت في ما تقدم مضطرب ما بين أن يعده في الصحيح تارة وفي الحسن أخرى أو يرد روايته كما هنا.

(الثاني) : أنه متى تعذر عليه الرجوع حلق أو قصر مكانه وبعث بشعره ، أما جواز حلق الشعر أو تقصيره في مكانه فلا إشكال فيه.

إنما الكلام في أن البعث إلى منى وجوبا أو استحبابا ، فقيل بالأول ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية والمحقق في الشرائع ، وظاهر أبي الصلاح أيضا. وقال الشيخ في التهذيب بالاستحباب ، وبه جزم المحقق في النافع والعلامة في المنتهى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤.

(٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٥ ـ ٣.

٢٣٣

وقال في المختلف بعد أن اختار الاستحباب وأورد جملة من روايات المسألة الآتية : «ولو قيل بوجوب الرد لو حلق عمدا بغير منى إذا لم يتمكن من الرجوع بعد خروجه عامدا وبعدم الوجوب لو كان خروجه ناسيا كان وجها».

أقول : والذي وقفت عليه من روايات المسألة ما رواه الشيخ في الحسن عن حفص بن البختري (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل يحلق رأسه بمكة ، قال : يرد الشعر إلى منى».

وعن أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه ، قال : يحلقه بمكة ، ويحمل شعره إلى منى ، وليس عليه شي‌ء». وبهاتين الروايتين استدل من قال بالوجوب.

ومثلهما أيضا ما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة (٣) عن أحدهما (عليهما‌السلام) في حديث قال : «وليحمل الشعر إذا حلق بمكة إلى منى».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير (٤) يعني المرادي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يوصي من يذبح عنه ويلقي هو شعره بمكة ، قال : ليس له أن يلقي شعره إلا بمنى».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٥) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «كان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) يدفن

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١ ـ ٧.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢ ـ ٤ ـ ٥.

٢٣٤

شعره في فسطاطه بمنى ، ويقول : كانوا يستحبون ذلك ، قال : وكان أبو عبد الله (عليه‌السلام) يكره أن يخرج الشعر من منى ، ويقول : من أخرجه فعليه أن يرده».

وما رواه الشيخ عن أبي بصير (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه ، قال : يحلق بمكة ويحمل شعره إلى منى ، وليس عليه شي‌ء».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري (٢) عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهم‌السلام) «أن الحسن والحسين (عليهما‌السلام) كانا يأمران أن يدفن شعورهما بمنى».

وما رواه الشيخ عن أبي بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى أن يحلق رأسه حتى ارتحل ، قال : ما يعجبني أن يلقى شعره إلا بمنى ، ولم يجعل عليه شيئا».

وبهذه الرواية الأخيرة أخذ من قال بالاستحباب ، وحمل الروايتين الأولتين على ذلك جمعا.

وفيه (أولا) ما عرفت في غير موضع مما تقدم ما في هذا الجمع من الاشكال.

و (ثانيا) أن دليل الوجوب غير منحصر في الروايتين المذكورتين ، بل هو مدلول جملة من الأخبار التي تلوناها ، وهي ظاهرة تمام الظهور في الوجوب ، مثل قوله (عليه‌السلام) في رواية علي بن أبي حمزة : «وليحمل الشعر إلى منى» وفي صحيحة عبد الله بن مسكان «ليس له أن يلقي شعره إلا

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٧ ـ ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٦.

٢٣٥

بمنى» وفي صحيحة معاوية بن عمار «من أخرجه فعليه أن يرده» والمراد بالكراهة فيها هو التحريم ، كما هو شائع في الأخبار بقرينة آخرها. وأما الاستناد في الاستحباب إلى قوله (عليه‌السلام) : «كانوا يستحبون ذلك» ففيه أن ظاهر السياق أن الإشارة إنما هي إلى الدفن.

و (ثالثا) أن الرواية المذكورة مع قطع النظر عن عدم قيامها بالمعارضة غير صريحة في عدم وجوب البعث ، كما طعن عليها به في المدارك ، لجواز أن يرى هذه العبارة في المحرم أيضا.

(الثالث) أنه متى تعذر البعث سقط ولم يكن عليه شي‌ء وهو موضع إجماع.

(الرابع) استحباب الدفن في منى ، سواء كان الحلق فيها أو خارجها ، وعليه تدل صحيحة معاوية بن عمار (١) ورواية قرب الاسناد (٢).

ويؤيده أيضا ما رواه في الكافي عن أبي شبل (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إن المؤمن إذا حلق رأسه بمنى ثم دفنه جاء يوم القيامة وكل شعرة لها لسان طلق تلبي باسم صاحبها». وعن الحلبي أنه أوجبه.

الخامسة :

روى ثقة الإسلام في الكافي عن علي بن أبي حمزة (٤) عن أبي الحسن (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٥ ـ ٦ ـ ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

٢٣٦

قال : «إذا اشتريت أضحيتك ووزنت ثمنها وصارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله ، فإن أحببت أن تحلق فاحلق». ورواه الشيخ بلفظ «وقمطتها». مكان «ووزنت ثمنها».

وروى في الفقيه عن علي بن أبي حمزة (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا اشترى الرجل هديه وقمطه في بيته فقد بلغ محله ، فان شاء فليحلق».

وظاهر الخبرين المذكورين الاكتفاء في الحلق بمجرد شراء الهدي وربطه في بيته ، متوثقا منه بربط يديه ورجليه كما يقمط الصبي في المهد.

وبذلك صرح في المنتهى حيث قال : «لو بلغ الهدي محله ولم يذبح قال الشيخ (رحمه‌الله) : يجوز له أن يحلق ، لقوله تعالى (٢) : «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» وقال تعالى (٣) «ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وما رواه الشيخ عن أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا اشتريت أضحيتك وقمطتها وصارت في جانب من رحلك فقد بلغ الهدى محله ، فإن أحببت أن تحلق فاحلق».».

أقول : ويؤيده ما تقدم مما صرحوا به في إجزاء الهدي لو قمطه في منزله من منى ثم ضاع أو تلف فإنه يجزؤه ، ولا يجب عليه غيره ، وعليه دل بعض الأخبار ، إلا أن له معارضا قد تقدم الكلام فيه.

وعلى هذا فيتخير في الحلق بين كونه بعد الذبح أو بعد التوثق في منزله بمنى وإن

__________________

(١ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٦.

(٣) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٣.

٢٣٧

كان بعد الذبح أفضل.

قال في المبسوط : «لا يجوز أن يحلق رأسه ولا أن يزور البيت الا بعد الذبح أو أن يبلغ الهدي محله ، وهو أن يحصل في رحله ، فإذا حصل في رحله بمنى فإن أراد أن يحلق جاز له ذلك ، والأفضل أن لا يحلق حتى يذبح» انتهى.

السادسة :

قال في المنتهى : «يستحب لمن حلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين بلا خلاف».

وقال في الدروس : «ويستحب استقبال القبلة والبدأة بالقرن الأيمن من ناصيته ، وتسمية المحلوق والدعاء ، مثل قوله : اللهمّ أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة ، والاستيعاب إلى العظمين اللذين عند منتهى الصدغين ، ودفن الشعر في فسطاطه أو منزله بمنى ، وقلم الأظفار ، وأخذ الشارب بعده».

أقول : الذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك أما بالنسبة إلى كيفية الحلق والدعاء فيه فهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «أمر الحلاق أن يضع الموسى على قرنه الأيمن ، ثم أمره أن يحلق وسمى هو ، وقال : اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

٢٣٨

وما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم (١) عن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «السنة في الحلق أن يبلغ العظمين».

وأنت خبير بأن ظاهر صحيحة معاوية بن عمار وقوله : «أمر الحلاق أن يضع الموسى على قرنه الأيمن» أن مبدأ الحلق إنما هو من أعلى الرأس من الجانب الأيمن منه ، لأنه الظاهر من لفظ القرن وهو موضع قرن الدابة.

ويؤيده حديث ذي القرنين (٢) «أنه ضرب على أحد قرنيه فمات خمسمائة سنة ، فأحياه الله ثم ، ضرب على قرنه الآخر فمات» الحديث. وفي تتمة الخبر (٣) عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) «وفيكم مثله» إشارة إلى ضربه عمرو بن عبد ود في قضية الخندق ثم ضربة ابن ملجم لعنه الله.

وهذا المعنى لا يجامع الناصية التي هي عبارة عن قصاص الشعر مما يلي الجبهة خاصة حتى يقال إنه يبدأ بالقرن الأيمن من ناصيته ، إذ المراد في الخبر المتقدم إنما هو قرن الرأس لا قرن الناصية.

والظاهر أن الحامل لهما (عطر الله مرقديهما) على ما ذكراه هو ما ذكره في المنتهى ـ بعد ذكر العبارة المتقدمة ـ من الاستدلال على الحكم المذكور بالروايتين المذكورتين وبما رواه الشيخ عن الحسن بن مسلم (٤) عن بعض الصادقين (عليهم‌السلام) قال : «لما أراد أن يقصر من شعره للعمرة أراد الحجام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

(٢ و ٣) تفسير البرهان سورة الكهف : ـ الآية ٨٣ (ج ٢ ص ٤٨٠).

(٤) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٥ وذكره في التهذيب ج ٥ ص ٢٤٤ ـ الرقم ٨٢٥.

٢٣٩

أن يأخذ من جوانب الرأس ، فقال له : ابدأ بالناصية ، فبدأ بها». فجمعا بين الروايتين بما ذكراه من حمل القرن على طرف الناصية.

وفيه أن مورد هذه الرواية إنما هو التقصير ، وهو أخذ شي‌ء من الشعر لا الحلق ، والظاهر أنه في إحرام العمرة المتمتع بها ، وغاية ما تدل عليه الرواية استحباب التقصير من شعر الناصية لا من جوانب الرأس.

وبالجملة فالمتبادر من الرواية الأولى أن المراد بالقرن الأيمن إنما هو قرن الرأس وهو ما ذكرناه ، وهذه الرواية ليس من محل البحث في شي‌ء فكلامهما (طاب ثراهما) لا يخلو من نظر.

نعم قال في كتاب الفقه الرضوي (١) : «وإذا أردت أن تحلق رأسك فاستقبل القبلة ، وابدأ بالناصية ، واحلق من العظمين النابتين بحذاء الأذنين وقل : اللهمّ أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة». انتهى.

وظاهر هذه العبارة هو استحباب الحلق من الناصية ، وهو خلاف ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار (٢) بالتقريب الذي قدمناه.

وأما دفن الشعر في منى فقد تقدم الكلام فيه. وأما استحباب اضافة التقصير من هذه المواضع إلى الحلق فيدل عليه ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم النحر يحلق رأسه ويقلم أظفاره ويأخذ من شاربه ومن أطراف لحيته».

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١٢.

٢٤٠