الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره».

وروى في كتاب غوالي اللئالي عن مقاتل عن حماد بن عثمان قال : «سألت الصادق (عليه‌السلام) ما النحر؟ فرفع يديه إلى صدره ، فقال : هكذا ، ثم رفعهما فوق ذلك ، فقال : هكذا ، يعني يستقبل بيديه القبلة في استفتاح الصلاة» (١).

هذا ما ورد من الأخبار في تفسير الآية ، وهو كما ترى خال عن التفسير المذكور في كتب المفسرين ، ومنه يظهر أنه لا يجوز الاعتماد على مجرد تفسير هؤلاء المفسرين المبني على مقتضى ما تقر به عقولهم بل لا بد من تتبع الأخبار في ذلك وإلا فالوقوف.

وأما الاخبار الدالة على استحبابها ومزيد التأكيد فيها فهي كثيرة.

ومنها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن سنان (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سئل عن الأضحى أو أجب على من وجد لنفسه وعياله؟ فقال : أما لنفسه فلا يدعه ، وأما لعياله إن شاء ترك».

وما رواه في الفقيه عن سويد القلاء في الصحيح عن محمد بن مسلم (٣) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير ، وهي سنة».

وعن العلاء بن الفضيل (٤) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «أن رجلا سئله عن الأضحى ، فقال : هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد ، فقال

__________________

(١) كتاب غوالي اللئالي مخطوط والموجود فيه عن حماد بن عثمان وليس لمقاتل ذكر فيه ، نعم ينقل بعد هذا الخبر رواية عن مقاتل بن حباب عن الأصبغ ، وكلاهما مرويان في مجمع البيان ذيل تفسير الآية بعد الروايات المتقدمة في ص ٢٠٠ ولا اعلم ما السبب في انتقال صاحب الحدائق (قده) منه إلى كتاب الغوالي وإسناده إليه دون مجمع البيان.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٣ ـ ٥.

٢٠١

له السائل : فما ترى في العيال؟ قال : إن شئت فعلت وإن شئت لم تفعل فأما أنت فلا تدعه».

قال في الفقيه (١) : «وضحى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بكبشين : ذبح واحدا بيده ، وقال : اللهمّ هذا عني وعمن لم يضح من أهل بيتي ، وذبح الآخر وقال : اللهمّ هذا عني وعمن لم يضح عن أمتي».

قال : «وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يضحي عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كل سنة بكبش يذبحه ، ويقول : بسم الله وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، اللهم منك ولك ، ويقول : اللهم هذا عن نبيك ، ثم يذبحه ، ويذبح كبشا آخر عن نفسه» (٢).

قال : «وقال (عليه‌السلام) : لا يضحى عمن في البطن» (٣).

قال : «وذبح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن نسائه البقرة» (٤).

وروى في الفقيه مرسلا (٥) قال : «جاءت أم سلمة (رضى الله عنها) إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالت : يا رسول الله يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحية فاستقرض واضحي ، قال : استقرضي فإنه دين مقضي».

ويغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة من دمها.

وعن شريح بن هاني (٦) عن علي (عليه‌السلام) أنه قال : «لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا وضحوا ، إنه ليغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦ ـ ٧ ـ ٨ ـ ٩.

(٥ و ٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٢.

٢٠٢

وروى في العلل بسنده عن السكوني (١) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): إنما جعل هذا الأضحى لتشبع مساكينكم ، فأطعموهم من اللحم».

وبسنده عن أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : ما علة الأضحية؟ فقال : إنه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها على الأرض ، وليعلم الله عزوجل من يتقيه بالغيب ، قال الله عزوجل (٣) : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) ، ثم قال : انظر كيف قبل الله قربان هابيل ورد قربان قابيل».

وروى علي بن جعفر في كتابه (٤) عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الأضحية ، فقال : ضح بكبش أملح أقرن فحلا سمينا ، فان لم تجد كبشا سمينا فمن فحولة المعز أو موجوءا من الضأن أو المعز ، فان لم تجد فنعجة من الضأن سمينة : قال : وكان علي (عليه‌السلام) يقول : ضح بثني فصاعدا واشتره سليم الأذنين والعينين ، فاستقبل القبلة حين تريد أن تذبح وقل : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك ، اللهمّ تقبل مني ، بسم الله الذي لا إله إلا هو والله أكبر ، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته ، ثم كل وأطعم».

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٠ ـ ١١ ـ ١٢.

(٣) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٧.

٢٠٣

وروى في الفقيه مرسلا (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): استفرهوا ضحاياكم ، فإنها مطاياكم على الصراط». ورواه في كتاب العلل مسندا (٢) عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله).» الحديث.

وتنقيح الكلام في هذا المقام يتوقف على بيان أمور :

الأول :

المشهور بين الأصحاب استحباب الأضحية ، بل ادعى عليه الإجماع ونقل عن ابن الجنيد القول بالوجوب ، ويدل عليه ما تقدم من ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان (٣) ورواية العلاء بن الفضيل (٤) وصحيحة محمد بن مسلم (٥).

وقال في الدروس : «وقد روى الصدوق خبرين بوجوبها على الواجد وأخذ ابن الجنيد بهما».

وقال في المدارك بعد نقل الاستدلال لابن الجنيد بصحيحة محمد بن مسلم ورواية العلاء : «ويجاب بمنع كون المراد بالوجوب المعنى المتعارف عند الفقهاء ، كما بيناه غير مرة ، وقوله (عليه‌السلام) : «فأما أنت فلا تدعه» معارض بقوله (عليه‌السلام) في رواية ابن مسلم : «وهي سنة» فان المتبادر من السنة المستحب ، وبالجملة فلا يمكن الخروج عن مقتضى الأصل

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

٢٠٤

والإجماع المنقول على انتفاء الوجوب بمثل هاتين الروايتين مع إمكان حملهما على ما يحصل به الموافقة» انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذا الكلام من إمكان تطرق المناقشة إليه أما (أولا) فلأن المتبادر من لفظ الوجوب عندهم إنما هو المعنى المتعارف عند الفقهاء ، كما صرحوا به في الأصول ، وارتكاب التأويل فيه يحتاج إلى معارض أقوى ، سيما مع تأكد الوجوب بقوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان : «أما لنفسه فلا يدعه» وقوله (عليه‌السلام) في رواية العلاء : «فأما أنت فلا تدعه».

وأما ما تمسك به من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم : «وهي سنة» فمن المحتمل أن يراد بالسنة ما ثبت وجوبه بالسنة ، فإن استعمال هذا اللفظ بهذا المعنى أكثر كثير في الأخبار ، وهذا هو الأوفق بنظم الرواية وسياقها ، حيث أنه صرح في صدرها بالوجوب الذي قد عرفت أن المتبادر منه هو المعنى المتعارف عندهم ، فيجب حمل آخر الرواية على ما قلناه ليطابق صدرها ، مع تأيد ذلك بالروايات الباقية كما ذكرناه.

وربما ظهر من الصدوق باعتبار روايته لهاتين الروايتين الدالتين على الوجوب هو كون مذهبه ذلك ، لأن مذاهبه التي ينقلونها عنه في الكتاب إنما هو باعتبار ما يرويه من الأخبار بالتقريب الذي قدمه في صدر كتابه.

وبذلك يظهر ما في استدلاله بالأصل ، فإنه لا اعتماد عليه بعد قيام الدليل الموجب للخروج عنه ، فلم يبق إلا ما يدعيه من الإجماع هنا وإن خالفه ورده في غير مقام من شرحه إذا قام له الدليل على خلافه.

هذا والتحقيق عندي أن لفظة الوجوب والسنة من الألفاظ المتشابهة في

٢٠٥

لأخبار ، لاستعمال لفظ الوجوب فيها تارة بالمعنى المصطلح بين الفقهاء ، وتارة بالمعنى اللغوي ، أو تأكيد الاستحباب والمبالغة فيه ، وكل من الاستعمالين شائع في الاخبار ، والحمل على المعنى المتعارف اصطلاح أصولي لا عبرة به بالنسبة إلى الروايات ، وحينئذ فالحمل على أحد المعنيين يحتاج إلى قرينة وإلا وجب التوقف.

وهكذا في لفظ السنة ، فإنها تستعمل فيها تارة بالمعنى المصطلح وهو المستحب. وتارة بمعنى ما وجب بالسنة ، وهو كثير كما تقدم بيانه في كتاب الطهارة في غسل الجمعة (١) والحمل على أحد المعنيين يحتاج أيضا إلى قرينة.

وبذلك يظهر أن المسألة هنا لا تخلو من نوع إشكال ، والله العالم.

الثاني :

يفهم من مرسلة الفقيه (٢) المتقدمة استحباب التضحية عن الغير وإن كان ميتا وأن الواحد يجزئ عن جماعة ، وقد تقدم من الأخبار (٣) ما يدل على اجزاء الشاة الواحدة عن السبعة بل السبعين في مقام الضرورة.

ويفهم أيضا من الرواية المذكورة جواز تأخير الذبح عن التسمية بمقدار قراءة الدعاء المذكور ونحوه ، وأنه يستحب الدعاء بما ذكره في هذه

__________________

(١) راجع ج ٤ ص ٢١٩ ـ ٢٢١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح.

٢٠٦

الرواية (١) أو الرواية المنقولة عن علي بن جعفر (٢).

ويفهم منها أيضا أنه لا يضحى عمن في البطن إلا بعد الولادة.

الثالث :

قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأنه يستحب قسمة الأضحية أثلاثا ، فيأكل ثلثا ويهدي ثلثا ويتصدق بثلث ، قال في المدارك بعد ذكر ذلك : «ولم أقف على رواية تتضمن ذلك صريحا».

أقول : يدل على ذلك ما رواه في الكافي عن أبي الصباح الكناني (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن لحوم الأضاحي فقال : كان علي بن الحسين وأبو جعفر (عليهما‌السلام) يتصدقان بثلث على جيرانهما وثلث على السؤال ، وثلث يمسكانه لأهل البيت».

والظاهر حمل التصدق على الجيران على الهدية ، ويشير إلى ذلك أيضا ما تقدم في صحيحة علي بن جعفر (٤) المنقولة من كتابه من قوله (عليه‌السلام) : «ثم كل واطعم» بحمل الإطعام على ما يعم الهدية والصدقة.

ونقل عن الشيخ أن الصدقة بالجميع أفضل ، وهو مع خلوه عن المستند مناف لما صرح به هو وغيره من استحباب الأكل منها ، إلا أن يحمل على أن مراده الصدقة بالجميع بعد أكل شي‌ء منها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

(٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٢.

٢٠٧

ونقل في المنتهى عن الشيخ أنه لو أكل الجميع ضمن للفقراء قيمة الجزاء محتجا بالآية (١) وأنها تدل على وجوب التصدق ، ويشكل بأن وجوب التصدق لا يلائم استحباب الأضحية.

وقد أطلق الأصحاب أيضا عدم جواز بيع لحمها من غير تقييد بوجوبها ، واستدل عليه في المنتهى بأنها خرجت عن ملك المضحي بالذبح واستحقها المساكين ، وهو أيضا لا يلائم الاستحباب في الأضحية ، اللهمّ إلا أن يحمل على الأضحية الواجبة ، كهدي التمتع والمنذور.

الرابع :

ما تضمنته صحيحة علي بن جعفر من صفات الأضحية فقد صرح به الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) وقد تقدم البحث في ذلك في المقام الثاني من هذا الفصل (٢) وجميع ما يعتبر في الهدي يجري في الأضحية من كونها من الأنعام الثلاثة على الصفات المتقدمة ثمة.

قال في المنتهى (٣) : «وتختص الأضحية بالغنم والإبل والبقر ، وهو قول علماء الإسلام ، لقوله تعالى (٤) «لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» إذا ثبت هذا فإنه لا يجزئ إلا الثني من الإبل والبقر والمعز ،

__________________

(١ و ٤) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٨ ـ ٣٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٢.

(٣) ص ٨٦ ـ ١١٦.

٢٠٨

ويجزئ الجذع من الضأن ذهب إليه علماؤنا» انتهى.

وتحقيق القول في ذلك قد تقدم مفصلا في المقام المشار إليه.

الخامس :

قد صرح الأصحاب بأن وقتها بمنى أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وفي الأمصار ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده ، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك ونقل الأخبار الواردة في هذا المقام في المسألة الحادية عشرة من المقام الأول (١).

قال العلامة في المنتهى : «لو فاتت هذه الأيام فإن كانت الأضحية واجبة بالنذر وشبهه لم يسقط وجوب قضائها ، لأن لحمها مختص بالمساكين ، فلا يخرجون عن الاستحقاق بفوات الوقت ، وإن كانت غير واجبة فقد فات ذبحها ، فان ذبحها لم تكن أضحية ، فإن فرق لحمها على المساكين استحق الثواب على التفرقة دون الذبح» انتهى.

أقول : ما ذكره من الحكم الأول لا يخلو من مناقشة ، لأن النذر إن تعلق بالأضحية ـ كما هو المفروض وهو بعد هذه الأيام لا تكون أضحية كما اعترف به في الحكم الثاني ـ فقد فات وقتها وخرجت عن كونها أضحية فكيف تجب عليه ، ووجوب القضاء يحتاج إلى أمر جديد ، ولا يترتب على وجوب الأداء كما هو الحق في المسألة ، وحينئذ فليس إلا وجوب كفارة خلف النذر ، كما لا يخفى.

وأما وقتها بالنسبة إلى اليوم الذي تذبح فيه من أي ساعاته ، فقال

__________________

(١) في ص ٧٦ ـ ٨٣.

٢٠٩

الشيخ في المبسوط : «ووقت الذبح يدخل بدخول يوم الأضحى إذا ارتفعت الشمس ومضى مقدار ما يمكن صلاة العيد والخطبتان بعدها أقل ما يجزئ عن تمام الصلاة وخطبتين خفيفتين بعدها».

وقال في المنتهى : «وقت الأضحية إذا طلعت الشمس ومضى بقدر صلاة العيد سواء صلى الإمام أو لم يصل».

وقال في الدروس : «ووقتها بعد طلوع الشمس إلى مضي قدر صلاة العيد والخطبتين».

وظاهر عبارة المبسوط أن وقت الذبح بعد مضي مقدار الصلاة والخطبتين المخففتين ، وكذا ظاهر عبارة المنتهى ، وظاهر عبارة الدروس أنه بعد طلوع الشمس إلى أن يمضي مقدار الصلاة والخطبتين.

والعلامة في المنتهى إنما استدل بعد نقل أقوال العامة بأن قال : «لنا أنها عبادة يتعلق آخر وقتها بالوقت فيتعلق أوله بالوقت ، كالصوم والصلاة» ولا يخفى ما فيه.

قال المحقق الأردبيلي بعد نقل كلام الدروس : «وسنده غير ظاهر ، ولعل مراده أفضل أوقاته من اليوم فتأمل» انتهى.

أقول : قد روى الشيخ في الموثق عن سماعة (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : متى يذبح؟ قال : إذا انصرف الامام ، قلت : فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة ، فقال : إذا استقلت الشمس وقال : لا بأس أن تصلي وحدك ، ولا صلاة إلا مع إمام».

وظاهر الخبر كما ترى يدل على أن وقتها بعد صلاة العيد وخطبتيها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

٢١٠

وصلاة العيد كما تقدم تحقيقه في كتاب الصلاة (١) بعد طلوع الشمس ، وحينئذ فيكون دليلا لما ذكروه ، ويحمل إطلاق كلام الشيخ على ما ذكره في المنتهى والدروس من التقييد بطلوع الشمس ومضي مقدار الصلاة والخطبتين.

وأما قول السائل : «فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام» فكأنه توهم تعلق الحكم بصلاة الإمام الحق (عليه‌السلام) فأجابه (عليه‌السلام) بأن الوقت واحد ، وهو ما إذا ارتفعت الشمس ، وهو عبارة عن مضي مقدار الصلاة والخطبتين بعد الصلاة كما لا يخفى.

السادس :

قد صرحوا (رضوان الله تعالى عليهم) أيضا بأن الهدي الواجب يجزئ عن الأضحية وإن كان الجمع بينهما أفضل.

أقول : أما الحكم الأول فلا إشكال فيه ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «يجزؤه في الأضحية هديه» وفي نسخة «يجزؤك من الأضحية هديك». وروى في الفقيه عن الحلبي في الصحيح (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) أنه قال : «يجزئ الهدي عن الأضحية».

وأما الثاني فلم أقف على دليل عليه. إلا أنه ربما كان في لفظ الاجزاء

__________________

(١) راجع ج ١٠ ص ٢٢٦ ـ ٢٢٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٩٧ ـ الرقم ١٤٧٢.

٢١١

في الخبرين المذكورين إشعار به وإشارة إليه ، وعلله بعضهم بما فيه من فعل المعروف ونفع المساكين ، قال في المدارك : «ولا بأس به».

أقول : بل البأس فيه ظاهر ، فإن الأحكام الشرعية لا يمكن إثباتها بهذه التعليلات العليلة ، والتسامح فيها من حيث الاستحباب أو الكراهة مثلا مجازفة محضة ، فإنه لا فرق بين الوجوب والتحريم والاستحباب والكراهة في كونها أحكامها شرعية لا يجوز القول فيها على الله تعالى بغير دليل واضح ، ولو جاز ذلك في مقام الاستحباب جاز أيضا في مقام الوجوب ، كما لا يخفى.

السابع :

قالوا : لو لم يجد الأضحية تصدق بثمنها ، فان اختلفت أثمانها جمع الأعلى والأوسط والأدنى وتصدق بثلث الجميع.

ومستندهم في ذلك ما رواه الشيخ عن عبد الله بن عمر (١) قال : «كنا بالمدينة فأصابنا غلاء في الأضاحي ، فاشترينا بدينار ثم دينارين ثم بلغت سبعة ، ثم لم يوجد بقليل ولا كثير ، فوقع هشام المكاري إلى أبي الحسن (عليه‌السلام) فأخبره بما اشترينا ثم لم نجد بقليل ولا كثير ، فوقع انظروا إلى الثمن الأول والثاني والثالث ثم تصدقوا بمثل ثلثه».

وقد نص جملة من محققي المتأخرين على أن ما وقع في عبائر المتقدمين من جمع القيم الثلاث والتصدق بالثلث إنما وقع تبعا للرواية المذكورة ، وإلا فالضابط في ذلك هو جمع القيم المختلفة من اثنتين فما زاد ، والأخذ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

٢١٢

بالنسبة إلى تلك الأعداد من النصف في الثنتين والثلث في الثلاث وهكذا.

قال في المسالك : «والضابط الشامل لجميع افراد الاختلاف أن تجمع القيمتين أو القيم المختلفة ويتصدق بقيمة نسبتها إليها نسبة الواحد إلى عددها ، فمن الاثنتين النصف ، ومن الثلاث الثلث ، ومن الأربع الربع وهكذا» وعلى هذا النحو كلام غيره.

الثامن :

تكره التضحية بما يربيه ، ويستحب بما يشتريه ، يدل على ذلك ما رواه الشيخ عن محمد بن الفضيل (١) عن أبي الحسن (عليه‌السلام) قال : «قلت : جعلت فداك كان عندي كبش سمين لأضحي به ، فلما أخذته وأضجعته نظر إلي فرحمته ورفقت عليه ، ثم إني ذبحته ، قال : ما كنت أحب لك أن تفعل ، لا تر بين شيئا من هذا ثم تذبحه».

وعن أبي الصحاري (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : الرجل يعلف الشاة والشاتين ليضحي بهما ، قال : لا أحب ذلك قلت : فالرجل يشتري الجمل والشاة فيتساقط علفه من هاهنا ومن هاهنا فيجي‌ء الوقت وقد سمن فيذبحه ، قال : لا ، ولكن إذا كان ذلك الوقت فليدخل سوق المسلمين ويشتري منها ويذبحه».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ من كتاب الصيد والذباحة.

٢١٣

وروى في الفقيه مرسلا (١) قال : «وقال الصادق (عليه‌السلام) لا يضحى إلا بما يشتري في العشر».

قال : وقال أبو الحسن (عليه‌السلام) (٢) : «لا يضحى بشي‌ء من الدواجن».

قال في القاموس : «ودجن بالمكان دجونا أقام ، والحمام والشاة وغيرهما ألفت : وهو داجن. والجمع : دجون» وقال أيضا في مادة «رج‌ن» «رجن المكان رجونا : أقام والإبل وغيرها ألفت».

وقال في كتاب المصباح المنير : «دجن بالمكان دجنا من باب قتل ودجونا أقام به ، وادجن بالألف مثله ، ومنه قيل لما يألف البيوت من الشاة والحمام ونحو ذلك : دواجن».

التاسع :

قال الشيخ في المبسوط : «إذا اشترى شاة تجزى في الأضحية بنية أنها أضحية ملكها بالشراء وصارت أضحية ، ولا يحتاج أن يجعلها أضحية بقول ولا نية مجددة ولا تقليد وإشعار ، لأن ذلك إنما يراعى في الهدي خاصة ، وكذا لو كانت في ملكه فقال : قد جعلت هذه أضحية فقد زال ملكه عنها وانقطع تصرفه فيها ، فان باعها فالبيع باطل ، ولو اشترى شاة فجعلها أضحية فإن كانت حاملا تبعها ولدها».

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : «وعندي في ذلك نظر ، والأقرب

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

٢١٤

أن الشاة إنما تصير أضحية يجب تفرقتها بالنذر المعين أو بالتفرقة ، ولا يتبعها الولد إلا إذا تجدد الحمل بعد النذر» انتهى.

أقول : ما ذكره من النظر في كلام الشيخ المذكور جيد ، إلا أن الظاهر منه في المنتهى بل في سائر كتبه موافقة الشيخ فيما اعترضه هنا.

قال في المنتهى بعد أن ذكر أنه إذا اشترى شاة تجزئ في الأضحية بنية أنها أضحية ونقل كلام الشيخ وخلاف العامة في المسألة ما صورته : «إذا عين الأضحية على وجه يصح به التعيين فقد زال ملكه عنها ، فهل له إبدالها؟ قال أبو حنيفة ومحمد : نعم له ذلك ، فلا يزول ملكه عنها وقال الشافعي : لا يجوز إبدالها ، فقد زال ملكه عنها ، وبه قال أبو يوسف وأبو ثور ، وهو الظاهر من كلام الشيخ ، احتج الشافعي بما روي عن علي (عليه‌السلام) (١) أنه قال : «من عين أضحية فلا يستبدل بها». واحتج أبو حنيفة بما روي (٢) عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنه أهدى هديا وأشرك عليا (عليه‌السلام) فيها ،. وهو إنما يكون بنقلها إليه ، وفيه ضعف لجواز أن يكون (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقت السياق نوى أنها عن علي (عليه‌السلام)» إلى آخر كلامه في الكتاب المذكور ، وهو طويل مشتمل على فروع عديدة مبنية على زوال الملك عن الأضحية.

ثم إنه قال في مسألة أخرى بعد هذه المسألة : «إذا عين أضحية ذبح معها ولدها ، سواء كان حملا حال التعيين أو حدث بعد ذلك ، لأن التعيين

__________________

(١) لم نعثر على هذا المرسل في كتب الأخبار.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٥ ص ٢٣٨ و ٢٤٠.

٢١٥

معنى يزيل الملك عنها ، فاستتبع الولد كالعتق ، ولقول أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها ثم انحرهما جميعا».

وهذا نحو كلام الشيخ في المبسوط حيث قال : «فان كانت حاملا تبعها ولدها ، وإن كانت حائلا فحملت مثل ذلك ، لما روى عن علي (عليه‌السلام) (٢) إنه راى رجلا يسوق بدنة معها ولدها فقال : لا تشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها فإذا كان يوم النحر فانحرها وولدها عن سبعة ، فأمر بنحرها وولدها». انتهى. وعلى هذا النحو كلام الشهيد في الدروس كما لا يخفى على من راجعه.

أقول : والظاهر عندي هو ما ذكره في المختلف ، فإنه متى كانت إلا ضحية مستحبة كما هو المنصوص في كلامهم فإنها بمجرد تعيينها وقوله : «جعلتها أضحية» لا يعقل كونها واجبة إذ لا دليل عليه من سنة ولا كتاب ، فأصالة العدم قائمة والخروج عنها يحتاج إلى دليل.

وأما بالنسبة إلى الولد فقد تقدم في المسألة السابعة من المقام الرابع (٣) من الروايات صحيحة سليمان بن خالد (٤) وصحيحة محمد بن مسلم (٥).

وفي الاولى «إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها ثم انحرهما جميعا».

وفي الثانية «سألته عن البدنة تنتج أنحلبها؟ قال : أحلبها غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

(٢) سنن البيهقي ج ٥ ص ٢٣٧ مع اختلاف في اللفظ.

(٣) في ص ١٩٦.

(٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

٢١٦

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل ساق بدنة فنتجت ، قال : ينحرها وينحر ولدها ، وإن كان الهدي مضمونا فهلك اشترى مكانها ومكان ولدها». والنتاج لغة عبارة عن الوضع والولادة.

وظاهر هذه الروايات أن الولد في بطنها يتبعها في سياقها وجعلها هديا أو أضحية أو نذرا.

بقي الكلام في وجوب ذلك ، فان ثبت ما ادعوه من الوجوب ففي الجميع والا فالاستحباب فيهما وأما ما نقله في المبسوط عن علي (عليه‌السلام) من الخبر المذكور فلم أقف عليه من طرقنا ، ولا يبعد أن يكون من أخبار العامة ، فإنه كثيرا ما يستدل في الكتاب بأخبارهم.

العاشر :

وقد عرفت فيما تقدم أن الحكم في الأضحية هو قسمة لحمها أثلاثا ، وأكل ثلث والصدقة بثلث وأن يهدي ثلثا ، وبذلك صرح الأصحاب أيضا.

ثم إنهم قد ذكروا أيضا أنه لا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادخارها ، وأنه يكره أن يخرج شيئا مما يضحيه من منى إلا السنام ، فإنه دواء وأنه كان منهيا عن ادخارها فنسخ.

وهذا الكلام الأخير لا يخلو من إجمال ، فإنه يحتمل أن يكون راجعا إلى مجموع اللحم مع عدم صرفه في المصرف الموظف وهو التثليث ، وأن

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

٢١٧

يكون راجعا الى الثلث الذي يخص المالك بعد صرف الثلثين في مصرفهما الموظف لهما ويؤيد الأول ما في بعض العبارات من انه يكره أن يخرج مما يضحيه من منى بل يخرجه الى مصرفه.

وكيف كان فالذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالأضاحي في هذا المقام ما رواه في الكافي في الموثق (١) عن حنان بن سدير عن أبي جعفر (عليه‌السلام) وعن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ثم اذن فيها ، وقال : كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادخروا».

وروى الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد بن عيسى المنتهى إلى جابر بن عبد الله الأنصاري (٢) قال : «أمرنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن لا نأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام أذن لنا أن نأكله ونقدد ونهدي إلى أهالينا».

وعن محمد بن مسلم (٣) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : قال : «إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام».

وروى في كتاب العلل بسنده عن محمد بن مسلم (٤) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة ، فأما اليوم فلا بأس به».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

٢١٨

وفي الصحيح عن جميل بن دراج (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن حبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام بمنى ، قال : لا بأس بذلك اليوم إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إنما نهى عن ذلك أولا ، لأن الناس كانوا يومئذ مجهودين ، فأما اليوم فلا بأس».

ورواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن يونس عن جميل ، والذي قبله عن ابن أبي عمير عن جميل عن محمد بن مسلم.

أقول : وبهذا السند يكون الحديث المذكور صحيحا.

وروى الصدوق مرسلا (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): كنا ننهى عن إخراج لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام لقلة اللحم وكثرة الناس ، فأما اليوم فقد كثر اللحم وقل الناس فلا بأس بإخراجه».

وروى الشيخ بسنده عن زيد بن علي (٣) عن أبيه عن جده عن علي (عليهم‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : نهيتكم عن ثلاث : نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ، ونهيتكم عن إخراج لحوم الأضاحي من منى بعد ثلاث ألا فكلوا وادخروا ونهيتكم عن النبيذ ألا فانبذوا ، وكل مسكر حرام يعني الذي ينبذ بالغداة ويشرب بالعشي وينبذ بالعشي ويشرب بالغداة ، فإذا غلا فهو حرام».

وعن علي بن أبي حمزة (٤) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله أن يأكل منها بمنى أيامها ، قال : وهذه

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥ ـ ٦ ـ ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

٢١٩

مسألة شهاب كتب إليه فيها».

وعن احمد بن محمد عن علي (١) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله أن يأكل منها إلا السنام ، فإنه دواء ، قال أحمد وقال : لا بأس أن يشتري الحاج من لحم منى ويتزوده».

وروى الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى ، فقال كنا نقول : لا يخرج منها بشي‌ء لحاجة الناس إليه ، فأما اليوم فقد كثر الناس ، فلا بأس بإخراجه».

أقول : لا يخفى ما في الجمع بين هذه الأخبار وبين ما عليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب من استحباب التثليث في الأضحية بعد ذبحها أو نحرها من الإشكال ، فإنه متى كان الحكم الشرعي فيها هو التثليث وقد أتى به فلم يبق في يده إلا الثلث الذي هو له يتصرف فيه كيف شاء ، مع أنه لا يزيد غالبا على مصرفه في ثلاثة أيام منى حتى ينهى عن إخراجه ثم يؤمر به ويعلل بوجود المستحق وعدمه ، إذ لا يتعلق به حتى لمستحق بعد إخراج حتى المستحقين.

اللهم إلا أن يحمل استحباب التثليث على صدر الإسلام من حيث قلة اللحم وكثرة الناس ، وأنه بعد ذلك سقط هذا الحكم ، لعدم من يتصدق عليه ومن يهدي له بسبب كثرة اللحوم وقلة الناس ، فلا بأس حينئذ بإخراج اللحم وإدخاره وعدم صرفه في ذلك المصرف الموظف ، إلا أن هذا لا يلائم كلام الأصحاب ، لاتفاقهم على استحباب هذا الحكم في جميع الأعصار.

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤ ـ ٥.

٢٢٠