الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

المقام الرابع

في هدي القارن

قال العلامة (قدس‌سره) في المنتهى : «الهدي على ضربين :

(الأول) : التطوع ، مثل أن خرج حاجا أو معتمرا فساق معه هديا بنية أن ينحره بمنى أو مكة من غير أن يشعره أو يقلده ، فهذا لا يخرج عن ملك صاحبه ، بل هو على ملكيته يتصرف فيه كيف شاء من بيع أو هبة ، وله ولده وشرب لبنه ، فان هلك فلا شي‌ء عليه.

(الثاني) : الواجب ، وهو قسمان : أحدهما ما وجوبه بالنذر في ذمته أو وجوبه بغيره ، كهدي التمتع والدماء الواجبة بترك واجب أو فعل محظور كاللباس والطيب.

والذي وجب بالنذر قسمان : (أحدهما) أن يطلق النذر فيقول : «لله علي هدي بدنة أو بقرة أو شاة» وحكمه حكم ما وجب بغير النذر ، وسيأتي.

(والثاني) أن يعينه فيقول : «لله علي أن أهدى هذه البدنة أو هذه الشاة» فإذا قال زال ملكه عنهما ، وانقطع تصرفه في حتى نفسه فيهما ، وهي أمانة للمساكين في يده ، وعليه أن يسوقها إلى المنحر ، ويتعلق الوجوب هنا بعينه دون ذمة صاحبه ، بل يجب عليه حفظه وإيصاله إلى محله ، فإذا تلف بغير تفريط أو سرق أو ضل كذلك لم يلزمه شي‌ء ، لأنه لم يجب في الذمة ، وإنما تعلق الوجوب بعينه ، فيسقط بتلفها كالوديعة.

١٦١

وأما الواجب المطلق ـ كدم التمتع وجزاء الصيد والنذر غير المعين وما شابه ذلك ـ فعلى ضربين :

(أحدهما) أن يسوقه ينوي به الواجب من غير أن يعينه بالقول ، فهذا لا يزول ملكه إلا بذبحه ودفعه إلى اهله ، وله التصرف فيه بما شاء من أنواع التصرف كالبيع والهبة والأكل وغير ذلك ، لأنه لم يتعلق حق الغير به ، فان عطب تلف من ماله ، وإن عاب لم يجزه ذبحه ، وعليه الهدي الذي كان واجبا عليه ، لأن وجوبه تعلق بالذمة ، فلا تبرأ منه إلا بإيصاله إلى مستحقه ، وجرى ذلك مجرى من عليه دين لآخر فحمله إليه فتلف قبل وصوله إليه.

(الثاني) أن يعين الواجب فيه ، فيقول : هذا الواجب علي ، فيتعين الواجب فيه من غير أن تبرأ الذمة منه ، لأنه لو أوجب هديا ولا هدي عليه لتعين ، فكذا إذا كان واجبا فعينه ، ويكون مضمونا عليه ، فان عطب أو سرق أو ضل لم يجزه ، وعاد الوجوب إلى ذمته ، كما لو كان عليه دين فاشترى صاحبه منه متاعا به فتلف المتاع قبل القبض ، فان الدين يعود إلى الذمة ولأن التعيين ليس سببا في إبراء ذمته ، وإنما تعلق الوجوب بمحل آخر ، فصار كالدين إذا رهن عليه رهنا ، فان الحق يتعلق بالذمة والرهن ، فمتى تلف الرهن استوفي من المدين ، فإذا ثبت أنه يتعين فإنه يزول ملكه عنه وينقطع تصرفه فيه ، وعليه أن يسوقه إلى المنحر ، فان وصل نحره وأجزأ وإلا سقط التعيين ووجب عليه إخراج الذي في ذمته على ما قلناه ، وهذا كله لا نعلم فيه خلافا» انتهى كلامه ، علت في الخلد اقدامه ، ورفع فيه مقامه.

وقال الشيخ في المبسوط : «الهدي على ثلاثة أضرب : تطوع ، ونذر

١٦٢

شي‌ء يعينه ابتداء ، وتعيين هدي واجب في ذمته ، فان كان تطوعا مثل أن خرج حاجا أو معتمرا ـ ثم ذكر حكمه كما تقدم في كلام العلامة ثم قال ـ : الثاني هدي أوجبه النذر ابتداء بعينه ـ ثم ذكر الحكم فيه كما تقدم أيضا إلى أن قال ـ : الثالث ما وجب في ذمته عن نذر ، أو ارتكاب محظور كاللباس والطيب والثوب والصيد أو مثل دم المتعة ، فمتى ما عينه في هدي بعينه تعين ، فإذا عينه زال ملكه عنه وانقطع تصرفه فيه ، وعليه أن يسوقه إلى المنحر ، فان وصل نحره وأجزأه ، وإن عطب في الطريق أو هلك سقط التعيين ، وكان عليه إخراج الذي في ذمته ، فإذا نتجت فحكم ولدها حكمها» انتهى.

أقول : وصريح كلام الشيخ المذكور وهو ظاهر كلام العلامة أيضا أنه إذا عين الهدي المضمون في عين مخصوصة فإنه يخرج بذلك عن ملكه وينقطع تصرفه فيه.

قال في الدروس : «وحكم الشيخ بأن الهدي المضمون كالكفارة ، وهدي التمتع يتعين بالتعيين ، كقوله : «هذا هديي» مع نيته ، ويزول عنه الملك ، وظاهر الشيخ أن النية كافية في التعيين ، وكذا الإشعار أو التقليد ، وظاهر المحقق أنهما غير مخرجين وإن وجب ذبحه لتعينه ، وتظهر الفائدة في النتاج بعد التعيين ، فان قلنا بقول الشيخ وجب ذبحه معه ، وهو المروي (١)» انتهى.

أقول : لا ريب في قوة ما ذهب إليه الشيخ باعتبار دلالة الاخبار (٢) على تبعية الولد بعد نتاجه لأمه في حكم الذبح معها ، فإنه لولا تعينها

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح.

١٦٣

بالتعيين لما سرى الحكم إلى الولد الذي هو نتاجها وثمرتها ، نعم خرج من ذلك جواز شرب لبنها وركوبها الغير المضرين ـ كما سيأتي إنشاء الله تعالى قريبا ـ بالنصوص (١) وبقي الباقي ، والله العالم.

إذا عرفت ذلك ففي هذا المقام مسائل :

الاولى :

قد صرح جملة من الأصحاب منهم الشيخ (رحمه‌الله) وابن إدريس والشهيدان في الدروس والمسالك والمحقق الشيخ علي وغيرهم بأن هدي القران لا يخرج عن ملك سائقه وإن أشعره أو قلده ، إلا أنه متى أشعره أو قلده لم يجز له إبداله ، ووجب نحره بمنى إن كان السياق في إحرام الحج ، وفي مكة إن كان في إحرام العمرة ، والمراد من عدم خروجه عن ملكه بعد الاشعار والتقليد الموجب لتعيينه للذبح أن له التصرف فيه بالركوب وشرب لبنه ونحو ذلك من أنواع التصرف الذي لا ينافي نحره في مكانه.

قال في الدروس بعد كلام في المقام : «وعلى كل تقدير لا يخرج عن ملكه ، نعم له إبداله ما لم يشعره أو يقلده ، ولا يجوز حينئذ إبداله ، ويتعين ذبحه أو نحره بمنى إن قرنه بالحج ، وإلا فبمكة ، والأفضل الجزورة».

وقال في المسالك : «اعلم أن هدي القران لا يخرج عن ملك مالكه بشرائه أو إعداده قبل ذبحه أو نحره ، ولم يجز له إبداله على ما يظهر من

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح.

١٦٤

جماعة من الأصحاب ، ويدل عليه أيضا صحيحة الحلبي (١) عن الصادق (عليه‌السلام) «إن كان أشعرها نحرها». ولهذا يجب ذبحه لو ضل فأقام غيره ثم وجده قبل ذبح الآخر ، والظاهر أنه مع ذلك لا يخرج عن ملكه وإن تعين للذبح ، لأصالة بقاء الملك ، ووجوب الذبح أو النحر لا ينافيه وتظهر الفائدة في جواز ركوبه وشرب لبنه ، وإنما يمتنع إبداله وإتلافه ، ويجب حفظه حتى يفعل به ما يجب» انتهى.

وقد وقع للمحقق (رحمه‌الله) في الشرائع هنا نوع سهو في العبارة ، وتبعه عليه العلامة في المنتهى كما هو الغالب من اقتفائه فيه أثر المحقق في المعتبر ونقل عبائره.

قال في الشرائع : «لا يخرج هدي القران عن ملك سائقه ، وله إبداله والتصرف فيه وإن أشعره أو قلده ، لكن متى ساقه لا بد من نحره بمنى إذا كان لإحرام الحج ، وإن كان لإحرام العمرة فبفناء الكعبة بالجزورة».

وقال في المنتهى : «قد بينا أن غير المتمتع لا يجب عليه الهدي ، والقارن لا يخرج هديه عن ملكه ، وله إبداله والتصرف فيه وإن شعره أو قلده ، لأنه غير واجب عليه ، لكن متى ساقه فلا بد من نحره بمنى إن كان الإحرام بالحج ، وإن كان للعمرة فبفناء الكعبة بالموضع المعروف بالجزورة ولو هلك لم يضمنه» انتهى.

واعترضهما شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وقبله المحقق الشيخ علي في حاشية الشرائع بلزوم التدافع في هذا الكلام.

قال في المسالك بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه : «إذا عرفت ذلك فعبارة

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٦٥

المصنف لا تخلو ظاهرا من التدافع ، حيث ذكر أولا أنه لا يخرج عن ملك سائقه وأن له إبداله والتصرف فيه ، ثم قال : لكن متى ساقه فلا بد من نحره ، فإنه يقتضي عدم جواز الأبدال والتصرف فيه بعد السياق ، وتبعه على هذه العبارة العلامة في أكثر كتبه ، وعبارة الأولين خالية عن ذلك» ثم إنه ارتكب تأويل العبارة المذكورة وتطبيقها على ما ذكره أولا بما لا يخلو من تكلف وتعسف.

ويظهر من السيد السند في المدارك الانتصار للفاضلين المذكورين وتصحيح كلاميهما ، حيث قال بعد نقل عبارة المصنف المتقدمة : «هذا الحكم ذكره المصنف والعلامة (رضى الله عنهما) في جملة من كتبه ، ومقتضاه أن هدي القران لا يخرج عن ملك سائقه ، وله إبداله والتصرف فيه قبل الاشعار وبعده ما لم ينضم إليه السياق ، فان انضم إليه السياق وجب نحره ، ويلزم منه عدم جواز التصرف فيه والحال هذه بما ينافي النحر» ثم نقل عن الشيخ وابن إدريس والشهيد ومن تأخر عنه أن مجرد الإشعار يقتضي وجوب نحر الهدي وعدم جواز التصرف فيه بما ينافي ذلك وإن لم ينضم إليه السياق.

أقول : إن مبنى الاعتراض على كلام الفاضلين المذكورين هو أن المعروف من معنى سياق الهدي شرعا ليس إلا عقد الإحرام به بالإشعار أو التقليد فمتى عقد إحرامه بإشعار الهدي أو تقليده سمي سائقا ، ولا يتوقف ذلك على سياقه معه في الطريق إلى أن يصل ، وإن لزم ذلك فان المتبادر من الأخبار (١) الدالة على أن سائق الهدي لا يجوز له الإحلال حتى يبلغ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٤ و ٢٥ و ٢٧ والباب ـ ٥ منها ـ الحديث ١١.

١٦٦

الهدي محله يعني من عقد إحرامه بإشعار الهدي أو تقليده ، لا مجرد سياقه وصحبته في الطريق معه.

وحينئذ فما رام في المدارك الجواب به ـ من حمل السياق على مجرد صحبة الهدي في الطريق وأنه يترتب عليه وجوب الذبح وعدم جواز الأبدال دون الاشعار والتقليد فإنه يجوز الأبدال بعدهما ـ لا معنى له ولا دليل عليه ، مع ما فيه من الخروج عن المعنى الشرعي المستفاد من النصوص وكلام الأصحاب ، فإنه لا خلاف بينهم في أن السياق إنما هو عبارة عما ذكرناه كما لا يخفى على من راجع عباراتهم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد استدل الشيخ ومن تبعه على ما ذهبوا إليه بصحيحة الحلبي المشار إليها فيما قدمنا من عبارة المسالك ، وهي ما رواه في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه ، قال : إذا لم يكن قد أشعرها فهي من ماله ، إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها». وهي كما ترى ظاهرة في تعينها للنحر بمجرد الاشعار.

قال في المدارك بعد نقل الاستدلال بها للقول المذكور ما صورته : «ويتوجه عليه أن أقصى ما تدل عليه هذه الرواية وجوب نحر الهدي الذي ضل بعد الاشعار ثم وجد في منى ، ولا يلزم منه تعينه للنحر بعد الاشعار مطلقا».

أقول : لا يخفى ما في هذا الجواب من المجازفة الظاهرة ، فإنه لو تم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٦٧

مثل هذا الكلام لانسد باب الاستدلال في كل مقام ، إذ لا يخفى أن خصوصيات المكان والزمان والسائل والمسؤول ونحوها من القيود اللازمة في المحاورات لا تؤخذ ولا تعتبر في الحكم إلا إذا علم لها وجه في الدخول فيه وخصوصية تترتب عليها في ذلك المقام ، فلا يتعدى الحكم حينئذ إلى غيرها وأما مجرد وجودها فإنه لا يقتضي المدخلية في الحكم.

ومن الظاهر أن الأمر بنحرها في الرواية إنما يترتب على الاشعار الذي ردد (عليه‌السلام) الكلام فيه فقال : إن لم يشعر فالحكم كذا وإن أشعر فالحكم كذا ، وحينئذ فيكون وجودها ـ كان في منى أم غيرها ، وكونها ضالة أم غير ضالة ونحو ذلك ـ لا مدخل له في الحكم المذكور ، وإلا للزم عليه أن يقال : إنه إذا قال القائل للإمام (عليه‌السلام) : «ما تقول في رجل صلى يوم الجمعة في المسجد وفي سراويله نجاسة فقال : يعيد» فينبغي بمقتضى ما ذكره أن يخص وجوب الإعادة بهذه القيود المذكورة ، ولا يقال : أن هذه الرواية تدل على وجوب الإعادة بالصلاة في النجاسة مطلقا.

وبالجملة فظهور السخافة في هذا الجواب مما لا يخفى على ذوي الألباب ، والله العالم بالصواب.

المسألة الثانية :

الظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في أنه لو هلك هدي القران فلا يجب إقامة بدله ، لأنه غير مضمون ، وإقامة البدل انما تجب في المضمون الذي اشتغلت به الذمة ، كما تقدم في كلام العلامة (رضوان الله تعالى عليه) في صدر المقام.

١٦٨

والذي يدل على كل من الحكمين ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الهدي الذي يقلد أو يشعر ثم يعطب ، قال : إن كان تطوعا فليس عليه غيره ، وإن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل اهدى هديا فانكسرت ، فقال : إن كان مضمونة فعليه مكانها ، والمضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا ، وله أن يأكل منها ، فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي‌ء».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ المنحر أيجزئ عن صاحبه قال : إن كان تطوعا فلينحره وليأكل منه وقد أجزأ عنه بلغ أو لم يبلغ ، فليس عليه فداء ، وإن كان مضمونا فليس عليه أن يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ ، وعليه مكانه».

وما رواه في الفقيه عن القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك ، قال : يذكيها إن قدر على ذلك ويلطخ نعلها التي قلدت بها حتى يعلم من مر بها أنها قد ذكيت فيأكل من لحمها إن أراد ، فإن كان الهدي مضمونا فان عليه أن يعيده ، يبتاع مكان

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣. إلا أنه لم يذكر ذيله وذكره في الفقيه ج ٢ ص ٢٩٨ ـ الرقم ١٤٧٨.

١٦٩

الهدي إذا انكسر أو هلك ، والمضمون : الواجب عليه في نذر أو غيره ، فان لم يكن مضمونا وانما هو شي‌ء تطوع به فليس عليه أن يبتاع مكانها إلا أن يشاء أن يتطوع».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل ساق بدنة فنتجت ، قال : ينحرها وينحر ولدها ، وإن كان الهدي مضمونا فهلك اشترى مكانها ومكان ولدها».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز عمن أخبره (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «من ساق هديا تطوعا فعطب هديه فلا شي‌ء عليه ينحره ، ويأخذ نعل التقليد فيغمسها في الدم فيضرب بها صفحة سنامه ولا بدل عليه ، وما كان من جزاء صيد أو نذر فعطب فعل مثل ذلك ، وعليه البدل ، وكل شي‌ء إذا دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره».

بقي الكلام في أمرين : (أحدهما) : أن صحيحتي معاوية بن عمار قد دلتا على أن له أن يأكل من المضمون ، وهو خلاف ما صرح به الأصحاب ودل عليه أيضا جملة من الأخبار (٣) وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في المسألة التاسعة من المقام الأول (٤) والأظهر حمل هذه الأخبار على ظاهرها من جواز الأكل ، لأنه متى كان مضمونا فقد انتقل الحكم الذي هو عدم جواز

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥ و ١٦ و ٢٦ و ٢٧.

(٤) راجع ص ٦٢ ـ ٦٧.

١٧٠

الأكل منه إلى البدل ، ورجع هذا الهدى الأول إلى ملك صاحبه ، كما تقدم في كلام شيخنا العلامة (قدس‌سره) وأما ما تقدم في المقام الأول من الأخبار الدالة على جواز الأكل من الهدي المضمون وإن بلغ محله فقد ذكرنا أن الوجه فيها التقية.

و (ثانيهما) : أن مرسلة حريز قد دلت على أن كل هدي دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره ، وهو ظاهر المنافاة لما تقدم من التفصيل بين الواجب المضمون وغيره من المستحب أو الواجب الغير المضمون ، والشيخ في كتابي الأخبار قد حملها على العجز عن البدل أو على عطب غير الموت كالكسر ، فينحره على ما هو به ويجزوه ، ولا يخفى بعده ، والأظهر العمل بما دلت عليه من الاكتفاء بدخول الحرم مع العطب مطلقا ، وتخصيص تلك الاخبار بها ، وحملها على ما إذا حصل العطب قبل دخول الحرم.

المسألة الثالثة :

لو عجز هدي السياق فظاهر الأخبار أنه يجب ذبحه أو نحره في مكانه ويعلم بما يدل على أنه هدي ليأكل منه من أراد ، وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار.

(منها) رواية علي بن أبي حمزة (١) ومرسلة حريز (٢) المتقدمتان.

و (منها) صحيحة حفص بن البختري (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام):

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

١٧١

رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ولا يعلم أنه هدي ، قال : ينحره ويكتب كتابا يضعه عليه ليعلم من مر به أنه هدي».

وصحيحة الحلبي (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «أي رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك فينحرها إن قدر على ذلك ثم ليلطخ نعلها التي قلدت به بدم حتى يعلم من مر بها أنها قد ذكيت ، فيأكل من لحمها إن أراد ، وإن كان الهدي الذي انكسر وهلك مضمونا فان عليه أن يبتاع مكان الذي انكسر وهلك ، والمضمون هو الشي‌ء الواجب عليك في نذر أو غيره ، فان لم يكن مضمونا وإنما هو شي‌ء يتطوع به فليس عليه أن يبتاع مكانه إلا أن يشاء أن يتطوع».

ورواية عمرو بن حفص الكلبي (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ولا من يعلمه أنه هدي ، قال : ينحره ويكتب كتابا ويضعه عليه ليعلم من مر به أنه صدقة».

ويستفاد من جملة من الاخبار مما ذكرناه هنا وما قدمناه وما طوينا ذكره أنه يستحب سياق الهدي في العمرة والحج وأنه تتأدى وظيفة الاستحباب بسياق الواجب أيضا مضمونا كان أم لا ، متعينا كان أم لا ، وإن تفاوتت هذه الأفراد من جهة أخرى.

وظاهر هذه الأخبار أن وجوب الذبح أو النحر مع العطب ، والعمل به بما ذكرناه شامل لجميع الأفراد المذكورة وإن اختلف الحكم فيها في وجوب

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

١٧٢

الأبدال وعدمه ، كما فصلته الأخبار المذكورة ، وتقدم تفصيله في كلام شيخنا العلامة رفع الله تعالى مقامه ، فكل ما كان مضمونا ـ مثل الكفارات وجزاء الصيد والمنذور المطلق ودم المتعة ـ فإنه يجب إبداله متى ذبحه أو نحره لعطبه ، ويجوز الأكل حينئذ من هذا الهدي المذبوح أو المنحور لوجوب بدله ، ويتعلق تحريم الأكل حينئذ بالبدل ، ويرجع هذا الهدي بعد ما وقع عليه إلى ملكه ، فيتصرف فيه كيف شاء وأما الواجب المعين كالنذر المعين فان حكمه حكم المتبرع به في عدم وجوب الأبدال ، لعدم تعلقه بالذمة.

بقي هنا شي‌ء : وهو أنه قد روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه على هدي؟ قال : لا يبيعه ، فان باعه تصدق بثمنه ويهدي هديا آخر».

ورواه في الفقيه عن العلاء عن محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه؟ وإن باعه ما يصنع بثمنه؟ قال : إن باعه فليتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر».

وفي الحسن عن الحلبي (٣) قال : «سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي آخر؟ قال : يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر».

__________________

(١ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٢) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ وذكره في الفقيه ج ٢ ص ٢٩٨ ـ الرقم ١٤٨٢.

١٧٣

وظاهر الخبرين وجوب التصدق بالثمن بعد البيع واقامة بدله ، أما إقامة البدل فلا إشكال فيه ، لما تقدم من أن المضمون ما لم يبلغ محله يجب إبداله.

إنما الإشكال في وجوب التصدق بثمنه مع ما عرفت من كلامهم أنه بعد العطب والكسر يرجع إلى ملك صاحبه ، فله التصرف فيه كيف شاء ومن ثم حملوا التصدق بالثمن هنا على الاستحباب ، لأن الجمع بين وجوب التصدق بثمنه ووجوب إقامة بدله خلاف القواعد الشرعية والقوانين المرعية ، فإنه إن بقي على حاله الأول من تعينه فوجوب التصدق بثمنه في محله ، حيث إنه خرج عن ملك صاحبه بتعينه للنسك ، إلا أنه لما تعذر إيصاله جاز بيعه والتصدق بثمنه ، ولا معنى للبدل على هذا الوجه ، وإن كان قد خرج بما عرض له من العطب والكسر عن التعين لذلك النسك ـ لأن. الواجب هدي صحيح يوصله إلى ذلك المكان ، فلما عطب رجع إلى ملك صاحبه وزال التعين ، كما تقدم في كلامهم ووجب البدل ـ فوجوب البدل ظاهر ، وهذا هو مدلول النصوص المتقدمة ، وأما وجوب التصدق بثمنه فلا وجه له حينئذ ، وبه يظهر صحة ما ذكروه من حمل التصدق على الاستحباب.

إلا أن عبائرهم في هذا المقام لا تخلو من اضطراب ، حيث إنهم قالوا : «ولو عجز هدي السياق ذبح أو نحر وعلم علامة الهدي ، ولو انكسر جاز بيعه والتصدق بثمنه أو إقامة بدله» وفي بعض العبارات «ولو عجز هدي السياق جاز أن ينحر» إلى آخره.

ومرادهم بهدي السياق المذكور أولا ما هو أعم من الهدي المستحب أو الواجب ، كما قدمنا ذكره ، ومقتضى هذا الكلام بحسب ظاهره أن مورد هذين الحكمين هو هدي السياق بالمعنى المذكور ، وأنه يجوز ذبحه أو نحره

١٧٤

والاعلام به ، ويجوز بيعه على الوجه المذكور.

وربما أشعر ذلك بالتخيير بين الأمرين ، وهو مشكل ، لأن مورد روايتي البيع والتصدق والأبدال إنما هو الهدي الواجب على ما عرفت من الإشكال في ذلك أيضا لا الهدي المستحب ، كما هو ظاهر عموم هدي السياق المفروض.

إلا أن الظاهر من كلام العلامة في المنتهى تخصيص هدي السياق في هذا المقام بالهدي المستحب ، حيث قال : «ولو عجز هدي السياق عن الوصول إلى مكة أو منى جاز أن ينحر أو يذبح ويعلم بما يدل على أنه هدي ، ولو أصابه كسر جاز له بيعه ، وينبغي أن يتصدق بثمنه أو يقيم بدله ، لأنه عوض عن هدي مستحب» انتهى.

والتقريب فيها أن الضمير في «أصابه كسر» يرجع إلى هدي السياق المتقدم ، وآخر العبارة ظاهر في أن المراد به الهدي المستحب ، وقد عرفت سابقا أن مورد روايات الحكم الأول هدي السياق بالمعنى الأعم لما اشتمل عليه بعضها من وجوب الأبدال بعد النحر إن كان مضمونا وعدمه إن لم يكن كذلك ، ومورد أخبار الحكم الثاني إنما هو الهدي الواجب خاصة ، ولم نقف على رواية في الهدي المستحب أنه يباع ويتصدق بثمنه ويقام بدله غيره.

وبالجملة فإن كلامهم على الاخبار هنا لا يخلو من الاشكال ، مع ما في عباراتهم من الإجمال ، حيث عبروا بأن هدي السياق إذا عجز يجوز ذبحه ونحره ، والمستفاد من الأخبار كما تقدمت هو الوجوب ، وكون هدي السياق في كلامهم هو الهدي المستحب ، كما يفهم من عبارة المنتهى ، أو الأعم كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة.

١٧٥

وظاهر كلامهم المتقدم أيضا الفرق بين العجز والكسر ، فخصوا الذبح أو النحر والتعليم بالأول ، والبيع والتصدق أو إقامة البدل بالثاني ، زعما منهم المغايرة بين الأمرين ، بل ادعى شيخنا الشهيد الثاني ورود النص بالفرق ، وأنكره سبطه في المدارك ، وهو كذلك ، لما عرفت من صحيحة الحلبي المتقدمة في صدر المسألة ، حيث دلت على الذبح والتعليم في صورة الكسر ، وأنه متى كان الهدي مضمونا فان عليه البدل ، وأيضا فإن الأخبار اشتملت على ذكر العطب وهو أعم من الكسر وغيره.

وبالجملة فالمستفاد من الاخبار على وجه لا يعتريه الإنكار هو ما قدمناه من أن هدي السياق مطلقا متى عجز عن الوصول ـ سواء كان بواسطة الكسر أو غيره ـ وجب نحره أو ذبحه والاعلام بكونه هديا بما تقدم في الأخبار من العلامات ، ولا يجب الإقامة عنده إلى أن يوجد المستحق وإن أمكن.

ثم إنه إن كان مضمونا وجب بدله وإلا سقط ، لما عرفت من حكم المضمون ، والأفضل له أن يتصدق بثمنه إن باعه ، وعلى هذا فيتخير في المضمون بين ذبحه أو نحره وبين بيعه.

وينبغي أن يعلم أن ما تقدم في الأخبار من وجوب الاعلام بكون الهدي صدقة ليأكل منه من يمر به إما بكتابة كتاب عليه بذلك أو بلطخ نعله بالدم مخصوص بغير المضمون الذي يجب إقامة البدل عنه ، لما عرفت من أنه بسبب وجوب البدل عنه ينتقل الحكم إلى البدل ، ويرجع الأول إلى ملك صاحبه.

١٧٦

تتمة :

ظاهر الأصحاب أن الهدي بأي المعاني المتقدمة يجب ذبحه بعد بلوغ محله ، فان كان سياقه مستحبا أو نذرا فله التصرف فيه بعد الذبح كيف شاء ، إلا أن يكون نذره صدقة فإنه يجب صرفه فيما نذره ، وإلا فالواجب الذبح أو النحر خاصة ، وأما لو كان واجبا كهدي المتعة فقد تقدم الحكم فيه ، وأن الأظهر قسمته أثلاثا.

والأقرب أيضا في هدي القران كذلك ، لما رواه الشيخ في الموثق عن شعيب العقرقوفي (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : بمكة ، قلت : فأي شي‌ء أعطي منها؟ قال : كل ثلثا وأهد ثلثا وتصدق بثلث».

وفي صحيحة سيف التمار (٢) في هدي السياق قال : «اطعم أهلك ثلثا ، واطعم القانع والمعتر ثلثا ، واطعم المساكين ثلثا».

وأما الواجب في الكفارة والنذر المطلق وهو المضمون فإنه لا يجوز الأكل منه كما تقدم ، بل يتصدق به بعد الذبح ، ويدل على ذلك ما تقدم في رواية أبي بصير (٣) قال : «سألته عن رجل اهدى هديا فانكسر ، قال إن كان مضمونا ـ والمضمون ما كان في يمين يعني نذرا أو جزاء ـ فعليه فداؤه ، قلت : أيأكل منه؟ قال : لا ، إنما هو للمساكين ، فان لم يكن

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٨ ـ ٣ ـ ١٦.

١٧٧

مضمونا فليس عليه شي‌ء ، قلت : أيأكل منه؟ قال : يأكل منه».

وروى شيخنا المفيد في المقنعة مرسلا (١) قال : «قال (عليه‌السلام): من ساق هديا مضمونا في نذر أو جزاء فانكسر أو هلك فليس له أن يأكل منه ، ويفرقه على المساكين ، وعليه مكانه بدل منه ، وإن كان تطوعا لم يكن عليه بدله ، وكان لصاحبه أن يأكل منه». وما دل عليه الخبران من عدم جواز الأكل من المضمون مع أن عليه بدله قد تقدم الكلام فيه قريبا في المسألة الثانية (٢) وقبلها في المسألة التاسعة من المقام الأول (٣) والله العالم.

المسألة الرابعة :

قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في جملة أحكام هدي السياق بأنه لو سرق من غير تفريط لم يضمن ، وهو على إطلاقه مشكل لما عرفت سابقا من أن هدي السياق منه ما يكون مستحبا وإن وجب بالإشعار أو التقليد ، ومنه ما يكون واجبا ، والواجب منه ما يكون مضمونا وما يكون متعينا ، وهذا الحكم لا يتم إلا فيما عدا الواجب المضمون من المستحب أو المتعين بنذر وشبهه ، فإنه يكون في يد صاحبه بمنزلة الأمانة إلى أن يوصله محله ، كما تقدم في كلام شيخنا العلامة أجزل الله إكرامه ، فلو تلف من غير تفريط فلا ضمان عليه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٠.

(٢) ص ١٦٨ ـ ١٧١.

(٣) ص ٦٢ ـ ٦٧.

١٧٨

وأما الواجب المضمون كالمنذور مطلقا وجزاء الصيد ودم المتعة ونحو ذلك فان تلفه وإن كان بغير تفريط لا يوجب براءة الذمة وإن عينه لذلك ، لأنه لا يخرج بالتعيين عن الاستقرار في ذمته ، بل يكون مراعى ببلوغه محله حسب ما تقدم إيضاحه في كلام شيخنا المذكور من غير خلاف فيه ، كما أشار إليه في آخر كلامه ، وحينئذ فالواجب حمل كلامهم على الأفراد الأولة وقد استدل الشيخ في التهذيب على الحكم المذكور

بما رواه عن احمد بن محمد بن عيسى عن غير واحد من أصحابنا (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل اشترى شاة لمتعته فسرقت منه أو هلكت ، فقال : إن كان أوثقها في رحله فضاعت فقد أجزأت عنه».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها قال : لا بأس ، وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شي‌ء».

وقد نقل السيد السند في المدارك استدلال الشيخ (رحمه‌الله) بهذين الخبرين وجمد عليه ، مع ما في ذلك من الاشكال وظهور الاختلال ، لأن محل البحث هدي السياق بالمعنى الذي ذكرناه ، وأما هدي التمتع فان الظاهر من كلام الأصحاب كما عرفت ـ حيث إنه واجب مضمون ـ أن تلفه لا يكون مبرئا للذمة ، وهذه الرواية يجب أن تكون مخصوصة بالشاة التي اشتراها وأوثقها في رحله بمنى ليكون القول بالاجزاء باعتبار بلوغ الهدي محله لا مطلقا.

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ ـ ١.

١٧٩

ويؤيده ما رواه الشيخ عن ابن جبلة عن علي (١) عن عبد صالح (عليه‌السلام) قال : «إذا اشتريت أضحيتك وقمطتها وصارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله».

ومورد الرواية وإن كان بلفظ الأضحية إلا أنه كثيرا ما يطلق على هدي التمتع باعتبار إجزائه عن الأضحية ، وكذا الرواية الثانية مقيدة بالأضحية في منى كما يشير إليه هذا الخبر أيضا.

ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الله عن رجل يقال له الحسن عن رجل سماه (٢) قال : «اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت ، فقال لي أبي : ائت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فاسأله عن ذلك ، فأتيته فأخبرته ، فقال : ما ضحي بمنى شاة أفضل من شاتك».

نعم هما يصلحان للتأييد في الجملة ، على أن مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى المذكورة معارضة بما هو أوضح منها سندا ، وهو ما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن رجل اشترى هديا لمتعته فأتى به منزله فربطه ثم انحل فهلك هل يجزؤه أو يعيد؟ قال : لا يجزؤه إلا أن يكون لا قوة به عليه».

والدليل الحقيقي على الاجزاء إنما هو ما تقدم من أنه في يده بمنزلة الأمانة التي لا يضمنها صاحبها إلا مع التفريط ، ولا تعلق له بالذمة الذي هو موجب للضمان.

بقي الكلام في الجمع بين مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى الدالة على

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

١٨٠